حافة النهاية <٢٩>
_بسم اللّٰه الرَحمن الرحِيم ♥️
صباحٌ جديد وبداية ليوم جديد ..
لكن بُقعةُ الزمان لا تزال كما هي ..
وفقط الشعور مَن يتفاقم
شعورها في كُلِ لحظة بالضياعِ والحِيرة والإنهاك الشديد الذي لا مَخرج لهُ:
"لمْ أكن أريد سوى حياة هادئة"
هذا ما كانت تتحسر عليه كُل مرة أمام مرآتها
فما بالها الآن عارية لا يغطيها سوى غطاء الفراش وبرغمِ ذلكَ كانت مكشوفة مَعنوياً ؟
مُرهقة نفسياً ومُنهكة عاطفياً
كنكهة لذيذة مِن السُقمِ لن تشفيها وستزيدها وجعاً، وبرغمِ ذلكَ تقع في حلاوتِها كُل مرة.
تحسست شعرها المُنسدل وتسائلت:
'هل كان شعري السبب ؟'
'ربما لو قصصتهُ منذ صغري، لما شعرتُ أنني آنثى ، لما كنتُ مُلفتة لهم ولجنسهم ؟'
لكن على من كذبت ؟ حتى لو كانت صلعاء، مُشوهة، لظل معدنها كمَا هو ..
الآنثى أنثى، حتى وإن كانت قِردة، فستُغري طِباق جنسها.!
وبينما كانت مُنهكة في فِكرها، وعت على صوتِ بطنها المُتوحش فأبتسمت وتحسست معدتها الفارغة:
"أتمنى أن يكون المطبخُ فارغاً"
تنهدت بنعاس، ثم ناثرت شعرها ودلفت للمرحاض
تحممت بنية الإغتسال، فشعرت بنشاطٍ لم يمُر عليها من قبلٍ، طاقة نفسية مُريحة، لكنها وقبل أن تفتح الباب بإبتسامتها الواسعة .. سمعت صوت شعاله .. فعلمت أنه عاد.
خرجت بعد صراع نفسي رهيب بين نفسِها وكيان مُشوش داخلها، يترجاها أن تظل مُختبأة حتى نهاية الحياة مِما خلف في نفسها شعور بالتوجسِ والخوف الغير مُبرر
لربما تهتهت في حلمِها بما لمْ يجب أن يسمعهُ؟ وبحقِ السماء هل قالت أسم ديث ثناء نومها وسمعه؟
حاوطت فمها بخوفٍ من هيئتهِ، هي لمْ تظن يوماً، أن الموت قد يتجسد في قالبِ البشر
لمْ ترى من قبلٍ، شرارات ناقمة مثل تلكَ.!
لكن چون لمْ يرأف بحالتها، ودفعها ليحاصرها بينه وبين الحائط ..
ظلَ صامتاً برهة من الزمانِ وعيناهُ تتفرس ملامحها الخائفة
عيناها العسلية اللذيذة كانت هالعة بينمَا تغوص في خاصتهِ الخضراء المُعتمة
شفاها الوَردية، أرتعدت كدلالة على أصطكاك أسنانها وكُل ما مر في عقلها، أسوء نتائج أفعال حدث لا تذكره
"تلكَ الصور"
جف حلقها وبهت وجهها حين تحدث، ثم أجابتهُ ضائعة:
" صـ .. صور ؟"
سكت يُراقب أعينها مع نفس النِقمة وكأنهُ يستدل على صِدقها من عدمهِ، وهي بالفعل كانت صادقة، فتنهد بعد وهلة، ثم تحسس عنقها بثغرهِ:
"تبدين مُشرقة اليوم"
"وأنـ-ت ، تبدو .. هممم "
بعدما ختمت كلماتها بهمهمة متوترة، دمدم:
" كيف أبدو ؟ "
" أسوء من كُل صباح"
تبسم في عنقها، ثم أكد وحديثه سبب أحتكاك أسنانه عند بشرتها الرقيقة:
"بالفعلِ ، أنا غاضب قليلاً، بل كثيراً لأنكِ وضعتِ ذاتك في موقفٍ لمْ ينل إعجابي البِتة لذا.. "
ضغط على كتفيها بشدة آمره:
"على ركبتيكِ"
هبطت على الأرضِ خانعة بسبب ضغطه المُستمر على كتفها، ثم رفعت لهُ رأسها وفي عينيها الكثير من العِبرات، في تلكَ اللحظة أدركت من جلدها الشبة مُتورم أن أكلها للعنب، خير دليل على مُقابلتِها لديث المَلعون
"لمْ يَكُن حلم صحِيح ؟ أنتَ رأيتَ تلكَ الصور! لكنها ليست أنا يا چون .. "
" أعلم "
رمشت مُتحيرة وتاهت في مصيرها المَجهول:
"ولن تقتلني ؟ "
"سأفعل يوماً مَا، لكن عقابي، ليس بسبب الصور فقط يا سيڤار "
تحسس ثغرها بسُبابتهِ:
"سأعاقبكِ عليها، حبيبتي، لو لمْ تذهبي لچوزفين لتُساعديه في كسبِ مانويل، لما تمْ تزوير تلكَ الصور.. الرجل الذي خان قوانين عائلته ومبادىء مُجتمعنا، هل يجب الوثوق بهِ يا سيڤار ؟"
اومأت بالرفضِ تُجاريه، لكن عيناها أتسعت برعبٍ حين هدر بشدة جنونية رجت روحها قبيل حوائط القصر
" لذا وبحق السماء لما صدقتيه ؟ "
ألقى سيجارته على الأرضِ، وأنحني مُمسكاً فكها بقسوة وأسنانه المُتراصة لمْ تزيدها سوى ريبة جانب أرتجاف أنفاسه
"چون أرجوك"
غادرتها همسة راجية، ثم شهقت ببكاءٍ، لذا ضغط على فكها أكثر فأمسكت يده تستعطفهُ رغم الألم
"غباءٌ تام، أخطاء لا حصر لها وتباً كم أكره هذا يا سيڤار، غباء تافه غير مفهوم وإنعدام عقلية ثمَ چون أرجوك!"
"لا حيلة لي أمامكَ إن ضربتني كما الماضي! لكنني مُرهقة جداً لأتحمل الأسوء"
خفف قبضتهُ عنها ونهض ضاحكاً بخفوتٍ:
"بالفعل لما أضربكِ ؟ في حين يُمكنني أن أفعل بكِ ما رَغِبتُ دوماً "
أتسعت حادقتاها وكادت ترفض، لكنه حملها على كتفه بالفعل لإحدى الغُرف جانب قاعة البلياردو
مكان مُظلم تعرفه تماماً
أول غرفة وعت عليها في القصر كله
ألقاها على الكرسي الثقيل وبدأ يربطها أمام بكاها ومقاومتها التي تكاد تُذكر من شدةِ ضعفها
فأرتد وراقبها مُبتسماً بخفوت.. خفوت شيطاني بعيد تماماً عن الإثارة ، مُشمئز
الغطاء طرح كتفيها للأسفل، فناظر جلدها العاري بنفسٍ درجة الإشمئزاز رغم النشوة
"توقفِي عن البكاءِ ما دمتُ لمْ أمنحك سبب لتبكي .. بَعد"
شهقت وحاولت التبرير، لكن كلماتها تناثرت حين سحب أمامه طاولة التشريح
"لما .. لما ؟ لا.! "
"لسانك اللعين ضعيه في حلقكِ كي لا أبتره يا سيڤار"
هدر بشدة جنونية ثم دس المقص في الطاولة بغضب، فلهثت من شدة رعبها وأصفر وجهها وعيناها باتت مُتسمرة على المقصِ القائم:
"أين خاتم زواجنا ؟"
سألها فجأة، فأعلنت برجاء:
"في إصبعي أقسم يا چون لمْ أنزعه منذ زواجنا"
ترك كسارة الأصابع التي جربتها مُسبقاً، فتنهدت مُرتاحة بتعبٍ:
" نقطة لكِ والآن .. أختاري رقم"
أبتسم مُنتظراً أياها، فقالت بعد مُدة
" سـ-بعة وعشـ-رون"
ألتفت چون للطاولة لكن ملامحه جمدت حول علبة سجائر ديفيد والتي كانت عند الرقم سبعة وعشرون، ثم ألتقطها بأعينٍ عاصفة:
" هل عبثَ في ألعابِي ؟ "
صر أسنانه مُشمئزاً من لمسِ أي آلة أُخرى
'أنا وريثُ هاريسون.!
