~الفصلُ الأوَّلْ: طلبٌ مُستحيلْ~
{ في هذا العالمِ يُسْحقُ صنفانِ منَ البشَر، الضعفاء والغُرباءُ الخارجونَ عن المأْلوف، وللأسفِ أنا مثالٌ حيٌّ عن الاثْنيْن}
•
•
تصلَّبتْ عروقِي أثْناءَ طيِّ شعْري على ذِراعِ تلْكَ الصَّهْباء، واستحضرْتُ في عقْلي ذكْرياتِ الماضِي القريب -رغْمَ أنَّ الوضعَ الحاليَّ لا يسمحُ بذلكَ ولا يُطمْئِن- فمنَ الطبيعيِّ أن تتعطَّلَ عقولُ جميعِ الآدميِّينَ ما إن يحاطوا بمتنمِّرينَ هدفهمْ الوحيدُ وغيرُ المربح هو إلحاقُ الضررِ بالآخرين.
يسبِّبونَ للضحيَّةِ مِثْلي خوفًا ينتُجُ عنْه خرفٌ مؤقَّتٌ أوْ تأهُّبٌ للدِّفاعِ عن النَّفسِ دونَ تفْكيرٍ مُسْبقٍ، و أنا مستبعدةٌ من الحالاتِ الثَّانية وقدوةٌ لا يُقْتَدى بها للأولى.
في مثلِ هذا اليَومِ ،وككُلِّ يومٍ، كنتُ أصغرَ بكثيرٍ ممَّا أنا عليْهِ الآنَ، فتاةٌ تخوضُ تجربةً جديدةً ألا و هيَ المدرسة الابتدائيَّة، أذكرُ أنَّني وبكلِّ سذاجةٍ قضَّيتُ وقتًا لا بأسَ بهِ أتأمَّلُ انعكاسِي في المرآةِ مانعةً شروخهَا من تشويشِ الرؤية عليَّ مادحةً نفسي على اختياري الرفيع، أقلُّ ملابسي اهتراءً وذيلا حصانٍ بذلتُ جهودًا جبَّارةً في صنعهمَا في أقلِّ صورةٍ سوءًا وبشاعةً.
ظننتُ أنَّ طلَّتي البهيَّة ستطْغى على عيوبِي وتحجُبها عن أترابي، ولكنِّي ارتكبتُ خطئًا فادحًا باعتقادي ذاك، وعدتُ إلى المنزلِ بذَيْليْ حصانِ مفكوكَيْن
«لتَقْبَلي بأَفْعالِي وترْضي عنْها بصمْتٍ، فهذهِ هي ضريبةُ نُقْصك!»
قيلَتْ لي هذه الجملةُ كثيرًا، صَعقَتْ رأسي وفُؤادي معًا مرَّاتٍ لا تحصى ولا تُعدُّ ومن قِبلِ الأغلبيَّةِ السَّاحقة من أترابي، أكرهُ الدَّرجةَ التِّي بلغَها ضعفُ شخصيَّتي وأمقتُ حقيقةَ أنَّ خضوعي وحتَّى ما يجولُ بخاطري يفضحانِ ضعفي لهُمْ ولي ويسلِّطانِ الضوءَ وأنظارَ الجميعِ عليَّ، ولكن ما باليدِ حيلة.
تفرَّسْتُ في ذلكَ الفتَى الذِّي ينقِّبُ في حقيبَتي عن شيءٍ قد يفيدهُ وبالطَّبعِ لمْ يُحالفهُ النَّجاحُ في ذلِكَ، فاكْتفى بإفْراغِ مُحْتواهَا على طاوِلَتي ورمْيي بها فارغةً على وجْهي ليتْبعَ ذلكَ تردُّدُ صدى ضحكاتهِمْ في الأرْجاء
أسمِعْتُمْ يوْمًا بشابَّةٍ فتيَّةٍ من النَّوعِ النَّاطقِ الصَّامِت؟ ثرثارةٌ من الدَّاخلِ وبكماءُ من الخارِج؟ تلْكَ هي أنا
«الأُسْتاذُ قادِم!»
