«الرقصُ و الفوضى.»


السلام عليكم ورمضان كريم.

كنت أتمنى أكتب بظروف أفضل والبقية تحت...

لي نست الأحداث والأسماء ترجع للبارت الأسبق، أيضا قمت برسم مضحك لخطة فريقنا لتسهيل فهمها لأن والله وأنا بديت اتلخبط بنص الهيصة.

كتبت تقريبا 7 آلاف كلمة كاعتذار تأخير، يجب تقسيم الفصل مما لا شك فيه، أيضا حاولوا تتجاهلوا تباين الأسلوب لان جزء انكتب قبل ثلاث أشهر مدري أربعة والثاني انكتب هالأسبوعين.
كالعادة إذا ما فهمت شي اسأل في نفس المكان رجاءا.

تحذير:❗
هناك ذكر لمحاول اغت.اب في البارت.
مشاهد قتل ودم ( تعرفوني ما أبخل بتفاصيلها فرجاءا تجهزوا).


أتمنى يعجبكم بطريقة ما، وشكرا لصبركم ودعمكم المستمر للرواية، استمرارها سببه هذا الاستمرار 💜

_______________________

__________


يراقب سوكادور جلَّ ما يراه رجاله عبر جهاز ذكي محمول، تنقسم شاشته لعدة فيديوهات تعرض تزامنًا ما تلتقطه الكاميرات في كل فريق، ما مجموعه ستة كاميرات علّقها هؤلاء الأفراد:
بروس في الفريق المركزي للدروع، يحتوي كل فريق من شاحناتٍ مليئة بالمستذئبين المجهزين للقتال والمدربين على الإسعاف الأولي وكذا طرق الإقتحام وإستخدام الأسلحة الخفيفة والثقيلة.

دانتيه في الفريق المركزي للكريات، كل منها بمركبات مختلفة والبعض في دراجات نارية عادية للتوغل وتمشيط المناطق والنقل، الأعضاء يتمتعون بكافة التدريب لكن بروس قد سبق وشرح لهم أن عددهم قليل وهدفهم إيجاد ثكنات جامعي التحف والتعاون.

إريك الذي يقود المخالب، فريقين مقسمين على دراجات ليوبلاستو 01 و ليوراست 01 السريعة، لوديفيكو يوجههم لأكثر الأماكن ريبة في حدود ريو وما يجاورها، الفريقان لم يتوقفا عن الحركة.

آلونزو يحمل كاميرا أخرى في فريقهِ وبالطبع آليكساندر وميكي، ويتواصل الآلفا معهم جميعًا عبر خطٍ مزدوج.

ينظر للتقريب في كاميرا آليكساندر، ويلاحظ ذات الفستان الذهبي الوضّاء تختفي خلف باب ما.

-- آليكس، قرّب أكثر..--

-- أقصى ما يمكنني آلفا، دعنا نتريث في أمرها.--

مسح سوكادور وجههُ وسمعه آليكساندر يشتمُ بالبرازيلية، يهدأ الإرتجاج في صوته ثم يسأله.

-- ماذا عن لولا؟ --

-- فقدتها أيضًا، القاعة في الطابق الثاني مصنوعة من مادة لا يخترقهَا الإشعاع في المنظار...
سأتصل بها.--

لكن الإتصالَ لا ينفكَّ ينقطع.

ما لا يعلمه آليكساندر هو أنّ تلك المادة العازلة قد أغلقت الطابق الثاني كليًا عنه، وأنه وإن استطاعَت ڤين ديرما تشغيل جهاز الإتصَال المعلق في أذنها وحاولَ الوصول لهَا ، هي الأقرب له، لما استطاعَ ذلك.

قد توغّلت لولا بين ما تظنّه حشود المدعوينَ العاديين، الإضاءة هنا مختلفة عن الطابق الأول، الأشعَة المنطلقة يتخللهَا لون أزرقٌ والأفراد هنا قد انقسمُوا كما لاحظت لتجمعات كبرَى وأخرى صغرى.

حملَت كأسًا من أحد النوادل، شرابهَا دون لون لكنها لم تتذوقه، كان عقلها مشغولاً بالخطوة التالية والتي يجب أن تكون سريعة وإلاّ ستبدو كالغريبة وسط هذه التكتلات.

جالَت بعيناها حتى حطّت على تجمعٍ من البذلات السوداء والرمادية متباينة التصميم، يمكنها تسمية بعض ماركاتها والبعض تعتقد أنهُ صنع خصيصًا لصاحبها، رجالٌ ذوي ملامحَ مسرفة التسامي، كأنما القاعَة أدنى من أن يتواجدوا بها.

هذا الهدفُ صعب البلوغ لو أرادَت التحدثَ إليهم، غير أنه التجمعُ الوحيد دون نسوةٍ فيه وكذا الأقل نفرًا، كانت تحتسبُ فرصها واحتمالاتها في التعرقل بهم أو بدأ محادثة مع أحدهم بينما تتمايلُ في مشيتها، وتتظاهرُ بأنها ضليعة بالمكان حتى بدَى كأنما تملكُ منه الرخامَ في أرضه..

حينما رمقَت نادلتين تسيران نحوهم، عيونٌ زرقاء العدسة وزرقاءٌ المحيط، ذبولٌ في معالم حياتهما غير أنهما كالدمى تتحرّك لتقدمَ خدمة مغصوبة عليها.

وفي تلك اللحظة ظهرَ شبحٌ تدرك ظلهُ كما تدركُ أصابع كفها، انعكسَت صورة لردائه الأسود على المرايا في زوايا الجدران.

الذي لا يرى شرًا: ماهيتو..
كان يودّ الإشارة لها بأمرٍ تحتاجه.

-- أتظهرُ الآن من بين جميعِ المصائب التي سلفَت؟
حسنٌ، ماهيتو..
هيَا، لنرى ما لديك.--

كانت تتفوهُ بين صدى رأسها الذي ينتظرُ صورًا منه، لكنه لم يريها شيئًا بل اختفى من المرايا وظهرَ لبنت ثانية خلفَ أحد النادليتين التي تقدّم للرجلُ كأسًا ولمسَ بيده الخفية أسفل الرداء رأسها.

راقبت لولا في حالة لحظية من التغيّب عن الواقع ما حدثَ تاليًا، اختفاء الذي لا يرى شرًا كأنه عرضٌ بطيء غير أنه تتابعَ بسرعة خاطفة...

الفتاةُ تجمّدت بدل وضع الكأسِ في يد الرجل مَهيب الملامح والزخمِ، وهو بدوره ناظرَها ما جعل زملائه جميعًا ينتبهون لما يُعتبر بالنسبة لهم وقاحَةً، والنادلة الأخرى التي معها توترَت فقدّمت كأسًا آخر بدل صديقتها.

لكن الرجل امتنعَ عن عرضها المثير لشفقتهِ والذي هدفه إنقاذ زميلتها ونفسها من أي عقاب أو تداعياتٍ مهلكة أخرى لهذا الحدَث.

فكرّت لولا بكل احتمالاتِ ما سيحصل بعد هذا، الشتم والإهانة، حتى الإعتداءُ الجسدي نظرًا لضخامة الشأن التي يبدو عليها ذلك الرجل، لكن طبيعة لولا جعلتهَا تفكر كذلك بكلِّ السبل التي ستساعد بها الفتاة حتى ولو عنَى ذلك تهديد الخطة.

غير أنها لم تفكر بسيناريو كالذي يجري الآن، حيث اختطفَ الرجلُ طول الفتاة بعيناه لحظاتٍ ثم رفع يده ولوّح كأنما يصرفها.

كانت حركَة تماثلُ نثر الغبار لكنه أثناء ذلكَ لوى يده حتى صار باطنها للأعلى، باعد بين أصابعه وأشار بسبابته إلى النادلة ثم استدَار مبتعدًا.

ما كان الجميع لينتبه للإشارة، ليس وأنها صادرة من رجل قوي قد عفَا للتو عن محض نادلةٍ أساءت له.

وجدَت لولا نفسها تتبع الفتاة بعد ذلك، لن يظهر الذي لا يرى شرًا فقط للهو والصدف، إنه لاعبُ قدرٍ لا عبثية.

______________________

____

خوَذٌ حالكَة تخفي الوجوه ودراجاتٌ هادرة تتابعَت جريًا خلف شبحِ الليلة، والذي ليس الكرنفال..

فالأضواء ستتحاكمُ فيما بينها وتجذبُ الذباب المغيّب عن ما يحدث خلف الكواليس، هناك في الظلام تُدار العمليات تحت صخب الأغاني والإيقاع..

وفي ذلك الظلام بين الطرق الفرعية والحدود تعدُو دراجات ليوبلاستو 01 و ليوراست 01 التي يقودها إريك ولوديفيكو.

كان الأسمرُ قد أخرج رأسه من خوذته للتو، يحزمُ الجزء العلوي من شعره بمربطٍ ارتخَى بسبب الخوذة، وضع لوديفيكو أصابعه على أذنه وحدّث سوكادور في السماعات بينما يراقب المنطقة التي توقفُ هو ومن معه فيها.

