(16)

بقلم:نهال عبد الواحد

وخرجت روح إلى البيت وبعد عدة أيام تحسّنت صحتها لكنها عادت للعزلة من جديد، لا تتحدث ولا تخرج ولا تتواصل مع أحد حتى أنها قد أغلقت هاتفها فقد عاد ذلك الوغد يتصل بها مجددًا وذلك قد أتلف أعصابها كثيرًا ثم غيرت رقم هاتفها لكنها لم تعد قادرة على مواجهة الآخرين ربما تخشى أن يتعرض لها بشكل مباشر.

و ذات مساء رن جرس الباب فاتجهت ناحية الباب وفتحت وكانت ترتدي ملابس منزلية رياضية جامعة شعرها لأعلى، و وجها صافي بدون أي مساحيق تجميل ولا حتى كحل.

وكان مراد هو الطارق حاملًا باقة كبيرة من الزهور الرائعة وقد كان إعجابها بتلك الباقة بادٍ على وجهها.

- مساء الخير.
هكذا أهدر مراد بلطف فأجابته مبتسمة: مساء الخير.

- مرحبًا سيدتي! لقد طالت عزلتك تلك، ألم يأن الأوان لتعودي وتنيري حياتنا من جديد؟!

- معذرةً، لكني فعلًا لازلت متعبة ولا أحب أن يراني أحدًا وأنا هكذا.

- هل إذا قلت لكِ أن وجهك بدون أي مساحيق تجميل أجمل من القمر في ليلة تمامه، ترى هل سأعود لبيتي سليم أم سأذهب للمشرحة؟!

فوضعت يدها على فمها لتكتم ضحكتها لكنها خرجت بملئ صوتها رنانة، فوجم مراد محملقًا فيها وكأن أحدهم قد ضربه على رأسه فصار لا يعي ولا يسمع ولا يرى سوى هذا الوجه وهذه الضحكة.

فجاء حامد من الداخل على صوت ضحكة أخته وقد رأى حال مراد ولازال يشفق عليه ثم قال بمزحة: هل تعلم لو كنت أمتلك جائزة نوبل لكنت قدمتها لك لأنك جعلتها تضحك، كيف حالك؟

فأجاب مراد ببلاهة: هه!

تسآل حامد بمزاح: أخبرني كيف فعلتها وجعلتها تضحك بملئ فمها هكذا؟

فأومأ مراد هامسًا: أنا أفعل أي شيء من أجل فقط أن تضحك..
ثم أكمل بمزحة: حتى لو اضطررتُ لأن أتقلب هنا أمامكم أرضًا ...المهم أن تظل تضحك.

فقالت بهدوء: تفضل يا أستاذ.

تابع مراد وهو يتحرك داخلًا: حقيقةً من يحاول زيارتكم يتعب كثيرًا حتى يدرك ماذا يمكن أن يشتري لكم، فكلما أقف أمام محل اكتشفت أنكِ تستطيعين صنع ما يبيعه بل وأفضل.

- لا عليك سيدي، لِم كل هذا؟! كانت تكفي باقة الورد الرائعة هذه.

قالتها روح وهي تشير إلى باقة الورد من بين يديه فانتبه فجأة وقال: آه الورد! تفضلي، هل بإمكاني تقديمه إليكِ كأمرًا تلقائيًا؟!

فضحكت وقالت: ماذا أخبروك عني بالضبط؟!

مراد بخفوت في نفسه: آه وآه منك ومن ضحكتك هذه...
ثم قال جاهدًا ليخفي حالته المتيمة تلك: لم يخبرني أحد ، بل أدركت من نفسي.

فمدت روح يدها وأخذت منه باقة الورد وقالت بامتنان: أشكرك كثيرًا، هيا تفضلوا وسأذهب لإعداد العشاء.

صاح مراد بسعادة: أخيرًا! هذا ما كنت أنتظره.

