«ليليث: غني لي² »

من أنتم من احنا..

_________________

غسقُ الفجر وساعة البِكر قد غطيا سماءَ الفندق.

الساعة الخشبية المستديرَة في الجدار بدَت وحيدة، عقاربها تتّهم الرابعَة والثلثين، وغرفة لولا بدت فارغة سوى من جسدها.

لم تنل كفايتها نومًا ويبدو أن هذا أكثر ما تبرع فيه مؤخرًا.

آليكساندر من جهَة أخرى، قد أمضى ما تبقى من الأمس والأمسية في مخبره معتكفًا، ومع أنها تتمنى الظنّ أنه يتهربُ منها إلا أن إدراكها لخصاله المتجذرة فيه منعها من ذلك.

إن كان صبوهَا يتهرب من شيءٍ ما فهو على الأرجح يخطّط لحذف سبب الهروب.

أما سوكادور فقد لمحَت جسده من نافذتها، يقفُ بشكل مروّع للحواس مع ثلاث ظلال احتاجت بضع لحظاتٍ لتتعرف عليهم.

دانتيه بذيل شعره المنسدل أوسط كتفيه وحقيبة ظهر، آلنزو أطولهم ولوديفيكو الذي يتحدث عن شيء ما وعيناه لا تفارق سوكا.

الأخير كان يستمع له متمعنًا ومنغمسا، ذراعيه على صدره يخفض بصره وقد بدى أكبر من عمره وسابق شخصيته..

ثم فكِه فاهُ الحذق بعد أن قال ما اغرقَ الثلاثة ضحكًا في موجته تلك وها قد عادت روحه.

كان هذا بالطبع قبل ذهابهم لمهمة التجسس، عندها كانت ميكي قد قفزت تداهمهم من مكانٍ ما وتصنعُ من اللحظة مشهدًا.

استطاعت لولا فهم ما تقوله دون سماعه، وجه سوكا الرافضُ الممتنع أكد لها أن ما ترغبه ميكي من هذا الاستيقاظ المبكر والقفز والإبهار هو الذهاب في مهمة من النوع الذي تتجنبه عادة.

السبب في التغيير الاعتباطي للرأي هو الملل، وربما أن طعم الذنب قد علق بحلقها.

شاهدتها لولا ترفع ذراعيها لقلب السماء، تخسف الأرض بركلاتها وحركات جسدها العنيفَة لتتمكن من التعبير عن جسامة رغبتها لشقيقها، تطالبه مندفعة حتى صوتها وصل لولا..

-- دعني أذهبُ معهم أو سأذهب وحدي!--

-- هل تعتقدين أن أوامري لا تطوقك لأنك أختي؟--

لم يكن يهددها، ولم يكن لطيفا معها أيضا.

-- الأوامر لم تكن تطوقني حتى عندما كان جونيور آلفا، هذا ليس له صلة بحقيقة أنك أخي الأحمق، حسنًا؟--

تنهّد في وجه المصيبة ودانتيه استخدمَ الوقت الضائع من النقاش العقيم ليقول

-- أفضّل أخذها ومراقبتها بين عيناي على أن أُغدَر بها تدمر المهمة آلفا.--

ضحكت لولا بعدها بلحظات وهي ترى الثلاثة يغادرون وميكي تتبعهم، يدها تلوح الوداع لسوكا وفمهَا ملئه رضى.

حين اختفوا خلف الظلامُ الذي يصنعه تداخل الأشجار، حسبت لولا أن سوكا سيدخل لكنها تفاجأت به ينتزع ملابسه ويتحول لذئبه.

استدار في الإتجاهين واختارَ أحدها ليركضَ عبره.

كانت إشارة لها أن تتبع طريقته ها هناك لأنها لن تنام، لا تنام.

غيرت ملبسها وانجرّت للساحة وفي ساقيها الريش، رأسها من جهة أخرى كان انهيارًا صخريا سيحطم كتفيها.

تتمدد في ساحة الفجر معلمة الجومباز وتلميذته ، متدربة مقارعة الوحوش والشخص الضائع داخلهَا الذي لا يجدُ طريقه إلا إذا تحرّك.

لولا قد تتحرّك دون أن تتحرك، قد تغيرُ الزمن والمكان فقط لأنها موجودة وهذه القوة تنبثق عبر شعيرات جسدهَا ومسامه، تتحوّل أحيانًا من المجازِ في التعبير إلى حقيقة.

وثبت على يديها ثم قدميها بينما تتقدمُّ في سبيل مستقيم ، وقوفها الأخير تزامن وفتحها ذراعيها شاهدتين للسماء، عيناها نظرت للأشجار المظلمة واستدارت يتجعد خصرها وهي تنحني لتلامس كاحلها بأصابعها.

العمود الذي يظلّل طاولة الساحَة كان معدنيا أسودًا ، تمسكت به لولا ودارت حوله لتستعين بقوة دفع جسدها لتستطيع تسلقهُ كراقصة محترفة.

لفّت وهو مركزها ولفّت، أصبحت أعلاه وقفزت للأرض ثم أقامت سقف كتفيها تراقص ذراعيها كما يحلو لها أن تفعل.

كل ما حولها هادىءٌ، لكن كل ما حولهَا يتحرك معها إذا اهتزّت، في عيناها صورٌ تتعاقب عبر ضوء القمر.

سقطت أرضًا في النهاية، عيناها مغمضتين، ساقيها منفرجتين دقيقتينِ في موضعهما، يديها تكتتفان(تمسكان كتفيها)، وكل ذراع يتجه عكسَ الكتف التي تحمله.

صوتُ ضرباتٍ متصاعد الوقعِ جعلها تحمل وجهها لجهة الطاولة، يد ڤين ديرما كانت تصدره وهي تدق الخشب، في هدوء الليل كان الصوت أعلى وأوضح.

نظرت لها وهي تحملُ نفسها على الوقوف بعد أن أهلكَت قدميها في رقصة الفوضى والجنون تلك.

كان الصوت والفعلُ من ڤين ديرما مريبين بدايَة، غير أن الخطّ الخفي، فيصل شفتيها الذي ارتفعَ طرفه كان مبشرًا مهللاً، أن ما رأته قد أعجبها حدّ الابتسامَ له حتى ولو كان مغادرًا.

كانت رقصةُ لولا قد انتهَت، لكن هذا لم يمنع ڤين ديرما من الإحتفاء بها..
ذلك الدقُّ الغريب على الطاولة كان يربك لولا ويدفعها للتساؤل.

-- Dãh-Iêr --
قالت ڤين ديرما تربكها أكثرَ، بيد أن لولا قد استقامَت على أرض رقصتها، عن أرض سقوطهَا.

(داه أو ديَه) هو جذرٌ تابع يستخدم للتبجيل في لغة ڤين ديرما، بينما (اِيآر ) تعني القوة، وهي قد كانت تعاجبُ ما رأت من قوة في رقص لولا، كأن تقول مثلاً : يا لعظمة القوة!

لكن لولا لن تفهم ذلك، ولا أحدَ هنا قد يفعل.

-- لما تدقينَ الطاولة؟--
سألت لولا هذا قبل أن تسألَ عن معنى جملتها..

سيدة القلائدِ حملت يديها الكبيرتين خلف ظهرها وأقدامها الطويلة لتسير جانب جسد لولا الذي يبدو مقارنة بارتفاع ڤين ديرما أدق.

-- الأصواتُ بلا لغة تقول أكثر.
كلّمتكِ لكن صوت القرعِ..

القرعُ خطفَ عقلك أكثر.--

تبعتها لولا بعيناها حتى ظهرت من جانبها الآخر، أفق شفاهها ارتفعَ أعلى وأبرز.

-- اقرعُ إجلالاً للجمال في القوة.
اقرعُ خطف العقل والعين.

وقوف لصوت ليليث وما يحدُث حين
تغني منك.--

وجهها غادر لولا وخزرَ سماء الليل الحالك، ذلك حين انقشعَ غباش الحيرة عن عقل الصغرى رغم أن ما قالته ڤين ديرما أكثر تعقيدًا مما فعلته.

يبدو أن وقتها مع آليكساندر قد درّبهَا على الاحترافِ في تحليل المعقّد وتبسيط المعضلات الحية.

-- أيعقلُ أنك تقرعين كنوعٍ من..
هل تقرعونَ بدل التصفيق؟
هذا هو التصفيق بالنسبة لكِ؟--

ولم تستطعِ لولا بعد هذه النقطَة أن لا تضحكَ قليلا، مع دهشة تدغدغُ صوتها وتقطعاتٍ ماتعة وسطَ الجمل.

