الفصل الخامس
5 - صرخة لا بد منها .
نامت شاني في سرير ضيق . كانت وندي واَبي تنامان على مسافة قريبة منها.عندما استفاقت , وجدت سريري الطفلتين فارغين,واستطاعت أن تسمع أصواتاً من الطابق السفلي .استلقت محدقة بالسقف, وهي تراقب أشعة الشمس المبكرة. هذا أروع منزل ريفي رأته . استطاعت أن تفهم لما أراد بيرس الحصول عليه. إنه منزل عائلي.. المنزل الذي لم يحظَ به قط.لكنه لا يرغب بالارتباط . لا يريد الزواج. بدا الأمر كما لو انه اشترى المكان فقط لكي يربي الأطفال المشردين. لا بد أن مورين أحست بالارتياح عندما وجدته. بيرس ... يا له من صبي لطيف! انقلبت على جانبها ,قبل النهوض من السرير. عانت ليلة أمس من كتف مخدوش حسب ظنها. أما الاًن فهي تظن أنه كسر مصحوب يجرح. نشجت شاني ,وانقلبت على ظهرها.
" اَخ! "قال ذلك صوت بالقرب من الباب . نظرت شاني ,فوجدت بيرس وبضعة أطفال يقفون خلفه. كان بيرس يبتسم ,ولاحظت أنه حلق ذقنه. إنه يرتدي سروالاُ كتانياً مع قميص قطنية تحمل صورة تمساح صغير على صدرها .بدا كما لو أنه خرج مباشرة من أحد أغلفة مجلة فوغ للأزياء.قالت وندي من خلفه:" إنها الساعه التاسعة. بيرس قال إنه اَن الأوان لنوقظك".
قال بيرس : " حددت لك موعداً مع الطبيب بعد نصف ساعة ".
قال برايس:" أحضر عامل ورشة التصليح إطاراً جديداً لسيارة أمي, لذا يمكننا ان نذهب معك ".
أضافت وندي قائلة :" انها سيارة ذات سبعة مقاعد. ألسنا محظوظين؟ ".
أضافت آبي : " لأن عددنا سبعة .هل ترغبين بسماعي أعد؟ ".
سألها بيرس : " كيف حال ذراعك؟"
استلقت إلى الوراء ,ونظرت إلى بيرس ولاحظت عبوسه .اعترفت شاني قائلة : "أشعر كأنني بحاجة إلى مسكنات للألم. مع هذا أشعر كما لو أنني تناولتها مسبقاُ ,فأنا أشعر بالدوار ".
" هل تحتاجين الى مساعدة لترتدي ملابسك؟ ".
" لا "
قال بيرس اَمراً: " وندي ,ابقي هنا . أما البقية ,أهتموا بأمر الفطور، برايس يقوم بتحميص الخبز".
ابتسم بيرس لها تلك الابتسامة التي تجعل قلبها يقارب الهرولة في وقع نبضاته . تابع يقول : " اعتني بها وندي ".
أضاف كما لو أن الأمر مجرد فكرة ثانوية : " اَه! رتبنا أمر الرحلة الى الشاطئ. سوف نذهب إلى قصر عند الشاطئ . إنه قصر في خليج الدلافين. سوف نتناول الهوت دوغ اليوم ,ونذهب الى الشاطئ يوم غد ".
أحست شاني كما لو أنها عالقة وسط موجة مدية كاسحة ,تجرفها بزخم لا يفسح لها المجال لتتنفس . إن كتفها يؤلمها . يا إلهي ! إنها تؤلمها حقاُ ؟ لقد اُلمتها طيلة فترة ارتدائها لملابسها وطيلة فترة تناولها للفطور ,كما اَلمتها حين خرجت ماشية نحو السيارة أدركت شاني أن عيني بيرس مثبتتان عليها في كل خطوة من الطريق, لذا قاومت . ابتسمت لألاعيب الأطفال وحيلهم وحاولت أن تبقى متيقظة للثرثرة التي تدور في الخلف ,لكنها في السيارة رضخت للسكون السائد. لم تتكلم مجدداً إلى أن توقفوا بالسيارة أمام عيادة الطبيب . ساعد بيرس الأطفال على الخروج من السيارة, فيما سمعها تقول: " مهلاَ ! إلى أين أنتم ذاهبون؟".
فسر لها برايس قائلاً: " نحن قادمون إلى عيادة الطبيب معك".
حدقت شاني بهم كما لو انهم فقدوا عقولهم : " لا بد أنكم تمزحون! ".
قالت اَبي,فيما قدمت يدها لشاني: " إذا أعطاك الطبيب حقنة دواء, فأنتِ بحاجة إلى من يمسك يدك".
ردت شاني متراجعة:" سأكون بخير ".
قال لها بيرس وهو يبتسم :" حسناً ! أثناء ذلك سوف نحضر إطار السيارة من ورشة التصليح ,ثم نقوم بالتسوق في المتجر العمومي , لكنني أريد معرفة الحقيقة بخصوص ما يقوله الطبيب".
لا مجال لأن تخبره شاني الحقيقة عما سيقوله الطبيب. بعد أن ألقى الطبيب نظرة خاطفة على ذراعها ,قال لها : " إنه تمزق عضلي . سوف تشعرين بالألم لبضعة ايام . سوف أصف لك دواء مسكنأ للاَلام".
