05: العلبة المخفيّة.

يبدو أن ما أراده أبي قد تحقق لأنه مضى يومٌ كامل على عملي هنا، اليوم كان شاقًا جدًا، فهناك حادث حصل وكان هناك عشرون مصابًا، والرّمز الأسود كان فعّالًا طوال اليوم وقبل خمس دقائق حتّى انطفأ، وهو رمز يعمل في حالة الطّوارئ القصوى.

نحنُ الآن نجلسُ في الكافيتيريا نرتاح، إيجاكس بقي معنا أنا وإليون، إليون بالطّبع تولّى الحديث معظم الوقت فهو يعرف كم أنا هادئة ولا أحبُّ التّكلم، إيجاكس أيضًا يبدو قليل الحديث، لكنني لن أنكر كونه طبيب بارع فقد أثبت جدارته في اليوم الأوّل من عمله.

نظرتُ ليدي الدّامية من تحت الطّاولة، لا زالت تؤلمني كما لو أن الزّجاجة في داخلها، فتحتُ أصابعي وأغلقتها بصعوبة، يبدو أن أعصاب يدي تضررت من الزّجاجة، هذا ليس أمرًا جيدًا.

تذكرتُ نيرو لأقف لأذهب له كوني لم أره طوال اليوم «إلى أين؟» سألتني تارا «لتفقده» قلت وأومأت لي ليقف إيجاكس «سأذهبُ معكِ» قال وعقدتُ حاجباي «لا داعي، إنه ليس شيء مهم» قلتُ لينفي برأسه ويكمل: «لكن الرّئيسة لي أخبرتني أن أرافقكِ في كلّ مكانٍ تذهبين إليه طالما نحنُ في المستشفى».

قال لأفتح فمي نيّة الاعتراض لكن استوقفني إليون: «سين، لا نريد أيّ مشاكل معها أرجوكِ» قال لأزفر بسخط: «لعينة!» همستُ ومشيت حتّى غرفة نيرو وإيجاكس خلفي.

فتحتُ باب الغرفة لأراه يلعب بهاتفه، «نيرو نون» قلتُ ينظر لي ويبتسم «سين أين كنتِ؟ لقد قلقتُ عليكِ كونكِ لم تأتي لزيارتي» قال وهو يحتضنني «لا تقلق أنا بخير، وأنت؟» سألته «بأفضل حال» قال لأعقد حاجباي «لا أعلم، تبدو شاحبًا قليلًا، لا تقلق سأعطيكَ قبلة وستصبح أفضل بكثير» قلتُ واقتربتُ منه «أيتها المنحرفة» قال وهو يقهقه لأمسك وجهه بيداي وأطبع قبلة كبيرة على وجنته «هكذا أصبحت أجمل» قلتُ وبدأتُ بتفقّد الأوراق والأجهزة من حوله.

أحبُّ عندما أناديه بنون، فهو يختصر اسمي بسين ويبدو مثل الحرف لهذا اختصر اسمه بنون كـحرف أيضًا، في الواقع هو أوّل من أطلق عليّ لقب سين وبعدها بدأ الباقي بمناداتي به.

«سين من هذا؟» سأل وأشار لإيجاكس الصّامت «هذا الطّبيب الجديد إيجاكس ماتياس، طبيب إيجاكس هذا نيرو أوزويلد» عرّفتهما ليبتسم نيرو «كم عمركَ طبيب إيجاكس؟» سأله «ثلاثة وثلاثون عامًا» قال بهدوء «إذًا أنتَ أكبر مني، كما نورسين أكبر مني أيضًا» قال وهو يبتسم ثم نظر لي «عمركما جميل ومناسب» قال وابتسم بحقارة «أصمت!» قلتُ ليضحك، هو أكبر مني بسنتان فقط. تفقدته للمرة الأخيرة وذهبت لأحتضنه.

«سأذهب، اعتني بنفسك حسنًا؟» قلتُ ليومئ «وأنتِ أيضًا» قال وأمسكَ يدي المصابة لأهسهس بألم «هل أنتِ بخير؟» سأل بقلق «أجل لا تقلق، إنه جرحٌ بسيط» قلتُ وأنا أحاول إخفاء ألمي «هل أنتِ متأكدة؟ ماذا حصل؟ هل...؟» سأل بترقب لأومئ «لعين!» همس لأقهقه «صدقت، يجب أن أذهب، وداعًا نون» قبّلت وجنته ليكمل: «إلى اللقاء سين، إلى اللقاء طبيب إيجاكس» قال ولوّح لنا ثم خرجنا من الغرفة وخلفي إيجاكس.

«أخبرتكَ أنه لا داعي للقدوم معي» قلتُ بملل، لقد أزعجني كونه معي وكوني لم أستطع التحدّث مع نيرو براحة. «وأخبرتكِ أنني ملازمٌ لكِ للأوامر التي علي، وأنا لن أخالفها فقط لأنكِ تريدين رؤية الرّجال» قال لألتفت له بغضب «راقب ما تلفظ وإلا قتلتك» قلتُ بحدّة ليشخر بسخرية «إفعليها إن استطعتِ...» قال واقترب من وجهي لتلفح أنفاسه وجهي «...سين» قال بهمس وابتسم بسخرية لأبتعد عنه بغضب، كريه أحمق.

جلسنا في أماكننا في الكافيتيريا ليأتي الرّئيس جايمسن «أحسنتم عملًا، يمكنكم الذّهاب» قال لنهلل بفرح، «طبيبة كلارك أريدكِ في مكتبي» قال لأومئ «حاضر سيدي» قلتُ ليذهب.

