الفصل التاسع

9- أيام لا تنسى

استيقظت ماغي من نوم بدا لها دهراً ما إن توصلت إلى الوعي حتى بدت كل أفكارها مرتبكة تساءلت أين هي ؟ وأين بنجي ؟ لماذا لم يوقظها كما يفعل دائماً ؟ جلست برعب في السرير وهي ترمش بعينيها وأصبحت أكثر ارتباكاً وهي تحدق حولها غرفة النوم الغريبة عنها بعدئذ تدفقت الذكريات كلها على رأسها وشعرت في الوقت نفسه بالتعب والإرهاق .
صرخت مذعورة : بنجي !
وكأنه كان ببساطة منتظراً نداءها .. في تلك اللحظة دخل رافايللو إلى غرفة نومه عن طريق الباب المشترك وهو يحمل بنجي بين ذراعيه ابتسم الاثنان لمجرد رؤيتها وعلى الفور مد بنجي ذراعيه إليها لاحظت ماغي على الفور أن رافايللو لا يرتدي سوى بنطلونه الجينز وقد سار نحوها ليعطيها بنجي .
_ قدمت ماريا له الفطور وبدلت له ثيابه ونظفته .
جالت عيناه عليها وتابع : بدوت متعبة يا عزيزتي فتركتك نائمة .
أحنت ماغي رأسها وهي تشعر بالحرارة تلون خديها وشغلت نفسها بعناق بنجي لكن ما إن اطمأن الطفل لوجود أمه حتى ابتعد عنها وراح يختبئ تحت غطاء السرير تمنت ماغي لو أنها تستطيع القيام بذلك أيضاً فالنظر إلى رافايللو مباشرة ليس أمراً تستطيع القيام به بجسارة سألها بنعومة وقد فهم ردة فعلها : أتشعرين بالخجل عزيزتي ؟
بسرعة بدأت أفكار رافايللو تحاول استرجاع الماضي حاول أن يتذكر أية لحظات مشابهة مع أي امرأة عرفها من قبل امرأة تتورد خجلاً وتخفي عينيها عنه عندما يحييها عند الصباح فلم يتذكر أي واحدة .
ماغي بعيدة بمليون ميل عن أي امرأة مرت سابقاً في حياته ليس فقط لأنها كانت عذراء أو بسبب خجلها تساءل ما الذي يجعلها مختلفة عنهن ؟ إنه أمر لا يستطيع اكتشافه لكنه سيكتشف ذلك الأمر .
اقترب ليجلس قربها على السرير فلاحظ وهو يشعر بالتسلية كيف ابتعدت بصورة لا شعورية لتندس تحت غطاء السرير انحنى إلى الأمام ثم قال بمرح وعيناه تشعان بالسعادة : صباح سعيد !
بدت كأنها لا تعلم ما الذي يريده فعمل رافايللو على الفور على توضيح ما يريده عانقها عناقاً رقيقاً ثم انسحب ما إن ابتعد عنها حتى رأى وجهها يحمر خجلاً وهي ما تزال غير قادرة على التحديق في عينيه ابتسم ما إن رأى نظرة عينيها تتجه نحوه للحظة .
_ لا داعي للخجل عزيزتي .
إنه أمر غير عادي لقد تحولت من تلك المخلوقة الفقيرة الهزيلة غير المحبوبة حيث لا يمكن لرجل أن ينظر إليها ولو لمرة واحدة إلى إنسانة تدير الرؤوس كيفما تنقلت إحساس غريب تحرك في داخله ولم يعلم ما هو ذلك الإحساس طافت عيناه عليها مرة ثانية كانت ماغي تنظر إليه بخجل وبعدم ثقة ومع ذلك كانت الشوق يلمع يشع من عينيها رغم إحراجها اقترب منها ثانية فلقد بدت جميلة جداً وهي مستلقية على وسائده مع أنها رفعت غطاء السرير حتى ذقنها .
وفي تلك اللحظة اندفع رأس من تحت الغطاء وضرب بمرفقه وسرعان ما امتدت يد صغيرة وأمسكت بيده فسقطت يده على السرير حاملة جسمه المنحني اندفع بنجي في ضحك طفولي أشبه بصياح الديك مسروراً بما فعله وهو يظهر من مخبئه .
