~الفصْل الرَّابع عشر: خيانةٌ عظمى~
~لا يعني هروبي أنَّني لم أتحمَّل أكثر من المستطاع، ولا يُبطلُ استِسْلامي شدَّة صبْري~
•
•
•
يدي في الأعلى متجمِّدة، ومشْهدُ امرأةٍ تحتمي برجلٍ صارخةً بخوفٍ منِّي يُبثُّ أمامي كفيلمٍ خياليٍّ مُخرجهُ ذهْني
ضحكتُ، واكتشفتُ سبب ضحك النَّاس عند مرورهم بمواقف لا يحسدونَ عليْها كموقفي
هذا لأنَّهمْ يتمنّون أن يكون كلُّ شيءٍ مزيَّفًا أو مُزحة مزعجة، ورغم أنَّ ما رأيتهُ كان من نسج خيالي بالفعل، إلَّا أنَّ تأثيرهُ عليَّ كان شديدًا لا يُحْتمَل
ذلك الحجرُ هشَّمني أنا لا الرجل! وتلك الدِّماءُ هي نزيفي الدَّاخلي المتدفِّق من فُؤَادي
«آنسة توق؟»
لفظَ إسْمي بصعوبةٍ كالعادة، فالبريطانيُّونَ يعانونَ معه
«هذه تجربةٌ اجتماعيَّة جديدة؟هذا من أجل الصَّحيفة أو البرنامج التلفزيوني؟»
كلَّا!
يبدو أنَّهُ واحدٌ من مُعْجَبينِي
«هو أنت أو أنت هو؟»
قلت ذلك دون أن أنتبه إلى نفسي، ولأخفِّف من غموض ذلكَ أضَفت
«لقد قتلتُكَ للتوِّ في خيالي»
أنا أهذي، وأزيدُ الأمْرَ سوءًا
لحُسنِ حظِّي مازِلْتُ أتحكَّمُ بقَدَمَيَّ، فهربتُ وأنا أغطِّي وجهي بيديَّ، هي حركةُ الرُضَّعِ عندمَا يرغبونَ في الإختباء من شيءٍ يخيفهم أو يخجِلهُمْ
أي أنَّني مازلتُ أُثبتُ لنفْسي كلَّ يومٍ أنَّني طفلةٌ تصغرُ أكثر فأكثر يومًا بعد يومٍ بدلًا من أن تنضج
•
•
•
مستلقيةٌ على سريرٍ في المستشفى، وعمَّتي جالسةٌ على كرسيٍّ بجانبي
أنا نفس الكتلة، بنفسِ الجُّبن، ونفس النُّدوب القلبيَّة، ينتهي بي الأمر في نفس المكان الذي أمقته
لكن في زمان آخر ، وبلدٍ آخر
«فقدتِ وعيكِ في الطَّريق»
نبسَت بتلكَ الكلماتِ بعدَ أن تنهَّدتْ بخيْبة، ثمَّ تأفَّفت غضبًا ممَّن خيَّبها
«لتبكي، هيا!»
