«أطلس الذي يحمِل العالم على ظهره.»

أخيرا.

أحيانا يصبح الحمل الذي صنعته باختراع هذا العالم وهؤلاء الشخصيات أكبر من أن أحمله وأحيانا يكون هو سبب استمرار المسير.

التأخر بالتحديثات مزعج لكن حتمي.

شكرا لإنتظاركم💜

_____________________

____

🔛

إنّ عالمنا يتداعى ويتساقطُ للقاع كأنمَا هو محض كسفٍ من السماء.

يمكُن رؤية ذلك في تآكل أخضره غرق أزرقهِ في السواد.

عندمَا تنزل لعنَة الحقباتِ الزمنية، وباء وفيضانٌ ونيران تلتهمُ الجلد الحي…

ذلك حين يعلمُ كل حيًّ باق أن هذا العالم يلفظ أنفاسهُ الأخيرة، مختنقًا بها، واقفًا على حد فيصلٍ يؤلم أقدامه،

ما بين الإستسلام للموت المحتّم أو التمسك بالحياة التي سبقَ و وهبَت له.

الآن و قد شُوّهت…

ترتعش يداه وأقدَامه، ويصبح أقرب للسقُوط في الهاوية التِي ستبتلع هذا المسرحَ الراقص.

" رئة العالم في خطَر! "

"ازدادت تراكيزُ ثنائي أكسيد الكربون والنتروجين وتحاملَت على تهتيك طبقة الأوزون."

"الحرائق منذ آخر عقد لم تنطفىء يومًا، سنشاهد أثرها في كلّ الغلاف الجوي، المائي، والتربة."

"علماء البيئَة يحذرون:
التلوث المستمر والأحداث الأخيرة تجمعّت كقبضتين تخنقان الأرض، حتى غابات الأمازون لَن تستطيع إنعاش جهازها التنفسيِّ أكثر من هذا."

زفَرت لولا وهي تنظُر للتلفاز الضخم الذي علّقه بروس في جدار ردهة استقبال الفندق سابقًا، التي يتجمهرُ فيها القطيع كصالة عائلية ضخمة منذ ذلك.

استمعت لتلكَ الأخبار ريثما ينهِي سوكا حديثه مع المبعوث، و مما ترى عبر الباب، لقائهما لم يحمِل السرور لمحيا صديقها.

ذلك قبل أن تلمحَ بروس يتضاحكُ في الخفاء هناك، ارتابت، ثمّ هدأ توترها وهي ترى انتهاء تلك المقابلة.

-- إذا آلفا..--

قال بروس جانب سوكا بعد مغادرَة المبعوث بردائه الأبيض، بعد الإشارة للأفراد بتسيير خروجه.

-- أضِف كلمة بيتا بروس وستقضِي
الليل تبحث.. --

تراجع بروس عن وجهِه المتمتّع

--عن ماذا؟--

--عن أسنانك.--

فتح بروس تشابكَ ذراعيه مستسلمًا، وتبعه للداخل، هناك حيث تقف لولا بوجهٍ الذي يحلّلهما.

تنهد سوكا من طول يومهِ رغم أنه نامَ أغلبه.

-- آلفا؟  --

--ليس أنتِ أيضًا..--

قهقهَت.

-- بروس يجعلُك تمر بوقتٍ عصيب إذا..--

قابلها بروس من يمين سوكا، هي على يسارهِ يجعلون حضورهم في الردهة الأهم،
مثلث كثيف القوة، حادُّ الحروف.

-- Oi!
أنا الضحيّة في هذه العلاقة.--

دافع بروس عن نفسه ولاعب سبابته جيئة وذهابا بينه وبين سوكا.

-- الواقع أن الجميعُ يجعلونني أمر
بوقتٍ عصيب.--
حدّد سوكا.


-- لا أريدُ أن أكون منهم.--
ابتسَمت لولا و مغزاها يتقنّع غموضًا، جعلته يلتفت لها، ينزلُ سلاح غضبه..

--ما كنتِ و لن تكوني يومًا لـُو..--

تفوه صادقًا،
حملته بعيدًا عن الغرف العلويّة، بعيدا عن رائحة ڤين ديرما، علها تتجنّب استحواذ شيطانه عليه.

بروس توجّه للأعلى بإشارة من عيناها.

و في المطبخ الشاسع جلسَت هي و سوكا على كوبين من القهوة والتي ليست جيدَة له هو المستيقظ توًا من سبات ما.

ولأن أغلبنا يحوّل مشاكله ومؤرقاته إلى مادة كوميديّة ليستطيعَ تمريرها على لسانه وابتلاعهَا، لولا قالت بعد أن شرَح لها سبب حضور المبعوث ارايدا بلغة تفهمها.

-- إذا هذه المرحلَة المسماة "بيروزَا" ستمنعك حتى من المشاركَة في عقاب ميكي و جونغكوك وابراحهما ضربًا؟

اوتش يا رجل هذا قاسٍ.--

أخيرا ضحكَ سوكا..

-- نعم، تمامًا، افترضُ أن هذه أعظم مخاوفي حاليًا.

لكن لا، يمكنني ضربُهما، أهدد مراحل ترسيمي، وإذا حدثَ وثبت أنني لم أتجاوزَ البيروزا وهذا مرجّح في حالة ميكي وجونغكوك، سأنتظر لسنة أخرى أو أكثَر لتتوافق الطاقات.--

-- مغرٍ كفاية بالنسبة لي..--

قالت تضيفُ الكريمة لكلاهما.

أومأ مبتسما يشربُ كوبه، ثمّ ابتعدت عيناه لظلامهمَا حتى كُشفَ سرهما للولا.

-- لا تبدو واثقًا للغاية بقرارك مثلمَا
كنت صباحا؟

أعني، بعيدًا عن مرحلة البيروزا.. --

كانت تقصد رغبته بقتل ڤين ديرما.

نظرَ لها جيدًا، شكل وجهها وعيناها الممتلئَة المتدفقة حيثُ يبدو تصادم أفكارها جليًا من هذين الثقبين.

--إن أردتُ وضع هذا في كلَمٍ..
سأقول لكِ، منذ أخذتُ هذا المنصب لم أفكر سوَى في طريقة جونيور بحلّ العقد التي تطرأ يوما بعد يوم.
و قد كانت كثيرَة لدرجة أنني فقدتُ السبب الذي بدأت به فعل ذلك.

