حكايا مشئومة ...
شيئا ما يتحرك هناك بين ضباب المستنقعات .....
*********
عندما قابل اندرو هيلين كانت في حضيض معنوياتها ....
كانت قد انفصلت عن زوجها الاول لانه ( لم يعد يتحمل روحها البليدة ) على حد قوله ....
وبعد شهر فقدت عملها كسكرتيرة في إحدى شركات الدعاية ، وعند اذا لم يعد أمامها سوى أن تنهار ....
إمرة في منتصف العمر بلا رجل ....بلا اطفال ....بلا مورد
أن الإنسان الغربي وحيد ...وحيد الى حد مروع ....
ولهذا حين دخل اندرو حياتها بنعومة كورقة صفصاف تسري فوق مياه الجدول ؛ لم يكن لديها مخرج آخر سوى أن تهيم به حبا .....
وكان هو رقيقا لطيف المعشر ...وتزوجا ....و لأيام حسبت انها لم تسقط من فوق مائدة القدر كما ظنت ...
لكن شيئا ما طرأ على حياتهما ...
شيئا لم يدر بخلدها من قبل ...
🌟🌟🌟🌟🌟
صاحت سارة في دلال :
__" كفاك إثارة لرعبنا يا اندرو !! "
ضحك اندرو حيث وقف بجوار المكتبه ..وقال في إصرار :
__" أنها لقصص حقيقية يا صغيرتي ....أعني أن هناك من يؤكد أنها تحدث ..."
في ريبة تسائل جون :
__" اذا انت تأتي هنا لتلتذ باجترار هذه القصص ، وحيدا جوار نيران المدفأة ؟؟"
__" بالتأكيد .... أجلس أتأمل النيران ...وأتصور لو أن أحد هؤلاء الموتى الاحياء قد عاد الان ...وهو يرفع يده الملوثة بالاوحال ليقرع بابي !! ....عندئذ ماذا سيحدث ؟
....هل أصرخ ؟؟ ...هل أجن ؟؟
__" هذا مزاج مفرط في ( الماسوشية ) يا صديقي لدرجة أنه يحتاج دراسة ممحصة من محلل نفساني .....!! "
__" لكني استمتع به حقا ...!! "
ثم إن اندرو تناول من الكتبة صندوقا صغيرا ....
صندوقا من الخشب العتيق الذي تم تدعيم جوانبه برقائق مذهبة ...وقد اوصد برباط من الجلد المصفر المتآكل ....
عاد به إلى مائدة الطعام حيث جلس الثلاثة الآخرون ووضعه في مركز المائدة ليراه الجميع ....
تساءلت سارة وهي تريح ذقنها على قبضتها :
__" ما هذا ؟؟ ... صندوق سجائر ؟؟ "
قال اندرو بنفس الابتسامة الغامضة :
__" لا احد يضع السجائر في المكتبه ، الا اذا كان مخبولا ثم خلع عويناته وسلط نظراته النفاذة على الجالسين :
__" هذه عجيبة أخرى من عجائب هؤلاء ( السلت ) صندوق الآلام .....المعدل لصندوق ( بندورا ) الشهير !"
__" بندورا !!!؟؟؟"
__" نعم ...في الأساطير الإغريقية ...الصندوق المغلق الذي ظل يثير فضول حواء الاولى ( بندورا ) ....
الا أن صار الأمر اقوى منها ...فتحته ... فإذا بروح الالم والمجاعة والفقر والمرض تخرج منه لتجتاح العالم الخارجي "
__" وهذا الصندوق ؟؟"
قال بصوت هامس :
__" هذا الصندوق انتقل من يد ليد ...اخر من امتلكه هو تاجر اسكتلندي عجوز قال لي وهو يحتضر :
أن ( شيطان الالم ) حبيس في هذا الصندوق ...، الملاحظة أن كل من فتح هذا الصندوق مات وهو يتلوى ألما والدم ينزف من أنفه وفمه ....وكان التاجر آخرهم .."
وابتلع ريقه .... وبعد هنيهة أضاف :
__" التحدي هنا هو : نحن لا نؤمن بالخرافات ....وكلنا مثقفون ومتحضرون ...فهل نفتح الصندوق ؟؟"
ساد الصمت الطويل لدقائق .....