إنفجرتُ بالبكاءِ بعد أن صرخت بوجهي، وأخبرتها عمَّا جرى بعد أن أمرتني بذلك بنفس النَّبرة
مازلتُ أتأثَّرُ بالأوامر
مازلتُ أشْتهي العُنْفَ ولو كان لفظيًّا فقطْ
«هذا جيِّد! صحيحٌ أنَّك صرتِ مشهورة وناجحة بفضْلِ الصَّحيفة، ولكن لا بأسَ بأنْ تُجرِّبي شيْئًا جديدًا، أو أنتِ خائفة من المواجَهَة؟»
كلامُها يؤثر عليَّ بشدَّة، وبه تبادل اللَّامنطقي والمنطقي بالأماكنِ ليتغيَّر شعوري في طرفةِ عينٍ
«بعد إعادة التَّفكير في الأمر، ما حدث لا يستحقُّ ردَّة فعلي العنيفة تلك»
ابتسَمَتْ بسرورٍ ليُخيَّل إليَّ أنَّها ستردُّ عليَّ بما له علاقةٌ بكلامي، أو كلماتُ استحسانٍ وتشجيعٍ مثلًا
لكنها قالت:
«لنرى ما إذا كان كأدْهمْ»
تجاهلتْ نظراتي إليها وأشعلتْ سيجارة، ثمَّ أضافتْ ساخرة ضاحكة:
«الرِّجال كالسَّجائر، ونحنُ كالبدائيِّين، نُدْمِنُ عليهِمْ أوَّلًا، ولكنَّنا نتركُهُمْ بمجرَّدِ اكتشافنا أنَّهُمْ مضرُّون، دون تجاهلِ أنَّ ترك الإدمان يستحقُّ إلى العَزيمَة، وعزيمتهُ هي نسخةُ القوَّة المُشوَّهة التِّي صنعْتِها هنا
أعني بهذا أنَّكِ جاهزة»
«وما دخلُ أدهم والرِّجال بالموضوع؟!»
حافظَتْ على ثباتِ ابتسامتها السَّاخرة، وردَّت عليَّ بما ضاعف غضبي منها
«إذن اقبلي بالعرض، بما أنَّك شجاعةٌ جدًّا»
فهمت!
هذه هي أوَّل حلقةٍ من سلسلةِ استفزازي وحرقِ أعصابي لأعمل بجدٍّ حتَّى الموت!
«تمَّ إسقاط الشكوى»
يبدو أنَّها أبلغتْني بذلك بغيةَ تهدئتي، لكن
«ومن أسقطها؟»
«صديقٌ قديم»
معقول!
أصدقاءٌ قدامى صنعوا توق الجَّديدة، وأصدقاء قُدامى أخفوا توق القدامى، والجديدة والقديمة واحدة
إذن توق هي لا شيء!
•
من ليفاي: لقد اضطررتُ إلى البحْثِ عن رقمك بنفسي
إلى ليفاي: نبدأ غدا؟
"فجأةً؟! أعتقدُ أنَّكِ اتَّخذتِ قراركِ بالفعل في المقهى، ولكنَّكِ أردتِ التَّلاعبَ بأعصابي"
"أعتقدُ أنَّك كُنتَ مُتأكِّدًا من قراري لتجيبَني بهذه السُّرْعة"
"هل تمَّ كشفي للتو؟
نتقابل على السَّاعة السَّابعة صباحًا أمام منزلِك، وسأُغلقُ هاتفي الآن فلا تُحمِّلي نفسكِ عناء رفض لقائِنا"
•
•
•
مرَرْنا بإحدى مقاهي عائلته ليحضر قهوة وزَّعها على الجَّميع
لاحظتُ أنَّ أحدهُمْ يتجنَّبُني عن عمدْ لسببٍ أجهله، أعتقدُ أنَّه ماثيو الذِّي رفض الالتحاقَ بِنَا في ذلك اليوْم
عملي يلائمني تمامًا ومثيرٌ لاهتمامي، كاتبةٌ للحِزْبِ ومتحدِّثةٌ نيابةً عنْهُ في الصُّحف، ولكنَّ ثناء 'ليفايْ' على أسلوبي في الكتابة وتحليل حركات ومشاعر الشَّخص ببراعةٍ بدا لي مريبًا، فنفض هو شكِّي باعترافه بأنَّهُ واحدٌ من المعجبين بالصَّحيفة في العموم، ومقالاتي أنا في الخصوص
مرَّت السَّاعاتُ بسلاسةٍ ، تعرَّفتُ خلالها على زُملائي وتعرَّفوا هم عليَّ
قبل المُغادَرَة استدْعاني إلى مكتبه وسألني عن رأيي، دون تحديد رأيي في ماذا، ولكنَّني أجبته بما لاح في ذهني في تلك اللَّحظة