كان جونيور، الآلفا، أكثر حكمَة وفطنة من جونيور الصديق الذي نعرفه جميعًا.

وقد خدمَ قطيعه ومنصبه، لم يستخدمه لذاته، ورأيت أنه وصلَ لما وصله من عظمة بنظر الكل و بنظري لأجل هذه النقطَة.

يمكنني الصعُود وقتلها لكن..
أليسَ هذا استخدامًا لمنصبٍ لم أتزعمه تماما حتى؟

و ها أنا أنظُر لكِ وأفكر بكم أنني لم أعد سوكَا الذي عرفته لكن من ناحيَة تجعلني أصلُ للحقارة وليس العظَمة.--

رفعت حاجبيهَا وسقف أملها.

-- إذًا أنت ستعطي للإصغاءِ فرصة؟--

--نعم،  بالطبع.

لكنني سأقتلهَا بعد مرحلة البيرُوزا.--

--جديًا سوكا لما--

جاسوسٌ صغير قرّر الظهور مقاطعًا، بنطقٍ لاذع..

-- لما حتى تريدُ قتالها، سوكا؟!--
جونغكوك إلاغون ذاك، عين خضراءٌ وأخرى سودَاء، وقف جانب الآلفا بوجهٍ يظهر حيرة وحنقا.

فما كان عليهِ حينها سوى أن يجيبه عن السؤال الذي نقرهُ جونغكوك بخشبِ الجميع منذ الصباح.

_______________

--كيفَ نجوتُم من ذلك الشيء؟--

-- لم نفعل.--

حديثهمَا انتهَى هناك، آليكساندر و ڤين ديرما، عندمَا رأى هيئتهَا الذائبة تعود للإستلقاء قرر تركهَا واستئناف بحثه الخاص. 

كان عليه التفكِير في كل احتمال، وضعُ فرضياته أمامه وخدشُها بانتقاده الذاتي ليكشف داخلهَا عن الصحيحة منها.

قابله دانتيه قبلَ نزوله للطابق الأرضِي، و في رواقٍ يُعجب العين تأثيثه وألوانه الدافئة سأله..

-- أرسلتَ العينة كمَا أخبرتك؟--

--نعم زعيم..
لم يكُن ذلك صعبًا رغم أنك أردته سريا،
هناكَ مستذئبون من قطيعنَا يعملون في شركة توصيل رائدَة كإجراء تضليل للبشر.--

ما يتحدّث عنه دانتيه هو ميلُ المستذئبين للعمل المتقطع هنا وهناك وبصفة دورية لتجنّب الشكوك التي قد تطال تجمعات القطعَان اللامبررة بالنسبة للبشر.

حتى سوكا اعتَاد فعل ذلك قبل أن يصبحَ آلفا، حيثُ عمل حتى كموظف استقبَال وتوجيه في دار الثقافة الوطنية التي مارسَت فيها لولا الجومباز عندما قدمت لألمانيا.

الآلفا والبيتا وبعض الأفراد في القطيع فقط من لا يضطرون لذلك والشكر لمجهودات الأفراد الآخرين.

-- من معرفتي بإنانا و رامونا، لن يستغرقَ الوصول للنتائج وقتًا..

مون مشغولَة لذا أحتاجُ للخروج،
تلك المكتبَة العتيقة التي أخبرتك عنها،
هل وجدت موقعها المحدد؟ --

إن كان سيبدأ بحثهُ عن تلك الحضارَة فسيبدأ من البداية، التاريخ.

--لكن، تحتاجُ إذنا للدخول أيها القائد..

سأحاول تأمينهُ في-

-- لا داعٍ دانتيه..

آزاليس صديقَة قديمة وجيدة لي.--

ابتلعَ دانتيه صدمته،
هذا ليس وقتَ الاستفسار عن كيفية تعارف قائده الأعلى آليكساندر تايهيونغ بالملاك الشيطاني في طبعه و الحارس لخزائن أسرار عالمهم، آزاليس.

وخلفَ ابتسامَة آليكساندر التي تشبهُ سياطًا لاذعا يضربُ عيناك، خلف كتفاه و هيئته ظهرَت ميكي و هي تبدو في أكثَر لحظاتها قلقا..

هذه الفتاة التي لا تُقلقها حتى المخالبُ المترصدة والأنياب القاطعة.

-- آليكس هل عرفت أي شيءٍ منها؟--

قالت تقصد ڤين ديرما.

تركهما دانتيه حينها، راقبه تايهيونغ يذهب ثمّ التفت إليها يحنو على كتفها..

هي رفعت نظرها لهُ كما تفعل دومًا، قوية، صامدة، لكنه من بين القلّة يستطيع أن يرى التصدع والذنب الذي حملتاه.

-- ليس بعد ميكي، لكنني أنوي الفعل.

إلى ذلك الحين، ابقي عينًا على سوكا و عينين على جونغكوك.--

ابتسمَت.

-- لا زلت تئتمنني عليه بعد ما حدَث؟--

-- ولا يمكنُ حتى ائتمان غيرك.

لكن أخبريني،
الملاحقين الذين كانُوا خلفكم،
لأي قطيعٍ ينتمون؟--

تحولّ جسدها إلى التأهب بغتة، خرجَت من وحل القلق حديدا.

-- لم أستطيع أن أعلمَ سوى أنه سيكون
قطيعًا هالكا لما اقترفوه.--

أعجبهُ ردها جدا، و ظهر ذلك في خطّ شفاهه.

--بعد أن نعرفَ السبب ميكي، بالطبع.--

تخطاها نزولاً وظلّه الداكن خلفه، غموضه والخطر الذي قد يحيكه عقلٌ كعقله.

توجه للأسفل و أملُ خروجه السلس تقهقر برؤية لولا تقتنصه جانبِ الرواق بحيثُ لا يسير أحد بطريق البوابة دون أن تراه.

ذراعيها على الكرسي، و قدم على الأخرى، رفعَت عيناها و لم تضعهما عليه بعد، قالت

--آمل أنكَ لا تفكّر بذلك حتى..--

ضحك وتراجعَ خطوة، أخذ وقته بتأمل نحتِ الزمن للولا التي كانت و جعلَها بقوة لولا الكائنة أمامه الآن.