-- تصفيق؟--
ڤين ديرما الجديدة على أغلبَ الأشياء في عالمهم حرّكت المحور الذي تقيم رأسها وجسدها عليها دومًا، كالفزاعة هي، مستقيمة ومعلقة بشكلٌ أزلي على عمودٍ من الاتزان.

-- إجلال الشيء..
عندما يعجبك، نحن نقوم بهذا.--

وصفقت لولا مرتين فتنافرت جفون ڤين ديرما عن بعضها وتعجبت وهذا جعلَ لولا تضحك كرة أخرى، ترفعُ كتفيها للسماء وتلاعبُ فكها، شفاهها وهي تقول

-- إذا تحبين الرقص الحر؟
الرقص، الرقص فقط..--

تذكرت أنها قد لا تفهمُ الكلمتين إن وقعتا معًا.

--كل شيء يحب الرقص.--

--تقصدين كل شيء كـ..
الكون؟--

ابتسمت ڤين ديرما.

-- تفهمين أفضل منهم.--

شعرت لولا بالفخر يحرك جناحيها.

-- لن تصدقي لكن،
هذا لأن طريقة حديثك تشبه الرجل الذي أحب.
الفرق أنه يحب التحذلق وأنت..
العكس النقيض على ما أفترض.--

ثم حاولَت ڤين ديرما نطق اسمه لكنه طويلٌ بالنسبة لمهارتها في تركيب الكلمات، فصححت لها لولا.

-- آليكساندر.
آ ليـ كـ سا نـ د ر. --

-- هو الذي يحاولُ فهمي.--

-- هذا باختصارٍ ما يفعله، نعم..
يحاولُ فهم كل شيء، دائمًا.--

توقفت ڤين ديرما عن الحركَة بطريقة تكاد تكون آلية، انتبهت لولا لذلك.

-- قد يصل، لكنه لن يفهم..
أما أنتِ.--

لمع شعاعٌ صغير من ثقب الباب الذي فتحته ڤين ديرما ولولا كما تفعل دومًا اندفعت كليًا صوبه.

-- إذًا اشرحي لي أكثر، إن كنتِ تعتقدين أنني أفهمك أفضلَ منهم ألا يكون المنطقُ أن تخبريني مزيدًا.--

وجه لولا اقترب يتهافتُ فضولها القاتل وغضبها السابقُ وكلّ المشاعر المتراكمة يوم علمت أنها ليست ابنة الوالدين الذين تعرفهما ليضربوا موجَة صوتها الغليظ الصاخب.

راقبت ڤين ديرما ذلك الوجهِ، وقد شعرت بالموجةِ ترتطم بها.

-- حسنٌ، فهمت، لا تملكينَ ما تخبرينني به عن ليليث لكن على الأقل..
أخبريني كيفَ تمكنت من رؤيَة رفيقتكِ تلك اللحظَة؟

أنا من بين الجميع.
أنا دون الجميع!--

-- فكّرت هذا أيضًا..--

وعندما قالت ڤين ديرما ذلك أدركت لولا أنها قد تكون صادقة معهم أكثر مما يظنون عندما تقول أنها لا تعرف الكثير عن ليليث.

أنها صادقة من عدة نواحي.

-- ما رأيتِ آيثن ثير، إلا لأنكِ تسمعين الأصوات، صوتها..--

-- ما رأيته كان صورة لها،
هذا ما أفعله، أرى الأشياء فحسب.--

-- هل يرون ماريا؟
آليـ كـ سا ـندر ، هل يرى ماريا؟ --

وضعت ڤين ديرما يدها على رأس لولا التي ارتجفت لوقع الفعلِ والسؤال ولنطق اسم ماريا على لسان الأخرى.

-- آه، لا، أنا اسمعها و..
مهلاً كيف لكِ أن تعرفي ذلك؟--

-- صوتها حقيقتها. --

-- صوتها حقيقتها..
لأنني الصورة؟--
لولا صدمت نفسهَا باكتشافها أكثر مما صدمت المستمعة، غير أن ذلك قادها لشيء آخر.

-- إذًا آيثن ثير..
لا، أيكمَا الصوت وأيكما الصورة ؟--

وڤين ديرما لا تستطيعُ إجابة ذلك، لأنه كيف ستسعفُها اللغة لشرحِ فكرة كهذه لعقل يانعٍ كهذا.

كيف ستقول أن آيثن ثير هي طاقةٌ، وككل الطاقات في الكون، هي تحملُ صوتا على موجتها وحيزًا من الفراغِ اللافيزيائي، وأنها لا تتأثّر بعامل الزمان والمكان إلا في وجود شيء يعاكس قوانين الكون، شيء كالشذوذ أو الطفرة، شيءٌ كالضباب الأسود المميت.

إذا آيثن ثير بهذا التعريف، تعتبرُ كالآلهة بالفعل، لأنهَا ترقص على صوت الكون التام، وهذا لن يبدو صحيحًا في عقل طبيعي البتة.

ثم كيف ستشرح أن ما يربطهَا بآيثن ثير لا يمكنُ وصفه لأنه لا يحمل اسمًا بل معنى، والمعاني لا تتقيدُ باللغة.

فكيف تشرحُ ما لا يُشرح.

-- أجيبكِ إن فزت قتالي.--

حرّكت ذراعيها والقلائد، ابتسامَة لولا تجمّعت في ركن ثغرها، لن تكذب أنها تحبُ التحديات والطرق الصعبة.

-- وإن فزتِ أنتِ ؟--

-- نقاتلُ طول الزمن.--

قالتها بسرعَة حتى بدت كـ
" نقتلُ طول الزمن."

كانت جملة مثالية في صحتهَا، خطئها، ومعانيها ولولا قهقهت لما فهمت أنها ستود مقاتلتها طيلة اليوم لكنهَا تبالغ.

--جيدٌ أنني لا أنوي أن أخسَر إذا.
لدي مواعيد.--

-- آي، سكانُ خلف الحدود مملون.--

ردّت ڤين ديرما ولولا اشتعلَت، ترفع يديها الحرتين وتحرّك كتفيها للبدء.

-- سأحرصُ على تغيير هذا الرأي.--

وكانت على وشكِ تحطيم وجهها بعد ذلك لكن ڤين ديرما صدتها، وعكس ما كانت تفعلهُ عادة في بداية النزال مع الآخرين من تجنبٍ ودفاع، هي هاجمتها مباشرةً.

وفي وجهها رأت لولا -وحدها- أكبرَ ابتسامة لڤين ديرما منذ قابلوها.

يمكنُ حتى ملاحظة التسيّب الذي سمحت لهُ أن يذيبَ عظمة جِدّها بمرحها في هذه المواجهة..

سعيدة بالحركات القوية التي تجعلُ الصوت يرتعد جانبها كلما ضربت لولا..

ممتنعَة عن إصابتها فيما قد يتسبب بنهاية هذا النزال أو يعطلهُ، وها هي الشمس تسترقُ اللقطات شاهدة، متسلقَة قمة الصباح.

مسحَت لولا ذقنها تبعد عرقَ الجهد المبذول، مواساتها كانت علامَات منه على ڤين ديرما كذلك.

-- لا تتساهلي يا فتاة.
أعلمُ أنكِ تقدرين على المزيد.--

قالتها لولا غاضبَة، حتى الابتسَامة المتملقة التي تعلوها لم تخفي ذلك.

-- هل أفعل؟--

--لا تجعلني أقتلكِ، لا زلت بحاجَة إليكِ.--
ضحكَت لولا وعلى ذلك الصوت خرجَ سوكا من نفسِ المكان الذي رحلَ عنه.

-- يمكنني المساعدَة في ذلك.--

كانت أظافره وفمه وصدره قد تلطخت بالدمَاء، وكان يستعملُ ظهر يمناه ليمسح فمه وحين ازعجَته الخصل المتساقطة من منبت شعره على جبينه عمدَ رفعها لكنه بإشهاره ليده أمام عيناه رأى الدماء في أصابعه أيضًا فتوقف عن ذلك لأنه سيكون بلا معنى.

فقام بتحريك رأسه للجانبين تناوبًا، سريعًا، عنيفا، ثم رما رأسه للخلف فارتفعت الخصلات وظهر جبينه.

في تلك الأثناء كانت لولا تهرول ناحيته بحمى القلق من مظهره.

-- ما الذي حدَث معك؟--

-- ليسَت دمائي، لـو.--

وهذا كان ليريحها لو لم يكُن في مرحلة البيروزا.

-- هل تعني أنكَ..
سوكا ما الذي فعلتَه؟--

كان يودّ التربيت على رأسها كما يفعلُ عادة عندما تتصرف بهذه الطريقة لكن يده متسخة بالدماء ولولا ستكرهُ أن تشوب شعرها الثمين شائبة.

