part 3
مضت ليلة أمس بدون شيء يُذكر فقد ذهب لوكاس لعمله الأخر ثم عاد لمنزله ونام على الفور..
أما ماتيو فقد بقي جالساً في الشارع ولم يتمكن نن النوم طوال الليل بسبب خوفه..
أشرقت شمس اليوم التالي فأستيقظ لوكاس وتوجه لعمله فأجتمع مع زملائه مقررين تنفيذ ما اتفقوا عليه بالأمس...
بدأوا بجولتهم المعتادة بعضهم يقوم بجمع أكياس النفايات وإفراغ الحاويات والبعض الأخر يكنس الشوارع..
مضت الساعات وفي وقت ما بعد الظهيرة اجتمع أهالي ذلك الحي مُستغربين عدم عبور شاحنة القمامة من هناك ولا اثر لعمال النظافة في الحي بأكمله...الحاويات لم يتم إفراغها والأكياس لاتزال في أماكنها والأوساخ تملأ الشوارع وهذا دليل على أن عمال النظافة لم يأتوا اليوم !
فقرر بعضهم الذهاب للبلدية وتقديم شكوى عن عمال النظافة لإهمالهم هذا...
في مكانٍ أخر...
كانت الشمس قد بدأت بالغروب بالفعل وكان لوكاس وبعض زملائه يقومون بتنظيف أحد الشوارع حين شعر لوكاس بضيقٍ في صدره وثقلٍ في أنفاسه فسقطت المكنسة من يده بينما يجثو على ركبتيه لحظة شعوره بالضعف التام فهرع زملائه نحوه قلقين فهم يعرفون أنه مريض قلب لذا هم يراعونه كثيراً...
كان يحاول جاهداً تنظيم أنفاسه بينما يضغط على صدره من جهة قلبه فتحدث أحد زملائه :
" لوكاس..ألم تحضر دوائك المسكن معك ؟ "
أومأ لوكاس ومد يده لجيب سترته يخرج ذلك الدواء فأخذه مارك من يده وساعده في تناوله وبعد دقائق انتظمت أنفاسه وهدأ ألمه فأراد النهوض لإكمال العمل لكنهم منعوه وأجبروه على الجلوس جانباً كي يرتاح وتابعوا هم العمل حتى تم الإنتهاء من الحي بأكمله وحينها توجهوا للبلدية نظراً لأن هذا الحي كان الأخير من جولتهم...
وعند وصولهم صُدموا بوجود أهالي الحي الذي أهملوه أمام البلدية ويبدو أنهم أتوا هنا متظاهرين !
حين لمح الناس عمال النظافة القادمين بإتجاههم صرخ أحدهم مُحادثاً رئيس البلدية الذي خرج للتو :
" هؤلاء أهملوا تنظيف حينا...اذهب وشاهد بنفسك كمية القمامة المنتشرة...هذا سيسبب لنا الأمراض...هل ستتحمل أنت أو عمالك المسؤولية ؟! "
(( الصورة أعلاه توضح وضع ذلك الحي 👆 ))
ليقول أخر :
" في طريقنا إلى هنا رأينا كيف أن جميع الأحياء الأخرى نظيفة وهذا يعني أنهم تعمدوا عدم المرور بحينا ! "
ليتقدم مارك رادفاً :
" أجل هذا صحيح...نحن تعمدنا ذلك..إننا مُضربون عن العمل في ذلك الحي.."
ليصرخ أحد المتظاهرين غاضباً :
" ولما إضرابكم هذا لا يشمل سوى حينا فقط ؟ "
تحدثت إمرأة من المتظاهرين بغضب :
" أصلاً كيف يمكنكم الإضراب دون موافقة رئيس البلدية ؟ "
هنا تحدث رئيس البلدية قائلاً :
" ومن قال أنهم لم يأخذوا موافقتي أولاً ؟ "
نظر المتظاهرون له بصدمة فتابع كلامه قائلاً :
" لقد أتوا إلي بالأمس وأخبروني بما فعلتموه مع لوكاس ومارك وأن الأمر انتهى بهم في مركز الشرطة...وقد اقترح لوكاس الإضراب عن العمل في حيكم لمدة ثلاثة أيام لنرى ما الذي ستفعلونه في ظل غياب عمال النظافة.."