«أنتَ نوعًا ما، أصغر من أن تكون الرَّئيس، ولكنَّك جيد»
«هذا عملٌ وليْسَ اسْتِنْساخًا, لستُ بحاجةٍ إلى أن أكونَ على شفير الموت أو رئيسَ عصابةٍ لأُعتبرَ سياسيًّا، وأنا قصدتُ رأيكِ في العملِ معي، لا في شخصي»
«تجربةٌ جديدة»
نظر إليَّ ولمعانٌ واستغرابٌ يتطايرانِ من عيْنَيْه، على الأرجح سيسألني عن شيء ما
«فقطْ؟»
ابتسمتُ وأنا أراقبُ انسلاخ الحماسةِ عنهُ انسلاخًا، وهذا ما أنار لي الضَّوء الأخضر وأعلن عن فوزي، لأعبِّر عن شعوري دون ضغط أو ذنب
«مبدئيًّا ممتعة»
•
•
•
هو شخصٌ عاديٌّ روتينيٌّ جدًّا، يعمل بجدٍّ صباحًا مساءً و يجهلُ الجَّميعُ ما يجري معَهُ ليْلًا، زالتْ خشيَتي من الاقتراب منْهُ لأنَّني تَوقَّعْت كُلَّ شيء، وربَّما هذا ما أظنُّه
مرَّت ستَّة أشهرٍ مع الحِزْب
قهوةٌ كلَّ يوْم، إبتساماتٌ يوزِّعُها على الجَّميع، أسْهو وأكادُ أن أنسى منصِبهُ فتبتلعهُ الجديَّةُ وقت العمل وأعودُ أنا إلى رشدي
لسانه جريء، ولكنَّه يسلِّمُ نفسهُ إلى المذلَّةِ ويحْني رأسهُ أمام أبيه، ليس بِرًّا بل خوفًا شديد الوضوحِ منه، وهذا ما جعلني أستنتجُ سبب إطلاق ذلك الإسم عليه
ليفاي؛ معناهُ هو التقيُّد والإتِّباع
لطالما تساءلتُ عمَّا إذا كانت القوَّة فطريَّةً، مُطلقة رغم أنَّها مُكْتسَبَة، أو مُفتعلة؟ ولكنَّ ضعفي، والحروق التِّي أحدثَها جدِّي بجسدِ عمَّتي عندَما اكْتشفَ حمْلها، ماضي أدهم، وخوف ليفاي من والده، كشفوا لي أنَّ القوَّة هي مزيجٌ غريبٌ ممَّا سبق، فنفى الكُل
أبقى عادةً في مقرِّ العملِ إلى ساعةٍ مُتأخِّرةٍ من اللَّيل، مثلهُ تمامًا ولكن في مكتبيْن منفصلين، ولكنَّه في تلك اللَّيلةِ قدِمَ إليَّ سائِلًا
«ماثْيو ليْسَ هنا؟»
اكْتفيتُ بالإِيماءِ بالإيجَاب وأنا أصبُّ تركيزي على كثبانِ الأوراق المجعَّدة المتراكمة أمامي
«هل...؟»
همَّ بطرحِ سؤالٍ ما عليَّ بصوتٍ شديد الإنخفاض، ولكنَّني استطعتُ سماعه جيِّدًا، ربَّما عماي السَّابق هو سبب قوَّة بقيَّة حواسِي.
كاد أن يرحل، ولكنَّني أمسكتهُ عن ذلك بسبب فضولٍ ليس من شيمي
«هل ماذا؟»
نظر إلي بصدمةٍ، وضمَّ شفتيه في تزامنٍ مع حركة تفاحة آدم بوضوح، يبدو أنَّه قد بلع ريقهُ بتوتُّرٍ
«هل تناولتِ وجبة العشاء؟»
أجابهُ صمتي فأضاف بشجاعةٍ مفاجئة
«أنتظركِ في الأسفل»
•
•
•
«أيُمْكنُكِ التكلُّم كثيرًا إلى درجة الثَّرثرة؟»
طلب منِّي طلبًا غريبًا رَفضْتُه باقتِضاب
«مثل هذه الطَّلباتِ المباشرة المفاجئة تقْطعُ الألسنة»
«جميل! لنتشاجر»
نظرْتُ إليه باستغرابٍ لتلفحني حماسته، وحزنه؟
«لا شيء يستحقُّ ذلك»
استأنفتُ تناولَ طعامي متجاهلةً محاولاته لشدِّ انتباهي
«أخطأتُ في اختيار الكلمة، قصدتُ لنتناقش! سأخطِئُ كثيرا لنتحدَّث أكثر، وأنا لا...»