وبحقِ السماء كيف لمستُ ما لمسهُ غيري.!'
ألقى السجائر مشمئزاً ثم رفص الطاولة فطارت الأدوات الحادة وتناثرت في المكان
"لا بأس.. يمكننا أن نلعب لُعبة آخرى"
فك قيدها، وما كادت تبتسم مُرتاحة، حتى صرخت حين دفعها على الأرض فجُرحت رُكبتيها وشهقت مُتألمة:
"رأيتِ.! كل ما أفعل يؤلمكِ، لهذه الدرجة أنتِ هشة يا سيڤار "
سحبها من قدميها بعنفٍ مُلقياً الغطاء بعيداً
"لا تضع يدك القذرة علي"
صاحت وبدأت تُنازع بصراخها ويديها، فرفع كفه ثمَ هبط به على وجهها
" تباً .. كالأيام الخوالي"
زمجر وأبتسم بإنتصار حين سكنت أسفله بعد صفعتين أو ثلاث
ليس بسبب ضربه
بل لأن ظلامه أقتحمها، وحولها إلى لون مُعتم جداً من الوجعِ وقلة الحيلة
كرهت جلدها
لكن ما الذي تجدد ؟
وهو بارع في جعلها تكره لحمها الحي ؟
رفع رأسه بإنتشاءٍ ألهب روحها، ثم أنحنى على وجهها المُتعرق والمُتورد بأعين خاملة:
"لما البُكاء هـا ؟ ، لما كُل مرة تبكين بعد تصرفاتك الغبية يا سيڤار"
شهقَت بوجعٍ حين فصل أظافره عن خصرها مما خَلف خدوش، ثم حملها على كتفه ووضع الغطاء فوقها
"سأقتل بعض الأوغاد وسأعود لكِ، وحينها، تباً يا صغيرة"
ألقاها على الفراش ثم أنحنى أخذاً دموعها في فمه، وكأنما يُشفي غضب شياطينه بتلكَ العبرات الباهظة.
"سنلعب لعبة غير الأرقام الطبية، صدقيني، لعبة جميلة ستعجبني أنا فقط"
سحب إحدى خصلاتها بعنفٍ وأستطرد باقي حديثه مُهدداً:
"إياكِ مُغادرة الطابق يا سيڤار ولو أحترق القصر، لستُ في وقتٍ يسمح لي باللعب، لم أنتهي منكِ بَعد فما فعلتهُ منذ لحظاتٍ أشبه بتمهيدِ سطرٍ وربع.!"
أنتصب في وقفتهِ مُعدلاً ثيابه ثمَ أنسحب مغادراً فشقهت ماسحة دموعها وكأنما تحثُ نفسها على الإستمرارية والتوقف عن فرض فكرة إنهاء حياتها..
' لا بأس ، تحملتُ الأسوء من قبل '
عضت شفتاها بحسرة وأعتصرت عيناها
' لا بأس ، أنا حقاً بخيرٍ'
بالنسبةِ لها.. لمْ تكن تلكَ الكذبة سوى لمواصلة مسيرتها، لكنها غفلت عن شدةِ ظُلمها لنفسها في كلِ مرة لمْ تسمح للحزن بفرضِ سيطرته عليها ولو قتلها الأمر..
نهضت بصعوبة وأغسلت مع روحٍ خاوية، حتى حين غادرت الغرفة بسبب شعورها بالأختناقِ، وبعدما سرقت مفتاح غرفته المُفضلة لم تكن تشعر أبداً بنفسِ الطاقة المُريحة من الصباحِ
فتحت باب الغرفة، ثم دخلتها موصدة خلفها:
"أنتقامي أن آرى ما يخبأه هُنا"
لمْ ترى سوى لوحة والدها ولوحتهما معاً، لذا أتجهت لـلوحة آخرى وسحبت من فوقها الغطاء
وحين أنكشفت أمامها، رمقتها بتوتر فأصاب صدرها شعور غير مُريح ولا حتى مستساغ
لا تعرف لما نبض قلبها بعنفٍ في صدرها ؟
ولما حتى رسمها چون تحمل طفلاً ؟ وخلفهما ظل أسود أكل خلفية الصورة.
كانت في الصورة حزينة، والطفل سعيد
وبرغم ملامحها الحزينة رأت بوضوحٍ سعادتها بصغيرها وظِل أمانها
أبدع چون في خلقِ السرور والبؤس في أبصارها، أبدع حقاً في خلقِ شعور الرعب والأمان من الظلِ بالخلف
حكت سيڤار يدها بخوفٍ غير مُفسر وتمنت لو لم تآتي هُنا أبداً، لكن فضولها لم يمنعها من كشفِ لوحة آخرى
ولدهشتها، وجدت نفسها مُجدداً
لكنها كانت مُبتسمة، سكيرة لا ترتدي سوى ملابس داخلية سوداء، عيناها مُغرية، ويدها تتحسس خصرها لذا حكت جبهتها بضحكة يائسة من حالتهِ
وحين سحبت الغطاء الثالث وجدت صورة أغضبتها وأشعلتها من الغضب.!
لما رسمها عارية وهذه المرة لا يسترها سوى الفراغ ؟ لما رسمها تبكي في نومها مُفسَرة بوضوحٍ لا يشوبه حياء ولا خجل ؟
ذلكَ الوغد المهووس.!
لهثت بغضبٍ ثم أتجهت للغرفة وألقت المفتاح على الطاولة ساخطة تزامناً مع رفعها للهاتف على أذنها
" أريد الطلاق"
صمتَ كثيراً، فتابعت هادرة بإنفصامية غاضبة
"لما أنتَ صامت ؟ قلتُ أريد الطلاق"
بعد عدة دقائق قال موجهاً حديثه للبائع:
"لا ، أحضر لي ذلكَ المشرط الصغير.. وأريد الحبل الشائك ، ماذا لديكَ أيضاً ؟ أريد شيء للتهذيب، أريد أن أجعلها تنزف، أريد أن أجعلها تلتهب موتاً ، أوه هذا المقص يبدو مثيراً إن حاوط لسانها، أتعلم ؟ سأشتري المكان كله "
رمشت بوجهٍ أصفر:
"ما رأيكَ في أدائي كان مُقنعاً ها ؟ أعني بعدما عاملتني كالأميرات ورحلتَ وأنا أفكر في كيفية رد جميلكَ الثقيل جداً يا زوجي الحبيب.! حتى ذلك المشهد كان تمثيلي، سأفعله حين تكون ميتاً لذا حاولتُ أن يكون أدائي مُقنعاً "
"وأريد هذا السوط، والسكين أيضاً، انتَ بائع سخي جداً تستحق الضرب حتى الموت"
صر أسنانه ووجه لها حديثه اخيراً..:
"سأعود لكِ الآن، وسنذهب لمكان جميل كالنعيم لي ، وكالجحيم لكِ، يا زوجتي الحبيبة"
تباً لي.!
أغلقت الهاتف تماماً ثم أنهارت على الفراشِ وراحت تُفكر في كُل ما تعرضت لهُ.. تُحاول لم شمل نفسِها
فمن هو الرجل الذي تزوجته ؟
هل هو البارد القاسي، الميت، الذي رأته في أول ليلة ؟
أم المهووس الذي ظل يتبعهَا ؟
أم الرجل المُثقف بالظلامِ الذي قال لها سابقاً 'الإنحناءُ المعنوي أشد لذة من التبجيل ، يا شرقية '
هل حقق مُراده في جعلها مُختلة ؟
أم أصابتهُ هي بالإنفصام ؟
قابلته بارداً وميت
اللَّه وهبهُ روحه وهي كانت وسيلة لإنارتها.
لكن بالنسبةِ لها، لم تكن سوى سلاح يَمحي ذنوبه نحوها
أحبها ..
