(22)

بقلم: نهال عبد الواحد

بعد خروج مراد لعمله بدأت روح في عملها في الحديقة وهي تضع الشتلات وتزرع بعض النباتات الورقية كما أرادت، وبعد إنتهاءها بمساعدة حارس الحديقة ذهبت تعد الغداء ثم ذهبت تتحمم وتبدل ثيابها قبل مجئ مراد، لكنه قد تأخر اليوم كثيرًا وكلما اتصلت به وجدته غير متاح وبدأ القلق يتسرب بداخلها كثيرًا وزاد من تدفق هذا القلق تذكرها لما قاله في الصباح «إفترضي أني وقعت» وارتعد قلبها أكثر وشعرت أن ربما يكون حدث له أمر ما فأخذت تهدئ من نفسها وتعاود الإتصال مجددًا وتكرارًا ربما تفلح، لكن بلا جدوى.

وفجأة شعرت بالباب يفتح فانطلقت مسرعة نحو الباب فوجدت مراد يدخل بصحبته حامد يسنده ويبدو على مراد التعب الشديد كما أن بيد حامد كيسٌ من العلاج، فصاحت: ماذا حدث؟!

أجابها حامد: لقد تعب مراد وارتفعت حرارته وذهبت به لطبيب جارٌ لكم وصديقٌ لمراد، اطمئني مجرد نزلة برد، وهذا هو العلاج.

فنظرت إليه روح بإشفاق وأهدرت بحزن: ألم أقل لك في الصباح؟!

قال مراد بنبرة متعَبة: أريد الذهاب لغرفتي.

وبالفعل أسنده حامد وصعد به ومعهما روح حزينة للغاية، وعندما وصلوا لغرفة مراد وفتحوا الباب فإذا بالغرفة فوضى كبيرة فوجمت روح فهي المرة الأولى التي تدخل فيها غرفة مراد منذ أن جاءت هذا البيت وقد شعرت بحرجٍ شديد أنها لم تفكر يومًا الإعتناء بهذه الغرفة.

صاح حامد بغضب: ما هذا يا روح؟! كأنه قد تعلمتي اللامبالاة والتبلد!

فسكتت ونظرت أرضًا بخزي واستأذن مراد ليدخل الحمام فانتهزت الفرصة وبدلت فراش السرير مسرعة وجمعت الملابس الملقاة في كل اتجاه فعلقت النظيف وجمعت المتسخ للغسيل.

وبمجرد خروج مراد من الحمام شعر وكأنه قد دخل لغرفة أخرى، لكن لم يكن لديه أي طاقة للحديث وقد شحب وجهه للغاية كما لو أنه مريض منذ زمن، لكنه طلب من حامد المبيت معهم ربما تحتاج روح لأمر ما فوافق حامد.

ساعد حامد مراد للإستلقاء في فراشه و دثرته روح جيدًا وبدأت بعمل الكمادات وأشارت لحامد للغرفة المجاورة حتى ينام فيها فاستأذن حامد وخرج وأغلق الباب خلفه.

وبمجرد دخول حامد للحجرة المجاورة وهي حجرة أخته وبها كل أشياءها ومقتنياتها ففهم سبب فوضى حجرة مراد كما فهم طبيعة العلاقة بينهما فتأفف من أخته متمتمًا: أوف منك يا روح! لا فائدة معكِ! إنه رجل مفصّل بالضبط كما تريدين ويحبك بجنون ماذا تريدين إذن؟! كم أشفق عليك يا مراد! لكن سؤريكِ يا روح!

وعزم حامد على الإقامة معهما وأحضر بعض ملابسه وبذلك يجبر روح على البقاء مع مراد في غرفته.

مرت بضع أيام و روح بجوار مراد تمرّضه وتعتني به كأفضل إعتناء، فيكاد لا يفعل شيء بنفسه فهي تطعمه وتعطيه علاجه وتساعده في تبديل ملابسه وتكون في قمة إحراجها منه وهو يلاحظ ذلك منها فيماطل أثناء تبديل ملابسه لكن سذاجتها واضحة فلم تفهم أنه يفعل ذلك.

كانت لا تتركه إلا وقت نزولها للمطبخ لإعداد الطعام أو مشروبًا دافئًا له وغالبًا ما يكون ذلك في وقت غفلته.