-- مجردُ صيدٍ صغير للذئب الكبِير.--

-- غزال؟ --

سألت متداركَة أن المستذئبين يفعلون هذا عادة، رحلات صيد عشوائية للحيوانات البرية لتوطيدِ العلاقة مع ذئابهم كما شرحَ لها جونغكوك، ثم صحّحت ميكي أن ذلك لتحسين أدائهم في جسدهم الآخر وقد بدى كلا التفسيرين منطقيًا لها.

نظر سوكا لڤين ديرما وهو يجيبُ سؤالها.

-- لقد كانت ثعلب.

إذا ما الذي تفعلانه؟--

-- نحضى ببعضَ المرح، مع الالتزام بمخطط التدريب المكثف الاستغلاَلي لڤين ديرما ،كما سبقَ وعرَضَتْ عليك آلفا.--

أغاظته بتذكيره لما قالته ڤين ديرما له
"استغلني."

حينها فكّر سوكا أن مراعاته لصديقتهِ لا تهمه وأبعدَ وجهها بيده المتسخة لتصرخَ بعد أن شعرت بالسائل على خدها.

-- آوْنْ-يِيه آلفا.--

قالت ڤين ديرما لما اقتربَ منها.

-- أي كان ذلك..

إذا، أمستعدةٌ لليوم؟
عليكِ أن تكوني كذلك سينيوريتا فقد حضّرت بعض الطرق الجديدة.--

-- من صيدكِ ؟--
ابتسمَت وسوكا ماثلها لكن مبالغته في إظهار أسنانه جعلت أنيابه تبرزُ ووجهه يتحوّل لذوي الاختلال العقلي.

-- تحديدًا من صيدي.--

راقب باستغراب واهٍ يقتله عن الوجود، كيف ترتفع يده وقلائدها صوبَ وجهه.

هي بالطبع لن تتجرأَ لكن لولا اقتربَت تحسبًا لانقلاب هدوءِ حديثهما لحربٍ وحشية في لحظَة ما لأن هذا ما يحدثُ بينهما كما جرت العادة.

ڤين ديرما مسحَت الدماءَ جانب فمه بأصابعها ثم ساقتهَا حثيثًا ترسمُ بسبابتها والوسطى خطين دمويين طرفَ عينها اليمنى ثم ما تبقى في اليسرى.

كمحددِّ العيون ذا اللون الأحمر، وعيون سوكَا التهبت، ارتعبت، وانتفضَت لأن جرأتها لم تكن في سبيل قتله كما يأملُ منها بل في سبيل إثارة حواسه ولمس مكانٍ ما احترق خلف رأسه.

ڤين ديرما تشبهه وبهذا تفعلُ كل الأشياء التي تثيرُ العجبَ والشغف بالنسبة له.

قد يبدو هذا غريبًا على الطبيعة، لكن رؤيةَ شخص يضعُ المكياج بالدماء كانت شيئًا مبهرا بالنسبة له، هو و لولا أيضًا.

-- مستعدة ذئب.--

ولما سكن لسانه قالت لولا عنه
--جيدٌ لأننا سنكملُ نزالنَا كافتتاحية.--

___________

تذمّر معظم القطيع من الساعة المبكرَة التي اختارها الآلفا اليوم، بروس كان عند رؤوسهم لتحقيق رغبة سوكا تلك على الرابعة والثلث فجرًا وكانوا يرافقون الشمس في سباقها حتى مالَت في زاوية من السماء عندما انظمَّ آليكساندر، قفاز سوكا على يده وتعب الأمس على وجهه.

ميكي ودانتيه وآلونزو ولوديفيكو لا يزالون في مهمة وجونغكوك اختفى كذلك.

منذ علمَ بروس أن ميكي ذهبَت معهم عكسَ المخطط له وتوتره يتزايد.

-- صباحٌ جديد.
أين دانتيه؟--
قال آليكساندر بينما يقتربُ من لولا، يأخذها من كتفها ويقبّل جانب جبينها.

-- المهمة زعيم.--

بروس أجابه كأنه ينتظرُ أحدا ليفتح الموضُوع فيبدأ بتفريغِ اضطرابه.

-- لا خبرَ بعد؟--
استغربَ آليكساندر فعادة عمل دانتيه أسرع من هذه الوتيرة والآن آلونزو ولوديفيكو معه.

--أحدهُم سمح لميكي بالذهاب معهم.--
نظر للآلفا الذي كان في نزالٍ مع ڤين ديرما فشتت انتباهه لبنت ثانية كانت كفيلَة بأن تسمح ليدها الصلدة بإمساك ذراعه ورميه أرضًا.

قلب سوكا الدفة بموازنة نفسه ثمَّ قذفها جانبه وعصرِ رقبتها ورفع رأسه صوب آليكس وبروس ولولا ليقول

-- هل تفضّل لو ذهبت بمفردها مثل جونغكوك؟--

-- آه ذلك، زعيم..
جونغكوك أخذَ كاسندرا بأوامر يدعي أنهَا منك، طبعًا لم يخبرنا بهذا بل أرسَل الفتى ريكو بينما يخرجُ هو من الفندق.--

لولا كانَت متعجبة للمباغتة في الخبر ولكن لم تكن مصدومَة حقًا في فعلة جونغكوك، نظرت لآليكساندر الذي قال:

-- حسنًا لم أكن لاتهمه بالإدعاء هذه المرة..--

وقبل أن يكملَ جملته كانت سيارتهم تدخل الساحَة ورائحتهم تصل القطيع الذي يتدربُ هناك.

تركَ سوكا ڤين ديرما وهرول إلى المقدمة مع البقية آمرًا باقي القطيع باكمال التدريب معها.

شاهدتهم ڤين ديرما يذهبون ولم يبدو عليهَا الاهتمام الذي كان داخلها اتجَاه الموضوع، بل إلتزَمت بما قاله سوكادور.

-- من يجرّب ؟--
تحدتهم لإشعال نارِ بني جنسهم.

أما في الجهة الأخرى فقد ركَن جونغكوك جانب النافورة وسريعًا تنزل ميكي بكلّ القوارير التي معها، آلونزو ودانتيه معها وتتوجه مباشرة لتضعَها عند بروس.

-- آهغ كنت أريد رميها من النافذة
بسببِ هذا الأحمق.--

الرفاق الذين لم يدركُوا أتقصد دانتيه أو جونغكوك أو الآخرين، مستغربين كل شيء خاصة هذه القوارير، كانوا يستشفون الإجابات أثناء نزولهم فقط ليرتعبوا من الدماءِ في رأس جونغكوك.

لولا ركضت نحوه هلعَة فقط ليقابلها فاكهًا.

-- مجرّدُ صلصة لـو، لإخفاء وجهي واكتساب وقت للهروب.--

استعادَت أنفاسها وراحة الثلاثة الآخرين.

هتفت ميكي تأخذ العيون صوبها.

-- لحظَة نسيت هذه!--

بروس صاح بها لما أخرجَت أخرى من صدرها تضيفها فوق حِمله.

-- ماذا يفترضُ بي فعله بكل هذه؟--

-- اسكبهَا على رأسك ربمَا ينبت لكَ عقل.--

دانتيه قاطعهما.

-- لا إياك، جميعها موادٌ كيميائية خطرة..
بعضها لا أستطيعُ حتى التعرف عليه، خاصة التي تحملها ميكي.--

-- أخبرتكَ، لقد كنَا على عجلة،
كيفَ لي أن أعرف؟--

-- أشكُ أنكِ كنت ستعرفين حتى لو لم تكونوا على عجلَة.--

شرح آليكساندر وهو يأخذ قارورة حمراء المحتوى من بروس ويحملها للشمس، كانت لولا وسوكادور حينها يساعدون الثلاثة البقية على حمل ما بيدهم أيضا لما هتف جونغكوك:

-- ميكي لقد أفرغتِ يداك، اذهبي لمساعدَة لوديفيكو المسكين.--

كان يضحكُ وهو يشير للسيارة.

لوديفيكو وميكي كانا ضحايا وسواس دانتيه القهري، منعهما من وضع أو تغيير مكان أي قارورة لأنه لم يتأكد مما حملاه عكس آلونزو ، قائلا أن الرّج سيساهم حتما في تفاعل كيميائي ما قد يؤذي آليكساندر عند فتحها في المخبر أو التجربة عليها.

وفي سبيل حماية زعيمه، ضحى بأن تموت أيادي ميكي وفم لوديفيكو، لأنه نعم لا زال يحمل القارورة في فمه.

فاحصًا القارورات لدى بروس ثم البقية بينما جونغكوك يحكي ما جرَى معهم، انتقل آليكساندر للوديفيكو ليخلصه من معاناته.