ابتسم الرئيس بسخرية وتابع رادفاً :
" ها أنتم ذا منذ اول يوم أتيتم هنا تتظاهرون..هل أدركتم أهمية وجودهم ؟ إنهم يقومون بنتظيف الشوارع من الأوساخ التي أنتم من يسببها...يقومون بجمع الأكياس التي تقومون أنتم برميها...يُفرغون الحاويات التي أنتم من يملأها...وبفعلهم ذلك هم يحافظون على بيئة نظيفة وصحية لكم وفي المقابل ماذا تفعلون أنتم ؟ تقومون بالسخرية منهم والتنمر عليهم ! "
شعر المتظاهرون بالخجل من أنفسهم فبعضهم اخفض رأسه ومنهم من أشاح ببصره خجِلاً...فهم حقاً لم يدركوا أهمية عمال النظافة إلا الأن...
قدموا جميعهم إعتذارهم لكل العمال بشكلٍ عام ثم اعتذروا من لوكاس ومارك بشكلٍ خاص وغادروا بعدها عائدين إلى حيهم ليفاجئوا بأن عمال النظافة قد سبقوهم بالفعل وقد باشروا بتنظيف الحي وبعد إنتهائهم أبى أهل الحي أن يدعوهم يغادرون إلا بعد أن يتناولوا العشاء عندهم في الحي كاعتذار منهم على ما بدر فوافق الجميع على ذلك..
بما أن الساعة تخطت الثامنة مساءً فقد فات وقت عمل لوكاس الأخر لذا قرر العودة للمنزل ليرتاح بعد أن اتصل بالمتجر وأخبرهم أنه لن يأتي اليوم...
حين انعطف يميناً رأى رجلاً كبيراً في السن يُخرج كيسين من القمامة من منزله ويبدو أنهما ثقيلان عليه فتقدم لوكاس نحوه وألقى التحية عليه ثم أخذ منه تلك الأكياس بينما يردف :
" عد للداخل وارتح يا عم...سأقوم برميها لأجلك.."
ابتسم له العجوز وأردف :
" شكراً لك يا بني.."
: " لا شكر على واجب.."
أنهى لوكاس كلامه مُبتسماً ثم مضى نحو الحاوية الموجودة في زقاقٍ ضيق بعض الشيء كونه يفصل بين بنايتين...
حال إقترابه من الحاوية لمح في أخر الزقاق جسدٍ صغير متكور على نفسه فعقد لوكاس حاجبيه مستغرباً ثم رمى القمامة في الحاوية وتوجه لذلك الصغير يجثو أمامه رادفاً :
" أيها الصغير ماذا تفعل هنا وحدك في هذا الوقت ؟ "
رفع المعني رأسه لتلتقي زرقاوتيه الدامعتين بعسليتا لوكاس المستغربة...
ليكرر لوكاس سؤاله مجدداً وحينها أجابه الطفل بصوته الباكي :
" بابا تركني...لم يعد لأخذي..انتظرته طوال النهار ولكنه لم يعد..."
استنكر لوكاس ذلك فكيف يعقل أن يترك أب ابنه في مكانٍ غريب ولا يعود لأخذه ؟ لكنه فكر بإحتمالية أن هذا الطفل ضائع لذا قرر أن يأخذه معه للوقت الحالي ثم يبحث عن والده في الغد فابتسم للطفل ومد يده يمسح له دموعه بينما يردف بلطف :
" ما رأيك أن تأتي لتبيت عندي اليوم وغداً نبحث عن والدك ؟ "
فكر الطفل قليلاً ثم أومأ موافقاً فنهضا كلاهما وأمسك لوكاس بيد الصغير ومشيا معاً يتبادلان الأحاديث فابتسم لوكاس مجدداً حين سأله الصغير :
" ما اسمك يا عم ؟ "
: " أنا اسمي لوكاس..ما اسمك أنت ؟ "
: " ماتيو.."
بعثر لوكاس شعر ماتيو قائلاً :
" ياله من اسم جميل.."
فابتسم ماتيو قائلاً :
" اسمك معناه الضوء...لقد تعلمناه في الروضة "
قهقه لوكاس بخفة قبل أن يردف :
" كم عمرك ماتيو ؟ "
ليجيبه المعني مُبتسماً :
" لقد بلغت السابعة قبل أسبوع.."
: " واه رائع إذاً أنت هذا العام ستدخل المدرسة وليس الروضة.. "
أومأ ماتيو بسعادة ثم أردف :
" كم هو عمرك أنت ؟ "
" أنا في الثامنة عشر.."
ظهر التفاجأ جلياً على وجه الصغير ولكنه سُرعان ما عقد جبينه بجدية مُفكراً بينما يردف :
" إذاً كلمة عم ليست مناسبة لأناديك بها..."
صمت للحظات ثم صاح بحماس :
" أخي !...سأناديك أخي ! "
ابتسم لوكاس فكم أشعرته هذه الكلمة بالسعادة..فهو لطالما تمنى لو أن لديه أخ أو أخت بدلاً من كونه وحيداً في هذا العالم القاسي..