-- آلفا..
أتسمعُني؟ هنا ليوراست 01 من فريق المخالب، تتبعنَا شاحنَة مريبة كانت قد خرجت من مستودعِ ساحة الكرنفال والتي أشار لي دانتيه بالبقاءِ معها.--

من الخط الآخر أجابه سوكادور، كان متوترًا بشأن لولا وڤين ديرما لكنه مسحَ أثر ذاك عن صوته فلا يشعرنَّ به بقية أفراد الفريق.

-- جيّد.
أين أخذكم هذَا الخيط؟--

-- إنها متوقفَة في النقطة 03٫5 من الطريق الوطني 5، آلفا إنّ...--

قاطعه سوكادور: -- منطقَةٌ نائية بحدود مع الغابة.
إن تحرّكت ظل خلفهَا، إن لم تفعل انتظِر..--

-- حتى ؟--

-- حتَى ترى أمرًا مريبا، وأبقيني على اطلاعٍ مباشر.--

-- أمركَ آلفا.--

ما إن صمتَ لوديفيكو حتى وجدَ سوكادور شخصًا آخر على الخط الثاني فرفعه.

--آلفا!
فريق الدروع، بروس..
وجدنَا ثكنة قريبة من الكرنفال، مسافة عشر أمتار، هناك توافدٌ لجامعي تحف بشاحنتين.--

-- أمتأكدٌ أنت؟--

-- نعم، رائحتهُم النتنة وصلتنا جميعًا، أفضّل لو نبدأ قبل أن أختنق سوكا.--

ابتسمَ سوكادور لذلك وقال:

-- وهل يمكنني سوَى تدليلكِ أميرتي.
قدّروا العدد ثم نظفوا المكان سريعًا، قد يحتاجكُم لوديفيكو بعد حين.--

-- عُلم ويتمُّ آلفا.--

نظرَ بروس لزوجٍ من الفتياتِ التي يظهرُ على أجسادهنَّ تدريباتٌ عديدة وتمكّن كبير، ثم أشارَ برأسه لمدرسة الرقصِ التي اتخذهَا جامعوا التحف هؤلاء مركزًا للنقل أو ما شابه، كان فريق صغير معه، حيث ترك عددًا من أفراد الدروع ليتناوبوا على مراقبة مركز المدينة.

ما إن أشار بروس للفتيات حتى لقّمتا أسلحتهن ورفعناها لمرمى البصر، إحدهما حملَت من جيبها منظًارا وهمست لرفيقتها.

-- لنبدأ بيترا.--

والتي تدعوها بيترا تسلّقت الجدار الذي يخفي البقية أنفسهم خلفه، صعَدت ودون أن يلمحها أحد كانت تَثب من سقف لأخر وصولاً لسقف مبنى يمكنهَا من الدخول مباشرة لساحة مدرسة الرقص.

الأخرى استدارت من الخلف، راقبها بروس تستعمل المنظارَ المطوّر لكشف أعدادهم عبر المسح الحراري ثم رفعت يدها من بعيدٍ لهم تشير أربع مراتٍ بخمس أصابع، أي أن هناك عشرين فردًا في الداخل.

استدارت وأخفضَت المنظار، تأكّدت أن بروس يراها جيدًا وهي أيضًا ترمّز بكفوف يديها أن هناك على الأقل ستة جامعي تحفٍ لحمل ونقل هؤلاء العشرين.

هزّ البيتا بروس سبابته مرتين ناحية المدرسة فانطلقَت الفتاة المراقبة لتلحقَ بصديقتها بيترا، ليأمنَا دخولَ الفريق المكوّن من خمسة بينهم بروس.

وجدتها وهي تكادُ تُلمح رغم انبطاحها على سطح المبنى المجاور للمدرسة، لكن يبدو أن لم تحسِب حساب المرَاقَبة التي وضعها جامعي التحف والتي تمثّلت في ثلاث شبانٍ يجوبان الساحة.

كان عليها التصرّف سريعًا وبحذر كما علمهُم بروس وكما عملتا دومًا.

لذا تسلّقت الجدار بمفردها حتى رصدتها بيترا فتردّدت في القفز للحظات كانت كافية لعقلها أن ينتبه للحركة بين ظلمة أشجار الساحة حيث المراقبين.

لكن هذا السيناريو يعني أن زميلتها اِيزادورا أو اِيزي كما ينادونها، والتي تتسلق الجدار الآن، ستسير مباشرةً لقتال حتمي.

هل هي قلقةٌ عليها؟
قطعا لا، ما يقلقهَا هو إمكانية إفساد العملية لا غير لأنها تعلم أن لا شيء أسهلُ على اِيزادورا من القتال في الظلمة.

فما كان من بيترا سوى القفز على الجدار ثم الأسوار وأخيرًا الساحة وانتظار إشارة اِيزادورا.

سمعت أصوات تصادمٌ ثم ضجيجًا مكبوتا لصراخ واستنتجت أن زميلتها قد أسقطت الأول وأخلت الجهة الشرقية للساحة، ثم سمعتها تركض، قدمين بشريتين، وعلمَت أنها لم تتحول وذلك لإبقاء جسدها أصغر حجمًا من أن يُكتشف.

تصادمٌ آخر في الشمال الشرقي وركّزت حتى تبين لها ظلّ جسد اِيزادورا الذي يقضي على ضحيته أسفل وكما توقعت كانت تستخدمُ خنجرًا ومسدسا مكتومَ الفوهة.

لما عادَت حواسها للعمل استشعرت بيترَا اقترابَ الثالث منها، قلبها نبضَ عنيفًا في أذنيها فصمهمَا عن سماعٍ أي شيء سوى أنفاسها وسرعة عقلها في حبكِ خطوتها التالية.

انبطحَت سريعا لما سمعَت خطوات أخرى خلفه، طلقتين من مسدس مكتوم آخر على ما تعتقد أردَت المراقب الثالث أرضًا.

استدارت تنظرُ لجسده، ثقبٌ في صدره وثقبٌ يخرج من رقبته، لكنهما ليسا الحجم النمطي للرصاص بل أكبر وأبشع.

ابتسمَت للظل الطويل المقترب مع بروس والذي كان القناصَ للتو وسلاحه في يده مسدسٌ غليظُ الفوهة مزدوجٌ وقديم الطراز مع تعديلاتٍ شخصية بالطبع، كاختراع كاتمٍ يناسب حجمه ورسمِ ما يود رسمهُ على جانبيه.

همسَت بيترا اسمه -- دِماريس.-- فغمز لها ثمّ جذب مسدسه عاليًا لتشكره.

انحنى بروس لمستواهَا
-- أنتِ بخير؟--

-- أجل بيتا.--

-- لا، لستِ كذلك..
أترتكبين هذه الأخطاءَ في حالتكِ الطبيعية بيترا؟--
مالَ رأسها بما تعلم أنه محقٌ فيه، لم يكن هناك لؤمٌ في وجه بروس بل لائمةُ تشتتها وهي التي يعوِّل دوما على تركيزها في المهام.

-- لا، لا أفعَل بيتا.--

همهمَ لها ثم جالَ بعيناه حتَى وجدَ اِيزادورا، تشير له للأمام.

-- الطريقُ سالك، لندخل.
اقتلُوا من يقاومُكم، احمُوا من يحتاجكم.--

قال بروس وكان يأمر من خلفه وكذا الفريق الذي ينتظره خارجًا عبر السماعات.

سارَ دِماريس قرب بيترا التي وقفَت تتأهب للدخول وتأكد من أن مسدسه يلامس شعرها في حركَة عبثية أضحكتها.

لما صارت وراء ظهره تحدّث وقد بطح صوته حدَّ الأرض حتى لا يُسمع للعدو، فانبثقَ جشًّا..

-- اسحقِي الخطأ بالكمالِ في الداخل،
meu coração.--

وهذا ما فعلته تحديدًا، بل فعلوه جميعًا.

التحقَت بقية الفرقة عبر الطريق الذي مشّطته بيترا واِيزادورا، القاعات في الداخل أصبحت أسهل للعمل عليها وفي مدة أقصر بما أن هناك عدة أفرادٍ الآن.

يمكن لآذان المستذئبين أن تركض أمتار المسافَات التي بينهم وبين فرائسهم، ولأن فرائسهم جامعوا تحف، أكثر الفصائل التي يمقتونها أجمع، تفنّن البيتا بروس ومن معه في صيده.

حتى أن ايزادورا رأت بروس يدعُ جامعة تحفٍ تهرب منه عبر الرواق فقط ليستمتع بتعرقلها في خوفها ثم يلحقهَا حثيثًا، ممزقًا ذراعها..

تاركًا إياها تصتصرخُ وجعًا حتى شبعَ غلّه ثم مزق مصدر ذاك الصوت.

نصيحَة دماريس كانت تنبضُ مع تسارع نبض بيترا، وضجيجه الذي صمّ أذنيها وعينيها عن بشاعَة المناظر التي تخلفها وهي تظفرُ بأكبر قدرٍ من صفوف العدو، ذلك دون خدشِ بعض الضحايا الذين كانوا هناك.

نظرَ بروس لنجاحِ أسلوبه كمعلمٍ ومدرب، كيف أن ذمّه لها المقصود سابقًا جعلها آلة شبه كاملة، بل أفضل أداءٍ للمحاربة التي يعلمُ جيدًا وجودها فيها..

فيهم أجمع.