ثم بدأ يتكلم بموضوع يهمه أكثر من شاني ,إذ قال :" ما الذي يفعله ذلك الغبي؟ أيسمح للمواشي أن تتجول على هواها؟ هذا الرجل مجنون".
أجفلت شاني حين سمعت نبرة الانتقاد في كلام الطبيب. قالت مرتبكة:" قطع أحدهم مزلاج القفل .إنه عمل إجرامي بل أسوأ من ذلك , لكنه ليس ذنب بيرس . بيرس يجدر به أن يطلب الشرطة".
وافق الطبيب قائلاً :" إنه اهمال اجرامي. لكن ليس السيد لاكلان هو من يجدر به أن يتصل بالشرطة ,بل أنتِ .إذا كان يسمح للثيران أن ترعى من دون حوافز واقية...".
كشر الطبيب ,ثم تابع:" إنها القشة التي قصمت ظهر البعير .لن أسمح لهؤلاء الأطفال بالبقاء في خطر".
ومد يده متناولاً الهاتف .وضعت شاني يدها بحزم على سماعة الهاتف , فأجبرته على إعادتها إلى مكانها .هنالك شيء فاسد يجري هنا. . . قالت ببطء:" اسمح لي. اطلب مني ثمن معاينة مطولة إذا أردت ,لكن عليك أن تعرف أنني كمربية لأولاد بيرس , أنا بحاجة لأن تكون صادقاُ معي. أخبرني لماذا تعتقد أن بيرس ماك لاكلام هو والد سيء".
***
التسوق في المتجر العمومي هو أكثر الأمور التي يكرهها بيرس .المتاجر العمومية الموجودة في البلدات الريفية الصغيرة مملوءة بالريفين الوضيعين. فكر بأن هذا ما هم عليه ,فيما مر بالقرب من سيدة تلو الأخرى, ورحنَ يرفعن أنوافهن بشكل يدل على عدم الإعجاب.سأل بيرس امرأة متوسطة العمر تقوم بتكديس البضائع على الرفوف:" هل يمكنك أن تخبريني أين هي لفافات الهوت دوغ؟"
ردت المرأة بكلمات مفحمة وسريعة : "في الرواق العاشر".
" إنها في الرواق الثالث ".صدمهم جميعاً سماع صوت شاني تقول ذلك . بدا صوتها صادحاُ جداً لدرجة أنه أوقف الجميع في أماكنهم .كانت شاني واقفة عند نهاية الممر,وهي تمسك مكبر الصوت بيدها .دوى صوتها وهي تقول :" يمكنني أن أرى الخبز من هنا. إن اللفافات الخاصة بالهوت دوغ موجودة في الرواق الثالث ,السيدة تكذب عليك".
فتحت السيدة التي تضع البضائع على الرفوف فمها ,بحيث هبط فكها حتى كاد يصل الى كاحليها.
" هناك الكثير من الأحداث المماثلة التي تدور هنا ".
قالت شاني ذلك بشكل عابر ,وما إن حاولت الفتاة الموجودة عند منضدة الخروج أن تنتزع منها مكبر الصوت ,حتى هزت شاني رأسها رافضة, ثم ابتسمت بلطف وخطت جانبياً, ما منحها رؤية واضحة لكل الأشخاص الموجودين في الأروقة المختلفة وهم كثر ,إذ أن المتجر العمومي مكتظ بالناس.تكلمت شاني قائلة: " العديد منكم يعرفون بيرس ماك لاكلان, فهو اشترى مزرعة صغيرة فيها منزل ريفي رائع. بيرس هو مهندس معماري من المدينة . أنا أفترض أنه رأى المزرعة في إعلان قرأه في الجريدة, ثم عين موعداً مع الوكيل, فأعجبه ما راَه ,ثم اشترى المزرعه . لا مشكلة! باستثناء أنه كانت هنالك شركة تفاوض على شرائها أيضاً لإنشاء مصنع هنا ,ثم اضطرت الشركة إلى بناء المصنع على موقع آخر بالقرب من البلدة التالية . ما يعني أن العديد منكم عليهم الآن أن يدفعوا أجرة نقل إضافية كي يتم توصيل إنتاجهم من الحليب إلى هناك .بيرس آسف على ذلك ,لكن الذنب ليس ذنبه ,فهو لم يكن يعلم. إذا كنتم تضعون اللوم عليه, فهذا غير عادل البتة ,وغير إنساني أيضاً".
ساد الصمت في المتجر,الزبائن الموجودون مع بيرس حدقوا به وبالأولاد ,في حين حدق الآخرون بشاني . تابعت شاني كلامها قائلة: " انتقل بيرس إلى المزرعة ,وبينما كان الجميع في البلدة يثرثرون ويبدون عدم رضاهم, دعا مورين لتقيم لديه . مورين هي أخت بيرس بالتبني ولديها أربعة أولاد ,وكانت حاملاً بالخامس ,لكنها كانت تحتضر".
حبس الموجودون في المتجر أنفاسهم .مشى مساعد المدير نحو شاني ,وهو شاب في التاسعة عشرة من عمره .بدا كأنه يعرف ما عليه أن يفعله مع أي شخص يمسك عنوة بمكبر الصوت ,لكن امرأة أكبر منه قبضت على ذراعه , وردعته." دعها وشأنها, دواين ".
" أمي, لا يمكنها...".
" صه! أريد أن أسمع ".