أَعْلنَ ذلكَ الأسْمرُ فارعُ الطُّولِ عنْ إقبالِ الأُسْتاذِ أدْهَمْ ليُنْقِذَني من براثنِهِمْ أوَّلًا ويدرِّسنَا اللُّغةَ الانجليزيَّةَ ثانيًا، وبالفعْلِ حرَّرَتْ تلْكَ الفتاةُ خصلاتَ شعْري من قبضتِها قبلَ أن تُعْربَ عن مشاعِرِها الصَّادقة تجاهي
«ستتوقُ نفْسي إلى اللَّعبِ معكِ يا فتاة»
تلاعبَتْ باسْمي (توقْ) في قوْلِها ثمَّ انسحبتْ هي ورفاقُها من معركتِهِمْ الرَّابحة ضدِّي وعندَها تملَّكني صُداعٌ حادٌّ وآلامُ معدةٍ بدلًا من تنفُّسِ الصُّعداء، ولأخفِّفَ وقْعَ تلكَ المشاعِرِ عليَّ قضمْتُ شفتيَّ لاإراديًّا ووخزْتُ جلدِي بأظافري كيْ ألهي نفسي عن أوجاعي بتخْليفِ أُخرى مكانها على جسدي المعتلّ
طريقةٌ ابتدعْتها من العدمِ وأنفِّذها تلقائيًّا إلى أن صرْتُ شبهَ متأكِّدَة من أنَّه تصرُّفٌ طبيعيٌّ يقومُ به أمْثالي
•
«صباحُ الخيْر!»
لوَّح لنَا بيُمْناهُ وحاوَلَ صنعَ تواصُلٍ بصريٍّ مع كلِّ فردٍ منَّا لقراءةِ الجوِّ العام ثمَّ افترَّ ثغرهُ كاشفًا عن ابتسامةٍ لطيفةٍ لم نتفاجأْ منها بل اعتدْنا على مثيلاتها ونعلمُ جيِّدًا أنَّه يحاولُ باستمرارٍ التودُّدَ إلينا وإذابةَ الجليدِ اللَّامرئي عن قلوبِ الجميع كما نعلمُ أنَّه سيفشل في ذلكَ لامحالة
أشعرُ بالأمانِ بوجودهِ معنَا، رغمَ أنَّ المسافات بين المقاعد والمراقبةَ من قبلِ الأستاذ لم يشكِّلا لهم عائقًا
«ابنةُ حرام!»
همسوا بها من كلِّ حدْبٍ وصوبٍ فضاقتْ مساحةُ القاعةِ وحبستْني بعيدًا عن احتماليَّة الهروبِ منهم بأشواطْ، لكنَّني وفي منفايَ حدَّقتُ إليهِ فهوَ متعةٌ للبصرِ.
مظهرهُ ساعدني على تخيُّلِ العالمِ الذِّي أتانَا منْهُ رغمَ أنَّ مصادرَ معلوماتي القليلة عنهُ غيرُ موثوقة، كمحادثاتٍ بين زملائي سمعتها دون قصدٍ
هو ليسَ مخلوقًا آخر ولا أقصدُ أنَّنا بشعونَ ولكنَّهُ فقطْ مختلفٌ بشكلٍ جميل
لهُ لحيةٌ خفيفةٌ و فكٌّ حادٌّ يفضحُ قسوةً مخفيَّةً رغمَ ليونتهِ في التعامل مع الجميع، أعضاءه متناسقة فعيناهُ السوداوان و أنفهُ و فمهُ متوسِّطو الحجم، كتفاهُ واسعانِ و هناكَ شعرٌ خفيفٌ مهذَّبٌ بينَ حاجبيه، أمَّا شعرهُ النَّاعمُ الذي يصفِّفهُ بعنايةٍ كلَّ مرَّة، فقدْ تلوَّن بنفسِ لونِ مُقْلَتَيْه، أو هذا ما استطاعت عيناي رؤيته، مع العلمِ أنَّ بهما خلل
يُكثرُ من البدلاتِ بشتَّى الألوان، قبلَ أن يفاجئَنا بملابسَ رياضيَّة و العكسُ صحيح، أشياء رأيْناهَا في الكُتُبِ فقطْ بينمَا الواقعُ مليءٌ بالأسمال البالِية والأحذيَة المُهترِئة...حتَّى أنَّني ألمحُ زملائي يتنافسونَ على من زخرفَتْ ملابسهُ رقعاتٌ أكثرَ أو أقلَّ من البقيَّة
•
عدتُ إلى الواقِعِ عنْدَما ضربَ الأستاذُ خشبَ طاولتِهِ فوجدتُ جميع الرؤوسِ مخفوضةً كتبَ أصحابُها الكثيرَ أثناءَ سهْوي
تنهَّد و استأنفَ عملَهُ بعْدَ أنْ تأكَّدَ منْ أنَّني استلمْتُ قلَمي وصوَّبْتُ نظري إلى السبُّورةِ محاولةً نسْخَ ما هوَ مكتوبٌ عليْها في عقلي المشتَّت
كدتُ أن أغرقَ مجدَّدًا في اللَّاوعي فحال الجرسُ دون ذلك
«توقْ! أنتِ ابقي هنا لنتحدَّث قليلًا»
لا أريد!
هذا أمرٌ شبهُ مستحيل!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
1: هل تعرَّضتم للتنمُّر مرَّة في حيواتكم؟
2:ما هو انطباعكم الأوَّل عن الأستاذ؟
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top