الفصل الثامن
الفصل الثامن
الراقصة المثيرة
في المساء غيرت سيرينا ثيابها للاشتراك في حفلة شواء ستتم في الهواء الطلق وسط حديقة القصر فاختارت لهذه المناسبة تنورة مقلمة ذات الوان زاهيه وقميصا فلاحيا باكمام قصيرة واسعه مثلما ترتدي نساء وصديقات الرعاة ثم سرحت شعرها الطويل جيدا ورفعته بشكل ذنب الخيل فانسدل حتى خصرها ولأسباب غامضة تحلت بالشجاعه فالاحتفال الذي سيتم الليله لن يخجلها مثل حفل الصباح لأن الرعاه اقل تصنعا وعجرفة من اصدقاء دون البيرتو وبالتالي سيتقبلونها بترحاب ودفء صحيح ان هذا الزواج السريع فاجأهم هم ايضا لكنهم لن يتظاهروا بالحكم عليها مسبقا او ادانتها لقد تعودوا ان يستفيدوا من كل ماتقدمه الحياة وهذه فلسفتهم وبالتالي سيتفهمونها جيدا وسيحترمون نزواتها ونظرتها الى العالم.
اما ويندي التي ارهقها اللعب والدلال فنامت بعمق عندما جاءت سيرينا لتنحني فوق سريرها وكانت تسمع الموسيقى الصاخبة والضحكات المبتهجة الاتيه من الحديقة وبخفة هبطت المرأه بخطوات نشيطه ومرحه السلالم المؤديه الى قاعه الاستقبال الصغيرة حيث كان من عادات دون البيرتو ان يجلس لتناول المقبلات قبل موعد العشاء لكن ابتسامتها اختفت عندما رأت دون خوان ممدا على احد المقاعد كان وحده ويلهو بكأس بين يديه وما ان دخلت القاعه حتى نهض لتوه لاحظ نظراتها المتسائلة فأعلن ببساطه قبل ان يدعها تطرح السؤال المتوقع قائلا
- جدي الرزين والكتوم كالعاده قرر قضاء بضعه ايام في منزل دونا ايزابيلا هذا لطف منه اليس كذلك؟
فتحت سيرينا عينين واسعتين اندهاشا وقالت :
- اتريد ان تقول اننا وحيدان هنا *.
- *نعم تماما فهناك الخدم الذي يسكنون الجناح القريب من هنا من يمنعني من اخذك بالقوة هذه الليله ... لا احد بامكانه ان يسمع صراخك وعويلك...
تلعثمت حين قالت :
- لا تكن تافها!*
- *انت مخطئة ياعزيزتي كيف بامكانك ان تكوني حازمه ومعك الجواب القاطع؟ فالليله مازالت في بدايتها انا اجهل تماما ماذا سيكون تصرفي في الساعات المقبلة .
امسك ذراعها فتقلصت ثم وضع يده على معصمها وادارها نحوه وذكرها قائلا :
- لقد تزوجنا منذ قليل ياحبيتي لذلك من المفروض ان نقدم لبعضنا العطف والمحبة والعروس عليها ان تبدو متألقة اما بالنسبة الي فسأحاول جهدي ان ابدو مغرما وسأهمس في اذنك بعض الكلمات الناعهة وسأضمك الى صدري في اوج السهره سأقطف من خدك قبلة... لنبدأ اذن بالابتسام ومن جهة ثانيه لا اريد ان ارى في عينيك ملامح الكآبه والقلق بعد الان فهمت؟
صمت قليلا ثم اضاف قائلا :
- افهم تخوفك لكن يكون الامر غريبا عليك كما في المرة الاولى..*
من لهجته فهمت سيرينا انه يتألم في صميم كبريائة فاستعادت نشاطها وتوجهت معه الى باب المدخل حيث ينتظر الرعاة قدومهما وما ان اجتازا العتبه حتى سمعا اصواتهم الحماسية وصراخ صديقاتهم او زوجاتهم :"اهلا! اهلا !انت رائعه ياسنيورا!
تمكنت سيرينا من الابتسام بثقة كبيرة ادهشت خوان كليا. المشهد الذي واجههما في غياب الشمس كان ذا جمال عنيف وبدائي وضعت المشاعل حول دائرة واسعه وسطها الحركه مستمره فالتحضير لهذه السهرة بدأ منذ ساعات عديده صغار الرعاه كانوا ينحنون فوق موقد كبير حيث يوقد الحطب يتصببون عرقا ويحركون اشياشا كبيرة حيث تشوى ببطء شرائح كامله من لحم البقر والعجل والنساء اللواتي لمعت عيونهن اثارة وحماسا جلبن الصحون الى الطاولات العريضة.
