24~جَوَانِبْ خَفِيَّةْ!


قراءة ممتعة💜

﴿الْأَيَّامْ لَا تُغَيِّرُ أَحَداً، بَلْ تُظْهِرُ النَّاسَ عَلَى حَقِيقَتِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْدَادُ جَمَالاً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْكَشِفُ زِيفُهْ﴾

- غسان كنفاني.


●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●

إنتهى المهرجان بنجاحٍ باهر وكلامٍ مفرح من قبل كافة النُّقاد.

كما وعاد الجميع الى بيوتهم بعد ليلةٍ حافلة من كل النواحي والجهات.

عاد كذلك أصحاب الحفل الى القصر، وعندما كانت ايرين على وشك الدخول الى غرفتها تم إيقافها بكلمة.

- انتظري!
أمسك تايهيونغ رسغها قبل أن تدخل غرفتها، فحدقت به بإستفهام، إلا أنّ إجابته لنظراتها تلك قد تلخصت في سحبه لها نحو غرفته.

أوصد الباب وفك ربطة عنقه ثم تنهد، وفي أثناء حدوث كل هذا كانت حسناء الحفل تنتظر جواباً يشفي غليلها لما إرتكبه بحقها الليلة، وقد بدى توترها جليّاً إثر ضغطها لحواف سترته المتموضعة فوق كتفيها بأناملها الصغيرة!

أغمض عيناه لهنيهات، ثم فرّق جفنيه ليشاطرها مبارات التحديق.

- بشأن ما حدث قبل ساعة...كنت أبحث عنكِ حينها ولم أجدكِ! خِفت أنّ مكروهاً قد أصابكِ او شيءٌ من هذا القبيل، وعندما واصلت البحث أكثر وجدتكِ رفقة جيبوم، إستشعرت إنزعاجكِ من لمساته القذرة، فكذبت وإدعيت ما قلت...لم أجد حلاً آخر!

أزفرت تنهيدةً كانت قد كتمتها من أجل هذه اللحظة، وناظرت الأرض أسفلها قبل أن تعيد عيناها وتثبتهم نحو خاصته.

- أشكرك على هذا حقاً...ولكن ما تفوّهت به سيؤثر على حياتي وحياتك الشخصية تايهيونغ! انت تعيد ذات الخطأ وتكرره للمرةِ الثانية وفي فتراتٍ متقاربة أيضاً!..كلامي هذا لا ينمّ عن غضبي منك، ولكن جيبوم ليس بالشخص الذي ستستطيع أن تطلب منه الصمت وعدم التحدث كذاك الرجل!..هذا سيؤثر سلباً على حياتك انت بالذات تايهيونغ!

تمنى لو يخبرها أنّ كلامه كان صادق المنبع وحقيقياً تجاهها، وأنه لن يهاب أحداً طالما يتسلح بحبه لها، ولن يخاف من قول هذا أمام الملأ أيضاً.

- أتفهّم كلامكِ جيداً...ولكن يجب أن تعلمي أنّ كل ما قلته لن يؤثر! لن يؤثر على حياتكِ ولا على حياتي أبداً، ايرين...أريد منكِ حفظ هذا الكلام كما تحفظين إسمي تماماً!

شعرت بالغرابة تجاه كلامه المبهم، إلا انها لم تتفوه بأي حرف...بل ظلت تناظره بصمت!

أعاد شعره للوراء ثم إنسدل على جبينه من جديد ليقول بهدوء:
- لا تناظريني بهذا الشكل، تشعرينني كما لو اني إرتكبت خطيئةً عظمى بحقك! لما ينتابكِ التوتر وهي الحقيقة!

عقدت حاجبيها بإستنكار لهذيانه الغير مفسر، وبكلماتٍ دون مغزى بالنسبةِ لها!

- مالذي تقوله تاي؟!

نظر إليها نظرةً ملؤها الحب والدفئ قبل أن يقضي على عدد الخطوات الفاصلة بين جسديهما...انه لا يقاوم طريقة نطقها لإسمه بهذا الشكل وكذلك صوتها العذب في لفظها!

- لا تهتمي، كل ما أريده منكِ الآن هو أن تثقي بي...حسناً؟
إمسك كتفيها وناظرها بترجي، فرمشت عدة مرات ثم أجابت والتردد يملأ لهجتها:
- حسناً.

إبتسم لها بخفة ثم بعثر شعرها كالأطفال...انه يزداد غرابةً كل ثانية! هذا ما شعرت به، والمعضلة تكمن في ثقتها بكلامه وهي لا تعرف معناه أصلاً!

فكرت في الخروج وتركه حتى يرتاح، فلربما أفعاله الغريبة هذه ناتجةٍ عن تعبه!

وما كادت تفعل هذا حتى تذكرت سترته، فنزعتها وطوتها بشكلٍ مرتب، ثم وضعته بخفة على سريره.
- شكراً لك.

- العفو.
تحدث بهدوء بينما كان قد فتح أول زرين من قميصه بالفعل!

اما عنها، فقالت مدلكةً يديها بخفة قبل أن تغادر غرفته:
- عمت مساءً.

ويليها خروجها على الفور، فإبتسم بهدوء وأجاب نفسه كما فعلت هي ظهيرة هذا اليوم:
- عِمتِ مساءً...جوليانتي.

_________________________

في صباح اليوم التالي...


Irene pov:~

إستيقظت بفضل أشعة الشمس المزعجة...يبدو اني قد نسيت إغلاق الستائر ليلة البارحة!

إنتشلت هاتفي ونظرت إلى الساعة، فإذا بها تشير الى الثامنة والنصف.

يجب أن أستيقظ حالاً وأباشر في تجهيز نفسي...ليس من أجل العمل، بل من أجل الذهاب في عطلة.

عمي جينهو منح كافة الموظفين عطلة لمدة أسبوعٍ كامل بعد عملٍ شاق دام لأشهر.

وبما اننا عنصرٌ مهم من عناصر الشركة، فقد قررنا أن نذهب جميعاً الى بيت المزرعة.

لا أعرف كيف يبدو تحديداً لأنها مرتي الأولى في الذهاب إليه، وحمداً لله أنّ أمتعتي قد وُظِّبت بالأمس، فما يزال أمامي سوى إرتداء ملابسي التي سأذهب بها.

على كل حال إنتقيت ما سأرتدي ودخلت الى الحمام...لا أريد أن أتأخر عنهم.

وبعد مدةٍ ليست بطولية، هممت بالنزول الى أسفل، ومن حسن الحظ اني وجدتهم يجلسون حول طاولة الإفطار.

- صباح الخير...هل تأخرت؟
ألقيت التحية وتسائلت بنبرةٍ خجلة بعض الشيء، فإبتسمت لي عمتي ريونغ وقالت:
- كلا، لقد جلسنا للتو.

لم أجد كرسياً شاغراً غير الذي بجانب لورا، فجلست فوراً.

- هل أنتِ متحمسة للذهاب؟
كان هذا سؤال لورا والذي مُلأ بالنشاط والحيوية، فأجبتُ مبتسمة:
- اجل.

قهقه عمي جينهو بصوته الأجش قبل أن يقول مخاطباً إبنته:
- متأكدٌ من أنّ المكان سيعجبها.

- اجل، فالطبيعةُ هناك خلابةٌ للغاية.
قال تاي مؤكداً على كلام أبيه، فإبتسم جين ونطق هو الآخر:
- كما ولدينا إسطبلُ خيولٍ كبير هناك.

وسعت عيناي بسعادة ما إن تلفظ بهذه الجملة، ورسمت إبتسامةً سعيدة...كم كنت أتمنى ركوب الخيل منذ صغري، يبدو انها ستكون أجمل عطلة!

وقد تحدثت بعد ما قاله مظهرةً سعادتي:
- حقاً! هذا رائع!

- اجل...هناك الخيول والطبيعة الخلابة وكل شيءٍ سنحتاجه لإمضاء عطلةٍ مريحة.
هذا ما أضافته عمتي ريونغ...كم أحب لطافة هذه السيدة.

- حسناً إذاً...ما إن ننتهي من إفطارنا سنغادر، لذا تأكدوا من أنّ جميع أغراضكم وحقائبكم جاهزة.
أمرنا عمي جينهو ليهمهم كل الجالسين بالموافقة.

تايهيونغ يبدو نشيطاً اليوم...

وبالعودة لما حدث بالأمس، أظن أنّ كلامه هو وجونغكوك عن جيبوم كان واقعياً بعض الشيء!

لا أعلم، لقد شعرت بشيءٍ من عدم الراحة رفقته ليلة البارحة، وما إن أتى تاي حتى أُزيح كل إنزعاجي، انه ملاذي الآمن...ربما.

حتى اني لم أنزعج عندما حاوط خصري بدلاً عن جيبوم!

على كل حال سأحاول تجنب جيبوم في الإيام المقبلة، ويجب أن لا يعلم تاي بأمر إلتقائي به تلك المرة...لربما يقتلني إن علم بهذا!

إنتهينا من تناول فطورنا، وصعد كلٌ منا لغرفته حتى يحزم أمتعته.

وياللروعة! يبدو أنّ أغراضي كثيرة...السيدة شين قد أعدت حقيبتين كاملتين بالفعل!

