CH3
اهلااااا مفاجأة نهاية العام رغم التفاعل اللي يجلط أتمنى أخر مرة أتكلم على التفاعل😠
اتمنى تفاجأ بكومنتاتكم
10 فوت+ 60 كومنت
استمتعوااااا
.
♡♡♡♡♡
.
.
"نحن نُخلق من الآلام، ولكننا لا نغرق فيها."
B.Baekhyun
.
.
في عمق الليل، حيث كان البحر يلف اليخت بين ذراعيه كحلم غارق في بحور من الظلال، كانت هي مستلقية بجواره، عيناها معلقتان بتلك النافذة الصغيرة التي تطل على سماء مظلمة، تراقبها كأنها تشاهد أسرابًا من الظلال تتمايل برشاقة في صمتٍ ثقيل. كان الظلام ينساب إلى الغرفة بخفة، كما لو أنه يلتهم كل شيء حولها بنهمٍ صامت، يتركها عارية، محاصرةً في عاصفة من الرياح التي تهب داخل قلبها، تسحب كل شعور بالأمان.
الضوء الخافت الذي ينبعث من المصابيح القريبة كان ضعيفًا، كشمعة تهتز في مهب الريح، يحاول مقاومة العاصفة التي تعصف بالزوايا المظلمة من نفسها. كانت تشعر أن كوابيسها تتسلل إلى أعماقها كقطعٍ من الزجاج المكسور، تشق الروح وتترك في مكانها ندوبًا يصعب لملمتها. عيناها تتنقلان بين ذلك السكون الحالك الذي يملأ الأفق، وجسدها الغارق في قلقٍ يشبه البحر الهائج. نبض قلبها كان يدق في أذنيها كساعة قديمة تحسب كل ثانية وكأنها دهر كامل.
التفتت إلى جانبها، حيث كان جسده مستلقيًا بجوارها، مرهقًا وكأن الساعات التي أمضاها في السهر والعناية بها قد سرقت منه ما تبقى له من قوة. شعورٌ من القلق اجتاح قلبها، وتلك الومضة من الخوف التي كانت تحاصرها كانت وكأنها شمس تغرق في الأفق، تغمرها بطيف من الحزن. كيف يرهق نفسه لأجلها بهذه الطريقة؟ كيف يتحمل كل هذا العبء الثقيل من أجلها؟ لكنها لم تجرؤ على إيقاظه، لأنها تعلم أن راحته كانت الأمل الأخير الذي يضيء عتمة ليلها، وأنه، في هذا الظلام، كان آخر ملاذٍ يمكنها اللجوء إليه.
لكن فجأة، شعرت بحركته. فتح عينيه ببطء، كأنما شيء خفي، كلمسة من الحلم أو همسة من الأمل، اجتذب انتباهه في هذا الليل الهادئ. استدار نحوها، عينيه نصف مغمضتين، ونظراته تغمرها كما لو كان يقرأ بين خطوط وجهها ما لم تجرؤ على قوله. كان ينظر إليها بعينين مشبعتين بالقلق، كأنما يعلم أن هناك ما يعكر صفوها، لكنه لا يستطيع أن يلمسه بعد. همس بصوتٍ منخفض، لكنه كان يحمل إصرارًا خفيًا، وكأن صوته هو العهد بأن كل شيء سيكون على ما يرام.
"ما الأمر؟!"
ابتلعت ريقها بصعوبة، وكانت نظراته تلاحقها وكأنها خيوط من الضوء يتناثر على وجهها، يحاول أن يكشف عزلةً لم تُصرح بها شفتيها. أشارت بيدها المرتجفة إلى النافذة الصغيرة، كأن الظلام الذي يملأ الكون هو الذي يكشف هشاشتها، لكنه لا يستطيع أن يلامسها كما يفعل الليل. "الظلام..." همست، وكأن الكلمة نفسها كانت تختصر كل ما يختلج في صدرها، خوفٌ متسرب يتغلغل في كل زاوية من قلبها.
فهم ما لم تُصرح به شفتيها. بلمسة هادئة، مد يده إلى جهاز التحكم، وفي لحظة، تحولت زجاجة النافذة إلى لون أبيض ناعم، كأن شمسًا دافئة تشرق في قلب الليل، لتطفئ نيران الظلام التي كانت تلتهم مشاعرها. نظر إليها مرة أخرى، وأراد أن يطمئنها، لكنه فوجئ بها تتحرك نحوه، كالعصفورة التي تبحث عن مأوى من العاصفة. اندفعت إليه في لحظة ضعف غير متوقعة، كما يغرق الطائر الجريح في عشه الآمن. دفنت وجهها في صدره، وأنفاسها تتناغم مع نبضات قلبه التي بدأت تهدأ شيئًا فشيئًا، وكأنها تشرب الأمان كما تشرب الأرض الماء بعد الجفاف.
شعر بها كما لو أن كل همسات الليل قد ذابت بين ذراعيه. كانت تلك اللحظة ملاذها، حيث لا مكان للظلام ولا للكوابيس، فقط نبضه الذي يطمئن قلبها. همس بصوتٍ هادئ، محاطًا باليقين: "أنا هنا، ولن أدع شيئًا يمسّكِ. لا ظلام، لا كوابيس، فقط أنا وأنتِ."
كان صوته كالنسيم الدافئ الذي يحمل عبير الأمان، وكأن كلماتها تهدأ بين يديه، تطمئنها كما لو كان يحارب العالم بأسره ليمنحها تلك اللحظة من السكينة. ضمت أصابعها إلى قميصه، كأنها تتمسك به كما تتمسك السفينة بحبل النجاة في عاصفة هوجاء، وتمنت لو أن الزمن يتوقف، وتظل هذه اللحظة، هذا الأمان، هو عالمها الوحيد.
.
.
بينما جلست على الطاولة، كان جسدها يغرق في سكونٍ زائف، لكن قلبها كان يتحارب مع طوفانٍ داخليٍّ لا يُرى، كأن هناك عواصف هوجاء تُمزقها من الداخل، لكنها كانت تحاول بشراسة أن تخفي تلك الرياح العاتية التي تعصف بروحها خلف قناعٍ من صمتٍ قاسٍ. رفعت كوب القهوة إلى شفتيها ببطء، كما لو كانت تحاول تهدئة أعماقها الهائجة، لكنها لم تكن تذوقه، بل كانت تراقب سطحه، وكأنها تبحث عن سرٍّ غريبٍ عميقٍ بين انعكاسات البخار، تحاول أن تلتقط شيئًا ما هرب منها منذ زمن بعيد.
ثم جاءت كلماته كهمساتٍ في الريح، تحمل بين طياتها ريبةً، كسماءٍ مظلمة تخفي خلفها عواصف لا نهاية لها: "سأخرج قليلاً." في صوته كان هناك شيءٌ خفيٌ، كأن الحروف نفسها كانت تنزف سرًا لم يُكشف بعد، كأنما كان يتسلل منه صدى حديثٍ لا يُقال، سرٌّ محبوس في القفص المظلم للروح.
