(27)
بقلم : نهال عبدالواحد
كان أدهم جالسًا جوار يحيى في سيارة المياه الغازية، يرسل إلى رجاله ليستعدون للهجوم وعلى أذنه سماعة يسمع ما يحدث عند ندى و شفق.
سمع ما قاله مصطفى لشفق في البداية وكان وقتها يبدأ التحرك، لكن عندما سمع ما يدور مع ندى بدأ الشرر يتطاير من عينيه و صار لديه رغبة في تحطيم أي شيء وقتل ذلك المتجريء.
كان يشغله وهو يتحرك بسرعة أن ماذا أصاب ندي! لابد وأنه قد حدث لها شيء، فهو لا يسمع صوتها المعتاد.
أما ندى فكانت بالفعل تحاول المقاومة فقام ذاك الوغد بنزع تلك الوشاح الذي ربطت به فصار الدم أكثر تدفقًا من شريان ساعدها و صدمها بقوة، فصرخت صرخة مدوية.
بالطبع قد سمعها أدهم وكادت أن تخرق طبلة أذنه لكنه حاول تجاهل صوتها ليحسن التصرف بلا توتر، بالطبع كان يتبعه يحيى ويرى وجه المتغير فيزداد قلقه.
لكن ندى كانت تحاول ركله فدفعها الوقح فسقطت أرضًا على ظهرها ومزّق كنزتها، وهنا تمكنت من ركله بقوة، ابتعد قليلًا فلحقته بأخرى فسقط على ظهره أرضًا وحاولت النهوض هي.
نهضت ندى بالفعل لكنها بدأت تعاني ببعض الإضطراب في الرؤية بفعل ذلك النزف القوي فأمسكته بيدها الأخرى، حاولت أن تركل ذلك القادم نحوها.
لكن فجأة سُمع صوت هرج ومرج وإطلاق ناري وذلك ساعد ندى لتصمد أكثر، لكن سرعان ما وجدت أدهم و يحيى.
شعرت ندى فجأة بالراحة و خارت قواها وبدأت تنهار، وكأنها أخيرًا ستسمح لنفسها أن تنهار واثقة أنها بأمان.
أما أدهم و يحيى فمجرد وصولهما لتلك الحجرة دارت ركلات و لكمات متبادلة بينهما وبين الموجودين، كانت عينا أدهم على ذلك الوغد أولًا والذي رآه و هو يمزق كنزة ندى فأسرع إليه وجذب ذراعيه بقوة للخلف و لم يتركهما حتى سمع صوت كسرهما فصرخ الرجل بشدة.
فشعر في نفس اللحظة باقتراب أحدهم من خلفه بركله بقوة للخلف قبل أن يلتفت نحوه و يكمل عليه، بينما يحيى ما أن رأي مصطفى حتى انقض عليه، أخذ يلكمه لكمات متتالية ومصطفى الآخر يلكمه فجاءه أدهم من خلفه، ركله بقوة فأطاحه على الأرض ثم لكمه لكمات متتالية حتى بدأ يفقد وعيه.
واتجه مسرعًا نحو الباقون و باقي رجاله يتعاملون معهم، لكنه كان يبحث بعينه عن إيرينا التي بدأت تتسلل من بينهم لتهرب لكن سرعان ما جذبها أدهم من شعرها فما أن رأته حتى تذكرت رؤيته في الشركة مع سليم ذلك الجالس جانبًا وكان يبدو عليه العبث بالهاتف وعدم الإكتراث و اللامبالاة.
وقبل أن تقاوم ضربها ضربة بكوعه على رأسها أفقدتها الوعي فقيدها كما قيد باقي رجاله الباقون، وبدؤا يسحبوهم ليتجهوا بهم إلى السيارات في حراسة مشددة مع القبض على الأسلحة وتحريزها هي و الحاسوب الموجود ( اللابتوب).
ثم دخل مسرعًا متجهًا إلى الحجرة التي بها الفتاتين و خلفه يحيى فوجدا ندى ملقاة أرضًا ممزقة الكنزة و دمها يتدفق من شريان ساعدها كثيرًا، جوارها شفق تبكي بشدة.
اتجه أدهم نحو ندى وخلع سترته وألبسها له ثم جذب كمه بقوة فمزقه وجلس أرضًا، ضمها إليه و ربط مكان تدفق الدم ثم ضمها إليه وهو يتنفس بسرعة وكأنه قادم ركضًا من طريقٍ طويل .
