« 05 »

[أذكر اللّه يذكُرك]
________

|

|

{ أنا أنطق ما لا تجرؤُ أنت على التفكير فيه }

- ديستويفسكي

____________

|🔛

[الخامسُ ديسمبر، شتاءُ ألفين وأربعَة.]

تلاقَت عيونهما مرة أخرى قبلَ أن يمرَّ الفتى حادُّ الطبع من أمام الصغيرة كأنه لم يسمَع لها صوتَـا.

مرَّ من أمامها مفكّرا..

إستغرقتهُ اللحظة فيُشخِّصَ هالتها الغريبة تلك أثناء توجّهه للصالة التي أشارت لها السَيدة مادلين.

لولا وتملكه من فضول لم تقتنع بجملة والدتِه.

" إنها ندبةٌ لا تمحى،و قد أخفاها. "

جملةٌ لا يتوقف عقل طفلٍ لإستيعابها عند البوح بها فحَسب.

ركَضت قصيرة الساقين لاحقةً به ، تترُك والدتها و ماريسا يهتمّان بزوجيهما الوافدين تواً..

دخَلت الصالة خلفه الأرضية الخشبية لمعَت بفَضل ليندا..
و كذا الأثاث المتناسق و الذي يبعثُ شعورا غامرا بالدفء و قد كَان هذا ما شعر به آليكساندر لحظةَ دخوله.

قد جلسَ على إحدى الأرائك المنتفخة يريحُ جسدَه ، لكن راحَته المؤقتة تلك قد إختفت عند سماعِ صوت لولا و خطواتها تقترب طارقةً على الأرضية.

- أنا.. أنـ.. -

- فلتنطقِ أو إنطلقِ. -

قاطعَ لعثمتهَا  فجفلت..
لم تكن نبرته غاضبة لكن صوته اخترقَ السمع كنصل، عميقا كجرحِ ذلك النصل إن غُرس.

ثغرها إنكَمش حين سألت

- ماذا؟ -

لم يُجبها، إكتفى بالإستلقَاء على الأريكة التي يجلسُ عليها مغلقا عيناه و خصلاته تبعثرَت على جبينه.

تنهد هادئا حثيثا ثم أدارَ جسده مستلقيا على ظهره.

فتحَ عيناه خازرًا السقف المنحوت بأجنحة صغيرة تكاد لا ترى، و فجأة أصبح وجهها الطفولي أمام مقلتيه.

أطلَّت مرحَة الوجه عليه مستندةً على جانب الأريكَة العالي.

شدق عيناه للحظة بسبب إبتسامتهَا المبالغ فيها، ثم شحذها بنظرةٍ لا يعلم معناها غيره.

