(2)

بقلم : نهال عبدالواحد

سافر الزوجان، وصلا إلى السويس وكان سكنهما في حي الأربعين بمنطقة (زرب)، وكانت شوارع ذلك الحي لا تختلف كثيرًا في تصميم الشوارع والبيوت عن الأسكندرية، فكانت الشوارع رائعة حقًا!

وصلا إلى شقتهما وكانت بالطابق الأول في بناية من طابقين، وكان الطابق شقتين ويبدو من الشقة المقابلة أنها سكنٌ لإحدى الأسر.

دخلا شقتهما وكانت جيدة من حيث الاتساع والمرافق، فكانت عبارة عن صالة بها مائدة مستديرة حولها ستة كراسي وإلى الجانب أريكة عربية، أربعة كراسي منجّدِين ومنضدة صغيرة، و من الناحية الأخرى حجرتان للنوم أحدهما صغيرة بها تختين صغيرين وخزانة ملابس معدنية، الأخرى بها تختٌ واحد كبير ييلغ عرضه ما يقارب المائة والستون من السنتيمترات، خزانة ملابس كبيرة، ومرآة والحجرة كلها من الخشب بني اللون، ثم المطبخ وبه موقدين قديمين يعملان بالكيروسين وخزانة خشبية لحفظ الطعام وأخرى للأواني، ويقابله مكان الحمام العربي.

بدءا يرتبان أشياءهما وملابسهما، ظل يوسف معها في اليوم الأول ولم يذهب لعمله ليعاونها على ترتيب كل شيء.

ثم خرجا معًا يستكشفان المكان من حول البيت والأماكن التي يمكن شراء منها الاحتياجات ومكان السوق وما إلى ذلك من أماكن ضرورية.

وفي اليوم التالي استيقظا في الصباح الباكر فيوسف سوف يذهب لعمله اليوم، فأعدت الإفطار وجلسا يتناولان فطورهما ثم انصرف يوسف لعمله فمكان عمله ليس بعيدًا للغاية.

وقفت عديلة في الشرفة لتودع زوجها رابطة منديلًا مزركشًا فوق شعرها المنسدل على ظهرها ثم وقفت بعض الوقت تنظر للمكان من حولها فالجو رائع في الصباح الباكر وقناة السويس تبدو على مرمى البصر والسفن العملاقة تمر من خلالها ذهابًا وإيابًا.

ما أروع المنظر!

وبينما هي واقفة هكذا إذ خرجت جارة في الشرفة المجاورة تبدو بدينة وقصيرة القامة مرتدية جلبابًا مزركشًا بالورود مغطية رأسها بمنديلٍ مزركش بالخرز والورود تخرج منه خصلات شعرها الأسود وضفيرتها متدلية على ظهرها، تبدو بشرتها قمحية وعيناها بنيتان.

فنظرت نحوها ثم أهدرت بلطف: صباح الخير!

فأجابت عديلة مبتسمة: صباح الخير.

- هل أنتم السكان الجدد؟

- أجل!

- أنا حميدة وأُلقَّب بأم عزيز.

- مرحبًا! وأنا عديلة.

- لقد ازدادت شرفًا بمعرفتك.

- أنا أسعد عزيزتي.

- تبدين من لهجتك أنك لست من السويس كأنك من الأسكندرية!

- أجل أنا من الإسكندرية، لقد نُقل زوجي يوسف للعمل هنا بشركة البترول.

- وأنا زوجي الأستاذ عبد المنعم يعمل كمعلم في المدرسة التي في أول الطريق.

- الحمد لله، لقد ظننت أني سأملَّ من الوحدة فأهلي جميعهم بالأسكندرية.

- أي وِحدة تتحدثين عنها؟!
لا وِحدة ومعك أم عزيز، سأكون بمثابة الأخت لك وكل ما تريديه فأنا تحت أمرك.
كأنك تبدين حاملًا!

فابتسمت عديلة مجيبة: أجل! إنه الحمل الأول لي.

- ماشاء الله ربنا ييسرلك ويرزقك بولادة يسيرة وخلفًا صالحًا!

- تسلمين يا أم عزيز!

- بدايةً سنذهب معًا إلى السوق وأعرّفك على البائعين الذين أتعامل معهم بثقة ويقين من جودة بضائعهم وأيضًا بالسعر الذي أريده.

- جئتيني في وقتك، فأنا أحتاج لذلك كما أحتاج لتعلّم كل شيء فقد كنت كسولة ومدللة في بيت أهلي ولا أجيد فعل أي شيء، و زوجي لازال يتحملني لكن كفى وعليّ التعلم.