أومأت برأسها، لكن تلك الحركة كانت مجرد تمثيلٍ آخر لرفضٍ داخلي، ثم تابع تفكيرها يسير في دروبٍ مظلمة، يبحث عن إجابةٍ في تلك الكلمات التي كانت تطوف حولها مثل سرابٍ بعيد. لم تفعل شيئًا سوى انتظار الصوت الذي يأتي بعد غيابه. حتى عندما سمعته يغلق الباب وراءه، ارتفع نبضها كجريانٍ مفاجئٍ لجدولٍ كان مغلقًا لزمن طويل. نهضت بخفةٍ، قدماها تلامسان الأرض كما لو كانت على شاطئٍ هشٍّ، تخشى أن تنكسر في أي لحظةٍ.
لحقت به حتى صعد إلى سطح اليخت، حيث كان البحر يمتد أمامه كمرآةٍ كبيرةٍ تعكس محيطه المظلم. كان يقف على حافة الوجود، مستندًا إلى السور المعدني وكأن جسده هو آخر ما بقي ثابتًا في عالمٍ يغرق في الفوضى. يده ممسكةٌ بالهاتف الذي كان كخنجرٍ غارقٍ في قلبه، كأن الصوت القادم من تلك الشاشة كان قادرًا على تمزيقه إلى أجزاءٍ متفرقة. كان يقف في صمتٍ مرعب، يواجه نفسه، كما لو كان يقف في مواجهة قسوة الحياة نفسها.
تسللت بخفةٍ إلى حيث كان، قدماها تلامسان سطح اليخت وكأنها تخشى أن تصدر عنهم أية ضجة، تتسلل إلى ظله وتراقب جسده الذي بدا صامدًا كجبلٍ في مواجهة عاصفةٍ تتناثر حوله. وقفت على بُعد خطواتٍ منه، تتردد في الاقتراب أو الهروب، ثم تسربت إلى أذنيها كلماته، التي كانت كريحٍ عاتيةٍ تقتلع الأشجار: "سيدي الجنرال بي كي يتصل بصفة شخصيا يا له من حدث جلل!" بهزأة أشعلت فتيل حفيظة من يترقب كلماته من الطرف الاخر وقبل أن يجيب بحرف هرع بالحديث " أسلمها على جثتي!" منهي المكالمة ببسمة متعالية لرائحة عطرها الذي يحتضنه هذه اللحظات كما تحتضن الأمواج الشاطئ.
تسارعت أنفاسها، قلبها كان ينبض كأمواجٍ عنيفةٍ تضرب صخورًا قديمة. كانت أصابعها ترتجف وهي تمسك بحافة السور، وكأن الكلمات نفسها كانت تتناثر أمامها كقذائفٍ متفجرة، تشتعل فيها روحه. كان في صوته تحدٍ مكتوم، كعاصفةٍ بدأت تتجمع في أفقٍ بعيد، مستعدةً للانفجار.
اقتربت منه خطوةً أخرى، دون أن تدرك ذلك، لكن الأرض تحت قدميها أصدرت خشخشةً طفيفة، وكأنها تعلن عن لحظةٍ حاسمةٍ في كل شيء. استدار ببطء، وعيناه كانتا كبحرٍ من نارٍ يلتقي بموجٍ من ثلج، تحطمها وتغرقها دون رحمة. لم يكن في عينيه شيء من المفاجأة، بل كانت النظرة تُلقي عليها كما لو أنها كانت موجودةً في كل زاويةٍ من الزمان والمكان.
"أليس الفضول من قتل القطة، ميمي؟" قالها بصوتٍ هادئٍ، لكنه كان يحمل في طياته يقينًا لا يمكن إنكاره. تقدّم نحوها بخطواتٍ متأنية، لكنه كان يقترب منها كما تقترب العاصفة من الشاطئ، ببطءٍ، لكن بعزمٍ لا يُقهر. عينيه كانت تفتش في أعماقها، وتقرأ كل ما في قلبها دون أن تتكلم، كأنه كان قد حفظها عن ظهر قلبٍ.
"اسمعيني جيدًا..." همسها بصوتٍ رقيقٍ، لكن كلماته كانت تئنّ تحت ثقلها، كما لو كانت كل كلمةٍ منها صخرةً تتحطم في عروقها: "ثقِ بي لن يحدث ما لا تطيقنه. هذه حربي أنا وحدي." واضعا سبابته فوق شفتيها اللواتي نطقن بصمت اعتراض جليل.
ثم، وكأن الكلمات قد تحولت إلى قوةٍ مغناطيسيةٍ، جذبها إليه، وكأنما كان يحاول أن يسحبها إلى عالمه الخاص، حيث لا مكان للألم. كان حضنه كالقلعة التي لا تقتحمها رياح العالم كله. دفن وجهه في شعرها، وابتلعته همسات الهواء حولهما بينما كان صوتُه يخرج من أعماق روحه: "أنتِ الحقيقة الوحيدة في عالمي الزائف. لن أسمح لهم بأن يلمسوكِ، ولن أدعهم يحطمونكِ. أعلم أنهم يرونكِ بجنونهم، لكنني أراكِ كما أنتِ... عنقاءٌ لا تنكسر، ونورٌ لا ينطفئ. أنتِ نور عمتي ومرساة روحي. أعدك لن يحدث شيء."
شد ذراعيه حولها، وكأنها كانت النجمة الوحيدة التي يمكنه أن يمسك بها في عتمة الفضاء اللامتناهي. همس كأنه يقطع عهداً مع الزمان:
"سأكون سيفكِ حين تحتاجين القتال، ودرعكِ حين تعصف بك الرياح. سأحارب لأجلكِ حتى النهاية. فقط، آمني بي كما آمنتُ أنا بكِ."
كانت تلك اللحظة أكثر من مجرد عناق، كانت وعدًا صلبًا، مثل الحديد، مُنقوشًا في عمق الفضاء، عهدًا لن ينساه الزمان، كما لو أن الزمن نفسه قد تحدى أن يعكر صفو تلك اللحظة.
أخبرها بضرورة العودة إلى اليابسة، فقد بدأ البحر يعوي من بعيد، كأن الجحيم نفسه قد انفجر بين أمواجه. العاصفة كانت تقترب، وكأنها تذرف دموعها على الأفق البعيد، وكان البحر يرتجف من الغضب. لكن في تلك اللحظة، كان هو كالحارس الأمين أمام الزمن والمصير، يراها كلحظة ضوء ضائعة بين أذرع الظلام، وكان لا بد له أن يُعيدها إلى بر الأمان قبل أن يبتلعها البحر.
حملها بين ذراعيه بحذرٍ وحبٍ عميق، وكأنها قطعة من قلبه المكسور، يخشى أن تنفلت من بين يديه. كان السلم الخشبي الذي يربط بين ميناء يخته الصغير والجرف بالأعلى بمثابة جسرٍ من الأمل، يهتدي عليه قلبه نحو منزله، في قلبه عاصفة توازي تلك التي تهاجم البحر. كانت خطواته ثقيلة، لكنه كان يخطو بثقة، وكأن كل خطوة تنبض بحياة جديدة، وكل نبضة قلب تأخذها إلى الأمان.
الريح كانت تعوي حولهم، تهز كل شيءٍ في طريقها، ولكن بين ذراعيه، كانت هي جزيرة السلام التي تحيا وسط العاصفة. كانت نظراتها متشبثة به، كأنها تلتمس فيه الحلم الذي لا ينتهي. وأمامه، كان منزله ينفتح كوعاءٍ من الأمان، كأنه ينتظر أن يُلقى فيه ما يختزن قلبه من خوف وقلق.