عدلت ثيابي المكونة من هودي باللون الأزرق الغامق وبنطال جينز ضيق مع حذاء رياضي أبيض ثم سرحت شعري الذي سدلته على كتفاي بإنسيابية.

وأخيراً رتبت غرفتي وأخذت أغراضي وخرجت.

قابلني جين وهو يخرج من غرفته أيضاً ويحمل حقيبةً في يده وأخرى على ظهره بينما يرتدي قميصاً رمادي اللون وكنزةً مفتوحة باللون الأسود، مع بنطال وحذاء رياضي بذات اللون.

رأى انني أجرُّ حقيبتين، فأسرع نحوي وحمل إحداهما.
- هاتها عنكِ.

خجلت في البداية لكنه أخذها عنوةً وسبقني نحو الأسفل بالفعل.

وما إن أمسكتُ حقيبتي المتبقية حتى خرج تاي بمظهرٍ جذاب وأنيق رغم أنّ ثيابه عمليةٌ جداً.

إرتدى قميصاً أبيض وزينه بمعطفٍ قصير يتخذ من البن الفاتح لوناً له، وكذلك بنطال أسود فضفاض...ثيابه تبدو مريحة.

كما وترك شعره المموج بشكلٍ طفيف ينسدل للأسفل...انه وسيم!

رجال هذه العائلة وسيمون دون إستثناء!..حتى عمي جينهو!

- هل انتِ جاهزة؟
سألني، فأومأت بنعم.

حمل حقيبته وكذلك حقيبتي دون أن يأخذ أذني حتى...انه كشقيقه تماماً!

يالهم من عائلة غريبة حقاً!

ولم يكن بوسعي سوى اللحاق به مع فمٍ مغلق.

وجدت الجميع بالأسفل، ويبدو أنّ حقائب لورا تنتظر بالأسفل منذ الأمس، انها متحمسة.

- يجب أن ننقسم لمجموعتين.
تحدث عمي جينهو، وما كاد ينهي كلامه حتى صرخت لورا:
- انا سأذهب برفقتكما وكذلك جين.
قصدت بكلامها والديها ليبتسم الجميع على هذا الطلب الغريب.

- لما تقررين بدلاً عني؟!
تذمر جين، لتشزره لورا من شفير جفنها.
- انت لست طفلاً لتتذمر بهذا الشكل! أصمت فحسب.

يالهم من ظرفاء.

ولكن مهلاً لحظة!..هل يعني هذا اني سأذهب رفقة تاي...ولوحدنا!

ليس كما لو انه أمرٌ غريب، ولكنني أشعر بالتوتر دون سبب!

والمشكلة انه لا يلقي أي أهمية لكلام الجميع، فهو يساعد الخدم في وضع الحقائب داخل صناديق السيارات ولم يتحدث أبداً!

- حسناً انا وانتِ ولورا وجين سنذهب معاً، وايرين وتايهيونغ معاً.
خاطب عمي جينهو زوجته، فأكدوا لي الأمر أكثر.

وفي هذه الأثناء كان تايهيونغ قد وقف بالقرب مني بينما ينصط للتعليمات، فهمهم بخفة وذهب نحو سيارته.

تتبعته بنظراتي، وعلى حين غرة أسرع جين نحوي وناولني أمتعة هولي، إبتداءً من كرسيها الخاص داخل السيارة الى حقيبة مستلزماتها.
- خذي هذه...سيارتنا ممتلئة لذا ستأخذون هولي معكما، ستجدين كل مستلزماتها داخل هذه الحقيبة...حسنا؟

- حسناً.

أتت لورا نحونا وسحبته بقوة وهي تتذمر:
- أشعر أحياناً بأنها إبنتك! نحن لن نعيش داخل السيارة حتى تطلب منها كل هذا، مسافة الطريق ونصل، لذا هيا بنا فالوقت قد تأخر بالفعل!

سحبته عنوة، فناظرني لآخر مرة بتوصية...لورا محقة في كون هذه الجروة فلذة كبده.

أخذت هولي ووضعتها داخل السيارة، ثم صعدت وقد كان تايهيونغ داخلها بالفعل.

- هل نذهب؟
خاطبني ما إن صعدت لأهمهم بخفة، فإنطلق على الفور.

وسرعان ما شغل موسيقى هادئة ومريحة للأعصاب.

أخذت نظرةً خاطفة نحوه، فوجدته يمسك بمقود السيارة بيده اليمنى، اما يده اليسرى فيسندها على حافة النافذة قربه بينما أنامله تتحسس شفته السفلية بسلاسة...بدى جذاباً لحدٍ لا يوصف!

إستدرت بعد ذلك لأتفقد هولي، فوجدتها نائمة بسلام لذا عدت لذات وضعيتي السابقة وأسندت وجنتي بواسطة كفي بينما أتأمل ما وراء النافذة بهدوء.

ظلت ألحان الموسيقى الهادئة وحدها من يُسمع داخل السيارة...فكلانا لم يتحدث للآخر بعد!

هو يبدو مركزاً على الطريق أمامه، وانا لن أتجرأ على فتح أي موضوعٍ بينما التوتر لم يفارقني حدَّ هذه الساعة!

لذا ظللت صامتة الى أن أخذتني غفوة.

لم أشعر بالوقت طالما انني نائمة، فقد إستيقظت على مناداته لي بصوتٍ عميقٍ وهادئ:
- ايرين إستيقظي...لقد وصلنا.

فتحت عيناي ببطء فقابلني وجهه الوسيم، فركت عيناي وإعتدلت في جلوسي.

وما إن دققت النظر حولي حتى لمحت مناظر آخذةٍ للأنفاس...اجل انها طبيعة الريف.

شعرت بسكينةٍ وهدوءٍ يتسللان الى جسدي وصولاً الى روحي المتعطشة لهذه الأجواء.

كما وذكرتني ملامح المكان بمنزلنا انا وجدتي في بوسان...آه كم أحنُّ لتلك الأيام.

كم أحنُّ الى المنزل والى بستان الفراولة والأهم من كل هذا جدتي.

فتحت باب السيارة لتلفحني نسمةٌ باردة ونقية من هواء الريف الصافي، كان تايهيونغ ينزل الأغراض بالفعل، فذهبت للمقعد الخلفي حتى أخرج هولي وأغراضها.

وما إن فتحت الباب حتى إنطلقت تجري في الحديقة بسعادة.

ناولت أغراضها الى جين وعدت لأساعد تايهيونغ، وقد قررت التحدث وأخيراً:
- المكان جميلٌ للغاية.

- وجودكِ من جعله أجمل.
أجابني بإبتسامة خفيفة فخجلت على الفور...سأعتبره مديحاً او نوعاً من المجاملات.

حملت إحدى حقائبي وبدأت أجرها نحو المنزل الضخم.

كان منزلاً كبيراً بطابعٍ ريفي، ولكنه في ذات الوقت يعبر عن كون مالكيه عائلةٌ ثرية نظراً لفخامة مقتنياته.

وأجمل ما فيه هو أثاثه وأرضيته الخشبية الغامقة.

دخلت، فقابلتني مدفأةٌ كبيرة تتوسط صالون المنزل الواسع، مع بعض الأرائك المصطفة بشكل جميلٍ حولها، وكذلك السجادات المتمثلة في جلود المواشي الفاخرة.

في الجانب الأيمن يوجد نافذة زجاجية ضخمة تطل على حديقة المنزل الآخذة للأنفاس، ومن الجانب الأيسر يوجد الدرج الخشبي المؤدي الى الطابق الثاني.

وبالطبع لن أستثني وجود مطبخٍ كبير في أحد الجوانب بالإضافة الى طاولة كبيرة للأكل وغرفٍ عدة تتوزع في أطرافه.

وبطبيعة الحال لحقت بالبقية نحو الأعلى، فأروني مكان غرفتي التي راقتني كثيراً وخصوصاً تواجد تلك الشرفة بها والمطلة على بحيرةٍ جميلة تحيط بها الأزهار والأشجار من عدة جوانب.

إستلقيت على سريري لدقائق بينما أحدق بالسقف، ثم جلست ورحتُ أحدق بالفراغ.
- سأرتب أغراصي بسرعة حتى أقضي بقية اليوم في الخارج.

هذا ما خططت له قبل أن أهم بفعل ذلك وحماسي يكاد يخرج من غرفتي!

End irene pov.

__________________________


- عزيزتي مالذي سنفعله؟ أشعر بالملل!
تململ جونغكوك وسط تقليبه لكوب عصيره بقشّة ملونة، فنفثت هيري أنفاسها لأعلى حتى تطاير جزءٌ من غُرتها، ثم أجابت بذات الضجر:
- لا أعلم.

كانا يجلسان داخل مقهى بينما يحتسيان العصير الطازج، وذلك بعد أن تناولا الإفطار سوياً.

تذكرت هي أمراً ما، لتتذمر ببكاء، وسرعان ما رمت برأسها على الطاولة، فمنحها جونغكوك نظرةً متعجبة.
- آه تذكرت!..اللعنة عليكِ ميون!

- ما بكِ؟ وما دخل ميون؟!

رفعت رأسها لتقابل وجهه بتاعبير باكية، وسرعان ما أوضحت:
- ألا تذكر عندما لعبنا جرأة أم حقيقة؟

- بلى أذكر.
رفع حاجباه ثم إحتسى من عصيره بواسطة ذات القشة التي كان يلعب بها قبل ثوانٍ، لتكمل هي:
- وهل تذكر عندما لعبت ضدها وإخترت جرأة؟

- اجل.