كان بروس أكثر من مجرّد بيتا، كان معلمًا غريبا وفوضويًا،مغزاهُ عبثيٌ ويضنَى العقل لتحديده، النوع الذي لن ترسل ابنكَ ليدارس لديه أبدا..

لكن إن اتخذتَ الخطوة فقد وحى لك الحظُ بذلك، لكن ابنك لن يكون المحظوظَ في القصة، لأن بروس سيحطمهُ ثم يشكله مجددًا.

لا يمكنُ مطلقًا تجاهل الجانب السادي الذيِ يعانق شخصيته، طريقة لعبه وأكله وحتى كيفية حلقه لذقنه..

وطريقة تدريبه التي يراهَا مثمرةً ، حتى الآن أمام عيناه، كانت الفرقَة تتبع نهجه.

ما عدا دماريس الذي لم يلطّخ يديه بالدماء بعد، كان يلتفّ ويناور كأنما يرقص كبجعة سوداء وسط بحيرة ياقوت أحمر، ثم يسدد بمسدسه ويطلق، واحد، إثنان، ستة سقطوا أثناء تحليقه للغرب، ثمانية أثناء دورانه حول نفسه.

وكانت الحروف على جانبي المسدس تلمعُ واضحة جلية، حتى النظر لها يجعل العدو يضطربُ، ذاك أن الكلمتين تسربَان إدراكًا بالموت.

{Nunca erra}
ما يعنيه دماريس بتلك الكلمتين هو أن مسدسه : لا يحيد عن هدفه ولا يخطئه.

وقد اتخذه اسمًا له لاحقًا.

بعد الصراعِ التداخل والفوضوي، آثار الدماء والأقدام والأتربة على بلاطاتٍ مربعة قديمة تناخرَ الكلس فيها فترك حيزًا للحفر أن تُروى دمًا...

كانت الرائحة أشنعُ من تحمّل المستذئبين، وما كان لهم سببٌ يدفعهم لتحملها سوى نقلُ الأسرى من هناك.

أوامر بروس جائت بعد نهاية المعركة
-- اشغلُوا الشاحنات بما أُحضرَت لأجله،
السائقون ومرافق لكل منهم سيعودون بها للمقر.
دماريس بيترا واِيزي ومن بقيَ سيكمل معي التمشيط.
ابقُوا متأهبين، قد يدعونا لوديفيكو لحفلة لاحقًا.--

ثم رأوه يبتعد ليتصل بالآلفا، يخبرهُ أن الأمر قد تم.

____________________

_______

-- هل يتجنبني الأعداءُ؟
آه، لكنني لا أعض!--

تذمّر إريك و تحسر حتى شابه في ما يفعله أطفال الأغنياء المدللين، كان يتناولُ ما تبقَى من شطيرةَ تاكو تقطرُ صلصلة حارة، ما إن انتحبَ دافعا شفتاه حتى قظمَ شطيرته.

-- إريك، علينا ابلاغُ الآلفا..
ربما يحتاجوننا في مكانٍ آخر.--

كان المتحدّث كاسندرا، لسبب ما دومًا ينتهي بها المطافُ في فريق تحت إمرته.

خزرها إريك ثم نظرَ لما تقصده، كان وفرقته متوقفين لدى مطعمٍ زهيد للوجبات السريعة على طريقٍ لا يعرفه سوى الرّب وعامل البلدية الذي ينظم المنطقة.

-- فيما سيحتاجوننا يا كاس؟
فيما قد يحتاجوننا و نحن لم نحقّق شيئا حتى الآن..--

دراميٌّ في كل خلية بجسده المنحوت عضلاً.

اشرأبّت رقبته طولاً بعد مشهده ذاك وأشار بشطيرته غربًا.

--أقسمُ أنني أستطيع سماعَ بروس و لوديفيكو وحتى آلونزو يخوضونَ عملياتٍ مع العدو الآن بينما نقعد نحن لتناول الطعام.--

-- أنت الوحيد الذي تتناوله الآن.--

محقة ففرقته كانت تعاين الدراجاتِ وتراقب الأرجاء.

-- ربما عليكَ أن تبلغ الآلفا..--

تنهّد و حلقه مكرهٌ على أن البوح برجاحة رأيها حتى فتح عيناه على حركة غريبة في المطعم العشوائي الذي وجده صدفة، رما الشطيرة أو ما تبقى منها وبزقَ يمسحُ لسانه.

راقبته كاسندرا باستغراب غدَت معتادة أن تستشعره في وجوده، و حين ابتسم زادَت الخطوط بين حاجبيها.

-- أو ربما أبلغهُ بعد فاصلٍ قصير.
سيداتي والسادة، لدينا عملٌ طارىء.--

كادت كاسندرا أن لا تصدق ما حدثَ لاحقا، إريك عصفَ جسده داخل المطعم على صراخٍ من الزبائن القلائل والمالك، أبعدهم واتجهِ لباب معدني يقود لغرفة المخزن كان قد رآه عندما طلب التاكو.

عندما دخلوا والبقية قبضوا على الزبائن، وجدَ إريك عمليته، لم يكن هناك مخطوفين أو ضحايا أو حتى جامعي تحف وإلا كان المستذئبين معه ليشموا رائحتهم.

ما كان في غرفة المخزن هو جثث مجمدة وأعضاءٌ محفوظة لما يكادُ يصل العشرات.

ارتعدَ المالك الهزيل بين الذراعين الجبارتين اللتين تتمتع بهما كاسندرا، واجهته قبالةً للعيون المختلفة المرتشقَة في وجه إريك.

-- هل هذا ما أطعمتنا؟--

-- من أنتم؟ هذا..
إنها بضاعة المحل، مخزون الصيف لحمًا!--

ارتفعت خطوطُ وجهه دون أن تتغير عيناه عن سكب الرهاب والرعب، ابتسامَة مختلة..

-- إذا تقول..
هذا، ما أطعمتني؟--

رجّته كاسندرا وأمسكَت ذقنه حتى كادت تكسر رقبتهُ مما تفعله، ثم جعلته ينظرُ مجددا، هذه المرة كانت ابتسامَة إريك أكبر.

-- أخبرنا لمن تعمل..
بضاعة من هذه قبل أن يحولكَ للحم صيف أيضًا..--

كانت تقول أثناء رجه.

-- لا، لا، رجاءًا لا تخبرني مباشرة..
و إلا كيفَ لي أن أستمتعَ بصنع شطيرة أخرى، لقد فتحت شهيتي و أسفي لم أنهي شطيرتي الأولى.--

-- لا! أنت مخطىء!
لا تفعل ذلك بي..
لم أضعَ أي شيء في طعامك، أنت لست أحد الزبائن، صدقني.--

بدى إريك غير مقتنعٍ لكن لاحظَ الارتباك الذي طغى بقية الزبائن حين ما قال.

-- لستَ تفهم، إنكَ لم تطعم ذلك..
لهذا لا تفهم.--

أمسكَ يده بوداعَة ثم كسر جميع أصابعه بحركَة واحدة من رسغه.

صرخَ الرجل حتى غدت خطوط وجهه بيضاءَ كشعره.

-- اجعلني أفهم قبل أن أجعلَك تلتقي حاصد الأرواح في موعد مستعجل.--

-- إنها بضاعَة خاصة !-- بكَى وناح.

-- بضاعة خاصة من شركة خاصة.
أنا مجرّد طاهٍ، حتى المطعم ليس ملكي.--

-- لمن المطعم؟
آهخ، كفاكَ بكاءًا لم نفعل لك شيئًا بعد.--

-- مالكه توفى منذ أشهر.
والمطعمُ تم بيعه من قبل البلدية لسدادِ ديون العائلة.
بيع لرجل أعمال ما، مستثمر!--

-- الإسم جدي.--

-- السيد سبينوزا.--

انتقلت عيون كاسندرا من رأس العجوزِ إلى إريك فرأت أشسعَ ابتساماته.

-- يالحظي..
لم أجد حصادًا الليلة فحسب، بل وجدتُ ما يتفوّق على مهارات دانتيه ويصفعها.--

التفت لفرقته و ما يدعوهم العجوز بالزبائن.

-- إذًا ؟ تستمتعون بلحوم بشرية..--

خرسوا وصوت صراخ الطاهي كل ما يُسمع.

-- إنهم مجرد زبائن.
يدفعون ما عليهم، السيد.. --

-- حقًا؟
وماذا عن السيد هل هو زبونٌ أيضا؟--

-- السيد لا يأتي هنا..--

-- لكنه يُرسل "البضاعة" هذا مؤكد.--

لم يكُن إريك ينظر له حينهَا بل للباب الآخر الذي يفضي خلف المطعم، فكر أن مصدر الجثث سيوصلها هناك بدل الأمامي حيث يمكن رؤيتهم حتى ولو كان المطعم في مكان معزول.

-- يا له من موقعٍ استراتيجي، أشك أن المالك السابق توفيَ لأسباب طبيعية.

هل لديكَ وصولاتٌ جدي؟ أم أنكَ أكثر طيبَة من أن تخوّنَ عاملاً أو زميلا.--

بدى العجوز جاهزًا لإعطائه كل الوصولات و المعلومات، الإجابة عن الأسئلة أصبحت أسرع، بدى متلهفا لرحيلهم وهذا طبيعي..