لكن ما فائدة الحُب إن كان مؤذياً ؟
لربما بَعد تقديسها للعلاقة الزوجية، وتقديسها للعلاقة الجسدية الراقية، بعد إخلاصها وحبها لنعم الرب عليها فحافظت على رحمها وجسدها
جاء هو وقلب موازينها رأساً على عقبٍ
كانت معه منذ أعوام
وبرغمِ ذلك ، تشعر بنفسِ تشوش المرة الأولى التي رأتهُ فيها
"مرحباً سيد غيم، أحتاج للحديث معك"
مسحت دموعها وبهتت عيناها في الفراغ، لمْ تكن تدرك أبداً متى ألتقط كفها الهاتف مُجدداُ
لكنها تُدرك تماماً حاجتها المسيسة في البوحِ
حتى حين جلست على الكرسي أمام البحر، لمْ تدرك متى رحلت ومتى أرتدت ثوبها
لم تدرك سوى حقيقة واحدة.. أن الكلمات الثقيلة غادرت حلقها، وتوقف الزمان عندها
" أنا أحبه "
أعترفت بجريمتها، ثم بكت بمرارة مُحاوطة وجهها..
كانت بخيرٍ، حتى شعرت فجأة أن ذلك السر بات يخنقها.. لربما بسبب ما فعله قبيل رحيله أصبحت الحقيقة تُثير جنونها أكثر.
لكن كلماتها الخفيفة حملت سرها.. وقد كان ثقيلاً جداً
أثقل من كلمةِ الحق أمام رجلاً فاسداً طاغي
"لهذا أكره نفسي، لهذا أشعر بالخرابِ والسُقم ينهشني يا سيد غيم، مشاعري له ثقيلة جداً وغير مَقبولة، فكيف سمحتُ لنفسي بحبه وهو يضربني ويُجبرني على تلبية رغباته ؟ لما أحببته وهو لن يمنحني السعادة ؟ لما نُحب البعيد يا سيد غيم! ، لما نُحب الوجع والألم؟ ، والسؤال الأهم، لما لا أكون جميلة، سوى وأنا حزينة ؟ "
لمْ تصلها الإجابة التي تبتغيها، فرفعت رأسها بأعين باكية حزينة:
" هل أنا مُصابة بمتلازمة ستوكهولم ؟ "
" لا يا سيڤار "
أبتسم بحنانٍ أبوي ، ودندن مُمسداً رأسها
"فقط كُل ما تحتاجيه هُدنة مع ذاتكِ، أمنحيها الفُرصة لتتنفس ولتقرر، أخبريني صغيرتي، متى كانت آخر مرة ضحكتِ فيها من قلبكِ ؟ شعرتِ بالسعادة الحقيقية ؟ أخبريني يا سيڤار، متى كانت آخر مرة جلستِ فيها وانفردتِ بنفسك وقررتِ خُطاكِ ؟"
رمشت سيڤار مُتحيرة
هي لا تعرف متى آخر مرة ضحكت فيها
لا تعرف متى آخر مرة أبتسمت فيها دون الشعور بالحزن أو الإنكسار
" أكرهه لأنه أغتصبني يا غيم "
قالتها بعد وهلة من الصمت
"أكرهه لأنه ضربني ، لأنه جرني عارية لملهى ليلي، لأن بسببه، تجرأ الكُل على إنتهاك حُرمة جسدي وخيانة أمانة الرب، أكرهه لان حبه بدأ بخطيئة، أكرهه، لأنه لي، مجرد خطيئة إنسانية في حقِ نفسي، هذه هي الحقيقة الوحيدة التي أدركها"
قاطع صوتها، هاتفها الذي علا برقمِ چون فأجابت دون تردد.. لربمَا كانت تحتاج إلى إجبار نفسها على كُرههِ عوضاً عن النواحِ مُشتتة.
تمنت لو تقول 'أحبكَ يا سيد غيم لكنني أسفة لقول هذا.. ضع الهدنة اللعينة في خلفيتكَ.!'
" أين انتِ ؟ "
نبرته لم تكن غاضبة، كانت خائفة ومُحتضِرَة.. فأجبرت نفسها على الإجابة:
" مع السيد غيم .. "
سمعت بعدها صوت إنذار سيارات الأطفاء وعربات الشُرطة، فتنهدت بقلقٍ ومنعت نفسها عن السؤالِ
"أنظري بيبي، قفِ الآن وأختبئِ في مكانٍ آمن، أمنحيني دقيقة يا سيڤار، دقيقة واحدة وسأتي لكِ"
"أنا لن اختبأ "
"سيڤ حبيبتي، أفعليها لأجلي، تبقى دقيقة وسأصل، لا تجعلي تلكَ الدقيقة تكون نهايتنا"
رمشت بتوترٍ:
" هل تفعل هذا لأستدراجي وقتلي ؟"
أنتفضت من مكانها حين سمعت صوت مكابح السيارة قبل أن يُشير لها بغضبٍ، فأتجهت نحوه وأعينها تذوب فيه
كان قميصه الأبيض الخفيف مُلطخ برمادِ نيران، وأكمام القميص المرفوعة عرضَت أذرعه الرجولية القاسية
شعره مُبعثر، وأعينه داكنة
صعدت سيڤار السيارة وما كادت تجلس حتى شعرت بكُتلة أسفلها وحين أخرجتها.. وجدته قميص النوم الأسود الشيفوني
" ما الذي يفعلهُ هُنا ؟"
"أشعل بعض الأوغاد قصرِ آل هاريسون"
وصمت باتراً حروفه، فأعلنت ماكرة ووجهها تورد:
" وهل دخلت للنيران كي تُنقذني؟"
ثم رمشت بسعادة، لكنهُ دندن بلا مُبالاه:
"بل أنقذتُ قميص نومكِ المُفضل لي، ثم أنقذتُ صورتكِ وأنتِ نائمة عارية، هل تعرفين كم يوم أستغرقتُ لرسمها ؟ لا! ، بينما كنتِ نائمة، سهرتُ انا كالمسوخ المجانين أحارب شياطيني لأرسمكِ "
" مهلاً.. قصر جدكَ أشتعل، قصر آل هاريسون الذي تمجدوه ، وأول ما فعلتهُ انتَ كان إنقاذ ثياب نوم زوجتكَ؟"
ورفعت القميص أمام عيناها بإستنكارٍ
"لكنني لا زلتُ لن ارتديه، يا ليتهُ أحترق معكَ في غرفة القصر "
كاد يُجيبها بيديهِ، لولا ظهور إحدى السيارات بشكلٍ عرضي جنوني أمام خاصته.. عرض جنوني لا يليق سوى بتلميذته المجيدة صوفيا والتر..
لعن چون تحت أنفاسه يمنع إحتمالية تصادم السيارتان، فخرجت صوفيا من المِقعد الأمامي وصفقت الباب مُتجهة نحوه بخطواتٍ عاصفة:
"أبقِ في السيارة"
أمر شرقيته بظلامٍ تام.. وخرج هو الآخر.
كانت صوفيا مُبعثرة الشعر، لكن مكياجها ظل مُنظم رغم شوب بقعة من الرماد لوجنتها
حتى قميصها الأبيض كان نصفه الأيمن خارج بنطالها الجلدي الضيق، وعيناها المُميزة أتبعت سيڤار بغضبٍ تهديدي..
بعد لحظات، خرج سانتيغو وأندرو نحو وغدها ونفس الشعور كان يَغزو الجميع.. الغضب.. ولا شيء سواه.
" هل تعرف كيف كان موضعنا حين رميت نفسكَ كالمسوخ المجانين في النيران لأجل اللعينة التي تسببت في إحراق قصر جدكَ يا چون..!، هل تعرف كيف كان موقعنا اللعين في الإعراب حين ضربتَ رجالنا وصعدت لموتكَ بأقدامك ؟ وبحقِ السماء..! كيف ستتصرف العائلات التي تحكُمها بعد موتكَ ؟ خراب تام، لأجل تلك.. "
أشار لسيڤار بإزدراء، فأنزلت رأسها للأسفل مُختبأة، فتابع بهديرٍ:
"المرأة التي سلمَت أوراق أملاكك، شراكات أندرو مع المجالِس،.. التي سلمت شرف جدكَ للعدو يا چون.! "
" هي من شأني اللعين "
هدر بغضبٍ رج الجميع لذا أصفر وجه سيڤار عكس والده الذي تابع بنبرة هادئة كي لا يفقد إبنه صوابه ليتحول إلى مسخٍ مجنون.. حسناً هو بالفعل مسخ مجنون، لكن آخر ما يريده سانتيغو أن يكون معدوم العقلية أيضاً والموقف لن يسعف الخراب القادم.