حين وصل بها إلى الجرف حيث داخل أسوار منزله ، لم يضعها على الأرض، كأنما اعتادها في حضنه. كان قلبه يتنفس في تلك اللحظة، يترك كل شيء خلفه كما يترك البحر ظلاله على الرمال. وحين نظر إليها، وجد عينيها تلاحق ظلال حجرته الصغيرة المتطرفة قليلا عن منزله وكأنها معلقة بين السماء والبخر خلفها بتصميم يذهل العقول. بابتسامة خفية أخذى خطواته صوبها.
عندما دخلا الحجرة، كان الصمت يلف المكان كغطاءٍ ثقيل يكتنفه، وكأن الزمان قد توقف هنا، فكل شيء كان غارقًا في سكونٍ رهيب. لم يكن يخرق هذا السكون سوى همسات خطواتهم الخفيفة التي كانت تتسلل في الهواء كما لو كانت قطرات ماء تتناثر على سطح ساكن، تذوب في فضاء لا متناهٍ. كل زاوية في الحجرة كانت مشبعة بالظلال، وكأنها كانت تبتلع الضوء، مخفية كل شيء تحت عباءة من الجلال الخفي. كان الهواء مثقلًا برائحة الخشب الطازج، تنساب بين الزوايا ببطءٍ، كهمساتٍ قديمةٍ تحمل معها حكايا لم تُروَ بعد، فتنتشر في الأرجاء كعبيرٍ شتوي ثقيل، لا يعكر صفوه سوى صوت أداة النحت التي كانت تقطع في الخشب، فتردد أصداء هذا العمل كأغنيةٍ حزينة في مساحات الحجرة الخالية.
كانت الحجرة أكثر من مجرد فضاء، كانت مملكةً سحرية تختبئ خلف جدرانٍ متواضعة، حيث تصير الجمادات حيةً، تنبض بروحٍ خفية تسري في المكان كأنها أنفاسُ الكون ذاته. في تلك الحجرة، كان الخشب يتنفس، ينحني بين يديه كأنما يعي سرَّ لمساتها التي تُعيد تشكيله. كانت يداه لغتين صامتتين، تتحاوران مع المادة الميتة، فتحيلانها إلى كيانٍ حيٍّ ينبض بالمعنى والجمال. الضوء الذي كان ينساب عبر النوافذ العتيقة لم يكن مجرد شعاع، بل راقصٌ خجول، يتردد في أن يفضح ما تخبئه الظلال من أسرار، مكتفيًا بأن يكون شاهداً على سحر اللحظة.
وسط هذا العالم الذي ينبض بالهدوء، وضعها على المقعد الخشبي، المقعد الذي بدا وكأنه صُنِع لاحتواء الأرواح المتعبة، وليس الأجساد. لكن عينيها بقيتا معلقتين بالمنحوتة على الرف البعيد، منحوتة لامرأة تحمل كمانًا، مجمدةً في لحظة عزفٍ أبدية، كأنها نوتة موسيقية تعانق الأبدية، لا تُسمع ولكن تُحَس. كانت يدها ترتجف وهي تقترب من التمثال، وكأنما خشيت أن يذوب الخشب تحت أصابعها، وكأن كل قطعة تحمل في أليافها صدى ذكرى قديمة، شبحًا من ماضٍ لم يزل ينبض في قلبها.
وفجأة، انفتحت بوابة ذاكرتها كعاصفةٍ باردة اجتاحت دفء اللحظة. تذكرت البلورة الزجاجية التي تحطمت ذات مساءٍ بعيد، حينما اختلط الحلم بالواقع، وسقطت أحلامها كما تسقط أوراق الأشجار حين تعصف بها الرياح. كانت البلورة شاهدةً على لحظةٍ من الألم، ألم يكمن في عمقها كندبة لا تزول، كصوت الريح في ليلٍ خالٍ من النجوم. شعرت بالبرد يتسلل إليها، ليس برد المكان، بل برد الذكرى التي سكنت في عظامها، برد الماضي الذي يأبى أن يغادر.
ولكن صوته اخترق هذا السكون، كان كصوت الرياح الأولى قبل المطر، ناعماً ودافئاً. اقترب منها، كما تقترب الغيوم من قمم الجبال، وهمس:
"كانت مجرد بلورة، لكنها لم تكن قادرة على احتواءها. هنا.... هذه النسخة هي التي أردتها دائما. حرة، لا تسجنها الجدران الزجاجية."
رفعت عينيها إليه، وكانت نظراتها تمزج بين الأسى والامتنان. أرادت أن تقول شيئاً، أن تُفسر، أن تُبرر، لكن الكلمات تجمدت على شفتيها، كأنها تخشى أن تخرج وتبدد هالة اللحظة. عينيه كانتا تقولان لها شيئاً أبعد من الكلمات، شيئاً يشبه الفجر الذي يعلن مجيئه دون حاجةٍ للضجيج.
"أمي..." قالها بصوتٍ كاد يتهشم تحت وطأة الحنين. "لم تكن لتغضب منك. كانت ستقول إن الأشياء الثمينة لا تُكسر، بل تُحرر."
كانت كلماته أشبه بموسيقى صامتة تملأ فراغها الداخلي، تزيل عنها طبقاتٍ من الألم كانت متراكمة كالجليد. شعرت وكأنها تستعيد أنفاسها للمرة الأولى منذ زمن طويل. وضعت التمثال برفقٍ، ثم التفتت إليه، وأرادت أن تقول شيئاً، لكن يده كانت أسرع. أمسك يدها، وكأنما يثبت لها أنها ليست بحاجة للحديث، وكأن العالم بأسره يختزل في تلك اللحظة.
"أنتِ هنا... وهذا وحده يكفيني."
وفي تلك اللحظة، لم تعد الحجرة مجرد مكان، بل صارت محراباً للأرواح، ملاذاً يتنفس فيه الزمن، ويتداخل فيه الماضي مع الحاضر، لتُولد حرية جديدة، حرية لم تُنحت على الخشب فقط، بل على قلبها أيضاً.
بين صمت الحجرة وهمسات الخشب، بدا الوقت كأنه هارب من سطوة الزمن، يختبئ خلف ستارٍ من الهدوء المقدس، يتأمل اللحظة كما يتأمل شاعرٌ كلماته الأولى، خائفًا أن يزعج وهجها الخفيّ. امتدت يداه نحو رفٍّ عالٍ، تتحركان كمن ينقب في طين الماضي عن جوهرةٍ دفنتها العواصف، وكأنهما تستدعيان ذاكرةً خالدة تسكن عتمة النسيان. وحين أخرج الكمان، بدا وكأنه أخرج قطعة من روحٍ قديمة، متشبثة بحياةٍ لم تفارقها تمامًا، تنتظر أن يُبعث نبضها من جديد.
الكمان، بسطحه اللامع، كان أشبه بقمرٍ خشبي يروي حكايات ليلٍ طويل، حكاياتٍ عاشها في أحضان أشجارٍ شاخت تحت سماءٍ صامتة. خشبه كان كأنه جلدُ الزمن نفسه، مطرزًا بندوبٍ واهنة هي بقايا حكاياتٍ لا ينساها إلا من لا يعرف سرّ الخشب. أما حوافه، فقد كانت كأنها أطراف أطلسٍ غامض، رسمت عليه الطرق التي سلكها صوته في رحلته بين الأرواح.