-- إريك!
هناك شاحنة مركونة في مستودعِ المطعم.--

أخبره الفتى الذي أرسله للمراقبة والتفتيش قبل دخولهم.

رفعَ إريك عيناه المختلفة المريعَة تلك، وحطّها على الزبائن.

-- شكرًا على تعاونكَ جدي، وعلى زبائنكَ أيضًا.--

أشار إريك لمن كانوا يقبضون على أولئك الزبائن ليجروهم خارجًا ريثما يفتش هو والفتى الشاحنَة.

هناك عثرَ على أوراقٍ أخرى وجهازا لعرض المواقع مركّب بالشاحنَة، وبعد عرض الوجهة استطاع معرفة الطريق الذي سلكته الشاحنة إلى هنا والمحطات التي توقفت عندها.

سيكون عليه العودة منها، التوقف حيث فعلوا ثم سيقودهُ آخر الطريق أي مكان انطلاقهم إلى موقعٍ لم يستطيع تحديده..

لكن كاسندرا يسُر عليها ذلك، هذه مدينتها ومناطق مألوفة بالنسبة لها.

-- ذلك المكان يبعدُ تسع أمتار عن طريقِ موكب الكرنفال الاحتفالي.
هنا، إذا سلكتَ هذا الطريق الفرعي ثم مررتَ داخل هذا ستجدُ باحة تصل بينهما..--

كانت تشيرُ لشاشة الجهاز محاولة توضيحَ الطريق الرمادي الباهت الذي لا يظهرُ كاملا فيه، لكن وجه إريك لم يبدُو عليه استيعاب فزفرَت بإجابتها

-- إن سلكت هذَا الممر ستصبح الأمتار التسعة ثلاثًا فقط.
لا بدَّ أن لهم علاقة بالكرنفال ذاته!--

-- حسنٌ، الآن نتصل بحبيبنا.--

حملَ هاتفه وأعاد والاختصارُ واجب كل ما جرى على سوكادور، الذي وافقه في أن عليهم التحقق من كل تلك المحطاتِ والعودة.

-- ماذا عن المحطة الأولى قربَ الكرنفال؟--

-- لا نغامر بتركِ المناطق شرقًا دون رقابة، اكملوا التفتيش في المحطات أما الكرنفال فسأرسل فرقة آلونزو.--

-- أبلغهُ أنني السبب في المرحِ الذي سيحضَى به مع كلِّ حسدي.--

ابتسمَ على ذلك سوكا وأغلق خطّه يعود لكاميرا آليكساندر حينَ اتصلَ به دانتيه.

-- آلفا، وجدنَا ثكنات مريبةً في الضاحية والشوارع الصغرى، لقد أرسلنا فرقة الكريات الأخرى لنكمل التمشيط.--

-- ممتازٌ كما يُتوقّع منك.--

-- شكرا.. آلفا..
إلا أنني..
إنني لا أكادُ أرتاح لمدى ضئالة هذه العمليات، كل تلك السرية والتخطيط والتكتم، لا يمكن أن يكون هذا كل شيء.--

-- سنبقي أعيننا مفتوحة وأنيابنا حادةً،
أكمل العمل دانتيه.--

أغلق الخطَّ وعضَّ أحد الأسلاك التي لامست شفاه ثم أبعده عن وجهه وراقبَ كاميرات الجميع.

ثمّ و من لذاعة المفاجأة ارتجَّ في مقعده و هو يرى فستان لولا الأحمر ثمَّ رأسها وهي تظهر في أحد الأروقة التي يستطيع آليكساندر تصويرها من جهته.

كانت تلحقُ بفتاة ما، خادمة على الأرجح، لكنها لم تركض بل آثرت أن تتوارى عن الشكوك.

لا أثر لڤين ديرما مما يرى الرجلان، و كذلك لولا التي تنظرُ الآن لظهر الفتاة وهي ترتعشُ وتنتفض رغم أن لا أحدَ معها ليسبب لها الهلع.

لحقتها حتى نهاية الرواق حيث حاولت الدخول عبر باب يرجّح أنه للخدم.

-- المعذرَة هل يمكنكِ مساعدتي؟--

استدارت الفتاة وفي الثواني التي بدَت فيها كآلية لم ينفكَّ قلب لولا عن الانكماش والتمزق لمدى الخوفِ والخضوع الذي يجعلُ هذه الفتاة تتحرّك بطريقة كتلك وفي جسد يانعٍ كهذا.

على ظلال ما خلفها، لمحَت لولا جدران عالية ورفوفًا وأدوات، بعض الحركَة لأجساد أيضًا لكنها لم تستطيع تحديدَ أي شيء منها.

--أجل.. طبعًا سيدتي.
سيدتي لا يقدمُ الضيوف إلى هنا، ليس وكأنني أقول أمرًا ، عذرا لذلك..
لكنهم لا يدعون الضيوف إلى هنا، لكن..
كيف أساعدكِ؟ --

وهذا يؤكدُّ ما شعرت به لولا حول الهلع الذي يقبعُ في تجاويف الفتاة.

-- لا يدعون الضيوف يمرون إلى هنا؟
آه يالإحراج المزري!
لقد ضيّعت رفيقتي وأنا أحادثُ أحدهم، هي تحفظُ الاتجاهات هنا في الفيلا أكثرَ مني..
أعني، عندما كنَّا لزيارة العم بيدرو كنت أركّز على الدردشة والمزاح، آه إنه متحدثٌ حيوي كما تعلمين..--

نظرَت لولا للفتاة التي لا تعلمُ شيئا بكل تأكيد والتي سمحت لنفسها بالسؤال أخيرا

-- من.. عذرا سيدتي لكن..
من العم بيدرو؟--

مما لا شك فيه أنّ لولا لم تقابل السيد سبينوزا يومًا، ولم تحادثه أو تتجول في منزله، لكنها تستطيع اختراع ألف قصة ومحادثة خيالية دارت بينهما في ظرف هذه المدة القصيرة، حتى أنها منحته اسمًا وتتظاهر بأنها و رفيقتها يدعوانه به بكل راحةٍ فقط لتبيّن للفتاة أنها مقربة منه.

-- آه دومًا أنسى أن لا أناديه سوى باسمه الرسمي أمامَ العمال والزملاء ، أقصد السيد سبينوزا بالطبع.

على ذكر ذلك، لم أراه منذُ بداية الحفل وعليّ حقًا مقابلته قبل أن أذهب.
هل تعلمين أين هو؟--

خزرت الفتاة حولهَا وبدت أكثر توترًا من ما مضى..

-- لا بأس إن كنتِ مشغولة، سأكملُ البحث عنه ربما أعثرهُ حظًا وأستطيع شرح الأعمال له قبل انقضاء الوقت.--

تظاهرت بالانسحاب حتَى هتفت الفتاة.

-- لا، لا سيدتي ، سأحب جدا مساعدتكِ لكن..
هناك مكان عليّ أن أذهب إليه.--

ارتجافٌ، حركة العيون، انتكاس الرأس، لم تخفى هذه العلامات عن لولا.

حلّت رفيقة الخادمة سابقًا من خلفهما، يبدو أنها أنهت التوزيعَ وجاءت على عجلٍ، وجهها ملطّخٌ برعب حقيقي.

-- لويزا، لا تذهبي رجاءًا..
دعينا نخرجُ فحسب.--

نظرت لويزا، والتي كانت تحادثها لولا لصديقتها ثم للسيدة الغريبة عنهما فخرست الأخرى وفركَت الانفعال بين يديها.

-- سيدتي ، هل يمكنُ لصديقتي أخذكِ؟--

أرادت لولا التدخل، كل خلية بجسدها تدعوها لذلك، لفهم ما يجرِي ومساعدتهما بأي طريقة، لكن لديها مهمة، وعائلة ومئات الأرواح على المحك.

-- بالطبع، هل تعلمُ مكان العم بيد..
أقصد السيد سبينوزا.--

-- نعم، سأقول..
لقد رأيته يتجهُ لمكتبه الشرقي.--

نظرت لويزا لصديقتها وابتسمَت مناصفة، شدّت يدها وحثتها على إيصال لولا ودخلت للقاعة خلفها ملوحة.

-- أراكِ لاحقًا.--

لم يبدو أن صديقتهَا بخير، لا من رد فعلها لذلك التلويح ولا في مشيتها عبر الرواق الطويل والدخول لآخر.

كانت الأضواء ساطعَة والجدرانّ كريمية وكراميلية دافئة والهواءُ الساخن يصطدم بالتكييف المحضّر في جميع الفيلا.

لكن لولا شعرت بضمأ مفاجىء، نبضُ قلبها صاخب حتى أذنيها وعينيها تراقصانه وقعًا.

التفتت الخادمة في زاوية ما أثناء سيرهم وكان للولا بضع خطوات لتلتحق بها، إلا أنها ما إن شارفت ذلك حتى تفاجأت بجسد الفتاة يرمَى أرضا وصرختها تسبقها.

شاهدتها تمسكُ جانب وجهها المتورّم وتنظر للفاعل قبالتها..

الفاعل الذي هرولت لولا ونبضها يستصرخُ بها لتراه، كان رجلينِ ينافسان البنية العضلية لسوكادور وبروس ، طولاً وعرضًا في بذلات رمادية حالكة لا تلمعُ أسفل الضوء.