جلس رافايللو وقد ظهرت السخرية على وجهه لا مجال للبقاء بمفرده مع ماغي هذا الصباح هذا ما استنتجه ! بدأ يفكر بسرعة إن كان يستطيع أن يعيد بنجي إلى ماريا لتعتني به وبذلك يتمكن من الحصول على ماغي لنفسه .
لكن تبين أنه لا يستطيع ذلك فبنجي يريد أن يلعب إنه يضج بالنشاط والحيوية عند الصباح زحف الطفل نحو رافايللو ورمى بنفسه على حضنه ضاحكاً وهو يقوم بحركات ليشجعه قالت ماغي : يريدك أن ترقصه على ركبتيك .
أخيراً وجدت صوتها التكلم عن بنجي هو على الأقل أمر معقول فهو موضوع آمن وطبيعي ولا يشبه البتة ما كان يرمي إليه رافايللو فذلك أمر لا تستطيع التعامل معه بنجاح .
سألها رافايللو : أهكذا ؟
واستدار ليجلس بطريقة مستقيمة واضعاً قدميه على الأرض ثانية .
شرحت له ماغي بمرح : نعم عليك أن تضمه إليك وتلاعبه وتريه طريقة ركوب الخيل .

راقبته ماغي وهو يكرر اللعبة عدة مرات لبنجي فكاد قلبها ينفطر في صدرها تأثراً مرة بعد مرة بدا رافايللو وسيماً جداً بجسمه الرشيق الأسمر الذي يخلو من أي أثر للسمنة وذراعيه القويتين اللتين تمسكان بنجي بقوة وبعناية ووجهه ذي الوسامة الواضحة وفمه الضاحك بدت عيناه السوداوان الجميلتان متجعدتان قليلاً عند الزوايا وكان شعره الحريري الأسود يتطاير فوق جبهته راح قلبها يتلوى ويتلوى وهي تراقبهما .

الحمد لله أن بنجي موجود هنا ! رفعته عن حضن رافايللو وقد حرصت بشدة ألا تلمس هذا الرجل شعرت بنفسها سعيدة جداً لكن .. ليست سعيدة لدرجة أن تنسى أنها لا تزال تشعر بالخجل المطلق.
فلو لمسته سيعلم على الفور أنها تشتاق إليه كثيراً .
مرغت أنفها بحب في بنجي وقالت : هكذا أيها العفريت الصغير حان الوقت لتنهض .
شعر رافايللو بالحرج الذي تشعر به فأشفق عليها ونهض على الفور .
_ سآخذ بنجي إلى الطابق الأرضي وسنكون على الشرفة تعالي وانضمي إلينا لتناول الفطور هناك .
حمل بنجي من بين يديها ولم يشعر بأي حرج لملامستها وذلك على العكس مما كانت ماغي ستشعر به لو لمسته شعرت ببشرتها ترتجف حيث مست أصابعه ذراعيها بينما كانت تنقل بنجي إليه وعندما غادر الغرفة فقط تجرأت وخرجت من السرير لتذهب إلى الحمام .
وقفت هناك ترى انعكاس صورتها على المرآة وقفت تحدق ملياً وترى كم هي جميلة حقاً ! لقد حدث لها ذلك فعلاً أقرت بذلك بتعجب و اندهاش لقد حدث ذلك فعلاً !
ذلك الإحساس العميق من السعادة سيطر عليها ثانية وفي أعماقها كان هناك تعجب وألم قويان جعلاها تشعر كأن قلبها يتصدع أضاءت وجهها ابتسامة بطيئة فمهما حدث مهما حدث معها حتى آخر حياتها ستكون لها هذه اللحظة هذه اللحظة الرائعة غير المعقولة عندما أخذها أجمل رجل في العالم إلى عالمه وجعلها زوجته .
استحمت وارتدت ثيابها بسرعة وهي مليئة بقوة هائلة من الشوق لتبقى بصحبته لم تكن تعلم ما الذي سيجلبه النهار وما الذي سيحمله المستقبل كل ما تعلمه أنها الآن تريد فقط أن تكون مع رافايللو أن تشعر بحضوره وأن تشرب من وجوده وكأنه شراب من العسل .