" ديث ، وثقَت في ديث وكادت تمنحهُ ما كنا نبحث عن لشهور وانتَ ساعدتها بسبب صور إباحية كانت السبب الآول فيها، وثَقت في چوزفين ومنحته أوراق لعينة، مانويل، والمزيد يا چون، الكثير ضد حُكمنا الآن لأول مرة بعد موت هاريسون.. الأمور تخرج عن السيطرة! "
زأر چون وهدر بنبرة أشد من عتمة الليل
نبرة مُسيطرة ومُهيمنة
لم تسمعها سيڤار فيهِ من قبلٍ فأنكمشت أكثر
"إن كان مكاريوس لا يستطيع كتم نباح كلابنا، قُل له أن يولي الرئاسة لي، وتباً لكل شيء "
لهث ثم مرر يده في شعرهِ بغضب والألوان بهتت فجأة للون قاتم في عينيه، وهو يُحب تجليل القتامة بالدمِ
فخرجت سيڤار من السيارة
لمْ تُفكر مرتين قبل أن تَخرج
" ومن قال أنني وثقتُ في ديث أو چوزفين أو حتى مانويل ؟ "
أرتفع صدرها وأنخفض حين سلط الجميع أبصارهم عليها دفعة واحدة
وبرغم غضب چون ورغبته في قتلها، حاوطها بتملكٍ تام وحماية لا حدود لهَا
وخاصةً حين أزدادت أعداد من حولهم.. وجوه مُرعبة لم تتعامل معها من قبلٍ سببت أرتعادها
" أنا.. أنا سأدل چون على مكانها "
قالتها ثم دفنت وجهها في صدرهِ تحتمي فيه، كان جسدها ضئيل، وبسببه ضخامته، تلاشت بين ذراعيه في أمانٍ تام
"الجميع، أجتماع عند أملاكنا المركزية، أي غياب، أي كلمة أعتراض، أي تَعرُض لأمرأتي، يليه عقاب كالماضي تماماً"
أخفض المُستمعين أبصارهم بغضبٍ لم يُغادر أعينهم، عكس سانتيغو الذي أعلن مع نبرة إحتدادية:
"حسناً يا چون، لكن لا تنسى أن امرأتك تلكَ، إن كانت تهتم بكَ ولو واحد في المئة كما تفعل، لما هجرتكَ غارقاً في دمكَ بالمشفى، وما كانت لتتحالف مع أعداءك "
لم يُجيب والده الذي رحل بعدها سوى بالسكوتِ، لكن أنفاسه اللاهثة من الغضب وصلتها ..
" اصعدي للسيارة"
ترك جسدها وكأنها لذعته، لكنه في الحقيقة كان يُحاول منع ذاته عن طرحها بالأرضِ وتباً وصلتها كل الأفكار المُظلمة والمُنحلة التي سيفعلها حين تكون تحته، فأمتثلت خائفة لأمره عوضاً عن المكوثِ أمام نظرات الجميع القاتلة رغم شرودهم في الرحيلِ
"صورة والدكِ في حقيبة السيارة، هي لكِ بالكامل"
هذا ما قاله بينما يدير المُحرك، فأمتلئت عيناها بالدموعِ الخائفة..
منذ عدة لحظات أقامت حرباً عن جهلٍ وبدون علم، وفقط ما يكترث بهِ صورة والدها التي لامست شغاف قلبها ؟
" ألستَ غاضباً مني ؟ "
"رأيتُ الخيانة من الجميع يا سيڤار، حتى أنتِ، لمرة وأثنتين وثلاث، لن أكون سَهواً الآن بعدما أعتدتُ غبائك و خيانتك"
"أنتَ الوحيد في تلك الدائرة التي لم احتفظ فيها بنسخة من الأوراق يا چون"
قالتها بنبرة باكية، فأعلن جامداً:
" لأنكِ منحتي تلك النسخة لجوزفين "
" لما لم تخبرني أننا على حافة النهاية ؟ لما لمْ تريني ذلك الدمار ؟ كنتُ أظن .. كنت أظن كل شيء هادئاً ، روتيني ومُتكرر "
أنقبض فكه وعيناه تتبع الطريق بجمودٍ
" هل أنا من وضع تلكَ النهاية ؟ لما فقط لم تخبرني انها النهاية "
" لأنها ليست النهاية"
زمجر ثم لكم المقود بغضبٍ مَكتوم
"انتِ معي الآن، تباً للجميع لا أهتم لا بقصرِ جدي ولا حتى .. "
صمتَ لاعناً تحت أنفاسه حين وصل لمدخل القصر المُحطم، ثم خرج ساحباً إياها من ذراعها بغضبٍ فسارت وراءه
كان القصر أسود فوضاوي على غيرِ العادة
السيارات مُتفحمة بسبب أنفجارها
وهناك دم على الأرض في كل مكانٍ
دم رجال لمْ يسمحوا بإنتهاك حُرمة منزل سيدهم، فسُفك دمهم
فالبنسبةِ لهم البيتُ كالوطن، والرجل لا يُحب أن يتم المسّ بأثنين، وطنه وأهل منزله.
توماس كان مُصاب بطلقٍ ناري في قدمهِ ويتعرض للأسعافات الآولية السريعة، عكس ستيڤ الذي كان كالجُثة الجامدة لا حياة فيه
صرخت بفزعٍ ثم أنسحبت من خلفِ چون وركضت لستيڤ مُتجاهلة المنطق كالعادة، فحاول المُسعفون إيقافها لكنهم ابتعدوا بسبب اشار واحدة من سبابة مالِك القصر
لكن من يهتم ؟
كل ما كان يهمها صديقها الوحيد
بكت بمرارة ثم تحسست جبهته بعدما ظل مُستكيناً، الدماء على وجههِ الرجولي لازالت لمْ تجف ..
وبينمَا كانت تبكي على صدرهِ بخسارة تامة، سمعته يدندن مع خمولٍ عفوي:
" من مات ؟"
ضحكت ثم بكت أكثر، فتنهد بقلة حيلة وحاول دفعها عنهُ بصعوبة:
"ابتعدي عني يا لعينة، نظرات سيدي قاتلة ومرعبة أكثر من وجع رصاصاتي"
" الوغد كان يفديني"
أعلن توماس ساخطاً، وتابع بنبرة مُشمئزة:
"احتضنني واخد الرصاصة عوضاً عني وكأننا في فلم رومانسي لعين، تباً، لن أنسى ذلك المشهد لطالما حييت"
أعلن ستيف بنبرة مُرهقة مَرحة بطبيعتها:
"ذكرني في المرة القادمة أن اتركك تتعفن أسفل أقدام هؤلاء النساء، لكن لا تُنكر أني وسيم اكثر من زوجتك"
ضحكت سيڤار بقلة حيلة ثم استدارت لچون واحتضنته ببكاء مُتآسف:
" آسفة، لم أكن اعرف أن ثمن اخطائي هي الخراب التام، لو اخبرتني ، اخبرتني قبل الوصول لهنا لقاطعتهم ولأخرجتُ بطاقاتي"
"لما تعتذرين يا سيڤار ؟، اردتِ قتلي، أنهائي، ولكي انتهي، يجب أن تموت عائلتي"
ازدرد ريقه بمرارة
" ورجالي، والعائلات التي ادعمها"
تابع بوجع تام رافعاً وجهها له، وأطلعها على سبب جنونه الحقيقي:
" كانوا سيقتلوكِ، كانوا سيأخذوكِ مني، وهذا ما يُغضبني يا سيڤار"
بكت بقلة حيلة حين حملها، ثم أنكمشت بين يديهِ
كانت تعرف أن هدوءه ما هو إلا مُجرد مُقدمة للعقاب الذي سيسقط على رأسِها دفعة واحدة، لكنها مدينة لشعور الأمان الذي منحها إياه:
" غُرفة مكتبك "
حملها لغرفة المكتب وانزلها بالداخل، لكن عقلها كان مشدوه فالضربة حين جائت.. جائت في وقتٍ لمْ تتوقعهُ أبداً
" كيف حدث هذا يا چون ؟، كيف أعلنوا فجأة الحرب ضدكَ؟ "
" حبيبتي، اهدأي حسناً، ستكونين بخيرٍ، اقسم بيبي لن يؤذيك أحد وانا حي"
أمسك وجنتاها ثم لثم جبهتها بعشقٍ لا حدود له، يحمي جسدها من الإرتجاف المعنوي
"سأفديك يا سيڤار، وحتى بعد موتي ، لن اترككِ أبداً "
ظلت ملامحها جامدة لوهلة، ثم انسحبت واتجهت صوب منتصف الغُرفة وسحبت سجادة مكتبه الفاخرة بيديها المُرتعشتين
حاولت سحب قطع السيراميك أمام عيناه المُتتبعة، رغم زئير وحوشه في صدره وعقله 'أخبرها أن تضع تلكَ الدلائل في خلفيتها حيثُ يكمن عقلها الغبي' 'دعني أقتل تلكَ اللعينة'، 'خانتني مُجدداً' صر أسنانه وعقله عاد للأفكار المُظلمة، تلكَ السافلة، كم رجل أغرته ليتحالف ضده ؟
ظهر القليل من الرمال الذي وضعته مُتعمدة في تلكَ الحفرة الكبيرة لذا بدأت تُزيحه لتُخرج صندوق خشبي رغب في تفحصهِ لاحقاً، كان يُدرك أن أدلتها لا فائدة منها للعائلات وللموقف، لكن بالنسبة له، كانت كنز ليعرف كم رجل قابلته اللعينة ورأى وجهها الفاتن.