«هل ستكونين بخير؟» سألت تارا «أجل لا تقلقي، إذهبي أنتِ إلى المنزل» قلتُ وقبّلت وجنتي «إلى اللقاء» قالت وأومأت لها.

دخلتُ إلى مكتبه وأشار لي بالجلوس، جلستُ وكان يواجهني بطاقة التّعريف التي مكتوب عليها اسمه «الرّئيس سيردار جايمسن»، وقف وجلس أمامي و وضع حقيبة على الطّاولة.

«هاتي يدكِ» قال لأعقد حاجباي وأردف: «ماذا؟»، قلب عيناه وأكمل: «يدكِ المصابة طبيبة كلارك، رأيتكِ من الكاميرات وأنتِ تحاولين إخفاء ألمكِ».

قال لأتنهد وأمدها له، نزع القماشة ليظهر الجّرح العميق، عقّم يداه وأمسك إبرة ووضع فيها مخدّر وغرزها في منطقة الجرح لتتخدر، الشيء الجيد أن الجرح لن يترك أثر لأن الطبيب سيردار بارع بعمله، بدأ بخياطتها.

«أخبريني طبيبة كلارك، هل لا زلتِ تكرهين عملكِ كطبيبة؟» سأل وهو يخيط جرحي الذي أشعر به قليلًا «ما الذي تقصده؟» حاولتُ إنكار هذا رغم كونه حقيقة.

«على من تضحكين؟ أنا أعلم بكرهكِ الوظيفة، رغم أنكِ في البداية كنتِ متحمسة للعمل لكن لا أعلم ماذا حدث لكِ بعدها لتكرهيها. كنتُ مثلكِ في السّابق أكره عملي هذا كون عائلتي من أجبرتني عليه كي لا يفسد إرث العائلة، لكن عندما كنتُ متدرّب قال لي رئيسي جملة غيّرت منظوري لعملي، وهي نفس الجملة التي قلتها لكِ عندما أردتِ الإستقالة من العمل هنا، هل تذكرين ما هي؟».

سأل لأومئ بهدوء «وظيفتي كطبيبة ليست فقط إنقاذ النّاس وشفائهم، ففي كل مرّة أعالج شخصًا أو أنقذه شيءٌ بداخلي يُشفى كما تشفينهم أنتِ» قلتُ ليبتسم.

«وهذا ما أريدُ إيصاله لكِ وللآخرين، نورسين أنا أرى كل شيء، لا زلتُ أراكِ تبكين في غرفة الإمدادات الطّبيّة مثلما كنتِ تبكين قبل ثلاث سنوات، وأنا أعلم أنني بجعل الطّبيب إيجاكس تحت إشرافكِ قد أثقلتُ عليكِ، ولكنني أثقُ بكِ وأشعرُ أنني أستطيع الإعتماد عليكِ بالإعتناء بالطّبيب إيجاكس».

قال وهو يبتسم لي، لفّ الجرح بالضّمادة ونظر لي «غدًا تأكدي منها وعقميها جيدًا، حسنًا؟» قال لأبتسم له «شكرًا لكَ رئيس جايمسن» قلت ليردها: «لا بأس، اذهبي وارتاحي لقد تعبتِ اليوم كثيرًا» ابتسمت مرّة أخرى وخرجتُ من مكتبه.

لا تثق بي كثيرًا رئيس جايمسن فأنا بالكاد أستطيع الإعتماد على نفسي للإعتناء بي فكيف سأعتني بغيري؟ لقد ولدتُ هكذا منحوسة، يبدو أن إلهي يكرهني كثيرًا، هه ومن لا يفعل؟

دخلتُ إلى المنزل لأراه بحالة فوضوية، الزّجاج على الأرض، والطّعام على الطّاولة بحالة مقرفة، وأبي اللعين نائم على الأريكة، ورجل نائم على الأرض والآخر على الكنبة، ورائحة السّجائر والمشروب تغطي المكان.

«اللعنة عليكم!» أغلقتُ الباب وذهبتُ إلى أوّل الدّرج كي أذهب إلى غرفتي «إلى أين يا جميلة؟ هيا لنستمتع» قال شخصٌ ما وهو يحتضنني من الخلف لألتفت وأمسك يده وألويها لتقع زجاجة المشروب من يده وتنكسر.

«إياكَ ولمسي أيها القبيح أفهمت؟» هددته ودفعته ليقع على الأرض «وأنتِ إياكِ ولمسُ أصدقائي أيتها الحقيرة!» قال أبي وهو يمسكُ شعري ثم صفعني بقوّة ورماني على الدّرج.

«أكرهكَ أيها اللعين، أتمنى أن تتعفن في الجحيم أنتَ وأصدقائك الحثالة» صرختُ وركضتُ إلى غرفتي، أغلقتُ الباب خلفي وبدأت دموعي بالإنهمار بكثرة دون إرادتي. «إلى متى يا إلهي؟ لقد تعبت».

زحفتُ حتّى البلاطة التي أخفي فيها أغراضي، فتحتها وأخرجتُ علبة سجائر وولاعة، ولّعتُ واحدة وعدتُ إلى مكاني.

استنشقتُ منها بعمق وأخرجته من صدري لأبتسم من بين دموعي، مرّ وقتٌ طويل. بقيتُ هكذا لساعة كاملة حتّى خارت قواي، أرجعتُ علبة السّجائر مكانها ونهضتُ لأقع على سريري، نزعتُ ملابسي عنّي لأبقى دون بنطال ولففتُ الغطاء حولي.

«ليلة سعيدة أمّي» همستُ وأغمضتُ عيناي بهدوء لأنام بعمق.

---

يلي برسل لي فويس وهو بقرأ اسماء شخصياتي له شو ما بدو، حتى أنا بستصعبهم أحيانًا. 😭😂

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top