الفصل السابع


ظننت ان الجمال فانٍ، الى ان رأيت حسنها

"لا." اجاب اسكوبار بنوع من الشرود الذي بدء يُربك الشرطي، فنادراً ما اضطُر للتعامل مع شخصيات كبرى كأمير فرنسا الابكر.

وقف فرانسيس ببرود وتعدى الشرطي ليخرج من المبنى المتهالك بأكمله وفي كل خطوة يخطيها تزداد  نيران غضبه. دخل سيارته السوداء فأغلق الباب بكل قوته لعله يخفف من غضبه. انطلق السائق لقصر العائلة المالكة الفرنسية بستراثكلايد.

تنهد اسكوبار وهو يراقب الطرقات، جزء منه كان يشعر بالإهانة بشكل كبير. ليس لانه وضع نفسه بموضع لا يحسد عليه ولا لان امرأة لا تسوى شيئا أمامه- هو امير فرنسا الابكر- قد اهانته بتلك الطريقة. بل لانه كان يدرك جيداً ان غضبه هذا ما كان ليظهر أمامها يوماً. ربما هذا ما يجعلها تقلل من كرامته لذلك الحد، تلك الوضيعة.

تنهد ليث بضيق حالما وصله خبر بأن هناك عشاء في قصر السيد مبارك المنصور الذي من المفترض ان يكون عمه وأباً لجودا. فقط لو كانت الظروف بصفه لما كان هو هنا مترددا في الحضور خشية ان يلاقيها، ان يلاقي فاتن التي تظن انه يوماً سيكون لها. لو ان الظروف كانت بصفه وصف امه لما كانت فاتن مهووسة به لحد الجنون، ولما كان ينهك نفسه بالعمل هكذا حتى يضمن كرسيه في الخلافة. فإنه كان سيكون الوريث المرشح  الأكبر بأي حال، اما الان فهو بحاجة لإثبات نفسه أمام أعمامه الافتراضيين.

تمنى لو يعتذر عن العشاء الا ان ليس له سبب مبرر وواضح. وان كان بالتفاهة التي تجعله ينفر من فاتن فكيف سيستطيع مقابلة من هم ادهى منها في مناسبات كهذه مستقبلاً. ضغط على نفسه فلبس بدلته المفضلة باللون  الأزرق  الداكن الذي يتناسب مع لون عينيه.

بينما في الجانب الآخر كان اسكوبار قد وصل قبل قليل للعشاء في قصر عائلة المنصور، يتفقد الحاضرين بقليلٍ من التعجب لكثرتهم. فعندما وصلته الدعوة فضل الا يأتي فيلتقي بأناس كثر، ولكن جودا اصر عليه بأنه مجرد عشاء لا اكثر. انسحب جودا من جانبه منذ قليل لاستقبال احدى الأمراء الذين لم يكترث بهم اسكوبار ، الا انه وحين شعر بنظرات ثاقبة تُوجه اليه تمنى بأن جودا لم يترك جانبه لأنه وللأسف كان يضطر لمواجهة نظرات الأميرة فاتن الثاقبة عن بعد.

استرق بعض النظرات اليها للحظات فقط، فلاحظ نظرتها المتهكمة تأكله ببرود، عيناها السوداوتين كعيني صقر يتربص بفريسته لتتعرف على نقاط ضعفه من قوته. شعر بانقباضة بقلبه ما ان بدأت تخطي نحوه وابتسامة السخرية لا تغادر شفتيها وفستانها الملكي باللون القرمزي يجذب الأنظار اليها حتى توقفت عنده فنظر هو لمن حوله بارتباك لم يعهده الا برفقتها ورفقة امرأة تقبع الأن في السجن ظُلماً بسبب رفيقته.

"اهلاً بأمير فرنسا العظمى، كيف حال اسكوبار الكبير؟" اقتربت هي منه بحيث ان كل ما يفصل بينهما وبينه وبين ابتسامتها التي يمقتها بشدة ما لا يكثر عن عشرون سنتمراً.