حين وقع بصرها عليه، اتسعت عيناها كما يتسع الأفق لاستقبال شمسٍ لم تتوقعها. ومع ذلك، لم تكن الدهشة سوى قناعٍ شفافٍ يخفي خلفه صدمةً تسللت إلى قلبها كنسمةٍ باردة في ليلٍ شتوي. هذا الكمان لم يكن مجرد أداة عزف؛ كان ذاكرةً حية، نبعًا من الحنين الغارق في صمتٍ طويل. لقد كان ملكًا لوالدته، قطعةً من روحها سكنت في هذا الخشب، تنتظر بصبرٍ أن يُستعاد صوتها يومًا ما.
كل خطٍ محفورٍ على سطح الكمان، كل انعطافةٍ في قوسه، كان كأنه وشمٌ أبدته يدُ الزمن، حرفًا من قصيدةٍ لم يُكتب لها أن تكتمل. بدا الكمان كأنما يزفر أسرارًا لا تُرى، أسرارًا لا تُسمع بالأذن بل تُحس بالقلب، تنساب ببطءٍ عبر صمت المكان، وتحيل الهواء إلى نسيجٍ خفي من المشاعر التي لا تُترجم إلى كلمات.
في صمت الحجرة، حيث السكون يتراكم كأمواج بحرٍ تغفو على شاطئ مهجور، امتدت يداه نحو الكمان كمن يستدعي طيفًا بعيدًا من أعماق الذكرى. كان الكمان أكثر من خشبٍ وأوتار، كان قلبًا نابضًا يحمل بين أليافه حكايات الماضي العتيق، وشاهدًا على لحظات عابرة تجمدت داخل تجاويفه. خشبه الداكن لمع كأنّه شفقٌ يحتضر، بينما النقوش على سطحه بدت كأحرفٍ من قصيدة لم تُكتب قط، نسجتها الأيام ثم خبأتها في صمتها.
حين بدأ يعزف، انسابت النغمات كأنها أنفاس الأرض الأولى، تحمل في طياتها أصداء حكاياتٍ منسية وحزنًا عتيقًا يهمس للروح. كان العزف شفيفًا كنسيمٍ يلامس وجه الماء، لكنه عميقٌ كأنّه ينزف من جرحٍ لا يلتئم. كل نغمة كانت تغادر الكمان كقطرة مطرٍ تتساقط على صفحة بحيرة ساكنة، ترسم دوائر تتسع بلا انتهاء، وكأنها تستعيد صدى اللحظات التي أُخفيت، والأماني التي انهارت تحت وطأة الواقع.
أما هي، فقد شعرت وكأن اللحن ينساب إلى أعماقها كأشعة فجرٍ تتسلل بخجل عبر عباءة الليل المظلم، تُوقظ ما دفنته الأيام في أعماق قلبها، وتفتح نوافذ كانت مغلقة بأحكام الزمن. كانت النغمات تتسلل إليها كعناقٍ خفي، يلامسها برقةٍ ويهمس في أذنها بكلماتٍ لا تُقال، بينما تفتح أبوابًا كان خوفها من مواجهتها قد حبسها وراء جدرانٍ من صمت. شعرت بالحنين يتراقص داخلها كرياحٍ تسحب معها أوراق الذكريات القديمة، يلامس روحها كما يلامس الغيم قمة جبلٍ منعزل، ويزرع في قلبها مشاعر كانت قد ناضلت لتدفنها، لتجد نفسها فجأة حيةً من جديد.
لكن مع تصاعد اللحن في الأجواء الهادئة، استشعرت شيئًا غريبًا في عينيه، حزنًا خفيًا يتسلل عبر بريقهما الصامت، كأصداء بعيدة لقصيدة قديمة ينسجها الليل في هدوء، حزنٌ كانت تفاصيله مختبئة في زوايا أعماقه، كما تخبئ الصحارى أسرارها تحت الرمال المتحركة. كان هناك ثقلٌ في قلبه، كأن عبئًا قديمًا قد تراكم مع الزمن، يضغط على روحه كما يضغط القمر على البحر في مدٍّ عميق. وكل نظرة من عينيه كانت تشع بعوالم من الظلال التي ترفض أن تلامسها الكلمات، كأنها أشجار قديمة تُخبئ ذاكرة الأزمان بين أوراقها المتساقطة.
لم تكن بحاجةٍ إلى تفسير لتقرأ ذلك الحزن في عينيه، فقد كان كل طرفة عين قصيدة يذوب فيها الألم، كقطرة ماء تتناثر على سطح بحرٍ هائج، لا تبقى منه سوى موجاتٍ صغيرة، لكنها تحمل في طياتها أسرارًا عميقة لا تُرى إلا في صمت البحر. شعرت بشيءٍ غريب يتسرب إلى أعماقها، كما تتسلل النسمات الباردة إلى زوايا الغرف المغلقة، شعورًا غامضًا يملأ مساحات قلبها بما لم تعرفه من قبل، وكأن الحزن الذي كان يتدفق من عينيه قد زرع بذوره في روحها، وأصبح جزءًا من ذاكرتها التي لم تلمسها بعد. كان قلبها يشعر به دون أن تفهم كل تفاصيله، كان صوت الحزن في عينيه ينساب إلى أعماقها، فصارت تدركه كما تدرك الأصداء في جوف الليل، شيئًا لا يُقال لكن يُحس، شيئًا يتردد في أعماقها كما تتردد الأوتار الموسيقية.
عندما استشعرت حزنه، تحركت يدها برغبةٍ لا شعورية، كأن أصابعها كانت تلمس طيفًا من الوجود المفقود، تسعى وراء آثارٍ بعيدةٍ دفنتها الرمال تحت ثقل الزمن. لم تكن الحركة مجرد لمسة، بل كانت محاولة للوصول إلى شيءٍ عميقٍ كان يختبئ في أعماقه، كمن يبحث عن نجمٍ ضاع في ليلٍ بلا قمر. رفعت يده برفقٍ، كما لو كان يمسك بشعاعٍ ضعيفٍ من ضوءٍ يوشك على الانطفاء، يخشى أن يضيع بين أصابعه، فتسقط معه كل الذكريات التي تحققت في لحظةٍ ماضية. كانت يده تلامسها كأنها تلامس خيطًا رقيقًا من حلمٍ بعيدٍ، سرياليٍ، ولكنه يشع بأضواءٍ تقترب من الحقيقة دون أن تصل إليها.
أما عيناها، فقد تقابلتا مع عينيه، وكان كل منهما يحمل عالماً بأسره، يشعّ منهما حزنٌ بعيد، مثل بحرٍ عميقٍ غارقٍ في الظلام، لا تكاد الموجات فيه تظهر إلا لتمحو كل أثرٍ لها. كانت نظراته تحمل في طياتها رواياتٍ لم تكتب بعد، أسرارٍ لم تجرؤ الأيام على فضحها، كما يخفي نهرٌ هادرٌ في قاعه كنوزًا غائرة في غياهب الزمن. كان كل نظرة منه كأنها طبقة من ضبابٍ يلفّ عالمه، يحجب الرؤية عن المدى البعيد، ولكنه يكشف لأعينها جزءًا من المدى الذي يجهله الآخرون. كل تفصيل في عينيه كان يروي قصة لم تكتمل، قصة غائبةٌ عن شفاه الكلمات، لكنها موجودةٌ بين حواف روحه وحواف قلبها.