- طلبت مني حينها أن أرتدي زياً تنكرياً وأوزع الحلوى على الأطفال في المنتزه، وبالأمس ذكرتني وقالت انه إن لم أفعل ذلك فسأعمل مكانها لمدة أسبوعين كاملين بعد العطلة، وانا لا أريد كِلا الأمريْن!
عكفت شفتها السلفية بعبوس، ليرخي ملامحه بطريقة لطيفة قبل أن يبتسم ويشد وجنتيها يميناً وشمالاً بينما يتمتم بلطف:
- صغيرتي اللطيفة...لا تقلقي، سأفعل هذا معكِ، واليوم أيضاً.

أبعدت يداه لتتحسس مكان شده بألم.
- مالذي ستفعله معي؟!

- سأرتدي زياً تنكرياً مثلكِ وسنوزع الحلوى سوياً، صدقيني...سيكون أمراً ممتعاً.
بدى متحمساً، بينما حدقت هي بفراغٍ نحوه...هل يمتلك عقل طفل!

ولكن بالتفكير في الأمر رأت أنّ إقتراحه ليس سيئاً للغاية، فعلى الأقل ستجد من يساعدها ويفوِّت الوقت برفقتها.

وفي لحظات، أُستبدلت نظراتها الفارغة تجاهه بأخرى مبتسمة ومحبة.

راقبته بينما يشرب عصيره كالأطفال تماماً، وإبتسمت على لطافة شكله، كما وأدركت أنه ليس بمقدورها الإبتعاد عنه بعد الآن مطلقاً.

- جونغكوك...انت كل شيءٍ بالنسبة لي.
همست بصوتٍ خافت يُكاد يُسمع، ثم بسطت يديها على الطاولة وأراحت ذقنها عليهما مع نظراتٍ باسمة.

نجاحه في الحصول على قلبها بعد عناء وبرهنته لحبه تجاهها رغم كل العقبات، كان كافياً لتراه رجلاً مثالياً سيغدقها بحبه حتى الأزل.

__________________________

تسكعت ايرين في الحديقة، ثم جلست قرب البحيرة الواقعة أسفل شرفةِ غرفتها، وتأملت جمال المنظر بإبتسامة هادئة.

زقزقاتُ العصافير ولون مياه البحيرةِ الصافي وكذلك رائحة الأزهار العطرة...كل هذا كان كفيلاً بجعلها تنسى العالم من حولها، وتَهِب جلّ تركيزها لجمال الطبيعة البهي.

لمست العشب بقربها، ثم رفعت عيناها للسماء الغائمة جزئياً...يبدو بأنها ستمطر الليلة.

هي لم ترى أي أحدٍ بإستثناء السيدة شين عند نزولها، اما البقية فيبدو أنّ كلاً منهم في غرفته.

لورا بالطبع نائمة، ورغم كل حماسها عند الصباح إلا أنّ النوم أهم بكثيرٍ لديها.

اما جين وتايهيونغ فمن الممكن انهما إما نائمين أيضاً او يفعلانِ شيئاً آخر.

وبالنسبة للسيد والسيدة كيم فهما يجلسان في شرفة غرفتهما بما انها قد إلتقت بالسيدة شين وهي على صدد أخذ القهوةِ لهما.

إستقامت بعد مدة وبدأت تمشي في أرجاء المكان، الى أن وصلت لإسطبل الخيول، فلمعت عيناها حماساً وأسرعت بالدخول إليه.

كان مليئاً بالأحصنة الجميلة...حتى أنّ منظر الإسطبل كان جميلاً ونظيفاً، وكذلك الخيول تبدو مرتبة للغاية.

بدأت تمشي وعلى جانبيها تطل الخيول برؤسها من حظائرها الخشبية، الى أن لمحت رجلاً يبدو في منتصف الخمسين من عمره، مع ثيابه الدالة على كونه من يعتني بالخيول هنا.

بنطاله الواسع نسبياً وحذائه الجلدي الطويل، بالإضافة لقميصه ذو الأكمام المرفوعة ومعطفه الذي من دون أكمام، وأخيراً قبعة قشٍ مستديرة تتوسط رأسه.

كان ينظف حصاناً أسود كظلام الليل، به بقعةٌ كالنجمة في منتصف جبينه بيضاء اللون وهي ما تميز شكله الجميل، وكذلك قدُّه الممشوق وشعره الحريري وحوافره المقلمة بعناية.

- مرحباً سيدي.
ألقت عليه التحية، فإبتسم وأنزل قبعة القش خاصته وحيّاها بدوره:
- أهلاً بكِ يا إبنتي.

وأثناء ذلك دخل تايهيونغ وهو يرتدي ثياب راكبي الخيل التي تماشت معه بشكلٍ ممتاز...بدى كأميرٍ خيّال في قصص الأميرات.

فقال مخاطباً ذاك الرجل بإبتسامة خفيفة:
- مرحباً سيد يونغجاي.

- أهلاً بعودتك سيد تايهيونغ...أنرت المزرعة بقدومك.
إبتسم ذاك الرجل المدعو بيونغجاي بإتساع وترحيب، ليوسع الآخر إبتسامته أيضاً، ثم سار لوجهةٍ معروفة...ألا وهي الحظيرة التي يقف بها السيد يونغجاي حالياً.

لاحظت ايرين صهيل الحصان فجأة ورفعه لذيله ما إن رأى تايهيونغ، ظنت أنّ خطباً ما قد حدث، ولكن توقعاتها هذه قد أُزيحت ما إن تحدث السيد يونغجاي بإبتسامته الهادئة:
- يبدو فرِحاً بقدومك.

إبتسم تايهيونغ نحو ذاك الحصان وتحسس مقدمة رأسه بحنان قبل أن يخاطبه قائلاً:
- أهلاً موريس...هل إشتقت لي؟

صهل الحصان كما لو انه يجيبه بنعم، فقهقه عليه بخفة، ثم تذكر أمر ايرين الواقفة خلفه ليباشر في تعريفها على هذا الرجل.

- سيد يونغجاي...هذه ايرين، انها صديقة العائلة وهي تقيم معنا في الوقت الراهن، لذا فهي جزءٌ منا.

نظر السيد يونغجاي نحوها بإبتسامة هادئة ثم حدق بأرضية الإسطبل الخشبية قبل أن يقول:
- تشرفت بمعرفتك...انا يونغجاي المسؤول عن الخيول في هذه المزرعة.

أمالت ايرين رأسها إمالةً خفيفة مع إبتسامة مرحبة بدلاً من التحدث.

- تذكرت...يمكنك ركوبه، فقد نظفته للتو.
هذا ما قاله السيد يونغجاي بعد أن لمح تايهيونغ وهو يفك رباط موريس من الحلقة على جانب الحظيرة، فهمهم الآخر وقال:
- حسنا شكراً لك.

خرج يجر جواده من لجامه، وبيده الأخرى السرج والقطعة المعدنية المخصصة لوضع القدمين، بينما خوذته قد أمسكتها ايرين من أجله وتتبّعته للخارج بعينان تلمعان عشقاً نحو حصانه الجميل، وسرعان ما تمتمت بصوتٍ خافت:

- إسمه موريس إذاً...انه جميل، كصاحبه تماماً.

راقبت تايهيونغ وهو يقوم بتركيب السرج وكذلك بقية المعدات عن قرب.

هي لم تخف من الحصان على الإطلاق رغم أنّ كثيرٌ من الناس قد يهابون فكرة الإقتراب من هذه المخلوقات المزاجية حفاظاً على سلامتهم.

إستقام تايهيونغ وأزفر أنفاسه، ثم نفض ثيابه من الأتربة العالقة بها، وبعد ذلك إستدار نحو ايرين وخاطبها قائلاً:
- هل تودّين تجربته؟

هي لن تقول لا ولكن...
- أجل أريد...ولكن ألا يجبُ أن تعلمني كيف أمتطيهِ أولاً؟

- انه سهل...سأركب عليه أولاً حتى تري كيف أفعل ذلك، ثم سأساعدكِ على التعلم ولكن بشرط أن أركب معكِ وذلك حفاظاً على سلامتك.

أومأت بالموافقة، فركوب الخيل يعدُّ خطيراً لمجرد إرتكاب خطئٍ بسيط.

- حسنا إذاً.

ناولته خوذته ووقفت خارج السياج الخشبي لساحة الخيول الترابية، تاركةً إياه حتى يعدو بخيله دون أن تعيق طريقه.

إمتطاه بإحترافية، وبدأ في السير ببطأ عند البداية، ثم زاد من وتيرة سيره شيئاً فشيئاً الى أن بدأ يعدو.

كان من الواضح بالنسبة لها انه محترفٌ كبير في ركوب الخيل نظراً لتحكمه بحركات الحصان دون أي خطأ.

راقبته بإستمتاع بينما نسمات الهواء الباردة تلفح وجهها وتحرك خصلات شعرها الأسود بإنسيابية، اما هو فقد كانت هذه اللحظة من أسعد لحظاته التي إنتظرها طويلاً، فركوب الخيل بالنسبةِ له هو كل شيء، وخصوصاً رفقة حصانه الحبيب موريس.

