الفصل السابع والثلاثون

الفصل السابع والثلاثون|| خطوة جديدة

انطلقت السيارة بسرعة صوب ذلك المنزلان اللذان غديا قبلة لمعركة الحسم الأخيرة، تخللت تلك الدقائق أحاديث مشتركة من الثلاثي، وكان أول من تحدث خليل حين قال:
_بدأت أصدق ما قاله العم نعمان عن أن والد معاذ قد يكون قضى نحبه إثر تدبير مكيدة له من قبل هؤلاء الأوغاد

هز جمال رأسه موافقا وأردف:
_أنا أيضا بدأت أصدق ذلك، لكن ما يحيرني حقا هو الرجل الذي بنى المنزل أولا، لا شك أنه متورط بأعمال قذرة كأمجد

استمرت تلك الأحاديث بينهما حتى انتبها لصمت يوسف المطبق، التفت خليل ناحيته وسأل باستغراب:
_لمَ أنت صامت هكذا؟

نظر يوسف عن يساره ليشاهد الطريق من النافذة وهي تطوى أمامهم، علق غير مستوعب لما يحدث:
_هل أنتم واثقون مما تفعلون؟ أليس من الجنون أن أعود إليه؟ بل ما الذي تظنون أنكم ستفعلونه في منزل مليء بكاميرات المراقبة؟

همهم جمال بثقة وقال:
_الشرطة هم من سيفعلون، لا تهتم لكاميرات المراقبة، سيتدبرون أمرها

زفر يوسف بإحباط وعلق:
_أنت كما أنت يا جمال، متهور منذ أن عرفتك، أراهن أن والدك لن يمرر لك هذه بسلام

اعتلت ضحكات جمال في المكان، علق بمرح:
_سأبذل جهدي للاستمتاع قبل أن يعلم، ثم لا تقلق عمي أحمد لا يختلف عنه كثيرا

أمسك يوسف رأسه بيمناه بألم، لا يعلم كم سيأخذ الأمر منه وهو يمثل أنه بخير أمام أمجد، لا يعلم من أين أتت الأفكار المجنونة لجمال، وربما عليه ألا يستغرب، فجمال للأفكار الجنونية كالمغناطيس، لكنه ممتن له حقا على كل ما فعله حتى الآن

لا يعلم كيف غفل عن شيء كذلك الذي اكتشفه جمال خلال دقائق، ربما قلقه وخوفه سببا عدم قدرته على التركيز، وبعد أن علم بشأن كاميرات المراقبة زاد عجزه ضعفا إلى ضعف

عمل على تعلم الحاسوب والأمن الإلكتروني مع أمجد عله يصل إلى مرحلة يتمكن فيها من اختراق نظام تلك الكاميرات، عله يكتشف شيئا ذا أهمية، لكن مخططاته كلها باءت بالفشل

في ذات الآن الذي تحركوا فيه كانت سيارات الشرطة تسير بأعداد كبيرة نحو ذلك الحي، لكنها كانت تسير بصمت، وبطريق لا يؤدي مباشرة إلى هناك؛ أملا في تغطية حقيقة ما يسعون إليه

مرت الدقائق وتجاوزت الساعة الواحدة والنصف، قطعت السيارة مسافة لا بأس بها، توقف جمال في الحي الذي يسكن فيه يوسف؛ تغطية على حقيقة ما يسعون إليه، ورغم تعبه إلا أنه يتوجب عليه السير إلى الحي الذي يسكن فيه أمجد، حي الأبراج

انطلقوا عائدين نحو مكان اللقاء الآخر، لاحظ جمال انغماس خليل بمطالعة هاتفه، سأله بتوجس:
_هل اقتنع والدك بمبيتك الليلة معي؟ أم أنه لا زال ذلك الصخر العنيد؟

_راقب ألفاظك يا فتى!

علق خليل بصوت مفخم فتبسم جمال؛ إنه ينهاه عن إضافة ألقاب مكروهة لوالده ولكن بالطريقة التي يستخدمها حسين معه، أجاب على سؤاله:
_أخبرت محمدا ليستأذن لي، قال أنه أخبره بأننا سنتسامر قليلا، فذهب والدي للنوم لأنه متعب، بالطبع هذه إشارة لمحمد بأن ينتبه لي، وهو الآن لا يكف عن إزعاجي بطلب العودة قبل أن ينام

انتبه جمال لأمر ما فقال:
_لا شك أنك نسيت نسخة مفاتيحك كالعادة

_صحيح، كنت مستعجلا حينما خرجت من المنزل

أجابه خليل مبتسما فتنهد بإحباط، ثم علق بجدية:
_لا أعلم متى ستكف عن هذه العادة السيئة، أنت كثير النسيان!

قابله الصمت من ناحية خليل فأصابته العدوى، ليبقى على تلك الحالة حتى وصل إلى الهدف المقصود

**********

ضغطتان فثلاث على جرس المنزل كسرت حاجز الهدوء في المكان، الساعة الثانية بعد منتصف الليل، كان موعدا غير مستغرب لقدوم يوسف إلى منزل أمجد، سمع صوت مشيه قادما إليه، وقف منتظرا يرقب فتحه للباب، نده قبل أن يصل إلى الباب:
_من هناك؟

_هذا أنا، افتح الباب

هكذا رد يوسف بجواب لم يحوِ اسمه كما اعتاد، صوته كافٍ ليقول أنه هو، فتح أمجد الباب وهو يتثاءب، بدا واضحا أنه كان نائما، ولج يوسف إلى الداخل قائلا:
_آمل ألا أكون قد جئت في وقت خاطئ