"هُنا ، ستجد كُل شيء ، من الألف للباء، بدءاً من چوزفين، وصولاً حتى أصغر الافراد لكنني لا امتلك نسخة من شريحة ديث، وبرغم ذلك سرقت من مانويل نسخة من أوراق رسمية تُدين ديث"
أعترفت ثم صمتت وهلة وأستطردت:
"وأيضاً هناك أوراق ضد أنطونيوس، و.. لوكاس.. وكريس.."
أسودت عيناه تماماً.. فقائمتها حقاً طويلة
" اسفة لكنني لا اثق بأحد "
ثم ناظرت الصندوق لوهلة، ورفعته له
فألتقطه چون ووضعه على مكتبهِ بلا مبالاة
" تعرفين، تبدين اكثر إثارة وسط الرماد"
رفعت عيناها لهُ بذهولٍ
كانت خاصته تلتمع ببريقٍ خاطف
خطف أنفاسها ، حياتها وشعورها كله
وداخلها كانت مذهولة لأنه لم يضربها ، ولم يلومها حتى
هل لهذه الدرجة كانت سيئة بالنسبةِ له ؟
" سامحتني ؟"
رفع حاجبه الأيسر
" اخبرتكِ انكِ مُثيرة "
رمشت مُتحيرة:
" هل أنتَ جاد ؟"
أنحنى ومسد ثغرها برغبةٍ
" وانتِ مُذنبة هكذا، مُبللة بالخوفِ، مُدنسة بالرماد.."
لهث بأستثارة عاطفية من قلبهِ
" تبدين مُغرية ، وجميلة.."
أبتسمت بيأسٍ من حالِها
" علاقتنا غريبة"
" لما ؟ انتِ زوجتي الجميلة شديدة الإيمان، وأنا زوجك الذي على أستعداد تام ليفديك بحياتهِ، لأنك تستحقين ، تستحقين بشدة أن أموت من أجلك، انتِ موطني.. "
ضمها لجسده لاثماً عنقها:
" وأهلي، وروحي، أنا اعيش فيكِ، وكأن دعوتي أستجابت من الرب، بل ومنحني السعادة، منحني زوجة جميلة، منحني الحُب، الرب كريماً معي لأنك بخيرٍ ولي "
أغلقت عيناها ثم أرتدت عنه:
" هناك أجتماع في مركز أملاكك كما قُلت، أريد الحضور.. "
"سترين وجوه لن تنال إعجابكِ"
تحسس أسفل اعينها بسبابتهِ، فأجابتهُ:
" أنا بخيرٍ، ما دمتُ معك، فلن يحرق غيرك قلبي، ولن يمنحني سواك الوجع "
" وهذا سخاء مني ، أنتِ لي يا سيڤار، بكافةِ مشاعركِ، حتى الخوف والألم "
ثم سحبها ماسكاً كفها، فأمسكت الصندوق باليدِ الآخرى وضمته لصدرِها
____________
_______
لا تهم التفاصيل الضئيلة حين تقوم الحرب والعدائية بلا هوادة
فحين وصلت سيڤار لمكان الأجتماع فرغ فمها
كانت الطاولة طويلة، أطول من المرغوبِ
والكراسي كبيرة وعريضة، إلا زوجان من الكراسي أشد فخامة وقد ترأسا الطاولة.
جلس چون على الكرسي الآول فراقبت الجميع بتوترٍ خائف بسبب نظراتهم الحقودة والكارهة
وضعت الصندوق بجانب چون، ثم سارت مُترددة لنهاية الطاولة حيثُ وجدت كرسي وحيد فارغ تدرج أسفل الأغلبية
بالنسبةِ لأقدامها الشبة مُمتلئة، كان الطريق للكرسي الفارغ في مؤخرة الطاولة بجانبِ الكرسي العريض شاق للغاية
خاصةً والكل يتتبعها.
سحبت الكرسي ببطىء ، ثم آنت بسبب ثُقله وحاولت سحبه بكُل قوتها، وحينها فقط، حارب چون نفسه كي لا يضحك بعلوِ صوته في القاعةِ
بالنسبةِ لهُ كانت لطيفة وهي تزمجر وتلهث وتأن، بينما الكرسي يُصدر صوت أزعج الكُل وسبب تصاعد همساتهم المُمتعضة
فوقفت سيڤار في مُنتصف الطريق ومسحت جبهتها، ثم جرت الكُرسي مُجدداً وهُنا لم يتمالك چون نفسه وأنفجر ضاحكاً رغم خفوت قهقهته
بالنسبةِ للجميع، كانت المرة الآولى التي يضحك فيها، منذ أن وطأ الرئاسة بل وقبيلها أيضاً
لكن وبرغم ذلك لم ينبس أحدهم بكلمةٍ واحدة، حتى سحبت سيڤار الكُرسي وجلست عليه بتعبٍ وتعمدت الألتصاق بچون وكأنها تحتمي فيه
تُريهم أنها الوحيدة التي تسطيع أضحاك المسخ، وأنها لهُ.
أدركت خطأها، وعلمت فاجعة عقابها من نظراتِ كُل فرد في القاعةِ، فقررت أن تكُون مُطيعة حتى تنقلب الآية أو يلين خطأها.
تنهد چون وعادت ملامحه للجمود رغم نيران قلبه من ألتصاقها فيه
معها يشعر وكأنه حي
وكأنه ليس الوحش الذي لطالما كانه
وكأنه لم يرى يوم حزين في حياتهِ قط.