-- ماذا تُريدين؟--

- هل تُحب القطط؟ -

~~~


_______________

|

|

عادَت بها الذكرى حين مرّ أمامها هكذا..

لولا إعتقدَت أنه سيفعلُ شيئا ما،
يقُول شيئا ما، فإبتسَامته تلك مريبة.

لم تُكمل مراقبتَه بل تعمّدت الإستدارة للرفاق مجددا و ذاك حين قَال إريك متنهداً.

--نعم،نعَم أعلم.. مئات الفتيات يقَعن لعيناي. --

و راحَ يضرب كفه بكف جوليان تحيةً.

مون وكزَت حبيبها الأخرق عابِسة المحيا و الآخر هرشَ أنفه متمتما.

- أنا جَائع، قد أبتلعُ بقرة. -

محَاولة لإنقَاذ نفسه من نظرات مون الحارقة و كلوثار أول من سبقَ الجميع للداخل فتبعوه.

|

|

توجّه الخمسَة لطاولة الطعام بعد أن أعلمَهم الخادم الذي إستقبل لولا سابقاً.

يبدو أنه رئيس الخدم أو ما شابه فلولا لم ترَى غيره و الحارس أمام البوابة الخارجية.

جلسَ الجميعُ ما عدا كلوثار الذي وضعَ يداه على الطاولة وإستدار للخادم نحاسيُّ الشعر.

-- أين آليكس؟ --

- لقد طلَب أن تتناولوا الغَداء دون إنتظاره ،قد لا يأتي. -

قال وإبتسامته رزينة ثم غادر بعد أن أومأ لهُ كلوثار متفهمًا.

لولا أخفضَت رأسها تفكّرُ في الاحتمالات، هل يفعَل هذا بسببها؟

شرَدت بأفكَارها حتى أنها لم تسمع ما قالَه إريك الذي يجلسُ مقابلها، هو فرقع أصابعه لتعود مما شردت به فجَفلت تحملقُ به لثوان.

- ماذا؟ ما الخطب ؟ -

- ما الخطب! ما خطبك أنتِ أين شردتِ؟ -

قال مُقهقهََا على تعابيرها و هي إبتسَمت و نفت برأسها أن كلا.

- أنا هنا. -

-جيد ، أردتُ سؤالكِ. -

استرسَل بينما يقضمِ قطعة خبز ثم مضغها، مون و جوليان إنتبهَا له قليلا و كلوثار أكمل طعامه.

- إذا...
تحدَّث. -

صاح جوليان لتنفجِر الفتاتان ضحكا كحَال أصغرِ هذا المجلس.

- على رسلكِ يا صاحبي..
يا إلهِ كأن الأمر يعنيك. -
مثّل الإمتعاض من تصرفاتِ الآخر

-- فلتختنق بمَا في فمكَ يا أحمق!--

قال جوليان زافرا ليغمزَ إريك لهُ ثم يردف

- حسنا لـُو.. نعم سأناديكِ "لـُو" وليس لكِ رأي
في هذا.
على كلٍ، كم عمركِ؟ -

قهقَة سريعة من لولا سبَبها تعابيرهُ الجادة، مون طرقت سبابتها بجبينهَا محرجَة منه و جوليان قال

- فقط قُل ما تريد الوصُول إليه دون مدٍّ و جزْر..-

- لما تستَمرُّ بحشر أنفكَ؟-
خاطبهُ مشهرا ملعقَته في وجهه

- و لما تستَمر بحشرـ... آه فقط إسألها ذلك
السُؤال و كفى.-

إربك إبتسمَ للولا التي تبدو تائهَة بينهما.

- حسنا إذا.. لولا هل أنت مرتبطة؟
تعلمين يجبُ أن أعرفَ لأتخذ إجرائاتي. -

- بئسًا بك ما هذا! أيَّة إجراءات؟ -

قالت لُولا ثم عضّت لسانها بين أسنانها عندما تداركت الحدّ الذي تخطَّته أمامهم.

هم إنفجروا ضحِكا على ملامحها و كلوثار إبتسمَ فقد بدت لطيفة بحق، حرجُها لطّخ وجهها و أذنيهَا بأحمر فاتح.

- ألفاظكِ! -

صوته جعل أصابعَها ترتجف،الكل توقّف عن الضحك و إستداروا إليه.

كان يقف عند البابِ متكئا على الحائط الجانبي.

يدَاه في جيُوب سرواله الرياضيّ رمَادهُ مريح للأعين. يبدو أنه قد غيّر ملابسه و نزل..