اومئ بكبرياء استطاع ان يخفي تحته شدة تأثره بقربها قال. "جيد ما دام برفقة جيدة."

"ايجب علي ان افترض انني رفقة جيدة الان؟" ابتسامتها اللاذعة اتسعت وهي تضع يدها على كتفه لتقترب اكثر فأكثر هامسة له. "لم تكن لتتخلص مني بتلك السهولة يا كبير." ثم ابتعدت لتضحك ضحكتها الرنانة وجسمها يرتد للخلف جاذبة الكثير والكثير من الأنظار حولهما. فاتن لم تكن يوماً من النوع الاجتماعي، يدرك هذا كل من رآها تقبع في زاوية في كل مناسبة فلا يؤانس وحدتها التي تعشقها الا ابني عمها، وان تجرأ أياً كان بالاقتراب منها فمصيره اما ان يُهان أمام الملأ، او ان يُهان سراً بينه وبينها ان كانت كريمة بذلك اليوم فتقي الناس شرها. فأن تتقرب منه الليلة بهذه الطريقة لتجاذب أطراف الحديث معه وبل تشرف الحضور بسماع ضحكتها التي نادراً ما يسمعونها هو لأمر عجيب. يكاد اسكوبار يسمع الإشاعات التي ستنتشر بعد هذا العشاء. "ستختار الأميرة فاتن ابنة القيصر اسكوبار امير فرنسا الأبكر خطيباً أولاً لها"

الا انهم لو سمعوا حديثها الذي لم يستطع اسكوبار تفسيره ونظراتها الحاقدة لاستبعدوا الامر تماماً. كانت بحديثها الغامض تشعره بالضياع وقل ما يشعر هو بالضياع، الا من امرأتين عرف مؤخراً شدة تشابههما. في الواقع هو بالكاد يرى اختلافاً بينهما غير ذاك الاختلاف الشكلي الا ان لكليهما جمال ساحر ونظرات من صقر. هما الاثنتين امرأتين من فولاذ وكلاهما خطيرتين ويحصلان على ما يريدانه، وكلاهما امرأتين رغب بهما بينما قابلتاه هما بالصد والرفض. ربما الاختلاف الوحيد في شخصيتهما ان فاتن اكثر بروداً وتبلداً للمشاعر، او ربما ذلك ما تظهره. بينما تلك التي تقبع بالسجن الان اكثر انفعالاً وتأثراً بما يحدث حولها. مما يجعل فاتن اكثر خطورة بنظرتها اللاسعة بينما الأخرى لن تخيفه و ان حاولت ذلك. قد يتوتر بسببها الا انه قطعا لن يخشى منها. شعر بانقباض مفاجئ بقلبه حالما تذكر إهانتها له بكل برود، الا انه استيقظ من سباته وقد بدأت الأميرة الفاتنة بالانصراف تاركتاً إياه يتأمل فستانها القرمزي من الخلف.

وفي تلك اللحظة شعر بنظرات اخرى تحرقه فالتفت لجانبه ليرى جودا وبجانبه امير قد تعرف اسكوبار عليه جيداً، انه ليث الذي فضله ابيه عليه والذي سمعته لا تتسع السماء من جمالها. لكم حقد عليه لا لسبب الا انه تمنى ان يكون بحكمته ورشده، بتريقه في حل الامور وكأنه ينظر للأمور من كل الزوايا حتى تلك المخفية. كان هو بعكس ليث، رجلاً منفعل وعاطفي لأبعد الحدود. فيترك عاطفته الجياشة ورغبته السريعة بالانتقام لجرفه كما ما حدث اليوم وبتلك الزنزانة.