كان رافايللو بانتظارها على الشرفة ما إن اقتربت منه حتى لمعت عيناه بنظرة تقييمية أدركت ماغي على الفور أن فستانها الصيفي الأزرق الناعم الذي اختارته من المجموعة الكبيرة التي تملأ خزانتها ينساب على جسمها الرشيق مظهراً جمالها ونحافة خصرها جلست على مقعدها وشغلت نفسها بسكب فنجان القهوة نظر إليها بنجي نظرة مختصرة وهو يلعب على دراجته وسار مبتعداً عبر الشرفة .
انحنى رافايللو نحوها كانت عضلاته المفتولة تلمع كأنها الفولاذ المصقول في ضوء الصباح المشرق .
_ حسناً عزيزتي ! ماذا ترغبين أن تفعلي هذا اليوم ؟
التعابير الواضحة التي ظهرت في عينيه جعلتها تدرك بوضوح ماذا يريد كجواب منها شعرت باللون الأحمر يصبغ خديها من جديد .
أجابت بارتباك : آه .. ! أي شيء تريده .
لكنها تابعت بسرعة : لكن أليس من المفترض أن تذهب للمكتب أو أن تقوم بشيء ما ؟
هز رافايللو رأسه وأجابها : أؤكد لك أن لا شيء أكثر إثارة للملل من الذهاب إلى هناك .
وكان ذلك صحيحاً فمجرد التفكير في الجلوس في مكتبه محاولاً تطوير شركة دي فيسنتى إلى إمبراطورية عالمية بدا أكثر الأفكار المملة في العالم لا ! عالمه اليوم مركز هنا مع هذه المرأة الجذبة وغير العادية .
عاد بنجي إليهم كأنه يتسابق وما إن لمحه رافايللو حتى تجمد في مكانه .
لقد أخذت ماغي على عاتقها تربية ابن امرأة أخرى وكأنه ابنها امرأة على حافة الموت أعطت ثقتها لماغي وأمنتها على ابنها الوحيد .
شعر بشيء ما يعتصر داخله وفكر كم يحتاج المرء إلى صفات سامية ليقوم بمثل هذا العمل ؟ إنه خيار كلفها الكثير من الناحية المادية فمن أجل صديقتها المتوفاة تقبلت تربية طفل حديث الولادة ولا معيل لها إلا ما تؤمنه من الدولة فلا عائلة لها وهي بالكاد تملك المال حتى إنها لا تملك منزلاً خاصاً بها لتتمكن من تربيته لكنها فعلت هذا .. جعلت نفسها امرأة كادحة تعيش في فقر مدقع لأنها لم ترضى أن تدير ظهرها إلى طفل وحيد لا سند له سواها .
اجتاحته عاطفة قوية .. الحمد لله أنه وجدها !
لقد أخذها بعيداً عن ذلك الفقر المدقع وأحضرها إلى هنا وحررها كأنها كانت عصفورة محبوسة في قفص وهاهي تطير بأجنحة متنوعة الألوان في دفء الصيف الرائع امتلأ قلبه بالعطف والتقدير لها وشعر بشيء ما أكثر من ذلك لم يدرك كنهه .
شعر بيد صغيرة على ركبته جذبت انتباهه يريد بنجي أن يصعد إلى الطاولة انحنى وحمله ليضعه على حضنه متعجباً من عاطفة الطفل الصادقة واستكانته بثقة على صدره قبل أن تلتف انتباهه لفائف الخبز على الطاولة .
عمل رافايللو على إطعامه وهو يضحك بينما راحت ماغي ترتشف قهوتها .
وبعد قليل أعلن رافايللو بصوت حاسم : سنمضي يوماً آخر على الشاطئ هذا ما نحتاج إليه كلنا .
_ أتريدين المزيد من القهوة ؟
هزت ماغي رأسها رافضة مع أن جزء منها أراد أن يقول نعم لأن ذلك يعني أنها ستتمكن من الجلوس لمزيد من الوقت إلى الطاولة في الطابق العلوي كان بنجي نائماً بعد أن بدا منهكاً بعد أن بدا منهكاً من شدة التعب من اللعب بفرح على شاطئ البحر .