وجه أحدهما أكثر حنقا من آخر.

-- هل هذهِ الضيفة التي ترافقينها؟
هل تعرفين حتى إن كانت قصتها حقيقية؟
بلهاء، بلهاء وستعاقبين لهذا.

أنتِ!
من سمحَ لك بالمرور عبرَ الطابق الثاني قبل كل شيء؟--

-- السيد سبينوزا..--

قاطعها بعنفٍ ينذر الجدران حولهما بالتأذي.

-- السيد سبينوزا لا يتوقُّ ضيفة خاصة الليلة عدى ضيوف الحفل، لا أحدَ قد دُعيَ للمكتب، ولا أحد سِمحَ له بالتجول خارج الطابق الثاني.--

رفعَ يده أثناء حديثه مشيرًا ، حينها لمحت لولا الخط وسطها..

علامةُ مكتشفي الأنواع.

شعرت بدمائها ترتطمُ بجلدها، الغضبُ المتولد من منظر الخادمة الملقاة أرضًا كأنما ليست ببشر، وصديقتها المرتعبة من مجهول ينتظرها أثناء رحلتها.

والآن، إدراكها أن مكتشف الأنواع هذَا يحادثها بهذا التعالي لأنه يعتقدها بشرية، والبشر هنا لا يمرون للطابق الثاني، مؤكد فافتراقها عن ڤين ديرما كان خطة لتستطيع هي الدخول هناك.

--إنكَ مخطىء سيدي..
لا بد أن هناك سوء فهم.--

-- يمكنكِ الشرح وأنت ترافقيننا إلى الخارج.--
قال الرجل الآخر وأمسك ذراع لولا ليجرهَا خارجا.

عادت عيناه لجسدها عندما لم تتزحزح، فاستطاع رؤيتها وهي تضع يدها على يده وترفعُ عيناها المكحلة بالأسود والدم إليه، ابتسمت..

-- لما نأخذُ خيبتكما ليراها الضيوف؟--

انتزعت يده وأدارتها حتى سمعَت صوتا مُرضيًا يعني تحطم عظمه، صاحَ و عولَ فانقض صاحبه عليها لكن مرفقها قابل أنفه.

انشغاله بالدم الذي انفجرَ من هناك ساعدها لتكسر ساق الآخر وتُركعه أرضا أسفلها، لاعب شعره قبل أن تخترق أظافرها ذقنه ورقبته لتديره فتقصمه.

نظرت للخادمة التي أكلت عيناها وفمها وجهها هلعا.

-- أغلقي عيناكِ.--

نفّذت لكن هذا زاد لولا غضبًا حتى شعرت بماريا تنسكب رويدًا كالعلقم في وعيها..

ردعتها واستدارت للآخر الذي سدّد لكمات قابلها الهواء.

انحنى ليهاجمها من أسفل، أن يخلّ توازنها كما يأمل ويرجو، لكن كيف لك أن تزعزع توازن لاعبة جومباز وأحد متدربات كلوثار إلاغون.

شكّلت قبضة بين تشابك يديها وهبطت بها على نقطة بين كتفيه جعلته يرتخي ويسقط أرضا، رفعت قدمها وذلك الكعب لمعَت سنه..

توقفت لثانية واستدارت تتحقق من الخادمة، كانت مغمضة غافلة.

اخترقَ كعبها أذنه فانبثقت دماءه حوله.

انتزعت ونظفتهُ بقميصه وردّته لقدمها، ثم توجهت للخادمة التي ارتجفت أكثر، أمسكتها من كتفيها ووضعت يديها على عيونها تمرّ بها عبر الجثتين.

-- لا يجدُر بكِ أن تخشي مني..
خاصة أنا.
خاصة نحن.--

آخر جملة فاجأت لولا نفسها، لكنها نستها عندما تحدث الفتاة تهمس لها والباب قد اقترب منهما.

-- أنت لست هنا لمحادثة السيد سبينوزا، صحيح؟--

كانت قد فتحت عيناها.

--إذا كنت تريدين الانسحاب، أخبريني مكان المكتبِ و عودي أدراجكِ.
لا يوجد كاميرات طوال هذا الرواق.--

لم تتردّد الخادمة.

-- عديني أنكِ ستساعديننا بعد ذلك.--

لم تسأل لولا من و كيف فقط أومأت فقادت الخادمة طريقهما إلى الاتجاه الشرقي، هناك وجدتا ردهة زينتها نباتات نادرة إستوائية، تملأ النوافذ جدرانها، رقبت لولا جهة آليكساندر وعاثت بعيناها عله يراها ويفتهم أن الاتصال ضعيف وأنها بخير إلى الآن.

بعد الردهة كانت إشارة المنع من الدخول تزين الجدار والباب أسفله، تدل باغترارٍ أن ما خلفها مهم وخاص، تماما ما تبحثُ عنه لولا.

فتحَت الباب على مصرعِ دزينة من الرجال، جميعهم بالبذلات الرمادية الحالكة وجميعهم يناهزونَ ضحيتيها السابقتين حجمًا.

-- هل أنتِ؟--

سألت الفتاة حائرة.

-- لا، أي كانَ فعمله مبهر..
مبهرٌ ومقلق.--

-- هذا المكتب.--
أشارت لباب خشبيٍّ تجعلُ لولا تهرول إلى هناكَ والحيطُ يستمد بها من السيناريو الذي تخيله عقلها..

فتحت الباب وانحبستُ أنفاسها لوهلة.

كانت ڤين ديرما تثبتُ رجلاً للحائط بينما يجلسُ آخر تقدّم سنهُ خلف مكتب يأكل في كبره كل الانتباه.

كلا الرجلينِ مندهشين ومرتعبين، كلا الرجلينِ لا يفهمان ما يجري.

-- ڤين ديرما؟--

-- لا تنظري إليه!--

لكن الآوان قد فات ولولا والرجل الشاب الذي تثبّته ڤين ديرما قد تلاقت عيونهما..

عيناه المرتعبَة كانت ظليلة والظلال امتزجَت كاللوحات التي دوما تثيرُ في نفسها التساؤل والولعَ بها، الجمال القابعُ في الرؤية والذي يستلذُ سلاسة موجات الضوءِ إن رقصَت مع كائن موجودٌ أو عدمي متخيّل في عقل فنان.

كائن لا يهم جماله أو بشاعته، لا تهمُ حقيقته وزيفه، كل ما يهمُّ ما يجعلها تشعر به..

كائن كآليكساندر الذي تراهُ الآن، مرتعبا يسألها النجدَة من براثن ڤين ديرما الغاشمة الظالمة بعيون مأساوية الوقع، كأنما هو الخروف في لوحة الذبح.

-- ساعديني..--

شعرت بالدُوار لوهلة، الصوت الذي صدر عن حبيبهَا كان لآليكساندر، كلامه وحروفه وغنائه لا يمكنُ أن لا تتعرفهُ حتى ولو باعدهما الزمن والمكان..

ربما لهذا شعرت باختلافِ الذبذبات، موجاتُ الصوت كموجات الضوء في اللوحة التي رُسمت لصبوها أمام عيناها، كان هناك خطأ في الصورة، وكان هناك ضعف في تردّد الصوت.

الضعف صفةٌ لا ترتبطُ بآليكساندر.

{ ماريا.. يا..}

الصوتُ الآخر من داخلها، كان لشيءٍ لم تعرفه من قبل، شيء رأته مرة فقط عندما حاولت ڤين ديرما أن توجهها.

-- ما ترينهُ ليس الحقيقة!--

صاحت ڤين ديرما، لأول مرة تبدُو قلقة في معركة ما، غير متأكدة من موقع قدميها فخشيت لولا أن تسقطا معًا.

-- إنني أرى آليكساندر..
لكنه، هذا ليس..--

-- إنه يمزقُ أصوات الحقيقة.
يتلاعب!--

أغمضت لولا عيناها لترتبطَ الفكرة برأسها، وجّهت نظرها للرجل العجوز تراقبه، وقالت دون رؤيتهما.

-- أفقديه وعيه، استعمِلي أي شيء..
إنني.. سأثق بكِ.--

تجمّدت أوصال ڤين ديرما والرجلُ شعرَ بالكهرباء تصعقه وهو يرى على مقربة ذلك اللون الأخضرَ غير الطبيعي في عيناها.

قبل أن تكسرَ أحد خرزاتها قرب أنفه فيسقط مغشَى على وعيه أرضًا.

-- هذا السيد سبينوزا.--

همَست الخادمة والخوف كاد بها وماد وردّة فعل العجوز لم تخفى على لولا، كان قد قتل الخادمة لو استطاعَ الوصول إليها.

إليه سارت وقيّدت يداه، وضعت رأسه على المكتب فتبعثر كل ما عليه وترنّحت الأشياء بعد بعضها للأسفل.

منظر الخشب الثمين والخزف وتفاصيلُ المكتب التي تعلنُ البذخ، الجلبَة وصوت صريره وسبابهِ البرازيلي الذي لم تفهمه كله جعلها تفكرُ في الحيوات التي استغلها ليصل لهذا.

