البارت الثالث

"مسكت القلم لأكتب همي، فإذا بالقلم يبكي قبل أن تدمع عيني"

دخلت روز البيت، و الذي على شكل فيلا كبيرة لا وجود لأي مؤشر على الحياة فيها، عدا تلك الفتاة التي بالكاد بلغت الثامنة عشرة قبل أيام.

أنارت الأنوار و رمت بحقيبتها على الأريكة الموجودة في غرفة المعيشة الكبيرة، و اتحهت نحو المطبخ لتعد لنفسها العشاء، ما إن انتهت وضعت صحنا واحدا لها و العديد من الأطعمة المتنوعة على طاولة الطعام، و جلست وحيدة بعد أن أشعلت التلفاز المتطور الموجودة قبالة الجدار، فإذا بها تلك القناة تعرض خبر القبض على والد روز.

بالرغم من أنه قد مر ما يقارب ثلاث سنوات على ذلك الحادث، بيد أنهم قد أعادوا عرض الخبر مرارا و تكرارا و كأنهم لا يملكون أية أخبار أخرى، فلقد كانت المذيعة تقول:

نحن الآن أمام منزل عائلة كويني الشهيرة.. و قد تم القبض على السيد مورين كويني بعد أن قتل زوجته بطلق ناري أمام ابنته التي تم تبنيها مؤخرا.. فضيحة لا و لن تنسى لعائلة كانت من أشهر...

فجأة غيرت روز القناة بسرعة قبل أن تنهي المذيعة كلامها، بعد أن لمحت الشرطة يقبصون على والدها، و ما هي إلا ثوان حتى امتلأت عينيها بالدموع و إذا به بنبئ على هطول نافورة من الدموع الساخنة.

كانت تأكل و بالكاد تبلع لقمتها، كانت تشعر بالضيق و الإختناق، و بدأت تقنع نفسها بأنها فعلا منحوسة، لم تستطع روز إنهاء كل ما طبخته فجمعت كل شيء و رمته بالقمامة، ثم اتجهت صوب غرفتها لتستعد من أجل الرحلة المدرسية للغد.

قررت أن تأخذ من ثياب ما سيكفيها لأجل الأياما الثلاثة التي سيقضونها في المخيم، و غيرها من الأغراض اللزمة، و من ثمة خلدت للنوم، لكن كالعادة أزعجها ذلك تلحلم المبهم أو بالأحرى الكابوس المرعب، و خاصة ذو العينين الفضيتين.

لكن الحلم لا يقتصر على هذين فقط بل أحيانا تشاهد شيئا عن سيف تحيطه هالة مرعبة و كأنها طاقة ظلام شريرة، و هو موجود في قاع الأرض، و تحيطه كثير من الفخاخ و الحراس و غيرها حتى طائر العنقاء الأسطوري الذي يصم صياحه الآذان، و هو ما يفزعها ماعدا العينين الفضيتين.

أنذرت الخيوط المشعة المنسابة عبر النافذة بحلول يوم جديد خال من الهموم التي خلفها ضوء القمر الخافت، لتداعب روز خصلات شعرها المتمردة و التي تحاوط وجهها في كسل، ثم تنهض و هي تتثاءب لتقوم بتحية نفسها بنوع من الحزن:

صباح الخير روز... الوحيدة

غيرت ثيابها بسرعة و جهزت لنفسها الإفطار، و عندما تناولته انطلقت نحو غرفة والديها الفارغة و التي يغطيها الغبار، لأن أحدا لا يدخلها حتى روز، و هذه كانت أول مرة تتخطى عتبة هذه الغرفة.

اتجهت مباشرة إلى الخزانة و فتحتها، لتبعد تلك الثياب، فتجد بداخلها خزنة سرية فراشرت بفتحها، بالطبع هي تعرف كلمة السر فوالدها أخبرها بها لكي تستخدم النقود الموجودة فيها في حالة ما إذا احتاجتها.

أدخلت كلمة المرور، فإذا بها كومة النقود تظهر من تلك الخزانة الكبيرة، لكنها دفعت النقود جانبا و أخذت الشيء الملفوف بالمنديل الأبيض، أشاحت روز المنديل عنه ليتضح أنه مسدس ، فأخفته بداخل الحقيبة بعد أن أعادت لفه جيدا.