وضع كفّه جانب وجهه ليسلم القارورة ويصرخ ويلعن دانتيه ويمدّد فكه المتوفى.

-- المرة القادمَة أحضروا أكياسًا، أو اربطهَا بذيلك لأن هذا الفم لن يعملَ لأجلك مجددا أيهَا المهووس الملعون المريض...--

وأضاف بعضَ السباب البرازيلي الأصيلِ احترامًا للقائدة لولا التي لن تفهمه.

-- هذه لا تحملُ ملصق؟--

آليكساندر سألَ وكأنه لا يسمع إنهيار لوديفيكو العصبي، الغريب أن لوديفيكو نفسه توقفَ عن إنهياره مباشرة وأجاب زعيمه وكأنه لم يكن يصرخ للتو.

-- نعم زعيم، أخبرتُ دانتيه بذلك.
لكنها بدت مريبَة. --

استعمل يده المغلفة بقفازَ سوكادور لفتحَ القنينة ، ولأن لوديفيكو أقرب المستذئبين إليه في تلك اللحظَة، استنشاقٌ واحد وتداعى أرضا..

هرع جونغكوك يمسكهُ وآلونزو احتواه بذراعيه.

آليكساندر ابتعد سريعا متداركًا وأغلقَ القنينة.

-- لوديفيكو ، ما بالكَ يا فتاي؟--

سوكادور كان على ركبته أمامه في ثانية، يضربُ وجهه الشاحب، حين اقتربت ميكي وضع ما كان يحمله في يديها.

-- أظنّ أنه يمكنني التخمينُ منذ الآن.
قارورتك المريبَة يا لوديفيكو ستكون أهمَ حلقة في هذا السر.--
آليكساندر قال بوجه غريبٍ عليه، وجه يحملُ مشاعر واضحة تتراوح بين الترقب والإثارة والارتباك.

-- ماذا تعني؟--
بروس سأل وآلونزو تبعه بقلق

-- هل سيكون بخير ؟--

آليكساندر أومأ أن نعم، لكنها كانت ضئيلَة جعلت لولا تفكر بأنه قد لا يكون متأكدًا حتى.

حينها صفّر سوكا للحراس أمام البوابة وأشار لهم أن هلموا بالقدوم.

-- ساعدُوا لوديفيكو على الدخول والبقية سنأخذ هذه العينات لمخبر آليكس.--

-- بل كلاهمَا آلفا.
أظن أن لدي ما قد يساعدُ لوديفيكو على إستعادة نشاطِه.--

حين حملوه بعيدًا صوب المخبر كان قد بدأ بتكوينِ إحساس بما حوله مجددًا، جونغكوك اكتشف ذلك لأنه عادَ لشتم دانتيه.

-- يحسبُ نفسه مثاليًا.. آهخ، لا تأمرني..
رطيطٌ..--

كانت تلكَ علامة جيدة بالنسبة لهم.

فتح آليكساندر باب مخبره ودخلَ من يحملون لوديفيكو أولا.

-- ضعاه على الكرسيّ هنا.--

كان يجذب ذراعًا مركبة بالكرسي ليتحول لمستوٍ مائل يمكن الاستلقاءُ عليه.

عندما تمكنوا من تعديله أمرهم بالخروج ووقفَ في منتصف مخبره لثوان حتى لاحظَ أن الرفاق قد وضعوا القوارير بعشوائية على منضدته وتصنموا بانتظاره أيضًا.

في مخبره!

نظر لهم ككائنات غريبَة عنه لحظة ثم تقدّم يطردهم.

-- جميعكم، للخارج، الآن..
شوائبٌ وعوامل مؤثرة كثيرَة، عودوا للتدريب.--

كانوا ليشعرُوا بالإهانة لو كان شخصًا طبيعيا، لكنهم قد أدركوا هوسه اتجاه تجاربه منذ زمن.

-- حتى أنا؟--
وقفت لولا هناك كأنها تتحداه، هي فقط فضولية اتجاه حال لوديفيكو أكثرَ مما تريد احترام خصوصيته الآن.

نظر لها وأخفض رأسه ليشابه طولها.

-- خاصةً أنتِ.
آه، ستشتتين تركيزي.--

وأغلق الباب رغم الحنق في وجهها.

صوت جونغكوك كان أسرعَ فاخترق الفتحة قبل أن تنعدم يسمعه يقول

-- لا تقتل لوديفيكو زعيم.--

لعنه وذهب لتعقيم يداه، وضع القارورة المريبة كما دعاها المصاب في حامل مخصص، ارتدى مئزرًا هذه المرة وقفازات مطهرة، وفتح مخزنه الخاص بحثًا عن مستخلصِ سيكرهه لوديفيكو لأجله.

حمله ووضعه جانب أنفه فانتصب في لحظة واقفًا نظرا لحاسة شمهم القوية، قد توقع آليكساندر ردة الفعل هذه.

واجهه مقهقها فشعر لوديفيكو بالريبة.

-- ما كان هذا زعيم؟ --
لم يكن سعيدًا بشمه مطلقا.

-- الأمونياك.
بلغتنا البسيطة، مركز رائحة البول.--

صرخَ لوديفيكو ولسرعةِ رد فعله لذاك الخبر المريع، أصابعه اتجهت لوجهه تعصره وتثبّته مكانه مخافة أن يسقطَ هربًا من التقزّز الذاتي.

-- لما. قد. تفعل. هذا. بي؟--

-- كان إما هذَا أو صعقكَ كهربائيًا بمولد ستين فولطًا تم صُنعه مخبريًا بأقلام رصاص ومنظفٍ حمضي من غرفةِ التخزين في الساحة الخلفية.--

كان لوديفيكو على وشكِ السؤال لكن آليكس أضاف مقاطعًا إياه وهو يمدد ساقيه على حمله.

-- آه، ما كنتُ لأخاطر بحياتك فالستين فولط لن تقتلك لكنها، بكل تأكيدٍ ستوقظ كل خليةً في جسدك الثمين.--

الشاب لم يستطِع قول كلمة بعد ذلك.

آليكساندر نظر لساعته للحظاتٍ ثم أخرجَ كيسا من جيب مئزره، رفع وجهه وصوّبه على لوديفيكو الضائع والمرهقِ والذي سيعاني لانتشال تلك الرائحة من أنفهِ القوي.

-- و الآن..
رجاءًا استعمل هذا، أحَاول إبقاء كل
شبرٍ معقما.--

مدّ له الكيس والآخر أمسك طرفه تتزايد حيرته الخالصة حتى شعرَ بارتفاع شيءٍ غير التقزز من الرائحَة داخله، واندفعَ مجددا في رد فعلٍ سريع يتقيأ ذلك في الكيس.

صاحَ وأنفاسه تتلاحقُ، نبضات قلبه صواعق وصدرهُ اضرمته الحرائق.

--Que porra é essa?!--
( What the fuck)

لكنة لوديفيكو البرازيلية كانت أبرزَ من ذيل الحصانِ الذي يعلقه خلف رأسه دومًا.

آليكساندر تضاحكَ لما انتبه لوديفيكو للطريقة التي تفوه بها كلامه وقبل أن يعتذرَ رحمه

--Apenas uma reação alérgica,
Você é um lobisomem, afinal,
e isso é uma grande quantidade de urina, meu querido amigo.--
(مجرد ردّ فعلٍ تحسسي، أنت مستذئبٌ بعد كل شيء وهذا قدر كبير من البول صديقي.)

حاول إيجاد قارورة مياه وسطَ المختبر وقدمها له، الشاب ابتلعهَا مباشرةً ثم طلبَ منه المغادرة ليشرعَ في فحص ذلك المحلول، أولاً، ودون تمطيل.

الرفاق كانوا بانتظاره في الخارج، مرتاحين لإمكانيته على السيرِ سريعًا بعد أن فقدها لكن ليسوا مرتاحين للرائحَة التي علقت به.

-- إنه آليكس!--

هتفَ يشرحُ لهم لكن جونغكوك استغل الوضع

-- أعلمُ أنك مزعج لكن ليس لدرجَة أن
يتبول عليك ؟--

-- كان ذلك لإيقاظي أيهَا البغيض.--

-- حسنًا، طريقته ملهمة.--

أجابه وآلونزو حذّرهما.

-- لا تفكرَا حتى في ذلك، إنني أقيم مع لوديفيكو في نفس الغرفَة وليس لدي نية للإستيقاظ جانب تلك الرائحَة فقط لأنك حصلت على الإلهام جونك.--

هذا اللقب الصغير يشابه كلمة " junk " الإنجليزية التي تعني نفاية، وآلونزو يتظاهر بأنه لا يعرف ذلكَ فقط لينادي بها جونغكوك الذي رمقهُ الآن لثوان ثم ابتسَم كأفلام الرعب المحلية.