-- لا تجيدُ تقدير ضيوفكَ سبينوزا، تركتني أبحث عنكَ طيلة الحفل..
ثم حارساكَ لم يحسنا استقبالي، والآن هذا..

أظنُّ -و ظني دومًا صائبٌ- أنه يجدر بنا اختصار الأعمال ونقاشها فيما لدينا من وقت، أقصدُ ما لديك من وقت قبلَ أن أبدأ في حشرِ بطنك بكلّ الأغراض التي تزين بها مكتبك.--

شدهت الخادمة من مجرّد التخيل.

اقتربَت ڤين ديرما تلحظ الحبال التي أخرجتها لولا من حقيبتها، لا بد أن آليكساندر من رما بها.

-- لا أعلم من أنتِ وما تطمعين به، لكنكِ ستندمين..
آه ستندمين أشدّ ندمٍ..
لقد دخلت جحرَ عقارب.--

-- اعتبرني قطة.

سيد سبينوزا، على ما أعتقد، صديقنا النائم هناكَ فرد من الإيكواز، كما تشرفت سابقا بقتلِ حارسيك، مكتشفي الأنواع؟ الضخمين عند الرواق، عرفتهما؟

لما يحتاجُ رجل أعمال بشري لمكتشفي أنواع و إيكوا في فيلته؟

إلا إذا كان يعملُ مع العالم الخفي، وحسبَ ما جمعت، ليس أي عملٍ..

بل هو أسوأها.--

كان صعبا عليه التنفس في تلك الوضعية، لولا لم تكُن لتهتم و لو فطس.

-- هل أنتِ مجنونة؟ ما الذي تتحدثين عنه!--

رفعت رأسه وهشمته ضربًا على المكتب فناح.

-- حسنًا، لننتقل للطرقِ البذيئة..
أعطيني القارورة السوداء في الحقيبة.--

ڤين ديرما التي كانت تراقبُ بصمت، عازمة يديها لصدرها معتمدة على الطرف الآخر للمكتب جذبت حقيبتها ومنحتها ما طلبت، لمعَ السائل وسط الزجاجة..

بيد أمسكت لولا رأسه وبالأخرى فتحت القارورة بأسنانها، تبتسمُ بفمٍ كبير و عيونَ سامة كالسائل بحوزتها.

-- هذه هديَة من سيدِ العالم الخفي.
السيد الذي تعتقدُ أنت وزملائك أنكم استغفلتموه.

هل تودُّ تجربتها الآن؟ مذاقها لاذع بعض الشيء والحفل لا زال في أوجه، قد تفسدُ فمك..
وباقي جسدك. --

لم تحتج لولا لإخافته، مجرد سماعهِ لكلمة سيد العالم الخفي جعله ينعصرُ مرتجفًا، قلبه كادَ يتحدث مكانه بخوفهِ.

-- لا يمكن لهذا..
تكذبين!--

-- عن الهدية أم عن مذاقها؟--

كانت تعلمُ ما يعنيه.

-- عن الإلاغون!--

لم يستطع التحكّم بانفعاله فصرخَ، راقبته لولا مبللا بعرقه من فرطِ الوهل وضربِ البَرقة داخله.

-- آه، عن ذاك تقصد..
هل تعتقدُ أنني كنت لاستخدمَ اسمهُ دون أن أرتاعَ الإدامة على حياتي؟
وهو ما يجدرُ بكَ التفكير فيه، علمًا أنك إن فقدتها ستُساق مباشرة لمكان خاصٍ في الجحيم.--

تأخرَ ثواني عن الحديث فلم تمهلهُ أكثر، وضعت القارورة في فمه وتدفع نصفها بينما تغلق مسالك أنفهِ ليبتلع وتبقيه ثابتًا بمرفقها الذي تخزقه في رقبته.

شعرَ لاحقا بالحريق على شفاهه ولسانه وفي مريئه وكلّ ما لمسه ذلك السائل، حتى عيناه بدأت تدمعُ والسوائل تجمعت في أنفه تجعلُ احتياجه للهواءِ حرجٌ.

-- كيف ستحصلين على ما تريدينهُ إن قتلتني؟!--

-- حسنًا لدينا الجرعة الثانيةُ منه هنا فلا موتَ لك بعد، ستتألم ببطءٍ وعلى رويدك حتى تتحدث.
إن فعلت، أعطيتكَ الترياق.
إن لم تفعَل، أعطيتكَ جرعة الموت.--

يبدو أنه لم يفهَم بعد أن لولا لا تحب الانتظَار، فإذ به يتعطل مجددا عن الكلامِ، لكن العقدة انفكّت من فاهه لما رآها تعيد الكرّة وتكاد تُجهز عليه بالسم.

-- لا، لا سأفعل!
ماذا تريدون؟--

-- عجوزٌ أصم، أخبرتك..
الأعمال.
جميع أعمالك مع جامعي التحف والإيكواز، مواقع التسليم و النقل الليلة، وتقرير تفصيلي حول الخطط والاستراتيجيات.

وطبعًا، كن سريعًا.--

راد أن ينعتها بالخبل، لكنه أحجمَ صونا لرمقه.

-- ستتركينني أذهبُ بالترياق بعد هذا؟--

--إن استفدتُ و تيقنَا بصدقِك.--

بدأَ السيد سبينوزا سلسلة بوحه بعد ذلك، مقرات التسليم التي ذكرهَا أربعة، أحدها الذي أفسده إريك وميكي ودانتيه منذ أيام.

الثاني كان في مدرسَة رقصٍ تبعد بضع كيلومترات عن الكرنفال، هذا الموقع الذي نظّفه بروس وفرقته من الدروع.

الثالث مبنَى مأجور باسم مزيفٍ يتواجد على بعد أمتار من الطريقِ الذي ستمر فيه عربات الكرنفال الاحتفالية، يتواجد في شارع صغير غير معروفٍ ولا مزدحم، وهذا الموقع الذي اكتشف إريك أنه نقطة انطلاق شاحنة توصيل الجثث التي قبضَ عليها صدفة.

-- الرابع؟--

سألته ڤين ديرما لما شعرَت به يصمتُ فجأة، يبتلع ريقه ويحاول أن لا يدع الحريق من السائل السامِ يوقف كلامه كي لا يترجعَ مزيدا منه.

-- لكن عليكما أن..--

-- لا مزيدَ من الوعود يا أميرة!
أجبهَا..--
زجرته لولا عن تعطيلها مزيدًا، كانت تستطيع الشعور بكل ثانية تمرُّ بها وهي لم تنجز المهمة بعد، كل ضحية ربما نقلَت أو تأذت بسبب هذا التأخير، هذا لم يزد قلبها سوَى عنفا وعويلاً، جلدها كان يلسعُ..

-- إنه هنا.--

-- لكنَّ ذلك المكانَ قد اُخترقَ منذ أيام لأنكَ غبي.--

ظنت لولا أنه يتحدثُ عن المخبر الذي وجده إريك طيلة الوقت، لكن يبدو أن هذه الفيلا ليست سوى مركبٍ لعدة أماكن وسخة مأخوذة من مستويات الجحيم نفسه.

--كان أنتم!
آه، حري بي أن أعرف، بالطبع.--

--نعم، نعم، فعلنا ذلك، وهذه المرة الثانية..
لا وقت للتحسّر الآن.
أين المكان؟--

نظر بعيدًا عنها.

-- سأقود الطريق.--

-- الكلبُ يساومني على حياتهِ كأنني لا أستطيع قتله الآن والبحث بمفردي.--

صمت.

-- المخطط، الآن.--

-- ليس هناكَ مخطط!
أنا أتكفلُّ بالمباني، آخذ حصتي من العمليات كالنقل والتوجيه والتخزين، وجامعو التحف يتكفلون بالبقية.--

-- طبعا لستَ العقل المدبّر ، أنت غبي كما سبقَ وتأكدنا..
لا أعني هذا، أسألك عن مخطط الإيكواز مع قطعان المستذئبين.--

عند ذلك كانت الخادمة على وشكِ التعرض لنوبة إثر الوقائع الجنونية التي تراها وتسمعها.

-- لم يُشاركوا معي شيئا..
لا أعلمُ عن ذلك شيئا.--

النبضُ الذي تزايدَ أسفل أناملها من عروق رقبته لم يُسعفه فيما أجاب.

-- كاذبٌ سيء.

هيا، نكاد نصلُ لنجاتك، لا تفسد الأمر الآن.--

تنهّد ولعق شفتاه، طقم الأسنان داخل فمه يكاد يغادرُه ولعابه في كل مكان من ضغطِ لولا عليه.

-- كل ما أعرفه..
أنّ الإيكواز يريدون الإطاحَة بالإلاغونز عبرَ أقوى سلاحٍ لديهم، ألا وهو قطيع الذئابِ التابع لهم.
لقد درسُوا سنينا لمعرفة طريقَة تجنّد المستذئبين لخدمتهم كما يخدمون آلفاهم، كانت خطتهم أخذ السلطة من الميلغاليتيرو آنذاك، غير أن أبناء قابيل سبقوهم في ذلك.

المستذئبين كانوا دومًا الخطة، وليس الهدف.--

النبض والحريق تصاعدَ الآن حتى رأت شراره في محيط نظرها.