أخذ جولةً لا بأس بها حتى يمرن عضلات حصانه في هذا الصباح بعد وجبة الإفطار، ثم توقف بالقرب منها ونزل بذات الإحترافية التي صعد بها.

- يبدو عليكِ الإستمتاع لمجرد رؤية الخيول!
كان هذا أول ما تلفظ به بعد أن نزع خوذته وبدأ في ترتيب شعره بواسطة حواف أنامله الرفيعة.

فإبتسمت هي وأجابت بينما تناظر الحصان موريس.
- اجل...انه حيواني المفضل، ولكن لم تسمح لي الفرصة بركوبه من قبل، او حتى برؤيته عن قرب.

همهم بخفة، ثم قال بينما يربط لجام الحصان في السياج بجانبها:
- إنتظري هنا قليلاً ريثما أحضر لكِ خوذة.

أومأت له بحماس قبل أن يغادر.

تركها رفقة جواده الجميل، وسرعان ما خرجت من بين العمودين الخشبيين للسياج بعد أن قررت لمسه وأخيراً.

لم تخف من فكرة إستنكاره لوجودها، خصوصاً وأنها مرته الأولى التي يراها بها.

إذ أنها وضعت كف يدها ببطئ على مقدمة رأسه كما فعل تايهيونغ قبل قليل، وبدأت تتحسسه بهدوء.

وسرعان ما إبتسمت بسعادة ما إن أبدى الحصان شعوره بالراحة قربها وعدم نفوره منها.

- يالكِ من محظوظة! موريس حصانٌ عصبي ولا يتقبل لمس أي شخصٍ غريبٍ له عدايا انا والسيد يونغجاي!

تحدث تايهيونغ بتفاجؤ ما إن رأى إسترخاء حصانه رفقة ايرين وعدم إهتياجه، فقهقهت بدهشة وقالت:
- حقاً!

- أجل، يبدو انه قد أَحبك كثيراً.

لا يزال متفاجئاً مما يحدث، فوسعت هي من إبتسامتها وناظرت هذا الحصان بحب...يبدو أنّ إحساسها تجاهه قد وصله وبقوة.

- خذي.
ناولها خوذتها لتهم بإرتدائها على الفور، ثم إنتظرته ليصعد فوقه حتى يساعدها على الركوب فيما بعد...وقد فعل ذلك بالفعل.

أدار رأسه نحوها وبدأ في إلقاء تعليماته عليها قبل أن يتحرك:
- تمسكي بي جيداً ولا تفلتي يديكِ أبداً.

أومأت له بالموافقة، ليضغط هو على بطن حصانه بخفة مانحاً إياه تعليمات بدأ التحرك.

كادت تطير فرحاً ما إن بدأ يتحرك، وشعرت بشعورٍ لطالما تمنت تجربته.

وبعد لحظات، أحسّت بتزايد السرعة، فأحكمت لف ذراعيها على وسط الأخر وإتكأت برأسها على ظهره العريض.

إنها لا تدرك أنّ بفعلتها هذه قد أثارت ملايين الأحاسيس بداخله حتى كاد يفقد توازنه وتركيزه على ركوب خيله!

لم يكتفي بعدوه داخل المنطقة المحصورة في السياج، بل جال بها في أرجاء المزرعة كلها ومنحها فرصة التمتع بهذه المناظر الخلابة وهي فوق الحصان.

كما وتمنى عدم التوقف حتى لا تبتعد عنه وتظل متمسكةً به بهذا الشكل، لكنه شعر بتعب حصانه في النهاية وقرر العودة نحو الإسطبل.

توقف به قرب باب الإسطبل، ونزل أولاً ثم أمسك بيديها حتى يساعدها على النزول.

وما إن وطأت قدماها الأرض حتى باشرت بتعديل هندامها وكذلك شعرها إثر تبعثره أسفل الخوذة، كما وفعل هو مثلها.

- هل أعجبتكِ الجولة؟
سألها بينما يبتسم كما لو انه قد توقع إجابتها التي تمثلت في:
- بالطبع...لقد كان شعوراً رائعاً!

بدى جلياً أنّ حماسها كبير لمجرد تجربةٍ بسيطة كهذه، لقد أُعجب بحبها للخيل مثله وإعتبرها نقطةً مشتركة فيما بينهما.

نزع السرج عن موريس، وربط لجامه بالعمود الخشبي قرب الباب، ثم أخذ دلواً كان موضوعاً بقربه وسار به نحو البحيرة التي ليست بالبعيدة عن الإسطبل...إنها تحاذيه من الجهة الشمالية.

وكحركةٍ بديهية أن لحقت به بهرولةٍ خفيفة حتى تسأله عن ما يفعل.

- مالذي تفعله؟

- أحضر بعد الماء النقي من أجله، يجب أن يشرب قليلاً بعد هذه الجولة.
أجابها بينما يدنو نحو البحيرة وبيده الدلو.

بوزت شفتيها وهمهمت بتفهم بينما لم تزح عيناها عن ما يفعل.

إنتهى من ملأ الدلو بالماء وحمله عائداً به نحو حصانه، فعادت معه كما أتت.

وعندما وصل أخذ صينيةً عميقة بعض الشيء بحجمٍ متوسط، وبدأ بسكب الماء فيها على شكل جرعات.

تعجبت قليلاً...لماذا لا يسكب له الماء في مرةٍ واحدة حتى يروي عطشه؟! هذا أول سؤالٍ تراود في ذهنها.

كما وشعرت أنّ له درايةً واسعة فيما يخص الخيول، لذا قررت الإستفادة قليلاً بما انها من عشاقهم وسألت بفضول:
- لما تسكب الماء على شكل جرعات؟!

- حتى لا يمرض...لا يجب أن نقدم للخيول كمياتٍ كبيرة من الماء في آنٍ واحد بعد مدةٍ من العدو والتدريب.
فسّر لها حتى أشبع فضولها بينما أخذ يمشِّط شعر جواده الأسود بإستمتاع.

لمح تأملها له وهو يفعل ذلك، فإبتسم بجانبية وقال بينما يناولها فرشاةً كخاصته تماماً:
- هل تريدين التجربة؟

أومأت مِراراً كالطفلة بإبتسامة تشق وجهها فرحاً لسماحه لها بتجربة ذلك، فقهقه على تصرفها العفوي واللطيف من وجهة نظره، وتمنى لو يلتهمها لفرط ظرافتها.

بدأت تراقب طريقة تمشيطه بينما تحاول تقليده، فقال لها:
- إفعلي هكذا...مشِّطي شعره من الأعلى الى الأسفل...أجل أحسنتِ، بهذا الشكل.

أراها كيف تفعل هذا وقد راقها تمشيط شعر موريس الناعم كثيراً.

ثم وبعد حين، أخذ فرشاةً أكثر خشونة وبدأ يفرك بها بقية جسد موريس حتى يزيل الأوساخ عنه...وقد فعلت مثله في هذه الخطوةِ أيضاً.

بقيا ينظفان الحصان سوياً والجو لم يخلو من الضحك والإستمتاع فيما بينهما، الى أن إنتهيا من فعل ذلك، حيث فك عقدة اللجام وقاد موريس نحو حظيرته برفقتها.

وفي لحظةٍ وبشكلٍ مفاجئ! بدأت كافة الخيول ترفس الأرض الخشبية بصوتٍ مزعج، فخافت ايرين وإختبأت خلف تايهيونغ ظناً بأن خلل ما قد حدث!

فقهقه عليها وطمأنها قائلاً بينما يُدخل موريس لحظيرته وينزع لجامه:
- لا تخافي، إنه سلوكٌ طبيعي ولا يشير الى الإهتياج أبداً، كما وينشط عند إقتراب موعد الطعام، لذا لا تقلقي.

ظلت متشبثةً به رغم كلامه، لكنها أرخت قبضتها على معطفه ما إن توقفت الخيول وهدأت بفضل دخول السيد يونغجاي مع عربةٍ يدوية كبيرة تحوي الأعلاف...انه محق!

- رأيتِ؟
كان كما لو انه يثبت صحة كلامه لتشعر هي بالخجل على الفور من تصرفها بهذا الشكل أمامه.

لاحظ تورد وجنتيها وأذنيها، فإبتسم بخفة وطأطأ رأسه محدقاً بقدمية.

أما هي فأشاحت بعينيها للجانب الآخر خجلاً بينما تشابك أناملها من خلف ظهرها وتؤرجح قدمها اليمنى ذهاباً وإياباً، الى أن سمعت صوت إغلاق الآخر لباب حظيرة جواده يليه قرع قدميه على الأرض الخشبية وهو يغادر.

فلحقت به رغم خجلها...فمالذي سيبقيها في الإسطبل أثناء إطعام الخيول!

كما وأجزمت أنّ الظهيرة قد حلت نظراً لدفئ الطقس بشكلٍ طفيف...تكهنت بهذا نظراً لنسيانها هاتفها في غرفتها قبل مجيئها.

اما هو فلم تفارق الإبتسامة شفتيه، وكل هذا لخجلها الذي يعشقه بجنون، والذي لطالما عدَّه أحد أهم صفاتها التي تجذبه نحوها وتقيِّده إليها يوما عن يوم.

- اين كنتما؟!
تلقتهما لورا من باب المنزل بسؤالها هذا، فأجابها تايهيونغ بينما ينزع حذائه الجلدي الطويل عند دهليز المنزل:
- كنا في الإسطبل.

