(19)
#سيظل_عشقك_مرادي
الفصل التاسع عشر
بقلم نهال عبد الواحد
بدأت بالفعل عشق تساعد أمها في جمع أمتعة وأثاث البيت لإخلاء المنزل بالكامل، ثم ذهبتا إلى العيش في بيت خالها، لم تكن عشق مرحّبة بهذه الخطوة على الإطلاق، لكنها اضطرت لمجاراة أمها.
كانت عشق تخرج منذ الصباح ولا تعود إلا مساءً تدخل حجرة النوم مباشرةً، تذهب صباحًا إلى المدرسة ثم تكمل اليوم داخل المجمع الخيري، تكاد لا تتقابل مع أهل البيت بشكل ملحوظ.
لا زالت الأيام والأسابيع تركض ليوشك العام الثاني اللحاق بالعام الأول بعد الفراق بلا جديد، والجميع قد نسى الأمر، لم يعد يتذكر الأمر أحد إلا هي وربما هشام إلا أنه أكثر تحمّلًا وقدرة على الإخفاء، وكأنه لم يمر بهم يومًا شخصًا يُدعى مراد.
ولا تزال عشق وأمها تسكنان في بيت الخال زكريا، شعرت عشق بركود في أمر الشقة الجديدة وكأنهما ستستمران في العيش هنا إلى الأبد!
وذات مساءً عادت عشق من الخارج واتجهت مباشرةً إلى الحجرة التي تسكنها هي وأمها كعادتها اليومية، فقط تلقي السلام على الجالسين دون الانتباه لهويتهم.
وبعد قليل تبعتها أمها بملامح مستاءة، نظرت لأمها ثم بدأت تبدل ملابس دون أن تعقب؛ فقد اعتادت هذه الملامح والانطباعات، تحدثت أمها قائلة: إنتِ عندك دم إنتِ؟!
زمت عشق حاجبيها بعدم فهم قائلة: مش فاهمة.
- مش قايلالك إمبارح تيجي بدري عشان عيد ميلاد ابن خالك.
- ما فضتش.
قالتها عشق بلا مبالاة، فصاحت فيها أمها: إنتِ بآيتِ قليلة الذوق ويظهر إني سكتلك بما فيه الكفاية!
- قليلة الذوق! ليه؟ هو أنا عملت حاجة لحد!
- نسيتِ إنك عايشة مع بني آدمين، وبتتعاملي مع البيت كأنه أوتيل، يادوب سواد الليل.
تنهدت عشق بضيق ثم قالت: أنا عايزة أفهم حاجة، هو إحنا هنخلص م القصة دي إمتى؟!
- قصة إيه!
- القعدة هنا، داخلين في سنة والعمارة ما شاء الله اتبنت!
- ما هو إنتِ لو بتقعدي معانا كنتِ عرفتِ.
- عرفت إيه؟!
- ياسر اتفق معانا إننا هناخد آخر دور إحنا وهم.
- ده إزاي؟ الدور فيه أربع شقق بعد ما بنى على مساحة البيت والأرض.
- أيوة فعلًا، بس هو عامل الدور الأخير شقتين بس، وهيقسمهم إحنا وهم، وفوق السطوح هيوضبه ويعمل فيه قعدة وحمام سباحة.
- واحنا مالنا بالقصص دي! ولا احنا معانا يكفي كل ده! إحنا عايشين بمرتبي ومعاش بابا، مكفينا الحمد لله وفايض، لكن مش لدرجة التوضيب ده كله.
- هو حد قالك ادفعي حاجة من جيبك!
فصاحت عشق: وفلوس مراد خط أحمر عمري ما هاجي جنبها.
- ماحدش جاب سيرة فلوس مراد، ابن خالك هيقوم بكل حاجة ربنا يحميه!
- يقوم بكل حاجة لمامته وباباه، لكن لينا إحنا ليه؟!
- المهم دلوقتي يا عشق بمناسبة السيرة.
- خير!
- أظن قعدتِ مستنية المحروس بدل السنة اتنين، هتستني لحد إمتى؟!
- استنى زي ما أستنى، بتسألي ليه؟!
- بسأل ليه! عشان بزيادة يا عشق، مش هتضيعي شبابك وعمرك وانتِ مستنية واحد مش عارفين سكته ولا نعرف جراله إيه، ولا حتى إن كان حي ولا ميت.
- حلوة أوي اللهجة دي! هاتي م الآخر يا ماما.
- م الصبح هتروحي تعملي توكيل وترفعي قضية إن جوزك مفقود ومتغيب والمحكمة هتحكملك بالطلاق.
- إنتِ بتقولي إيه!
- بقول كلام العقل، عايزة أموت وأنا مطمنة عليكِ، وأنا سايباكِ في ذمة راجل، واشوفلك حتة عيل.
- ما أنا في ذمة راجل.
- وهو فين الراجل ده؟! وإن كان على ماله اعملي تنازل لابن عمه وهو بأه يتصرف معاه لما يرجع ده إذا رجع أصلًا، وأفرح بيكِ بأه وتعيشي مع حد يحبك ويصونك.