-- ما هي الطريقة؟ أخبرني هيا.. تحدّث!--

-- شيءٌ عن ما خلف الحدود، أقسمُ أنني لا أعلم غير هذا..
لم يعلموني أكثرَ، تكتموا لمصالحهم.--

كانت على وشكِ كسر رأسه وهي ترطمه مرارًا على الخشب حتى أوقفتها ڤين ديرما.

-- الوقت.--

نظرت لولا لذلك الأخضرِ الغابي حيثُ الأساطير والألغاز العتيقة، يتحرك في عيناها كأحدها فسكنَ عنها ما كانت به.

اتصلَت بآليكساندر لكنها لم تستطيع الوصول إليه، كرّرت الاتصال بسوكادور لكن الأمر سيان.

-- لا يوجدُ إشارة.
انهض ، ستأخذني لمكان النقل والتخزين هنا.--

-- لكن، الخطة..--
استفسرت ڤين ديرما، فما أخبرها به سوكادور هو أنهما سيجدان رجلا أراها إياه في علبة معدنية (صورة في الهاتف)، ستسأله لولا ثمّ تخدره وتغادران مباشرة.

لا اشتباك وقتال إلا إذا اضطرتا لذلك، لا تغييرَ في الخطة ولا بوحَ بهويتهما.

-- هذه الخطَة البديلة لأن الخطة الأولى لا تسير كما يجب.--

رفعته من ياقة بذلته التي خيّطت بالآلاف دراهما و دمًا، كان يعرجُ ويستنشق كخنزير بري..

نطقت الخادمة أخيرًا، المجهود لفعل ذلك بدى جليا على ملامحها.

-- هل.. رجاءا ساعديني قبل أن تذهبي!--

توقفت لولا مكانهَا وخزرتها، كأن الاستيعاب سرى سمًا في عظامها، كأنما تراها للتو، وتجنبها لتلتقي عيونها بالعجوزِ أنذرها.

-- ما الذي تفعله لهؤلاء أيها القذر ؟--

صمتٌ مجددا.

من جهتها لفّت الخادمة رأسها وجعلتها تنظر لرقبتها، أشارت لمكان يشبه الودمة، أحمر ومتورم.

-- يعلّموننا برقائق، لا نتذكر شيئًا قبل ذلك، و صديقتي..
صديقتي التي كنت تحادثينها، لقد ارتكبت خطئا وذلك الرجل أشار لها..--

على على شفير الانهيار، لقد كان مغريًا جدًا لجسدها أن تسقط الآن وتدع المرأتان القويتان هنا واللتبن تشعرانها -رغم كلّ ما فعلتاه من قتل وتعذيب- بالآمان، لأنهما فعلتا ذلك للأشخاص الذين فعلوا ذلك بها وبالفتيات اللائي تتواجد معهنّ منذ أمرت بالعمل في هذه الفيلا.

-- ستذهبُ لمهجعِ العقوبات.
لا أعلمُ ما سيحل بها بعدها.--

فوعدتها لولا:

-- عندما نصلُ إلى هناك، لن يكون هناك مهجع عقوباتٍ بعد الآن.

هل التقطت أذنيكَ هذا سيد سبينوزا؟--

لم يجبها حيث قطعَ نوبة غضبها صوت تحطّم الزجاج، صادر عن يسارهم..

ردة فعلِ ڤين ديرما السريعَة جعلتها تثب أولا للمصدر، وقد كان ذلك الإيكوا الذي أفقدته وعيه، يهرب عبر النافذة عندما غفل عنه الجميع.

-- لا تلحقيه!
الطريق هناك غير سالك وليس لديك اتصالٌ مع أحد.
لن نخاطرَ بالتفرّق الآن.--

كانت قدمُ ڤين ديرما على النافذة والأخرَى داخل غرفة المكتب، صوت لولا الجلفُ الذي لا جدالَ بعده بدى غريبًا على حواسها..

تلقي الأوامر، تحديد الخُطط، ضمان سلامتها، عمَل الفريق، مساعدةُ ضحايا لم تعرفهم قط.

بدى غريبًا، لكنه ليس مستحدثًا.

لحقتها بعدئذٍ ودون توقفٍ كان السيد سبينوزا يقودهم للمقر المخفي في فيلته، بيد أنّه وبعد انقضاءَ مدة صار نيته في تأخيرهم ظاهرَة أكثر مما يمكن لركضهم المتواصل وإرهاقهم أن يغطيها.

دفعته لولا كما كانت تدفعه طيلة الطريق، غير أنها هذه المرة تأكدت من منحِه ألم ظهرٍ يناسب سنه لما صدمته بأحد الجدران.

-- أتعتقدُ أنني بمستوى عقلكَ السفيه؟
تودُّ تجربة بقية السُّم ؟ أردُّ حق ضيافتك!--

كانت الخادمَة على شفير للجنون قلقًا على صديقتها، من رموشها الكحيلة الفارعة رمقت ڤين ديرما ذلك فيها..

لم تجرّب ڤين ديرما شعورَ الخوف سوى نادرًا، و في كل مرة كان يتركُ طعمه المرَّ بين أسنانها..

ذلك الطعمُ الآن بين أسنانها وهي تخزرُ ضعيفًا خائفًا، ذلك الطعمُ آخر ذكرياتها عن قومها مع الندم..

لهذا كان عليها أن تتصرّف، كيلا تندمَ، كيلا تعاد كرّة في قومٍ لا تعرفهم.

أبعدَت لولا ويدها لها ضغطٌ عظيم، ذاته طبّقته على كتفه والصوتُ ينذر بتحطم عدة عظامٍ دفعة واحدة، ولما بدأ صراخه وسط جزء من المبنى لا يعلمون من قد يأتيه دفعت أكبر خرزتها داخل فمه فكتم صدور صوته.

-- لا تنطقُ سوى كذبًا إذا فلتصمت.
أشر برأسكَ..
لا تفعل، اكذب، و أحطمهُ تاليا.--

ملامح الوجهين الذي للولا و لڤين ديرما كانا مختلفين، الغضبُ الذي يُزهر في الأولى تفجّره وتهوره وروحه دومًا قاتلة، تُنذر أنها ستقتلك أو تدعك فتبقى متمسكا بالأمل.

لكن الثانية لا غضبَ يزهرُ فيها، و لا ينبت في أرض وجهها القاحلة شعور ولا إنذارُ خطر، وهذا هنا هو أكبَر خطر، أن تبقى دون أمل ودون علم بما سيحدثُ لك..

لذا عندما صَارت ڤين ديرما مهددته خضعَت حتى روحه، ربما شيءٌ في عيناها أيضا أخضعه لكن لا وقت لتحليل هذا وهو يشير للطريق مجددًا.

-- لولا هل تسمعينني؟--

تدفّق صوت آليكساندر لأذنها كالموج الذي يلهفُ لليابسة، قلقه واضحٌ حتى عبر المطبّات التي تُثقل تردد الاتصال وتمزقه.

-- أجل! أجل.
نحن بصددِ المهمة لكنني فقدت الاتصَال طيلة الوقت، الهدف معنا..
أتسمعني؟
الهدف معنا و سيبقى معنا لمدة، يوجَد مقر آخر في الفيلا نفسها.
أكرّر، هنا مقرُّ تخزين آخر وأنا سأنهي هذه المهمة كما ينبغي.--

سمعت حشرجَة من الجانب الآخر، الصوت يذهب مع صدى و يعودُ إليها.

-- لا ، علينا أخذُ المعلومات منه فقط ثم تخرجان.
هذه هي الخطة ، هذه هي المهمة..--

-- هناك أرواحٌ على المحك.--

نظرت لولا للخادمَة ثم لڤين ديرما التي تعتقد أنها لا تحتاجُ لسؤالها عن رأيها في هذا أيضًا.

-- الخطة.. لا تخاطرا..--

لم تستطع سماعَه لكنها حرصت على إعطَائه جميع المعلومات التي باحَ بها السيد سبينوزا.

المقراتُ حيث تتوزع في مناطق مختلفة وجزء خطة الإيكواز الذي يعرفهُ وسبب عمله معهم ومع جامعي التحف والعلاقة التي تجمعُ الأطراف الثلاثة.

سمعَها حتى الأخير وطلب منها البقاء في مكانها، كان التوقف خطرٌ عليهم لذا تحركت ببطء تنتظر ردّه.

-- سوكادور يقُول أنه سيرسِل دانتيه وفرقة الكريات إلى هناك، عليكِ الإخلاء حالاً..
سأوافيكما في الحدود الغابية شرقًا.--

يبدو أن الاتصَال هنا أفضل.

-- عُلم.--

أغلقَت الخط وبدل أن تعود أدراجهَا أمرت السيد سبينوزا بإكمال الطريق لهم.

يبدو أن جودة الاتصَال لا تهم ما دام المُستقبل للمعلومة بعناد لولا وشراستهَا في رأيها.

لاحَت أبواب في الأفق أمامهم، والخادمة شهدَت أن هذا مكان لا يقربه الخدمُ ولا يعلمون ما فيه.

ومع اقترابهم من نهاية كانت أصواتٌ مغلفةً بحواجز الجدران والأبواب والمفاتيح تعلُو وبقيَت طبيعتها تحول بينهم وبين معرفتها تلك الجدران الكريمية الخانقة.