لم ينظُر لها حتى، رعدَ كلمته ثم توجّه ليترأس المجلسَ مقابلا لكرسي كلوثار.

حمدَت لولا اللَّه أنه يبعُدها بأربعة كراسي أخرى فضَغطُ حضوره قد يخنقها تماما كما فعلَ صوته سابقا.

- آه بحقِّك آليكس.. فقط دعهَا ،
كأنَّنا لا نفعلُ ذلك في مَا بيننا. -

آليكساندر نظر لجوليان الذي قال فاكهًا ثم إليها و تلك النظرَة قد إصطدمت بحبوب الكستناءِ الداكن خاصتها.

- أعتذُر عن ذلك.. -

قالت يجبرهَا الحياء وإريك صاح يئنُّ لموقفهَا يبتغي المُساندة، لكنّه أفسد الأمر أكثَر.

-  هيا لا تفعلِي تعجُبني الفتاة ذات اللسان البذئ...-

- إريك تناول طعامك. -

أمر آليكساندر تقريبًا، دون جلبة وبدبلوماسية و الآخر طبّق، وصار الهدوء يعم المكان.

أصوات السكَاكين و الأشواك، جوليان يُداعب يد مون كل دقيقة و هي تبتسمُ له.

إريك يُصدر ضجيجا أثناءَ أكله و لولا تحاول إخفاء ضحكَاتها بسبب الوجُوه التي يقوم بها لها.

آليكساندر إختطف نظرَة للجميع ثم حطت عيناه على كلوثار الذي يبدُو شاردا أكثر من الصباح.

- كلوثار سنتدرّب بعد الطعَام، حسنا؟-

لولا لم تفهَم هل هو يسأله أم يأمرُه فنبرته واحدة لا تتغيّر.

أما الآخر فقَد أومأ موافقا و مون هتَفت

- و أنا أيضاً ، هيا لوثا أرجُوك. -

جوليان انتَبه لأمرٍ فجأة فعبّر، أجفانه ترتفعُ مع حاجبيه.

- يه، لما تطلبينَ منه و أنا موجود؟ -

- لأنك لا تدربها على القتَال بل على التزَاوج؟
ربما لهذا السبب، ممم لا أدري إسأل نفسك؟-

إريك ردَّ ومون إصطبغت حرجًا ومعاداةً لإريك، مزيج مثالي فقبِّل جوليان خدها

- أنتَ فقط تغَار. -

- لما تتدرَّبين على القتَال؟ -

سألَت لولا ترفَعُ أحد حاجبيهَا و تلعقُ جزئا من شفتهَا الخفيضَة سريعا.

نظر الجميعُ لإريك و كلوثار فسّر

- إنه بسببِ جوليـ...-

-- لبناءِ القوة. --

قاطعَه آليكساندر بإبتسامته المُريبة تلك، يشبكُ أنامله ببعضها و يضعُ يداه أسفَل ذقنه كوعيهِ لطرف الطاولة.

أما نظرُه فقد إستقرّ عليها دون حيَاد هذه المرة يقراُ ما يجيدُ أن يقرأَ، مستمتعََا بما يفعله.

توتَّرت لولا مارغرييت فعيناه ترسلُ لها ما عناه..

هو أكَّد لها أفكارها قائلا

- لا تريد أن تكُون تلك الفتاة التي تحبسُ
نفسها عند موتِ قطة. -

لم يفهم أحدٌ قصدهُ، و لن يفعلُوا.

فما يعنيه لن يعرفَه غيرها، يخصُّها هي فحسب..

|

  منظرُ قطّها قد تجلى كصُورة ضبابيّة
أمام عيناها.

دمائُه ، دموعهَا ، عيُون آليكساندر و نفس إبتسامَته السامة تلك.

-- لولا؟ لولا...--

هي أفاقَت من شرودها على صوتِ مون لتجد أن الجميع قد أنهَى طعامه.

نظرَت للمكان الذي شغره آليكساندر آنفا لكنَّه لم يكن هناك.

إريك و جوليان كانا يتحدّثان بشيء ما بينمَا يقفَان مبتعدين عن الطاولة و كلوثار قد غادَر فعلا.

- هل أنتِ بخير؟
لقد كنتِ صامتة لفترَة. -

تنهّدت لولا وارتدت قناعًا، ثم إبتسمَت للأخرى

- إنها عادَة سيئة.
شرودي لا حلَّ له. -