تركتها عشق واستلقت على الفراش قائلة: وأنا هعمل نفسي ما سمعتش حاجة يا ماما.
فصاحت أمها بغضب: يعني إيه هعمل نفسي ما سمعتش حاجة! قومي كلميني عدل!
- يعني الكلام اللي قولتيه دخل من ودن وخرج من التانية، أنا مش هعمل حاجة م اللي قُلتِ عليها، لأني ببساطة متجوزة وبحب جوزي وعمري ما هفكر في راجل غيره لآخر لحظة في عمري، ده لو فيه رجالة أصلًا!
- فيه بس إنتِ اللي ما بتشوفيش.
- يعني إيه!
- ابن خالك طول عمره بيحبك وآن الأوان...
فقاطعتها عشق بحدة: ابن خالي ده إيه! ده أنا كنت مراهقة صغيرة ما بفهمش حاجة وما حستش بيه وعمري ما شوفته غير أخويا، يبقى يوم ما ألاقي الراجل اللي بجد وأحبه ويحبني وأكون على ذمته كمان أفكر فيه هو! ده اللي هو إزاي وبأي منطق؟!
- وأنا مش هفضل قاعدة وشايفاكِ بتضيعي في عمرك وإنتِ مستنية عل فاضي!
- يا ماما إنتِ اللي بتقولي كده! ده إنتِ حبيتِ بابا واستنتيه أد إيه لحد ما كوّن نفسه، وكنتِ في زمن غير الزمن وما حدش قدر يجبرك، يبقى دلوقتي وبعد ما بآينا في سنة ألفين عايزة تجبريني وبتقولي كلام لا يُعقل!
- إنتِ بنتي وأنا أمك، حاجة لسه ما تعرفيهاش، بس يوم ما تعرفيها هتعرفي كويس إنك ممكن تعملي أي حاجة عشان مصلحة ابنك أو بنتك.
- مصلحتي! مصلحتي أنا عرفاها كويس، إني أكون زي أي ست محترمة جوزها غايب وهي صابرة ومستنياه.
- إنتِ لسه ما تعرفيش مصلحتك، وبعدين إنتِ عملتِ اللي عليكِ واستنتيه بدل السنة اتنين، يبقى خلاص النصيب اتقطع لحد كده، والحمد لله إنك لسه زي ما أنتِ يعني مجرد جواز حبر على ورق.
- وأنا مش موافقة.
- مش بمزاجك، إحنا اتفقنا وهتنزلي الصبح مع ابن خالك تعملي التوكيل وهو هيجهز محامي يعرفه.
- إيه غصب عني مثلًا!
- ما تنشفيش دماغك واسمعي الكلام.
- لا يقع طلاق المُكره، وأنا مش موافقة ولا هوافق.
- ما أدامكيش غير إنك تسمعي كلامي، يا إما...
- يا إما!
- يا إما لا إنتِ بنتي ولا أعرفك، وخليكِ عايشة مقطوعة من غير أهل.
قالتها واستلقت في الفراش ودثرت نفسها تاركة التي جوارها واجمة لا يطرف طرفها!
تمنت لو لم تعيش حتى هذا اليوم الذي تُخير فيه بين أهلها وزوجها، رنت في أذنيها كلماته ذات يوم...
«أنا مجرد خاطب ماليش حقوق، يعني طاعة أهلك أولى منى، يوم تكوني زوجتي وعايشة في بيتي وقتها بس طاعتك لي أولى من طاعة أي مخلوق، كده الموقف محسوم مش محتاج تفكير، بس اطمني! عمري ما هحطك في موضع اختيار أبدًا...»
فأغمضت عينيها التي تفيض من جانبيها الدموع قاضمة شفتيها المرتعشتين كاتمة شهقاتها، لو كان موجودًا معها الآن لم يكن ليضعها في موقف تختار بينهما، لكنها قد وُضعت وفي غيابه، غيابه المبهم القاتل، فماذا عليها أن تفعل؟!
واقعيًا هي لم تعد تملك إلا أهلها، أمها وخالها، ما هذا الاختيار الصعب؟!
خيار بين أن تعيش بلا هواء أو يكتم أحدهم أنفاسها، ترى تختار أيهما؟!
وفي صباح اليوم التالي تململت نبيلة في فراشها، فتحت عينيها ناظرة إلى جوارها فلم تجد ابنتها عشق، مدت يدها تقرّب الساعة لتعرف الوقت، فوجدتها تقترب من التاسعة، اتكأت قليلًا في فراشها ثم نهضت تعد الشاي والإفطار لعشق وياسر قبل ذهابهما معًا لعمل التوكيل كما كان الاتفاق.
خرجت نبيلة إلى الصالة الخارجية وكان الحمام مشغولًا، وبعد قليل فُتح الباب فنهضت نبيلة تتجه إليه لتحدّث ابنتها التي بالداخل، لكنها تفاجأت بياسر الخارج من الحمام بوجهٍ باش متسعة ابتسامته قائلًا بلطف: صباح الخير يا عمتو.