وفي تلك اللحظة، توقف الزمان كما يتوقف الشفق عند حافة السماء، صمتٌ خيم بينهما، لكنه لم يكن صمتًا عاديًا، بل كان مليئًا بتردداتٍ من العهود التي لم تُقطَع، والوعود التي لم تُنطق. كانت اللحظة تتشكل في كل ركنٍ من الأرواح المتعانقة، كما يشكل الرياح التي تهبّ على بحرٍ هائجٍ هدوءًا مفاجئًا في قلب العاصفة. وعندما انحنى لطبع عهدا بباطن يدها، لم تكن مجرد القبلة، كانت انعكاسًا لحالة من الوجود، قبلة تمتد من أعماق الزمن إلى آفاق المستقبل، كأنها رسالة من الماضي، وقسمة من المستقبل، تجمع بين الشجن الذي يفوق كل التعبير، وبين الأمل الذي يبقى في غياهب الحنين. وفي تلك اللحظة، كانت الكلمات التي لم تُقل تتسرب في الهواء كدخانٍ لا يتماسك، يتلاشى في الفراغ مثل شمسٍ تغرب في الأفق، تترك وراءها ضوءًا باهتًا، يشبه الفجر الذي يتسلل بهدوء بين أغصان الليل، فيترك ظلالًا شاحبة تطفو على أطراف الذاكرة.
في لحظة صمتٍ غارقة في عمق الزمن، اقتربت منه ببطء، وكأنها كانت تسير على خيوطٍ رقيقة من الحلم، قلبها ينبض كأنما يتردد في صدى الفراغ. مدّت ذراعيها نحوه، وكان ذلك العناق وكأنها تلتقط شظايا روحها المبعثرة، تحاول أن تغلق عليها الأبواب المؤدية إلى حزنها العميق. احتضنته برقةٍ وخجل، كما لو أن قلبها كان يحاول أن يختبئ وراء ظلاله، يخبئ آلامه في ثنايا عنقه، كي لا يُكتشف.
همست بصوتٍ رقيق، يتسرب كما لو أنه رائحة وردة تذبل، لم تكن الكلمات مجرد همسات، بل كانت ترنيمة سرية تحمل كل ما لم تُقل. "أنا هنا"، همست، كأنها تقول له: "أنا هنا لأكون كل شيء غاب عنك في لحظات وحدتك، لأملأ الفراغ الذي تركه الحزن في قلبك". كان صوتها ينساب كعطرٍ لا يُرى، لكنه يملأ المسافة بينهما، يداعب قلبه قبل أذنه، ويمنحه الأمان الذي لم يعرفه من قبل.
ابتسم بخفة، كأن ضحكته كانت لحظة ضوء خافت يبتسم فيها الليل للأفق البعيد. كان فخورًا بما قالت، كما لو أن كلماته قد لامست أعماقها مثلما يلامس المطر أرضًا عطشى. "نعم، هنا"، قال، وركّز عينيه في عينيها وكأنهما كانتا مرآتين يعكسان معًا صورة الحياة التي يودّان أن يعيشاها. ثم أضاف بحنانٍ مملوء بالثقة، وكأن الدنيا كلها تتسع في كلماته: "لكن يجب أن ندخل الآن، لقد اقترب موعد دواء البرد. وأنتِ بحاجة لتناول طعامك قبله."
كانت كلماته تتسرب بينهما كنسيمٍ لطيف، يحمل معه دفء الأرض بعد المطر، وكأنها ليست مجرد جمل، بل عبير حياةٍ جديدة يعيدان بناءها سويا، خطوة بخطوة، ببطءٍ شديد، لكنه ثابت كالطريق الذي يضيع في الأفق.
أعاد رأسه قليلاً إلى الوراء، مبتسمًا ابتسامة مليئة بالعبث، ابتسامة تلاعبت بروحها كما يتلاعب النسيم بأوراق الشجر في مساء خريفي، ابتسامة أحدثت دوامة في نبض قلبها، جعلت الوقت يتراخى في حضنها. كانت نظراته الزائغة، المشتتة بين الحنين والتساؤل، تحمل شغفًا يأخذ المسافات كلها ويذوب فيها. استفهم بنبرته المفعمة بالمرح، كأن العشق نفسه هو من يلعب بين حروفه: "أم تحبينها؟ فلنشتعل! فلنشتعل!"، هتف بحماسة، رافعًا قبضته في الهواء، كما يرفع الفجر أشعة الشمس فوق الأفق، ليتصادم مع نظراتها، التي كانت مليئة بالاستفهام والحيرة.
كان يطوق خاصرتها كما يطوق قوس المطر الأرض العطشى بعد ريها، يسير بين دهاليزها بخفةٍ وعنفوانٍ في آنٍ واحد، وكأن كل خطوة تقربه من سرٍ محجوب في أعماق قلبها. كان الغرق في عسل عينيها أشبه بالغرق في بحرٍ هادئ، حيث لا يوجد مكان للهروب. كانت تلك اللحظة هنيئة، وكأن الزمن تجمّد في فمها، قبل أن يرفع طرف شفته في عبث، مسترسلاً: "ماذا أسمي هذه النسخة من إيما؟! لدي القطة، والطفلة، والنجمة." كان يتكئ على جبينها برقةٍ، مبحرًا في عسل عينيها كمن يبحر في نهرٍ بلا شاطئ، في عالمٍ يتناثر فيه الربيع على وجنتيها كأزهار الجوري المتفتحة.
ابتسم برقة وغمز بعينيه قائلاً: "كرزة، كرزتي."
دفعتْه بخفة، ولكن الضحكة كانت تخرج منه كالريح العاصف، تردد صداها في الأجواء، وكأنها تعيد إحياء لحظةٍ دافئة. تذكرا حين أخبرته بأنها حاولت تلوين شعرها بالأحمر ذات مرة.
"وغد." همست بها بخفة كابخة جماح ضحكاتها تحت قناع من العبوس الطفولي تسبقه للخارج تحت نظراته المتيمة مصفدة بعشقها.
بينما كانت تسير بجواره صوب المنزل، كان قلبها ينبض بخوفٍ مكتوم، وكأن كل دقةٍ فيه تترك أثرًا كالحفر في صخر الزمن، تتردد أصداؤه في أعماق الليل كطيفٍ بعيد لا يمكن محوه. كانت خطواتها تتنقل بين السرعة والتردد، كما لو أنها تراقصت على حافة هاوية، بين الرغبة في الهروب من واقعٍ مظلم والارتباك أمام ما هو قادم.
كانت السماء ذات الغيوم الكثيفة، وكأنها تجمع العاصفة في جوفها، تعكس بظلالها الملبدة بالرمادي لون الليل الذي بدأ يتسلل بين ثنايا الأفق. كانت الرياح تعصف بها، متماوجة بين البخار الكثيف والهواء المترقب للعاصفة القادمة. كانت الغيوم تنقض على السماء بلونٍ داكنٍ، تخنق الضوء وتمنع الشمس من الرحيل، بينما كان الجو ثقيلًا، كما لو أن الهواء يحمل في طياته همسات العاصفة المقبلة.