نظر نحو الطفل وإبتسامته لم تفارقه وهو يراقب الصغير الذي يستمر بتكرار نفس الكلمة مستمتعاً بذلك :
" أخي لوكاس ! أخي لوكاس ! "
وصلا للمنزل فصاح ماتيو بحماس مشيراً بيده لدراجة لوكاس :
" إنها دراجة نارية !!! "
ضحك لوكاس بخفة وأردف :
" إنها لي...سأخذك في الصباح في جولة فيها ثم بعدها نبحث عن والدك.."
أومأ ماتيو بحماس فابتسم له لوكاس ثم تقدم نحو الباب يفتحه ويدلف هو والصغير للمنزل..
جلس ماتيو يشاهد التلفاز بينما لوكاس قام بالإستحمام وغير ملابسه ثم خرج متوجهاً للمطبخ وأعد العشاء ثم نادى ماتيو للأكل وبعد إنتهائهما تعاونا في غسل الأطباق ثم خلدا للنوم فوراً...
في الصباح إستيقظ لوكاس أولاً وقام بإعداد الفطور بعد أن اتصل برئيس البلدية وأخبره أنه سيتغيب اليوم...
بعد إنتهائه توجه نحو ماتيو وأيقظه بهدوء فأعتدل الأصغر بينما يفرك إحدى عينيه بنعاس وسُرعان ما تحول كسله لنشاط حين تذكر أمر الجولة بالدراجة فنهض بسرعة يغسل وجهه ويتبع لوكاس للمطبخ ليتناول الفطور معه..
بعد نصف ساعة تقريباً خرج لوكاس من المنزل وركب دراجته ثم ساعد الصغير على الركوب وانطلق به يجول الأحياء بالدراجة والصغير يضحك بسعادة مستمتعاً بذلك وخاصة حين يزيد لوكاس السرعة ولحسن حظهما كان الجو جميلاً اليوم..
بعد ساعة توقف لوكاس عند متجر يبيع السكاكر واشترى البعض لماتيو الذي سُعد بذلك ثم تابعا جولتهما وبعد أن مضى بعض الوقت توقفا في الحديقة وجلسا هناك يتناولان الشطائر التي اشتراها لوكاس مُسبقاً...
نظر لوكاس نحو ماتيو وسأله :
" الأن بعد أن تنتهي سنذهب للبحث عن والدك حسناً ؟ "
أومأ ماتيو فسأله لوكاس :
" إذاً أخبرني ما اسم والدك ؟ "
أجابه ماتيو بفم مملوء بالطعام :
" بابا اسمه جون...جون كونار "
ابتسم لوكاس وأردف :
" جيد..الأن سنذهب لمركز الشرطة ونطلب من الأعمام الشرطة البحث عن والدك.."
أومأ له ماتيو مجدداً وبعد ربع ساعة كانا في مركز الشرطة...
: " سيدي..على ما يبدو هذا الطفل قد ضاع عن
والده أرجو منك مساعدتي في إيجاده.."
قالها لوكاس ليرد عليه الشرطي :
" ما اسم والد الطفل ؟ "
: " اسمه جون كونار..الطفل اسمه ماتيو.."
: " حسناً..انتظرني لبعض الوقت..سأبحث عنه "
أومأ لوكاس ثم توجه ليجلس بجانب ماتيو ولم يمضي الكثير من الوقت حتى عاد ذلك الشرطي وابتسم نحو الصغير بينما يردف :
" لقد وجدت عنوان منزلك أيها الصغير "
ابتسم الصغير بسعادة بينما ناول الشرطي الورقة التي كُتب عليها العنوان للوكاس ليقول ماتيو :
" شكراً لك يا عمي الشرطي "
بعثر الشرطي شعر ماتيو بينما يرد عليه مُبتسماً :
" على الرحب.."
غادر بعدها لوكاس برفقة ماتيو نحو ذلك العنوان وطرق لوكاس الباب لتفتح لهم فتاةً شابة ولكنها لم تنتبه للصغير فأردف لوكاس :
" أهذا منزل السيد جون كونار ؟ "
استغربت هي سؤاله وأجابته :
" أجل..كيف أساعدك ؟ "
ليأتي صوت إمرأة من الداخل تقول :
" من على الباب ؟ "
لترد عليها الأخرى :
" لا أعرفه..إنه شاب يسأل عن زوجكِ يا أختي.."
: " دعيه يتفضل.."
كان صوت رجل هذه المرة فأفسحت المجال قائلةً :
" تفضل بالدخول.."