تجاهلت شاني قدوم دواين ,وكأنه بغي أهمية ,فقالت : " على أي حال كانت مورين وأولادها يواجهون مأساة بائسة . أنا لا أطلب منكم أن تحكموا على مورين, لأن مورين ماتت منذ ثمانية أشهر"
صاح أحدهم قائلاً : " نعرف هذا ".
ردت شاني قائلة : " إذاً بما أنكم تعرفون ,يجدر بكم أن تخجلوا من أنفسكم . هؤلاء الأطفال... إنهم أطفال رائعون. وندي في الحادية عشرة من عمرها, وهي تحافظ على تماسك أخوتها وأخواتها . كل واحد من هؤلاء الأطفال - وندي وبرايس ودونالد واَبي وبيسي- كل واحد بمفرده يستحق نيل ميدالية على العناية التي أولوها لوالدتهم وعلى العناية التي أولوها لبعضهم البعض , لكن بالطبع, حين كانت مورين مريضة, لم يكن هنالك من يعتني بهم .إن مصلحة رعاية شؤون الأطفال كانت تعلم بأمر احتضار مورين ,وكانوا محقين في إهتمامهم وقلقهم . لكن مورين لم تشأ أن يتم التفريق بين أولادها ,لذا توسلت بيرس كي يساعدها . بيرس لم يتمكن من فعل الكثير لأنه ليس والد الأطفال ,لكنه يمتلك مزرعه كبيرة ,ولديه قلب أكبر منها. فكر أنه لو أصبح والدهم البديل فقط يتمكن من إبقائهم سوياً ,لذا تزوج من مورين".
ساد الصمت على الجميع ,إذ أن السكان المحليين لم يعرفوا بالطبع هذا الجزء من القصة . طالبت شاني الجموع قائلة : " أتعتقدون حقاً أن مصلحة رعاية شؤون الاطفال قد تسمح لبيرس أن يحتفظ بالاطفال لو لم تجد أنه يهتم بهم؟".
ساد الصمت أكثر . تابعت شاني : " أنا تربيت في المدينة . والدتي تعرضت للحمى عندما كنت في السابعة من عمري ثم مرضت لأشهر عديدة .أتذكر تلك الفترة تماماً . لكن أتعلمون؟ أبي وأنا لم نضطر مطلقاً لأن نطهو . إذ أن ابناء المدينة - مجتمعنا المحلي - كانوا يفاجئوننا بالقدوم إلى منزلنا حاملين أطباق الطعام ,أما مدرستي فنظمت لنا جدولاً للخدمات . إن تذكر ذلك يجعلني أدمع الآن بعد مضي أكثر من عشرين سنه ,وأنا أفكر بكل أولئك الأشخاص ذوي القلوب العطوفة".
تابعت شاني كلامها وهي تخفض صوتها قائلة: " أما أنتم ...! هؤلاء الأطفال يرتادون مدرسة أبنائكم. كنتم تعرفون أن بيرس يواجه مشكلة . لكن جل ما ناله منكم التقارير تلو التقارير من قبلكم , والتي أجبرت مصلحة رعاية شؤون الأطفال أن تتفقده باستمرار".
استنشقت شاني نفساً عميقاً , وقالت :" هؤلاء الأطفال أصيبوا بمرض الجدري ,والآن بيسي ما زالت تعاني منه .أعلم أنها في المتجر العمومي , في حين أنه لا يجدر بها أن تكون هنا ,لكن ليس هنالك من خيار آخر . حتى وأنا موجودة لمساعدتهم . يوم أمس سهر بيرس طيلة الليل مع الطفلة المريضة لكنه اضطر إلى أن يأخذ بيسي إلى الطبيب . كان مرهقاً جداً حتى أنه غفا في سيارته بانتظار تحضير وصفة الدواء . أما الأطفال فكانوا بأمان في المنزل معي , لكن تم التبليغ عنه .وصل إلى المنزل ليواجه تفقداً آخر من قبل الشرطة . ثم قرر أحدهم ليلة أمس أن مصلحة رعاية شؤون الاطفال لا تقوم بعملها ,ذلك العمل الذي يبدو أن أحدكم هنا يريده,وهو طرد بيرس والأولاد من البلدة.لذا قرر دفع الأمور لتتطور".
" شاني! ".
قال بيرس ذلك وبدأ يسير إلى الأمام ,لكن وندي قبضت على قميصه وتعلقت به قائلة : " دعها تقول الأمر أبي. هؤلاء الناس لا يعجبهم ذلك".
تابعت شاني كلامها وقد تكدر صوتها الآن, كما لو أنها تواجه صعوبة في المتابعة :"أحدهم أطلق ثورنا في الحديقة.ليس هذا فقط, بل إنه أثار غيظه، فجرحه بمسدس يطلق حبيبات الخرز مراراً وتكراراً إلى أن صار الثور ضارياُ وفاقداً للسيطرة على نفسه. أظن ذلك الشخص تخيل أن بيرس هو من سيخرج عندما يرى الثور في الحديقة, لكن بيرس كان في الطابق العلوي مع الطفلة المريضة بيسي التي لا تكف عن البكاء, لذا,فإن دونالد. . . "
دلت شاني عليه, وتابعت : "... الطفل البالغ من العمر سبع سنوات وهو طفل عازم ويائس لإصلاح الأمور وفعل الصواب كجميع إخوته, ذهب إلى الخارج كي يهتم بأمر الثور بنفسه".
