لقاء مجددًا
هرع «أهيب» نحو «آصف» ركضًا، وقلبه يخفق في صدره كطبول حربٍ مشؤومة، وهو يهتف بجزع:
"ماذا حدث بينكما؟!"
كان «أهيب» يقف على مبعدة منهم، يراقب بصمت مشوب بالريبة، آثر ألا يتدخل حين رأى الحديث بينهما يشتعل بنظراتٍ خفية حتَّى تلك اللحظة المروعة حين اختار الرجل أن يلقي بجسده إلى الفراغ كأنَّما سئم ثِقل الحياة على كتفيه.
وقف «آصف» مشدوهًا، عيناه معلقّتان على الحافة التي شهدت الفاجعة، أنفاسه مُتقطعة كمن خرج للتو من غمر الماء، يحدق في الفراغ الذي ابتلع الرجل.
لم يستوعب الأمر بعد، كيف لرجلٍ كان قبل لحظات يحادثه، ينبض بالحياة، أن يختار الموت بمثل هذه الحتمية الباردة؟ كيف لم تُنبئه عيناه بذلك القرار القاتم، أو ربما، كان يعلم لكنَّه رفض أن يُصدق؟
لقد كان قريبًا، قريبًا جدًا! كان بإمكانه أن يمد يده، أن يُمسك به، أن يجرّه مِن على حافة الهلاك، لكنَّه في اللحظة الحاسمة تجمَّد كأنَّ الموت قد أمسك بتلابيبه قبل أن يمسّ ضحيته.
كان الصمت بعد السقوط قاتلًا، مُعلقًا في الهواء كالشَرَر، وبين أنفاس «آصف» المرتجفة، كان سؤالٌ مُرعب ينخر في أعماقه كنصلٍ صدئ:
لماذا؟ ولماذا الآن؟
استفاق «آصف» من شروده العميق كمن ينتزع روحه مِن غياهب ماضٍ يأبى الاندثار، وعاد إلى الحاضر مثقلاً بأسئلة تُدمي القلب: كيف استطاع ذلك المجرم الإفلات مِن قبضة الموت؟ لقد رآه بأمِّ عينيه يهوي كاوراق الشجر في الخريف، لقد جابوا المكان حينها، قلبوا التراب، فتشوا الزوايا الموحشة حتَّى جدران الصمت نبشوها، لكن الجثة استعصت على الوجود، خلصوا إلى أنَّه ابتُلِعَ في جوف البحر، فأسدلوا ستار القضية.
آخر خيط لهم كانت صورة شاحبة التقطتها عدسة كاميرا متجر صغير، قبل أن تبتلع العتمة المدينة بانقطاع التيار. هناك ظهر الرجل كطيفٍ عابر، يصعد تلك البناية حيث وُجد القتيل غارقًا في دمائه، لم يكن وجهه جليًّا، مجرد هيكل يمشي بين الخلق، لم يثر ريبة ولا فضولًا، فمظهره المتواري خلف معطفه الثقيل لم يكن غريبًا؛ الجميع يومها بدوا مثله، منكمشين تحت وطأة المطر والريح، وجوههم نصف مخفية، رؤوسهم مطأطأة، غير واعين بأن الموت سار بينهم بخطى واثقة، وتوارى بينهم.
تطلَّع «آصف» إلى الجثة بعينين جامدتين كمن يُمعن النظر في لوحةٍ دموية أبدعتها يدُ قاتل متمرِّس، كانت هذه بلا شك أروع جريمة ارتكبها «جاسر» حتى الآن.
لقد شهد له الماضي بعشرين جريمة، كل واحدة منها تُنازع الأخرى في البشاعة، لكن هذه، هذه كانت أفظعهن كأنَّها صرخة أخيرة في وجه الرحمة، إعلانًا صارخًا بأن الموت حين يمر من تحت يديه، يترك بصمة لا تُمحى، ورعبًا لا يُنسى.