-- حاذر كلامك آلونزو، يمكنني مضاعفة الكمية.--

-- آهخ، حسنًا ، هلاّ انتقلنا الآن للجزء الذي نعلم فيه جميع ما حدث بتفصيلٍ أكبر لأن آخر ما أذكره هو أن الكرنفال بعد أيام.--

لولا عبّرت عن استيائها والرجال الثلاثة توقفُوا في لحظة، ينتحلون الجديةَ جلدًا قاسيا يليق بهم و يستمعون لسوكادور الذي قال تاليًا.

-- لا أفترضُ لغارتكم الصغيرة أن تمرَّ عليهم دون أن يضاعفوا حراستهم.--

-- هذا إن لم يغيروا الموقعَ نهائيًا.--
قال بروس ودانتيه أجابه.

--هذا بعيدٌ احتماله.
المعداتُ هناك أثقل من أن تنقل دون
عناية شديدَة، ما يمنحنا وقتًا كافيا
للعودة بكل تأكيد.--

-- ليسَ بما فيه الكفاية إن قرروا فقط تركهَا هناك، الرجل مليونير دانتيه..--
ميكي اقترحَت وسوكا كان يستمع لكلّ رأيٍ باهتمام ثم استخلص:

-- إذًا، حلنا الوحيد هو غارة أخرى..
أسرَع، أكبر و أكثرَ فعالية.

سنهدفُ لمنعهم من الإنتقال حتى لو نجوا، لأننا سندمر كل شيء.--

--Magavilha!
أحب تدمير كل شيء.--
صاحَت ميكي جانبه، تمسكه من كتفهِ وتتقافز كطفلة معتمدة عليه.
تجاهلها سوكا والبقية.

-- في تلك الأثناء لا بد أن نبقِي عينًا عليهم أيضًا آلفا.--

كانت تلك لولا، صوتٌ ثابت وكتفها يدعم وقوفها بمحاذاة حائط المخبر، ذراعيها لصدرها.

-- مع التدريب الذي يجبُ أن يستفاد منه الجميع، أظن أن هذا لن يحصلَ دون المناوبة بين المراقبة والاستعداد ها هنا.--

سوكا شاركهَا المسير في تلك الخطة، يكمّل اقتراحها.

-- هذا عملٌ كثير لفعله.--
أضاف بروس، لكن لم يكن في سبيل التذمّر بل إقرار الواقع وتعليقه بالكلمات.

-- سأخذُ معظم المناوبَات في المراقبة آلفا.--

جونغكوك نطقَ من العدم يجعلُ العيون تلتفت مصوبة إليه، وجهه خلى من ابتساماته الاعتيادية، بل كان ساهمًا في تفكير ما.

-- هذه التفاصيل سنجتمعُ حول مناقشتها مع القائد الأعلى..
جميعكم متعبون لا شَك، يمكنكم أخذُ الوقت إلى المساء للراحة، هذا كلّ ما يمكن عرضه لكم كوقت راحة لأنها ستكونُ حربًا مع الوقت.--

ربما لا يرَى سوكا استحقاقه للقيادَة أو كيف له أن يملأ زوايا هذا الدور لكن لولا..

استقامت من استنادها على الحَائط تمعن النظر في استحقاق وامتلاءِ الدور الذي يلعبه سوكا.

إنه إنسان مُلهم.
رأت ذلكَ في والدها تشارلز، رأتهُ في رونالد، رأته في آرورا وآليكساندر، رأته دومًا في جونيور،

وهاهي تدركُ مجددا كم هو بارزٌ هذا الكيان الحر الذي ينفلقُ من أنوية الوجود طاقةً تدفعُ حتى الموت للحياة.

وإلهامهُ تجلى عميقًا خلفَ ردات فعلِ من طالبهم بالراحة، ميكي، دانتيه، آلونزو وجونغكوك وحتى لوديفيكو..

جميعهم عبروا عن إعراضهم، عبرُوا عن رغبتهم باتباعِ الآلفا الذي لا يتعب حتى إن طلب منهم العكس، يبرهنون بذلكَ كم أن القائد الملهم أكثرُ فعالية من القائد الصارم حتى.

-- كل ما احتاجهُ للراحة هو شرابٌ جيد.--
ميكي قالت واتجهَت لإحضار ما تريد بعد أن تلاحقَ البقية للساحة يترجمون رفضهم بالأفعال.

سوكا تنهد يراقبهُم وبروس قربه.

--حسنًا، آلفا، الأمرُ أنه..
قد فاضَ بنا الملل طويلا.

نهاية العالم الثانيَة أو حربٌ ثالثة لا يهم،
ما دمنَا سنستمتعُ أثناء ذلك.

هاي ميكي، احضري لي البعض.--

______________

آنِنْ محاربة عظيمة.
تربحُ كلّ معركة، كلّ رعب وعدو.
قديمًا، قيل عنها:" لن تموت يوما."
لأن آنِنْ لن تهزم بيد أحد.

لكن..
وجدت الوحيد الذي يهزمها.
أخبركم من؟--

كلّ العيون ارتجفَت كاللون الحي الذي يلطّخ الأطفال عندما يستمعون لقصص عجب.

غير أن هذا قطيع مستذئبين مريعَ القوة، وهؤلاء نساء ورجالٌ يتناولون الحرب والدم.

مع ذلك وذاك، لم يمنعهم واقعهم من الإنغماس في رواية ڤين ديرما وأسلوبها المُمرض إثارة للإنتباه والفضول رغم تزعزع لغتها.

حين نقول فضول فنحن نقول لولا..

القائدة الشابَة امتلئَت رغبةً في المعرفة، انفرجَ صدرها وتراقص عقلها مع لحن خافت غريبٍ يدفعها للحاق بڤين ديرما كأنها عازف الناي من القصة الفولكلورية.

عيناها أكلت وجههَا فاتن المشهد، وكانت ستقفز ناحرَة أي من يعارض أن تكمل ڤين ديرما قصتها.

لكن لا أحد قد يفعل ذلك، جميعهم في نفس الموضع من الفضول، حتى سوكا وبروس، أكبر معارضين لڤين ديرما..

و يجدر القول أنّ فرصة سماع أساطير مخلوقات ما خلف الحدُود لم يكن متوفرًا لهذا الحد.

-- نعم، هيا..--

-- أخبرينَا، من قد يهزم محاربة لا تموت؟--

أصواتٌ متفرقة صدرت عن الفريق الذي يتدرب منذ مدة معها، الواجهة كما يدعوهم بروس وينظمهم في المعارك.

سوكا راقبَ حماس قطيعه ثم نظرَ لها لاستقبال ردّها، فوجدها تراقبه، تنتظره حتى ليفعل ذلك فتضعَ ذلك الأخضر الغريب عن الواقع من عيناها في عيناه.

-- قتلتها نفسها.
لا أقوى من الأقوَى سوى نفسه.
لذا..
التالي هو نزال ضد الأنا.--

-- الأنا؟ --

ميكي فاهَت لكن هذا أخذ انتباه ڤين ديرما من سوكا إلى شقيقته.

-- من الرابح إن..
أنتِ وأنتِ تقاتلا؟--

-- لا أحد..
هذا غير منطقي،
أنا ما لي في نزال نفسي؟--

-- لكِ النصفُ فرصةً في النجاة.--
ومن أجاب ميكي بذلك هو دانتيه ولم يبدو راضيًا عن دعمه لحجة ڤين ديرما البتة.

-- اصمت أنت، لا زلتَ تزعجُ خلايا عقلي.--

تنهد يقلب وجهه بعيدًا عنها.

-- وكيف تخططين لجعلنا نفعل ذلك مشعوذة؟--
سوكا سأل وراقبهَا ترفع الجديلات عن جانبي وجهها ترنُّ قلائدها لذلك.

-- فكّر أنك عدوك.--

مشَت خطوات لتصل إليه، أمامه والقطيع حولهمَا ، كانت هي العدو لكنها تحدثه عن نفسه.

--انظُر لضرباتك لنفسك..--
مدّت يدها لتمسك يده في منظرٍ صادم حتى له.

جونغكوك في الخلفية فقدَ قدرته على النطق.

اعتصَر سوكا قبضته ليحكم لجَام سيطرته على الموقف الذي تضعه هذه الغريبة، البعيدة، العدوة التي تريده أن يستغلهَا فيه.

-- اسمَع حركاتك، صوتك، لتهزمك..--
يدها الحرة الأخرى أخذت تمرحُ جانب صدره دون لمسه فعلاً.