«أنتَ بخيرٍ اليوْم؟»
قاطعْته بجديَّةٍ فرمقني بنظرة ال' أحبُّ دهاءكِ' واعترف بكلِّ بساطة
«كلَّا, وأنا أتعامل مع المزاج المتعكِّر بالثَّرثرة»
لمْ يرتبك وهو يقولُ ذلك ، هل الأمر بهذه البساطة؟
هذا هزَّني قليلًا، إلى درجة أنَّ سؤالًا انفلتَ من لساني
«كيف تُعبِّر عن مشاعرك بهذا الشَّكل؟ »
نظر إليَّ بتعجُّبٍ أشْعرني بأنَّه اكتشف التَّغييرَ الذِّي حلَّ بنبرة صوتي , فسعلْتُ لأوهِمهُ بأنَّ شيئًا ما دغدغ حلقي لا قلبي
ابتسم وكأنَّه لم يصدِّقني وأجابني بما أفادني، لن أنكر هذا
«بالعكس! أشعر بأنَّني مقصِّر جدًّا في التَّعبير عن مشاعري، وعليَّ العمل أكثر على تعطيل الخجل من الحقيقة الواضحة ومحاولة إخفائها بالتَّمثيل المكْشوف»
«إذن ستخبرني بسبب انزعاجك؟ بما أنَّك تريد كشف الحقائق لا إخفاءها»
تفحَّصني بشكٍّ لم يؤثِّر علي، ولم أعرف سببه، ثمَّ ضحك وقال بثقةٍ عمياء
«أعتقدُ أنَّ هذا هو عرضك غير المباشر لجلسة علاجٍ نفسيٍّ مجَّاني، بالتَّعاون مع ما تعلَّمتهِ من عمَّتك ربَّما؟»
«تقريبا»
ابتسم وانتظر هنيهةً شعرتُ خلالها بأنَّه قرَّر ما سيقوله بالفعل، ولكنَّه فقط متردِّد
«يعتبرُ المعالجونَ عيوبنا الصَّغيرة أمراضًا فتَّاكة، لكن،
ماذا لو كانت تلك الأمراض سجيَّتنا المزمنة، أو مجرَّدٌ استراحةٍ قصيرةٍ من العالم تقتضي حربًا مع الذَّات؟»
معه حق! فكلُّ أمراضي سببها جبني، وهو صفةٌ من صفاتي، حتَّى لو شفيتُ سوفَ أصاب بأمراضٍ أخرى وليدَته
التخلُّص من الخوف كمثل استئصالِ عضوٍ حيويٍّ يحتضِر، لا فائدة منه ولا يمكن التخلِّي عنه
أسندتُ خدِّي الأيمن على باطن كفِّي، وحملتُ بيدي الأخرى كوب عصيري أشربُ منه براحةٍ فاقت الحدودَ التِّي وضعتها لتصرفاتي أمام الناس، لكن لا يهم، فاللَّيل قد انتصف بالفعل، وتداركاتي العقلية بدأت تتراجع
«لا أعلم، فقط... أحيانًا أشعر بأنني لسْت موجودًا، أو أتلاشى وأضمحلُّ رويدًا رويدًا»
أوقعت كأس العصير من يدي، نظَّفت الطَّاولة ما انسكب عليها منه بنفسها، ولكنْ بالطَّبع لن يحدث نفس الشَّيء مع فخْذَاي
تحرَّك هو باندفاع نحوي متناولًا منديله من جيب بنطاله، ولكنَّ يده تجمدت في الأعلى قبل أن تلمسني