أخيرا خرجت من البيت و هي تحمل حقيبة التخييم خاصتها، و ذهبت مباشرة للمدرسة حيث كان الجميع متحمسا من أجل رحلة التخييم الشيقة، فما إن دخلت الحافلة المدرسية حتى لمحت روي الجالس بجانب النافذة و يحيط به أصدقاؤه، و هم يتبادلون أطراف الحديث و يضحكون.

لكنه ما إن لمح روز حتى تغرت ملامحه فجأة أشاح بنظره بعيدا عنها و كأنه يحاول إشعارها بالذنب، بالرغم من أنها ليست المذنبة.

حاولت روز أن تتجاهل ذلك، فتقدمت بعد أن ارتسمت ابتسامة حزينة على وجهها بصعوبة، و جلست في الخلف بمفردها، لأن أحدا لا يقبل محادثتها أو الإحتكاك بها، و ذلك لذنب لم تقترفه بتاتا.

أخرجت سماعات الأذن من جيب حقيبتها و أوصلتها بهاتفها الذكي، و راحت تستمع للموسيقى الهادئة، و بعد لحظات انطلقت الحافلة إلى وجهتها، كانت روز تشاهد من خلف نافذة الحافلة الأماكن التي يمرون بها، إلى أن توقفوا عند محطة وقود، فإذا به أحد الأساتذة يخاطبهم:

يا تلاميذ سنتوقف لعشر دقائق.. لدى إن احتاج أحد شيئا فليجلبه لأن محطتنا التالية ستكون منعزلة عن المحلات التجارية...

ثم خرج الجميع من الحافلة ليدخوا المحل التجاري الصغير المرفق بالمحطة، ما عدا روز التي فضلت البقاء بمفردها في الحافلة، و بعد مرور حوالي الخمس دفائق، صعد روي و كان مبتسما إلى أن لاحظ وجودها، فرمقها بعيون حاقدة، و كأنها ارتكبت جرما في حقه.

جلس في المقعده الموجود في المقدمة تقريبا، متجاهلا روز و كأنها غير موجودة، هي الأخرة لم تهتم و استمرت بالتحديق خارج النافذة في الفراغ، و فجأة عادت إليها ذكريات الحلم المزعج ثانية، فقد كانت شاردة الذهن، إلى أن ظهرت تلك العيون الفضية و الإبتسامة الواسعة.

مما جعلها تنتفض من مكانها بهلع و هي تتراجع للخلف، كأنها لم تستفق بعد، بينما عينيها معلقتان على إطار النافذة الصغير، التفت روي إلى الخلف إثر الجلبة التي أصدرتها أثناء انتفاضها، و هو ينظر إليها ثارة و ثارة إلى حيث تنظر هي أو بالأحرى إلى النافذة.

فجأة استشاط غضبا و صرخ في وجهها:

ماذا تظنين نفسك فاعلة..؟ أتحاولين إثارة الإنتباه...؟

لم تنتبه عليه روز فهي ما وزال مصدومة، لأنها ترى ذلك الوجه صاحب العينين الفضيتين معلقا على النافذة، و كأنها جنت تماما، و قد بدأت الدموع تنهمر بغزارة من عينيها دون أن تشعر، أو أن تصدر صوتا حتى، و كأنها مخدرة.

و هذا ما زاد من حيرة روي، فتقد نحوها بعصبية و وقف أمامها، و هو يحذجها بعينيه، إلى أن استفاقت فجأة و وضعت كف يدها على خدها تتحسس تلك الدموع، ما يعني أنها لم تكن تعي ما تفعله، ثم مسحت دموعها بسرعة و بدأت تدور بعينيها في المكان، إلى أن أتاها رد روي على تصرفها ذاك:

غريبة أطوار...

أنهى جملته و عاد إلى مقعده دون إضافات، و لم يسألها حتى عما حدث، و هي الأخرى عادت إلى مكانها و قلبها يكاد يخرج من مكانه بسبب هول ما رأته في النافذة، لكنها حاولت تجاهل كل ذلك و أكملت في الإستماع إلى الموسيقى و اللعب بالهاتف، و حاولت قدر الإمكان تجنب النظر من النافذة.


Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top