انه اسراف وافراط بالطعام ."الباباس" وهي عجبة البطاطا المحشوة باللحم المفروم والبصل او الجبنه ."البانشو فيللا" أي حبوب الذرة والفاصولياء المطبوخه مع البيض المقلي والمتبله بالثوم ... ولفتت نظر سيرينا اهرامات الفاكهه والخضار المنوعه .
القناديل المعلقة تحت الاشجار تضيء اوراق الشجر السميكه واللماعه والملونه بجميع الوان قوس قزح مجموعه من الشباب خرجت من الظل على اكتافهم القيثارات وتحت اصابعهم المرنه تنبعث موسيقى ناعمة وايقاعيه والابتسامه عريضة على شفاههم وتظهر اسنانهم البيضاء الناصعه.
كانوا يشكلون حرس الشرف حول دون خوان وزوجته فترك موظفو المزرعه اعمالهم واسرعوا نحو العروسين للتهنئة وتقديم الاحترام والولاء ففي هذا المساء يجري الاحتفال بعيد امير الرعاه دون خوان وبالتالي كأنهم يحتفلون بعيد كل واحد منهم في الوقت نفسه كانوا يشعرون انه مختلف عن بقية الرجال فلم يحملوا من قبل ان تكون رفيقتهم امرأه شقراء ذات عينين تائهتين زائقتين جميلة كما هي بعيدة متحفظة .
وبعد هذا الاستقبال الحار والرفيع بالالوان بدأ الهرج والمرج والمزاحمه جلسوا على البنوك بينما جلس خوان وسيرينا على طرف الطاولة وللحال شرعوا بتقطيع شرائح اللحم المشوي وعبق الجو بها . كان الجميع جائعين ولم يخشوا ان يستعملوا اصابعهم ليتقاسموا قطع الشواء وفي هذا الجو الغريب كانت الريح تهب بهدوء وتمشط جبال الانديس القريبه التي بدت مرئية تماما في الظلام ففي وضح النهار يتهيأ للمرء انه قادر ان يلمسها باصبعه.
كانت المأدبه تدور بفرح وضحك الابتهاج والحركه والاندفاع حررت سيرينا التي كانت تقضم باسنانها هذه اللحوم اللذيذه بنهم شبيه بنهم الرعاه .
كانت تتلقى اسئلة من حين الى اخر :
- *ما رأيك؟ هل الطعام يعجبك؟
- *نعم جدا انه رائع للغاية
كانوا ينادونها بمختلف الصفات : المرأة الانكليزية زوجة السينيور الرائعه الجمال الشقراء الغجرية...
وبعد انتهاء العشاء ازيحت الطاولات والبنوك ليحل مكانها العازفون والموسيقيون الذين راحوا يعزفون موسيقى حماسية وتحمس الرعاة فدعوا رفيقاتهم للرقص .
انحنى خوان فوق سيرينا وقال لها :
- *الكويكا رقصة الحب الشيلية
ابتعدت عنه لكنه امسك بخصرها وشرح لها قائلا :
- *منذ البدء على المرأه ان تجذب انتباه الرجل وخلال الرقصة تستميل حبه وتدخل الى قلبه
لم تعيره سيرينا غير انتباه سطحي اذ كانت تنظر الى الراقصين الرجل والمرأة يقفان وجها لوجه ويحاولان تحويم مناديل واسعه حول رأسيهما ثم تقوم المرأه باستدارات عديده اخذه وقفات مغريه بينما الرجل يضرب بقدميه على ايقاع الموسيقى التي تزداد حماسا بشكل تدريجي ويضرب بيديه المهاميز والحضور يطلق صياح الحماس والتشجيع ثم ينضم الى الحلبة التي تتحول الى هياج ودوامه لا نظير فجأه ظهرت فتاه سمراء ساحرة الجمال من وراء الاشجار ومن كيانها ينبعث السحر والاغراء كانت سيرينا تحدق بها وتتبع تحركها وهمس احدهم قربها :
- كابرييللا الهجينه انها تبحث عن رجلها..*
كانت الفتاه تتفحص الوجوه ثم ما ان رات خوان حتى اقتربت منه كانت تحدق فيه بالحاح غير مكترثة بتعليقات الرعاة همسات وفضائح كانت تسمع هنا وهناك.
وفي اناقه رشيقة توقفت امام خوان وانتصبت على رؤوس اصابعها ودعته في وقاحة ان يتأمل صدرها المثير وخصرها الرفيع وقوامها الرشيق رمقت سيرينا بنظرة اشمئزاز كأنها تريد ان تقول لها ان نحافتك وشقرة بشرتك لا يمكنهما ان يثيرا عشيقي ومن دون أي انزعاج وضعت موضع الخصم والمنافس راحت سيرينا ترتعش وتقول لنفسها ان هذه الفتاه لم تبد غاضبة على خوان لانه تركها غير انها تستغل المناسبة لتتحداه وكانت كل الحظوظ بجانبها.
