9. HINATA

كونوها، أبريل 2013.

1.

غابة كونوها... أبحث عنه بين أشجار الصنوبر. هو يتجنّبني منذ أسابيع، وهذا يثير أعصابي. صرخت أناديه:

— ناروتو!

تفحصت ما حولي ثانية فلمحته على بعد عشرة أمتار. ركضت نحوه. الهواء النقي يصيبني بالقشعريرة. رائحة الأرض الرطبة تغمر أنفي. خفقان قلبي في تسارع. سلوكه في الآونة الأخيرة يقلقني. أخشى أنه يخفي شيئًا خطيرًا. لا بأس، سنتحدث حول الأمر... حسنًا، آمل ذلك. ما من تفسير آخر لهذا الاتصال المفاجئ الذي أحضرني به إلى هنا في حين لم نخطّط للركض في الغابة أو التنزه.

قفزت بين ذراعيه:

— حبيبي!

لم يستجب لعناقي. لم ينبس بكلمة، هادئًا، محدقًا في السماء، وهذا ضاعف قلقي.

— ناروتو. ما الأمر؟

— ستمطر عشية اليوم. كان عليكِ إحضار مظلّة.

الأمر سيستغرق أطول مما توقّعت.

— لِمَ تتجاهلني؟

— أنا لا أتجاهلك.

— تتفاداني!

صرخ:

— كلّا!

فزعة، تراجعت خطوة إلى الوراء. لمَ هو غاضب؟ ما الذي فعلته؟ قال مستعيدًا هدوؤه:

— كنتُ مشغولًا جدًا، تيبايو، هذا كل ما في الأمر.

— لا تكذب علي!

— أنا لا أكذب عليكِ أبدًا يا هيناتا!

— لديك شيء تريد أن تخبرني به، شيء يزعجك، أنا واثقة من ذلك!

— أجل، هذا صحيح...

حدق في وجهي بمحبة لوهلة ثم أزاح نظره. يبدو متردّدًا. أمسكت بيده لأطمئنه. لم يتجرأ على النظر إليّ، بل استمر في فرك مؤخرة عنقه بعصبية.

— هيناتا... طلبت منك القدوم هنا لأخبرك...

حدّق بيأس في السماء الملبّدة بالغيوم.

— أنه لا يمكنك إخفاء ما يقلقك عنّي بعد الآن!

أومأ برأسه.

— جئتُ لأودعك يا هيناتا.

استغرقني الأمر لأستوعب هذه الكلمات. ما الذي يهذي به؟ لماذا يقول هذا؟

سألته مترددة:

— ماذا تقصد؟ الوداع؟

— انتهى ما بيننا... أنا وأنت... كل ذلك. يجب أن ننفصل.

— أهذه مزحة؟ لا... كذبة أبريل؟

هزّ رأسه نافيًا.

—ما الذي تعنيه إذن؟ ما الذي انتهى؟

—هيناتا. أرجوكِ... لا تفعلي هذا، أنت تعرفين ما أعنيه.

انفجرتُ ضاحكةً، غير قادرة على تصديق ما تسمعه أذناي وما تراه عيناي. كلّا، لابد من خطبٍ ما. لا يمكن لناروتو أن يهجرني، هو سيطلب يدي للزواج، أعلم ذلك! إنه اختبار، سوف يفاجئني بهذا! أنا وهو سنظلّ معًا إلى الأبد، لا يمكن أن ينتهي حبّنا بهذه البساطة.

— كفاك هراءً يا ناروتو، هذا ليس مضحكًا البتة!

حدّق في وجهي، وفتح فمه ليقول شيئًا، ثم أغلقه دون أن ينطق بحرف. تمتمت وأنا على وشك البكاء:

— ناروتو. تريدنا أن...

— أنا آسف حقًا، هيناتا، لا أستطيع الاستمرار معك. في الآونة الأخيرة أنا... لا أريد أن... أعتقد أنّه من الأفضل لو انفصلنا الآن.

— لكن لماذا؟

انزاحت قزحيتاه إلى زوايا عينيه. ما الذي يفكر فيه؟

— لا يوجد سبب مُحدّد، الأمر يفوق طاقتي... لا يمكنني إيهامك بالوعود الكاذبة، أنتِ لا تستحقين ذلك. لا أتمنى لكِ سوى السعادة يا هيناتا.

صرخت بنبرةٍ باكية:

— كاذب!

— ألم نتعاهد ألّا نكذب على بعضنا البعض؟

إنه يكذب. لا يوجد ألف تفسير. إن لم يكن هذا كابوسًا، فلابدّ من أنه كذبة. جسدي يرتجف. دموعي تنهمر على وجهي كنهرين من الحمض، تلسع وتحرق وجنتاي آبية التوقف. برؤيةٍ ضبابية، راقبتهُ ينقلب على عقبيه هاربًا من المسؤولية. وغد مغفّل!

— أكرهك يا ناروتو أوزوماكي!

انهرتُ على الأرض المفروشة بإبر الصنوبر ورفعت يدي إلى صدري. هذا الألم الخانق يمزّق قلبي أشلاءً، أشلاءَ.

2.

مشيت تحت المطر المتهاطل لأكثر من ساعة جارة قدماي وجسدي المثقل. اقترب حلول الظلام. أنوار الشارع مضاءة، ينعكس نورها على الأسفلت المبتل. لا أنوي العودة إلى المنزل، لا أريد أن أقدّم تفسيرًا لأحد، لا لأبي، ولا لأمي، ولا حتى لهانابي.