صدر صوت صرير الباب وهو يغلق من قبل أمجد ثم رد هذا الأخير:
_وإن كان خاطئا فأنت لن تأتي إليّ إلا في مثل هذا الوقت عادة

سار بخطاه المثقلة نحو الداخل ليتبعه يوسف بصمت، وما إن أصبح وسط الصالة حتى قال:
_ما قصتك؟ منذ البارحة لم أرك والآن جئت في هذا الوقت

بخطى وئيدة سار يوسف نحو أحد الكراسي ليجلس عليه مجيبا:
_لقد كنت منزعجا وضائقا لذا أخذت جولة في الأنحاء

كانت الشكوك تساوره في أن أمجد قد ذهب إلى البيت ولم يجده بالفعل، لذا ليس من صالحه أن يكذب حول أمر خروجه، جلس هذا الأخير في كرسي مجاور ليوسف ثم علق:
_جولاتك هذه ستنتهي بمشكلة حتما، أم أن هذا ما تريده؟

حرك يوسف عينيه نحوه ليطالعه بملل، كم سيبقى يظن به هذا الظن؟ نطق ساخرا:
_ولمَ أنت خائف؟ ألم تعد الأمور بطريقة لا تجعل لك أي صلة بمشاكلي؟ أليس لديك ما يبقيني رهن إشارتك طوال عمري؟ أم أنها مجرد أكاذيب تخاف أن أطلع على حقيقتها ذات يوم؟

شقت ابتسامة ماكرة طريقها على ثغر أمجد ليعلق بثقة:
_لن أخاف أبدا وإن وجدوك في منزلي، فلدي ألف حيلة وحيلة للتملص من الأمر

لوى يوسف يمينه على رأسه بينما لا زال مستندا على كرسيه، لينطق ببعض الملل مشيحا نظره عنه:
_كنت أريد أن أخرج معك قليلا، لكن يبدو أنك أكسل من أن تفعل هذا

بعض الاستغراب غزا عقل أمجد ليعلق على ذلك:
_إلى أين في مثل هذا الوقت؟ ولماذا؟

حرك يوسف جسده إلى الأمام مع زفرة إحباط ليسند ذقنه على يديه المنثنيتين ويجيب:
_سيقتلك الشك ذات يوم أنا واثق من هذا، بربك متى يمكنني أن أخرج معك دون أن نصطدم بالآخرين غير هذا الوقت؟ عموما عد إلى نومك فالخطأ خطأي أنني قدمت في هذا الوقت

عاد بجسده إلى الخلف مع ملامح شبه غاضبة، تمعن أمجد كلامه قليلا ثم قال:
_ما رأيك أن نذهب في الغد؟

كان سؤالا ماكرا يخفي خلفه استطلاعا للوضع لا أكثر، فقد بدت له تصرفات يوسف غريبة بعض الشيء، أجاب يوسف مظهرا بعض الاستياء:
_متى ما شئت، هذا إن كنت ستلبي طلبي أساسا، لقد كنت أعلم أن هذا الطلب غبي جدا مع شخص مثلك، ولكن إن كنت تريد الصدق فمن الأفضل أنك رفضت الخروج معي الآن، هل سأرافق رجلا نصف نائم؟ سيكون هذا متعبا ومزعجا في نفس الوقت

نهض أمجد من مكانه ليمدد جسده طاردا آثار النوم منه، اتجه نحو غرفته وهو يقول:
_سأفكر في الأمر

تركه يوسف وشأنه ليبقى في تلك الصالة، طار وغاص مع أفكاره في كل ناحية، ثم تمدد على الكرسي بملل، مرت الدقائق تنهش عقله كما هو الحال مع وقت

صوت فتح باب الغرفة قد سرق سكونه، اعتدل في جلسته ليرى أمجد خارجا منها وهو يعدل معطفه الجلدي ويقول:
_هيا بنا، لقد غيرت رأيي

لم يُطِل يوسف بقاؤه أكثر حينها، نهض ليسير معه نحو الخارج، اجتازوا باب المنزل الخارجي ليغلقه أمجد بإحكام، ثم سارا مشيا على الأقدام حتى وصلا حدود الحي، لينطق أمجد مفتتحا باب الحديث:
_إذن لمَ نحن هنا؟ وإلى أين سنتجه؟

أدخل يوسف يديه في جيوب معطفه ليحميهما من البرد ثم رد دون النظر إليه:
_في الواقع أنا أرغب في أن أتحدث معك عن شيء بعينه، ولكن إلى أين سنتجه لا أعلم لها جوابا

ظلت خطواتهما تسير في نسق واحد حتى ابتعدا كثيرا عن الحي، حينها تحدث يوسف مبددا الصمت الذي كان قد حل في الأجواء:
_لطالما كان معاذ شيئا أقلقني أمر التفكير به، كنت أشعر بوجود حلقة مفقودة في المنتصف، ولطالما أرقنتي كلماته في ذلك اليوم الذي ذهبت أطلع فيه على الأوضاع قرب منزله

معاذ جالب الغضب والانزعاج لأمجد يذكر بهذه الطريقة أمامه، فأي جنون دفع بيوسف ليفتح باب هذا الحديث معه؟ إلى أي مدى يمكن لأمجد أن يبقى صامتا؟ وهل سيغض الطرف عن تصرف يوسف الغريب؟

¶____________________¶
انتهى الفصل السابع والثلاثين

مفاجأة صح؟ ;)

على أي حال الفصلين الليلة قصيرين، لذلك حبيت أنزلهم مرة واحدة

غدا إن شاء الله فصلين آخرين إن أتيحت لي الفرصة

في أمان الله 🌸

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top