-- أسهل من هزمي.--

ارتفع خطُّ شفتيها، أبعدت يديها عنه ترفعها لتبسطهما بينهما كأنها تقول " واضحة أترى؟"

استفزّته أقل مما اعتادت أن تفعل لأن ملامحها عندما ابتسَمت كانَت تذكره بشيء ما.

-- أنتِ حقًا تريدينني قاتلاً لكِ..--

لم تجبه بل التفتت إليهم وأخذت طبيعتها الرزينة الجادَة وجبروتها بالحضور.

-- حتى يرحل الضوء، أنت عدوك.--
خاطبتهم ورغم أنهم لم يفهموا لفظيًا إلا أن ما قصدته كان واضحًا معنويا.

أنت عدو نفسك، استعرض نقاط قوتك وضعفك لتقيمها وتستطيع إيجاد حلول لها.

لا عدوا أقوى من العدو الذي يعرفك جيدًا، وبهذا المنطق ستكون أنت أقوى أعدائك إن اكتفيتَ بتجاهل ما يمكن تطويره وإصلاحه لتكون -تقنيا- غير قابل للموت.

-- لا تتبعوا آنِنْ، هناك دومًا موت.--

كانت تقول وهي تراهم يتخيلون أنفسهم كمنافس ويتنازلون ضدها.

في البداية كان ذلكَ غريبا وبطيئا، لكن لسبب ما سوكا بدى منخرطًا في هذا التدريب بالذات.

حركات الآلفا وتركيزه جذبه، ألهمهم لفعل المثل، وبعد مدة بدى هذا التدريبُ أهم ما يفعلونه.

البعض حتى كان يصرخ في وجهِ نفسه الخيالية، بينما يلكمها أو يدفعها.

لاحظَت لولا التغير المفاجىء في سلوكهِم، بدى بعضهم في خضم حوارٍ ذاتي أكثر مما هو مجرد تدريب إلا أنهم استخدموا قوتهم الجسدية لذلك.

استدارت لسوكا تنوي إعلامه أن البعض قد يحتاجُ وقتا مستقطعا لكنها لم تستطع..

ليس وهو يلطم الهواء أمامه كأنه يرى عدوا مرعبًا وضخما لا يراه غيره.

عيناه اقتدحت نارًا قد تشعل الغابة والفندق وقلبها لو أطال النظر، ووجهه كان شيئا غير وجهه.

خزرت لولا الدوائر المتقاطعة التي تصنعها ڤين ديرما وهي تجول مراقبة الأفراد حتى وصلت سوكا، دوائرها ماتت هناك..

كانت تنظر إليه كأنها -مثل لولا- تريدُ الدخول لمكان ما به يعرض لها ما يفكر فيه هذا الرجل الشاسع، هذا الرجل الملىء بالفجائع.

كانت تنظرُ له كأنه مخلوقٌ لم ترى قط مثله، وكل حركاته فتحَت في عيناها رغبة أكبر للنظر مجددا ومجددا..

كلّ مرة زمجر، وفي كل مرّة ارتدّ جسده من قوة وتركيز ضرباته.

والضوء لم يرحَل و ڤين ديرما لم توقف أحدًا.
ولا حتى لولا طلبت وقتًا مستقطعا بعدها لأن سوكا قائد ملهم.

سوكا قد وجدَ في هذا التدريب المقترحِ من عدوته المفيدة شيئًا بحث عنه طويلا، هو وهو في مواجهة علّه يهزم أحدهما الآخر ويبقى الفائز حيًا..

أراد أن يعتقد أن هو وهو يتمثلان في المحارب و الآلفا القائد، بل أنهُ سمع صوت الآلفا يصرخ في وجه المحارب داخله حين لكمه.

في ثوانٍ لا واقعية قد ساعدَ على الوصول إليها بعض الكحول وشمس ريو الحارقَة واستفزاز المخلوقة التي تدور حولهُ كأنها كوكب ضائع عن شمسه،

شعرَ أنه المحارب وأن عدوه هو القائد وأنه تم لكمه بضربة الآلفا وأنه مجرّد خاسر لن يجد لماضيه سبيلاً وسيخسر ما يظنها نفسه الحقيقية أمام هذا الكيان الغريب عنه والذي يسمى آلفا.

لكن لاحقًا وبعد عدة نزالات خيالية أخرَى، وأثناء انقضاء تدريبات البعض نتيجة الإرهاق أو الإنهيار الذي أخفاه أفرادٌ منهم بالتعب..

اكتشَف سوكا أن لديه حقًا عينانِ جميلة، وأنه قد يكون نصف مجنون لتخيلها وأن الآلفا مجرد جزء منه أيضًا خُلق لأن المحارب لم يكن النهاية لمصيره.

أو هكذا تخيل وهو يتصبب عرقًا وارهاقًا وينظر لقطيعه يتراجعُ قبل رحيل الضوء كما وصفت ڤين ديرما الغروب..

وهي..
كانت تراقبه هو فقط.

فلا صرفت أحدًا ولا أحد تقدم ليسألها إن كان تدريبه لا بأس به لأنهم قد علموا، جميعهم..
أن هذا التدريب لم يكن لتقوم هي بتقييمه بل هم.

لولا كانت قد رحلَت منذ مدة دون أن ينتبه لها، الفتاة ظلت هناك لفترةٍ تحارب شيئا داخلها ليس بنفسها ولا عدوها وعندما بدأت بسماع همس ذلك الشيء، صوته، ماريا قد ظهرت بكل غضبها..

موجهًا للاشيء سوى الخيال الذي جعلتهم ڤين ديرما يخوضون فيه.

لكن ماريا ليست بلولا، وليست بعدوتها مهما أرادَت لولا ذلك أو شعرت به.

لذا جمعَت تشتت ذلك الصوت الباسق من أثير الفراغِ حولها حتى سمعت صداه يرتجُّ في عقلها، صياحًا وأغنية..

لحنًا قديما لا تجدُ اسمه.

ماريا قد اختفت ولولا انسحبت.

أما ميكي شقيقته فتبدو مروعَة وهي تتكأ على طاولة الساحة جانبها جونغكوك الذي يخفي وجهه عن الشمس.

دانتيه قد تحول لذئبه واقترب من الشجر ليكمل تدريبه، إن كان هذا ما يفعله..

وبروس مثله، وجد أن هذا التدريب يستحق وقتهُ وكل تركيزه.

-- من هي آنِنْ؟--

سألها سوكا وهي تقتربُ منه مسافةً.

عقله كانَ فارغا حينها ولم يخطر له سوى هذا سؤالاً، ربما لأنه لا يريدها أن تسأله هي بدورها، شعر أنه يعلمُ تماما ما ستسأل ولم يكن يرغب بذلك.

-- في لغتي..
آنِنْ الحياة.--

-- والموت؟--

كان مصدومًا بإجابتها لكنه استمر بإبعادها عن دفة سؤاله.

-- ثيآنِنْ. --

كانت بينهما خطوة الآن وكانت على وشك سؤاله، شعر بذلك على شفتيهَا الداكنة، قلبه أصابته حمَى ، كاد يتذوق السؤال من شفتيها..

-- آنِنْ لا تهزم، إلا بيد نفسها.
هناك دومًا موت.. --

وضعت يدها على كتفه ودارَت حوله كما كانت تفعل منذ مدة، أقرب هذه المرة، شعر بالدوار.

-- من هي ثِيآنن فيك ؟
أنت..
أو الذئب؟--

رأى أنها تقصد قوته حين يتحول لذئبه، لكن حلقه تحشرج متذكرًا ما حدث في تدريبهما السابق لما جعلته يفقد سيطرته كليا حتى أرعب من حوله وسألته عن إسمٍ لذلك الذئب.

-- Para você querida..
(لأجلك عزيزتي)

سأكون أنا الموت.--

لعب بالكلام، يهددها ويهديهَا أخلصَ عطاياه.

قبلتها برحابةٍ تمسّد كتفه شاكرة له.

-- رحلَ الضوء.--

هتفَت في من تبقى من القطيع ليتوقفوا، لم تنتظر لترى ذلك يحدُث بل اجتازت الآلفا وبروس ومرّت جانب الذئب حالك السواد دانتيه واختفت في الغاب.

______________________

وُضعت طاولات متفرقَة في أنحاء صالة الحفلات التي حوّلها بروس لقاعة طعام جماعي.

قال سوكَا أن هذا مقَيِّد للبعض لكن بروس لم ينوي يومًا وضعها كقانون بل أقربَ للاجتماعات العائلية، وقد نجحَ البيتا الخبير باستعادَة أقوى الروابط بين أفراد القطيع الذين عاشوا في ألمانيا والذين اجتمعوا بهم هنا في البرازيل بعد كلّ تلك السنوات.