- حقاً! لما لم تخبراني؟! لكنت ذهبت أيضاً وأريتكِ حصاني!
وجّهت كلامها الأخير لأيرين التي قالت:
- لم نخطط لهذا مسبقاً...حدث كل شيءٍ عن محض الصدفة لا أكثر، لا توجد مشكلة...سنراه فيما بعد.
إبتسمت بهدوء لتهمهم لورا بتفهم، وما لبث ثلاثتهم يتحدثون حتى أطلّ جين برأسه من المطبخ وهو يصرخ منادياً عليهم:
- تعالوا وساعدوني في تجهيز طاولة الغذاء.

- سأذهب لأستحم أولاً ثم سآتي...لا تنتظروني.
كان هذا ما نطق به تايهيونغ وهو يصعد الدرج نحو غرفته.

اما ايرين ولورا فقد همهمتا بالإيجاب وأسرعتا نحوه، وقد وجدتا جين والسيدة شين داخل المطبخ برفقته طباخ يبدو إنجليزي الأصل بشعره الأشقر وعيناه الزرقاوتان...بدى انه في منتصف الأربعين من عمره نظراً لتخلل بعض البياض لشعره، ولكن بشكلٍ طفيف جداً.

وعلى حسب علم الجميع، اأنّ جين قد ساعد في إعداد الطعام اليوم.

أخذتا ايرين ولورا تحضران الطاولة وتزينانها بأطباق الطعام الشهية والمتنوعة الى أن نزل تايهيونغ بمنشفةٍ على رقبته وشعرٍ لا يزال مبللاً بينما يرتدي ثياباً مريحة وفضفاضة.

- سأذهب لأنادي امي وابي...آه أراهن بأنكم ستأكلون أصابعكم عن طريق الخطأ للذة طعامي اليوم، أليس كذلك سيد ريتشارد؟
وكعادة جين انه يتفاخر بكل ما يفعل، وقد وجّه سؤاله للطباخ الإنجليزي والمدعو بريتشارد.

فضحك المعني بالكلام وقال بلكنته الكورية الركيكة:
- بالطبع سيد جين.

رفع الآخر رأسه بعد أن أخذ المجاملة بكبرياء وصعد بينما لا ينظر لأحدٍ خلفه، ما جعل البقية يضحكون على إستهباله.

- إنه لا يكف عن مدح نفسه!
تحدثت ايرين وسط قهقهاتها، فإبتسم تايهيونغ بينما يرفع كتفيه ويستعد للجلوس.
- إنه هكذا دوما.

عاد جين برفقة والديه بعد لحظات، وجلس الجميع لتناول وجبة الغذاء، والتي لم تخلوا من مشاكسات السيد كيم المضحكة...ومن هنا تأكدت ايرين أنّ هذه العائلة تعاني خطباً ما، فجميعهم مضحكون وغريبوا الأطوار دون إستثناء!

كما وأنّ تواضعهم لا يمتُّ للعائلات الغنية بصلة في كل شيء! وهذا ما جعلها ترتاح بقربهم، وتعوّض حنان العائلة الذي لطالما إفتقرت له...

__________________________

تفترش لورا سرير غرفتها بفوضوية بعد أن ملأت معدتها بالطعام.

تشقلبت عليه مراراً بمللٍ ظاهر قبل أن تتذمر بعبوس:
- أشتاق لجيميني!

إدّعت البكاء وهي تركل الهواء بقدميها، ثم عادت. للإنبطاح على بطنها بينما تحشر وجهها في وسادتها.

وماهي إلا لحظات حتى سمِعت صوت رنين هاتفها، حملته لتوسع عيناها وتبدأ بالقفز كالمجنونة فوق سريرها وهي تصرخ:

- انه هو انه هو!

جلست فجأة بهدوء، ثم أخذت نفساً عميقاً قبل أن تجيب بإبتسامة متسعة:
- مرحبا جيمين.

- مرحبا لورا...كيف حالكِ؟

- بخير وانت؟

- بخيرٍ أيضاً...متى ستعودون من بيت المزرعة؟

- لا أعلم...ربما عند نهاية الأسبوع.

- حقاً! شعرت بالملل ورغبت في الإلتقاء بكِ.

إحتضنت وسادتها وصرخت بصمت كالمجنونة، ثم أجابته بإعتيادية:
- وانا أيضاً، ألا يمكنك المجيء؟

- لا أعلم...انا لا أعرف اين يقع منزلكم هذا حتى!

- لا مشكلة، سأرسل لك العنوان، كما ويمكنك المجيء برفقة جونغكوك إن كان يريد القدوم.

- حسناً سأرى ما بوسعي فعله، ولكن لا أظن أننا سنأتي اليوم، فبحسب علمي انه سيقضي اليوم بطوله مع هيري.

- لا مشكلة إذاً، إسأله متى يكون متفرغاً، وتعالوا جميعاً حتى تحظى بوقتٍ ممتع.

- حسناً...أراكِ في وقتٍ لاحق.

- وداعاً.

أغلقت الخط وقبّلت شاشة هاتفها بهيام.
- آه إنه لطيف.

اما عنه هو، فقد رسم شبح إبتسامة ما إن أغلق الهاتف، وبفضل جلوسه في منتصف المنزل، أتاح لوالدته رؤيته وهو يبتسم.

- جيمين...ما بالك تضحك لوحدك؟
سألته والدته بتعجبٍ ظاهر بينما تغسل الصحون، فنفى سريعاً بذات الإبتسامة.
- لا شيء امي.

همهمت له بينما التعجب لم يفارق ملامحها، لترفع كتفيها مكملةً ما تفعل، وسرعان ما لمحته ينهض ويصعد الدرج متجهاً نحو غرفته.

_________________________

- هل تمزح معي؟!
خاطبته بحاجبٍ مرفوع وثغرٍ يكاد يلامس الأرض، فوقف بجانبها حتى يرى نفسه أيضاً أمام المرآة بزيه التنكري، وقد نطق بينما يميل شفتيه بإعجاب:
- نبدو لطيفيْنِ للغاية...مالذي سأمزح بشأنه!

- بل نبدو كالمغفليْن يا أحمق!
زجرته بإنزعاج وهي ترص على أسنانها لبرودة أعصابه التي ستقودها للجنون يوماً ما.

وعلى الرغم من صراخها إلا انه أجاب ببساطة وأريحية:
- لا أعلم من أيّ منظورٍ تحدقين! ولكننا نبدو لطيفيْن وسيحبنا الأطفال بالفعل.

ضربت جبينها بكف يدها...لقد نفذ صبرها كلياً!

- لن أذهب!
كتفت يديها بعناد وجلست على سريره بملامح عابسة، فجلس القرفصاء أمامها بعد أن ضحك على شكلها، وأمسك يديها بلطف مخاطباً إياها ببسمةٍ هادئة:
- لِما؟ صدقيني تبدين لطيفة وجميلة بزي القطة هذا، أنظري لأذني الأرنب خاصتي.
لمس أذني الأرنب في زيه مع إبراز أسنانه الأمامية بشكلٍ مضحك، فلم تستطع منع ضحكتها من الخروج...انه يشبه الأرانب دون زيٍ حتى! فما بالكم بمظهره وهو يرتديه ويقلدهم.

- لقد ضحكتِ! لقد أضحكتكِ لقد أضحكتكِ!
هتف بهذه الكلمات ليتعالى صوت ضحكها أكثر.

لم تستطع مقاومة ظرافته بهذا الشكل، لذا وكحركةٍ بديهيةٍ منها أن قامت بتقبيل وجنته.

أغلق فمه على الفور ووسع عيناه بصدمة...هل هي من قبلته حقاً!

لم يستطع عقله تصديق ما جرى، لذا مثّل مشهداً درامياً مبتذلاً بوضعه ليده فوق قلبه وإغماضه لعينيه قبل أن يرتمي الى الوراء.

- آه قلبي! سأموت!

بررت فعلتها وسط ضحكاتها اللطيفة.
- لم أستطع مقاومة ظرافتك.

وإرتمت هي بدورها على السرير خلفها بينما تكمل ضحكها، وفي لحظاتٍ شعرت به يعتليها!

وسعت عيناها اللتان قابلتا وجهه المنفصم، والذي قُلب ثلاثمائة وستون درجة، وتحول من جونغكوك اللطيف الى جونغكوك الرجولي المثير فجأة!

مع نظراته الحادة وإبتسامته الجانبية وشعره المبعثر إثر سقوط قبعة زيه عن رأسه.

كان يحاصرها بوضع يديه على جانبي رأسها، وكذلك ركبتيه على جانبي ركبتيها...انها محاصرة لا محالة.

رمشت عيناها عدة مرات، ثم تداركت وضعيتهما لتحاول دفعه بيديها، فقام بإمساكهما ووضعها قرب رأسها بينما أحكم الإمساك عليهما جيداً.

- أبدو ظريفاً هاه!..إذا ما رأيك في رؤية جونغكوك المنحرف الآن؟

إرتعشت أوصالها بذعر، ليست معتادةً على حدوث مثل هذه المواقف الحميمية بينهما من قبل!

حاولت التحرك والإفلات منه، ولكن ما من جدوى!