تسمّر «آصف» في مكانه، محدِّقًا في الجثة المسجَّاة تحت ملاءة بيضاء لم تستطع إخفاء ما تحتها، وبقع الدم الجاف تناثرت كلوحة سريالية عبثية، وقد تكوَّمت إلى جانبها أعضاؤها المبتورة المرصوصة بعناية ونظام مخيف كأنَّ القاتل أراد أن يبعث برسالة واضحة: هذا ليس قتلًا عاديًا.
غُطّيت تلك الأشلاء بملاءة أخرى بالكاد تُخفي فظاعة ما تحتها، لكنها تُلمّح أكثر مما تُخفي.
كان المشهد مهولًا يبعث في النفس رجفةً خفيّة، رائحة الدم تتسلّل في الهواء كعطر آثم، لكن «آصف» لم يرتجف، بل اكتسى وجهه بقناعٍ من البرود المُتقن؛ فقد ألفت عيناه رؤية الموت في أقبح صوره حتَّى غدا مألوفًا له كما تألف العينُ الظلمة بعد طول مكوث.
لم يكن الاشمئزاز زائرًا في صدره ولا الصدمة، فقط ذلك الصمت الثقيل الذي يُخيّم على الروح حين تصبح الحياة والموت وجهين لعملة واحدة، لا يثيران في النفس إلا ملل التكرار.
انحنى «آصف» رويدًا كمن يطل على هاوية سحيقة، ثمَّ رفع طرف الملاءة بحركة متأنِّية كأنَّه يخشى أن تنفث الجثةُ سرّ موتها في وجهه.
واجهتْه تلك النظرة الزجاجية الجامدة، عينان فاغرتان على وسعهما تشيّان برعب قاتل وكأنّ الضحية قد أبصر ملك الموت يُقبل نحوه في بطء قاتل، لكن صوت الاستغاثة ضلَّ طريقه إلى الشفاه، فتعلّق في الحنجرة كصرخةٍ لم تُولد.
تنفّس «آصف» بعمق، ليس تنفّسًا يُزيح عن الصدر ثقله، بل محاولة يائسة لإخماد ذلك الخدر المُظلم الذي يزحف في روحه مع كل جريمة جديدة، ثمَّ ألقى نظرة طويلة، ليست نظرة اشمئزاز أو خوف، بل نظرة من اعتاد مُداهنة الموت حتَّى صار وجهًا مألوفًا يلتقيه في كل زاوية قاتمة.
التفت إلى المحقق الذي تبعه إلى الداخل، وعيناه تنطقان بما لم يقله لسانه، ثمَّ قال بصوت خفيض، لكنَّه حادّ كحدّ الموسى:
أريد تقريرًا أوليًا خلال ساعة، هذا القاتل لم يُلقِ آخر أوراقه بعد، فهو لن يتوقف عند هذا الحد."
اِنقضى أسبوع مكفهر كأنَّه دهر، وكان «آصف» جالسًا في مكتبه، جسده مُلقى على الكرسي بعشوائية كمن هزمته معركة خفية.
أسند رأسه إلى يده، أصابعه تغوص في شعره المُبعثر كأنَّه يحاول اقتلاع الأفكار الَّتي تسرّبت إلى عقله.
كان هذا الأسبوع مِن العمل مرهقًا حد الإنهاك، وعلى غير ما اعتاد مِن «جاسر» ذلك الوحش الَّذي كان يترك فسحة بين كل جريمة وأخرى كمن يمنح ضحاياه مهلة أخيرة للحياة، أو كأنّه يستمتع بمراقبة الفزع وهو ينمو في الظلّ، لكن هذه المرة، كسر عادته المبهمة، جريمتان في أسبوع واحد كأنَّ نهمه للدماء قد خرج عن السيطرة.
حدَّق «آصف» في الأوراق المبعثرة أمامه، عينيه الغائرتين بالسهر والارتياب تائهتان بين سطور التقارير كأنَّه يبحث عن إبرة واهية وسط كومة من القش.
راح يُقلّب الأمر في رأسه، يزن التفاصيل ويقيس المسافات بين الجريمتين، حتَّى ارتسمت على شفتيه ابتسامة مُرهقة نصفها شماتة بالقدر، ونصفها رضا مشوب بالسخرية من هذا الخصم الذي يُرهقه ولا يرحمه.