" الخطيئة .. "
قالها وريث هاريسون بعد فترة من الصمتِ
أراد أن يجعل سيڤار ترى حقيقته للمرة الآولى
حتى هي ناظرتهُ مُتحيرة وأرتعشت لوهلة
نبرته لم تكن مُعتادة
كانت فاترة، مُظلمة، تبلدت حواسه فجأة وباتت أسوأ من أولِ مرة رأته فيها
"مُنذ أن أقام هاريسون القصر وأسس العائلات بالتَحالُف، لم يجرؤ مخلوق على مساسِ أراضينا ولا حتى بالقلمِ على الخريطة"
أخرج سيچارة ووضعها في فمهِ مُتمتماً، بجموده المُعتاد، وهالته التي طغت على أضواء القاعة:
" أخبرني يا دانيال، كيف وصل چوزفين لخريطة مواقِعنا بعدما نفيتهُ ؟"
أرتفعت أعين الجميع صوبِ دانيال فجأة بتساؤل مَصدوم، فإنكمش موضعه، كانت أعينه فيروزية نقية لكن شعره الأبيض لمْ يكن في صالحهِ حتى، ولمْ يُزيده وقاراً إمام الأتهام الصادق:
"ربمَا الجواب لدى من خانت الأمانة وتحالفت مع العدو "
قالها بنبرة خافتة لم تصل للبعض، فأعلن چون مع نبرة أشد قتامة من سوادِ الليل لظالم مُستبد:
" ماذا قلتَ ؟ "
زم العجوز ثغره، ثم رفع يده المليئة بالوشوم يُمررها على شعرهِ مُتوتراً
"مهلاً لا تُدخلني في النقاشِ.! ، دانيال آل روسيل معي ملفاتكَ السوداء اللعينة، أنظر يا چون .. "
قاطعت جدية الموقف ثم فتحت الصندوق بعفوية أمام اعين چون وأخرجت الملف بخوفٍ تام:
" أنظر.. چوزفين سرق منهُ تلك الملفات جانب خريطة لمواضع كُل مُمتلكات آل هاريسون، حتى نسخة الخريطة التي سرقتها من چوزفين لا تزال معي "
أخرجت ملف أخضر وخريطة صماء، وبرغمِ جسدها الخائف المُرتعِد، بدت شهية جداً، لكن الغضب الذي ثار داخله كان لا حدود لهُ
" شكراً لتدخلكِ يا صغيرة، لكن حافظي على لسانكِ في فمكِ "
أعلنت صوفيا من زاوية المكان بنبرة مُحذرة أكثر من كونها ساخرة
كانت على مقربة نسبية مُنهم، فآل هاريسون في المُقدمة، وصولاً لآل روسيل في المُؤخرة
"ما الذي تفعلهُ خريطة آل هاريسون معكَ يا دانيال ؟"
تسائلت صوفيا وسارت ناحيته بتمايُل آنثوي عكس عيناها الساخرة
أصابعها النحيلة كانت تتحسس جانب عُنقِ دانيال في مواضِع أستثارة حساسة، لكن هالة چون هاريسون كان سببه الآول والأكبر في الأعترافِ
" كنتُ.. فضولي ، مُجرد فضول"
" بل لربما مُقارنة، فعقدة والدتكَ التي كانت تُقارنكِ بإبن عمتكَ، لازالت قائمة"
ضحكت سيڤار بعد إهانة صوفيا، ثم أخرجت ورقتين مُنفصلتين من الصندوقِ:
" إبن عمته الأكبر آرثر ، أم ميكاييل ؟"
رفع رجلان أعينهم صوبها في نفس اللحظةِ
الأول كان بلا شعر ولا حاجبين، وفي وجهه وشم جُمجمه تناسب مع عظامه، وضخامة بنيانه
بينمَا الثاني كان شعره أسود دون وشوم لكن اعينه كانت خطيرة وإجرامية لذا اعادت الأوراق للصندوق، ثم أحمر وجهها من فرطِ الهلع وناظرت صوفيا مُجدداً :
"أنا بخيرٍ، تابعي"
قلبت صوفيا اعينها بضجرٍ، ثم أستندت على كتفِ دانيال:
" حسناً سيد چون، كما سمعتُ، دانيال فقط مُعقد نفسياً بسبب عمته ووالدته منذ الصغر"
" ولديهِ رهبة من القطط"
قالت الشرقية بإبتسامة واسعة بريئة، وهذه المرة أرتعشت حقاً بسبب نظرات الجميع القاتلة، فأخفضت أبصارها وبدأت تعبث في طرفِ فستانها
شعرت بحرارةِ جسد چون تزداد، فناظرتهُ مُتحيرة بتوجس تام
لكن أعينه الميتة فجأة عادت لقيد الحياة
وجهه الجامد ، تهلل اساريره بأشباح وهمية من السرور
لذا تسائلت..
كيف يكون الإنسان ميت، ونظرة واحدة تشفي أوجاعه وضياعه ؟
سحبها چون من خصرها، ثم أجبرها على الجلوسِ بين أقدامهِ أسفل الطاولة، فرفعت أبصارها الغاضبة له بسبب ضحكات أندرو الشامتة، لكن بنظرةٍ واحدة من أعينهِ عادت مُجدداً للخضوع الخائف
كانت خاضعة وتصرفت على طبيعتها لأنها لا تُدرك ما ينتظرها حين ينفرد بها
لذا .. الصمت كان الحل المثالي.!
سمعت الباب يُفتح مُجدداً، فأستدنت على قدميهِ ورفعت رأسها تُناظر الحاضرين بعفوية فضولية، كان مكاريوس وفي صُحبتهِ أنطونيوس، لكن النظرة التي القاها عليها انطونيوس جعلتها تعود إلى موضعها خائفة
شرد چون عن الحاضرين، ثم سحب شعرها بقسوة راغبة، وأجبرها على دس رأسها فوق ركبتيهِ
لهث مُتلذذاً بنظرتها الخاضعة، لذا اغلقت عيناها وحينها فقط أزداد نهماً بأعينهِ
كانت جاهزة لهُ
خاضعة بين قدميهِ بذنبِ طفلة
"ما حدث في حقِ كُل منكم لن يمر بتلكَ السهولة، مهما وصل مَنصب المُذنبين ، سيُعاقب الجميع"
"سواي"
هدرت سيڤار لميكاريوس من أسفل الطاولة، فأومأ قائلاً:
"سواها، لأن عقابها ألعن وأدل، وسترون جميعاً.."
تابع بتمتمة مُقتضبة:
"دانيال روسيل"
رفع دانيال اعينه بحزنٍ
" أنتَ مُتنحي عن منصبكَ، ويُسلم لأكبر ورثائك."
" وانتِ يا صوفيا "
" مهلاً.. لاا.. أياك يا مكاريوس انا اهددكَ.!"
ظلت ملامح مكاريوس جامدة:
" آندرو هاريسون، ستحل منصب صوفيا من اليوم فصاعداً، راقبها، عاملها كالطفلة"
كاد أندرو يبتسم بأنتصار، لكن مكاريوس تابع:
" لكن في المنفى الشرقي لثلاث شهور بعد أنتهاء الجائحة، اقتلا بعضكما، خونيه بالأربع رجال حين يخونكِ بالمئةِ إمرأة، وانتَ.. أسقط في مُحيط المُخدرات يا أندرو، طارديه وأدعسيه بسيارتكِ يا صوفيا وتظاهري أنه حادث مروري مصادف، ضعي له الحِمض في كوب مياهه وقولي انه مُجرد حادث غير مقصود، لكن تلك الألعاب بعيدة عنا، في منفى الأطفال وإعادة التأهيل"
لكمت صوفيا المكتب بغضبٍ ثم أتجهت صوب الباب لاعنة نسلها كله، تحت أنفاسها
" صوفيا"
هدر چون، فجمد جسدها عند باب المخرج
" هل سمحتُ لكِ بالرحيل ؟ "
أستدارت له ثم عادت جانبه مُجدداً، لذا أطفأ سيجارته، وأخفض إصبعهُ الأبهام المُتشبع برائحة دخانهِ لفمِ سيڤار
" عقابكَ دافىء يا مكاريوس"
ضغط على انياب سيڤار بشهوانية مُتابعاً:
" لكنني أمتلك آخر أشد خطورة، من حدةِ أنيابَك"
همهم، وأخرج اصبعه من ثغر سيڤار ضاغطاً على شفتها السُفلية
" دعني أرى، لنقتلهم جميعاً"
صاح الجالسين بحماسٍ أمام وجه مكاريوس الجامد والرافض
" انا فزتُ، اسف بيبي "
قالها لمكاريوس فنهض صافعاً الطاولة
صمتَ الجميع بخوفٍ عكس چون الذي أطلق صفير مُعجَب، حين عضت سيڤار إصبعه بأنيابها
"لطالما كانت الشراسة هي الوجه الثاني لي"