ابتسَمت مون بينما تنهض لولا عن الطاولة كذلك لتسمَح للخادم أن يرفعِ الصحون رفقة خادمة أخرى.

هل يوجد خادمَة فقط بهذهِ الفيلا؟

سارَت الفتاتين خارجَ القاعة بهدوءٍ قطعته مون.

- ماريسا و العم رون في طريقِهما كما أن الشباب سيخرجُون.. هل تريدين أن تشاركيني في تحضير بعضِ الكعك؟ -

- كعك! رائع بالطبع سأفعل..
سأذهبُ لغرفتي أولاََ و أعود إليكِ حسنا؟-

-حسَنا سأكُون في المطبخ. -

|

|

قطرَات المياه إنسابَت رويدا على ملامح وجهها إلى ذقنِها تموت، سقطَت فزأَرت بضعف صوتها.

رفعَت عيناها تعاين نفسها، غسل وجهها بمياهٍ باردة لن يجمد أفكارها.

لم يصدّق أحدٌ لولا الصغيرة حين بكت.
لم يصدقوها حين إرتجفت.
حتى هي باتَت لا تصدق نفسها إذا تذكّرت.

- ما حدث ذلك اليومَ لن أنساهُ آليكساندر تاسيان..-

خاطَبت نفسها كأنها نفسُه المشوّهة، و لو كان أمامهَا ما تجرأت.

كانت لتجبُنَ تماما كما فعلت في صغَرها..

هو محق.

-- أنت ضعيفَة ، تتأثرين بأي شيءٍ و تخافين
من كل شيء..
هو محق.--
وضعَت كفَّها على المرآة و سكنت لثوانٍ.

ترتدينَ القوة كتاج ملكَة ينحني لها كل الرعايا و في داخلكِ طفلة باكية تخافُ الغرباء.


|

|

أغانِي حماسية تصدُر من المطبخ حيث تتمايَل تلك النشيطة على أنغَامها كلما سنحَت لها الفرصة..

تضعُ المكونات بقيادَة كتاب الطهو الموضوع قرب حاملة الملاعِق و تغني بصوت قوي عند صراخُ المغني ملامحُها كانت معبّرة.

لولا إندفعَت تتضاحكُ ما إن رأتها ثم صفَّقت لها بحرارة لتنتبهَ مون و تخرج من قوقعة أحاسيسها المُفرطة و التي غالبََا سببهَا تناول رقائق الشوكولَا التي ستستعملُها للكعك.

- لولا!  تعالي..
أنا حقا أحبُّ هذه الأغنية، فلنرقص قليلا. -

- ماذا؟-

صاحَت المسكينة قبل أن تجذبها طويلة الشَّعر تلك من يدها ثم ترفعُها عاليا ليشرعَا بالرقص.

لولا لا تتوقف عن الضحك محاولة تثبيت نظارتها الطبية التي إرتدَتها سابقا و مون لا تتوقف عن الغناء.

-  يا مجنونة إن سمعَ جوليان هذا
الصوتَ إما سينتحر أو سينتَحر، لا خيَار ثالث. -

- لا تقلقِي لقد سمعَه حتى أُتلفت أعصابه و أصيب بالجنون تماما مثلها. -

كان ذلك إريك الذي قفزَ من نافذة المطبخ كالراكون.

”يا إلهِ ما خطبُ هذه العائلة مع القفز؟” فكّرت لـُو و لم تكبح سؤالَ خاطرها.

- و لكن هل جميع من بالعائلة هكذا؟
لما تتقافَزون من كل مكان..-

لم تكمل جملتها حتَى ظهر جوليان كذلك، ومن أين أتى؟

طبعا وثبَ من النافذة مثل صديقه لازورديُّ الشعر و العين..

- نعم.. هذا ما كنت أتسائلُ عنه تمَاما؟-

مون و إربك ضحكَا بوتيرَة واحدة ثمّ انتشرا بالمطبخ.
جوليان استنشقَ و إحتضنَ كتف مون

- أشمُّ رائحة شهية! - قال هامسََا يفحصُ ما علَى السطح من أغراض.

إريك فتح الثلاجَة يرمق محتواهَا و أخيرا صمت لبضع ثوان.

لولا تمتمت

- إذهَبا بعِيدا يا عصافِير الحب. -

هي راحت تكمل خليطَ الكعك و مون إلتفتت تتسأل

- مالذي تقوله أنا لم أضعُ الكعك بالفُرن بعد؟!-