أوصى بروس بوجبَة دسمة وكاملة بعد تدريب اليوم، الجميع شاكرٌ لذلك حين وقفَ يستفتح هذه المؤدبة.

-- لقد تمّت أول خطوة في خطتنَا بنجاح، الشكر لدانتيه، آلونزو ولوديفيكو ومن الغريبِ قول هذا لكن ميكي أيضًا..--

ضحك القطيع، لولا وجونغكوك أكثر من الجميع وآليكساندر ابتسمَ يمسح شعر ميكي الغاضبَة المرتجفة والمندفعة ناحية بروس لقتله.

سوكا طلبَ منه قول كلمة وهذا ما ابتدعه رأسه.

-- إنه ليومٌ جميل الشمس، رؤية جونغكوك ولولا على الطاولَة معنا يشبه أيامًا أخرى عزيزة جدا، قريبة وبعيدة في نفس الوقت..

أتمنى أن تمر البقية بنجاحٍ بينما نخطو نحن في هذا الطريق الذي اختارهُ لنا الآلفا، القائد الأعلى والقدر حتى الغروب.

الشكرُ للرب الذي منحنَا الأمس واليوم والغد، وهذا الطعام كمؤدبَة امتنان لجميع من بذلَ وسيبذلُ لطريقنا مجهودا.--

أول من صفّق كان سوكا، يليه آليكساندر والبقية تفشت بهم الحمى.

-- آلفا، هل هذا يعني أننَا سنقاتل قريبًا؟--

نظر سوكا لوجه السائل، كان فتى يانعَ الملامح، نحيفَ الكتفين، ثم تذكرهُ يوم طلب منه إحضار السم/ الطعام لڤين ديرما،
إنه ريكو.

-- قد نفعل ذلك، لكنني أفضّل أن يكون حماسك لتعليمك مثل حماسكَ للذهاب إلى الموت يا فتاي.--

أصدقائه وبعض الرجال الأكبر هتفوا له أن سوكا محق، بعضهم شجعه بضرب كتفه والآخر ظلّ يفكر في حديثه.

-- كلُوا ما أمكنكم..
لقد قمتم بعمل ممتاز، جميعكم، اليوم.--

قال ذلك مع ابتسامة لاحقَة له، أخفض رأسه ليأكل ثم رفعه لأن لا أحد تحرك.

نظر لهم مجددًا ليدرك الأمر..
كانوا يتأملون تلك اللحظة، فخره بهم، ومدَى العطف الذي يخرجُ من فاهه دون إنذار عندما يطلب منهم الأكل أو الراحة.

عندما خزرهُم لمدة أطول بحاجبين متدافعين شرعوا بالطعامِ والذين على طاولتهِ كذلك، بروس وميكي خاصة.

فجأةً وبينما هم ينعمُون بوجبتهم قرعَ باب الصالة وفي ثوان ضربَ ينفرج لنصفين توسطتهمُا ڤين ديرما.

لم يكد أحدٌ يسأل حتى لوّح جونغكوك لها هاتفًا، يقف على كرسيه بثني ركبة واحدة.

-- ها، ڤيني ويني !
تعالي إلى هنا، هناك مكان..--

كان يشيرُ لمقعدٍ بينه وبين بروس والبيتا اختنقَ بصرخته قبل أن تخرجَ حتى.

-- أيها..
لا تجعلها تجلس جانبي، لدي حساسية.--

-- هيا بروس، قلتَ أنني عزيز عليك.--

-- قلتُ أنك تذكرني بأيام عزيزةٍ علي،
والآن تذكرتُ أنك دومًا كنت على وشك إفسادها! --

ضحكةُ لولا اخترقت الصمت المندهش من فعل ڤين ديرما، جونغكوك وردة فعل بروس الدفاعية في القاعة.

وكالعادة رأسهَا رجعت للوراء وكادت تسقط بكرسيها لولا أنّ آليكساندر أمسكَ ظهر الكرسي يعيدها لمكانها بينما يستخدم يده الأخرى المغلفة بالقفازِ ليحضر لنفسه بعض السلطة كأنه أمر طبيعي للغاية من لولا - وهو كذلك فعلاً-.

عندما أعادها لتوازنها صاحَت بهما دون الإكتراثِ بحقيقة أنها كادت تسقط تقول

-- بروس أنتَ تقول هذا بعد أن ترجّيت جين أن يمنحك مهمات مع جونغكوك مراتٍ تعبت في إحصائها، لأنني كنت هناك أنتظرُك لتذهب كي يستطيع جين تدريبي..--

-- لهذا كنتِ تتأخرين في التدريب؟--

آليكساندر دعمَ تنمرها من بروس الذي شعرَ بمرارة الخيانة من قائديه.

-- آليكس لا تأخذ صفّهما، لا تفعل
أنت هذا بي !--

-- لـو. حقًا.أحبكِ..
آليكس أنت تخيفني الآن لكن لا بأس.

ڤيني هيا قبل أن يبرد الطعام.--

ڤين ديرما سارت نحوه دونَ تردد، ليس هذا ما كانت تشعرُ به داخل مجرَى أنفاسها لكنها فعلت..

عيناها اصطدمت بسوكا لوهلَة لكنه لم ينظر لها، كان تركيزه بصحنه، لا يعنيه ما جرى من فوضى وهذا غريب عليه لكن ليس منذ وقوع المسؤوليات المتتالية عليه.

-- بروس أنت دراميٌّ أكثر من أمي.--

لوديفيكو صاحَ من طاولته جانبهم وميكي تبعته

-- أقول إن لم ترد قف من الطاولة.--

--إن فعلت يا ميكي فسأخذ طعامكِ معي لأنني السبب في بقائه أمام وجهك الآن فالسيدة سيسي لم تنسى ما فعلته بالصلصة منذ أسبوع.--

-- ماذا فعلت؟--

سوكا سأل مهتمًا فجأة بالموضوع.

-- لا تكترث أخي، أكمل طعامك.--

-- تستعملين أخي عندما تفعلين الأهوال ميكي، انطقي!--

لكنه لم يصرخ فعلاً بل وضع يده لإسناد ذقنه وخزرها مبتسمًا، حينها كانت ڤين ديرما قد جلست جانب بروس وانتهى الأمر.

إحدى العجائز من القطيعِ كانت قريبة من طاولتهم، بكل طيبَة وبطء سببهما سنواتها في الحياة، تقدمت تضع ملعقة وشوكة أمام ڤين ديرما وابتسمت لها أيضا.

بعيونها الخضراء الكبيرة تأملت تجاعيدها والمحيط حولها، السيدة العجوز جعلت الخيلاء والقوة تذوب عن وجه ڤين ديرما وتُستبدلان بشيء عذب يسرٍ من الإمتنان والترحيب، وذلك منظرٌ جذب انتباه العديد.

راقبتها تسير وجونغكوك كان يستمع للمناوشة بين الشقيقين ويتناول طعامه، يريها بذلك ما ستفعله بالآلتين الحديديتين أمامها.

حاولت لكنها فشلت، حين رفعت رأسها كانت ميكي تلوح بمعلقتها في وجهه بروس

-- يمكنني لفُّ العالم بذلك اللسان الطويل المفلوت الذي لديك يا وجهَ الحذاء البلاستيكي لكنك أكثر قرفًا من أن تتحملك الكرة الأرضية.--

-- هذا ليس منطقيا ميكي، فهي تتحمله بالفعل الآن.--

دانتيه أخبرها وبروس قهقه يستفزها بحركات وجهه، أطفال يعتمد عليهم سوكا في الحرب.

-- يمكنكِ إيقاف النوبة ميكي لأنك ستخبرينني ما فعلته عاجلاً أم آجلا ويفضّل عاجلاً فأنا لن أضحي بمذاق طعام السيدة سيسي حتى لأجل العائلة.--

ڤين ديرما كانت قد رفعت ملعقتها تلوح بها أيضًا، كما فعلت ميكي، الأمر بدَى واعدا بالنسبة لها.

-- وإن ظننتِ أن شتم بروس سيخرجكِ..

ما الذي تفعلينه؟--

غير دفة حديثه إلى ڤين ديرما، يجذب عيون طاولته إليها، جونغكوك أولهم.

-- آه دعيني أساعدك بهذا..--

جونغكوك حاول تعليمها أثناء ذلك بينما ظلّ سوكا يراقبهما، بروس كذلك ولولا..

ميكي شعرت بالإمتنان لأن ذلك أنقذها من سوكا حاليا.

عندما وضعت الطعام بفهمهَا كان يبدو عليها عسر تذوقه، لكنها أكملت تقليدهم، يساعدها جونغكوك حتى اكتفت.