شهق الجميع في الوقت نفسه. لكن السيدة التي كانت ترتب الرفوف أخذت تنظر إلى بيرس والأولاد بشكل مختلف .كلمت شاني الجموع الساكتة : " أنا صديقة قديمة لبيرس, وجئت لمساعدته. سمعت دونالد في الحديقة ,ووصلت إليه قبل أن يهجم عليه الثور ".
أشارت إلى الحمالة التي وضعها الطبيب لذراعها, وقالت : "انتهى بي الأمر بكتف مجروحة,لكنني لو لم أكن هناك. . ."
قال بيرس:" شاني! توقفي ".
أبعد وندي جانباً وبدأ يسير نحوها.قالت شاني وقد تمكنت أن تبتسم له: " اَه! سوف أتوقف. سوف نترك هذا المكان جميعنا, نحن ذاهبون إلى البحر في إجازة .لقد طفح كيل بيرس من هذا المكان,وأنا لا ألومه. لكننا سوف نعود بعد بضعة أسابيع كي نعرض المزرعه للبيع.."
" شاني! "
قالت شاني برقة:" لايمكنك أن تحتفظ بهذه المزرعة إذا ما استمر هؤلاء الناس باعتبارك شخصاً شريراً. إن جل ما أفعله هو عرض الوقائع أمام الجميع ".
توقف بيرس أمامها مباشرة , فراحت شاني تبتسم, لكن عينيها بدتا حذرتين..همست قائلة: " كان علي أن أفعل ذلك, بيرس. عندما أخبرني الطبيب بما يظنه الجميع في هذه البلدة! كدت أصفعه ".
تجمدت ابتسامتها قليلاً, ثم قالت: " لكنني أيضاً كنت سأضطر إلى أن أصفع الجميع هنا, وعلى الأرجح قد ينتهي الأمر بي في السجن, وأنا أرغب بالذهاب إلى الشاطئ. هل ما زال بوسعنا أن نذهب إلى الشاطئ بيرس, أم أنك غاضب مني؟".
" كم هي سيئة اصابة كتفك يا اَنسة؟ ".
والدة دواين هي من طرحت عليها السؤال. بدت المرأة شاحبة الوجه ومرتعبة . ففكر بيرس أن هنالك بضعة وجوه شاحبة حولهم . تساءل كم هو عدد الأشخاص الذين شاركوا في المخطط بإفلات كلايد!
طمأنتها شاني قائلة :" إنها في الغالب مجرد رضوض".
" متى ستذهبون الى الشاطئ؟ ".
" غداً ".
" إذا لن تطبخوا الطعام هذه الليلة ".قالت السيدة ذلك, ثم استدارت فجأة وانتزعت مكبر الصوت من ابنها قائلة بصوت صادح: " أنا سأعد الشوربا هذه الليلة. دورا, هل يمكنك أن تحضري تارت التفاح الخاص بك؟ ".
نادى احدهم قائلاُ:" وأنا سأعد سلة كبيرة,يمكنهم أن يأخذوها معهم".
" لسنا بحاجة.....".لكن والدة دواين قالت لزبائن المتجر:" أظننا نحن بحاجة إلى ذلك. أظن أن الكثيرين منا يحتاجون إلى ذلك أكثر مما تحتاجونه أنتم".
قاد بيرس السيارة الى المنزل بصمت. جلست شاني في المقعد المجاور للسائق, أما الأطفال فحشروا أنفسهم في الخلف. لم يستطع بيرس أن يجد شيئا ليقوله. بعد فترة قالت شاني : " أتعلم؟ بما أنك ستأخذ الأطفال إلى البحر, فأنت لست بحاجة إلي"
" عذراً؟ "
" هذا القصر. . .سألت الطبيب عنه .بعد أن صرخت عليه صار لطيفاً معي. بحثنا عن قصر خليج الدلافين على شبكة الإنترنت.إنه ملجأ يحصل فيه الأطفال المعوزون والأشخاص الذين يعتنون بهم على إجازة. هنالك موظفون كثر يعتنون بالأطفال, فيما تنجز أنت عملك, أنا يمكنني. . ."
استنشقت شاني نفساً عميقاً, وقالت: " .... يمكنني أن أجد مكاناً آخر لأبقى فيه.....أو يمكنني أن أبقى في المزرعه لوحدي كي أرسم. كما أنه على أحدهم ان يجالس كلايد".
قال دونالد من المقعد الخلفي: " لكن عليكِ أن تأتي".
طالبت اَبي قائلة: " ماذا لو كانت هنالك ثيران؟ نحن نحتاج إليك كي تعتني بدونالد ".
رد دونالد: " نعم ".
" نحن حتماً بحاجة إليك, كما أنني وجدت جليساً لكلايد ".
قال بيرس ذلك وهو يلقي نظرة جانبية مطولة إلى المرأة الجالسة قربه. إنها تبدو منهكة. كان يوم أمس نهاراً جهنمياً. لا بد أن هجوم الثور ترك أثره عليها, ومع ذلك فإن تصرفها في المتجر العمومي كان مذهلاً. فكر بيرس أن روبي كانت لتقاتل هكذا,فابتسم. " هل تراودك نكات خاصة بك؟ ".
حاول بيرس أن يتوقف عن الإبتسام . لكنها بدت صالحة جداً لدرجة أنه أراد أن يبتسم مجدداً: " إنك تذكرينني بروبي".قالت شاني بدفء: " أنا أحب عمتي روبي ".