غمغم ثم سحبها من شعرها وأرتفع ثغره مُتحمساً بأستثارة، راح يتحسس عنقها بيدهِ الآُخرى، وبرغمِ ذلك جزء ضئيل من حروف مكاريوس نالت أهتمامه:
" القتل ليس الحل المثالي لكل شيء"
" من يعترض ؟"
سأل چون، فرفع الجميع ايديهم بنظرة واحدة منه
" رأيتَ ، الجميع يريد قتل الاوغاد"
لعن تحت أنفاسه فجأة حين عضت سيڤار أصبعه بغيظٍ مُجدداً، وحاولت التنفس دون أصدار صوت بسبب يده التي تنتهك ثغرها من الداخل
"وأقتلاع بعض من الأسنانِ إيضاً "
جمدت أسنان سيڤار حول اصبعه حين تابع لاهثاً
"وهذا يُعجبني بضراوة لا حدود لها ... أجل سنقتلهم جميعاً، وانتهى الأجتماع"
نهض، واشار لسيڤار فوقفت بصعوبة والتقطت الصندوق والاوراق حاضنه اياهم ثم ركضت خلف چون بخوفٍ تام
" أنتظرني "
ألتصقت فيه خائفة ثناء هدير الكلاب الضخمة في زوايا المكان، لذا ضحك حاملاً أياها بين ذراعيهِ
" تبدين مُطيعة منذُ الصباح حتى الآن، وجميلة، ولطيفة للغاية ، تُرى ما السر يا زوجتي العزيرة ؟"
وضعت الصندوق على بطنها، ثم حاوطت عنقه ودست رأسها على كتفهِ
" لأجعلكَ سعيداً ، لأنني أعرف أن كارثتي فظيعة وأنكَ ستكسر كل عظمة صغيرة في جسدي لاحقاً لكنني مُطيعة الآن، لا أستحق العقاب"
أبتسم وأشتم شعرها، فحينها أصابتها مرارة غريبة، شعرت أنها ستخسره، أن خطأها هذه المرة سيتسبب في فقدانهِ ربمَا للأبد
" لن تتركني ؟"
" ألا تكرهيني ؟ "
" لكنكَ مِحور حياتي يا چون، كُل ما أمتلِك وكُل ما أحتاج إليه، ألم تقل أن روحكَ تعيش فيّ ؟ لذا لا تتركني، أنا .. "
صمتت حين لمْ يُجيبها وأكتفى بوضعها في السيارة، فناظرته بحزنٍ ثناء صعوده لمقعد السائق:
" أقمتِ حرب أهلية يا سيڤار، بالنسبةِ لي، لا يُهم الآن سوى حقيقة واحدة، أن أحبسكِ فِي غُرفة لا يعرف عنها سواي، لأُصلح ما أفسدتيه طوال اليوم، ثم أعود لكِ في المساءٍ وحينها.. "
لعق شفتيه السُفلية وأعينه تزداد قتامة:
" حينها ستعوضيني عن كُلِ القاذورات التي سأتعامل معها بسببكِ، لكن آولاً، لا هاتف، ثانياً، لا ملابس، ثالثاً والآهم، لن تُغادري الغرفة"
أبتسمت بإنكسارٍ ثم تحسست أظافرها المَطلية:
" لهذا كُنت غاضباً الفترة الماضية والعمل ضعفين ؟ لهذا كنتَ تتحسس شعرك في شرودِك وبتَ لا تمكث مُتفرغاً كمَا أعتدتُ "
" لمْ أكن متفرغاً قط يا سيڤار "
" كنتَ تُجالسني ، كنت أراك في المساء، والصباح، وكُل أوقات اليوم يا چون، كنتُ أظن كُل شيء على ما يرام، ولو أخبرتني، لمَا حدثتُ ديث! ،لما أقمتُ نفس الأخطاء، أريد تدميرك لا أنكر، لكنني.. "
شهقت حين لاحظت فاجعتها
كان يُراقبها بحنانٍ وأعين لامعة
وشومة الشيطانية فجأة ناقضت الشخص الذي أمامها تماماً
هو معها چون سانتيغو، رجل عادي في الثلاثينيات، رجل لا يريد سواها، وشياطينه، تغافلت فقط لتكون مكسبهم.
" أنتهيتِ ؟ "
سألها فأومأت، وحينها دندن:
"الآن سنلعب لُعبة، أركضِ مني لأنني سألتهمكِ حتى آخر قُضمة"
أستعت أعينها فازعة
كانت أمام كوخهم الخاص
خرجت وركضت، لذا ضحك وسار وراءها ببطىءٍ مُستمتع
كان عالمه ينهار
لكنهُ وبرغم ذلك لم يرمش
فچون سانتيغو هاريسون لا مَخضع له ، نقطة قوته كانت شرقيته ومادامت بخيرٍ، شياطينه ستكون كذلك.
____________
_______
لكن عالم سانتيغو إنهار حرفياً بسبب ما حدث، فبرغم نزاعه مع أخيهِ ديفيد، وضعا أيديهم على تُراب كنوز والدهم وعزموا على تعويضِ ما فُقد
ستيڤ وتوماس والرجال، تم تعويضهم بمسكنٍ شامل لهم وحدهم لأجل حراسة القصر
بل وتم أرسال ثلاثة أضعاف نفس الدعم
والمُصابين ، لمْ يندم أي منهم على التضحية
چون حين أختار
أختار رجالاً
لمْ يكن أختياره عشوائي سوى حين أشار فؤاده على أكثر امرأة تكرهه في الوجود.
بينمَا صوفيا وقفت وقفة رجل وزارت زوجات وأطفال المُصابين وتم تعويضهن، ووعدتهم أن أزواجهم سيعودون بخيرٍ، وأن من فنيّ منهم، سيظل حياً كرمز الشهامة لآل هاريسون وسيصلهم نفس الراتب الشهري كُل شهر بل وأضعافه.
أندرو وقف وسند ظهر والده ببناءِ القصر ومُتابعة العُمال لحظياً لإعادة ترميمه
كان كُل شيء مُنظم يسير بتعليماتِ چون الذي لمْ يغفل ولمْ ينم طوال الفترة الماضية
وبرغم الخراب كله كان مُسيطراً، لكن إنتكاسة سيڤار السابقة أجبرته على الإختفاءِ عن الأعمال ليوم وتباً كم فرح الأوغاد.
أستندت صوفيا على كتفِ أندرو فحاوط كتفيها:
"شُكراً لوقوفكِ ودعمكِ لنا يا صوفيا، دينك يزداد على كاهلي"
ربتت صوفيا على كتفه، فحاوط كفها الذي يتلمسه، وناظر كلاهما القصر..
لمْ تكن علاقتهما لتنتهي بمُجردِ الإنفصال
ما جمع بينهما كان أكبر من مُجرد التعلق أو الحُب.
أحبا بعضهما بغض النظر عن الطريقة، فالحب ليس لديه قوانين ولا سراخِس.
حبهما لمْ يكن معقول، مفهوم أو حتى موزون
لكنهُ كان حقيقياً رغم إنعدام نقاءه.
"Sei triste per aver perso l'eredità di tuo nonno Harrison?"
_ هل أنتَ حزين لانكَ فقدت إرث هاريسون؟_
شد أندرو يده حول كفها أكثر وأجابها ماسحاً آثار الشحم عن أسفل عينها:
" هل تذكرين حينَ قُلت أنكِ لستِ كافية ؟"
تركت يده وكأن جسده لذعها، فتابع بمرارة أستشعرتها:
"كذبتُ مُجدداً، كنتُ خائف يا صوفيا.. الجميع رأكِ إبنة والتر الجبارة، لكنني، رأيتكِ الطفلة التي أكتشفتُ أنني احبها حين كنتُ في السابعة، كنتِ حبيبتي المُصابة بالسكري التي أُجن عليها حين تنسى ميعاد دواها، كانت ضحكتك شفاء روحي بعد يوم مُرهق، وأنفاسك، كونكِ حية، كافي جداً لروحي ولرجولتي وبرغم ذلكَ اردتُ المزيد.. حتى المزيد فيكِ كافي يا صوفيا رغم أنانيتي لتملككِ، كنتِ هشة بالنسبةِ لي، لأنني حضرتُ مراحل ضعفك، انا الوحيد الذي عرف معدنك الحقيقي وتعامل معهُ، وانتِ الوحيدة التي لا تعرفين خاصتي السيء، خفتُ أن أخسرك، نحن معرضان للخطر دائماً، لكن معي، سيكون الخطر للأضعاف، لمْ أستطع ان اغامر بكِ لأجل سعادتنا يا صوفيا"
فتحت فمها، وبرغم لذلكَ لمْ تجد ما تقول
لكن عيناها كانت جوابه
الرفض القاطع، والحزن لأن كرامتها لم تسمح لها بقبولهِ مُجدداً
مرضها وجسدها، لمْ يسمحا لقلبها بالضعفِ
حتى قلبها ترجاه البُعد، فهو لم يعد يحتمل أنتكاسات أو جلطات سكرية، فهم أندرو رجاء عضلة صدرها الضعيفة فتراجع راحلاً، وأكتفى بما حدث ..