تمتم بصوت خفيض، وكأنّه يُخاطب طيف «جاسر» المختبئ في العتمة:
"لقد أضناني هذا الأسبوع، لكن لولاك لما كشفت تلك العصابة الملعونة، عصابة الأعضاء!"
لم تمضِ سوى أنفاسٍ معدودات حتَّى دوى صوت قرع على الباب، فرفع «آصف» رأسه المُتعب، لينفرج الباب رويدًا، وبان منه المقدم «أهيب»، فدخل بخطوات واثقة، تحمل من الوقار ما يُجبر الهواء نفسه على التراجع احترامًا.
وما إن وقعت عين «آصف» عليه حتَّى انتفض، ثمَّ وقف على الفور، حركة آلية غرستها السنوات في عظامه، ورفع يده بالقرب من رأسه في تحية تنضح بالانضباط، رغم التعب الذي كان يجثم على صدره كثقل جبل.
ارتسمت على وجه «أهيب» ابتسامة وديعة، لكنَّها ذات مغزى، نصفها مودة ونصفها أمر غير منطوق، ثمَّ قال بنبرة هادئة تحمل في أعماقها حزمًا لينًا كحدِّ السيف المغمد:
"اجلس يا آصف، ليس بيننا هذه الرسميات."
ارتخت ملامح «آصف» قليلًا كأنّ ثقل الأيام انزاح للحظة، لكنَّه جلس ببطء، لم يكد يلتقط أنفاسه حتَّى باغته صوت «أهيب»، جاء صوته هادئًا لكنَّه يحمل بين خلفه قلقًا خفيًّا كمن يستنطق اليقين من بين براثن الشك:
"أخبرني، هل حقًا قادتكم جريمة قتل تلك المرأة إلى كشف عصابة تتاجر بالأعضاء؟"
رفع «آصف» عينيه ببطء، نظرة مثقلة كأنّه يحفر في ذاكرته المتعبة، ثمَّ حرّك رأسه في إيماءة خفيفة وكأنّه يُقرّ بحقيقة ما زالت تطوف في ذهنه كطيف لم يغادر بعد، فقال بصوت مُتعَب، لكنَّه ثابت:
"أجل، تفحصنا هاتفها، فكان أشبه ببابٍ سري إلى عالم سفليّ يعجّ بالخطيئة، وجدنا رسائل واضحة كشفت لنا أوكارهم وما إن جمعنا الخيوط حتى أسقطناهم وألقينا القبض عليهم."
ساد الصمت في الغرفة، لا يُسمع سوى صوت عقارب الساعة تُعلن مرور الوقت، حدَّق «أهيب» في الفراغ للحظة، ثمَّ قال بصوت خافت كمن يُقلب صفحات ذاكرة:
"هذا المجرم يُذكرني بذلك الَّذي ألقى بنفسه أمام أعيننا مِن أعلى العمارة قبل عامين."
كسر «آصف» الصمت، فجاء صوته حاسمًا يقطر يقينًا لا يعرف التردد:
"أنا واثق أنَّه هو."
اِرتفع حاجبا «أهيب» ببطء، عيناه تعكسان دهشة مشوبة بالريبة وكأنَّه يحاول تفنيد المستحيل، فتساءل بنبرة تائهة بين المنطق والشك:
"لكنه سقط أمامنا، كيف يُعقل ذلك؟ قد يكون مجرمًا يتتبع خطاه."
ظهرت على شفتي «آصف» ابتسامة جانبية، ثمَّ قال بصوت يفيض بالثقة المُبهمة:
"أنا متأكد لقد نجا بطريقة ما، هذا ليس صدفة عابرة، إنه يسير على ذات الخطى، نفس التوقيع الدموي، وحتَّى تلك العلامة تركها بعناية، وكتب وقتًا لم نفكّ شفرته بعد، أنا واثق أنَّ هذا الوحش لم يمت في تلك الليلة."
فكَّر «أهيب» هنيهةً، ثمَّ قال بصوت هادئ وكأنَّه يُلقي بجملة لا يود الخوض في تفاصيلها:
"ربما أنت على صواب."