لكنها عادت, وعبست قائلة: " لكن كف عن قول ذلك فهي قصيرة ومكتنزة ".
" وأنت قصيرة ومحببة للاحتضان ".
خرج كلام بيرس من فمه قبل أن يدرك ما يقوله.قالت شاني:" أنا لا أقوم بالاحتضان والعناق ".
سألتها وندي: " لمِ لا؟ ".
" كان لدي صديق تصرف كالنذل, فوعدت نفسي ألا أعانق أحداً من جديد ".تكلمت اًبي بصوت رفيع قائلة: " أمي قالت لنا إن بيرس لا يجيد المعانقة. اضطرننا أن نعلمه".
" معانقة الأطفال مختلفة عن معانقة الكبار ".عرف بيرس أن كلامه بدا يائساً, لكن هذه كانت حقيقة شعوره.تذكرت شاني شيئاً ما,
فعلقت: " روبي تقول إن كل أبنائها معوقون عاطفياً ".
" يا إلهي! شكراً لك ".
" لماذا اشتريت مزرعتك تلك؟ ".قبضت عليه شاني بسؤالها وهو غير مستعد.لم يكن لديه أي جواب . تابعت تسأله: " لم تكن تعلم بأمر مورين والأولاد قبل أن تشتريها.أليس كذلك؟"
" لا ! ".
جعدت شاني أنفها إلى الأعلى وهي تفكر بعمق, قائلة: " كنت تعمل في سيدني على مشاريعك الهندسية, وقررت أنك بحاجة إلى ملجأ تهرب إليه خلال عطلات نهايات الأسبوع, فاشتريت منزلاً ريفياً فيه خمس غرف نوم وغرفتا جلوس وثلاثة حمامات وثلاثة بيوت خاصة بالكلاب. . .هل امتلكت يوماً أي كلب؟".
" لا ".
" هاك إذاً . هل لديك الكثير من الاصدقاء والمعارف؟ ".
تردد بيرس ثم قال: " فقط روبي ".
ابتسمت شاني , وقالت: " أنت وأخوتك بالتبني تشكلون أغلى ما في العالم بالنسبة إلى روبي. بالرغم من ذلك فقد أفسدت أفعالك الجيدة بتلك الشقة ".
" ما الذي تقصدينه؟ ".
" أعني تلك الشقة الرائعة التي لا يمكنها أن تتشارك بها مع أحد . فكرة من كانت تلك الفكرة الغبية؟ ".
أقر بيرس: " ليست فكرتي ".
" اذا؟ "غرقت شاني إلى الخلف في كرسيها , وراودتها رغبة بأن تثني ذراعيها لولا أن إحداهما موضوعة على حمالة . بات الأمر واضحاً الآن." تبدين كما لو أن أسرار الكون قد انكشفت أمامك ".
قالت بنبرة تنم عن الرضى: " بالفعل! لطالما قالت لي العمة روبي أنك فتى لطيف ".
" أراهن على أنها تقول ذلك عناً جميعاً ".
نظرت شاني جانبياً إلى بيرس ,وقالت :" اشتريت مزرعتك من أجل روبي".
" لم أفعل ".
" حسناً ! ليس على وجه الخصوص,لأنها ما كانت لتأخذها مطلقاً. لكن لو كان لديك منزل ريفي يعاني من فرط الفراغ , وعلمت روبي بوجوده, ثم وجدت طفلاً ما في ورطة, لملأته بالأطفال. هذا ما فكرت به,إلا أن مورين وصلت أولاً, وملأته قبل أن تتمكن روبي من فعل ذلك ".
" المنزل لم يكن لروبي ".
لكن بيرس عرف أن كلامه لم يبدُ مقنعاً." لعل الفكرة كانت في ألا وعيك . أخوتك كانت لديهم أفكارهم الرائعه حول شراء شقة لروبي, لكنك علمت أنها ستكرها ".
" لم أكن أعلم ".
" بالطبع علمت , لكنك لم تستطع أن تكون الشخص الوحيد الذي لا يؤيد فكرة شراء الشقة لروبي. بعدئذٍ صار لديك خمسة أولاد وعلمت أن روبي ستحبهم, وسترحب يجعلهم أحفادها. لكنك خشيت أن يعتبرك أخوتك دنيئاً وضيعاً لو تركتها تهتم بهم "
قال بيرس بيأس: " دعى روبي جانباً . أنا لا ..."" أخبرتها أن لديك طفلة واحدة. عرفت أنها لن تقوى على مقاومة القدوم لو عرفت بوجود المزيد ".
" كنا نقيم عند روبي, وكنت بحاجة إلى أخي بلايك كي يساعدني في الأمور القانونية, فسمعتنا بالصدفة. عرفت روبي أنني أخفي عنها أمراً ما, لذلك قلت لها أن لدي طفلة واحدة فقط ".
" أقلت لها أيضاً إنك لم تكن تريدها؟ ".
زمجر بيرس قائلاً: " هذا ليس من شأنك أنت ".
فسرت له شاني قائلة: " حسناً! لا أرغب بملاقاة المزيد من الثيران ولا المزيد من المفاجاَت غير السارة, لكنك في هذه الأثناء لست بحاجة إلى في خليج الدلافين .
أصر بيرس قائلاً:" بل أحتاجك ".