تنهد بضيق في رغبة منه ان يتوقف الأمير ليث عن التحديق به وكأنه اقدم على قتل احد أقربائه، ما خطب الجميع لا يطيقونه اليوم. ربما كانت فكرة ان يلحق بأميليا ليست جيدة بعد التفكير، فكل ما فعله هو زيادة حقدها عليه. والآن حتى وان قام  بإخراجها من السجن نبلاً منه فإنها ستحقد عليه اكثر فأكثر لظنها انه يتفضل عليها. احمق، ودائماً ما سيبقى احمق.

في تلك اللحظة من القهر التفت لليث مستعداً لرميه بكلمات سيندم عليها لاحقاً الا انه لم يجد أمامه سوى جودا الذي كان يتسامر مع احد الحضور من كبار الشخصيات. زم شفتيه وهو يتفقد ساعته آملاً ان تنتهي الليلة في اللحظة نفسها.

"ما الذي كنتِ تفعلينه برفقة اسكوبار؟" شد السؤال انتباه فاتن التي وكالعادة في مناسبات كهذه تبحث عن الهدوء والوحدة، وما انسب مكان للحصول على ذلك الا احدى غرف القصر والذي صدف وكانت غرفة جودا. التفتت لليث الذي وجه السؤال وابتسمت بسخرية.

"لا تقلق لم اجلب لنفسي ولك المزيد من المتاعب."

حاول الليث الحفاظ على رباطة جأشه. أتعلم هي من كانت تتبادل أطراف الحديث معه؟ وبل تعدت ذلك لأن تضحك معه، ليث نادراً ما يراها تضحك مع ايٍ كان حتى ويليام الذي بدأت تتقبله. والليلة يراها تضحك مع من يترصدها في محاولة منه لقتلها؟ تلك الحمقاء.

"اظن سؤالي واضحاً يا فاتن."

اجفلت فاتن عن الحركة للحظات وهي تتأمل عينا ليث الزرقاوتين كزرقة البحر للمرة المئة. لم تعتد فاتن سماع اسمها حافٍ الا من قلة قليلة في حياتها لا تتعدى عائلتها، بينما يصر البقية على التزام الرسميات معها، كليث تماماً. الا انه ولأول مرة نطق باسمها حاف كما طلبت منه منذ مدة تبدو طويلة الان. ولا تعلم هي لماذا بالضبط، الا انها اختارت ولمرة ان تجيب على سؤاله مباشرة. "كنت- كنت أتأكد من جعله يرى انني حية ازرق ولم اتأثر بمحاولاته الفاشلة بإيذائي."

تنهد ليث وهو يرى أدرعة فاتن تقع وتتلاشى، لقد شعر بتلك اللحظة  انه يستطيع التحدث اليها بحرية اكثر من اي مرة سابقة. "انت تدركين انه لا يجب عليك استفزاز شخص حاول قتلك وإعلامه بالأمر وانت لم تقدم على خطوة لرد الصاع له."

بقدرة قادر، اسودت عيناها اكثر فأكثر وهي تحدق به لتهمس. "لا، انا لن ارد الصاع له."

عقد ليث حاجبيه وهو يراها تبتعد في طريقها لخارج الغرفة ما ان سمع همساً اخر وكأنها كانت تحادث نفسها وليس هو. "سأرد الصاع اضعافاً."

نظر لمن حوله بنظرة فاحصة متمللة، يحمد ربه ان هذا العشاء مكتظ بالمعازيم، فبغيرهم لما استطاع ان يكون هنا.