كانا لا يزالان على الشرفة حتى في ذلك الوقت المتأخر لأن الطقس أصبح أكثر دفئاً وكانت ماغي تشعر بالفرح من روعة سماء ليل إيطاليا سمع صوت صرير المعدن على البلاط تبعه نهوض رافايللو ووقوفه على قدميه استدار من وراء الطاولة ليأتي نحوها ثم مد يده إليها وقال بنعومة : حان وقت النوم .
شعرت بأنفاسها تعلق في حلقها فهي تعلم تماماً ما الذي يريده وهي تعلم من كل قلبها أن هذا ما تريده أيضاً أرادت أن تشعر بذراعيه حولها مرة ثانية وتشعر به بقربها .
تابع وهو ينظر إليها بعينيه السوداوين كالمخمل : لقد انتظرت طوال النهار بقيت ساعات لا نهاية لها منتظراً هذه اللحظة عزيزتي عندما أمسك بيدك وأشدك إلي هكذا ...
برقة لا تخلو من القوة والإصرار شدها لتقف على قدميها وهو يتابع : .. وأضع ذراعي حولك هكذا ...
ضمتها ذراعاه إلى صدره وتابع : وأرفع وجهك إلي وأضمك إلى صدري ...
وأحنى رأسه وعانقها .
شعرت كأنها في الجنة وهي في منتهى السعادة رأت النجوم تتحرك بشكل دائري عبر السماء السوداء بينما راح رافايللو يعانقها كأنها زهرة تتفتح من أجله فقط .
قال مرة ثانية : تعالي ! حان الوقت لنبدأ ليلتنا .
فكرت هل ما يحدث حقيقي ؟ أفكارها في ضباب وجسمها في نار هادئة .
لم يعد هناك مكان للكلام فلا قيمة للكلام مطلقاً وهي لا تريد شيء أكثر من هذا العالم .
عليها أن تحتفظ بهذه اللحظات أن تحتفظ بها إلى الأبد بهذه السعادة العارمة وبهذا القدر من الفرح الذي تشعر به .
أحبك !
تشكلت الكلمة على شفتيها واستقرت في قلبها وشعرت بقوتها وروعتها لكنها كلمة صامتة .. تنفست وهي تتلفظ بها على بشرته تقولها لنفسها فقط ..
أحبك !
وعد صامت .. وهدية ستبقى طي الكتمان .
_ رافايللو ! لا قد يشاهدنا أحدهم .
قالت ماغي ذلك عندما حملها وصعد بها الدرج .
_ من ؟ لا أحد هنا فالخدم كلهم نيام .
ثم ابتسم ابتسامة ماكرة أظهرت أسنانه البيضاء قال : لا أحد عزيزتي .. لا أحد سينقذك مني .
دار بها دورة كاملة قبل أن يدخلا معاً إلى غرفته .
ببطء وهدوء وضعها على السرير وقال بصوت كالصدى : لا أحد سينقذك مني .
نظرت ماغي مباشرة في عينيه وقالت هامسة : لا أريد أن ينقذني أحد .
و ببطء شديد عانقها وحملها معه إلى عالم سحري أشبه بالجنة .
في الصباح التالي استيقظت لتكتشف أن رافايللو استيقظ قبلها وأخذ بنجي إلى ماريا لكن اليوم بدلاً من أن يعيده معه عاد لوحده ليخبرها أن ماريا أخذت بنجي ليلعب مع أولاد أختها الصغار وانه سيكون سعيداً ولن يفتقدها للحظة .
فكرت ماغي أن هذا الأمر يناسبها تماماً فالآن لا وقت لديها على الإطلاق لأي كان إلا لرافايللو .
أما رافايللو فأبقى ماغي له بالكامل وقد أمضى معظم الصباح وإياها في حب لا ينتهي إلى أن قرر أخيراً أنه حان وقت النهوض لاستقبال يوم جديد .
وبعد نزهة رائعة إلى أبعد نقطة مأهولة استطاع رافايللو إيجادها أدركت وهي تشعر بالسعادة تماماً ما الذي يفكر به فهو يريد أن يعيشا مثل أدام وحواء في الجنة وهي تحبه وتعلم أن لا مجال للحب بشكل مختلف وأنها ضعيفة جداً أمام قوته ومع أن روعة حبه لامست أعماق أعماقها إلا أنها كانت تعلم أن هذه الحياة ليست لها .