وبحركه كريمه دفع خوان بسلة فاكهه نحو الفتاه الجميلة ومن دون ان تحيد نظرها عنه تناولت التفاحه وعضت عليها ثم مدت ذقنها وشدت على التفاحة بين اسنانها الناصعه ودعت خوان ان يتقاسمها معها مثل حواء في جنة عدن انحنى خوان للحال ليلبي دعوتها لكن في سرعة البرق حولت رأسها عنه وراحت تضحك ثم خطت خطوة الى الوراء داعيه اياه ان يتبعها .
توقف الراقصون في امكنتهم وراحوا يراقبون المشهد ظلت الفتاه تحدق بخوان وهي ترجع الى الوراء بحركه راقصة كان وجه سيرينا من رخام وخوان الذي سحرته الفتاه اقترب منها بخطى عريضة وراح الحضور يصفق بايقاع والموسيقون يعزفون بحماس على قيثاراتهم وراح خوان يضرب بقدميه ويصفع المهماز بيديه وكابريللا تدور ببطء حوله وتنورتها الطويله والواسعه تتطاير حولها مظهره قوامها الجذاب واشتدت الموسيقى وراحت تسرع كما راحت خطوات كابريللا تسرع ايضا وتتظاهر امام خوان باستعرض متوحش ومثير كانت تقترب منه بدون ان تلمسه وتساءلت سيرينا :"كيف سينتهي الامر؟" الفتاه كانت منجذبة بعنف نحو خوان وهذا لاشك فيه وجاءت في يوم عرسه لتحقق هذه الرقصة المليئة شغفا كأنها تهب نفسها له ولم تمتنع سيرينا من الشعور نحوها بالشفقة لأنها مرفوضة تلقائيا لدى عائلة فالديفيا النبيلة لا شك ان كابيريللا مولعه بغرام خوان لكن هذا الاخير لا يشاطرها هذا الحب لابد انه يستحسن جمالها ومرحها واثارتها لكنه لاشك يعتبر هذه العلاقة عابرة لا اكثر ولا اقل ...
وكما يدل اسمه "دون خوان" فهو رجل ارستقراطي فاسد يينقل بسخريه ولامبالاة من مغامرة الى اخرى فكرت سيرينا بكل هذا وامتلأ قلبها مرارة كبرى.
حول دون خوان نظرة عن الراقصة لينظر نحو زوجته كانت نظراته تلمع بالسخرية وفهمت سيرينا انه لاشك عرف مايدور في ذهنها وبغضب منه ومن نفسها انتظرت حتى ادار لها ظهره ونهضت في هذا الظلام ولم يلاحظ احد رحيلها لكنها دخلت المنزل راكضة وصعدت السلالم اربعه اربعه مسرعه نحو غرفتها وبعدما صفقت الباب بشدة ظلت مستندة االيه برهة حتى تستعيد تنفسها اقفلت الباب بالمفتاح وبدأت تخلع ملابسها كانت على وشك الارهاق هذا النهار الطويل كان مليئا وخصبا بالانفعالات !
غير ان الليل مازال في بدايته بالنسبة الى الرعاة.
وبتردد فتحت سيرينا درج خزانتها لتأخذ قميص نومها لشده دهشتها كان فارغا فتحت الدرج الثاني ثم الثالث ولم تجد اثر للألبسه الداخلية وحتى داخل الخزانه لم تجد أي لباس فاحتلها احساس بالتوتر والخوف اقتربت من السرير ورأت الفراش عاريا من الشراشف والمخدات والاغطيه سمعت سيرينا خطوات على السلالم فتناولت الغطاء الوحيد الذي يغلف السرير ووضعته حول جسمها توقفت الخطوات امام الباب فتسمرت مذعورة تحركت قبضة الباب فظلت سيرينا صامته وسمع صوت خوان الجاف قائلا :
- دعيني ادخل يازوجتي والا خلعت الباب...
وبعد قليل خلع الباب بالفعل ودخل ولاحظ وجود الادراج كلها مفتوحه فقال بسخرية وهو يغلق ابواب الخزانه
- *هل كنت تتوقعين البقاء في هذه الغرفة بعد زواجنا ؟ وكارمين المرأة العاطفية لا تتحمل ان نبقى منفصلين مدة طويلة ! فقد حملت امتعتك الى غرفتنا التي سنتقاسمها معا من الان فصاعدا.
