#منظور_الراوية :

عاشت زهرة تجربة صعبة في بداية عملها، زادت من وضعها النفسي سوءا، و جعلت للتردد سبيلا إليها في موضوع زواجها بزيد، و في الوقت ذاته كان زيد يمر بضغوطات بسبب الدراسة إضافة إلى إرهاق العمل، لم يكن للتفاهم سبيلا في علاقتهما، و بالكاد يجدان وقتا للحديث، و حين ينخفض الاهتمام، تصبح العلاقة أشبه بتحد صعب. كانت زهرة تعمل في مكان أبعد من زيد بساعات طوال، لم تكن تقابله لا صدفة و لا تخطيطا، حتى أنها كانت لتنسى ملامحه لولا أنه يبعث لها صوره من حين لآخر و هو يدرس، يدرِّس، برفقة أصدقائه أو أفراد من عائلته، كانت قد صارحته بأنها تتساءل كثيرا عن ما يفعله في الأوقات التي لا يتحدثان بها، و بالرغم من كونه يخبرها بأنه يقوم بالأنشطة ذاتها كل يوم، إلا أنها تفضل أن يحكي لها تفاصيله يوميا، فذلك يعد كنوع من الاهتمام، و الثقة  بأنه يود إخبارها عن يومه و تفاصيله.

كانت نقاشاتهما تحتد كلما فتحا موضوع الاهتمام و الأولويات، إذ أن كليهما يعبر عن حبه بطريقة مختلفة عن الآخر، حتى يعتقد الآخر بأنه لا يأبه به، و ما يزيد الطين بلة هي تراكم ضغوطات الحياة و العمل، فيعودان إلى الموضوع ذاته مرارا، حتى أن زهرة كادت في بعض المرات أن تقف في منتصف الطريق، و تختار سلامها النفسي، و تحرر عقلها من فرط التفكير بزيد و تأويل أحاديثه إلى تفسيرات سلبية تؤثر عليها، إلا أن زيد كان يفلح مرارا بجعلها تتراجع عن فكرتها و تختار متابعة حياتها معه. كان كلاهما يعرف بأنهما قد لن يجدا من يحبهما بالقدر ذاته الذي يحبان به بعضهما. لذا بدا لهما البقاء مع بعض و محاولة حل خلافاتهما للوصول للتفاهم هو أكثر قرار صائب يقومان به.

24 فبراير 2024

تقابل زيد و زهرة للمرة الأولى لتحديد موعد الخطوبة و مناقشة قرارهما بشأن المستقبل، كان ذلك في أحد المطاعم المطلة على الشاطئ، مطعم هادئ معروف بالوجبات السريعة التي يقدمها، و بالمنظر الجميل الذي يطل عليه. وصلت زهرة قبل زيد و جلست تنتظره، جعلتها الرياح القوية تندم على قرارها بالخروج في مثل ذلك الطقس، رغم أنها كانت مرتدية معطفا بنيا طويلا يمنع البرد من التسلل إليها.

و حين وصل أخيرا و اعتذر عن تأخره بسبب عدم إيجاده سيارة أجرة تقله في الوقت الذي خرج فيه من المنزل، كانت زهرة ممسكة  بلائحة الأطعمة التي يقدمها المطعم، إلا أن يدها ارتخت لتطير تلك اللائحة من يدها و تسحبها الرياح بعيدا إلى الشاطئ، أحست زهرة بإحراج شديد، و انتشرت الحمرة في وجنتيها، إلا أن تصرف زيد و كأن لا شيء قد حدث جعل منها تنسى الأمر. جلسا على تلك الطاولة لمدة لا تتجاوز الساعة، حيث تناول زيد غذاءه فيما لم تستطع زهرة تناول كعكة الشكولاطة التي طلبتها، إذ كان مذاقها أغرب مما توقعت. تحدث الإثنان عن العمل و ضغوطات الحياة، و صمتا لمدة قصيرة قبل أن يقررا المغادرة إذ لا وقت فراغ يملكانه أكثر من تلك الساعة. أثناء لقائهما ركزت زهرة على بضعة تفاصيل لعلها تلاحظ  أمورا عن شخصيته لا يمكنها ملاحظتها في رسائله، مثل  جلوسه بعدها و سحبه الكرسي من أجلها، طريقة حديثه اللبقة، و غيرها من التفاصيل الصغيرة التي تركت انطباعا إيجابيا عنه في ذاكرتها.

26 فبراير 2024

أخبر زيد شقيقته عن رغبته بالزواج من زهرة، و بأنه بات مستعدا لذلك، و بأنه كان ينتظر الوقت المناسب فحسب لإخبارها بذلك، و رغم أن زهرة سعدت بذلك إلا أن شعورا غريبا بالتوتر جعلها تشعر بكونها تتسرع في موضوع زواجها، و أن كل شيء بدأ يحدث بسرعة، و لعلها بحاجة للمزيد من الوقت لتصفية ذهنها، كانت تعرف بأن قلقها المرضي هو الذي يشتت  تفكيرها، و ينشر السلبية بداخلها، إلا أنها لم تر حلا مناسبا لما تشعر به، فاكتفت بالصمت.

29أبريل 2024

بعث زيد لزهرة مقطعا من المسلسل التركي القضاء، حيث يقول أحد الممثلين لزميلته :

" في الوقع أنا لا أعرف كيف صادفتك، أنت أجمل شيء حصل في حياتي "

كان المقطع كتعبير منه على مدى أهمية وجودها في حياته. تذكير بسيط منه حسّن مزاج زهرة طوال اليوم، و جعلها تطمئن من مكانتها في قلبه، إن للكلمة تأثير قوي على الأنثى، أقوى من  الكثير من الهدايا المادية. فالأنثى تعجز  عن الصمود في المكان الذي لا يتم تقديرها فيه، الأمر سيان بالنسبة للرجل إلا أنه لا يتأثر بقدرها من قلة المحادثات، تواصلهما مرة في اليوم يكون  كافيا له، لكن حساسية الأنثى تجعلها تشعر بقلة اهتمام إذا انشغل عنها طوال الوقت.

ماي 2024

بدأت زهرة تلاحظ سرعة تغير مزاجها، و اكتئابها  إضافة إلى قلق شديد تشعر به مرارا دون سبب معين، كانت تشعر بحزن شديد رغم أن زيد يساندها و لا يدع للهاوية مجالا لسحبها نحو بؤس الاكتئاب. الجانب الإيجابي في علاقتهما هو أنهما كانا قادرين على  إخبار بعضهما بما يشعران به من سوء و ما يواجهانه من ضغوطات، لم يكن أحد منهما يحاول إبهار الآخر بإظهار شخصية مختلفة عن شخصيته، أو التصرف على غير طبيعته.