٧/٢.٥
٢.٥
"لن أنام في غرفةِ المعيشةِ مجددًا، شعرتُ بزقزقةِ الطّيورِ وهي تنقر جمجمتي!"
"يا للعجب، وأنا من أعرفُ شخصًا شخيرهُ أسوء من الزّقزقة."
سارَ لوقتٍ طويلٍ، طويلٍ للغاية. لم يلمح لأيِّ متجرٍ صغيرٍ وجودًا. وخُيّل له أنّهم قد ضلّوا الطّريقَ.
"تبًّا لك، أنا أذوب!"
اليدُ التي قد كانت على كتفهِ أُزيحت، وراحت تمسحُ جبهةَ صاحبها بظهرها.
"لا بأس، لقد أوشكنا على الوصولِ."
قال جيمين لِمن كان من المفترضِ أن يكون أفضل الملمّينَ بما يحيطُ بمنزلهِ الجبليِّ.
"إنّ الحرارةَ تضغطُ على صدري، لا أكادُ أتنفّس." وواصل هوسوك الاِستعبارَ، في حينِ اِلتقطَ بصرُ جونغكوك واجهةً خشبيّةً لِما بدا كمتجرٍ عفى عليه الزّمنُ، ما إن تجاوزوا خامسَ منعرجٍ منذ خروجهم من المنزلِ.
سارعَ جيمين، ثمّ لحقهُ هوسوك لاهثًا، ولم يتيقّن جونغكوك إن كان السّببُ هو تعبهُ أم سعادتهُ لإيجادهِ المتجرِ. واِستكنانِ جسده تحتَ سقفهِ، أم كلاهما.
بيد أنّ ما كانَ متيقّنًا منه، لحظتها، أنّ تايهيونغ الدّمثَ بجانبهِ أفضلُ بأشواطٍ من تايهيونغ الأمسِ.
"ما.." اِلتفتَ الأصغرُ نحو مصدرِ الصّوتِ، جيمين، الذي توقّف أمامِ المتجرِ، بينما اِتّكأ هوسوك على جذعِ شجرةٍ.
"إنّه مغلقٌ."
غير أنّ تايهيونغ قد كان أوّل من تنبّه إلى أنّ المتجر، في الحقيقةِ، غيرُ مغلقٍ. وأوّل من تقدّم وتجاوزَ جيمين، دافعًا البابَ بطرفِ سبّابتهِ.
"إدًا.. فهو غير مغلقٍ."
لكن، في نهايةِ المطافِ، لم يأتِ نجاحهم في ولوجِ المتجرِ بفائدةٍ، فكأنّما قد تبخّر العجوز، الذي قابله الجميع ما عدا جونغكوك، في الهواءِ واِختفى. لم يبدُ أمرٌ مربكًا، سوى أنّ كلّ شيءٍ في موضعه، كما قال هوسوك، ولا أحدَ خلفَ منضدةِ المحاسبةِ.
"لعلّه قد توفّي." قال جونغكوك حينها، وقد مقت الفكرة بحدّ ذاتها، وإن لم يقابل العجوز قطّ. لكنّه قد كان عجوزًا، واِقترانُ العجائز والموتِ في عبارةٍ واحدةٍ ليس بالأمرِ النّادرِ.
"بحقْك! أتتلاشى الجثث على هذا الجبلِ؟"
"لعلّ أحدًا قد أخذ جثّته ونسي إيصاد باب المتجرِ."
"أو أنّه قد قرّر الذّهابَ إلى المدينةِ لبعضِ الوقتِ ولم يكلّف نفسه عناء إيصادِ البابِ لأنّه يعلم أنّ لا شيء هنا يستحقُّ السّرقةَ! والآن، فلنعُد إلى المنزلِ سريعًا، لا أصدّقُ أنْني سأعود سيرًا على الأقدامِ، سأُصابُ بعلّةٍ جلديّةٍ على هذا المنوال!"
والحقيقةُ قد كانت، أنّه إن لم يسِر هوسوك مبتعدًا لما تحرْك جيمين، ولأخذَ عدّةَ التخييمِ وإن كان العجوزُ صاحبُ المتجر غائبًا.