ربما يتسنى لها أن تحيا بسعادة اليوم وغداً لكن مهما كان الوقت الذي ستمضيه برفقة أجمل رجل في العالم فإنه لن يستمر إلى الأبد ومع أنها لا تعلم لماذا قرر تغير تصرفاته نحوها ربما ذلك بسبب الفضول أو الرغبة أو أنها نزوة أراد تحقيقها لكنها تعلم أن الأمر لن يدوم وأن كل ما يحدث معها هو حلم خارج الزمن .
إنها مجرد دعوة قصيرة زائلة للسعادة التي ستحترق مثل شعلة نار قبل أن تطفئ نفسها .
لكنها مع ذلك غير مبالية فالنهاية آتية لا محالة وهي سوف تستيقظ ذات يوم على عناقه الأخير ..
شعرت به يقترب منها تظلله شجرة الكستناء فاستدارت نحوه وحدقت به يائسة من شدة حبها له تمنت لو أنه لا يرى ذلك الحب وتمنت ألا يكون واضحاً في عينيها بكسل نزع رافايللو ورقة عشب طويلة ومررها على جانب خدها الإحساس بالوخز الناعم على وجهها جعلها تبتسم .
سألها بنعومة وهو يبادلها ابتسامتها : لم تبتسمين ؟
قالت له ببساطة : لأنني سعيدة .
أصبحت ابتسامته أكثر عمقاً وقال وهو يعانقها بنعومة : وأنا أيضاً عزيزتي سعيد جداً .
وللحظة طويلة نظرا إلى بعضهما البعض إلى أعماق عيونهما ففي النهاية لقد تشاركا في أجمل اللحظات الحميمة معاً والرحلة التي قاما بها معاً إلى أفاق العاطفة والشوق بدت رائعة تماماً أدركت ماغي في تلك اللحظة أن ما بينهما الآن هو أعمق من كل ما حدث سابقاً وبينما كانت تنظر إلى عينيه و رافايللو يبادلها النظرات شعرت برباط حي ينمو بينهما رباط ينتمي إلى روحيهما وليس إلى جسديهما فقط .
وكأن عاطفة جديدة غير معروفة لديها بدأت تزهر وتتفتح في أعماقها عاطفة لم تجرؤ أن تصفها ولم تجرؤ أن تعطيها اسماً عندها رأت قناعاً يخفي عينيه ورأته ينسحب بعيداً عنها .
كان ذلك مجرد أمل سرعان ما رحل بعيداً ...
في اليوم التالي أخذا بنجي معهما في نزهة في الهواء الطلق وما إن عادوا إلى الفيلا مع مغيب الشمس أعطى بنجي إلى ماريا التي أسرعت بترك عملها عند وصلوهم وضعت يدها على يد ماغي وقالت ببساطة : اذهبي .
وسارت برفقتها نحو الدرج .
لم تستطع ماغي النظر إلى وجه ماريا وبالكاد تمكنت من التربيت على رأس بنجي طالبة منه ان يكون ولداً طيباً .
أكدت لها ماريا : إنه دائماً رائع سينيورا .
صعدت ماغي لدرج بسرعة شعرت أن سعادة ماريا ليست فقط بسبب تصرفات بنجي ولكن بسببهما أيضاً فمنذ أن حولها رافايللو من بجعة قبيحة إلى امرأة حقيقية أصبحت مدبرة المنزل تشع بالرضى عليهما معاً راحت تهتم برافايللو فتقدم له الكثير الطعام ومع ذلك لم يؤثر ذلك على رشاقته هذا ما فكرت به ماغي وهي تنظر باهتمام واضح إلى جسمه القوي وهو ينزع قميصه عن كتفيه أما بالنسبة لها فكانت ماريا تشرق من الفرح كلما نظرت إليها لم تقل شيئاً لكن عينيها قالتا الكثير .
ماغي تعرف السبب ماريا تعتقد أن هناك شيئاً ما حقيقياً يحددث بينهما وأن ذلك الزواج الغريب والمؤقت أصبح حقيقياً .