- كنت أعنيكِ-

هو أجاب مقربا رأسهُ من رقبتها و إريك صاح معاتبًا

- آه جدا غرفةََ أو إحترقَا في الجحيم! -

لولا أومئَت له موافقة رأيه فإقتَرب يضرب كفه بكفها و بيده الأخرى قد حَمل زجاجة خضراء اللون.

إنشغل يرتشفُ منها و يتابع لولا بينما تكمل ما تفعله..

مون أبعدت ذراعي جوليان بصُعوبة فلولا لا تنفك تخطأُ في المقادير..

-  يا فتاة يكفي!
هذه كمية هائلةٌ من السكر، كما أن آليكس لا يحبِّذ الأشياء الحلوة كثيرا..-

لولا كشّرت أنفها و تمتمت

- إذا فَلا يأكُل، أنا أحبها. -

إريك ضحكَ و عيناهُ لاقَت خاصّة جوليان عندما تحدّث

- لولا لما هذا التوتر بينكِ و بين آليكساندر؟
هل حَدث شيء؟-

- ماذا؟ مالذي تقوله متى قد يحصلُ شيء؟
و لا يُوجد شيء أنا فقط..-

أجابَت بحنق قبل أن تتوجَّه مون نحو ذلك الشقي دافعة إياه للخارج.

- أخرُج من هنا أيها الأرعن لدي عملٌ
لأقوم به و أنت تزعجُ طاقم عملي..-

رفع إريك يداه للأعلَى و كاد يسكب ما بالزجاجة

- حسنا، حسنا هدئِّي من روعك أختاه..
سأخرج بكرامتي أبعدِ يداكِ. -

جوليان ضحكَ على حال الآخر لكنه وجدَ نفسه في مثيل حالته بعد أن أخرجتهُ مون هو كذلك متذمرة، نفضت يداها و قالت جذلة

- مثالي، و قد خلى الجوُّ للفتيات..
فلنُكمل رقصَنا.-

صاحت بالأخير لترفعَ لها لولا إبهامَها.

__________

وضعَت الفتاتين قطع الكعك في الفُرن و أخيرا..

لولا زفرَت راحة الإنجاز تنزع مئزَر المطبخ عنها و تضعُه بمكانه و مون ضبَطَت عدّاد الفرن و فعلت مثلها.

توجَّهتا خارجا بعد ذلك فقد سمعَتا جرس المنزل يرن و لا بد أنها ماريسا و رون لا غير.

لكنهما خابتَا عندما فتح الخادم الباب ليظهر كلوثار..

كان يرتدي بذلة رياضيَّة سوداء اللون ذات خطوط بيضاء محددَة عند ركبتيه و مرفقيه كذلك.

جبينه مُتعرّق و يبدو عليه التعَب، هو ألقى عليهما التحية ثم إستأذَن للصعود.

- لقد حضَّرت و لولا بعض الكعك،
أعلمُ أنك تحبُ طبخي.. -

قالت له مون و زيّنت فكها بإبتسَامة مستطيلة قبل أن يمُرَّ، فلاقاها بواحدَة هادئة و قال

- شُكرا لكنني سأذهَب للنوم قليلا. -

- أجل سأتركُ حصَّتك قبل أن أعود للمنزل. -

هو أومأَ و ذهب و لولا لم تمنع تعجبها
من تغير طبَعه ذاك.

سألَت مون بينما تجلسَان في أريكة وسط رُدهة الطابق الأرضي.

- ستعُودين للمنزل؟ -

همهمت لها موافقة فأكمِلت لولا

- أين تعيشين؟-

- في ضاحية المدينة، إنها بعيدَة عن هنا صحيح؟
والدِي يثقُ بجوليان كثيرا فنحن على علاقَة منذ خمس سنوات لذا لا يمانعُ بقائي هنا..-

انتَبهت لولا أنها لم تذكُر أمها في الحَديث لكنّها ما كانت لتتجرأ و تسألهَا، لطالمَا أخافها موضوع وفاة الأحبة و جبَنت مواجهة ضحاياه.

- ما ألطف التي تعدُّ السنوات. -

قالَت لولا تتجَاهل الأمر و مون ضحكَت يشوبهَا
بعض الخَجل و كثيرُ الحياة.

- أتمنىَ لكما السعادة،
نظراته لكِ تفضحُ حبه. -

أومَئت الأخرى مبتسمة بينَما لولا أخفضت رأسها.