دلف لوكاس وهو يمسك بيد ماتيو وحين دلف للصالة صُدم الرجل وزوجته برؤية ماتيو الذي كان سعيداً بعودته للمنزل...
بادر لوكاس بالكلام قائلاً :
" بالأمس حين كنتُ عائداً من عملي وجدت ابنك..استنجت أنه قد ضاع عنك لذا جعلته يبيت عندي ليلة أمس وفي الصباح توجهت للشرطة للبحث عن عنوانك لإعادته إليك..."
: " ومن قال لك أني أريده ؟ "
صُدم كلاً من لوكاس وأخت الزوجة بذلك بينما ترقرقت عينا ماتيو بالدموع فيما تابع الأب كلامه :
" أنا وزوجتي لا نرغب به...لذا قررنا التخلص منه فرميته في الشارع..هيا خذه من هنا فنحن لا نريده.."
أجهش الصغير بالبكاء بينما أردف أخت الزوجة بإستنكار :
" ما الذي تقصده ؟ أختي ما هذا الذي يقوله زوجكِ ؟ هل جننتما ؟ كيف يمكنما رمي طفلٍ صغير في الشارع هكذا ؟ أختي ألم تقولي قبل زواجكِ بأنكِ مستعدة لتربية طفل جون وكأنه ابنك ؟ ما الذي تغير الأن ؟! "
لتنظر لها أختها بإنزعاج مردفة :
" قلت ذلك وتراجعت عنه..أنا لا أُطيق هذا الطفل ولا بأي شكلٍ من الأشكال..لو بقي أمامي قد ينتهي بي الأمر بقتله..."
كان لوكاس مصدوماً بما يسمع بينما ماتيو يبكي بحزن فهو ولو كان صغيراً فإنه يفهم ما يقال جيداً..يفهم أن والده لا يريده وقد تركه هناك عمداً..
وبعد مناقشات أردف الأب بعصبية :
" اسمع يا هذا..خذه وارميه حيث وجدته..نحن لا نريده..هذا الطفل لم يعد ابني..هيا اخرج من منزلي أنت وهو..هيا "
أمسك لوكاس بيد ماتيو يقوده معه للخارج بملامح غاضبة فكيف يمكن لأب أن يتخلى عن ابنه بهذه البساطة ؟!
عاد لوكاس لمنزله برفقة ماتيو الذي لم يتوقف عن البكاء وحين دلفا للمنزل أردف ماتيو بتقطع بسبب بكاءه :
" لما..لما لا يردونني ؟ أنا...لستُ طفلاً سيئاً..لما أفعل ما يغضبهما..حتى...حتى أن خالتي..ضربتني في غياب بابا..ولكنني لم أشتكي له.."
جثى لوكاس أمام ماتيو واحتضنه بقوة..فهذا الطفل ذكره بنفسه..هو تُرك وحيداً في هذا العالم في عمرٍ صغير وهذا الطفل حدث له نفس الشيء لكن الفرق أن عائلة لوكاس ماتت بينما عائلة ماتيو تخلت عنه لكن لوكاس لن يسمح لماتيو بأن يعيش نفس معاناته لذا قرر تربيته والإعتناء به حتى يكبر...
هدأ بكاء ماتيو بعد مدة ففصل لوكاس العناق وأردف :
" اسمعني ماتيو..من الأن وصاعداً ستبقى معي هنا..هذا المنزل هو منزلك من الأن وصاعداً..وأنا أخوك حسناً ؟ "
نظر له ماتيو بعينيه الدامعتين دون أن يقول أي كلمة فتحدث لوكاس مجدداً قائلاً بينما يمسح دموع ماتيو :
" توقف عن البكاء وانسى ما حدث..أتعلم ؟ أنا أيضاً كنتُ في عمرك تقريباً حين تركني والداي لكن انظر لي أنا لا أبكي..لا يجب عليك البكاء أنت أيضاً.."
: " ألن تتركني..أنت أيضاً ؟ "
قالها ماتيو بحزن فابتسم له لوكاس بينما يهز رأسه بالنفي ثم أردف :
" لن افعل..سنبقى معاً دائماً ومهما حدث..موافق ؟ "
ابتسم ماتيو بسعادة يؤمئ للوكاس ثم يعانقه فقد أحب فكرة أن يكون لديه أخ كبير سيبقى معه دائماً ولن يفترق عنه تحت أي ظرفٍ كان...
...................................
يتبع...
ماتيو صغيري المسكين تم التخلي عنه 🥺💔
لوكاس يعاني مع مرضه 🥺💔 ولازلنا في البداية فقط 🙂
في البارت القادم ستظهر شخصية جديدة ما توقعاتكم بشأنها ؟
إلى اللقاء..
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top