لكن الأمر ليس صحيحاً وهي تعلم هذا تعلم ذلك في أعماق قلبها وأفكارها وروحها وفكرت ماغي أنه بالطبع ليس مفتوناً بها لكنه متمسك بالسعادة التي غمرته من تحويلها إلى فتاة فائقة الجمال أو على الأقل إلى عصفورة ذات جناحين وتعليمها الطيران .
ضمها إليه واضعاً ذراعيه حولها فأراحت رأسها على صدره راحت أصابعه تتحرك ببطء على شعرها لم يقولا شيئاً لكن في ذلك الصمت وجدت ماغي سلاماً لم تعرفه قط من قبل .
في تلك الأمسية أخذها رافايللو لتناول العشاء خارجاً بعد ان نام بنجي .
تناولا العشاء في مطعم أنيق ورائع يشرف على الوادي جلست ماغي هناك وهي تشعر أنها أميرة بفستانها الحريري الأزرق اللون والعقد الماسي الذي يزين عنقها لكن رافايللو هو من جعلها تشعر بأنها اميرة وليس الثوب الأنيق المميز التصميم ولا العقد الذي لا يقدر بثمن بل رافايللو الرجل الذي تحب لكنها تعرف أن الأميرات يعشن فقط في القصص الخيالية لا في الحياة الواقعية .
ومع أنها لم تعد تلك الفتاة البشعة التي كانت إلا أنها لا تزال سندريلا وعقارب الساعة تتجه نحو منتصف الليل ...
لم تكن تعلم متى ستدق ساعة منتصف الليل لم تكن تعلم إلى متى سيبقى رافايللو مفتوناً بها ومنشغلاً بلعبته السحرية غير المتوقعى التي حولت خادمة كئيبة إلى امرأة تستحق اهتمامه وتستحقه .
تعلم أنه لن يكون قاسياً معها ولن يبعدها عنه بوحشية لكنها تدرك وبإحساس عميق ومخيف أن جرس الهاتف سيرن ذات يوم أو سيصله بريد إلكتروني أو أن والده سيعود وأنه ببساطة سيتذكر أن حياته الواقعية لا علاقة لها مطلقاً بالمرأة التي تزوجها ليتمكن من السيطرة على الشركة التي هذذ والجه ببيعها رغماً عنه .
وعندما سيحدث هذا ستحزم حقائبها وتحمل بنجي وترحل وسوف تلقي نظرة أخيرة على الرجل الذي يحمل قلبها بين يديه هدية لم يطلبها يوماً ولن يعرف انه يمتلكها وستعود إلى حياتها السابقة ولا شيء معها غير الذكريات التي تمثل كل واحدة منها جوهرة غالية لا تقدر بثمن .. ستحفظ بها طوال حياتها ...
_ ما الأمر ؟
اخترق صوته الخفيض أفكارها فأجبرت نفسها إلى الابتسام ورفعت كوبها لتشرب وهي تقول : لا شيء أشعر بالشفقة على الناس في بريطانيا رأيت عناوين جريدة إنكليزية كتب فيها أن شهر حزيران هو الأكثر مطراً منذ سنين .
أجابها وهو يبتسم : لا تفكري بأيام الصيف الرطبة في بريطانيا فقط فكري بأيام و توسكانا الرائعة .
وضعت كوبها جانباً وقالت سأتذكر هذا الصيف طوال عمري شكراً لك رافايللو أشكرك من أعماق قلبي .
التقت عيناها بعينيه وسكبت من تعابيرها كل الامتنان نحوه لأنه منحها هذه القصة الخيالية لتعيشها فترة قصيرة .
لمع شيء في أعماق عينيه لم تستطع تحديده أحنى رأسه قليلاً بطريقة رسمية جداً ثم قال : لقد أسعدني ذلك يا عزيزتي وما زال يسعدني .
مد يده عبر الطاولة وأمسك يدها ثم رفعها إلى فمه بدت قبلته ناعمة ونظرة عينيه أكثر نعومة .
كاد قلب ماغي يتوقف عن الخفقان وللحظة توقف كلياً عن الحركة وبينما كانت تحدق به بصمت حدث ذلك ثانية غطى ملامح وجهه قناع غامض ثم ترك يدها .
قال رافايللو : غداً سآخذك إلى فيرنزي .
وبينما عادت ماغي تتابع تناول طعامها شعرت بضغط ثقيل على قلبها .
