كبرياء وتحامل.
جاء الرّبيع!
بسمة الطّبيعة وجوّدها بالعطاء، عطر الطّبيعة المتباهية بجمال ورائحة زهورها العطرة الّتي يسعد بها من على هذه الأرض.
ما أجمل الربيع! بزهورها وطيورها المزقزقة وعطورها، إذا حلَّ فرشنا له السماء شِعرًا ورفرفت قلوب المحبِّين بكلِّ رومانسيّة حالمة، موعد لقاء الأحبّة وتحقق أمنيّاتهم وذوبان أيّ خلاف وجفاء مثلما تذوب ثلوج الشّتاء.
قامت إليزابيث بزيارة تشارلوت صديقتها والسيد كولينز في تلك المقاطعة للاستمتاع بفصل الرّبيع، مؤكّد أنّها تمنّت إجازةً سعيدة بعيدًا عن تصرّفات أمّها والّتي كثيرًا ما تكون غير لائقة بسبب همّها في البحث عن أزواج لبناتها بأيّ طريقة، وتزامنت زيارتها حينئذ مع وصول السّيد دارسي صدفةً!
ما أجمل الصّدف! خصوصًا عندما تروق إحداهنّ بل ووسط أجواء الرّبيع! أصوات الطّيور لم تغرّد في كلّ مكانٍ فحسب بل احتلت أُذنا إليزابيث، فلم تستمع إلّا لأصواتها، ولم ترى عيناها إلّا لون الزّهور الوردية في كلّ مكان.
ولِمَ لا وقد دعاها السّيد دارسي إلى منزله لتناول وجبة العشاء؟ الأمر لا يحتاج إلى أيّ تخمين، أخيرًا ستحظى إليزابيث بمعاملة لطيفة من دارسي! بالرّغم من أنّها قابلته في إحدى الحفلات الرّاقصة من قبل ورأته مغرورًا عندما يتعامل معها بازدراء.
ومن المؤكّد أنّه سيعرّفها على أخته وبقية أفراد عائلته النّبيلة، سيجعل الجميع مرحّبين بها، ولِمَ لا؟! هو يهمّه أمرها وسيعترف لها بحقيقة مشاعره والّتي لا تزال إليزابيث تشعر بمشاعر مماثلةٍ له.
كم تبدو فتاةً خياليّة أكثر من اللّازم، تفترض أمورًا دون أسباب واقعية! لكن لا بأس، لندعها وشأنها...
إنّها تتخيّل كلّ ما سيحدث أثناء نظرها إلى المرآة متفقّدةً هيئتها وراضية عن نفسها بنفس الابتسامة الحالمة، تتخيّله يتحدّث إليها بكلّ مشاعره، وبِتحضّرٍ يليق به، ها هو وقد أمسك بيدها، ارتجفت فجأة! فاحتضن كفّها النّاعم بيده الأخرى وزاحم صوت دقّات قلبَيهما صوت تغريد الطّيور المحتل أُذنَيها حتى الآن.
إنّه يعترف بمشاعره، يطلب منها الزّواج، بل يتوسّل إليها؛ لا طاقة له بالبعد عنها والعيش دونها! ها هي تتصنّع الجمود رغم كلّ الفوضى الّتي داخلها والمفاجئة الّتي سببها قربه، حديثه واعترافه.
لا لا لا! تلك المفاجئة ورجفة إليزابيث حدثت حين توقّفت العربة توقّفًا فجائيًّا غير طبيعيّ، فانتبهت إليزابيث لنفسها وعادت إلى واقعها.
لا تبدو العربة بخير؛ إنّها مائلةٌ للغاية، لا تدري السّبب! لا بأس من تّرجّل العربة وتفقّد ما حدث، كم هو صعب التّحرّك بهذا الحذاء الكلاسيكي والفستان الثّقيل المنفوش كثير الطّبقات، وذلك المِشدّ سيحطّم ضلوعها أكثر من إبراز جمال مفاتنها.
اكتشفت ميل العربة بالفعل أثناء هبوطها وستفقد توازنها بين اللّحظة والأخرى، لقد اقترب موعد الغروب وقد تشوّشت رؤية ما هو أسفل العربة خاصّةً وقد انحرفت عن طريقها لوسط الزّروع أثناء شرودها، وكأنّ إحدى عجلات العربة قد فرّت من مكانها بغتةً!
يا للحظّ! لماذا أصرّت الذّهاب وحدها؟!
حاولت البحث عن العجلة بعينَيها، ولمحت شيئًا جوار قائمة أحد الخيول الأماميّة، هل فعلًا ستقترب وتأخذ تلك العجلة وتعيدها مكانها؟! ستفسد زينتها! سيفسد اللّقاء وكلّ شيءٍ! بل إنّها لا تعرف كيف سيفسد! لكنها لا تجد طريقة أخرى.
اقتربت بحذرٍ وصعوبة شديدة لِثقلِ ثوبها وصعوبة الحركة بحذائها، وبمجرد اقترابها متذمّرة بِكلِّ سِباب لاعنةً حظّها بصوتٍ مسموع اختل توازنها وسقطت أرضًا فصرخت بغضبٍ جمّ!
انطلقت الخيول راكضةً بينما لا تزال تنهض محاولةً اللّحاق بها، لكن هيهات! فأصبحت نّتيجةً لذلك بهيئة ملطّخة بالطّين، وفسدت زينتها بدموعها.
الليل بدأ يفرض سيطرته على الأفق فبدأت تتلاشى الرّؤية، خطواتها تعثّرت إضافةً لاختفاء أصوات تغريد الطّيور ورحلت من أذنَيها ليأتي محلّها أصوات صرصور الحقل وعواء حيوان مع صوت حركة من حولها لا ترى مَن فاعلها، فانطلقت تحاول الرّكض إلى طريقٍ مجهول مرتاعة لا تدري ما سينتظرها وإلى أين سيوصلها.
إنّها رحلة إلى المجهول خاصّةً في مكانٍ لا تألّفه ولا تعرف له وجهة في هذا الظّلام إضافةً إلى هيئتها غير المشجعة، تنتظرها مغامرة هي شخصيتها الرّئيسيّة وعنصر المفاجأة.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top