رفع وجهها نحوه وقد ذهبت منه كل الحيوية، صار شبيهًا بالأموات، أكثر صفرة و باهتًا بشدة، شفتيها تميلان للبياض، ترتجفان، وجهها يتعرق بشدة، فهمس: كنت هموت عليكِ، لو جرالك حاجة كنت هروح فيها، اجمدي أرجوكِ.
فابتسمت بضعف ثم غابت عن وعيها، حملها و نهض بها.
أما شفق فانحنى نحوها يحيى وكانت تبكي بشدة فأمسك بيدها بقوة هامسًا: إنتِ كويسة يا حبيبتي!
تابعت شفق ببكاء: هي مامي شفق اتقتلت!
أومأ يحيى نافيًا: لا يا حبيبتي هي اتعورت بس وف المستشفى.
- بجد ولا بتقول كده و خلاص.
- وحياتك عندي جد الجد! يلا قومي عشان تروحيلهم وكمان عشلن نلحق ندى.
أمسك بيدها يساعدها لتنهض وانطلقوا جميعًا متجهين إلى المشفى.
وصلوا جميعًا إلى المشفى، كان يحيى قد اتصل برقية و حكى لها حالة شفق و ندى ليستعدوا، كانت شفق تعاني من بعض انخفاض في ضغط الدم فعُلق لها محلول و أصرّ يحيى عليها أن تنتهي من المحلول أولًا ثم تذهب إلى غرفة أمها.
لم يكن يحيى منتبهًا لهيئته فوجهه مصاب بفعل بعض الإشتباكات و اللكمات فقامت رقية بضميدها له، ثم أومأ لها أن تتركهما فغمزت له بإبتسامة ماكرة و خرجت من الغرفة.
كانت شفق مستلقية على السرير و المحلول معلق في يدها، يحيى عينيه عليها لا تطرف، ولأول مرة لا يخفي ذلك الحب، فشوقه يتدفق من عينيه و حبه يكاد ينطلق من بين ضلوعه.
بينما شفق تنظر لأسفل خجلًا ثم تعاود النظر إليه من جديد لتجده على نفس وضعه.
همست: إنت كويس!
- المهم انتِ حاسة بإيه!
- أحسن الحمد لله، عايزة أطمن على مامي وندى و...
- و إيه!
- وشك اتشلفت ب بسببي.
- فداكِ، المهم إنك رجعتي بالسلامة.
- يحيى.
- عيون يحيى.
فابتسمت بحرج ثم قالت: إنت مالك إنهاردة!
- مالي!
- أصلك متغير و...
- و إيه!
- يووه بأه.
فقهقه ثم قال: مش عارفة يعني!
- مش عارفة إيه!
- بحبك وكنت ناوي أفتح الموضوع ده بس جه موضوع ماما وبابا و بعدين قصة خطفك، لكن لحد كده و كفاية.
فابتسمت دون إجابة.
وبعد فترة من الصمت والنظرات المتبادلة بعشقٍ وأشوقٍ متبادلة أنهت شفق المحلول، خرج الإثنان متجهان إلى الغرفة التي بها شفق.
كان وليد جالسًا جوار شفق التي تستيقظ من حينٍ لآخر تسأل عن شفق ثم تغيب عن وعيها من جديد، فإذا بصوت طرقٍ على الباب...
فاتجه عز ليفتح الباب فوجد شفق أخته بهيئتها المتبعثرة و يحيى من خلفها بوجهه المضروب، فنظر بينهما ثم صاح بفرحة: شفق يا بابا!
ثم تعانق مع أخته بشدة، ثم دخلت لأبيها الذي انتفض من مكانه بسماع أنها قد عادت، فأسرع نحوها وعانقها بقوة، بينما خرج عز ليحيى الذي ظل واقفًا بخارج الغرفة وابتسم له وعانقه.
استيقظت شفق على تلك الأصوات وما أن لمحتها شفق الإبنة حتى أسرعت نحوها: مامي سلامتك، إيه اللي جرالك!
وعانقتها فقالت شفق: انتو قولتلها إيه يقلقها بالشكل ده!
أجاب وليد بسعادة: ولا حاجة أهي لسه واصلة بالسلامة.
فأبعدتها عنها قليلًا، نظرت إليها ثم نظرت بينهم جميعًا وقالت بقلقٍ و ريبة: انتِ كنتِ فين وإيه اللي جرالك؟!