تبادل الجالسون النظرات ، ولم يقل أحد شيئا ....
كان الصندوق جاثما بينهم ، كقنبلة تنتظر من يلمسها لتنفجر ....ولدهشة جون احسن أن حاجزا مكهربا يحيط بالصندوق ويحول دون فتحهم إياه .....
كلمات اندرو صارت لها قوة حاجز سميك من الزجاج .... حاجز لا يمكن كسره ...
__" إذن ...احاول فتحه أنا ؟؟! "
قالها اندرو ومد يده إلى الصندوق و أزاح الرباط الجلدي المحيط به ...
🌟🌟🌟🌟🌟🌟
لماذا تغيرت يا اندرو ؟؟
أن المرأة تفهم أن يكون الرجل وقحا ...أو عصبيا ...أو وغدا ..أو انانيا ...أو بخيلا ...أو كاذبا ....
لكنها لا تفهم أن يصير غير مبالي بها ....
يعود للدار صامتا ...يجلس أما التلفزيون صامتا ...يأكل صامتا ....ينام صامتا ...بل ويتكلم صامتا اذا فهمت معنى هذا .....عيناه تتجاوزانها لتريا من خلالها ...بالنسبة له هي لوح زجاج ...والمرء لا ينظر للوح زجاج ابدا .....
بل يخترقه ببصره إلى العالم الواسع وراءه ...
لقد وضع ذلك الحائط بينهما وصار من العسير أن يزول ..
وبرغم هذا لم ترى منه كراهية ولا تقصيرا ...هو يؤدي واجباته كآلة تفعل ما يطلب منها دون حب ولا مقت ...
فقط تؤديه ...
وكان هذا يفوق قدرتها على التحمل ...كان يعود متأخر دون تفسير ..ويسافر ( لمقتضيات العمل ) أسبوعا كل شهر ...ويعود لها حاملا هدية ...التعبير الرخيص عن عاطفة لا وجود لها ...
وأدركت أنه الملل ....
لقد قال زوجها الاول : أن روحها بليدة ..من يدري ربما كان محقا فيما قال ....من العسير أن يكون زوجاها __ بالصدفة البحته __ سريعي الملل ...
قرأت كثيرا عن كتب الزواج ، وحاولت أن تبدو وتكون افضل ، لكن الأمر كان أعمق واخطر من بضعة مساحيق تضعها أو ثياب جديدة و تبتاعها .....
لقد كان هوائي التلفزيون يوما في وضع حساس يسمح له بأن يكون على موجه الزوجين معا ...أما الآن فقد حركته الريح ، ولم تعد اية عطور و لا ثياب قادرة على إعادته إلى سيرته الاولى .....
متى عرفت أنه يتردد كثيرا على هذا الكوخ ؟؟؟
لا تدري بالضبط ...ربما كان ذلك حين عاد من السفر ووجد عداد الكيلو مترات في السيارة يشر إلى ذات بعد الكوخ مقسومة على اثنين ...وربما تلك الاوحال التي وجدتها على أحذيته عدة مرات كلما عاد .....
خطر لها أن هناك امرأة أخرى ....
بالتأكيد هو كذلك ... لان القصة دائما هكذا ....
ولكن من هي ....من هي ؟؟
🌟🌟🌟🌟🌟🌟
كان الصندوق قد انفتح ...
ودون وجل امتدت يد اندرو داخله ...
وحين خرجت كانت مليئة بقطع الشوكولاته ....!!!!!
تعالت صيحات المرح الضاحك ...وحتى هيلين لم تستطع منع الابتسامه التي ارتسمت على ركن ثغرها ....
فالدعابة كانت موفقة حقا ...وتم الاعداد لها بإتقان ...
تناول كل منهم قطعة من الشوكولاتة وراح بإستمتاع يلوكها وتساءل جون بخبث :
__" شوكولاته ( سلتية) من القرن الثاني عشر ؟؟ هل انت مطمئن إلى تاريخ الصلاحية ...؟؟؟! "
__" لا تنكر أنني خدعتكم جميعا ..."
نهضت الزوجتان لتقومان بواجبهما الأنثوي من جمع الاطباق وخلافه ، أما جون فتمطى متثائبا وأعلن أن وقت النوم قد حان فقد انتصف الليل ....