يبدو أنه استحضر مشهد ضربي ليده ذلك اليوم، ويبدو أنه نظَّف أفخاذَ الكثيرات لتكون ردة فعله آلية سريعة بهذا الشكل
تمالكتُ نفسي وأخذت منه منديله مبتسمة بامتنان، ثمَّ نبستُ بكلماتٍ سبَّبت له رجفةً لم ينجح في إخفائها عني
«شعوركَ طبيعي، يُحسُّ به من يتحكَّم الغير بحيواتِهِم، فتشعرُ الرُّوح بأنَّه لا فائدَة من إحياءٍ جسدٍ مُسيَّر لا مُخيَّر ، وتُجبرُ صاحبهَا على خوْضِ موْتٍ أوليٍّ كتحْذير»
•
•
•
قبل أن أترجَّل من السَّيارة طعنتني حاجةٌ ملحَّةٌ إلى معْرِفةِ الحقيقة
«لماذا ابتسمْتَ بطريقةٍ مريبةٍ وأنت تُقلِّب فنجاني بين يديك في ذلك اليوم؟»
لا أعلم لم طرحت عليه ذلك السُّؤال بعد مرور أشهر على وقوع الأمر، ولكنَّني شعرت بأن ذلك سيزيح عني ضيق صدري وشعوري بالذَّنب تجاه نفسي، فأنا تناسيتُ ذلك المشهد الذِّي أعتبرهُ قذرًا، تناسيتهُ ولم أتجاوزه
«ماذا؟»
«ذلك اليوم، في مقهاكم، في يوم لقائنا الأوَّل»
اتَّسعتْ ابتسامتهُ وعيناه معًا في نفس الوقت، فتزاحمت الصَّدمة المنطقيَّة والسُّرورُ غير المبرِّر فوق وجهه
فرك مؤخِّرة رأسه بتوتر، على الأغلب هو يخفي شيئا ما
«كنت سعيدًا إلى درجة أنَّني وضعت فنجانكِ في خزانة الذكريات
سؤال واحدٌ لم تطرحيه علي رغم أنَّني انتظرته بفارغ الصَّبر
لماذا أردتَ العمل معي؟
سأعيدها للمرة المليون ،أنا معجب بمقالاتك، فتخيلي شعوري بعد أنْ قابلتكِ أخيرًا!»
ظننت أنه سيتضايق من شكوكي، ولكنَّه أجابني ببساطة، كل شيءٍ يصيرُ يسيرًا عندما يقوم به هو!
نظر إلى الخارج عبر النَّافذة، وأضاف بسكينةٍ
«لامستْني كتاباتُك، أعجبتني ردودكِ القويَّة والجَّريئة، وبصراحةٍ...»
نظر إليَّ بطريقةٍ غريبةٍ، وكأنَّه يحاول أن يكتم ضحكته رغم أنَّ تعابيره بها كميَّة لا بأس بها من الجديَّة، وقال
«لطالما شعرتُ بأن الكتَّاب في الصَّحيفة هم مجرَّدُ رجالٍ آليين يكتبونَ ما يُملى عليْهِمْ، أو أشخاصٌ مُهدَّدون بالقتل، وحتَّى رهائن
لكنَّكِ قلبتِ الموازين، وكأنَّكِ أنت هي القاتلة، لا مَن يحاولون كتْم صوتك»
سأعترف
لقد شعرت بالإحراج
سأهرب!