فضحكوا، وتركتهم روح واتجهت إلى المطبخ وجلس مراد وحامد يتحدثان في أمور العمل ثم جاء أيمن وانضم إليهما وظلوا يتحدثون في أمور شتى حتى هجمت عليهم رائحة الكبدة الإسكندراني والسدق فشلّت تفكيرهم وذهبت بعقولهم.

وبعد قليل خرجت إليهم روح بأطباق كبيرة من السندوتشات ثم طبق للباذنجان المخلل المحشو بالفلفل الحار والثوم...

وكالعادة اندمج الجميع في الأكل الذي لا يقاوم وكانت تشاهدهم بابتسامة خفيفة فرفع مراد عينيه نحوها وأخذ نفسًا عميقًا، كم تبدو جميلة في جميع أحوالها! ثم مد يده نحوها بسندوتش وقال: هل ستجلسين هكذا تتابعينا دون مشاركة؟ كأنك تعدين اللقيمات!  ترى هل التزمت بالعدد المطلوب؟!

أومأت روح برأسها أن لا قائلة: أعتذر منك، لكن لا أستطيع.

فوضع مراد السندوتش قبل أن يأكل منه وقال: إذن فلن آكل أنا أيضًا، رغم أني أريده وروحي تذهب إليه.

قال تلك الجملة الأخيرة بطريقة مختلفة تفيض شوقًا ولهفة لاحظها حامد وانتظر أن يرى رد فعل أخته والتي لازالت تتحدث بجدية: تفضل ولا تشغل نفسك بي.

لكنه مد يده بإصرار حتى أخذته منه وبدأت تأكل وهي تحاول أن تهرب من تلك العينين التي تلاحقها خلسة بين الحين والآخر ولا تفهم نفسها لماذا لا تضيق منه؟ لماذا لا تثور أو تنفعل كعادتها؟! ولماذا تشعر بسعادة داخلية من تصرفاته تلك؟!

وبعد العشاء جاءت روح بأكواب الشاي بالنعناع الأخضر ثم وضعته و جلست.

وبدأ مراد بجدية: وحان الآن موعد الكلام المهم، متى ستعودي سيدتي؟ لقد ظللنا طوال شهر كامل نذيع حلقاتٍ معادة، وقبل أي رد أود أن تطمئني لقد منعت التواصل الهاتفي مع أي رجل.. فما شأن الرجال ببرامج الطبخ؟! وإن أردتِ إلغاء تلك الفقرة بالكامل فكما تريدين.

أومأت برأسها موافقة وهي تقول: حسنًا سيدي! سأعود مجددًا، حدد موعد التصوير الجديد وسأستعد فوراه.

تدخل حامد قائلًا: ليتك جئت منذ زمن، لقد تعبت كثيرًا معها وأنا أحاول إقناعها وقد باءت كل محاولاتها بالفشل.

تابع مراد بمزحة: هل ستقارن نفسك بي؟
فضحكوا ثم قال مراد بجدية: وهناك أمرًا آخر..برنامج جديد، برنامج مسابقات.

صاح حامد: آه!

فأومأ مراد قائلًا: أجل!

نظرت روح بينهما بعدم فهم وتسآلت: ماذا يجري بالضبط؟!

أردف مراد بشرح: هو عبارة عن برنامج للمسابقات ستقدم فيه سيدات وفتيات لتطبخ أكلات والأفضل هي الفائزة وسنكون الجائزة مادية متواضعة.

اتسعت ابتسامتها وأومأت موافقة: فكرة عظيمة!

فتابع مراد بسعادة: وأجمل ما فيها أنك أنت من ستقيّمي.

أهدرت روح: لا والله!

فأومأ مراد قائلًا: مؤكد! أم تظني أني سأحضر لجنة تحكيم أخرى؟! ماذا لو سمحتِ لي بمشاركتك في لجنة التحكيم؟!

فابتسمت مجيبة: هذا شرف كبير سيدي.