- بنت، لا تشرُدي مجددا عودِي إلى هنا. -

صاحَت مون و لولا ضربَت كتفها، وصوتٌ أنثوي ثالث قد بادر

- يا إلهِ! لولا دوايت لا زلتِ تفعلين
ذلك لشعركِ؟-

إستدارَت الفتاتين لصاحبة الصوتِ بالبذلة الرسمية التي زادت من هالتهَا الوقورِ بذخًا.

- خالَتي ماريسا!-

لولا هتفَت تغمُرها السعادةٌ والعاطفة وركضت للأخرى تحتضنها، ماريسا ربتت على رأسِ تلك القصيرة بالنسبة لها و راحت تقهقه.

- آه لقد كبرت حقا لولا..
لا أصدق أن تلكَ الفأرة الصغيرة قد
صارت بعمرِ الثانية والعشرين. -

- نعم و لكنني لم أتغيَّر صح؟-

قالت لولا بينما تشِير لرأسها و ماريسَا أكملت

- لا أريدكِ أن تفعلِي أبَدا، أنتِ مثالية تماما هكَذا. -

نظرتها بدَت غريبة ، إبتسامةٌ طفيفة على شفاهها الكرزيّة لكن مون شغَلت لولا عن سبرِ غور المعنَى والكلام حين قالت

- ماريسا أين العمُّ رون؟-

- آهٍ، إنه في الخارجِ مع الشباب..
تعلمين عليهِ أن يتناقَش مع إريك وآليكساندر قليلا عن ما حَدث. -

أجابَتها و مون استوعَبت ما يجري هناكَ خلف الأشجَار والهدوء.

- لمَا ؟ ما الذي حدَث ؟-
لولا سأَلت تأخذُ أناملهَا لفمها.

- لا عليكِ لولا تعالي لنجلسَ و لتحكي لي كل شيءٍ عن مادلين و تشارلز فقد إشتقتُ لهما. -

همهَمت الفتاة فحسب و استَنتجت أنّه شأنٌ عائلي من نوع خاص، غالبََا هي محقة.

لأنّه في الخارج هنَاك بمسافَة معتبرة وسَط الغاب، ارتفَع صوتُ الغضب و اصطدام العضَل و اللحم.

- هل هذا كلُّ ما لديك؟ -

آليكساندر بزقَ يستفز ويستنزفُ إريك الذي تثاقلت وتيرة أنفاسه.

إن جوليان لا يستطِيع التدخُّل و كلوثار ليس هنا كذلك.

- آه قلتٰ لك أن لا تصيبَ وجهي،
فلدي حصَّة غدا. -

امتَعض إريك ثم وثبَ راكلا الآخر سريعًا لكنَّه تفاداهَا و سدد له ضربَة أخرى.

إريك تفطن لحركتِه المراوغَة تلك فأمسكَ قبضة آليكسَاندر بيده لكنّها كانت أقسَى من سابقِ نزالاتهم.

- لما أنتَ غاضب هكذا أخِي؟-

سأل إريك الذي يلتقطُ ما أمكنه من أنفَاسه ، حلقُه كان يحترقُ لما بذله من جهدٍ لوقت طويل.

- بسببِ ما فعلتَه و ما فعله ربما..
لا ألومه فأنا كذلك أشعرُ بالغضبِ
أيها العاق. -

كان ذلكَ رون الذي قاطعَ جولة تدريبهُما في مكان بعيد من الحديقَة ،أو الغابة الواسعة خلفَ منزلهم و التي لا يعلمُ الكثيرون أنها أرضَهم كذلك.

- عمّ رون، مرحبا بقدُومك..
لقد إشتَقت إليك كثيرا. -

جوليان تنهّد على حال صديقه إريك المكشُوف و الذي يتبع دوما سيَاسة
” أعطي جلادَك قُبلة”

آليكساندر توجَّه صوب حقيبته.

كانت الأشجَار تظلّل المكان محاصرة إياهُ من كل جهة، الأرضُ رطبة بعض الشيء والهواءُ ثقيلٌ و بارد لكن يبدو أنَّهم لا يشعرون بذلكَ بسبب التدريب.

تنهد رون مبسمه عريض واثقٌ ثم قال

- سأتعاملُ معك لاحقا يا ذا اللسَان المعسول..
أما ما يهمُّني الآن فهو ما قمتَ به لحلّ المشكلة يا آليكساندر. -

خاطبَ آليكسَاندر مستفسرًا، عيناه جلفة كخاصة إبنه لكنّ ملامحهُ أكثر بشاشَة.