قالها ومضى تاركًا خلفه صمتًا مريبًا، أغلق الباب خلفه بلطف، لكن في أذن آصف بدا الصوت وكأنه إغلاق على سرٍّ غير مُعلن.
عاد الصمت ليُخيم، لكن في داخل آصف كان العكس تمامًا، عاصفة أفكار لم تهدأ منذ أسابيع، والآن ازدادت ضجيجًا.
جلس في مكانه يحدق في الفراغ أمامه، يُحاول إقناع نفسه أن نظرة أهيب الأخيرة لم تكن غريبة، لكنَّها كانت!
لم يفعل «أهيب» شيئًا مُريبًا، لم يُخطئ في أي شيء، ومع ذلك كان هناك إحساس غريي يُلحّ على آصف، إحساس وُلِد مِن رحم القلق، مِن تلك الغرائز المرهفة التي تتكوّن لدى رجال الشرطة مع الوقت عندما تُصبح قراءة الأشخاص مهارة متطورة، وأحيانًا لعنة.
كان يعرف أنه لو أخبر أحدًا بشكوكه، لبدَا الأمر سخيفًا، كيف يَرتاب في مقدم أعلى منه لمجرد إحساس؟ لكنَّه لم يكن قادرًا على تجاهل تلك الوخزة في صدره كأنَّ هناك قطعة مِن الحقيقة مختبئة في الظلال تنتظر منه أن يكتشفها.
نهض فجأة، كأن الجلوس صار عبئًا لا يُحتمل. فتح النافذة بعنف، فاندفع الهواء البارد إلى الغرفة، كأن الطبيعة نفسها تُريد تبريد رأسه المشتعل.
مرّ شهر آخر، وفي قلب بيت مهجور غارق في ظلام دامس يُرخي سدوله ككفنٍ أسود، جلس ذلك الرجل متكوّرًا في زاوية الغرفة يقبض على رسالة آتته بيد مرتعشة كمن يُمسك جمرة تحرق أنفاسه.
منذ أسبوعين، ظلَّت تصله رسائل غامضة، رسائل تهديد تنبش في أدقّ تفاصيل حياته وكأنَّ مرسلها يتنفس بجواره، يُراقبه بعينٍ خفيّة لا تُغفل شيئًا.
كان الصمت مِن حوله كثيفًا، لكن فجأة صدح صوت عميق واضح كأنَّه ينبعث من جدران الغرفة ذاتها، لا جهة له، ولا صدى، كأنه يتحدث مباشرة إلى روحه المرتجفة:
"استعد؛ فلقد حانت لحظتك!"
تجمَّد الدم في عروقه، جحظت عيناه وهو يلتفت يمنة ويسرة بجنون، يبحث عن مصدر الصوت، لكن الظلام من حوله كان أشبه بوحشٍ صامت يراقب بصبر.
ارتعشت أنامله، وبدأت أنفاسه تتسارع، بينما الصوت، ذلك الصوت المجهول كان ساكنًا الآن كأنه يبتسم في الظلام، منتظرًا اللحظة التالية.*
فجأة دوت فرقعة عنيفة، باب الغرفة ارتجّ بعنف، ليُقتحم كأنَّه انصاع لقوة لا تُرى، وصوت الخشب المتهالك يصرخ بسبب الاندفاع.
وقبل أن يلتقط أنفاسه، تجسّدت أمامه هيئة ملتحفة بالسواد كأنَّها شبحٌ انبثق من الظلام، فصرخ صرخة خنقت حلقه وهو يضغط على يده، ثمَّ حاول التراجع، لكن الرجل الأسود اندفع نحوه كريحٍ هادرة، ورفع يده استعدادًا لضربةٍ قاضية
وفجأة، انفجرت الغرفة بالضوء! أضاءت المصابيح دفعة واحدة، كأنَّها كشفت الستار عن مشهد طال انتظاره، عميت عيناه للحظة من وهج المباغتة، وحين عاد إليه بصره، رأى وجهًا، خرج مِن الظلال، لقد كان «آصف» الذي وقف عند الباب، عينيه تومضان ببرود قاتل كمن ينتزع فريسته من بين مخالب الموت.