«تفضَّل منديلك»
لم يتحرَّك، وظلَّ يتأمَّلني بطريقةٍ أربكتني
«أرغب في لثمك، ولكنِّي لا أعتبركِ جسدًا يمتِّعُني ، بل أنتِ كوْمةُ أفكارٍ عبقريَّةٍ تخدِّر عقلي، أنا أحترمك كأنثى أوَّلا وكإمرأة ناجحَة ثانيًا»
صُدمت, قلبي قرَعَ صدْري بعنفٍ واحتقنَ الخوف في كامل خلاياي، ولكنَّني ألقيتُ بالأخير في دمائي الحارَّة ورددت على ذلك الوقح بسخرية
«أنتم تفعلون هذا، الرجال»
«نفعل ماذا»
أمال رأسه بتساؤل، لمعان في عينيه، لوهلةٍ بدا لي طفلًا يبحثُ عن أجوبةٍ عن أسئلته الكثيرة، وهذا ذكَّرني في ابني الميت لجزءٍ من الثَّانية
-تُلبُّون رغبات الجَّسد وتقدِّسونه دون تفكيرٍ في ما إذا كان ما تفعلونه، أو تقولونه! لائقًا أو لا
-و هل هذا سيِّء؟ فأنتم أيضا تفعلون ذلك
-ماذا؟
-العرب، تقدِّسون دينكم وتحرمون الجَّسد من غرائزه، تلبية نداء الجَّسد إلى حدِّ التَّقليل من قيمته أو حرمانه ممَّا يُحييه سواء
-أؤكِّد لك أن العرب ليسوا بمختلفين، هم لا يمانعون ارتكاب الآثام، ولكنَّهم يمانعون ارتكابَ الكبائر
الأمر مثل تبادل القبل في زقاقٍ بدلا من فعل ذلك علانيَّةً
أنا أفعل كلَّ شيءٍ عن قناعةٍ، رغم أنَّني أُمجِّد الدِّين على أشياء، فهو يقي العالم ويَقي أنفُسنا شرَّنا، نظرًا إلى أنَّ بعض النَّاس يصطفون من الأديان ما يريدون، فيصنعون شعائرًا من آثام، وقانونهم هو خرق القوانين
لكنَّ البشر يحْتاجون إلى قيود، وعلى فكرة الدِّين هو خير قيد، لأنَّه يُروِّض النَّفس قبل الجَّسد، ويروِّضُ الجَّسد قبل النَّفس
-دينكِ، صنعه فيلسوف؟
-خالق الفلاسفة
-تُؤْمنين به؟ خالقُ الفلاسفة
-كالكثيرين، أريد أن أفعل، فليس من العدل أن أتبع بعض أوامره دون أن أُصدِّق بوجوده
-أنا أؤمن بالرب
-كيف؟
-جنون الإحتضار والتَّواصل مع الموتى وقت اقتراب لحظة الفراق، تلك اللَّحظات تشعرني بأن هناك مكانًا آخر لا أعرفه، خصوصًا وأن جدِّي أخبرني في لحظاته الأخيرة بأنَّ الربَّ حق
معه حق!
تذكَّرت صديقتي القاصر وهي تتمتم قبل موتها
﴿اليوم، سيأتون اليوم، ستة، اثنتا عشرة، هم حولنا﴾
وماتت في تلك الليلة
«المهم! كلُّ حبٍّ عذريٍّ ينتهي باغتصاب عقول القراء، لأنَّه كذبة لا تختبئ إلا في الكتب، مع العلم أن ما تشعر به هو مجرد رغبةٍ لا حبًّا، ولكنَّه مجرَّدُ مثالٍ لينقشعَ الضَّبابُ عن مقْصودِي»
بدأ بتحدِّي النظرات المستفزة بيننا، فتفاعلت معه بسرعة
«المشكلة ليست في الرَّغبة، بل في التحكم! لا إنسان بلا رغبة، حتى أنَّك من الممكن أنك رغبتِ بي يوما»
ضحكت، لأن ثقته وخوفه من أبيه متناقضان مضحكان، بشكلٍ مقرف!
-هذا الشُّعور معطَّل عندي
-هذه اللَّحظات التِّي تخاطبينني فيها بكلماتٍ غريبة وحزنٍ شديد مخيّم على نبرة صوتك، هي التي تتزايد فيها فرصي للتَّقرب منك، لأنك تكونين غير واعية بما تقولينه
-يُقتل الوحش في عرينه، ويُقتل الإنسان في لحظات اللَّاوعي، هذا لو كانت هذه الترهات صحيحة بالفعل
-كفاكِ غرورا! فأنت بشريَّة مثلنا
-هل تفسيرُكَ للبشريَّة هو اشتهاء الجَّميع أو الجُّنون؟
-تقصدينَ بهذا أنَّك أردتِ شخصًا آخر ؟ مشكلتكِ لا تَكْمن في حديثي عن الرَّغبة، بل في إقحام نفسي في الموضوع؟ صحيح؟
أستسلم!