وبرغمِ حزنها
سمعت قلبها يتحطم
رأت فجأة كُل شيئاً باهت، مُعتم، وأندرو كان الحقيقة الوحيدة وسط هذا السراب
شعورها تحديداً، وكأن قلبها سقط على الأرضِ مع الجاذبية، فتراخت عضلاتها وسارت فيها كهرباء لاذعة .. مُرة
سببت مرارة رهيبة في فمها وسكون لحظي في دماغها
لذا وضع لوكاس يده على كتفها مواسياً أياها
ألتفت له وقالت بأعينٍ باكية لم تخضغ لذُل الدموع، وصوت جاهد ليكون مُنتظم:
"أحببته لدرجة سمحت لي بمنحهِ نفسي، لكنه لمْ يصون ذلكَ العَهد، فبرغم حبه لي، أدار ظهره عِند أول منعطف وفر هارباً يا لوكاس، تناسى كونه الرجل، لكنني صمدتُ ونهضتُ، لذا لما لا أزال أتألم ؟ لما لا أريده ؟ وأموت عليه ؟ "
"وأنا احببتها لدرجة سمحت لي بالموت في سبيلها، أحببتها يا صوفيا لكن ولائي ورجولتي وقفوا ضدي والآن.. ؟ تزوَجت ، وأنا واقف، لستُ حزين ولا أشعُر بالنقصانِ، أنا بخيرٍ تماماً ولمْ أتجرع المُخدرات اللعينة ولمْ ابكي، أمامكِ السعادة ورفضتيها بسبب كرامتكِ لذا إسعدي بنجاحك، لفوزك بالكرامة الباقية"
"كلماتك تافهة، فكلانا يُدرك، أنكَ تموت في صمتٍ يا لوكاس، حرفياً، نحن على حافة النهاية بسبب نفس اللعنة "
ضحك لوكاس ،ثم إستطرد بمرارة:
"دعينا نتواعد لربما ينجح حُبنا "
أبتسمت صوفيا ثم سحبته من ياقة قميصهِ نحوها فأبتسم بإتساعٍ مُشاغب
كانت حرفياً لا شيء أمام جسده المهول وبرغمِ ذلك قالت مُهددة:
"حسناً ولما لا ؟ لكنكَ ستُغلق هاتفك لأني سأغار عليكَ من أصدقائك، وسنتصارع كالوحوش في المساء والخاسر سيركض عارياً في الممراتِ صارخاً بأنهُ آبله"
قاطع حروفها بوجهٍ مُصفر:
" هل كان أندرو يفعل هذا ؟"
عضت وجنتها من الداخل
لطالما كانا يتضاربا والخاسر يركض بالفعل في الممرات صارخاً بأنهُ أبله، وأندرو، تعمد في كُلِ مرة الخسارة قائلاً أنها شرفه
ذبلت أعينها حين تذكرت غيرته، لأنها رجولته وروحه وحياته.. لأنها رائحة عِطر عُمره ولذة سُقمها إنتشاء.
" لطالما كان يراه چون وهو يركض عاري"
قالتها بشرودٍ ثم أبتسمت مُنكسرة:
"وفي كُل مرة ، لا أريد أن أذكر كيف علمه سيد چون الرجولة"
ألتفت لوكاس ناظراً القصر المحترق، فناظرت صوفيا نفس البقعة:
"والآن، لن يتوارى عن سحقِ بعض الحشرات أسفل حزائه"
حديثها لمْ يكن بعيد عن الأحداث القادمة، لكن چون سانتيغو لم يكن يسحق سوى أزرار قميصه أسفل أنامله والهاتف على إذنهِ
وبرغمِ ذلك عيناه تتبعت إبنة أبرام فوق الفراش وأسفل الأغطية، مُتجردة نائمة بلطافة شديدة اللهجة رغم ما فعله فيها، ليبقيها فاقدة وعيها قدر الأمكان.
"لكننا تعقبنا المصدر يا سيد چون، بضائعنا فجرناها مع الأوغاد وتباً الخسائر لم تكن قليلة، لكن رجالهم إرتعدوا خانعين كما قُلتَ وبدلوا مقرهم ثلاث مرات وبرغمِ ذلك، لن يستسلموا، ما يزرعوه لنا مُجرد كبش فداء و .."
أغلق چون الهاتف ثم بدأ يُعدل رابطة عنقه ببطىءٍ فاخر، وتأكد أن الغُرفة خالية من المقتنياتِ المُتاحة للتواصل أو حتى الأدوات الحادة
هو بات لا يثق في ظلها
هذا هو مقدار خسارتها
أنه لن يصدق حروفها، عيناها، أنفاسها، ولا حتى دموعها مُجدداً
خسارة فادحة لن تُدركها سيڤار سوى بعد فوات الآوان
"لوكاس سلڤستر ، آريد مُراقبة هاتف سيڤار، وإن حدثت مُعجزة وغادرت، أريدك أن .."
صمت وأهتاجت أنفاسه، ثمَ تحسس زناده بأعين قاتمة:
"تُرسل لي موقعها، وأنا سأُنهي حياتها اللعينة"
أغلق الهاتف وتحسس عنقه بأعين مُظلمة مُهتاجة، بنيرانٍ لا خَمدةَ لها
نيران لا تريد سوى نهش لحمها الحي
لا يُدرك كيف تحمل وصمد..
لكنه وللمرة الاخيرة، سيكون سخياً معها، فقط لأجل نفسه
مزقها منذ لحظات..
حرفياً مزقها معنوياً وجسدياً ونفسياً دون كلمات، ودون ضرب
لذا ستنام كالفيل حتى عودته
هذا فقط.. ما يرغبه حالياً
"سيد چون، مخازننا تحترق، آل روسيل على قيدِ الأنهيار يا سيدي.!"
صاح الوريث الجديد لآل روسيل مُستغيثاً
فأغلق چون الهاتف مُجدداً وتنهد بغضبِ، الجميع سيُطالب بالحكم العدل في حقها، وهو فقط ..
" لما يا سيڤار ؟"
زمجر بمرارة غاضبة مُغادراً الغرفة قبل أن ينحر عنقها بسكينةٍ حادة.
وبرغمِ كارثتها..
ألتمس لها ألف عُذر.
يتبع..
***
*قرار مُهم بخصوص الرواية*
بعد إبتداء الصف الثالث الثانوي.. كنتُ أظن أنني سأستطيع المُوازنة بين الرواية ودراستي.. لكن ما حدث هو تدني مستواي الدراسي والنفسي ثمَ الجسدي لدرجة غير معقولة
أصبح حمل ثقيل جداً على ظهري هذه الفترة بسبب مستواي الرديء جداً وسط النظام الجديد في مصر، لذا ..
الرواية ستتوقف حتى أمتحاناتي ١٩ يونيو إن لمْ أنهيها في الشهر القادم.
وإن حدث ولم أنهيها، حينها سنتوقف.. حيثُ الأمر يتعلق بنفسيتي وحياتي الشخصية التي تأثرت بالسلب بينما أتعرض للدوار ومشاكل صحية كثيرة.
أتمنى أن تظلوا أصدقائي وعائلتي التي تدعمني حتى أمر من هذه الفترة الصعبة والمُؤذية لي ..
وأعدكم بعد إنتهاء أمتحاناتي أن أنشر كثيراً.. وخاصةً أن لدي لكم مفاجآت كثيرة سواء في هذه الرواية أو الروايات القادمة ودعوني أقول.. أحاول العمل على أفكار سميكة ستكون مستوى آخر تماماً.!
أحبكم ❤️
لكنني فعلاً أحتاج إلى فترة من السلام لعدة أسباب أعجز عن ذكرها ..
مَلحوظة: لا تحذف الرواية من المكتبة.. قد أحملها دفعة واحدة بعد أكتمالها إن أستطعتُ.
دُمتم أحبتي ورفاقي ❤️
ودمتم سالمين ❤️
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top