اِلتمعت عينا «جاسر» ببريقٍ ماكر كأنَّ شرارة الخطر أيقظت فيه غريزة الوحش المُحاصر. إذًا ذلك الإعلان الذي غزا صفحات الجرائد، وتردد في محطات التلفاز مُحذّرًا الناس مِن مجرم هارب على وشك الإعدام، لم يكن سوى فخ، نُسج بخيوط دقيقة لاستدراجه، لقد جُرّ إلى هذا المكان كما تُساق الفريسة إلى مكمن الصيّاد، وغشاوة الكبرياء كادت تعميه عن إدراك ذلك.
تحرّك سريعًا، لكن خطوته بُترت حين رأى «آصف» يقف أمامه شامخًا يُحدق فيه بعينين جامدتين كعيني ذئب يُراقب فريسته الأخيرة.
ارتسمت على شفتي «جاسر» ابتسامة جانبية، نصفها سخرية ونصفها استفزاز، ثمَّ اندفع بلكمة خاطفة موجهًا إياها إلى وجه «آصف»، لكن الأخير كان كظلٍّ مراوغ، تنحّى بجسده في اللحظة الأخيرة بخفّة قاتل اعتاد الرقص على لحن الموت.
لم يستسلم «جاسر»، ارتفع قدمه في حركة مباغتة قاصدًا تسديد ضربة تُدمي أحشاء «آصف»، لكن الأخير كمن يقرأ نوايا خصمه قبل أن تُولد، دار حوله بخفة أفعى تُطوّق فريستها، ليصبح يقف خلفه، أراد أن يُحكم ذراعه حول عنقه، ويقطف أنفاسه كمن يقطف وردة ذابلة، لكن الحقيقة خانته، قصر قامة «آصف» الَّذي لم يتجاوز المئة والسبعين سنتيمترًا جعلته عاجزًا عن بلوغ عنق ذلك العملاق الَّذي تخطى المئة والثمانين.
عندها وفي لحظة من الصمت المشحون، تلاقت أعينهما، كان في نظرة «جاسر» شيء مِن المفاجأة، بل من الخوف المُقنّع!
لقد ظنَّ أنَّ هذه المعركة محسومة لصالحه منذ اللحظة الأولى، فجسده الأقوى والأضخم كان كفيلًا بإنهاء المواجهة سريعًا، لكنَّه أدرك متأخرًا، أنَّ قوة «آصف» لا تكمن في العضلات المشدودة ولا في اللكمات القاضية، بل في تلك المرونة الماكرة، تكمن قوته في فن المراوغة الَّذي يجعل ملاحقته أشبه بمحاولة القبض على الهواء، وكان «جاسر» يُدرك جيدًا كم يُرهقه مَن يجيد الرقص مع الموت بهذه البراعة.
تجمَّد «جاسر» في مكانه كأنّ الأرض شلَّت قدميه، وقف مستسلمًا، وأخذ يلهث كوحش منهك، صدره يعلو ويهبط بعنف، وجسده يرتعش ارتعاشًا خفيفًا، لكنه لم يكن من برد، بل من إدراك مفاجئ بأن اللعبة قد انتهت.
لم تمر سوى ثوان حتَّى دوّى صوت اقتحام الباب كطلقة في الفراغ، واندفع رجال الشرطة إلى الغرفة، وفي لحظة كانوا فوقه كأنَّهم أشباح خرجت مِن العدم، ألقوا به أرضًا، قيدوا معصميه ببرود احترافي، ثمَّ جروه كغنيمة مهزومة نحو السيارة.
كان «جاسر» صامتًا، عيناه تحدّقان في الفراغ بعناد غريب، وكأنَّه يحاول استيعاب أنَّ هذا المشهد الَّذي طالما خطط لتفاديه قد أصبح الآن حقيقةً دامغة، وبرغم القيود التي تُكبل يديه، كان في نظرته بقايا ابتسامة باهتة كمن يؤمن أن الفصل الأخير لم يُكتب بعد.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top