" لماذا؟ ".
" لأنك بحاجة إلى استراحة جيدة. أي غبي يمكنه أن يدرك ذلك ".
قالت شاني بنعومة: " أنا مستخدمة لديك. لست شخصاً عليك أن تقلق بشأنه ".
" لكن ليس لديك مكان آخر تقصدينه ".
" يمكنني أن أكون زائرة لدى روبي,وأن أتعلم التطريز ".
" وسوف تخبريها كل الحقيقة عني ".
أٌقرت شاني: " قد أفعل . لا أحد قادر على الكذب على روبي, فهي ترى الحقيقة في العيون مباشرة ".
" اذاً تعالي إلى القصر. ربما يمكنك أن ترسمي .
قالت بابتهاج: " ربما يمكنني أن أفعل ذلك, فأنا بحاجة الى إتقان رسم أرجل الأبقار".
" أدرست الفنون في الجامعة؟ "
قالت شاني بأسى: " نعم فعلت, لكنه لم يناسبني جيداً للحصول على مهنة. أنا أستطيع أن أناقش مدى التأثيرات التي أحدثها الفن القوطي على فناني القرن العشرين التجريديين, لكنني عاجزة عن رسم رجل بقرة. وندي رسمت واحدة أفضل مني. لعله يجدر بي أن أصبح أفضل مدبرة منزل في العالم وأن أكتفي بذلك ".
استدرات إلى الخلف, وابتسمت لوندي قائلة: " لكنني سوف أجرب الرسم أولاً. إنها مسابقة . إذا ذهبت إلى البحر , سوف نرى من سيرسم الأرجل أفضل من غيره في النهاية ".
قالت اَبي: " سوف نرسم الأسماك عند الشاطئ ".
" أرجل الأسماك إذا ".
قالت وندي وهي تقهقه: " الحوريات ".
!بدا ذلك صوتاً مذهلاَ , كاد يجعل بيرس يخرج عن مساره وهو يقود السيارة . لم يسمع وندي تقهقه منذ أن توفيت والدتها . هذه المرأة هي نعمة من الله. إنها ... فجأة وجد أنه بحاجة لأن يذكر نفسه بصرامة بالحدود الموجودة بينهما . إنها رائعة لأجل الأطفال.إنها جيدة للعناق ! حسناً! هو لا يحب المعانقة. إنه لا يقيم العلاقات العاطفية إلا .. ربما مع روبي.غرقوا في السكون لفترة ما . بعدئذٍ استدار بيرس بالسيارة نحو الدرب المغطاة بالحصى التي تؤدي إلى المزرعة . أدرك أنه لا يريد لهذه الرحلة أن تنتهي , وهذا أمر غريب . مع ذلك, وجد هذه الرحلة القصيرة مع الأولاد الخمسة وامرأة ذات كتف جريحة , رحلة رائعه.أخيراً , استدار بالسيارة داخل سور المزرعه برفقة مدبرة منزله المؤقتة وأطفاله الخمسة..استيقظت شاني عند الساعه الثالثة صباحاً , وهي تشعر بألم مبرح في كتفها . إنها تحتاج إلى مسكن للألم . وصف لها الطبيب الدواء المسكن, لكنه حذرها بأنه قد يجعلها تشعر بتشوش في ذهنها . أخذت شاني حبة من الدواء الأخف تأثيراً , وتمكنت من النوم قليلاً .كان الظلام يسود المنزل, أما هي فتنام في غرفة نوم الفتيات . وندي و اَبي كانتا تغطان في نوم عميق .أرجعت شاني الأغطية إلى الوراء بحذر,ثم أجفلت حينما آلمتها ذراعها بسبب الحركة. تلمست طريقها نزولاً نحو المطبخ في الطابق السفلي.كان بيرس يجلس إلى الطاولة, وقد فرش أمامه مجموعة من المخططات والرسومات. بدا كرجل يعمل لساعات طوال. كان يرتدي بيجاما من اللون الأزرق الفاتح, فيما وضع نظارتين استقرتا على أرنبة أنفه. وبدا بحاجة لأن يحلق ذقنه مجدداً . في الواقع,بدا لطيفاً جداً.نظر بيرس إلى الأعلى, فأجفلت شاني
" هاي. أنا من يفترض بي أن أجفل ".قالها بيرس وقد بدا متفاجئاً مثلها.
" هل أخفتك؟ ".
" إذا كنت تقصدين بأن منظر امرأة طولها خمس أقدام وثلاثة إنشات, ترتدي لباس نوم مطبع بالخنازير الزهرية , فيما وضعت إحدى ذراعيها بعلاقة هو أمر كاف لإخافتي , فأنت على حق ".
تمطى بيرس ممدداً جسده كالهر الكبير, ثم نهض بتكاسل واقفاً على قدميه, وقال : " أتؤلمك ذراعك؟ ".
" أنا.....نعم ". فكرت شاني أن لباس نومها هذا يبدو سخيفاً. لقد أهداها إياه موظفو المعرض الفني , وكانت قد حشرته في زاوية من مكتبها , لكنها وضبته مع أغرضها حين عادت إلى الديار.ابتسم بيرس ابتسامة عريضة" اجلسي بالقرب من النار ".
استدار حول الطاولة, فسحب لها الكرسي الهزاز لتجلس عليه, وأضاف :" سأعد لك شراب الكاكاو".