تقع حجرتا النوم في الطابق العلوي من الكوخ ، وإذ تمنى كل من الزوجين ليلة طيبه للزوج الاخر ...قال اندرو وهو يعود الابتسامه بخبث :
__" حذاري من أن يحلم أحدكم بالسلت !! "
__" أنا لا اخاف الا حين اكون بكامل لياقتي ...أما وانا مرهق فمستحيل "
دخل جون وسارة حجرتهما ....... ودخل اندرو وهيلين حجرتهما ....كان هناك فراش مرتفع عن الأرض ذو أربعة أعمدة ....ومدفأة صغيرة في ركن المكان ...ومكتبة صغيرة ..ونافذة واربها اندرو قليلا حتى لا يختنقا وهما نائمان .....
و راح يشعل النار في المدفأة ، على حين جلست هيلين على حافة الفراش تستبدل ثيابها بثياب النوم ...لاهثة من البرد انسان تحت الغطاء السميك عالمة أن لحظات دامية تستمر قبل أن يدفئ الفراش ويدفئ قدماها ...أسنانها تصطك بردا ....
لكنها رغم الضوضاء الناجمة عن هذه الأسنان اللعينة كانت قادرة على سماع حركة اندرو في الحجرة وهو ينزع ثيابه .....يرتدي منامته .
ثم ينسل تحت الغطاء جوارها ....صوت المدار يوضع على المقعد جوار الفراش .....
ليلة أخرى تبدأ بالصمت وتنتهي به ...
سألته مغمضة العينين والغطاء يكتم صوتها الى حد ما :
__" اندى ؟؟؟؟"
__" هم م م م م ؟؟ "
__ " لقد كنت تتردد على هذا الكوخ كثيرا ..أليس كذلك؟
__" وماذا يدعوك للاعتقاد بهذا ؟؟"
__" الشوكولاته ...كانت بحالة جيدة ..لا يمكن أن يكون عام قد انقضى عليها هنا ..؟؟"
اهتز الغطاء بضحكته المكتومه ...وتقلب ليوليها ظهره ..
وبعد دقائق غمغم :
__" ملاحظة جيدة ...لكنني لم اضع اي شوكولاته في هذا الصندوق !! أنها المرة الأولى التي افتحه فيها ...ولم أرد أن اثير هلعكم ...!! "
🌟🌟🌟🌟🌟
سارة وجون في حجرتهما ....
يداعب جون شعيرات لحيته الشقراء ( واضح إذن أن يمتلك لحية شقراء ) ...ويتأمل وجهه في المرآة ..
في الصباح عرفت هيلين فحوى المحادثة التي دارت بين الزوجين همسا على صوت وضوء نيران المدفأة ...
قالت سارة :
__" لا ادري ...أن العلاقة بين اندرو و هيلين ليست على ما يرام ....."
__" هذا واضح ..لم يتبادلا كلمة منذ بدء الرحلة ...."
__" والسبب ..؟؟ "
__" أن اندرو انسان معقد يا سارة ...طفولته المليئة بالحرمان والمعاناة جعلت منه مخلوقا صعب المعاشرة
صحيح أنه صديقي لكنه كذلك لبضع ساعات كل يوم وانا لا أتصور أن أكون زوجته ليوم واحد ...."
هيلين تعرف هذا عن زوجها ....
بعد عام من الزواج تعرف أنه يحاول أن يكون مرعبا ، لان الرعب يهب المرء القدرة على التأثير في الاخرين ..لان الرعب هو القوة كما خيل له .....
أن اندرو لم ينضج بعد ...مازال طفلا يكشر عن أنيابه في وجوه الأطفال الأصغر منه .....
صحيح أنه كان يبدو حينما يكون مع الآخرين ...لكنه ذلك القناع الاجتماعي الذي نرتديه أكثر اليوم وننزعه حينما نعود إلى ديارنا .....