-- الخروج في رحلَة عمل وسطَ هذه الفوضى؟
أعلمُ أنه يمكن الإعتماد عليكِ، القائدَة المثيرة.. للإنبهار.--

التفتت إليه الآن وقد أحدثَت نبرته صدعًا في جديتها.

دنت إليه، خطوة في كلمَة ترنّ ثقة.

-- سوكا الآن في مرحلَة البيروزا، وهذا كفيلٌ بإخماد الفوضى.

ما عنيتهُ، آليكساندر تايهيونغ، هو التسلّل خلف ظهري و الذهاب بينما أنتَ الذي تشوبك الفوضى.--

أشارت بسبابتها فلامست صدره.

أخفض مقلتيه و شدّ يدها لتقترب منه فيهمس لها

--لكن الفوضَى لطالما رافقتني لولا مارغرييت.
ظننتكِ اعتدت ذلك؟--

تنهدت ونظرت بعيدًا.

--ما أخشاهُ هو حدوث نفس نوبة الألم الغريبَة تلك بينما أنت هناك..--

يبدو أنها ستعامله كمريضٍ ما لمدة طويلة.

-- سأتولى الأمر.--

قرصَ خدها قبل لثمه، المهووس بالعض والقَرص.

اختفى جسدهُ وسط السيارة الرمادية في الباحَة، صوت المحرّك صدر مزمجرًا و السماءُ مالت للونٍ راقصٍ بالحياة و الشمس تكاد تغفو في غربها.

العيون السوداءُ المرعبة التي اعتَاد عليها، التي وجدَ فيها جمالاً ومهدا لنهوضه وحربه السابقة اقتربت.

من لغة الجسد المضطربة والقاسية إلى ضرب باب السيارة قبل رمي نفسهَا بجانبه، عرفها..

-- ماريا أنتِ... --

لكن سوادَ عيناها اختفى وسطَ حقول الكستناء، ولولا ابتسَمت.

-- إذا لم استطع منعكَ فسأذهبُ معك.--

--لا أصدق أنكِ تستغلين حضور ماريَا
بهذه الطريقَة.--

أدار المفتاحَ في مكانه يخنق محركه، وجهه أظهرَ حنقه.

-- إن كنتُ أنا وهي واحدا، عن أيّ استغلال تتحدث؟  --

--ليتكِ تفكرين هكذا عندما يتعلق الأمرُ
بحسابي البنكي.--

وضعت حزامهَا و هو استدار بالسيارة ليخرجَ من الباحة.

--لديّ ميراثُ جنرال و مسيرة جيدة في الجومباز، لما قد أفعل؟--

--أنتِ لا حل لك.. --

زفرَ ريح صدره وهي ضحكت.

وقضيا بقية الرحلَة في المناوشة، المغازلة، والتحدث عن مشكلَة سوكادور والفتاة.

كانت مسافَة بعيدة نسبيًا تتوغل طريقهَا بعمق ريو دي جانيرو ثمّ تخرجُ عن هول المدينة والإكتضاض فيقودهما آليكساندر تايهيونغ إلى مكان وحيد حارب الزمنَ والتغيرات متكئًا على عكازه، مغمضًا عيناه عن تداعيات العالم.

هذا المكان يشبه ما يخطُر في بال أي أحد عند سماع كلمات كعتيق، جماليُّ التفاصيل، متهالك.

كانت تحوم حولهُ هالة مرعبة كما تحومُ الغربان على المقابر الميتة، غير أنّ هذا زاده عظمة في عيون لولا التي تراه لأول مرة.

بابه الغريب عندما ترجلا من السيارة جذَبها، كانت له ثلاث أبواب متلاصقة والسؤال الذي خطر لها هو هل تقودُ الأبواب لذات المكان.

-- أتساءلُ..
كم مكانًا كهذا تخفيه عني؟--

ينظران حولهمَا بينما هو يغلق سيارته وبعيدا يمكن الشعور بمن يشاهدهما، الشعور بأنك مراقبٌ هنا صارخ وواضح حتى لولا شعرت بذلك.

لكن دخولها في هذا العالم بالسنوات الأخيرَة علّمها أن هذا طبيعي عند الحلول بمقر ما أو عشيرة مخلوقات تحاول فقط حماية نفسها.

--لن تحبي الإجابَة بقدر ما لن أحبّ تحمل
ثمن إخبار فضولية مثلك.--

قهقهَت وهو يدنو إليها، التفتت إليه، عيونهمَا تحدثت لثوانٍ، لغة ما أسرع من الحروف يقول فيها أنّ كل شيء حولهما في محله ولا داعي للقلق.

ثم يشير للمبنى الغائر أسفل الشجر وسطَ تموجات الأرض الخضراء.

أزهارٌ صغيرة الجسد، بيضاء، لطخته.

وقفَا أمام الأبواب الثلاثة وانتظرته أن يطرق لكنه لم يفعل وحين أرادت سؤاله عن فعله انفتحَ أوسط الأبواب وأعلاها.

ومن الظلال التي لم يستبن بعد ما خلفها ظهرَ شابٌ قصير بشعرٍ مقصوص ببراعة جذبت انتباه لولا..

غرته تتبع خط حاجبيه ثم أذناه ثم منتصف رأسه حيثُ يصبح الشعر أخف في الأسفل.

عيناه بندقية وقد وضعَ كحلاً خفيفا، يمسك بيده علبة مكعبة ومفتاحا غريب التصميم بالأخرى.

جالت تلك العيون عليهما ثمّ تجمهرَت كجيوشِ على لولا، لكن تايهيونغ أبعدَ ذلك التحميص حين نطق.

--أبناء قابيل.
جئنَا بغرض المعرفة، لا غير. --

الشاب وضعَ مفتاحه في العلبَة، حيث رقدت عدة أخرى مرتبة ومختلفة الشكل.

--يأتي الجميعُ للمكاتب من أجل المعرفة.
لما قد أدخلكَ بينما لست صادقًا معي؟--

نظرَ للولا و تايهيونغ انتبه، الشاب لم يصدّق أنها ابنة قابيل وبالطبع عندمَا حرك يده لوضع المفتاح لولا لاحظت الخط الوحيد براحة يده، إنه مكتشفُ أنواع.

لا بدّ أنه لم يستطع التعرف عليهَا وكذبة تايهيونغ لن تنطلي عليه البتة.