نعم هو وعد أباه بأن يكف عن التسلل للمناسبات الراقية للعائلة المالكة، الا انه ببساطة لم يقاوم. وهدفه الجديد جلبه الى هنا، كانت عيناه تتفحص ذاك الأمير الفرنسي، اكبر ابناء  فرنسيسكو فرانسيس وهو يتحدث لفاتن. هدفه الحقيقي. للحظة ظن كالجميع انه بدء باستمالة قلب فاتن الحجري، الا انه بعد ان عادت من حيث كانت وورائها أمير اخر -ويالكثرة الأمراء هنا، بدء بالشعور بالاختلاف والدونية بحق الله- أيقن ان خصمه الحقيقي ليس اسكوبار، بل ذاك الأمير الذي هو بحد ظنه ليث. وريث العرش الجديد والذي سينافس ابن عمه الأمير جودا. ظهر من مدة قصيرة لانه كان يدرس بالخارج، الا ان تلك القصة لم تقنع سينا بل جعلت الكثير من التساؤلات التي لم يكترث ان يلقي لها بالا بالظهور. وتصرفات فاتن تلك بدأت بجعل الشكوك تراوده اكثر فأكثر.

"اتستمتع بوقتك؟"بدا السؤال الذي جاء من امرأة خلفه وكأنه ترحيباً، فالتفت لتلك الفتاة التي وقفت خلفه بابتسامة بشوشة بدت مزيفة له. فأجاب بصدق وهو يستدير للأمام متابعاً لخطوات الأميرة فاتن وهي  تذهب لإحدى الغرف مع ذاك الأمير نفسه.

"لا، ليس حقاً."

بدت الفتاة متعجبة من إجابته وهي تتقدم لتقف بجانبه. "ولمَ ذلك-" توقفت الفتاة عن الحديث وكأنها صُعقت لما ادركت ما ينظر اليه وللحظة تسلل الإحباط لعينيها البنيتان بلون داكن يجعل الناس يظنون انه سوادا كسواد عيني فاتن. لقد كانت تعلم منذ المرة الاولى التي رأته بها انه معجب بفاتن او بمنصبها، الا انها ظنت انه باستطاعتها استمالته اليها ، الا ان النظرة التي كان يحدق بها فاتن حطمت كل امالها بكل بساطة.

"العشاء جيد لا تسيئي الفهم، الا ان المجيء هنا لمراقبة الأميرة ليس بالأمر الممتع." تعجب سينا من ردة فعلها فقال مفسراً ظناً منه انها حزنت لذلك السبب.

ابتسمت الفتاة ابتسامة حزينة وهي تومئ، "لقد ظننتك مختلفاً عنهم." بدأت تخطو بعيدا عنه ولكن ليس قبل ان تهمس له. "لكنك مثلهم ولا داعي لأن أزعجك بوجودي بعد الان." قالت ذلك وعينيها الداكنتين تتعمقان بعينيه لدرجة جعلت منه يتمنى ان يكون مختلفا كما تتمنى، ايا كان ما يعنيه ذلك. وقبل ان تبتعد كثيرا اقترب منها وهو ينقر بإصبعه على كتفها العاري ليهمس بأذنها. "هل لي بهذه الرقصة؟ لعلي اثبت انني مختلف."

تراقصت ساقا حيدا وهي تقعد بجانب الوسيم المسمى بسينا في الفناء الخارجي، لقد كانت ليلتها جميلة بحق، جميلة للحد الذي يجعلها تتمنى ان ترمي بنفسها على سريرها وتعانق وسادتها القطنية بكل قوتها تعبيرا عن فرحها. كيف لا وسينا قد رقص معها وهو يتبادل أطراف الحديث معها، لقد كان سينا شخصا مختلفا عن باقي الرجال الذين دوما ما تلهو معهم. كان لسان سينا لا يعرف المجاملة والكذب، يقول ما يخطر برأسه ويصدف ان يكون كل ما يخطر بباله مضحكاً. لا تتذكر حيدا متى كانت اخر مرة ضحكت للحد الذي يجعلها تمسك ببطنها وجعاً. الا انه كان وجعاً جميلاً، لقد أشعرها هذا الفتى الذي يجلس بجانبها الان وهو يثرثر بكلام لم تكترث بسماعه وهي تتأمل تفاصيل وجهه ببراءة لم تظن انها تمتلكها. بينما نجح كل رجل اخر في اخراج اسوء ما فيها.