بدت لها فلورنسا رائعة فالعصور الوسطى في إيطاليا تميزت بالعمران والنحت والرسوم الزيتية والمدينة غنية جداً بكنوز الفن والهندسة جعلت ماغي تصاب بالدوار .
مع ذلك كانت تشعر بالحزن أو ربما شيء جعلها هكذا وجدت نفسها تشتاق إلى ذلك اليوم الرائع في لوكا عندما لوح رافايللو بمروحته السحرية فوقها وظهرت له للمرة الأولى في أجمل وقت من حياتها كلها كامرأة تثير اهتمامه .
فعلت كل ما بوسعها لتخفي حزنها الداخلي ليس لأنه لا يحق لها أن تجعله يشعر بعدم الارتياح بسببها بأية طريقة كانت فهو لم يطلب منها أن تقع في غرامه ولم يرغب بذلك مطلقاً بل ببساطة لأنها ستخسر يوماً تلك الأيام الغالية والذهبية برفقته .
لذلك راحت تبتسم وتشبع عينيها منه وتشعر بالفرح الغامر بقربه عندما يلف ذراعه حول كتفيها وعندما يمسك بيدها وهما ينظران إلى جمال التحف التي تعود إلى العصور الوسطى أبعدت إلى أعماق أعماقها الإحساس الكئيب الذي تخشاه .
كانا يشربان القهوة في أحد المقاهي راحت ماغي تراقب الناس يسيرون أمامهما باهتمام عادي لكنها كانت تراقب باهتمام أكبر عضلات رافايللو المفتولة بقوة ورشاقة وبينما كانت تغطي يده يدها بحرارة وفجأة اقترب أحدهم منهما .
_ رافايللو ! مرحباً !
تبع ذلك فيض من الكلام الإيطالي ورأت ماغي أن المرأة الأنيقة التي حيت رافايللو هي لوسيا كان برفقتها شاب أنيق شاب أنيق شعره أشعث وشفتاه كبيرتان .
رد رافايللو التحية باحترام وسرعان ما خولت لوسيا اهتمامها إلى ماغي .
_ إذاً ها أنت تستمتعين في توسكانا حتى النهاية !
بدا صوتها فرحاً فهزت ماغي رأسها وردت عليها بالكلام المناسب .
مالت لوسيا برأسها قليلاً باتجاه رافايللو وتابعت : وأظنك .. تتمتعين أيضاً بكل ما يقدمه لك ذلك التوسكاني .. هل أنا مخطئة ؟
هذه المرة كان هناك معنى آخر واضح لكلماتها وجدت ماغي نفسها تسحب يدها من تحت يد رافايللو وبالكاد تمكنت من أن تبتسم ابتسامة خفيفة وكأنها لم تفهم ما تقصده لوسيا بوضوح رفعت المرأة كتفيها ببساطة .
_ حسناً ! اسمعي بما تشائين طالما يمكنك ذلك والآن اعذراني كارلو عديم الصبر لأنه يريد أن يريني آخر عمل رائع له .
وضعت يدها تحت ذراع الشاب بتملك ولوحت لهما بحركة أنيقة وغادرت .
جاء صوت رافايللو خشناً مثيراً للأعصاب وهو يقول : يا إلهي ! لا أصدق أنها اعتقدت أنني قد أتزوج
بها .
ثم نظر بازدراء إلى الرجل الذي يسير بجانب ابنة عمه .
وافقته ماغي : لا يبدو أنها تذوي لأجلك .
كانت لوسيا تتكئ على حبيبها الآن لتوضح للجميع موقعه بالنسبة إليها .
فجأة رفع رافايللو نظره إليها وسألها : وأنت عزيزتي هل تذوين لأجلي ؟
أتى السؤال فجأة من دون أي مقدمات .. شعرت ماغي كأنها تتجمد .
أخفضت رأسها غير قادرة على النظر إلى عيني رافايللو .