ابتسَم مرافقها واقترب خطوَة جعلت الآخر يضيق خناق الباب.

لكن تايهيونغ يدركُ تماما أن ذلك ليس خوفًا منه بقدر ما هو خوفٌ عليهما أيضا.

تهديد هذا المكان يعدّ انتحارا بينما حارسته فيه.

-- أنا قائدُ لعشيرة الإلاغونز، آليكساندر تايهيونغ إلاغون، وهي صبوي ومن ضمن مجموعتي..
صادقٌ تماما معك.--

تعمّد ذكر من يكون والشاب انفكّت عقدة حاجبيه.

--محرّر الجانب الخفي من الميليغاليتيرو والحفيد السابع، إنه لشرف لنا.
لكن هذا المكَان ليس تحت سلطة أحدٍ ولم يكن.--

أومأ تايهيونغ ولولا ظلت تتساءلُ سبب هذا التعقيد بشأن زيارة مكتبة.

--لستُ هنا لبسط سُلطتي، كما قلت، جئت للمعرفة فهلاّ تخبرهم بطلبي.--

فكر لثانيتين ثم أغلقَ الباب بوجهيهمَا.

--هذا وقح..

لنحطّم الباب وندخل.--

قالت لولا، متحمسة، يمكن رؤية ذلكَ على كل جزء من جسدها لكنه مانع، ابتسمَ وتوغّلت يده من خدها إلى شعرها يقربها منه.

يرتديها على جسده ويهمس

--هل تذكرين عندمَا تسللنا لقاعة الجومباز التي كنتِ تدرسين بها؟--

أومئت محتارة سؤاله في هذه اللحظَة حتى رفع رأسها لما خلفها، استدارت وكانَ طريق يحيطُ المكان يرجح أنهما قد يجدا مدخلاً آخر..

--والمراقبون حولنَا؟--

--لقد علمُوا بالفعل من أكون،
وإلا ما كانوا سيسمحون لشخصين دون موعِد أن يتجاوزَا أول عتبة، ولنجعَل هءا سريعا.--

ابتسَمت ووثبت كقطة صغيرة متحمسة، بيده جذبها للخلف وقد هرولاَ حتى وجد تايهيونغ ظالته.

هناكَ على ارتفاع بعض الأقدام في هذا الصرحِ العملاق، نافذة كبيرةٌ مغلقة.

أبعد لولا وتأكد من المسافة بينَ النتوء في الجدران والشجرة القريبة والنافذة.

وكما توقعت حساباتهُ فقد استعمل النتوء ليندفع للأعلى ثم يقفز بالاتجاه المعاكس ليقف على الشجرة ويرفعَ لولا.

-- مسرورٌ أنكِ سعيدة بما نفعله مونتشكين..--

قال عندما رأى الحماس بوجهها القريبِ منه، ثمّ قبله وساعدهَا على التمسك بالأغصان ليعتدلَ راغبا بحملها على ظهره لهدفهما لكنها اوقفته.

--ماذا تفعَل؟
لا، دعني استغلّ سنواتي بالجومباز حُب،
ابتعد للجهة الأخرى..--

ارتفع عن المكان متسلقًا غصنا آخر ووقف مستندا على الجذع العريض يبتسَم ويتأمل حركات جسدهَا البطيئة والحذرة علَى الغصن الأخفض التي أعطتهُ مشاهدة أفضل..

ميل خصرها أعجبهُ قبل أن تستعمل ثقلهَا تثب مرة و يرفعهَا الغصن فتقفز ثانية باتجاهِ النافذة تماما وتتمسّك عارضة الخشبية حولهَا كما تتمسك بالعامود في الجومباز.

رفعَت قدميها لتقف وتعدل قميصهَا فخورة بنفسها.

ومع بعض المساعدَة من تدريبات جين لها وقوتهَا المكتسبة كان منظرهَا يعكس روعة واتقانًا سلبَ ذهن تايهيونغ تماما حتى غمزت له..

--تختارُ الأوقات الخطأ لتنصدمَ بما لديك
آليكساندر تايهيونغ.--

اقتربَ خطوة وعيناه لا تتزحزح من عليها.

--ليسَ هناك وقتٌ خاطىء لتأملكِ..
فلا وقت الكون يكفيكِ و-

قفزَ نحوها وحاصرهَا للزجاج يرسمُ شيئا على رقبتها.

--لا العينُ تشبعكِ.--

صبأت وجهه تجاري لعبته لكنها قالت تدفعهُ للضحك

-- وتختارُ الأوقات الخاطئة لتتصرّف
برومانسية أيضا.--

يده تسللت خلفهَا، نظرت له، لكنّه ادعى البراءة بعد أن كسرَ مقبض النافذة لفتحه.

دلفا للداخل بهدوء، تذكرت من سنوات عندما فعل ذلك أيضًا وأدخلها المبنى الحكومي لتزور قاعة الجومباز ليلاً فقط لأنها رغبت بذلك.

حين اختفى ضباب أثر الشمس الذي يغشَى العيون الواقعة بالظلال، لاحظَت لولا ماهية هذا الصرح.

وإن كان من الخارج ضخمًا مشيدًا كقلاع الحروب الآنفة فهو من الداخل ناسبَ ذلك المنظور وزاده حجمهُ وكثرة أروقته وسكونه ظلامًا.

لكن الحق يقال، ففي الشموع والتماثيل التي تقودهمَا بإشارة أصابعها عبر الرواق الطويل دفء غريبٌ.

أمسك تايهيونغ يدهَا وبدى أنه يأخذ وقته في المسير غير خائفٍ من الإمساك بهما.

نظرت له، وجهه تحت الشموعِ والضياء الشمس الذي انسدَل من زجاج فسيفسائي طرز السقف البعيد طرزا أصبحَ شبيها بتلك التماثيل حولهما..

عريقٌ، فاتن، وشبيه بفنٍ نادر.

وعندما كادت تتذمر من طول الرواق اقترَب منهما ضياءُ نهاية النفق الذي تتخيله دومًا، جاذبٌ ومريح.

غير أنّ الأصوات هناك تبشر بأنهم لن يحصلوا على ما يريدون خلسَة.