أجابت وهي تتلفت بعينيها حولها وتتقلص ابتسامتها تدريجيًا: صباح النور يا حبيبي، هو إنت اللي كنت جوة!
- ما أنا خارج أدامك يا عمتو! في حاجة!
سكتت ولم تعقب وقد انتابتها بعض الريبة، تحركت نحو الشرفة تبحث عن عشق، بينما قال ياسر: صحِّي عشق بأه يا عمتو خليها تجهز، عشان كده هنتأخر.
بحثت عنها في الشرفة فلم تجدها، فاتجهت إلى حجرة الصالون ربما تصلي بالداخل فلم تجدها أيضًا، أسرعت بسرعة نحو حجرتهما بهلع.
وطوال هذا تبعها ياسر دون أن يفهم ما الأمر، اقتحمت نبيلة الحجرة مسرعة متجهة نحو خزانة الملابس، فتحتها وتفاجأت أنها فارغة من كل مقتنيات عشق، لا تدري متى ولا كيف جمعت كل شيء ورحلت! لكنها رحلت!
شهقت نبيلة بملء صوتها وألقت نفسها على السرير جالسة، فصاح ياسر بغضب: يعني إيه! لمت هدومها وهربت!
رفعت نبيلة ناظريها إليه بتباطؤ وصدمة ولم تعقب، فصاح بملء صوته: يعني إيه! هو كان كلام عيال!
أتى زكريا مسرعًا إلى الحجرة على أثر هذا الصوت الصاخب وصاح: في إيه يا ياسر! صوتك عالي ع الصبح كده ليه؟!
أجاب ياسر بغضب: الست عشق لمت هدومها وهربت.
نظر زكريا إلى أخته وقال: عملتوا اللي في دماغكم برضو وفتحتوا موضوعكم المقندل!
- يعني يا بابا كانت عمتو هتعمل إيه! تسيبها تضيع عمرها عل فاضي! هي أمها وأكبر منها، وخبرتها أكبر في الحياة، ودورها إنها تنصح بنتها لما تلاقيها بتغلط وبتضر نفسها، ولما تصر عل غلط يبقى لازم تاخد موقف حاسم حتى لو غصب عنها.
- يبقى أنا كمان لازم آخد موقف حاسم غصب عنك.
- أفندم!
- أنا مش فاهم إنتو بتفكروا إزاي؟ ولا إنت جاي تعيد موضوع قديم واندفن وخلصنا منه خلاص!
- عمرنا ما خلصنا منه، أنا عمري ما نسيت عشق، عمري ما بطلت أحبها، مش معنى إني كنت ساكت إني كنت ناسيها، لكن كنت مراعي وجود راجل في حياتها.
- طب ما الراجل ده لسه موجود يا ناصح، إنت ناسي إنها ست متجوزة، حتى ولو كان عل ورق بس، بذمتك أي عقل ولا منطق ولا بأي شرع واحد يطلّق واحدة من جوزها عشان يتجوزها هو!
- لأني بحبها من قبله، وهو اللي خطفها مني، وبعدين هو اللي سابها وهي استنته بدل السنة اتنين، إيه! المفروض تفضل العمر كله مستنياه! هو كان اشتراها!
- لأ، مراته.
- طب وهو فين هه؟!
- مكان ما يكون، ودورها إنها تستناه، اللي عايزين تعملوه ده كنت هوافقكم عليه لو كانت هي اللي عايزة كده، كنت هقول أهي استنت بدل السنة اتنين ومفيش فايدة، مش هتضيع عمرها كفاية كده، لكن هي عايزاه وعايزة تستناه، بتحبه ومش قادرة تنساه، نقوم نغصبها!
- مدام مش عارفة مصلحتها.
- طب لو كنت بتحبها صحيح كنت اتمنيت سعادتها!
- سعادتها معايا.
- بطل تضحك على نفسك، وكفاياك أوهام لحد كده، تتجوز ولا ما تتجوزش ما عمريش ادخلت، ويوم ما أمك حاولت تتدخل منعتها وقلتلها سبيه بحريته، حتى لو ما عرفتش تنسى بنت عمتك، المفروض إنك راجل، ناضج ومتزن انفعاليًا، مش حتة مراهق لسه بيمشي ورا مشاعره.
- بحبها، إيه كفرت!
- اللي بيحب حد بجد بيتمناله الخير والسعادة حتى ولو مش معاه، المهم يكون سعيد، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: : «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه» يعني عامل اللي حواليك زي ما تحبهم يعاملوك، لو كنت مكان مراد كان هيكون شعورك إيه لو حد فرّق بينك وبين مراتك اللي بتحبها! يا ترى ترضاها لنفسك!
سكت ياسر هُنيهة ثم أكمل بعناد موجهًا حديثه إلى عمته: عمومًا يا عمتو هي مالهاش أماكن كتير ممكن تلجأ ليها، ده هو مكان بعينه...
Noonazad 💕💗💕
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top