بينما كانت تسير، كانت نظراتها تتنقل بين الأرض التي تلامس قدميها وأفقٍ يلوح في الأفق كغلالةٍ ضبابية من الوعود المفقودة. كان سؤالها يطارده قلبها في صمتٍ متألم: هل سيأخذها جدها عنوة كما تأخذ الرياح آخر أوراق الشجرة، أم كما تبتلع الأمواج سفنًا ضعيفة تائهة في عرض البحر؟ كان الخوف يلتف حول قلبها كعاصفةٍ هوجاء لا تعرف كيف تهدأ، وشعرت أن أنفاسها بدأت تكاد تختنق من ثقل الكلمات التي لم تُقال.
ولكنه كان بجانبها، وهو في صمته كان أشبه بالظل الذي لا يفارق الشمس، يحوطها بحضورٍ هادئ، يعكس قوتها في صمتٍ متراخٍ. كان يشعر بكل تفصيلةٍ في قلقها، لكن الكلمات كانت تبدو بعيدة عن متناول يده، فتركها تسبح في بحر صمتٍ محاطٍ بألف سؤال. كانت عيناه، رغم سكونهما، تحملان أجوبة كثيرة، أعمق من كل الكلمات الممكنة، وهي: "لن يحدث لكِ شيء، أنا هنا."
وفي لحظةٍ توقفت فيها، كما لو أن اللحظة نفسها تجمدت، شعر بكل المخاوف تتساقط فوقها كزخات مطرٍ ثقيلة، كغيمات متراكمة قبل العاصفة. ولكن في حضنه، وجدت الأرض ثابتة كجبالٍ لا تهتز. كانت يده تحتضنها بلطفٍ وقوةٍ في آنٍ واحد، مثل أمواج البحر التي تتلاطم على الشاطئ برقة، ثم تستقر لتغمره بحبٍ لا يمكن مقاومته. همس في أذنها، وكأن صوته أصبح جزءًا من المدى نفسه: "أنا هنا، لن يحدث لكِ شيء."
تجمد الزمان في تلك اللحظة، كأن كل شيء حولهما توقف، ليكتمل في تلك اللمسة الصامتة التي أخبرت كل واحدٍ منهما أن الخوف قد أصبح غريبًا عنهما.
.
.
.
----------------
.
.
داخل القصر، حيث الجدران تئنّ تحت وطأة ندوب الحريق، كأنها صفحات احترقت من كتابٍ لم يكتمل، وحيث الهواء يعبق برائحة الذكريات كأنفاسٍ حبيسة تبحث عن الخلاص، جلس رجلٌ تجاوز عقده الرابع، غارقًا في بحرٍ من الصمت يزفر حكاياتٍ لا يسمعها سواه.
أمام سريرٍ صغيرٍ، بدا كأنه بقايا حلمٍ مكسور، تأرجحت تهويدة خشبية تحمل فوقها قطعًا معلقة؛ نجومٌ متعبة، غيومٌ هامسة، شمسٌ خجولة، وهلالٌ يطارد نفسه. كانت تهويدة ليست مجرد زخرفة، بل خريطة سماءٍ منسية، تحتضن جهاز تسجيلٍ صغير يعزف لحن كمانٍ وديع. نغماته تسري كخيوط ضوءٍ شاحبة تشق الظلام، تروي قصةً لم تجد لها نهاية سوى بين أضلاع قلبٍ يئن.
امتدت يده، مرتجفةً كغصنٍ في مهب الريح، تمسح دمعةً تمردت على كبريائه. كانت تلك الدمعة أشبه بنداءٍ صامت، يستجدي ماضيًا رحل وتركه عاريًا أمام مرآة الذكريات. بين أنفاسه الثقيلة، كانت غصةٌ تسري في صدره كطيفٍ لا ينفك يطارده، يضغط على روحه حتى بات كل زفيرٍ أشبه بوعدٍ كاذب بالخلاص.
ثم، كأن الزمن قرر أن يتنفس أخيرًا، اخترقت نقرات عكازٍ خشبي صمت المكان. التفت ببطء، وكأنما يدير وجهه نحو قدرٍ لا فرار منه. هناك، عند حافة الظل، وقف والده كجبلٍ أكلته العواصف، يحمل في عينيه نظرةً تفيض بحزنٍ لا يعترف بالزمن، وحكمةٍ ثقيلة كأنها وشمٌ أبدِي على ملامحه.
في أروقة القصر العتيق، حيث الجدران المتصدعة تئن كأنها تحتضن صرخات الماضي المكبوت، وحيث الهواء مشبع برائحة الرماد، كأنه أنفاس ذكريات لم تمت بالكامل، وقف الأب وابنه في مواجهة بدت كأنها تمثّل صراع الزمن نفسه. كان الأب شامخًا كتمثالٍ حجري، عينيه مثل جمرتين منطفئتين تحترقان في داخله، يحمل نظرة تنزف ألمًا متجمدًا لا يتساقط. عندما نطق، كانت كلماته كسهامٍ انطلقت من قوسٍ مشدود، لا تعرف الرحمة:
"حفيدتي ستُنقل إلى أفضل المشافي النفسية في الولايات المتحدة. لن أسمح لشبح هذا القصر أن ينبعث من رماده ويبتلعنا مجددًا."
كلماته ارتطمت بقلب الابن كصخرةٍ ألقيت في محيطٍ هائج، لكنها لم تغرقه. كان صوته كصدى عاصفةٍ حبيسة، مثقلًا بغصةٍ لم تنفك عن خنقه:
"قرارك قاسٍ، ليس فقط عليها بل علينا جميعًا. ابنتي ليست مريضة، إنها فقط ضائعة في ظلامٍ لم تختره. وسونغ... كان النور الوحيد الذي احتضنها وسط هذا الخراب. الماضي ليس قدرًا مكتوبًا على جدراننا."
لكن الأب لم يهتز، بل حدّق في ابنه كما لو أنه ينظر إلى ظلٍ قديم رفض أن يندثر، ثم أشار بعينيه إلى عنقه حيث كانت الندوب تحكي قصةً صامتة. خرج صوته كريحٍ باردة شقت طريقها عبر جليد الأحزان:
"وهذا؟ كيف لي أن أثق بها؟ العلامات على عنقك تتحدث بصوتٍ أعلى من أي مرافعة. يكفي ما فقدناه... أخيك الأكبر، وابن أخي، وزوجته. كلما حاولنا الهروب، كان هذا القصر ينسج حولنا شِباكه السوداء، كأنه وحشٌ يرفض إطلاق سراحنا. لن أضع حياتك أو حياة من تبقى على المحك بسببها."
الابن، رغم أن نظراته انكسرت للحظة كغصنٍ حُمّل بأكثر مما يحتمل، إلا أنه سرعان ما استقام كطائرٍ جريح يرفض السقوط. صوتُه، عندما خرج، كان أشبه بجسرٍ متهالك يعاند الانهيار، يحمل في ثناياه ألمًا قديمًا وأملًا متآكلًا:
"إنها ليست مجرد حفيدتي... إنها جزءٌ من هذا الدم، وهذه الأرض، وهذا الخراب. وتلك المرأة التي تحاسبها على أخطائها... كانت ابنة أخيك، ويومًا ما، كانت زوجتي."