فهو من اِقترح فكرةَ نصبِ خيمةٍ بالقزبِ من المنزلِ، والوحيدَ المؤيّد لفكرة نامجون في قصدِ المتجر الوحيدِ سيرًا على الأقدام، وعدمِ الاِستعانةِ بالسّيارةِ.
غدتِ أشعّةُ الشّمسِ أقوى، وسار تايهيونغ وجيمين جنبًا إلى جنبٍ، تاركَين هوسوك وجونغكوك خلفهما.
"لم أفكّر بالأمر قبلاً، لكنّ هانسول قد أقنعني بالفكرة.. واحزر ماذا، لقد أحضرتُ ما سأحتاجه لتغيير لونه!"
اِلتقط سمعه صوت جيمين المتحمّس، وقهقهة رفيقه الخفيفة. ليرفع أحد حاجبيه. "ماذا؟ لا تخبرني أنّك ستصبغ شعرك مجددًا.."
"أجل، عليّ مواكبةُ الصّيفِ."
همهم جونغكوك. وحينما بلغوا المنزلَ، وتجاوزوا المرأب ولوجًا إلى غرفة المعيشة، اِستلقى هوسوك بجانب يونغي النّائم، بالرّغم من ثيابه المبلّلة عرقًا، فيما جلس أصغرهم على الأرض، وسارع جيمين بجرّ تايهيونغ نحو دورة مياه الطابق الأرضيّ.
لم يشأ رفع سقف توقّعاته كثيرًا، فمن كان موشكًا على مساعدةِ جيمين هو تايهيونغ دون غيره.
خمسُ دقائق تبعتها عشر، ربع ساعةٍ، نصف ساعةٍ.. وسمع جونغكوك صوت خطواتٍ، بعضها يظهر حماسًا وقد بدا أنّ السّائر لا يطيق شوقًا أن يصل إلى غرفة المعيشةِ، فيما كانت باقي الخطوات هادئةً متّزنةً.
كان بالإمكانِ معرفةُ صاحب كلّ خطوةٍ بسهولةٍ.
"يا رفاق!"
مبتسمًا، كان جيمين على بعد خطواتٍ من تايهيونغ، الذي قد تبعه ببطء، راسمًا ما بدا كاِبتسامةٍ أكثر منه خطّ رفيعٌ.
تلاشت ملامح جيمين البشوشة تدريجيًا، حينما اِلتفت الجميع نحوه، ولم تفرج أفواههم سوى عن أصواتٍ مختلفةٍ، أصواتٍ كان بإمكانها التعبير عن أيّ شيءٍ، عدا الإعجاب.
"ما بالكم؟ هل أبدو رائعًا لدرجةِ إخراسكم؟" أنبر بتهكّمٍ، قبل أن يعقف حاجبيه في قلقٍ متابعًا. "ما الأمر؟ لم يدعني تايهيونغ أرى شعري في المرآة، كي تكون مفاجأة."
كان من الواضح أنّ جيمين لم يُلقِ نظرةٍ على المرآةِ، فقد أراد لونًا برتقاليًا ناريًّا لشعره، قد يبدو أشقرَ بعض الشّيء تحت أشعّةِ الشّمس إن كان تايهيونغ جيّدًا بما فيه الكفاية فيما يفعله.
لكنّ لون شعره أحمرٌ، وجيمين يكره اللّون الأحمر.
"إنّه.. إنّه رائع! من الغريب رؤيتك في لونٍ صارخٍ، هذا كلّ ما في الأمر."
اِنسحب صاحب الشّعر الأشقر، سوكجين، من مكانه على الأريكة المزدحمةِ، متجهًا نحو جيمين، ليتلمّس خصلاته، في محاولةٍ فاشلةٍ لمعرفة سبب تحوّل اللّون.
"تبدوان كإشارةِ مرور." نبس يونغي بصوته النّاعس، مربّتًا على شعره الأشعث، بعد قيلولته القصيرة. "لا ينقصكما سوى اللّون الأخضر لتكتمل اللّوحة."