-- أتفتحهُ أو نقول افتح يا سمسِم وأقتلك؟ --

تردّد سبينوزا بضع ثوانٍ فلم تنتظره.

-- إذًا افتح يا سمسم.--

نظرَت لڤين ديرما ولم تتأخر المرأة الجلفَة عن تحطيم الباب في ثلاث ضرباتٍ هندسية الشكلِ والحساب.

شاهد من خلفها الباب يرتجفُ كالورق ثم يسقطُ طرفيه متخالفان، وقبل أن ينذر ذلك من خلفه لغدرهُم هرولوا للداخل.

كانت ڤين ديرما قد رأت لولا تنزعُ الخرز من فم سبينوزا والذي كان أشبه لحجرٍ أو معدن ما، وتجبره على ابتلاع بقية السائل الأسود.

-- لم يكُن سمًا بل مخدّرًا.--

وهذا يفسرُ الحريقَ في كل ما لمسَه من جسد سبينوزا ولما كانت تتحامله على الركض تحاملاً.

ارتفعَ الصوت وهما تقطعان مسافةٍ طويلة في زمنٍ قصير، الخادمة خلفهما لا تقلقهمَا لأنهما سينظفان الطريق أمامهم من أي عائق فتظلُّ آمنة.

لكنها صاحَت فجأة لما تعرفت الصوت.

-- هذا صوت لويزا!
إلهِ الرحيم.--

لم يطول الأمرَ حتى عرفت سبب صراخِ صديقتها.

خلفَ الأبواب المغلقة الحفلة فوقهم للطبقةِ البرجاوزية من مجتمع تخلّى عن إنسانيته منذ دهر، كانت فتاة بريئة على وشك التعرّض لأسوأ ما يمكن لبشرٍ التعرض له.

كان هناك رجلين تحديدًا، ولم يحتج أحدٌ لقراءة لغة جسديهما ليعلم ما ينويان فعله بتثبيتهَا وجرّها لوسط القاعة التي بانعكاس ضياء القامر القادم من نوافذ مستطيلة في أعلى جداره الشرقي، يمكن رؤية ما يشبه الزنازن حيث قبعت وجوهٌ مدموغة بالعذاب والرعب والهون.

وجوهٌ كثيرةٌ ومنتشرة من غرب القاعة عظيمَة المساحة إلى شرقها، فوق وتحت بعضها مكدسَة لتشهد الجريمة كإنذار لهنّ بما سيحل بهن لو أخطئن و حتى لو لم يخطئن.

وجوه عديدةٌ وعدتها قتلت أطرافَ لولا، عدتها مئة أو أقل لكنها شعرت بأن الوجوه لملايين من النساء كلها تنظرُ لها..

تراها واقفَة والعجز رفيقها على أن تساعدَ كل هذا القدرِ منهنّ.

وجوه كبيرة ووجوه صغيرة، النساء والفتيات ملئت القاعَة رعبًا برعبهن حتى طُليت الجدران بلون الخوفِ الرمادي وضياء القمر أشبه دموعَ الجزع والحيرة.

وبينما وقفَت لولا أمام ذلك المشهدِ ميتة من كل شعورٍ سوى الغضب ومزيدًا العجز رافق استعيبها لما جرى ويجري هنا..

صاحَت ڤين ديرما كأنما أبواق حربٍ قد اقترعت في حنجرتها من سيطلق أقوى.

تلك الصرخة أدركت الرجلين ومزيدًا منهم في الجانب حيث يحرسون، بل يشهدون ما يقعُ مستمعين بأفعال رفيقيهما، ما يدل على تكرار هذا وأُلفته فيهم.

عصفَ الإدراك بدنَ ڤين ديرما، فأبرقَت عليهما من غضبها الذي لم يكن يظهر عادة، مجلجلة خلال ذلك، كانت قد قتلتهما مباشرَة وحملت الفتاة، لويزا بعيدًا عن البقية وهي مؤمنة بقدرتها على إنهائهم بسؤعة ما إن تلتفت.

-- أنتِ على ما يرام.--

همست لها كتهويدة أمٍ رؤوم، فتمسكت لويزا بذراعها كطفلة رضيعة، دموعها ألهبت نارًا جديدة.

النساء من كل مكانٍ بدأن بالصراخ وضربِ القضبان لتنتبه..

-- جاءَ المزيد منهم!
احذري..
جاء المزيد!--

كانت أصواتهنّ مكسوة بالحزن لكن في طياتهَا قصص قديمة عن الصمودِ والغضب..

استدرات ڤين ديرما تقتل أول من تمسكُه يداها، دفعت رأسه للجانب وأحدثت خطًا دمويا في رقبته، التالي تفننت في تمزيق أطرافهِ والثالث كان ضخمًا فدفعت به لأحد الزنازن لتتمكّن من ضبط حركته، تقييده كان صعبًا لكنها ووقودها النقمةُ منهم قتلته في نفس الدقيقة.

رأت لاحقًا تحرك لولاَ، الفتاة بالفستان الأحمرِ جلبتهم جميعًا لأجلها نظرا لاندفاعها وسطهم كأنها قنبلة..

تدفقَت الدماء على الأرضِ والسناء تقوسَت تشهدُ التالي..

عيون ڤين ديرما انحبسَت على ذلك الجسد، التحرّك في فضائهِ يجعل كل رجالَ الحراسة هناك ينجذبون له كذبابٍ انجذب لنار..

تلك النار تحرقهُم وترميهم ، فتكدّست الجثث في وسط القاعة وتخثّر برك الدماء حولهم.

تصاعدَت أبخرة الحريقِ والدم والموت حتى غلّقَت مساماتها، نظرت بنتَ ثانية لنقطة في محيطهما..

كانت آيثن ثير هناك أيضًا تشاهدُ ما تشهده ڤين ديرما من حدثٍ جلل بالنسبة لها..

لم تدرك السبب حتى ضربت الذئبة العظيمة مخالبها بالأرض مرة و في الثانية وثبت جانب جسد لولا، لم يكُن أحد ليرة ما يجري سوى ڤين ديرما..

لم يكن أحدٌ ليرى أو ينصت لعواء الذئبة العظيمَة خلفَ لولا، تحديدا لشيء تراهُ في جسد لولا ولا أحدَ يفعل ولا حتى ڤين ديرما.

كان ذلك عندمَا رأت عيون لولا يأكلهَا الأسود، يديها ووجهها وقدميها قد غُمرت في الدم وابتسامتها برزت وسط لوحة الرعب التي تُحدثها.

لون الخوف الذي كان يطلي الجدران تحوّل لشيء آخر لما الخادمة استخدمت ذراعًا ما لفتحِ الزنازن أجمع، وعادت تساعد صديقتها لويزا.

النساء كلهن خرجن مقتربين من لولا وڤين ديرما التي وقفت كضريح أو تمثالٍ عريق لآلهة ما أسفل ضوء القمر.

كقديسة يلفّها غموضٌ خفيف ورهبة تملأ الروح إجلالا لها، جعلن أنفسهن خلفها..

وأمامهن مشهد مناقضٌ تماما، مشهد فتاة غارقة في الدم ترقصُ وسط جثث قتلتها هي والقديسة بطريقة ما، ترقص وتقفز فوقهم وتعيد قتلهم مرارا وتكرارا كأنما مسّها الجنون..

أو كأنما بها شيطانٌ متعطّش وجائع أبديتهُ كلها للانتقام، مدفوعًا بشهوة غضبٍ جامحة، وجرحٍ قديم لا ينفك الزمن عن فتقه وإحيائه.

كان المفترض أن يخفنَ هذا الشيطان، أن يبدأن الهرب بعيدًا عن الكائنين أمامهما..

أن ترعبهن مناظر تمزق اللحمُ والجسد وتطاير الدم ورقصُ لولا على مزامرِ الموت، ورائحة الموت، وصورة الموت، وصوتُ الموت وإيقاعه الذي تتبعه راقصة جومباز..

قرعه الذي استدرجَ ماريا للخروج ومشاركتها هذه الرقصة.

أن يخيفهم الصوتُ الذي يسمعنه جيدًا داخل كل واحدة من كياناتهن، لكن لا يفهمن مصدره.

الصوت الذي تسمعهُ لولا أو ماريا بوضوحٍ الآن ولأول مرة، ولعل هذا سبب نوبَة حمى الانتقام الذي غزتهما.

الصوت الذي تعرّفت ڤين ديرما عليه أخيرا لما عوَت آيثن ثير ثم وقفَت في إجلالٍ خلف لولا تلتمسُ قرب صاحبته.

-- ليليث.--


___________________________

______________

كنت أتمنَى أكتب في ظروف أفضل، لما يكون أحد أهم أعضاء الجسد المسلم في صراع مع مرض خبيث، حيث لا يتداعى له سائره لأنه مقيد بحكم جائر.

كنت أتمنى أن لا اضطرّ لكتابة المشهد الأخير وكل ما استذكره هو قصة جديدة لامرأة حامل في غزة، كنت أتمنى استذكر فقط قصص قديمة وجراح قديمة وآلام قديمة لنساء العالم.

لكن يبدو أن أجسادهن كجسد المسلم، ستظل مباحَة لأبطال الإرهاب والغصب.

ادعوا لإخواننا، اعملوا لإخواننا.


____________

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top