كلماته، وإن بدت كخناجر صدئة تخترق الذاكرة، أخفقت في تحطيم صلابة الأب الذي استعاد صلابته كجدارٍ عتيق واجه أمواج الزمن ولم ينهدم. حدق في ابنه بعينين تعكسان وجع الخسارات التي أنهكت قلبه، ثم قال بجفاءٍ حمل رماد العاطفة وثلج اليأس:
"النار التي أحرقت هذا القصر التهمت كل شيء... أحلامنا، عائلاتنا، وحتى أرواحنا. لن أسمح لها بأن تلتهم المزيد. خسارة واحدة كانت كافية لتحطيم ما تبقى مني. لن أترك لهذه الدائرة أن تستمر."
كان وقع كلماته كإغلاق بوابةٍ ثقيلة على أملٍ أوشك أن يولد، لكن الابن لم ينكسر. رفع رأسه، وعيناه تشتعلان بتحدٍ عنيد، كما لو أنه يتحدى الظلال ذاتها. قال بصوتٍ يحمل في طياته عهدًا لا يقبل النقض:
"النار لم تأخذني، ولن تأخذها. هذا ما أعدك به."
ساد القصر صمتٌ مشبع بالثقل، كأن الجدران المتهالكة تصغي، تخزن الكلمات في صدوعها كذكرياتٍ لا تريد أن تنسى. وبينما دوت خطوات الأب الثقيلة على الأرض كإيقاعٍ يُعلن النهاية، ظل الابن ثابتًا، كأن جذوره قد امتدت إلى أعماق المكان، شاهدةً على مواجهةٍ لم تكن مجرد كلمات، بل معركة أرواحٍ تبحث عن الخلاص بين رماد الذكريات وشرر الأمل الذي يرفض أن ينطفئ.
ساد الصمت كستارٍ ثقيلٍ من الظلال، يحجب صراخ الأرواح المدفون بين جدران القصر. الأب، بوجهه الذي نحتت فيه السنين ملامح الحزن والغضب، أطلق نظرة حادة نحو ابنه كأنها سهمٌ يشق صدر الزمن. صوته حين خرج، كان أشبه بصوت الجمر حين يتفجر تحت وطأة الرياح:
"ذاك الطفل المتمرد... ذاك الذي أرهقه دلالك ودلال أخي، والذي شبّ على وهم أن العالم بأسره ملكٌ له، ماذا فعل؟ وضع هذا القصر في المزاد العلني! هذا القصر الذي حمل أثقال أرواحنا، واحتضن أصواتنا وذكرياتنا، باعه وكأنه مجرد حجرٍ مهمل، وكأن رماده لا يحمل ثقل ماضٍ لا يُنسى."
ارتجف الهواء من حدة كلماته، وكل حرف كان ينفجر كبركانٍ دفين. تقدم الأب خطوة نحو ابنه، وكأن المسافة بينهما صارت هوّة من الألم والخيانة:
"ولأجل من؟ حفيدتي؟ أتظن أنني لا أرى ما يجري؟ كيف يعيد الماضي زرع شوكه في حاضرنا، بنفس الألم، بنفس الجروح؟ هل نسيت كيف انتهى كل شيء آخر مرة؟ كيف التهمنا الحريق ولم يُبقِ سوى رمادٍ ثقيل يلاحقنا أينما ذهبنا؟"
توقف الأب للحظة، وكأن غضبه كان يحاول أن يتجاوز شبح الألم الذي يخنقه. حين تحدث مجددًا، كان صوته أشبه بصليل سيفٍ يوشك على الانقضاض:
"اتصل به الآن. قل له إنني أريد لقاءه. هذا العبث لا يمكن أن يستمر. إرثنا ليس سلعة تُباع، وذكرياتنا ليست أضغاث أحلام تُبدّدها قرارات طائشة. القصر سيبقى، لأنه آخر ما يحمل بقايا ما كنا عليه، وما لن نكونه مجددًا."
استدار الأب بحدة، خطواته تشق الأرض كأنها تحفر طريقًا نحو الهاوية. لكنه توقف عند العتبة، وكأن الظلال التي تحيط به كانت تصر على أن تهمس بشيء ما. التفت بجزء من وجهه، وصوته حين خرج كان كصوت الريح الباردة في ليلة لا قمر فيها:
"إذا اخترت أن تعيش بلا ذاكرة، فلا تتوقع أن ينسى التاريخ. إنه وحش يلتهم من يظنه نائمًا."
خرج الأب، تاركًا خلفه صدى كلماته يتردد كأنها نبض القصر ذاته. أما الابن، فقد وقف في مكانه، مشدوهًا بين الجدران التي بدت وكأنها تتنفس، تهمس له بحكاياتٍ لا يملك الشجاعة لمواجهتها.
.
.
.
-----------------
.
.
.
نظر إلى الساعة التي تجاوزت الثامنة مساءً، وابتسم ابتسامة خفيفة، لكن عينيه لم تستطع إخفاء شيء من التوتر الذي تسلل إلى ملامحه، كأن عقارب الساعة كانت تلاحقه، تتسارع كل دقيقة نحو نقطةٍ لا يمكنه الهروب منها. بعد أن تأمل الساعة لوهلة، نطق بالكلمات التي لم تقتنع بها عيناه: "سأغادر قليلاً، لدي بعض الأمور لأتفاهم عليها."
كانت الكلمات تتدفق من شفتيه بسرعة، لكن هناك شيء في نبرته بدا غير مطمئن، شيء يعلق في الهواء دون أن يُقال. شعرت هي بالشكوك تتسلل إلى قلبها كدخانٍ غير مرئي، يلوث الأجواء دون أن يراه أحد. كانت عيناه تتجنبان ملاقاة نظراتها مباشرة، كما لو أن هناك شيئًا كان يخبئه خلف تلك الابتسامة التي حاول إخفاء قلقه وراءها.
وعندما بدأ صوتها يتسرب، يحمل بضع حروف من الاستفهام: "دي أو هيونغ؟" كان سؤالها يتناثر في المكان مثل حبات مطر خفيفة، ولكنه أصاب الهدف تمامًا. أضاف هو، محاولًا أن يخفف من وقع كلماته، في نبرة كانت أكثر إقناعًا ولكنها ما لبثت أن ارتطمت بالشكوك التي بدأت تتراكم في قلبها: "نعم، يريد الألحان للأغاني القادمة الآن، وأنت تعرفين كم هو صعب المراس، لا يمكنني التأخر أكثر."
لكن نظراتها لم تفارق وجهه، وكانت عيونها تتسائل عن كل تفصيلة في كلامه، وكان صمتها يصرخ بمئات الأسئلة التي تملأ عقلها. لم يكن الأمر واضحًا تمامًا، وكان الجو مشحونًا، حتى أصبح كل حرف ينطق به وكأنه ثقلٌ عليها، يتسلل في قلبها شك يتسارع كما تتسارع دقات قلبها هي الأخرى.
