الفصل الثاني: الطابق العلوي
#لوري#
كنت أشعر بالضجر الشديد، فقررت أن أخرج قليلا من غرفتي و أتجول بين أروقة المركز اللامتناهية، بالطبع ذلك مسموح لي، فهو كنوع من رياضة المشي، لكن شريطة ألا أقترب بتاتا من ذلك المصعد الذي لطالم شدني إليه، ماذا يوجد خلف هذا الباب؟ و لما لا يسمح إلا للقليل من الموظفين بعبوره فقط؟
خرجت من الغرفة خلسة دون أن يلاحظ أحد، و قد اختبأت عند منعطف الرواق إلى جانب غرفة الوحوش، بعدما لمحت أن أحدا يدخل عبر الباب، لم أستطع تحديد هويته لأنه لم يلتفت نحوي.
ظللت أراقب إلى حين رأيت الباب يفتح من جديد -أكاد أنفجر غيظا لمعرغة ما يوجد خلف هذا الباب- ثم خرج منه وليام! لم أعلم أنه مسموح له ذلك!... تقدمت نحوه بخطوات متثاقلة فما زلت متعبة بسبب التجربة التي أجروها علي قبل قليل، على الرغم من أنني لا أعرف ما فعلوه بي تحديدا، لكنني تعودت الأمر إلى حد ما.
عانقت وليام بقوة خائرة، بينما ظل هو يحدق بي في استغراب، لكن سرعان ما أزاحني بهدوء و أكمل طريقه، لكأني غير موجودة، أحيانا أمقت طريقة تصرفه معي، بل طرق جميع من في المركز، و عندما لمحت ظله يختفي في الرواق أخرجت بطاقته الخاصة من تحت كم يدي، حيث أدخلتها لأخبئها بعد أن مددت يدي إلى داخل جيب وليام و أنا أعانقه، كم يسهل الإحتيال عليه.
ارتسمت على وجهي ابتسامة النصر و أنا أمرر البطاقة عبر الشق الضيق على يمين الباب، أخيرا فتح و سأرى ما بداخله، لكن إن تم الإمساك بي فسأكون في ورطة حقيقية.
دخلت بخطى ثابتة و واثقة، ثم ضغطت على الزر الوحيد الموجود داخل المصعد، و لاح يرتفع رويدا رويدا، إلى أن توقف تماما، هنا أدركت أن علي الحذر، فقد أصادف أحدا في طريقي، أو يلمحني أغادر المصعد، بعد برهة من التفكير أخرجت الجزء العلوي من رأسي لأترقب إن كان هناك من أحد، يا للعجب لا أحد هنا! غريب هذا المكان فارغ أكثر مما اعتقدت، و لا يبدوا مثيرا للإهتمام و قد ضاع حماسي هباءا.
تقدمت بحذر شديد، يا للأسف حتى النوافذ سوداء و لا يمكن الرؤية من خلالها، و لا توجد سوى بضعة أبواب لم و لن أتجرأ على اقتحامها، فماذا لو كان أحد ما بداخلها؟! فنعم دهائي و شدة بديهتي، و بئس خوفي من هؤلاء...
تقدمت بضع خطوات أخرى، لألمح بابا مفتوحا، فاقتربت منه بخفة لأتفقد ما بداخله، أصابني الهلع الشديد، و بمجرد أن اقتحمت الباب من الخلف.. لا يوجد أحد، لقد كاد يغمى علي من الخوف، لكن لا بأس..
دخلت لأشاهد مجموعة من الأوراق على ذلك المكتب، تبدوا وكأنها مخططات لسفينة أو مركبة ما، ثم لاح بصري يتفقد الغرفة كانت شاسعة نوعا ما، و لا نوافذ لها، تحتوي بعض الشاشات المعلقة على الجدار، و قليل من الحواسيب، كما و لن أنسى تلك الطاولة الصغيرة التي تتخللها المخططات الورقية إلى أن حجبت رؤيتها.
اتجهت مباشرة نحو الحاسوب، و أقبلت على الضغط على أزراره، لقد كان اختراق أنظمة هذا المكان من خلال الحاسوب أمرا في غاية السهولة، نظرا إلى كوني أتمتع بقدرة عقلية تفوق بشكل كبير قدرات البشر الآخرين، لكن أحاول إخفاء ذلك فهم بالكاد يتركونني أنام، و لو علموا بالذكاء الذي تتمتع به طفلة صغيرة لزادوا من تلك التجارب و الإخترارات التي لا و لن تنتهي أبدا.
حدقت بالشاشة قليلا فإذا به مخطط المركز بأكمله أمامي، تفحصته للحظات، ثم قلت دون أن أعي.
لوري:
_ رائع إن المكان واسع ...
ظللت أتفقدها و أبحث عن موقعي أو بالأحرى الجزء حيث أنا متواجدة الآن، و بالفعل عثرت عليه، كان الجناح الغربي ، إنه قريب بعض الشيء من المخرج، أخيرا أستطيع الخروج من هنا، فما أجمل الحرية!
وضعت استراتيجية تمكنني من الهرب لكنها محفوفة بالمخاطر، عدت لأتفقد مخططات المركبة التي على الطاولة، غريب إنها دقيقة جدا و تحتوي على جميع مستلزمات الحياة، و قد يعيش المرء فيها لسنوات ، كما تتسع لكثير من الأشخاص، و تتمتع بميزات عديدة كالذكاء الإصطناعي...