- لا تحملي أي هم، فأنا معك سأعلّمك كل شيء وستتحولي إلى ربة منزل ماهرة.

- نعم الأخت والله!

وبالفعل ذهبت المرأتان إلى السوق معًا وعرّفتها حميدة على الأماكن والبائعين، بدأت تعلمها كل يومٍ شيئًا جديدًا وبمرور الأيام صارت عديلة تجيد كل أعمال البيت وبكفأة.

وقد تعرّف يوسف بعبد المنعم وجمعتهما صداقة، فالمرأتان كل يوم ترتبان البيت وتذهبان إلى السوق معًا وكل منهما تعد غداءها ولا مانع من أن ترسل كلًا منهما للأخرى طبقًا لأكلة شهية من صنع يدها.

وبعد العصر يجلس الجميع فوق السطح فالطقس في السويس أكثر حرارة نسبيًا من الأسكندرية، ويكتمل المجلس بالاستماع إلى المذياع لصوت أم كلثوم، فريد الأطرش، عبد الحليم حافظ أو فيروز.

ومعهم صينية الشاي وفيها أكواب زجاجية صغيرة، علب للشاي، السكر والقهوة و(براد للشاي) و(كنكة) وموقد صغير بحجم اليد يعمل بالكحول لصنع الشاي والقهوة.

إلا يوم الحفل الشهري للسيدة أم كلثوم حيث يكون لها إعدادت خاصة من إحضار التسالي بأنواعها وتقوم كلًا من عديلة وحميدة بصنع صنف من الحلوى ليكتمل مجلس السلطنة.

تجلس المرأتان تحكيان عن أي شيء وحولهما بنات أم عزيز فهي لديها من الأبناء البنات إلا عزيز ابنها الأول والذكر الوحيد.

بينما يجلس الرجلان يحكيان عن أحوال العمل وأحوال البلاد.....

وآنذاك كانت مصر تحت قيادة الرئيس جمال عبد الناصر وكان منذ قيام ثورة يوليو 1952 وقد بدأت بناء المشروعات الإقتصادية المختلفة بهدف النهضة بالبلاد ،وكان ينتوي بناء مشروع ضخم في جنوب مصر في أسوان وذلك لحماية الأراضي الزراعية من خطر الفيضان واستغلال ماء النيل الزائد وتوليد الكهرباء منها (مشروع السد العالي).

كان عبد الناصر في بداية أيام حكمه يوطد علاقته بأمريكا في بادئ الأمر والتي وافقت وقتها على قرض البنك الدولي وبلغت العلاقة لدرجة أن رئيسها قد أرسل له فيلمه المفضل مترجمًا بالعربية، فقد ظنت أمريكا أنها بذلك تسيطر على عبد الناصر، لكن لما رأى من مساعدات أمريكا لإسرائيل من إمدادها بأحدث الأسلحة ورفضها بإمداده للسلاح الذي طلبه منهم جعله يعيد النظر في ذلك.

لكن ما أنهى العلاقة بشكل ظاهر هو إلغاء القرض من البنك الدولي ومما زاد عبد الناصر غضبًا واستياءً أنه قد عرف من وكلات الأنباء مثله مثل أي فرد من العامة دون أي اعتبار لكونه رئيس دولة وقد عُقد اتفاق معه.

كان عبد الناصر يهتم بأحوال باقي الدول العربية محاولًا اتحادهم معًا، بطبيعة الحال فمصر هي الشقيقة الكبري لباقي أشقاءها العرب ولعل ذلك كان واضحًا في دعمه ومساعدته لثورة الجزائر ضد الفرنسيين وذلك أوغر صدر فرنسا ضد عبد الناصر.

لم تكن فرنسا فقط من تكره عبد الناصر وتريد الخلاص منه بل عدد من دول الغرب فقد وصفوه بالكارثة وأنه خطر حقيقي عليهم لدرجة جعلتهم يدبرون لاغتياله بدل المرة مرارًا.

وحولت مصر أنظارها ناحية الشرق والسوفيت وعقدت صفقة الأسلحة مع الإتحاد السوفيتي وسلّح عبد الناصر جيشه بأسلحةٍ حديثة نسبيًا، لكن ظلت مشكلة تمويل السد العالي وتحقيق الحلم الذي سينهض بالبلاد وظل يفكر ويفكر لإيجاد حل......

NoonaAbdElWahed

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top