أيعقل أن يكون هذا محض كابوس؟ كلّا... إنّها الحقيقة. كنا سعداء للغاية... فلماذا؟ فقط لو أنه أسدى لي معروفًا بتفسير الأمر لي. ...أنا متيقِّنة من أننا سنجد حلًا معًا.

توقّفت أمام بناء أعرفه حق المعرفة، فقد قدمتُ هنا مرّات عدّة. كان ذلك عندما كنت أنا من ينهي علاقتنا، لكن هذه المرة مختلفة. هذه المرة هو من فعلها، وهذا مؤلم حقًّا. أسوأ بكثير ممّا لو كان هو المخطئ. أيحاول الانتقام مني؟ هل كنت قاسية معه لدرجة أن سئم وقرّر الرحيل؟

درجة الحرارة داخل المصعد ألطف من الخارج. استغلَلْتُ هذه الثواني لألتف حول نفسي أواسيها وأدفئها.

ما أن وصلتُ إلى الطابق السابع، شقّيت طريقي نحو الشِّقَّة رَقْم 64. تردّدت في الكبس على زر جهاز الاتصال الداخلي. هل علي أن أغادر؟ أجل، من الأفضل ألّا أزعجه، فقد يضيق ذرعًا هو الثاني.

— هيناتا؟

فاجأني صوته الأجش. إنه يقف خلفي مباشرةً. قد تصدمه عيناي المتورمتان المحتقنتان بالدم، فهل أستدير؟ لا يهم... لستُ أفضل حالًا.

سألني وهو يرتب حذاءه وحقيبته ومضرب التنس في الخزانة.

— هل مشيتِ إلى هنا؟

أومأت برأسي مُحرَجةً. فتح باب شقته ودعاني للدخول. موجة دفئٍ تناثرت على جلدي المتجمّد، الذي يلتصق به ثوبي بشكل مقزّز. لستُ مرتاحة. كان عليّ أن أعود إلى المنزل. لماذا قدتُ إلى هنا؟

— تعالي، سأعطيك شيئًا لترتديه، فقد تصابين بالبرد.

تبعته إلى غرفته. ملاءاته مفروشة بعناية فائقة، ملابسه مطوية بدقة هندسية، كتبه على الرفوف تجعلك ترغب في التهامها. ضعت كفي على مكتبه، ما من ذرّة غبارٍ عليه. إنه النقيض المثالي لناروتو. هوسه بالترتيب والنظافة مثير للإعجاب.

بلطف، أعارني بعض الملابس القطنية ومنشفة.

— لا داعي أن أذكرك بذلك... يمكنكِ الاستحمام والاسترخاء كما لو أنّ البيت بيتك.

— شكرًا جزيلًا يا ساسكي.

ارتديت سترة سوداء ونظرت إلى انعكاسي في المرآة. لقد غطّت فخذاي كالفستان وأكمامها أطول من ذراعيّ، لكنني أشعر بالراحة فيها. رائحة الخزامى المنبعثة منها مهدئة للأعصاب.

3.

تكاثف البخار على حواف كوب الشاي خاصتي. استمع إليّ ساسكي وأنا أحدِّثه عمّا جرى في حين يُقشّر الخضار للعشاء.

لطالما كان واقفًا إلى جانبي في أوقاتٍ كهذه، يحاول أن يبهجني. ناروتو لم يقدّر صداقتنا كثيرًا، أيمكن أن يكون هذا هو السبب؟ لا أودّ التفكير في ذلك.

— أجد صعوبة في تصديق ما حصل... لماذا فعل هذا؟ ماذا فعلت لأستحق هذا؟

— لا أعلم... ربما هناك شخص آخر في حياته. أو ربما... يعاني من مرض خطير ولا يريد أن يكون عبئًا عليك. هو فقط من يستطيع الإجابة على أسئلتك. لو كان لديه ما يعاتبك به لفعل ذلك. لا تقسي على نفسك، إنه ليس خطأك...

داعبت قطة ساسكي السيامية ساقي سارقة مني صرخة فزع. نظرت إليّ بعينيها الزرقاوين الكبيرتين واستقرت على فخذيّ تخرخر بسعادة.

كونوها، أبريل 2018.

4.

— هيناتا...

رآني... أحكمت قبضتي على عجلة القيادة وأغمضت عيني أخذت نفسًا عميقًا وزفرت ببطء. حافظي على هدوئكِ يا هيناتا.

خرجت من السيارة وإذا به يسير نحوي، وعيناه واسعتان، يبدو متفاجئًا، لم يتوقع قدومي.

— هيناتا؟

— مضى وقت طويل، نا-رو-تو.

تمتم بابتسامة صبيانية:

— نعم

قلت محاولة إخفاء أي مشاعر قد يحملها صوتي:

— أفترض أنك تعرف سبب وجودي هنا

أومأ برأسه. أشعر كما لو أنه سيلتهمني بعينيه الزرقاوين اللّتين لطالما فقدت نفسي وأنا أحدّق فيهما. تسارعت دقات قلبي، وسرت رعشة في جسدي. لا مجال للتراجع الآن.

— الجو بارد، لنصعد إلى شقتي.

نظرت للأعلى إلى شرفته مترددة في قبول دعوته. هذا المكان يُعدّ مقبرة اللحظات التي قضيتها معه، وأنا خائفة من مواجهة أشباحها.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top