لكنه اندفع فحسب وهي تبعتهُ تستغربه، الأرضية تبدل رخامهَا لشكل يحملُ تموجاتٍ تشبه خطوط البرق في سماءٍ ليلية.

والمشهد أمام لولا أصبح أعظم.

الكتب أحاطت المكان كأن لا نهاية لعددها والطرق بين الطابق الذي هي به والذي في الأسفل تشبهُ الشكل الأفعواني للانهائية.

تمسكت بأعمدة الشرفة الأفقية، شعرت بالدوار والتخدر لهول ما تراه، و تايهيونغ قهقهَ مستمتعًا بردة فعلها.

ذلك لم يدم حتى رأى الكيان الذي يراقبهمَا من الجهة الأخرى لطابقهما.

ضيّق عيناه ثم ابتسم، وكان الواقف قد عاد من حيث آتى ولم ينتظروا كثيرًا حتى جاء من جانبهما.

لولا لا زالت تعالجُ كل ما تراه في عقلها حتى فاجأها صوتٌ رزين شجن الوقع حولها..

--هل كنتَ مجبرًا حقا على التسلل؟

بربك، أنتَ تقنيا تعتبرُ المسؤول عن
العالم المخفي.--

--نعم، صديقكِ في الخارج لديه عقدٌ نفسية مع ذوي السلطة الأعلى منه لا بد أنهَا أصابته لسببٍ وجيه..--

وأشار بيداه لها حيث أنها المسؤولة عن هذا المكان وحارسته منذ عقود.

-- آليسكاندر تايهيونغ إلاغون، لا زلتَ سامَّ
النطق والمنطق.--

-- آزاليس حارسة الأسرار العظيمة.
لا زلتِ سيئة في قول مرحبًا.--

بعد صلابة وجهها انقشَع الخطر الذي شعرت به لولا صادرًا عن تسللهما لعرين هذه المرأة حين ابتسَمت مقتربة تصافح من بجانبها.

--وهذه لا عجبَ أن تكون؟--
قالت بعد جذب يدها تضعُ عيناها الظليلة بخطوطٍ سوداء وحاجبين كثيفين على لولا.

دنت لولا تعرّف ذاتها وتؤكد شكها.

--هي بالفعل، لولا مارغرييت دوايت.--

--صبو الحفيدِ السابع الغامضة.
و ذبّاحة الصياد الشره يونغي، لكن لما لم يتعرف كايلو على نوعكِ؟--

صافحتها وأخفضت رأسها بنبرَة مستكشفة غريبة، بدت عيناها كجمرتين تسقطَان في وعي لولا وتحرقان هذا الغموض حولها.

--لقد عزلتِ نفسك مع هذه المكَان آزاليس حتى أن الأخبَار لا تصلكِ..

لولا ابنة هابيل، وأظن هذا سببٌ إضافي يدفعكِ لقبول طلبي؟--

نظرت له كأنه يخبرها بضربٍ من الخيال والجنون، قاست لولا بعيناها و اكتالَت هالتها بعين الخبير خاصتها..

سوداء تلألئت كشموع المكان ومن شموع المكان كانَ الوهج.

-- لم أعتقد أنني قد أعيشُ اليوم الذي
أقابلك فيه..

اتبعاني، بهدوء، أنتمَا في أكثر المكاتب قدسية.--

قالت ومشت تتركهما خلفهَا، نظرت لولا له مندهشَة فوجدته أكثر منها، صديقتهُ لا تتحدث بهذه الطريقة وخاصة ليس مع الغرباء.

تبعاها لأنهما لن يتحملاَ شقاء الضياع في هذا المكان، نزلا لطابق أخفض مما كانا فيه ليصلا بإرشاد من ظهر آزاليس لقاعة تبدو للإستقبال.

غير أنه توسطها مكتبٌ مليء بأدواتٍ غريبة، أوراق قديمة مهترئة، وعبوات صغيرة متوهجة وداكنة مربوطة بأقلام متموجة الشكل، ملونة، حصى وأحجارٌ ذات أصل مختلف...

كان المكتب أقرب لطاولة ملكيّة مع عدد كبير من الكراسي.

جذب انتباه لولا الخناجِز التي تبدو مصنوعة من الزجاج ودبابيسٌ عليها علامة رمزية تشبهُ الأجنحة المعقوفة.

ذلك حين ارتفعَ أمام عيناها نفس الرمزِ مرسوم على أحد الأبواب الكثيرة هنا، لكنه كان الأكثر بروزًا من بينها وتكاد تقسُم أن الرمز قد لمع للحظة.

-- عندما أخبرني كايلو أنكَ القادم،
حسبت أنك أحدُ الإيكواز تستخدم قدرتكَ في التقليد لإختراق المكان.--

قالت آزاليس بينما تشير لهما أن يتخذا مقعدين بجانبها.

-- الإيكواز؟ --
تساءلت لولا وبصعُوبة أبعدت عيناها عن ما حملته الطاولة، كان آليكساندر أيضًا يراقب كل شيء حوله وهي لاحظت ذلك.

--مخلوقاتٌ مزعجة كان يمكن أن تكُون مفيدة جدا لنفسها ولمجتمعها لولا أنهم طوروا الخُبث والحيلة مع تطور قدرتهم عبر الأجيال.

يمكنهُم التشبه بأي شخص يرونهُ جيدا عن طريقِ التلاعبِ بالرسائل العصبية للعين التي تراهم.

وكلما كان إيكوا قويًا زادت قدرته ثباتا وإتقانا.--

شرح تايهيونغ لها.

--ألا يستطيعُ مكتشفوا الأنواع التعرف
عليهم رغمَ ذلك؟--

--يمكنهم، لكنّهم تعلموا التعاون مع مشعوذين لمنع حدوث ذلك بعدة تعاويذَ مدروسة.--

أجابت آزاليس هذه المرة ولولا رفعت نظرها لها.

-- يا لها من ميزة.. مقلقة.
لم أسمَع بهذا من قبل.--


--نعم، أنتِ و جيلين من حراسِ المكتبة الأقوياء الذين تمت إبادتهُم بسبب هذا التحالف.--

--لماذا؟--
شعرَت لولا بثقل يجثو على صدرهَا، هل قتل كلّ هؤلاء لأجل الدخول للمكتبة؟
للكتب؟

ما الذي يوجَد بها ويستحق هكذا ثمنٍ؟

-- لنفسِ سبب مجيئنا لولا..--

وضعَ يدهُ غامرة الروح على يدها ثم نظرَ لآزاليس ساكنة الملامحِ حتى بعد ذكرهَا لتلك المذابح.