وقد حاول جونغكوك كتم ضحكته.. حاول بقدر اِستطاعته، لكنّ رؤية انكماش عينيّ تايهيونغ، وإفراجه الكامل عن صفّ أسنانه الأمامي في ضحكةٍ مدويةٍ طمأنته.
طالما أنّ تايهيونغ قد ضحك، فالأمر يستحقّ الضحك.
"من كان يملكُ شعرًا أخضرًا رائعًا قبل شهرٍ يا ترى؟" ولم يزِد تعليق نامجون سوى في علوّ الضّحكات.
كانوا، وأخيرًا، يقومون بما جعلهم يقصدون المنزل الجبليّ في المقام الأوّل، كانوا يحضون بالمرح، وإن كان على حساب جيمين.
。。。
"أشكركم على إحضاري رفقتكم هذه المرّة." وإن لم يكُن شكرهُ جديًا، وقد عنِيَ بهِ لومهم على عدمِ السّماحِ له بمرافقتهم في ما مضى من السَنواتِ، فقد بدا أنّ جيمين لم يتنبّه لتهكّمه، وراح يبعثرُ شعر جونغكوك. "يا إلهي، أتشعر بضرورةِ إظهار اِمتنانكَ لأنّ البارحةَ يوم الصّداقةِ؟"
"حقًا؟" أعقبَ هوسوك حاجبيه، قبل أن تعتلي مراسمهُ اِبتسامةٌ، ويطلقَ سراحِ هاتفهِ من بينِ يديه. "لقد راقتني الفكرة! أشكرُ جيمين لتقديمي إلى هانا، لقد كانت أفضل فتاةٍ واعدتها!"
مهلاً.. أرادَ جونغكوك المقاطعةَ. لم يكُن يخطّط سوى لإلقاءِ سخريتهِ والاِنزواءِ في إحدى الغرف، لعلّه قد يحضى ببعضِ الهدوءِ.
لكنّ جيمين قد بترَ ما لم يُفلح في الخروج من فمه، في المقامِ الأوّل.
"أشكُر نامجون على تعليمي القيادة، لولاه لتعرّضتُ لحادثٍ قد يودي بي منذ دهرٍ."
"ألم تستطِع التّسجيل في مدرسةٍ لتعلّمِ القيادة؟"
"بالطّبع لا! لمَ قد أتخلّى عن التّعليم المجانيَّ وأوقّع على عقدِ إفلاسي بيدي!"
حرّر نامجون ضحكةً، و إنّها 'لا تكلّف كثيرًا' خافتةٌ. هجرت فم سوكجين، قبل أن ينتبه جونغكوك إلى أنّ لعبةَ الاِمتنانِ البلهاءَ قد أخذت أخذت منحنى التّعاقبِ، وأنّ من يجلسُ بجانبِ هوسوك، من عليهِ الاِعترافُ ㅡأو اِختلاقُ اِعترافٍ تاليًا، هو تايهيونغ.
"اه.." اِزدردَ ريقهُ، وتحرّكت تفّاحةُ آدمَ صعودًا ونزولاً. "أشكركم على عدم إفشاءِ أمرِ تعاطيّ للمخدرّاتِ لوالديّ."
فغرَ جونغكوك فاهُ، وفضّل عدمَ الإجابةِ.
كان قد اِنتبه، منذُ ركوبه السّيارةَ، ليدِ تايهيونغ المتفقّدةِ لجيبِ بنطاله بين الفينةِ والأخرى. اِنتبه لاِختفائه وتلاشي وجودهِ دقائقَ طويلةً، قبل أن يعودَ واِحمرارٌ قد اِكتنز أبيضَ عينيهِ. واِنتبهَ لاِرتجافِ أطرافه القُحافِ.
كان منتبهًا ومدركًا لما يراهُ، ولم يحتج تذكيرًا آخرًا بأنَّ صديقهُ مدمنُ مخدّراتٍ.
و'التّستّرُ على أمرٍ كهذا لا يستوجِبُ شكرًا' كانت على قمّةِ لسانهِ، لكنّه لم يقُلها.