ادركت هي ان سينا توقف عن الثرثرة فجاة فالتفتت له لتجده يقفز  من الكرسي المرتفع قائلاً. "لقد تأخر الوقت وغادر معظم الضيوف، أظنني سأغادر انا ايضاً."

انقبض قلبها وهي تفكر باحتمالية عدم رؤيتها له مرة اخرى. "ولكن- هل سأراك مجدداً؟"

عقد سينا حاجبيه، "لا اظن ذاك، فإن مهمتي انتهت."

تعجبت حيدا وهي تقفز لتقف أمامه لتتحدث بلا ان تفكر في كلامها ثانية. "انظر، سأساعدك في الحصول على فاتن وانا عند وعدي. لا تستسلم بعد."

"ولكن-"

"كيف يمكنني التواصل معك؟" أكملت حيدا بلا تفكير.

زم سينا شفتيه وهو يتأمل عينيها ليقول بنبرة لم تستطع تفسيرها حيدا. "ما رأيك ان نبدأ باسمك أولاً؟"

"حيدا، حيدا مبارك المنصور." قالت بكل لهفة وهي تنظر لعينيه.

ود سينا لو يصفع نفسه في تلك اللحظة، انها ابنة صاحب العشاء وهي ابنة عم فاتن لا غير، لقد كان يذم عشائهم طيلة ذلك الوقت. "آه نعم، تشرفنا. وانا سينا سيزارسين."

ابتسمت حيدا وهي تعقد حاجبيها لتمثل انها لا تتذكر انه عرفها على نفسه، الا ان تلك الحقيقة آلمتها. انسي انه التقاها وعرف عن نفسه لها؟ "تشرفت بلقائك ولكن، من اي العائلات انت؟ فأنني اخشى انني لم أتعرف عليك بعد."

نظر اليها سينا بتورط وهو يحك حاجبه. "آه ذاك- لم َ لا اريك بنفسي؟ الا ان كان الوقت متأخرا كثيرا فأنا أعذرك-"

قاطعته قائلة."سأتي."

تنهد ويليام بقليل من الانزعاج وهو يوسع ربطة عنقه قرمزية اللون لتطابق لون فستان فاتن داكن اللون، لكن الظاهر انها ستصعب مهمته الليلة. ففي البداية كانت تتسكع مع ذاك المدعو بإسكوبار وهاهي آلان تحادث ليث وليث فقط، نعم انه ابن عمها ولكن نظراتها له- يا الهي ما الذي يفكر به. رباه، لم ابتليَ بحب فتاة حجرية، نعم قلبها حجري ان لم يكن يشعر بمشاعره المفضوحة.

"اذهب إليهما، لن تهتم لك وانت تقف هنا ان لم تكن تعلم." سمع صوت يحثه من خلفه فالتفت ليرى جودا لا غيره، ابن عم ليث وفاتن.

عقد حاجبيه وهو يرفع كأسه ترحيباً به. "اهلاً، ابن مبارك؟" قال الكلمة الاخيرة بتثاقل نظراً للهجته الثقيلة .

ابتسم جودا ابتسامة جانبية جعلت شيئاً يضطرب بداخل ويليام. "اجل، سُعدت بلقائك الليلة."

"الشرف لي." بادله ويليام بابتسامة خفيفة وبادر بالمغادرة الا ان جودا شد انتباهه وهو يقول. "خذ بنصيحتي، فهي ابنة عمي في النهاية وأعلمها جيدا."

اومئ ويليام إيماءة واحدة وهو ينتوي الأخذ بنصيحته ليس لأجل جودا، بل لأن ذلك ما خطط له مسبقا. تقدم نحو الثنائي اللذان كانا يبدوان منهمكان في حديث مهم. بدا له اقرب من حديث عملي وفاتن تقترب برأسها من اذن ليث لتخبره شيئا بسبب الإزعاج وليث يومئ وقد بدت عليه علامات الانزعاج. تمنى ويليام للحظة ان يكون بمكان ليث، بالرغم من تفاهة أمنيته.