وبدأ مراد يتحسن ويسترد صحته لكنه قد أعجب بذلك الإهتمام فتمادى في تمارضه وهي صدقته وظلت جواره لا تتركه وكان حامد يعلم ذلك لكنه كان يساعده بمكوثه معهما والتأكيد على روح أن تهتم بمراد أكثر وأكثر وهي تصدق وتفعل ومراد يضحك من خلفها هو وحامد، لكن حامد يخشى أن تعرف روح الحقيقة و وقتها لن ترحمه سواء هو أو مراد.

وذات مساء بينما كان مراد نائمًا وقد أرهقها جسدها للغاية من تلك الأيام خاصة ولم تكن تنام مستلقية بجوار مراد بل كانت تنام جالسة ومهما حاول معها مراد لتنام بجواره كانت تتحجج بأنها لا تود التضييق عليه، لكنها تسللت في هدوء وأحضرت ملابسها ودخلت في الحمام الخاص بغرفة مراد وخلعت ملابسها وجلست في الماء الساخن لتريح جسدها بتلك التدليكات الأتوماتيكية، كم هذا مريح وممتع!

لكن تلك الراحة والإستجمام قد أسقطها في سباتٍ عميق، لقد نامت بالفعل في الماء الساخن وحمام البخار وبعد مدة ليست بالطويلة فتحت عينيها فجأة تنظر حولها تكاد لا ترى شيئًا، فكل ما حولها ضباب كثيف و تتعذر الرؤية حتى لكف يدها، لكنها صارت فجأة لا تقوى على التنفس ولا تقوى حتى أن تسعل.

لكن الدخان كثيف في كل مكان فلقد نسيت أن تفتح الشفاط فهبت مسرعة مفزوعة تحاول تحسس المكان حولها بأصابعها لتتمكن حتى من ارتداء ملابسها وتخرج بسرعة.

وقد بدأت بالفعل تشعر أنها ستفقد وعيها وتتحسس بيدها فوجدت شيئًا ما ربما الروب الخاص بمراد فأخذته وارتدته مسرعة أيًا كان هذا الشيء، فكانت تدخل يدها وتفتح باليد الأخرى.

كان مراد في ذلك الوقت قد بدأ يستيقظ فبحث عن روح حوله فلم يجدها فظن أنها نزلت المطبخ أو ربما ذهبت تفعل شيئًا ما في غرفتها.

لكن مهلًا! كأن هناك صوت قادم من الحمام وكان ذلك صوت تحرك روح واصطدامها في ضباب الدخان، فقام وتحرك نحو الحمام منصتًا لذلك الصوت لكن كان هناك صوت آخر كأنه شهقات وكان ذاك صوت روح وهي تحاول أن تسعل، فاقترب من الباب أكثر ودقات قلبه تتسارع دون أن يعرف السبب ثم طرق الباب وينادي على روح بقلق: روح! هل أنتِ بالداخل؟ روح! إن كنتِ بالداخل فردي عليّ! أجيبيني رجاءً!

وكان يتردد أن يدفع الباب لكنه شعر كأنما يتحرك مقبض الباب بضعف فلم يجد بدًا إلا أن يفتحه ولم يصدق كم الضباب الهائل لكنه لمح خيالها فمد يده وجذب بسرعة ذلك الخيال الذي يراه.

وفي تلك اللحظة فقدت وعيها فلحسن حظها أن الباب لم يكن موصدًا بالمفتاح، فحملها و وضعها في فراشه وضم عليها الروب ودثرها جيدًا ويحاول إفاقتها فخبط على وجهها قليلًا ورشَّ بعض من العطر في يده وقربه حول أنفها.

لكن بدأت تتحول نداءاته لصراخ بإسمها وقد سمعه حامد فطرق الباب ودخل وتفاجأ بكم الدخان الخارج من الحمام ويملأ الغرفة فأسرع متجهًا وفتح النافذة.

صاح حامد في فزع: ماذا حدث؟ ما الذي احترق؟ ما كل هذا الدخان؟

صرخ مراد بفزع: أطلب جاري الطبيب بسرعة ليجئ فورًا، روح كادت تختنق ببخار الحمام لقد نسيت تفتح الشفاط غالبًا.

فاتصل حامد بالطبيب مسرعًا ومراد جوارها يضع يده بالقرب من أنفها وفمها للتأكد إن كانت تتنفس لكنه لم يشعر بتنفسها فيضع يده عند رقبتها ليشعر بنبضها لكن النبض كان ضعيفًا للغاية.