شعرت سيرينا بارتخاء في قدميها وكادت تقع لكنها تمكنت من القول
- لكن ماذا يعني هذا الكلام؟ الم نتفق على ان...*
قاطعها خوان ضاحكا
- *اطمئني ! انها غرفتان متصلتان بباب مشترك سننام اذن كل واحد على حده لكن كي لانوقظ شكوك الخدم علينا ان يروننا معا .. وارجو الا يكون هذا الطلب مهمة شاقة لفتاة انكليزية طاهرة؟
- اني اقبل هذه الشروط هل بامكانك ان تريني هذه الغرفة ؟ فانا اشعر بالبرد...*
حملها بين ذراعيه وتوجه نحو الممر وهبط بها السلالم كانت يداه تحرقان جسمها فتقلصت بتوتر ابتسم خوان بوقاحه هادئة وهمس وهو يقف امام باب الغرفة
- *قولي ياعزيزتي لماذا هربت من الحفلة ؟ الا تريدين مقارنه نفسك بمنافستك ام انك غيورة ؟
رددت بارتباك :
- غيورة ؟ عليك..*
كان منظرها لايصدق فغابت الابتسامه عن وجه خوان ومن دون ان يلفظ كلمه دخل الغرفة ووضع سيرينا على قدميها وبينما كانت تتخلص من ذراعيه هبط الغطاء الناعم الذي يحيط بها مظهرا كتفيها فرفعته بحركه عصبية واشتبك بنظر خوان الذي ظل صامتا وخافت سيرينا ان يكون خوان يحضر خطة جهنميه للانتقام منها.
فقال اخير باستغراب
- *لا طبعا! كيف يمكن لقطعة جليد مثلك ان تغار ؟ انه شعور تجهلينه ... ماذا اذن وراء تصرفاتك الباردة ؟ بماذا تشعرين لو كان لديك شعور من المهم ان اعرف!
وفي عنف جذبها خوان بين ذراعيه ولم تكن قادرة على التخلص من قبضته خوفا ان ينزلق الغطاء عن جسمها ثم راح يلامسها بيديه الفضولتين .. لا تنقصه الخبرة ولاحتى كيفية التصرف وسيرينا التي كانت تتصنع اللامبالاة كانت تشتعل داخليا بالرغم منها .
وراح يهمس باذنها قائلا
- اهذأي ياعزيزتي
وبعدما لامس خدها الساخن راح يعانقها بشغف وهي كانت تشعر باحاسيس عنيفة تحرق داخلها فارتعبت ولما رفع رأسه كان الامتنان مرتسما على وجهه مما جعل سيرينا تصفعه بكل قواها .
وللحال امسك خوان بمعصمها وضمها اليه وانتزع يدها المتمسكه بالغطاء الحريري وارتسم على وجه سيرينا وشاح اليم عتم قلبها . فلم تكن تريد الاستلام له وراحت تتخبط بكل طاقتها للتخلص منه فسقط الغطاء حتى قدميها.
قهقه خوان وشعرت سيرينا بالاهانه والكرهية العمياء له حتى انها تمنت لو بامكانها ان تقتله في هذه اللحظة بالذات!
قال ساخرا :
- بدأ الجليد بالذوبان كان يكفي شرارة ... وكيف احداثها!
ظلت صامته لا تتحرك كأنها تمثال من مرمر فقد عراها روحا وجسدا ثم تمكنت من القول والدموع مخنوقه في حنجرتها :
- انت انسان فظ ومتوحش! اني اكرهك
وتشنجت مستعدة لتحمل قهقهته الساخرة لكنه اكتفى بمراقبتها بامعان ثم قال :
- في الاقل تمكنت من خلق عواطف شغوفة لديك .. واني على يقين ان احدثت فيك انفعالا كبيرا اكبر مما احدثة والد ويندي!
ضربه من أي شيء وهذه الذكرى اللاارادية لوالدها فتت قلبها فحاولت كبت بكائها لكن الدموع راحت تتلألأ من جفنيها.
فقال غير مصدق :
- اتبكين لذكرى الرجل الذي تركك ؟ هل ما تزالين تحبينه؟
اجابت بجفاف :
- لم يتركني بل مات لكني ما ازال احبه وسأظل احبه ..
ران الصمت بضع ثوان ثم انحنى خوان والتقط الغطاء الحريري ولفه حول سيرينا كأنه يقمط طفلا صغيرا ثم حملها بين ذراعيه حتى السرير ورفعت نحوه عينين قلقتين فأسرع يقول لها :
- بامكانك ان تنامي بهدوء ياعزيزتي لست انوي محاربة شبح او خيال لكن لاتنسي شيئا مهما: اننا ننتمي الى عالم الاحياء لذلك يجب ان نفكر بهم وليس بالاموات ..ياعزيزتي ارتاحي بسلام لان الرجل لا يموت اذا مانسيناه .
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top