قال مراد بمزاح: هو برنامجك وأنتِ من ستحكمين.

أومأت روح بترحيب قائلة: أوافق جدًا وعلى الرحب والسعة.

فتدخل أيمن: كدتُ أنسى.

ثم اتجه لحجرته ثم خرج منها بعد قليل وقال: لقد حجزنا موعد الفرح وقاعة الأفراح، وهذا هو كارت الفرح.

فأمسكت به روح تشاهده وتتفحصه بسعادة كبيرة ثم وقفت فجأة وعانقت أخيها وهي تقول: مبارك عليك عزيزي، ربي يسعدك ويتمم لك أمورك!

ثم خطفت روح القلم من جيب أيمن وكتبت على الظرف  ( الأستاذ / مراد عزمي).

ثم مدت يدها بابتسامة قائلة: تفضل لتكون أول المدعووين.
فأخذه بابتسامة أيضًا وبارك لأيمن.

وبعد فترة ليست طويلة قد عادت لتقدم حلقات جديدة من برنامج الطبخ، وبدأت تسجل ذلك البرنامج الخاص بالمسابقات وقد كان يقام على المسرح ويحضره عدد من الجمهور ويدخل مراد وروح على المسرح كلجنة تحكيم يجلسان ثم تجئ
متسابقتان ويتم اختيار رقم عشوائي ومنه اختيار وصفتين أحدهما حادقة والأخرى حلوة وعلى المتسابقين صُنعها وتقديمها تبعًا للوقت، الشكل والمذاق، كان البرنامج يذاع مرة واحدة أسبوعيًا وقد نجح هو الآخر مثل برنامج الطبخ.

لكن تميّز هذا البرنامج بأنه سمح لمراد وروح فرصة التقارب نوعًا ما وبدأت تقل الحدة قليلًا لكنها لم تختفي، لكن الشاهد أنهما أمام الكاميرات ثنائي رائع ومتناسق.

جاء يوم فرح أيمن وكان حامد قد تكفل  بذلك الحفل أما روح فقد تكفلت بفستان العروس وتزيينها فكانت العروس جميلة وهادئة، يُزيّن رأسها الحجاب وفستانها منفوشًا من أسفل الخصر حتى أسفل ومنقوشًا بتطريزات هادئة فقد كانت حقًا عروس رائعة.

أما روح فقد ظهرت في فستان من البنفسج الداكن (الباذنجاني) منفوشًا من الوسط وحتى الركبة بأكمام وظهر مفرّغًا ورفعت شعرها لأعلى في فورمة فكانت رائعة بحق، وكانت مرتدية حذاء أسود ذات كعب عالٍ.

كان الفرح رائعًا والجميع سعداء فالعروسان يرقصان وروح وحامد أيضًا، وصل مراد وقد انتصف الفرح ورأى حامد وروح يرقصان فظل ناظرا إليهما بإبتسامة ، ثم بارك للعروسين وسلم على حامد ثم وجلسا معًا بينما روح قد انشغلت باستقبال المدعويين مع زينب والتأكد من كفاءة البوفيه وجميع أصناف الطعام المطلوبة.

كان مراد يتابعها بعينيه وكيف تبدو رائعة اليوم! فهيئتها تختلف من برنامج الطبخ عنها في برنامج المسابقات والتي تختلف تمامًا اليوم.

ولم يخفى على حامد حال مراد أبدًا ولازال مشفقًا عليه فهو يشعر بمدى حبه الصادق لكنه لازال يرى أنه حب قد حُكم عليه بالإعدام  فهو للأسف يعرف أخته جيدًا.

وقبل نهاية الفرح استأذن مراد لينصرف لكن كان ينتظر روح ليسلم عليها قبل الإنصراف، وبينما كانت هابطة لدرجٍ موجود لتعود إلى القاعة، فإذا فجأة من يعترض طريقها...........................
 

NoonaAbdElWahed

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top