قال ذلك وهو يدير لها ظهره. تابع بيرس كلامه: " لا يجدر بك أن تتناولي حبوب الدواء ومعدتك فارغة. مشروب الكاكاو الساخن مع كعك الشوكولا سوف يفيان بالغرض ".
" شكراً لك, أيها الجدَ ".
رد بيرس بجواب مفحم وسريع قائلاً: " هاي! كلانا نرتدي ملابس النوم. إذا كنت أنا الجد فأنتِ الجدة".
يجدر بها أن تجيبه برد مفحم ما! لكن الردود التي طرأت على ذهنها بدت كلها خطيرة ,لذلك خضعت شاني لما أعتبرته الصمت المحترم.أخبرها بيرس: " يمكننا أن نذهب إلى الشاطئ يوم غد. تلقيت ما لا يقل عن خمسة اتصالات هاتفية تعرض علي الإعتناء بالقطيع في أي وقت أحتاج فيه إلى استراحة , بفضلكِ أنتِ".
ابتسم لها بدفء زائد عن الحد , فبدأت وجنتا شاني تحمران خجلاً.سألته :" ما الذي تعمل عليه؟ ".
رغبت أن تقول شيئاً ما حتى تملأ السكون. كما أنها مهتمة بالأمر في الحقيقة , مع أن كتفها تؤلمها ألماً مبرحاً." إنها محطة للقطارات. أترغبين برؤيتها؟ ".
" أنا.. نعم " أرادت شاني أن تنهض , لكن بيرس أزاح الطاولة جانبياً كي تصير بمتناولها. رفع أول مجموعة من المخططات فوضعها على ركبتها قائلاً: " هذا هو المنظر الشامل,والبقية هي تصاميم البناء التفصيلية ".
عاد بيرس إلى تحضير الكاكاو. حاولت شاني أن تركز اهتمامها على المخططات . همست : " هذا مشروع ضخم, وهو محور أساسي في العاصمة. إنها شبكة مواصلات جديدة. أظنني رأيت هذا الإعلان في لندن. ألم يجروا مسابقة لإختيار أفضل العروض ؟".
" نعم , فعلوا .ونحن فزنا بتلك المسابقة ".
كاد هذا الخبر يجعلها تنسى ألم كتفها .حملت شاني مخططاً تلو الآخر, وراحت تنظر إلى التفاصيل الدقيقة ,فضلاً عن المخطط الرئيسي المذهل حقاً.أخيراً علقت: " كم أنت لامع!".
" أعلم " قال بيرس ذلك وهو يضع كوبي الكاكاو وكعك الشوكولا بالإضافة إلى حبتي دواء أمام شاني. تابع قائلاَ:" ... ووسيم وقوي البنية, وشديد التواضع إلى درجة لا تصدق".
غصت شاني .أمرها بيرس قائلاً : " تناولي حبتي الدواء ".
" أمرك , سيدي ".وهذا ما فعلته
" روبي تقول أنك لست عادية, أنت أيضاً ".
" روبي تقول ألطف الأشياء ". " هذا ما تقوم به حقاً.اَه ! بالكلام عن روبي وأبنائها......"
استدار بيرس ,وبحث تحت رزمة الأوراق الموضوعة على الطاولة ,ثم تابع قائلاً : " اتصلت هاتفياً ببلايك.. بلايك هو أحد ابناء روبي, وكلمته بشأن مايك واستخدامه لبطاقتكما المصرفية المشتركة "
" مهلاً! ".
ما الذي يفعله بيرس؟... تابعت تقول : " لا يحق لك.."
رد بيرس بأسى قائلاً : " هذا ما قاله بلايك, ربما تصرف مايك بشكل مخالف للقانون ,لكنه لا يستطيع ملاحقته , ما لم تسمحي له أنت بمعرفة التفاصيل الخاصة بك. أرسل لي بواسطة الفاكس نموذجاً حتى تملئيه. إذا رغبتِ بالتوقيع والمواقفة عليه , فسوف ينظر بالأمر".
" ليس هنالك ما يستطيع بلايك أن يفعله ".
قال بيرس بتواضع : " سأخبرك أمراً, روبي تقول إننا سلالة سوف تحكم العالم".
قالت شاني : " لا فائدة من تأسيس السلالات إن لم يقم أي منكم بإنشاء عائلة".
ثم أكلت كعكة بالشوكولا, وهي تقرأ بغير تركيز النموذج ,ثم وقعت عليه. قالت مقترحة: " ربما يمكنكم أن تشكلوا سلالة بالفعل , عالماً يدبره أشخاص من دون امهات ا".
فكرت شاني بأمها , وحملقت قائلة: " قد ينجح الأمر".
خمن بيرس إلى أين ذهب تفكيرها, فقال:" مهلاً! والداك أجرا منزلهما فقط".
قالت شاني بغموض: " لدي دمية في غرفة نومي, تدعى سوزي بيل .إن لعب أي ولد بسوزي بيل.."
" أترغبين بأن ننظم حملة لإستعادة سوزي بيل؟ رجال مسلحون تحت جنح الظلام, يكستحون المكان قائلين: " لا أحد يتحرك! الدمية لنا ".
ابتسمت شاني ابتسامة عريضة قائلة: " أتريد أن نحاول؟"." سام يعمل في قوى الأمن. سوف نجعله المسؤول عنا ".
" سام... أتعني سام ابن روبي؟ ".