في الواقع هي شعرَت بسوء في جسدها لهذا توقفت، إن أطلت النظر لوجهها سترى ذلك أيضا.

-- هيا ڤيني ويني، لم تأكلي شيئا..--

--بالتفكير في الأمر، لم أرَى هذه الفتاة
تأكل سوى مرة؟
هل تستهلكون طعامًا أقل؟
لا تنامون وتستهلكون طعامًا أقل وأنتِ بهذه القوة!

إلهِ أريد معرفة سركم. --

لوديفيكُو من طاولته ثرثرَ مزيدا ومزيدا عن ما توصّل إليه أثناء مراقبته لڤين ديرما وهذا كان كرنين الجرسِ في أعلى البرج، الجميع انتبه.

بالطبع، لا أحدَ أكد له أنها لا تنام ففعلَ ذلك بنفسه يجعل آلونزو يضغط جفناه ارهاقًا منه.

-- هذا غير ممكنٍ علميا مهما بلغوا من قوة.
جميع الكائنات تقوم بعملية التنفس، أوكسجينا وغذائًا، والعلاقة بين الجهد العضلي والاستهلاك الغذائي علاقة طرديةٌ لا عكسية لوديفيكو.--

آليكس شرح نظريتهُ وعيناه على ڤين ديرما، وجهها يبدو غريبًا وهذا أخذه كعلامة على نقص الغذاء، مجددًا دون تأكيد.

يبدو أن كلّ ما يدور حولها من نظريات ستظلُّ دومًا اعتباطية ومرتجلة وبالتالي غير دقيقة.

لكن العلاقة الطردية والتي تعني زيادة معدل الاستهلاك كلما زاد الجهد وحتَى القوة التي عرضها آليكساندر كانت عامة.

-- ربما لا يعجبهَا الطعام فحسب.--

لولا اقترحَت ببساطة حيث حيّرها تحليلهم لمثل هذا السلوك إلى نقطة بعيدة كهذه.

ميكي وبروس بملامح يملأها الرعبُ والجزع طالباها بالصمت

-- لا تقولي هذا !
إن سمعتكِ الطباخة..--

وميكي مثّلت بإبهامها كيف تُقطع الرقاب.

أخذت لولا قارورة مشروبها الغازي وابتلعت اقتراحها.

-- جيدٌ!
كله جيد. --

قطعَت ڤين ديرما نقاشهم بذلك، تشير للطعام بحركات عيناها وترفع شفتيها لعلّها توضح نواياها.

كانت تفكّر بالتقدم الذي احرزته، وكيف أنها وجدت ثقبًا صغيرا لتدخل إليهم، تشعر بطاقتهم المتآزرة هنا وهناك وأنها استطاعَت ولحدٍ غير محسوس ولا يمكن الإعتماد على استمراره أن تخطو خطوة خارجَ دائرة العدو الذي يجب قتله كل ثانية وتناهز دائرتهم.

ربما هذا ما جعلها تنظمُّ لطاولتهم وهي تعلم أن جسدها لا يستطيعُ تحمل أسلوب غذاء لا يعرفه بعد.

حين انتبهَت للوجوه التي لانت وهدأت بعد تصريحِها، كانت الوحيدة التي لا تأكل، لكن الملعقة لا زالت في يدهَا والإرهاق لا زال في ركن خفي من وجهها قد ظهَر لحظة وأفل.

لم يكن ليلاحظه أحدٌ لم يكن يضع عيناه نصبهَا ويتحراها وما ألمَّها من خطب.

انتصبَ سوكا عن كرسيه، ودون أمر أو اشعارٍ توجه للخارج، بروس والبقية راقبوا ذلك والحيرة تأكلهم..

قد رأت ڤين ديرما آخر ظلٍّ من عيناه ورغم قتالهما الدائم لم تفهم ما الذي قد فعلته هذه المرة لاستفزازه بينما هي لم تحاول ذلك حقًا ولم تكترث حتى به.

-- أكملوا طعاكم، سأراه..--

آليكساندر تبعه تاركًا إياهم.

بعد دقائق عاد قائدهم الأعلى بابتسامة غريبة على شفاه، جلس والجميع يسأله نفس السؤال ، أصخبهم ميكي..

-- أين هو؟ --

لم يكن يجيبُهم، وإذ به سوكادور يرجعُ من طريقه ذهابه الغامض، صامتًا كذلك عن بروس وجونغكوك وميكي وعيون لولا التي تأكله لتعرفَ خطبه فخروجه العاصف لم يكن للذهاب للحمام كما تأمل.

دقائق ودلفَت إليهم السيدة سيسي بوجهها رائعِ الضحكة، كبير الخدين، والذي تحول للتجهم حين رأت ميكي..

اقتربت لطاولة الآلفا ولم تكد تسأله حتى أشار لڤين ديرما.

-- للمشعوذة..
البيتا استفتحها مؤدبةَ لجميع من يبذل مجهودًا في هذه الطريق.--

همساتٌ خافتة، مدح، قلق.

كانت السيدة سيسي تحملُ نفس الشطيرة التي حظرتها سابقا تحت نفس الظرف، تلك المرة الوحيدة التي رأى فيها لوديفيكو ڤين ديرما تأكل شيئًا.

الطباخة وجدَت مكانًا للجلوس فيه بعد أن أشارت دون صوت لميكي بالوعيد.

وڤين ديرما أكلت ما وضعَ أمامها على عين جونغكوك الذي يراقبهما، حالمًا، وجهه غبي كما قالت ميكي للتو وتفكيره منحط.

لكن كان حالمًا، مختلٌ عقليا في جزء ما من عقله، يحمل قلبهُ خلف ضحكاته وروحه مصقولَة بغرابة الحياة التي عاشها.

رافعًا قارورته يصرخُ بالجنون الذي هو عليه

-- لنجعلهَا سهرةً احتفالية، لطالما احببتُ المبالغة في الأمور.--

-- جونغكوك!--
آليكساندر بدأ تحذيره بنبرة متزنة.

-- وأنت يا زعيم أهمُ حلقة في سهرتنا..--

آليكساندر لم يفهمه جيدا لحظتها، لكن الجميع فعل، ورحّب باقتراحه قبل أن يوافق أي أحد عليه.

جونغكوك نظر للولا التي انفرجَت مقلتيها، يعلم أنها الآن تقرأ أفكاره وقد تأكد حين لفّت رأسها نحوه ترطم قارورتها بالطاولة وتفتحُ فمها كالقرش.

حينها ضرب الوعي آليكساندر، تماما وبصوت يعادل ضرب سوكا لقارورة جونغكوك بقارورته كأنها كؤوس شامبانيا.

-- أحب عقلك.--

سوكا يهتف و آليكساندر اعترض

-- إياكم.. لدينا عمل.--

-- ينقصكَ بعض الحزم هناك زعيم؟--

قصد جونغكوك الطريقة التي تحدث بها، بروس انظم لقرع القوارير، ميكي، حتى دانتيه..

المنظر كان غريبًا على ڤين ديرما.

لولا وقفت من مكانها ترفع قارورتها، القطيع شجّع خطط الأمسية برحابة وهي كانت صداهم.

-- آه آليكس، إنه طلبُ الجمهور، هذه أصبحت مسؤوليتكَ كقائد.--

أكمل تناول طعامهِ يتمتم.

-- سأستقيل من القيادة إذًا..
دعوا ميكي تفعلها.--

صدى الهزيمة لاح في سقف الصالة، لولا نفخَت أنفها وجونغكوك اقترب من كتفها يهمس كالشيطان
-- قومي بسحركِ.--

سمعه الجميع لكنه يحبُّ المبالغة كما قال.

لولا أسدلت ذراعها تضع قارورتها على الطاولة، انخفضت ويدها الأخرى أحكمت ظهر كرسيه.

رفع آليكس عيناه وتلك كانت خطوة سيئة لأنها قابلته بخاصتها الآثمتين وأغرقته فيها.

-- إذا هذا يجعلني القائد ومسؤوليتي أن أحقق طلبَ الجمهور.
حبي؟

هل سنطيلُ هذا أم..

ستغني لي؟--

وقبل أن يجيب آليكس حتى، جونغكوك قرعَ قارورته بقارورة ڤين ديرما وجعلهَا تشرب ليجتمع الغاز بعيناها كأول يوم.

هذه المرَة اكملت المشروب كله مستمتعَة.
____________________


________

هذا البارت كان كل شيء ما عدا الشيء لي خططت له.

طولت وأطول بالكتابة وشكرا لصبركم ❤️

أتمنى لكم شهر كله رضوان وغفران وخير.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top