فتحتُ بابَ السيَّارة وهربت من صداع رأسٍ محتوم
هذا هو ليفاي
يحبُّ إرباك النَّاس والتَّراقص على أنغام أعصابهم، أسئلته فخاخٌ وأجوبته حقائق أو كذبات مُقنَّعة بفلسفته الزَّائدة عن اللُّزوم
•
•
•
«جميعكم! هذا فعلا!..»
فيوليت، إحدى الزميلات، ركضت تجاهنا بهلعٍ تسرَّب بعضه إلينا
«هل قرأتم الصُّحف اليوم؟ هل شاهدتم الأخبار؟!»
لم يجبها أحدٌ فتنهَّدت بقلَّةٍ حيلةٍ ونطقت رمزًا شفاهيًّا، فتحوَّلت كلُّ الجدرانِ إلى شاشاتٍ عملاقةٍ تَعرِضُ، فضيحةَ الصحفيَّةِ توق؟!
الماضي بحذافيره، زواجي وفقري ومرضي وطفلي والعقد الذي وقَّعت عليه بيدي فتمَّت المتاجرة بي مقابل المال،هروبي من اليمن والنِّهام العصبي الذي مازلتُ أعاني منه
تم فضح كل شيء في التِّلفاز، وفي كل مكان!
التقيت اليوم صباحا بذلك الرَّجل الذي اتَّهمته زورًا بتعنيف زوجته، ودافعت عنها بكلِّ قواي ،إلى أن صُدمت بحقيقتها
وجدته بشوشًا مُنتشيًا إلى درجة إلقاء التحيَّة، التحيَّة التي أبطلها بقولٍ مُبهم
«لقد انتقمتُ اليوم»
خارَت قواي فسقطْت أرضًا، اقترب مني ليفاي برصانةٍ وكادَ أن يمدَّ لي يده لمساعدتي على الوقوف، ولكنَّني نهضْت عن مكانِي، وهربْت
هربتُ من النَّاس، غيَّرت المكان، وتجاهلت أن ما بيدي حيلةٌ مع الزَّمان
فتحَتْ لي عمَّتي الباب بهدوءٍ لم يتعكَّر رغم سُيولِ دموعي وارتجافي الشَّديد
«لا أعلم ما جر...»
قاطَعتْني
«أنا من وفَّرت لذلك الرَّجلِ كلَّ تلك المعلومات»
•
•
•
«يُمكنكَ دعوتُها فذلك لا يُعدُّ إغواءً، شرط ألَّا تبالغَ في زخرفةِ الدَّعوَة»
ماثيو كعادته، منذ ساعةٍ وهو يحاول إقناعي بعكس ما يدور بعقلي من أفكار متيقِّنٌ من أنَّها صبيانيَّة، ولكن لا يمكنني مقاومتُها
«ليفاي! هل تحبُّها؟»
صمتُّ وتجاهلته، غير أنَّه أفزعني بشهقةٍ طفوليَّة مرتفعة الصوت
«أنت فعلا! لا أصدق! آخر حبٍّ غير متبادلٍ لك كان في الثانوية!»
«لتصمت! أحاول أن أكتب»
«نعم لتكتب! ولكن اقلب الصَّفحة لأنَّها مملوءةٌ بالفعل بالخرابيش، أراهن على أنَّني سأجد قلبا مخفيًّا بينها لو دققت النَّظر فيها
أنت تحبُّها بالفعل!»
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
1: رأيكم في الحوارات بين ليفاي وتوق؟
2: لماذا فعلت عمَّتها ذلك؟
3: توقُّعات؟
2/3
🌚
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top