--آليكساندر، أنتَ لا تتوقع مني فعلاً
منحكَ هكذا إذنٍ دون السبب المنصوص عليهِ في القوانين والشروط المتفق على توفّرها في طالب هذا الإذن.--

توقّع أكثر من هذا منها لكن لولا التي لا تعرِف طبيعة الأمور هنا شعرت بالتوتر لما قيل.

-- هذا.. مبالغٌ به.
فهذا الذي تقولينهُ لا يتناسب مع كونِ آليكساندر قد دمّر الميليغاليتيرو وحرر الجزء الخفي من العالم،

إنه ومنذ سنواتٍ يحاول إرجاع توازنٍ لم يكن هو السبب بإخلاله وتصويب قواعدٍ لم يكن السبب في سنّها.

بعد اندثَار المسيطرين وأخذه هذه المسؤولية على عاتقِه لا أظن أن القوانين والشروط التي تحدثتِ عنها تنطبق عليه.--

إن امعنتَ النظر فالمتحدثَة ليس بها من ماريا شيءٌ البتة..
بل لولا فحسب، لولا الحقيقية.

ابتسَامة صغيرة جرحت خد تايهيونغ الأيسَر حيث أسدل رأسه يعالجُ ما جعلته يشعر في تلك الكلمات من قبلها..

--وكلّ هذا كان بفضل وجودِ لولا.

وكما كانَ ذلك يكون هذا آزاليس،
وجود لولا أحدُ الشروط،
ألستُ محقا؟--

خزرته لولا محتارة لم تتخلّص من خطوط جبينها المعقودة حتى عقَد تايهيونغ شباك أفكارها.

--ماذا تعنيه؟--

--ابنُ هابيلٍ كان جالب الكتاب الذي
قدمتُ لطلبه، وابنُ هابيل شرطٌ لفتحه.--

قال كلماته ببطءٍ موتّر يرفع يد لولا في الأخيرِ مستمتعًا بملامح آزاليس المستسلمة لهذه النقطة.

--إن كانَ ابن هابيل شرطٌ لفتح هذا الكتاب..
فهو.. إذن..--

--لم يُفتح منذ تولى الميليغاليتيرو الحُكم.
عقودٌ قد ولت..
لا بد أنّ آزاليس متحمسة لفتحهِ بقدري تمامًا.--

أجاب تايهيونغ لولا وآزاليس تنهدت تُبعد الخنجر الزجاجي أمامهَا عن أحد الأوراق.

ترفعهَا ثم تنظر لهما.

-- لولا مارغريت إلاغون،
صبو القائد آليكساندر من أبناء قابيل.--

--دوايت.--

رفرفَت رموش تايهيونغ تعبًا من إصرار لولا ذاك، لكنه صمت بينما تكمل آزاليس.

-- هل لديكِ خطٌ يقطعُ يدك؟--

سألتها بينما تقرأ ولولا تعجبت معرفتها ببعض صفات أبناء هابيل، رفعت يدها ذات الخط المستقيم بوجهها فأومأت صاحبة الهالة المنمقة والصوت المهيب.

--هل تحملين أي صفاتٍ أو علامات استبصارية أو طاقوية تتعرّف على ما يمكن أن يحصُل أو ما حصل بالفعل؟--

تايهيونغ لم يسمع بهذا من قبل، أن لأبناء هابيل قدرات استبصارية من هذا النوع وقد ظنّ دومًا أن ما يحصل للولا هو بسبب
"الذي لا يرى شرا فحسب" وما يريها إياه.

حسنًا هذا ما يحدثُ في المكتبات، أن تعرفَ أكثر...

--بالتفكير بالأمر...--

تلعثمَ المقصد في فاه لولا والتفتت لآليسكاندر الذي حثها على عرضِ فكرتها..

--أرى أحلامًا وتنبؤات بـ..
بالمحفّز المناسب.--

لم تخبرها عن الذي لا يرى شرًا لأنها تخشَى الظنون والشكوك حوله.

كونه أحد برقيات الميليغاليتيرو سابقًا، لن يصدق أحد أن ولائه غدى لها الآن.

أومأت آزاليس بتفهم، هذا البندُ لا يحمل تفاصيلا محددة وأي علامة عليه تعد مقبولة لتعرف أنها حقًا ابنة هابيل.

-- هل أنتِ مستعدة تماما لرفع حِمل
معرفة الكتاب الذي تطلبين فتحه على ظهركِ ودفع ثمن ذلك ؟--

طمئنها صبوهَا عالمًا وجاهزا تماما لحمله معها كما كان وعدهمَا..

(نسير بالألم معًا، نحملهُ على ظهرنا،
عبر الندوب والضيَاع.)

--طبعًا.--

أغرقَت آزاليس الورقة في الفوضى التي تعم الطاولَة حتى اختفت وفاهَت ماكرة الناب.

-- ها أنتَ ذا، استوفيتَ أحد الشروط..

تبقى السبب.--

حينهَا رفع تايهيونغ كمّ قميصه عن ذراعه وجعلها تراه.

عروق سوداءٌ نابضة كأنها حبر يحترقُ على غبار زجاجٍ قديم.

-- ما هذا آليكساندر؟--

وجهها كان يعكسُ صدمتها بحلول مثل هذا على قائد قوي مثله وقلقهَا من ماهيته لأنها وكما قالت لاحقًا..

--لم أرى كهذَا قط!--

--لهذا أنا هنا آزاليس.

ومصدر هذا الشيءِ هو أكثر ما يقلقنا،
قد يكون الخطرُ مهددًا للجميع.--

أبقت عيناها على البقعة من ذراعِه ثم رفعَت رأسها للطاولة.

--و هو قريبٌ من هنا.--
قالت لولا تحذّر آزاليس.

--ما هدفه؟--

سألت وهما نظرا لبعضهما قبل أن يجيبها تايهيونغ.

--لا يمكننا حتى إجابتكِ..
لهذا نريدُ فهم ما يكون، علنا في طريقِ ذلك نجد إجابة.--

كانت تمسحُ إبهامها على أصابعها كما تدور الفكرَة في رأسها.