إنه يحكم الإمساك بها ويمنعها من التحرك...وما زاد من توترها هو إبتسامته الجانبية التي لم تفارق شفتيه بعد!

- إبتعد جونغكوك!
تذمرت بإنزعاج بينما تحرك رأسها للجانبين كالمجنونة، فقهقه ببحةٍ رجولية مثيرة وهمس بالقرب من وجهها مع عيناه الناعستان:
- وماذا إن لم أبتعد؟!

حدقت به قبل أن تعض شفتيها بإحكام يليه تأوهه بألم وإبتعاده عنها...اجل لقد ركلته بين ساقيه بعد أن إستطاعت إفلات إحدى قدميها.

فتكور على نفسه بينما يتألم ويأنُّ.
- ايتها المشاكسة!

إستقامت سريعاً وتركته يتدحرج على السرير لوحده، ثم نفضت ثيابها وقالت بينما تشزره بجانبية:
- هذا حتى لا تلعب معي ألعابك القذرة مجدداً!

- ألم تفكري في مستقبلكِ معي؟! كيف سننجب أطفالاً وانتِ كدتِ تجعلينني عقيماً!
أخرج حروفه بألم بينما لا يزال يتكور على نفسه بملامح معتصرة، فوسعت عيناها وركضت نحوه حتى تتفقده.

- عزيزي هل آلمتك كثيراً؟ هل كانت ركلتي قوية الى هذا الحد؟!
تفحصته بقلق ولعنت نفسها ألف مرةٍ على غبائها، فإبتسم بخبث وأكمل إدعائه للألم المبالغ، حتى إقتربت أكثر فإعتلاها من جديد منتهزاً الفرصة.

أُعِيدَ ذات المشهد مرةً أخرى إبتداءً من ملامحها المصدومة الى إبتسامته الجانبية ونظراته اللعوبة.
- لن تفلتي مني هذه المرة!

وما إن أنهى جملته هذه حتى أطبق شفتيه على خاصتها دون رحمة.

______________________

لم تستطع البقاء في غرفتها كثيراً، فخرجت نحو وجهتها المحددة ألا وهي إسطبل الخيول.

غيرت ثيابها الى فستانٍ أحمر واسع نسبياً يصل لركبتيها، يكشف جيدها وكتفيها، وما زاد من مظهره فتوناً هو رفعها لخصلاتها السوداء على شكل ذيل حصان.

لمحت في طريقها أزهاراً جميلة تتسلق على أحد الجدران الخارجية للمنزل بلونٍ ورديٍ زاهي، فأسرعت نحوها وظلت تناظر جمال شكلها وهي تزين هذا الحائط كما لو انه لوحةٌ فنية.

تسلل عبيرها لأنف ايرين، فإستنشقت عبقها وقطفت القليل منها قبل أن تذهب نحو الإسطبل كالعادة.

وجدت ذات الرجل المدعو بيونغجاي وهو يقوم بصقل حذوة الحصان بإستعمال عدَّة الحدادة، فتقدمت نحوه وألقت التحية مجدداً:

- مرحباً بك يا عم.

رفع عيناه ومسح جبينه المتعرق، ليرحب بها وطلائعه مبتهجة:
- ايرين...أهلا بكِ يا إبنتي.

حدقت بالمكان حولها لهنيهات، ثم قالت:
- تبدو مشغولاً.

- اجل...انا أقوم بصقل حذوة أحد الأحصنة، كانت مهتاجة طيلة الفترة الماضية ولم نعلم السبب، الى أن إكتشفت أنّ حذوتها لم تكن مصقولةً بشكلٍ جيد وقد آذت حافرها وكانت تشعرها بالألم.

إعتصر قلبها لمجرد إفصاحه عن هذه القصة، فلم تجد نفسها إلا وهي تسأل بقلق:
- هل هي فرس؟!

- اجل.

- هل يمكنني رؤيتها؟
طلبت بهدوء، فإبتسم نحوها وأومأ بالموافقة قبل أن ينزع قفازيه ويشير لها باللحاق به.

تبعته الى أن دخل لأحد الحظائر، فتملكها الإعجاب لجمال هذه الفرس البيضاء!

كانت فرساً بيضاء اللون لا تشوبها شائبة، تفترش الأرض بجلسةٍ شامخة رغم حافرها المصاب.

كادت تدخل نحوها، إلا أنّ يد السيد يونغجاي قد إعترضت طريقها:
- كلا...لا تقتربي منها! انها عصبيةٌ جداً وقد تؤذيكِ.

- ولما تتصرف بهذا الشكل؟! من المؤكد أنّ سبباً ما يعكر مزاجها ويجعلها مهتاجة!
تسائلت بقلق، فقال موضحاً لها:
- انها جديدة...لقد إشتراها السيد كيم قبل شهر، ومنذ ذلك الوقت وهي تتصرف بنفورٍ مع الجميع، حتى أنّ ترويضها صعبٌ للغاية، وخصوصاً بعد الحادثة الأخيرة التي تعرضت لها.

حوّلت ايرين نظراتها الحزينة نحو هذه الفرس الجميلة، وحدقت بها بشفقة، ثم أبعدت يد السيد يونغجاي وتقدمت نحوها على الرغم من إعتراض الآخر على فعلها لهذا.

جلست القرفصاء أمامها لترفع يدها بتردد، ثم وضعتها بهدوءٍ على رأسها ومررتها بحنانٍ وبطئ.

لن تنكر شعورها بالخوف في بادئ الأمر، لكنها تشجعت ما إن رأت عدم نفور الأخرى منها.

واصلت ما تفعله بينما تبتسم بفرح، والسيد يونغجاي يحدق نحوها بقلق.

وعلى حين غرة دخل تايهيونغ، فوجدها على ذاك الوضع وبقرب هذه الفرس.

- كلا ايرين إبتعدي عنها!
صرخ بأمر خوفاً على سلامتها، فإستدارت نحوه وإكتفت بوضع سبابتها على شفتيها.

- لا تصدروا أصواتاً عالية، ألا ترى انها مستمتعة؟!
إبتسمت نحو تلك الفرس من جديد، فأعاد تليهيونغ شعره للوراء بنفاذ صبر قبل أن يعود للتحدث بهلع:
- قلت لكِ إبتعدي عنها! قد تؤذيكِ!

نفت برأسها ولم تمتثل لأمره، بل إكتفت بإكمال ما كانت تفعله تحت تحديقاته المصدومة من هدوء هذه الفرس أمامها.

عادت للنظر نحوهما، وسألت من جديد:
- ما إسمها؟

- نحن لم نسميها بعد؛ لأننا نفكر في بيعها.
أجابها تايهيونغ، لترتخي ملامحها بحزن وتقول:
- حقاً! أرجوكم لا تفعلوا هذا، أعدكم بأنني سأعتني بها وسأروضها!

- لن تستطيعِ، ففترة بقائنا هنا محدودة! سنعود مع بداية الأسبوع القادم، وهذه الفترة القصيرة لن تكفيكِ!
تحدث تايهيونغ محاولاً جعلها تفهم مدى خطر هذه الفرس، لكنّ قلبه قد آلمه لرؤيتها حزينةً وهي تحدق بتلك الفرس قربها وسيماؤها منكسرة، فقال بعد تردد:
- حسنا لا تحزني...لن نبيعها، هل هذا جيد؟

إبتسمت بإتساع لتسرع وتحتضنه دون أي سابق إنذار، فوسع عيناه بتفاجؤ لعناقها المباغتِ هذا، وظل ثابتاً رغم خفقان قلبه الجنوني!

- شكرا لك تايهيونغ، شكراً.

- العفو.
بادلها العناق وأخيراً وسط إبتسامة السيد يونغجاي الخفيفة نحوهما.

عادت بعد أن فصلت العناق لتلك الفرس، ودنت نحوها من جديد، بينما كلٌّ من تايهيونغ والسيد يونغجاي يراقبان ما يحدث بتوتر...إقترابها منها بهذا الشكل يوتر أعصابهما ويقلقهما بشدة.

- سأسميكِ فكتوريا...هل أعجبكِ؟
صهلت الفرس بهدوء كما لو انها تبدي إعجابها بالإسم الذي أطلقته ايرين عليها، ففغر تايهيونغ فاهه بصدمة.

قهقهت ايرين وتحسست جبين فكتوريا كما أطلقت عليها، ثم قالت:
- رائع...الإسم يليق بكِ كثيراً، سأذهب الآن، لكنني سأعود في وقتٍ لاحق من أجلكِ، حسنا؟

إستقامت ووقفت قرب تايهيونغ الغير مصدقٍ لما يحدث، وسرعان ما نطق بدهشة:
- انتِ محظوظةٌ حقاً! في البداية موريس والآن هذه!
قصد فكتوريا بكلامه، فعبست ايرين بخفة وعاتبته قائلةً:
- هي ليست هذه! إسمها فكتوريا من الآن فصاعداً.

خرجت بعد ذلك ليهز رأسه بمعالم متعجبة على قدرتها العجيبة في ترويض الخيول، ثم لحق بها الى الخارج.

- مالذي تنوين فعله الآن؟
سألها بهدوء بعد أن صار يمشي بمحاذاتها ويداه تتموضع في جيوب بنطاله الفضفاض.