"هل لي ان أشارككم الحديث؟ ام انني أقاطع أمراً مهما؟"

بينما تحولت ملامح ليث للين تحولت ملامح فاتن للحدة وهي تقول. "في الواقع، اجل-"

"لا، لا شيء تماماً يمكنك مشاركتنا بالطبع." قاطعها الليث وهو يرمقها بنظرة حادة الا ان فاتن قلبت عيناها وهي تأخذ بكأسها من الطاولة المجاورة لتقوم فتقول.

"اجل لا تقلق، انني كنت مغادرة على اي حال." استدارت بعد ذلك لتبتعد وعينا ويليام الرماديتين تتأملان فستانها القرمزي، يبدو ان ربطة عنقه لم تأتي بفائدة اذن.

"لا تقلق، انها فقط متعبة لا غير." قال ليث محاولاً تلطيف الجو ولكنه فشل قطعاً. فويليام لم يرى اي بوادر إنهاك على فاتن ولكنه من باب المجاملة لصاحبه ابتسم وهو يومئ بتفهم.

وضع ليث يده على كتف ويليام. "ان كنت تحبها فاصبر معها، انها امرأة- صعبة لنقل."

حدق ويليام في عيني ليث لفترة وهو يقلب كلامه في رأسه، الا انه لمح شيئا غريبا في عيني ليث. أكان ذلك شعوراً بالذنب ام ان النبيذ بدء مفعوله؟ هز رأسه نافضاً تلك الأفكار. "أُبتليت بعشق يا ليث ، عشق وليس حباً."

توسعت عينا ليث للحظة وهو يبحث بعيني ويليام عن شيء، وكأنه يبحث عن الصدق في كلماته ويتمنى الا يجده خشية من امر ما. "اذن اتمنى ان لك الصبر بما يكفي لتحملها." قال ليث وهو يربت على كتف ويليام وتلك النظرة لم تختفي من عينيه.




تشبثت حيدا بسترة ردائها الأصفر الحريري وهي تمشي في ازقة الحارة الضيقة، لو ان الساعة لم تكن متاخرة لكان مظهرها هذا مصباً للأنظار وهي تمشي بجانب سينا الذي مظهره لم يكن اقل منها فخامة. كانت كفه على ظهرها ليوجهها للطريق الصحيح وكانت فكرة وحدة تدور ببالها. ان لم يكن سينا من عائلة مرموقة فمن أين له هذه الثياب الباذخة التي تظهره وكأنه امير الدولة.

تنهدت بارتياح وهو اخيرا قد أشار على منزل بسيط قائلاً انهم متجهين اليه، قد احمرت انفها من البرد وأُنهكت قدماها من المشي. فقد اتضح لها ان من جلي سينا لقصرهم لم يتعنى الانتظار حتى هذا الوقت من الليل ليقله الى منزله. "اهنا مسكنك؟" سالت بصوت به نوع من الرجفة من برد الليل.

لم يتردد وهو يهز رأسه نافياً ويطرق على الباب. "لا."

لسبب ما نبرته حذرتها من ان تجرؤ على السؤال اكثر عن هذا، فأومئت وهي تصبر نفسها. حيدا تحصل على ما تريد دائماً، عاجلا ام آجلا.

"سينا؟ ما الذي تفعله هنا بهذا الوقت- ومن برفقتك؟" خرجت امرأة بدت لها مسنة من عند الباب بجسدها السمين وشعرها الرمادي الأشعث بفعل النوم.

ابتسم سينا بخجل وكأنه نادم قليلا على إيقاظها. "آمم، هذه صاحبتي. وقد طلبت ان ترى اين أسكن."

اتسعت عينا حيدا وهي تنظر لابتسامته البلهاء، هو الذي طلب منها ان تصاحبه لمنزله وليس لهذا المنزل الذي لا تدري من صاحبه.