كاد أن يفقد عقله وقد توقف عن التفكير ولا يفعل أي شيء سوى أنه يصيح وينادي عليها بصراخٍ شديد و دموعه تنهمر فقد خشى أن يفقدها ولا يدري كيف يتصرف حتى يجئ الطبيب.

وما كانت لحظات حتى وصل الطبيب وصعد مع حامد مسرعًا حاملًا حقيبته وفي اليد الأخرى جهاز التعقيم وخلفهما مسرعة عزيزة، وبمجرد دخوله للغرفة وصل الكهرباء لجهاز التعقيم وطلب مناشف نظيفة ومكوية وكانت عزيزة تقوم بإعدادها ولازال مراد متشبث بها والطبيب يبعده حتى يتمكن من إنقاذها.

فتحدث الطبيب: من الواضح أنها قد استنشقت دخانًا كثيرًا وقد سد مجرى التنفس، نحذر آلاف المرات من هذا البخار إنه يفقد الوعي بسرعة غريبة.

كان الطبيب يتحدث وهو يرتدي قفازاتٍ مطاطية وكان الجميع لا يفهم ماذا ينوي فعله.

أهدر مراد بلهفة: ضعها على جهاز التنفس بسرعة أرجوك!

فأومأ الطبيب برفض قاطع مجيبًا: لا يمكن الآن.

تسآل مراد بريبة: أخبرنا ما تنوي فعله؟!

فأمسك الطبيب بمشرط أخذه من جهاز التعقيم المحمول الذي أحضره معه: سأفتح فتحة صغيرة في رقبتها.

صاح حامد بصدمة: ماذا تقول؟! إذن فلنطلب الإسعاف أو نذهب بها لمستشفيً قريبة.

فوضع الطبيب المنشفة حول رقبتها ويقترب من رقبتها بمشرطه وقال: لا يمكن ذلك أبدًا، يلزم وصول هواء لداخل الرئة فورًا!

وكان يشرط فتحة صغيرة في رقبتها بالكاد يتعدى سنتيمتر واحد ثم أخذ بأنبوب صغير من جهاز التعقيم أسمك قليلًا من أنبوب القلم أو تقريبًا في حجم أنبوب (درنأة) العمليات الجراحية، وأدخل الأنبوب الصغير في ذلك الثقب الصغير.

وما كانت لحظات حتى بدأت تسعل وكانت السعلة الأولى تبدو صعبة وثقيلة لكن بعد ذلك تتابعت السعلات بشكل شهقات متلاحقة كأنها أزمة ربوية فأدار الطبيب جهاز التنفس و وضع دواء في القناع وألبسه لها حتى انتهت تلك الجلسة ثم أعطاها حقنة وبعد حوالي ثلث ساعة أعطاها جلسة تنفس ثانية وقد بدأ تنفسها بعد ذلك يبدو طبيعيًا وقد عرف ذلك من ارتفاع و انخفاض حركة صدرها، وبعد جلسة التنفس  الثانية قاس لها درجة الحرارة والضغط فوجد ضغطها منخفض للغاية فعلق لها محلولًا وحقنه بدواء.

وبعد مرور فترة وقد تأكد الطبيب أن الأمور قد صارت على ما يرام فنزع الأنبوب وغطى تلك الفتحة بغيار طبي كجرح عادي ثم كتب روشتة علاج ليصرفها حامد وإطمأن بعد ذلك على صحة مراد الذي بدأ أخيرًا يتلاقط أنفاسه ويعي لنفسه بعد تلك الساعات العصيبة.

غادر الطبيب وغادر حامد وذهب لشراء العلاج من إحدى الصيدليات التي تعمل لمدة أربعٍ وعشرين ساعة، بينما ضم مراد روح إليه وهو يتنفس الصعداء ويحمد ربه أنه قد تم إنقاذها.

نام مراد وضم روحٌ على صدره فإذا بالباب يطرق طرقات خفيفة فأيقظته وقد كان حامد قد اشترى العلاج وقد ابتسم من هيئتهما معًا فوضع الدواء على الكوميدون فهز مراد رأسه له بامتنان و حرك شفتيه أن شكرًا.

وغادر حامد وأغلق الباب خلفه وعاد مراد لنومه من جديد ضامًّا بروحٍ إليه......................

NoonaAbdElWahed

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top