-- حدّد طلبكَ يا ابن قابيل، لنتمكن من إتمام الشرط الأخير..

قبول الحارسة. --

عيناها ازدادت سوادًا على سواد، هو أخذَ نفسًا ووضع يده على الطاولة يرفع صدره.

-- مذكراتُ إيكاروس المفقودة.--

_____________________

أصابعُ الليل طالَت حتى تقفَ الجبال شاهدة على الإبتلاع البطيء للشمس، رويدًا خلف ظهرها والمشهد يأخذ لونًا محمرا في شاشة السماء.

و أسفلها وقفَ سوكا كأحد الجبال شاهدًا على يوم آخر يمرّ عليه بينما هو معلق في الوسط.

لا يدري و لم يدري يومًا، هل هذا ما هو عليه أم أنه مجرد خطأ؟

الآلفا، كلمة ثقيلةُ الوقع حتى أن أقدامه تتزعزع لهذه الكتلة.

و كأنه أطلس الذي يحمل العالمَ على كتفيه، كان على سوكا حمل هذا اللقب و كل ما يعنيه دون أن يعلمَ يوما إن كانَ المنشود لذلك.

و الآن أيضًا..

هذا اللقب و ما يعنيه يحرمُ ذئبه حريته و رغبته.

تلك الفتاة تثيرُ كل غرائزَ القتل فيه، و الكيان الذي يعيش فيه هو مخلوق محتمٌ بالرغبة المطلقة والإندفاعَ نحو الحرية.

أن تخبره أنه ممنوعٌ من أمر ما كأن يضع أغلالاً من حديد على كل عضله و تتركه ليتعفن.

و لهذا الآلفا عظماء، رغم أن غرائزهم هي الأقوى واندفاعهُم يكادُ يكون من المستحيل ترويضه لكن يحتم عليهم ذلك للحدّ الأقصى الذي يصلونه له.

فتحَ زرا مم قميصه، عيناه على السماء، ساكنة.

أكملَ البقية يشعر أن أصابعه تحترقُ بعيدا مع آخر شرارات الشمس.

رماه خلفَ جسده الذي بدأ يتحول لحمًا وهيكلا إلى ذئبه، شعره الذي طالَ غطا رأسه فيما ينخفضُ صدره ويعلو صوت أنفاسه ظهرَ باقي شعر الذئب وذيله الكثيف.

ثمّ كسر كل ما يستطيع كسرهُ من تلك الأغلال حوله بالإنطلاقة المندفعة، و رما ما يمكن لأطلس أن يرميه من العالمَ الذي يحملهُ على ظهره بالركض وسطَ الأشجار الكثيفة.

قرّر أن يسابق حلول الظلمة في السماءَ، دون توقف، دون هوادة، حتى بلغَت مخالبه حدود المنطقة المحرمة..

لم يقترب أكثر مما يجب.

لهثَ الذئبُ حريق رئتيه وعجزه وتعطشه للدم.

عندما استعاد أنفاسه بدأَ بحثهُ عن دليله، يشمّ المكان حوله عله يجدُ خيطًا لملاحقي شقيقته ومن كانوا سببَ المصيبة التي تركهَا تتنفس في ملكيته.

لم يصل بنوا جنسه لهذا البُعد من قبل و عادوا ليحكوا عن ما رأوه، لذا، هو لا يعلمُ الطبيعة هنا أو أنّ التربة تحمل رائحة كبريت نفّاذة تعبثُ بحاسة شمه الحساسة.

لكنه واصلَ الإحاطة بالمكان الهادىء، التمسّك بأمل إيجادِ شيء ما يلهيه عن أفكار القتل وشعور العجز حتى تمضي مرحلة البيروزا.

إلى أن يجد الفاعل والطريقَة المثالية للإنتقام منه.

و هذه نقطة فاصلَة في شخصيته متعددة الأبعاد، على قدر الرحمَة التي به فهو منتقمٌ يكرّس نفسه لإنتقامه بنفس القدر.

و على مشارفِ المكان وجدَ رائحة متلاشية مألوفة، تبتعدُ رويدا مع النسيم لكنها علقَت فجأة بأنفه ثم أفلت.

صار كالهائج يبحثُ عن اتجاهها، فوق الحجر وثب، أسفل الشجر، لكنه لم يلمس مسافته الآمنة بعيدا عن الحدود قط.

ثم وجد المزيد، وأثناء هرولته المتقطعة لاحظَ أنه يتبع مسار نهر الأمازون العظيم، يتلألأ ضيائه صعودًا مع رذاذ الهواء وقبلاتٍ مبللة من المناخ الإستوائي.

ولم يتوقف الذئبُ حتى أصبحَ الشاطىء على يمينه بكيلوميترات فاصلة تبعد الحدود عن البشر بما يقارب مساحة مدينة أخرى.

هنا توقف وقد أصبح شعوره بالكيانات القريبَة مختلطا، احتاج التنفس والتركيز ليستطيعَ عقله استيعاب قدرته هذه.

وحيثمَا بدى له الخطرُ تقدم، مسرعًا، تكاد أقدام الذئب تلامس وجهه كلما ارتطمت.

كان هناك هيئة من رجلين أقوياء البنية يسيران أسفل ذقنه تماما والرائحة تحمل نفس الشذى، راقب توغلهما في الغاب وتتبعت عيناهُ غفلتهم حتى وصلت أقصاها..

وحين أراد الإنقضاض تذكّر مرحلة البيروزا المقيتة، أخفض رأسه وحفر الأرض التي يقف عليها غضبًا ومقتا.

لكن ذلك منح عقلهُ طريقة ليزيل العقبات ويتذكر.

هذه المنطقَة ليست لقطيع معيّن لكن هناك أماكن منتشرة هنا يتم عقدُ تجمعات فيها تعود لعدة مناسبات وأسباب.

أسباب هو نفسه يطمحُ لإعدامها، لذا، إلى أن يتأكد أي التجمعات قرر فعلَ ذلك بأخته ورميها في هذه المكيدة التي قد تؤدي لقتلها، هو سينتظر اللحظة متمسكا بحظه.

عاد أدراجه، تاركًا المعركة لغد لا يتقيد بهِ وفيه، القمر ارتفعَ الآن لكن جسده لا يبدو أنه يتعب.