رفعت يده بسرعة ليطمئنها، لكنه شعر أنها لن تطمئن بسهولة. حاول أن يبتسم بحذرٍ، كمن يرسم ابتسامة على وجهه لكنه لا يعرف كيف يعيد الحياة للملامح التي تبدو وكأنها تشتاق إلى الراحة: "لا تقلقي، سيكون كل شيء على ما يرام. هذا المكان آمن، وأنا هنا، أعدك لن أتأخر." لكن الكلمات لم تكن كافية لتهدئة التوتر في عينيها. نظراتها كان فيها شيء من الحذر، وكأنها تلتقط بين السطور ما لم يُقال.
ثم، دون انتظار لردها، استدار بسرعة نحو الباب، لكن في عينيه كان هناك بريقٌ يفضح القلق الذي حاول أن يخفيه. وفي قلبه، كانت الرسالة التي وصلته من جدّها تملأ رأسه وتزيد من توتره، كأنها موجة تتجمع على شاطئه، مهددة بابتلاع كل شيء.
ومع كل لحظة تمر، كان يشعر وكأن رسالة جدها، تلك الرسالة التي فاجأته بتوقيعها، تحمل في طياتها نبوءة مظلمة تقوده إلى مصيرٍ لم يكن ليحسب حسابه. كان يواجه التحدي، ولكن كالعصفور الذي يقف على حافة الجرف، لا يعرف ما إذا كان سيرتد إلى الوراء أم سيحلِّق في فضاءٍ جديدٍ ومجهول. كانت كلمات الجد تتردد في ذهنه كأنها صواريخ مشتعلة، تحثُّه على اللجوء إلى هذا اللقاء، كما لو كان الحل الوحيد الذي قد يمنحه الضوء في نفقٍ مظلم.
وفي تلك اللحظة، كان كل شيء يلتف حوله، كعاصفة شتوية لا تعرف الرحمة، يَغرق في عواصف من الأسئلة لا جواب لها، بينما شعور عميق بالعجز يضغط على صدره كما لو كانت الجبال نفسها تستند عليه.
.
.
.
----------------------
.
.
دونغ، الذي بدا وجهه محملاً بالظلال الثقيلة كما لو أن سحابة من الرعب قد اجتاحت سماء روحه، صرخ بصوتٍ غليظ يشبه دوي الرعد المتناثر في أفقٍ مظلم: "أخبرتك، لن يرحمنا! جدك لن يرحمنا أيها الوغد بي كي؟!" كانت عيناه كشرارةٍ متقدة، تشق الظلام بينما تتأمل بعنفٍ ذلك الذي يضحك بصخب، وكأن ضحكاته تُسْكِتُ الصرخات المخفية في أعماق الأرض. كانت يده تتلاعب بقطعة النقد كما يتلاعب العاصف بموجٍ ضائع، وهي ترتد بين أصابعه مثل حلم ضائع يتبخر في الهواء.
في لحظةٍ من الغضب العميق، أمسك دونغ بالكأس من يد بي كي، كما لو أنه يحمل ثقل الجبال، وعينيه تتوهجان بحممٍ من الحقد والمرارة. جرع الكأس دفعةً واحدة، وكأن الألم ذاته يسري في عروقه: "أخبرتك بأنك ستشعل نارًا لن تلتهم أحدًا غيرها!" همس بها، وكأن الكلمات نفسها أصبحت لهيبًا يكاد يحرقه من الداخل، وتطوف حولها أرواح المعاناة.
بي كي، الذي نهض من مكانه كجبلٍ لا تهزه الرياح، رفع رأسه بكل كبرياء، كقائدٍ عسكري يطل من أعلى قمةٍ على معركةٍ ضارية. كانت عينيه تتوهجان كبريق السيوف في أيدي الجنود، وهو يردد كلماتٍ تشبه موسيقى الغرام في قلب المعركة: "أعشق الألعاب النارية، لاسيما حين تشتعل في عيون جدي الغاضب!" كانت كلماته تتناثر كشراراتٍ تتساقط على بحرٍ هائج، لتترك وراءها دوائر من النار.
دونغ، الذي كان يختنق في صدره من سُحب القلق، رد عليه بنبرةٍ كانت كالسيف الذي يقطّع الهواء: "هل أفقدك العشق صوابك؟! إنه جنرال سابق! هل تدري مع من تعبث؟!" كان صوته يتردد في المكان كما لو أن جدران العالم قد تجمدت عند تلك اللحظة، والألم يراكم نفسه داخل كلماتٍ تزداد مرارتها.
لكن بي كي لم يتزحزح، ولم تبدُ عليه آثار أي تردد. "لا أحد سيأخذها مني!" قالها كصاعقةٍ تضرب في قلب المعركة، ثم تحرك من مكانه، كان كالأسد الذي يرفع رأسه عالياً في وجه العاصفة. رفع يده ببطء، وكأن العالم نفسه ينتظر حكمه النهائي، قائلاً بصوتٍ كان كالموج العاتي الذي يهز الأرض: "سيادة الجنرال يكره التأخير." كانت تلك الكلمات تتساقط على دونغ كالرعد، وتغمره بموجاتٍ من الخوف.
ثم، وفي لحظةٍ من الحسم، أطلق قطعة النقد في الهواء للمرة الأخيرة، وكأن الزمن نفسه تراجع ليشاهد رقصتها الأخيرة، ملهوفًا في انتظار لحظة الفوز. كان الكون، وكأنما يراقب عن كثب، يرتجف تحته، فكل حركة كانت كأنها أصداء معركةٍ أبدية بين القدر والإرادة. وعيناه، المملوءتان بالتحدي والحزم، تألقتا كنجمتين خجولتين في سماءٍ مشوشة، بينما شفتاه انفرجتا عن ابتسامةٍ ساحرة، كالبرق الذي يضيء الظلام للحظة ثم يختفي: "إيما ملكي!" قالها بصوتٍ مشبعٍ بالثقة، وكأن الكلمات نفسها قد تطايرت في الهواء كأشعة الشمس الأولى في يومٍ مشؤوم، ملأ الفضاء بأصدائها التي تهمس بها النجوم.
لكن في تلك اللحظة، وبينما تضاءلت الظلال حوله، كانت كلماته تتغلغل في الفضاء كوعودٍ سرية، تخترق الزمن كما يخترق العشق قلبًا لا يعرف سوى الحب. كانت تلك اللحظة، على رغم قوتها، تحمل شيئًا من الرقة، كأنما كانت الهمسات التي تنطلق من بين شفتيه هي الأغنية الوحيدة التي يستطيع أن يغنيها لها، وبينما كان الهواء يملأ المكان بنقائه، كانت عيناه تحملان في بريقهما وعدًا أبدياً: "إيما ملكي، واليوم وكل يوم، سأظل أتنفسكِ في نبض فؤادي."
.
.
.
-------------
10 فوت+ 60 كومنت
تصويت سريع مين محظوظ بالثاني أكثر؟!
إيما الكرزة محظوظة بكيهيون النجمة؟ أو العكس
بي كي:" مش حتكلم الا في وجود محامي" 🔪😠
دونغ:"قضايا القتل ليس من اختصاصي!" 😵
شو رأيكم في الفصل؟
السرد؟
بيكهيون؟ وجزء من ماضيه وهوايته؟
إيما؟ الكرزة؟
بي كي أول تسجيل دخول للجزء الثاني؟
دونغ؟
الجد الجنرال؟
الأب جون كي؟
توقعاتكم؟
سلاااااام وحضن كبير وديناصوري عملاق ❤
وعام سعيد على الجميع 🥰🌸
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top