"طالما أنّك لن تنكثَ بوعدكَ وستعملُ على تجاوزِ إدمانك، فكلّ شيءٍ على ما يرام." أجابَ سوكجين سريعًا، بالرّغم من كونه أبعد الشّبان عن تايهيونغ. تلتهُ أصواتٌ موافقةٌ أصدر معظمها هوسوك.
"هاي، يونغي! اِنتظر، لقد حانٌ دورك!"
هتفَ جيمين بعد مدّةٍ من الهدوء المربكِ، ملاحقًا المتوجّه نحو المطبخِ بعينيهِ.
"ماذا، لا تتوقّعون منّي أن أشكركم على عدمِ هجري والتّسكّع معي بعد خروجيَ من السّجنِ."
"يا للعجب.." زفرَ هوسوك، وقد كادَ يقومُ لولا يدِ جيمين التي قد ربّتت على كتفهِ، وتبعت التربيتَ اِبتسامةٍ غريبةٌ.
"أنتَ الأفضلُ في تعكير الجو يا رفيقي." قال نامجون، الذي قد حافظ على صمته طوالَ جلسةِ الفتيانِ، على مقعدِ طاولةِ الطّعامِ.
وأثناء الثّواني التي اِستغرقها يونغي في قبضِ الإجاصةِ الخضراءَ الوحيدةَ من سلةِ الفواكهِ، سادَ صمتٌ ثقيلٌ محيطَ الغرفةِ، أذابهُ تصفيقُ جيمين الهستيريُّ، جاذبًا اِنتباهَ السّتةِ نحوهُ. "اه.. أنا، أعني لمَ لا نلعبُ؟ أي.. ألعاب فيديو! أجل! لا نستطيع قضاءَ أسبوعٍ بأكملهِ هنا كصيصانٍ داخلَ القنِّ، فلنتحوّل خارجًا أيضًا."
"هناكَ بعض الذّئابِ في المنطقةِ، على حدّ علمي." وجّه نامجون نظرهُ نحو هوسوك، الذي أومأ مسترسلاً. "بلى، لكنْها لا تتجوّل حول المنزل. لم يسبق لي رؤيةُ ذئبٍ بالقرب من هنا."
"يا للهول، أتعني أنّنا قد نؤكل نيامًا؟" وإن لم يبدُ السؤال جديًا، فقد كان صوتُ سوكجين متّزنًا حادًا.
"أجل، ستستيقظ ولن تجدُ نصفكَ السّفليٌّ."
قهقه هوسوك، واِستقام تايهيونغ مستأذِنًا متوجّهًا نحو دورةِ المياهِ.
في خضمِّ الأحاديثِ يتيمةِ البداياتِ والنّهاياتِ، اِرتكنَ ذو الشّعرِ الأدجنِ في أبعدٍ مُضطجعٍ، داخل غرفةِ المعيشةِ، عن الفتيانِ.
كان سعيدًا، وممتنًّا لسماعِ قهقهاتهم التي ما عاد بالإمكانِ التّمييزُ بين أصحابها. لكنّ تخمةً قد غمرتهُ، واِبتغى الاِبتعادَ، دونَ أن يبدو راغبًا به حقًا.
وقد اِستثبت من رغبةِ تايهيونغ، على وجهِ الخصوصِ، في قضاءِ برهةٍ دونَ ملاحقةِ ظلّ جونغكوك له.
شعرَ بالنّعاسِ، ودَّ لو ينامُ، وسوّى مجلسهُ للاِنزراقِ. لكنّه لم ينَم، ولم يكَد يُغمِض عينيهِ، فَجين قد صدحَ، وهوسوك قد اِنكبَّ على يونغي، مردّدًا اِسمه، مهزهزًا جسدهُ.
ونحيبُ سوكجين، الذي أخذَ محلَّ هوسوك في هزِّ جسد يونغيِ الممدّدِ أرضًا مرارًا وتكرارًا، لم يكُن أفضلَ تهويدةٍ لينامَ جونغكوك عليها.
。。。
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top