وصلَ الحديقة، أخذ قميصه ليرتديه لكنه لُسِعَ برائحة تجعل عضلاتهُ تتصلب.

رفعَ عيناه للقابعَة على سطح فندقه، وبدل أن يزمجر، ينقض، يلعن، يقتل، أي فعلٍ كان يفعله منذ رآها، هو بهتَ لما تفعله هي.

كانت تقفُ على ساق واحدة، ذراعيها القوية تتراقص على طريقة بطيئة وساقها الأخرى مثنية لفخذها المعاكس.

شعرها أخذته رياحٌ غربية فذهب شرقًا ليظهر وجهها لعيناه.

وقد كانت تُصدر صوتًا وحيدا، تنادي في الفراغ ليعود صداه الحاد.

ثم تثني ذراعيها وتعقدُ كفيها لقلبها.

اقترب خطوة يقرر هل يصعدُ لذبح طقوسها الغريبة أم يبقى ليراقب هذا الجنون حين فاجأته باستدارة طفيفة، يداها التي كانت قريبة من قلبها نزلت على صدرها وبطنها ببطء تزامنا مع ساقها.

ناظرها مشدوهًا، ليس بحركات ملامستها لجسدها ولكن لأنّ شعرها حتى بعد أن غيرت وضعيتها ظلّ مرتفعا ولم ينسدل إلى أن انتبهت لوجوده، وقد بدى له الأمر مجرد وهم.

-- ما أنتِ فاعلة يا مشعوذة؟--

-- ابحثُ عن ذئبٍ مشرد. --

أغلب الظنّ أنها قصدت ضائع، لكنه لم يستصغ نبرة التهكم التي تهيمنُ على صوتها وذلك لأنه محارب أولاً و آلفا ثانيا.

--المشرد بيننا هو أنتِ، أنا دومًا أعرف
طريق العودة.--

وبدل أن يسأل كيف تستطيع إيجادهُ بطقوسها تلك، تغلب عليهِ الترفّع عنها وكرهه لها.

ابتسمت وسارَت بسلاسة على السطح حتى جلست على طرفه.

ڤين ديرما حتى سيرها يثير الهيبة والإثارة لمشهدها ومشاهدها.

-- سوكادور دو ثيراس
أنتَ بعيدٌ جدا أيضا.
أين أنت؟--

بدت في تلك اللحظة عالمة بكل شيء، حتى بذاته، وهذا التعري الذي شعر به أمامها لم يعجبه البتة.

لكنه لا يعلم أنّه لم يشعر بجزءٍ صغير حتى مما جعلت ميكي وجونغكوك يشعران به.

--بالنسبة لأين أنتِ الآن،
أنا بالقمة.--

دوره ليبتسم ويقترب منها، رغم أنها تعلوه جالسة بالقمة.

نظرت له أسفلها وانخفضت أكثر، ثم أكثر حتى جعلت ساقيها تتشبثان بالسطح وتدلت هي تناهزه.

سوكا كان يحاول أن لا يبدي إعجابا بمرونة عدوته، وهي لم تكُن حتى تحاول إبهار أحد.

قلائدها وقطعٌ من لباسها نزلت بينما هي تحرّكت يمنة ويسرة قبل توازنها في المنتصفِ كالناقوس..

  ركزت ثقل عيناها داكنة الخضرة به.

--تتكلمون كثيرًا هنا..--

وهكذا، أشعرتهُ بتحديها له، مجددا، فما تركت له خيارا سوى أن قبض عنقها، جذب جسدها منه ومنحها ما تريد..

لأنها ما إن لمست الأرض حتى رفعت ذاتها ليتسنى لها ركله، مبتسمَة.

هو قد حفظ هذه الحركة فيها، كمحارب، لديه استراتيجية وحنكة بالقتالات القريبة.

أمسكها أيضًا وأخفض رأسه يدفع جبينه لجبينها مكشّرا.

--ما الذي تريدينه حقًا؟
الموت؟--

خنقهَا، أحرقها، راقب يداها خشيَة أن تفتح أحد قلائدها مجددا بوجهه الغاضب لكنها لم تفعل.

-- هذا ما تجلبهُ، ذئب..--

أخرجت من أنفاسها وما قالته لاحقًا علق بالهواء لأن ميكي التي استنشقت رائحة أخيها قدمت لتجدهما بتلك الحالة فصاحت به

--سوكا توقف!
ستفسدُ طقوسك، أرجوك أخي..--

تلقائيا تخاذلت يداه، ابتسم واستدار لأخته، وضع أصابعه القاتلة بجيب والأخرى رفع بها ما اضطرب من شعره..

-- كنتُ أساعدها على النزول من السطح ميكي،
لما الجلبة؟--

وببساطة سار مبتعدًا عنهما للداخل..

بركت ڤين ديرما أرضًا، ليس ارهاقًا بل رغبة وتراجع ظهرها مستندا لذراعيها.

--عليكِ الكفُّ عن استفزازه فبمجرد أن تنتهي مرحلة البيروزا لن يتمكن أحد من ثنيه عن كسر جذعكِ الفاتن ذاك، حتى أنا.--

وغادرتها ميكي أيضًا كما تحدثت،جلفة.

ابتسمَت ڤين ديرما وارتمت تستلقي أرضا، أخرجت أطول زفير ممكن و تمتمت

-- أين أنت؟

آيثن ثير.. --

_____________________

______

في ناس طلبت مني أنقص غموض..
نعتذر منكم.

_

آزاليس مش آزاليس من شريد جوف تمثاله اوك؟
فهمنا؟

حتى النمط مختلف ذي INTJ وهي مخلوق تكتشفوه بعدين. :-)

المكتبة نفس فايبز مقبرة الكتب في ظل الريح وهذا لم يكن مخطط له البتة صدقوني.

"مذكرات إيكاروس المفقودة"
كانت موجودة في كتابي لي حذفته-حديثي ودميان- عبارة عن سلسلة خواطر غريبة وكانت عندي عدة خطط لها.
لي يتذكروها رح ينصدموا بنص البارت لول.

و لي يعرف يحلل رح يكتشف بالبارت الجاي ليش دخلتها وبهذه الطريقة بالذات.

___

لغة ڤين ديرما قيد الإنجاز والتدقيق، ظهر منها فقط أربع كلمات (ڤين، ديرما، آيثن، ثير.)

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top