- لا أعلم...ربما سأمتِّع ناظريّ بجمال هذه اللوحة الطبيعية.
عنت بجوابها جمال الطبيعة في المزرعة، ليهمهم هو ويباشر بتأمل المكان رفقتها، ولكن سرعان ما توقفت وقالت كما لو أنها تذكرت شيئاً ما:
- أزهاري!

- ماذا؟!
لم يفهم ما تقول، فأوضحت بعد أن عادت للتحدث:
- لقد جمعت أزهاراً جميلة، لكنني نسيتها في الإسطبل!

- لا مشكلة، سنجمع أزهاراً أخرى.
خاطبها بينما يسحب ذراعها للحاق به، لكنها قادته بدلاً من أن يفعل ذلك نحو ذاك الجدار.

وقفت أمامه بينما هو بقربها، ليميل رأسه بتعجب.
- ماذا الآن؟!

أشارت نحو الجدار وقالت:
- هذه هي الأزهار التي جمعت منها قبل قليل.

إبتسم لجمال المنظر وقال لا شعورياً:
- انه منظرٌ مناسبٌ للرسم.
فكر في انه لابد من رسم هذا المنظر الجميل وتعليقه على جدار حجرة رسمه في منزلهم حتى تكتمل مجموعته الفنية.

- هل تحب الرسم؟!
لم تكن تعلم انه يحب الرسم، بل لم تكن تعلم انه فنانٌ محترف في جعل الرسومات تبدو واقعيةً حتى انها تكاد تنطق وتتحرك!

فإبتسم بخفة لتذكره جهلها لبعض الجوانب من شخصيته وكذلك هواياته.
- اجل.

- جميل...كل يومٍ تبهرني بقدراتك على فعل كل شيء.
خاطبته بكل شفافية مظهرةً ما في نفسها، وقد أعجبه مديحها نحوه.

ظل يفكر في انه من اللازم جعلها تكتشف جوانب شخصيته الخفية وذلك بالتقرب منها أكثر، وسرعان ما قطعت هي حبل أفكاره هذا بمناداتها له بعد أن تقدمت عنه بعدّة خطوات:
- تاي...هل يمكنك قطف هذه الزهرة من أجلي؟
أشارت نحو زهرة مرتفعة نوعاً ما تبدو يافعةً أكثر من غيرها، فإمتثل لطلبها بينما قلبه يقرع طبول الإستسلام ويعلن خسارته أمامها للمرة الألف!

هي تستمر بنطق إسمه بهذا الشكل وهو لا يقاوم هذا، وإن طلبت منه قطف أزهار العالم بأسره وجلبهم، لأحضرهم لها دون أي إعتراض، فمن سيبالي بقطف أزهار الكون بأسره بينما له زهرةٌ تناهز الجميع في جمالها اليافع!

ناولها تلك الزهرة في البداية، ثم قطف واحدةً أخرى وخللها في خصلات شعرها الناعمة بعد أن لمح إبتسامتها الجميلة.

ضحكت بخفة على ذلك، ولمست الوردة المتموضعة بين أذنها وشعرها برقة لتقول بهمس:
- شكرا لك.

- العفو...لقد إزدادت الزهرةُ جمالاً بعد أن جاورت وجهكِ.
تعمد مدحها حتى يرى خجلها، وقد وصل لمراده بالفعل.

حيث أنّ وجنتاها قد تصبغتا بلون فستانها تماماً في ثوانٍ، ما جعله يقهقه ويباشر في السير نحو المنزل بخطواتٍ متريثة بعد أن رأى ما يريد.

لحقت به حتى تدخل، ووجهها لايزال محمرّاً، فعاد لمشاكستها من جديد بقوله:
- لِما تخجلين من أبسط الأمور؟

زاد إحمرار وجنتيها أكثر فأكثر، لتسرع بالصعود الى غرفتها تاركةً إياه يضحك بمفرده عند الباب.

- يالها من فاتنة!
هذا ما نطق به وسط مراقبته لأشلاء طيفها وهو يختفي من أمام مرآه، ثم دخل المطبخ حتى يتجرع قدحاً من الماء.

وبالذهاب لها، فهي قد هرولت بسرعة ودخلت غرفتها مغلقةً الباب خلفها.

أسندت ظهرها عليه وتنفست بتسارع إثر ركضها، وكذلك بفضل قلبها الذي جُن جنونه من كلمةٍ واحدة نطق بها هو!

وضعت كف يدها على قلبها، وتحسست نبضه الجنوني لتبدأ في توبيخه:
- توقف عن النبض بهذا الشكل! ما تفعله غير صحيح!..توقف!

لكنها إبتسمت بخفة ما إن تذكرت كلامه الذي راقها نوعاً ما رغم انها قد خجلت منه في البداية...مشاعرها مبعثرة.

__________________________

- شكرا لك سيدي.
تحدث ذاك الطفل بأدب نحو جونغكوك الذي منحه الحلوى، فحمله الأخير وقبّل وجنته قائلاً بملامح متحمسة:
- العفو...هل تريد اللعب؟

أومأ الطفل بظرافة، ليزيد إتساع ضحكة الأكبر، ثم وضعه فوق كتفيه وبدأ يركض به في أرجاء المتنزه وسط ضحكات الطفل اللطيفة.

أما رفيقته، فقد جلست وإبتسمت بينما تراقبه.

- لقد أحببت طفلاً بعمر الخامسة!

ظلت تتأمله وهو يلعب مع الأطفال بإنسجام، وكل ما خطر ببالها هو انه يحب الأطفال كثيراً وهذا أمرٌ مؤكد.

وبالحديث عن الأطفال، تذكرت كيف ركلته قبل ساعات لتتجهم ملامحها فوراً!

رسمت القلق والخوف على وجهها، لتبدأ في مخاطبة نفسها كالمختلة:
- هل...هل يعقل انه سيصبح عقيماً؟! كلا كلا انها مجرد ركلةٍ خفيفة ولن تضر...ولكن ماذا إن كانت قوية؟! آه يا إلهي مالذي فعلته...تباً لي ولغبائي اللعين! هل سأُحرمُ من شعور الأمومة؟!
صمتت للحظات بينما تقضم أظافرها، وسرعان ما طمأنت نفسها وإستلّت نفساً عميقاً.
- حسنا هيري...إهدئي، فالأمر لا يستحق، انتِ لم تركليه بقوة وهو سيتمكن من الإنجاب وستكونين أُماً لأطفالٍ جميلين...اجل اجل.

واست نفسها لتعود الى التحديق به وهو في غاية الإستمتاع بينما يهرب والأطفال يركضون خلفه، فعادت للضحك من جديد.

- حتى وإن لم أنجب أطفالاً، فلديّ طفلٌ كبير.

وطوال فترة جلوسها المتبقية، ظلت تفكر في طريقة مفاتحته لموضوع والده.

هي خائفة من أن يغضب ويتعكر مزاجه، لكنها ستحاول جاهدةً فعل كل ما بوسعها، وقد قررت أيضاً محادثته الليلة.

حان وقت الغروب، وكلاهما قد صعد السيارة بالفعل.

- آه أشعر بالتعب!
عبّر عن تعبه بينما يتنفس بإرهاق، لتجيبه بسخرية بينما تربط حزام الأمان خاصتها:
- بالطبع ستشعر بالتعب بعد كل ذلك الركض.

- ولكنّ اللعب مع الأطفال أمرٌ ممتع بحق!
إبتسم وأدلى برأيه بينما يناظر الفراغ أمامه، ثم أدار محرك سيارته وإنطلق نحو منزله.

وصلا بعد مدة ليست بالطويلة ودخلا، أخذ هو ثياباً مريحة ومنشفة وذهب ليستحم، أما هي فقررت إعداد وجبةٍ خفيفة لكليهما ريثما ينتهي ويخرج.

أعدّت بعض الراميون والسلطة ووضعتهم في أطباقٍ على الطاولة، وما إن إنتهت حتى دخل المطبخ وهو يجفف شعره المبلل، فأظهر أسنانه الأرنبية بإبتسامة متسعة بينما يسرع بالجلوس.
- كم أحبكِ هيري...انتِ أكثر من يفهم معدتي.

ضحكت عليه وجلست بدورها لتشرع بالأكل...كلاهما يمتلك معدةٍ بها ثقبٌ أسود ولا تشبع أبداً!

ظلت هيري ترفع عيناها تارةً نحوه وتارةً تعيدهم نحو صحنها...هي مترددة قليلاً.

وبعد صراعٍ طويل مع نفسها قررت التحدث...فالتأجيل لن يرجع بأي فائدة على اي حال.

- جونغكوك...

همهم لها بينما ثغره مشغول بمضغ الطعام وعيناه تتفقد شيئاً ما على هاتفه.

- أريد محادثتك بموضوعٍ ما، ولكن عدني بأنك لن تغضب.
خاطبته بنبرةٍ راجية، فرفع عيناه عن هاتفه وأومأ لها بأريحية، فتشجعت وقالت:
- الأمر يخص والدك.

وما إن تلفظت بها حتى وضع هاتفه على الفور ودحرج مقلتاه، فأسرعت هي وأضافت:
- جونغكوك يجب أن تسمعني حتى انهي كلامي...أرجوك.
ترجته بهمس آخر حديثها، وذلك بعد أن وضعت كف يدها على خاصته، ليهمهم بضجر.