بعد أن حصلت على المعلومات الكافية لأهرب كمواقع الكاميرات و الحراس و العمال، خرجت من الغرفة أترقب قدوم أحد، لكن لا وجود لأي شخص في هذا الطابق، فشققت طريقي نحو الأسفل و بالتحديد في الطابق الثالث عشر حيث غرفتي، و نزلت باستخدام المصعد، و لحسن حظي أيضا لا يوجد أحد في الرواق.
مشيت فيه قليلا، ليثير انتباهي صوت نباح كأنه كلب أو ذئب يتألم بشدة، و تحديدا كان الصوت يصدر من داخل غرفة الوحوش، و قفت مترددة أمام الباب، لكن فضولي لن يسمح لي بالمغادرة و تجاهل الصوت، كما أنه لم يمنع علي الدخول هنا، بيد أن علي الحذر فمعظم هذه الكائنات ليست ودودة.
فتحت الباب باستخدام بطاقة وليام و قد لفحت وجهي رياح تنبع من قلب الغرفة، تقدمت بخطى متثائبة و قد كان الجو باردا جدا مما جعلني أتمتم و أنا أرتجف.
لوري:
_ بارد ... بارد جدا ... بارد ...
بجدية لقد بالغوا في خفض درجة حرارة المكان إلى هذا الحد، فحتى و إن كنت أعتبر هذه المخلوقات وحوشا، فهذا لا يعني أنها ليست كائنات حية، و هي الأخرى تحتاج إلى رعاية و تدفئة و تغذية مناسبة..
كنت أسير في خط مستقيم و سط القاعة، ففي الجانبين نلاحظ وجود مجموعة من الزنزانات و كل واحدة تحتوي على كائن سجين بداخلها، في حين يوجد بعضهم خارجها لكن مكبلون بالسلاسل مع الجدار و بالكاد يستطيعون الحركة، تبعت مصدر الصوت ليتضح أنه ذئب هائل الحجم، بفرو متوهج، دهشت إثر ما أقبلت عليه عيناي كما أنه كان مقيدا بإحكام، مستلقيا في ضعف، كان المكان هادئا جدا و أستطيع أن أسمع صوت نبض قلبه الذي يخفق بسرعة، و كان باديا على ملامحه العجز، الخوف، و الأهم أو بالأحرى الأكثر وضوحا هو ألمه الذي لا يستطيع إخفاءه.
اقتربت منه دون أن أشعر بالخوف، لا أدري لكنني كنت أطمئن له كثيرا، فمددت يدي نحوه و رحت أربت على فروه و كأنني أواسيه، فبالفعل أستطيع أن أشعر بألمه هذا، لأن الشيء ذاته يحصل معي كل يوم.
فجأة تذكرت الحبوب المزيل للألم التي أحضرها لي روي في حالة لم يخف الألم، فخرجت سريعا نحو غرفتي لأجلبها بالإضافة إلى قارورة ماء لكي أروي هذا الكائن المسكين، جلبتها و جلست القرفساء على أطراف أصابع قدماي و بدأت أحاول لفت انتباهه إلي، لكن دون جدوى، أيعقل أنه لا يستطيع الرؤية؟ أم أنه يتجاهلني فقط لكي أرحل؟
على أي حاولت أن أرفع رأسه قليلا، لكنه أطلق زمجرة خفيفة دون أن يفتح فمه حتى، لقد كنت ألاحظ ارتباكه الشديد، و حركات أذنيه ليلتقط الأصوات من حوله، سأعترف لقد كنت خائفة قليلا، و مرتبكة أنا الأخرى و خاصة بعد ردة فعله تلك، فقد خشيت أن يهاجمني أو ما شابه ذلك.
لكنني مددت يدي نحوه و رحت أمسح على فروه الناعم المشع إلى أن هدأ و اطمأن لي، فأدخلت حبة المهدئ في فمه بحذر كي لا تجرحني أنيابه البارزة و الحادة، و قد قمت بإعطائه بعض الجرعات من الماء بروية، و بعد دقائق غفوت إلى جانبه فإذا به يلتف حولي كأن سحابة ناعمة تدفئني، فقد ارتحت له كثيرا و شعرت بالأمان في حضنه، و باث عزيزا علي، مرت حوالي ساعة و أنا نائمة إلى جانبه، و عندما استيقظت أفاق هو الآخر و بدأ يحتك وجهه بوجهي و فراؤه يدغدغ و يداعب وجنتاي، و قد قررت أن أطلق عليه اسما، و بدأت أستشيره في ذلك و كأنه يفنمني، ففي الحقيقة تعلقت به سريعا.
لوري:
_ ما رأيك باسم كرين ... إنه يعني أخضر تماما كتوهجك ...
أومأ لي بالرفض، كان و كأنه يحادثني بلغة الإشارة.
لوري:
_ حسنا، و ماذا أطلق عليك ...؟
صمتت لبرهة، ثم اخترقت هذا الصمت المريع الذي أستطيع إثره سماء أصوات تنفس الكائنات الأخرى، و نحيبها، و نبضها..
لوري:
_ ما رأيك في رمادي ...؟
أمال الذئب رأسه، كأنه مستغرب، حقيقة من حقه ذلك فأنا حتى الآن لا أمنحه سوى أسماء لألوان لا غير.
لوري:
_ هيا... لا ترمقبني بهذه النظرة ... أنا أيضا لا أخرج لدى لا أعرف كثيرا من الأسماء ...
وضع رأسه على ركبتاي، و استلقى في اطمئنان لدى اعتبرت ذلك بمثابة الموافقة.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top