أجابت شفق الإبنة: أنا كويسة جدًا الحمد لله، إطمني والله يا مامي!
تسآلت شفق بريبة: انتِ كنت مخطوفة!
أومأت شفق الإبنة: و الحمد لله رجعت بالسلامة، مع يحيى و أدهم.
فانتبه وليد فجأة وقال: يحيى.
ثم اتجه نحو الباب إلى الخارج فوجد يحيى لازال واقفًا مع عز، فخرج إليه، سلم عليه، عانقه، ربّت على كتفيه، قائلًا: راجل ابن راجل، تسلملي يا يحيى!
أجاب يحيى: أنا ما عملتش حاجة أكتر من العادي.
فسكت وليد يقرأ الشوق الظاهر في عينيه ثم شرد و تذكر نفسه منذ سنواتٍ طويلة عندما خُطفت شفق وكيف كان حاله! فتنهد و نظر إليه وابتسم.
تسآل يحيى: هي طنط عاملة إيه!
- أحسن الحمد لله، مش هتخش تسلم عليها بنفسك!
- طب أروح أشوف ماما وبابا الأول تكون استعدت.
- ماشي، سلملي عليهم بأه.
- حاضر من عينيا.
ودخل وليد لأسرته.
وعند سليم و سلمى، كان سليم مستلقٍ يفترش جانبه جوار حب عمره المستقرة برأسها على صدره يمسك بإحدى يديها وبيده الأخرى يعبث بخصلات شعرها ويقبل جبهتها من حينٍ لآخر .
هكذا مكان كل منهما، يظلا بهذه الوضعية، يحكيان معًا حتى يغطا في نومهما.
همست سلمى بقلق وهي ترفع برأسها من فوق صدره: سليم انت كويس! دقات قلبك عالية أوي.
فقال وهو يعود برأسها كما كان ممسدًا عليها: من قلق و تعب اليومين اللي فاتوا، بتستهويني باللي حصل!
- طب ما تخلي الدكتور يشوفك بالمرة.
أجاب سليم وهو يضمها نحوه أكثر: خليكِ مكانك بأه! إنتِ دوايا أصلًا.
- بس برضو...
وهنا طرق الباب فقال سليم بمليء صوته: مين؟!
فأتاه صوت إبنه يحيى: أنا يحيى يا بابا.
ناداه سليم: تعالى.
دخل يحيى فرأى هيئة والديه فابتسم وقد فهم أنهما تصالحا وسارت الأمور على ما يرام.
فاقترب يحيى ليسلم عليهما، فتسآل سليم بقلق: إيه اللي شلفط وشك كده!
أجاب يحيى: كنت مع أدهم ورجعنا البنات الحمد لله!
أومأ سليم بإعجاب: لا و الله! طب حمد الله على السلامة.
فاقترب يحيى من أمه قائلًا: حمد الله على سلامتك ماما! وألف مبروك على الصلح.
وانحنى ليقبل جبهة أمه و هي ساندة على صدر أبيه فدفعه أبوه وقال: رايح فين يا رخم؟! هتسيب حضني يعني عشان تجيلك انت!
فتنحنح يحيى على استحياء، وانحنى يقبل يدها ثم جلس و ابتسم.
سأله سليم: إيه الأخبار! ظبطت الكلام ولا إيه!
أجاب يحيى: معاها آه، لسه البشمهندس، هروحلهم كمان شوية قولتله هاجي أسلم عليكم عبال ما يبلغ مدامته.
قالت سلمى وهي تهم بالنهوض: وأنا لازم آجي معاك.
صاح يحيى: تيجي فين يا ماما انتِ تعبانة!
تابعت سلمى: ده واجب يا حبيبي، وبعدين دي الأوضة اللي جنبنا.
قال سليم: يا سلمى...
قاطعته سلمى بدلال: وحياتي يا سولي.
فرفع سليم عينيه ناحية إبنه ليجده يضحك، فقال: بتضحك يا جزمة قديمة! بكرة أشوف كلمة وحياتي عندك يا يويو هتعمل فيك إيه!
تابع يحيى: وأنا مش هعارضك يا باشا، حاسس إني هبقي نسخة منك زي ما طول عمري نسخة منك.
أردفت سلمى بسعادة: يبقى يا سعدها يا هناها البت شفق دي.
قال يحيى وهو يضحك: أمي بتتحول من أقصى اليمين لأقصى الشمال.
فضحك على ضحكه والديه..........................
Noonazad
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top