_ لا أعتقد أنك تريدني أن أشتاق إليك أليس كذلك ؟
قدمت إجابتها بصوت منخفض لكنها حاولت جاهدة ألا تظهر أية عاطفة في صوتها ما إن أنهت كلامها حتى رفعت عينيها ثانية محافظة على تعابير وجهها الهادئة .منتديات ليلاس
بقي رافايللو صامتاً للحظة نظر إلى عينيها لكنها لم تستطع أن تقرأ أية تعابير على وجهه كانت لا تزال تشعر وكأنها مجمدة مكانها برهة حين هز رأسه وقال : لا ! لا أريدك أن تشتاقي إلي .
بدت في صوته نبرة غريبة لم تفهمها بدت لها كأنها إنذار أبعدت نظراتها عنه باتجاه المعبد الذي يعود تاريخه إلى القرون الوسطى والذي يقع في الجهة البعيدة للمقهى كم من الحالات الفرح والحزن مرت على هذه الحجارة وما أنا غلا مجرد حالة واحدة من تلك الحالات !
كان على هذه الفكرة أن تجلب لها العزاء والراحة لكنها لم تفعل ...
ما إن استيقظت في الصباح التالي حتى أدركت أن هناك أمراً ما قد حدث كان رافايللو وافقاً بجانب النافذة وهو ينظر إلى الخارج إلى الحدائق الجميلة للفيلا وهي تتموج تحت أشعة الشمس الصباحية كان يدير ظهره إليها ويرتدي بذلة العمل ذاتها كان يرتديها في اليوم الذي تزوجا فيه وقد بدا غامضاً ومفراً .
ما إن سمعها تتحرك حتى استدار كان جسمه مرسوماً من خلال ضوء في النهار في الخارج فشعرت أن الوقت هو أبكر من الوقت الذي يستيقظان فيه عادة .
جاء صوته متسائلاً : ماغي ؟
وعندما أدرك أنها استيقظت سار نحو السرير بدا لها أطول وأكثر قساوة وهو ينظر إليها وقد حلق ذقنه وصفف شعره بطريقة شعره بطريقة عملية .
_ يجب أن أذهب إلى روما مجلس الإدارة سيجتمع اليوم ويجب أن أكون حاضراً .
بدا صوته حازماً وعملياً بدا رافايللو الذي أحبته بعمق بعيداً عن هذا الرجل الذي تراه الآن ملايين الأميال فالرجل الذي يقف أمامها هو ذلك الذين دفع لها المال كي تتزوجه والذي استأجرها لتقوم به ارتجف شيء ما في داخلها آه ! قد يكون رافايللو الذي جعل منها أميرة في قصة خيالية ما زال ما زال موجوداً لكن ليس اليوم وليس هذا الصباح فرافايللو الحقيقي وضع ذلك الرجل جانباً لقد حان الوقت ليعود إلى حياته الحقيقية .
سمعت نفسها تقول بارتباك : آه ! بالطبع .
رفعت جسمها لتتكئ بقلق على مرفقها وأبقت غطاء السرير حولها .
استمر في النظر إليها وقد بدا رائعاً وهو يقف هناك بدا كرجل الأعمال القوي والثري غريباً وبعيداً تماماً كما كان عندما وقعت عيناها عليه للمرة الأولى وهي تنظف غرفة الحمام في منزله .
تجهم وجهه وهو يدير الزر الذهبي في طوق كمه الأيسر قال على نحو مفاجئ : عندما أعود علينا أن نتكلم هل تفهمين ذلك يا عزيزتي ؟
هزت ماغي رأسها وقد شعرت بغصة تتشكل في حقلها غصة قاسية تكاد تخنقها وكأنها حجر لا تستطيع ابتلاعه .
_ نعم ...
ظهر الضيق على وجهه وتابع : لقد عشنا في حلم طوال الأيام الماضية .
تضخم في حلقها وقالت : نعم ...
حاولت أن تخفي تعابير وجهها كي لا يرى كم تبدو مرتعبة وقف ينظر إليها والقلق باد على وجهه ظهرت رقة مفاجئة في عينيه وللحظة عاد رافايللو الرائع ثانية الرجل الذي أخذها إلى عالم الأحلام وحملها بين ذراعيه ....
_ سأهتم بك عزيزتي كوني متأكدة من ذلك .
ثم نظر إلى ساعته وأطلق زفرة غاضبة .
_ علي أن أذهب الآن .
انحنى بسرعة واضعاً ذراعه على الحائط وعانقها أخيراً سريعاً ... ورحل

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top