"لا تتبلى على الفتاة المسكينة فكذباتك مكشوفة، وانسيت انك لا تسكن هنا؟" قالت الامرأة وهي تعقد حاجبيها وبعينيها بريق وكأنها متمتعة بهذا الحديث خارج فناء منزلها في هذا الوقت من الليل مع سينا.

"سيدة ويلز، أيمكننا الدخول أولا ثم نتناقش؟" قال سينا وهو يحاول ان يؤشر بعينيه على حيدا لتفهم السيدة ويلز مقصده، ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي حيدا وهي تراقب تصرفاته. لا عجب ان تلك الامرأة نست غضبها من اسينا لايقاضه إياها  في هذا الوقت المتأخر، لدى سينا تلك الميزة العجيبة التي تجعل الجميع يسامحه وينصاع لطلباته.

اعتلت وجنتيها حمرة طفيفة وهي تتذكر كيف نقر بإصبعه على كتفها لتلتفت اليه فترى ابتسامته المتوترة وهو لا يحاول إخفائها ليقول بعد ذلك -هل لي بهذه الرقصة؟-ومن كانت لتكون حيدا حتى ترفض طلبه؟ كما ما لم ترفض طلبه بجلبها الى هنا.

دخلا الاثنان الى المنزل بعد ان اعتذرت السيدة ويلز عن ايقافهما بالخارج. كان المنزل بسيطاً جدا بطابق ارضي فقط. ومن ما تستطيع رؤيته، هناك حجرتان للنوم ومطبخ خارجي والمجلس الذي يجلسان عليه الان. بينما كانت طاولة الطعام بجانب المجلس. بالرغم من عدم اعتيادها على منازل بسيطة وضيقة كهذه، الا انها شعرت بالألفة والراحة هنا.

ذهبت السيدة ويلز للمطبخ لعلى ما يبدو ان تجلب شيئا تضيفهما به، بينما جلست هي على أريكة وجلس سينا على أريكة اخرى. فركت حيدا يداها في محاولة لاستراق الدفء بالرغم من ان المدفأة التي تتوسط الغرفة كانت تعمل الا انها لم تكن كافية.

تنهبت على سينا وهو يضع سترته جانباً فعقدت حاجبيها. "الا تشعر بالبرد؟"

هز رأسه نافيا، "ان كنتِ تسمين هذا برداً فعليك ان تأتي للجنوب لتتعرفي على البرد القارس الحقيقي."

ابتسمت هي على حماسته. "اسبق لك وان زرت الجنوب؟"

تقدم هو من على كرسيه وهو مسند كوعيه على ركبتيه ليقول بحماسته التي باتت معتادة عليها وهو يتحدث. "بالطبع، فأمي تسكن بالجنوب."

"ماذا عن أباك؟"  لم تشعر حيدا بنفسها وهي تسأل سؤالاً ظنته عادياً، لتدرك بعد ذلك من انقلاب ملامحه انه ليس سؤالا عاديا قد يجيب عليه سينا بمرحه المعتاد. "ليس عليك ان تجيب ان كان الامر خاصاً-" حاولت الإصلاح من غلطتها الا انه قاطعها بشرود وعيناه مرتكزتان على الأرضية.

"في الواقع- هو يسكن هنا. بالقرب من هذه الحارة." قال وهو يرفع عيناه لعيناها اخيراً.

اومئت وهي تعدل من وضعية جلوسها على الأريكة بغير راحة، ذكرت نفسها بألا تسأله عن أباه مرة اخرى. الا انها وبمعرفتها العميقة لنفسها، تدرك انها ستحفر حفرا لتعرف الموضوع كاملاً، من اوله لأخره.

"الشاي جاهز!" هتفت السيدة ويلز وهي تدخل لتقطع عليهم الصمت الذي بدأ يخنق حيدا.


ما رأيكم بالأحداث الى الان؟ هل الرواية من السهل فهمها؟

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top