" قلت لك, نحن سلالة ".حملقت شاني به للحظة مطولة. فجأة شعرت بالارتباك ,فأشاحت ببصرها ,وحدقت بلهب النار من خلال أبواب الموقد المفتوحة. هذا أكثر أماناً بالطبع! " يجدر بك أن تعودي إلى السرير ".
قال بيرس ذلك بصوت بدا مشدوداً بعض الشيء. يجدر بها أن تفعل ذلك. لكن هذا الجو رائع , إذ إن المطبخ ما زال يعبق بالرائحة اللذيذة لطبق اللحم بالكاري الذي جاءت به والدة دواين عند العشاء. بالاضافة إلى الحلوى وبقايا تارت التفاح التي ما زالت على المنضدة بإنتظار الغد. هذا المطبخ لطيف, محبب , دافئ , وهناك رجل يعمل على طاولة المطبخ لإنجاز مخططات مذهلة . إنه رجل لطيف حقاً... " سأعود إلى السرير حالما أشعر بمفعول الدواء . عد إلى مخططاتك ".
هذا ما فعله بيرس , إذ ركز على عمله باهتمام مطلق . بعد برهة بدا كأنه نسي أمر وجودها , وهو أمر يناسبها . هكذا يمكنها مراقبته خلسة . فكرت شاني , كيف ستمضي الأسابيع القليلة المقبله معه؟ ربما لا يجدر بها أن تذهب إلى الشاطئ . لن يحتاجها في القصر...
" سوف أحتاج إليك ".قال بيرس ذلك كأنه قرأ أفكارها . رمشت شاني بذهول. كان يدون الملاحظات على جانب المخطوطات, أما يده فلم تتوقف. كيف استطاع أن يعرف ما الذي تفكر به؟ .
" لماذا؟ ".
" لان دونالد يثق بك ".
" دونالد؟! ".
" انه صبي غريب . لا أظنه يثق بي. إنه يحاول أن يهتم بهم جميعاً بمفرده, وهو يحاول أن يدعي أنهم لا يحتاجون إلي, لكن يبدو أنه تقبلك منذ البداية, لاسيما بعد أن أنقذته من الثور.
ساد صمت مطول . راحت شاني تراقب اللهب وهو يتخذ أشكالاً مختلفة , ثم قالت: " يمكنني أن أرى ثوراُ هناك ".
" ثور.....".
" نوع من الثيران... في الجحيم . إنه شيء ما.....يشبه رسوم دانتي .أظنني قد أرسمه ".
" ما الذي تحتويه حبوب الدواء هذه؟.
" ماذا؟ "
ابتسم بيرس ابتسامة عريضة , ثم نهض, وانضم إليها أمام وهج النار الدافئ المحبب بالقرب من الموقد . قال لها : " حان وقت النوم".
" أرغب بالبقاء .. هنا ".
" لكن حان موعد نومك يا أميرة ".قال بيرس ذلك. ثم انحنى , وحمل شاني بسهولة تامة. يجدر بها أن تستاء.. يجدر بها .....لفت شاني ذراعيها حول عنق بيرس, وتعلقت به قائلة: " جميل ! روبي على حق.. تقول أنك الألطف بين الشباب ".
" أظنك لست معتادة على تناول المسكنات. سوف تغيبين عن الوعي إن لم تخلدي الى النوم ".راح بيرس يصعد الدرج , فتكورت شاني مستندة إليه. فكرت بضبابية أن لباس نومه مصنوع من قماش رقيق مشابه للباس نومها ذي الخنازير الزهرية. ألقت خدها على كتفه, فأحست بالدفء.وصلا إلى غرفة الفتيات . دفع بيرس الباب بقدمه, ففتحه , ومشى بخطوات واسعة نحو آخر سرير في الصف, وهو سريرها. وضعها على الوسائد , ثم مد يديه, فيما ظلت متعلقة به. حل أناملها بحذر من خلف عنقه , وقال: " شاني , أفلتيني".
أفلتته شاني , وهمست:" الرجال الأرامل جذابون جداً ... جداً ".
" كذلك هن الفنانات اللواتي يرتدين لباس النوم المطبع بالخنازير الزهرية ".قال بيرس ذلك وهو يبتسم ابتسامته السحرية, تلك الابتسامة التي تدفئ قلبها.
" عمت مساء , شاني ".
همست :" ألن تعانقني عناق ما قبل النوم ؟ ".كاد بيرس ألا يفعل . لكنه لم يقوى على المقاومة . عرفت شاني ذلك تماماً كما تعرف أن الليل آمن , وأن الحياة جيدة , وأن هذا المنزل هو أروع منزل أقامت فيه , وهذا السرير مريح و..عانقها بيرس. أراده أن يكون عناقاً خفيفاً كالريشة , وأن ينتهي قبل أن تعرف ذلك,لكن شاني وضعت ذراعيها حول عنقه.بدا الأمر صحيحاً جداً ... للحظة أحست أنه .. ملكها.أخيرا تراجع بيرس منسحباً , ما أجبرها على الرجوع إلى الوسائد والإبتعاد عنه . بعدئذٍ أخذ يتراجع نحو الباب . أخيراً ابتسم لها, لكن ابتسامته بدت ملتوية. قال:" إنت بحاجة إلى النوم. عمتِ مساءً ".أخيراً استدار ومشى خارج الغرفة, وهو يغلق الباب خلفه........
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top