ولهذا فهمت ما يعنيه بالرعب حين تحدث عنه الليلة ولهذا حين حاول افزاعهم لم ترى أمامها سوى صبي سخيف يلوح بسحلية في وجه طفلة مذعورة ...كلما صرخت كلما ازداد تلذذا ....
ولأنه صبي سخيف لم يستطع بعد فهم الزواج ...
الشئ الذي يرغم اثنين على تقاسم سقف واحد للابد ...
يأكلان نفس الطعام ..ويشاهدان ذات البرامج ..ويحلمان ذات الاحلام .....كأكثر حسب هذا شيئا بهيجا ...
وظن أن هذا ما يرغب فيه حقيقة ، لكنه كان _ كما قلنا _ صبيا سخيفا لا يفهم منه ما يريد ...وكأن الزواج هو آخر ما يريد ....
ولكن هل حقا توجد امرأة أخرى ؟؟؟؟
من العسير أن تجيب عن هذا السؤال ...فهي قد بحثت بعين انثى خبيرة عن آثار امرأة أخرى فلم تجد ....
وهي تعرف أن اخفاء اثار كهذه شبه مستحيل ....
دائما ما يكون هناك اثر ما ...مثل رائحة عطر أو قلم لأحمر شفاه أو منديل اوعلبه سجائر ......
لكنها لم تجد شيئاً كهذا حين نهضت خلسة بعد ما نام اندرو وراحت تتفقد الحجرة بدقة ....
كان هناك كراسة على رف المكتبه ....فتحتها بحرص لترى ما بها ...فوجدته بخط زوجها ....
العنوان يقول ( الكلمات ) ........
اسم غريب !! ...هل هو ديوان شعر !!؟؟ قلبت الصفحة لترى ما بعدها فوجدت رسومات بدائية ساذجة تمثل رجالا يصرخون ، وقوارب ، ونيران ، وذئابا تعوي ...
ووجدت تحت أحد الرسوم تاريخه ( 1967/10/12)
__ الرؤية الاولى __ ..اذا هو يكذب ..بوضوح ..لقد جاء إلى هنا في شهر أكتوبر __ منذ شهرين __ ورسم هذا بالتأكيد ....ام ياتي بالكراسة معه ...
في الصفحة التالية وجدت صورة فوتوغرافية ( ابيض واسود ) لمستنقع كئيب المنظر ... بالتأكيد هو أحد المستنقعات المجاورة ...
ماذا يقول التعليق ؟ ( الظهور الخامس لإكليبوس ) ...
التاريخ هو 1967/8/6 ....
أنها تذكر هذا التاريخ الم يقل لها : أنه ذاهب إلى لندن لمقابلة بعض المقاولين ؟؟ استغرق هذا أسبوعا ..ولم يتصل بها هاتفيا ولو مرة واحدة لانه كان هاهنا منهمكا في دراسة ( إكليبوس ) هذا ....
ولكن من هو ( إكليبوس ) ؟؟؟
أن الصورة لا تظهر سوى مستنقع ....
لكنها __ اذا نظرت الصورة بعناية اكبر __ رأت في ركنها ظلا مبهما لشيئ ما ....تعرفون طبعا تلك الصور الغير واضحة بتاتا التي يظهر فيها ما يفترض أن طبق طائر أو وحش ( لوخ نس ) أو رجل الثلوج .....
كل هذا يتم على ضوء اللهيب المتراقص ....
الصفحة التالية ترى فيها صورة عصفور ميت فرد أجنحته وبدا في حال مثير للشفقة ....
في الصفحة التالية ترى عصفورا يلتقط الحب من وعاء صغير ...أنه ذات العصفور ....إذن هذه الصورة التقطت قبل موته ...
لكن العصفور الحي كان متسخا بالاوحال ....
والتعليق تحت الصورة يقول ( بعد دفنه في المستنقع بسبعة ايام ) .....!!
يكفي هذا .............
لا مزيد من هذا الرعب قبل النوم ...
أغلقت الكراسة وعادت إلى الفراش مسرعة ....لكنها حين نظرت نحو اندرو وجدت عينيه مفتوحتين ....!!
كان يرمقها في ثبات .......
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top