- أعلم بأن والدك يمتلك أسلوباً جافاً نوعاً ما، ولكن يظل والدك بالنهاية وهذه حقيقة لا يمكن لأحدٍ تغييرها! يجب أن تتعاون معه حتى تتحسن الأوضاع بينكما.

- أرجوكِ هيري...أغلقي الموضوع فهو ميؤوسٌ منه!
بدى عليه الإنزعاج لذا طلب منها عدم التحدث مجدداً، لكنها كانت مصرة على إقناعه.

- لا تكن أنانياً وتفكر بنفسك فحسب! ماذا عن والدتك؟! انها تموت قلقاً وحسرةً عليك بينما انت لا تبالي!

ضحك بسخرية ليناظرها بشكلٍ مباشر.
- يبدو انكِ قد تواصلت مع نامجون وهو من طلب منك فعل ذلك...اجل تذكرت، طلبه منكِ ليلة أمس...أليس كذلك؟

- لما تمقت شقيقك لهذا الحد؟! إنه يحبك ويعتني بك كثيراً، إذاً لما تعامله بهذا الإزدراء؟!
وبعيداً عن شقيقك وكل شيء...هذا الأمر يهمني أيضاً، لا أريد العيش وسط عائلةٍ أفرادها لا يطيقون بعضهم البعض! جونغكوك انا أخاطبك بصفتي حبيبتك ولست أحداً غريباً، أريد منك فهم كلامي جيداً والتفكير بحكمةٍ أكبر، لا يوجد شيءٌ مستحيل طالما انك ستسعى لتحقيقه، إذاً لما لا تحاول إصلاح كل شيء والعيش حياةً طبيعية دون مشاكل، صدقني إنه الحل الأمثل.
عاتبته بداية كلامها، ولانت ملامحها وكذلك نبرتها في آخره بينما قد أحاطت وجهه بكفيها هذه المرة والتوسل يملأ نظراتها.

رمش عيناه بتردد نحوها، ثم أشاح ببصره قبل أن ينزل يديها الدافئتين عن وجنتيه.

- لا أعلم مالذي سأقوله حقاً! هذا أول طلبٍ تطلبينه مني ولن أرفضه رغم عدم رغبتي بتنفيذه.

عادت لرفع يديها ووضعهما على وجنتيه، لتدير وجهه نحوها حتى تقابل عيناه ذات السواد الحالك.

إبتسمت بهدوء وعينان لامعتان، ثم همست:
- أرجوك جونغكوك...لا أريد منك فعل شيءٍ ضد رغبتك، كل ما أريده هو أن تحل مشاكلك من أجل حياةٍ هادئة لكلينا...من أجل مستقبلنا سوياً، أرجوك.

لانت ملامحه التي كانت حادةً منذ لحظات، ليبلل شفتيه ويقول ملبياً رجائها بصوتٍ مبحوح :
- حسناً...سأفعل ذلك من أجلكِ، وأتمنى أن لا يخيب ظني.

- كلا...لن يخيب.
إبتسمت له بهدوء، فناظرها بعشقٍ هادئ قبل أن يقترب ببطئٍ من شفتيها ويلحمهما بخاصته في قبلةٍ هادئة ورقيقة لم تدم طويلاً حتى فصلها.

أراح جبينه على خاصتها، وأحاط وجهها بكفيه قبل أن يهمس ضد شفتيها:
- سأفعل المستحيل لأجلك انتِ...حبيبتي.

إحتضنته بعد ذلك بحنان وإمتنان لوجوده قربها، ولمنحها كل هذا الحب دون مقابل.

في كل يوم وكل لحظة...يثبت لها أنّ قرارها في الإرتباط به كان أكثر قرارٍ صائب إتخذته في حياتها، ولن تندم عليه مطلقاً.

_____________________

- ايريناه...هل تحبين الكتب؟
سألها جين حتى يطرد الملل الذي يملأ الجو من حولهما، فأومأت هي بنعم.

كانا داخل المطبخ...يجلسان ويحتسيان الكاكاو الساخن مع هذا الطقس الممطر والبارد في الخارج.

إستقام ووضع كوبيهما داخل المغسلة، ثم سحبها لتلحق به.

قادها الى حجرةٍ كان بابها عريضاً نوعاً ما، بينما تقع على الجانب الأيسر للدرج بل وتكاد تكون خلفه.

فتح ذاك الباب وأشعل الأنوار لتتضح لها تلك الأرفف الكثيرة والمليئة بالكتب...شعرت بالهدوء والسكينة لمجرد إستنشاقها رائحة الكتب الجميلة.

هي تحب القراءة منذ أن كانت صغيرة والفضل يعود لجدتها بالطبع.

ساقتها قدماها دون أن تشعر نحو الداخل، بينما حامت بأنظارها في أرجاء المكان بإبتسامة هادئة تاركةً جين خلفها وهو يقول:
- انها مكتبةٌ قديمة ومليئة بالكتب من أجلكِ.

إستدارت نحوه وشكرته بلطف:
- شكرا لك على إخباري بأمرها.

- العفو...انها مكتبة جدي سابقاً، وبما أنّ والدي قد ورِث حبه للقراءة عنه، فقد إحتفظ بها كما لو انها كنزٌ ثمين، وكذلك تايهيونغ الذي سيحافظ عليها مستقبلاً كما يفعل والدي حالياً لأنه يحب القراءة أيضاً، ولا أعلم إن كان أحد أبناء تايهيونغ في المستقبل يحب القراءة وسيحافظ عليها ام لا...إنها شيءٌ متوارثٌ في عائلتنا.
روى لها هذه القصة السريعة بينما يتجول ويلمس جميع الكتب التي يمر بقربها.

أول ما تراود لذهنها بعد حديثه، هو أنّ تايهيونغ يحب القراءة الى جانب الرسم!

أُعجبت بهواياته التي تعبر عن شخصيته المحبة للفن والهدوء وكذلك التأمل...انه رجلٌ كلاسيكي وحساس.

إستدارت للخلف بعد تفكيرها الجميل به، لتبدأ في إكتشاف الكتب واحداً تلو الآخر بإنسجامٍ تام.

وكذلك جين رغم عدم إهتمامه بالكتب كثيراً، إلا أنّ كتُباً ما قد تلفت إنتباه أي شخصٍ من شكل غلافها الخارجي او لونه حتى.

بدأ يحدق بها وبإصطفافها المنتظم داخل الرفوف الخشبية، الى أن لفت أنظاره كتابٌ بلونٍ سكري وخطوطٍ ذهبية جميلة، فسحبه وقرأ عنوانه:
- سقوط الأقنعة!..هل هي روايةٌ أم ماذا؟!
جذبه العنوان ليبدأ في تقليب صفحاته الى أن وجد ظرفاً ما بينها.

فدفعه فضوله الى فتحه ورؤية ما بداخله...لكن ما قرأه في مضمون أسطره لم يكن ساراً له البتة!

حتى أنّ الكتاب كاد يقع من بين يديه مع وجهه المصدوم الذي لا يُفسَّر!


●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●

#يتبع...

- رأيكم بالبارت؟

- تايهيونغ؟

- ايرين؟

- جونغكوك؟

- هيري؟

- لورا؟

- جيمين؟

- جين؟

- نسبة حماسكم للقادم؟

- تقييمكم للبارت من عشرة؟

سوبرايز😆
البارت ما كان رح ينزل قبل يوم الجمعة، بس قررت ونزلت اليوم عشانكم😍

الأحداث رح تصير حريقة إبتداءً من البارت الجاي🔥

رح تتخربطوا شوي بس بدي ياكم تركزوا منيح وتحاولوا تحللوا يلي بتقرَؤه، وتكتبوه إلي في التعليقات.

وهلا بدي توصفولي شخصية تايهيونغ من منظوركم...حابة أعرف كيف بتشوفونها.

سو الرواية وصلت 3K وهاد فخر لإلي بما انها أول رواية...شكرا كتير حبيباتي💋💋

بدي تفجروا البارت بالكومنتات والفوتز🎉

والحين نجي لأحلى فقرة بتحبونها وهي فقرة التشويقات💃

إسم البارت القادم: صراع الأفكار!

مقتطفات تشويقية:~

- ستفسِّرُ لي ما يعنيه مضمونها...والآن!

~

- هل أنت ضحيةُ حبٍ من طرفٍ واحد؟

~

- أين...أين قلادتي؟!

~

- هذه القلادة...إنها لي!

~

- تذكرت...لقد جلبتُ قيثارتي، إنها في سيارة جونغكوك، سأذهب لأجلبها...إنتظريني قليلاً.

~

- لا أعلم...أشعر أنّ هناك حلقةً مفقودة في القصة!

~

- يجب أن تحادثها على إنفراد وتخبرها بكل شيء...لعلّها تمتلكُ تفسيراً منطقياً لِما يحدث.

~

- لم أرى جين مطلقاً...بلِّغوهُ سلامي.

~

- إذاً هل كانت والدتكِ ممثلة أم تعمل في الإستخبارات مثلاً؟

~

- كلا ليستا متطابقتيْن تماماً، ركزي قليلاً هناك إختلافيْن.

فهمتوا شي😂

ما علينا...حطيت صورة جين مثل ما قلت بالبارت الماضي، وكالعادة هو مز😎

أشوفكم في البارت الجاي🙈🙉💃

I purple you💜

See you next part...

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top