لا بدّ أنه كانَ مشهور الثانويّة في شبابه بتلكَ الملامحِ و الثقة التي تتسرّب منه للهواء.

إنشغل آليكساندر بإرتشاف ما بقارورته، أصدَر صوت تلذُّذ عندما إرتوى ثم قال

- لا تقلقنَّ قترَة أبي.. كل شيء سيكُون كما كان. -

تمتمَ رون-حسنا- قصيرَة بعد استيعَاب المقصد قبل أن ينزعَ سترته فتظهر الأوشَام التي على رقبته و المنبثقَة بغزارة من صدره المفتُول.

رمَى تلك السترة مبتسما ثم توجَّه حيث يقف إريك و الأخير قال

- تبدُو وسِيما عم روني. -

- آه فقط أصمُت يا إريك تبدو رخيصََا. -

جوليان صاحَ فيه ليضحكَ رون عليه ثم يخاطب إبنه.

- إذا بني..
هل لا بأسَ بجولةََ أخرى من التدريب؟-

- سيسرُّني ذلك. -

أجابَ آليكسَاندر و تبهنَس صوبهُ هادئَ المسير..

___________

|

••الساعة تشير للرابعة بعد الظهيرة••

قيل أنَّ النساء لا يصمُتن، إلا أنه لا يجبُ عليهن
ذ

لك..

ضحكاتهنَّ تتعالىَ كل فينة و أخرى وأحاديثهنّ لم تنتهِي حتى ينهيها أحدهم.

و قد كان ذلك رون الذي توجَّه إليهم بعد أن أشَار له الخادم بمكانهُن..

لولا سارعَت بتحيَّته و هو بادلها بحفاوَة تليق والمعروف في شخصيته و آدابه.

جوليان دلَف بعده متتبعا رائحَة الكعك الذي جهزته الفتاتين، موضُوعا على الطاولة في صحنٍ برونزي مزخرف.

- أنظُر يا عم رون لقد تمّت خيانتنا. -

قال جوليان ليضحَك الآخر و يتّخذ مجلسه قرب ماريسا بينما جوليان لم ينتظِر إذن أحد بل باشر الأكل، هو يمكنُه الحصول على كل الكعك الذي يريدُه كذلك الجميع لكنّهم يفضلون فعلَ كل شيء يحبون والتلذذ بالحيَاة فيصنعُون الذكرى بأبسط المواد الخام.

- خائنة. -

قال بعد أوّل قضمة مخاطبا مون يشفُنها مجيدا تقمّص دوره فدفعَها للقهقَهة على نبرته.

- إريك تعال و تناوَل البعض. -

نادَى جوليان إريك قبلَ مرُوره من المدخل الذي يُظهر جزئا من الرواق.

و من هنَاك لمحَت لولا آليكساندر الذي صَعد الدرجات مهرولاً.

”هل تلك دماء على شفتيه؟” لولا تساءَلت عن السائل الأحمَر المتخثر على جانب ثغره و الذي يُماثل لونَ شعره المبتل.

إريك كذلك كان لديه تورّم أسفلُ عينه السوداء و شفته منتفخَة.

- ماذا حدثَ لك إريك؟-

سألته لولا  التي لا تخفي فضولهَا في أي موقف كان، إقتربَ مختلف العينان من الطاولة فإبتسمَ و أخذ إحدى قطع الكعك قُربهم.


- أصِبت خلالَ التدريب. -

- عليكَ أن تكون أكثر حذَرا.. -

ردَّت ماريسا ليومأ لها و يبتلعَ القطعة كاملة.


|

|

قد حلّ المساءُ بالفعل و متى ما حلَّ فإن نور الشمس يرتحل..

النجُوم زينت سماءه و القمر توسّطها مغرقا الأجواء في هوَى سحره الغامض و الأزلي..

الهُدوء.

الذكريَات.

و ما يجُود به الخيَال.

إتخذَت لولا من الطَاولة قرب الباب الخارجي مجلسا..

تلك حيثُ وجَدت آليكساندر يتدرّبُ كوحشٍ هائج صباحا.

تُرى ما كان سبب غَضبه و صرخاتِه؟

هي ظلّت تتسآل حتى عن ما حَدث بينه و بين إريك و طبعََا لم تخفى عنهَا الخُدوش على يد رون عندما قامت بتحيته، تقتَنص دوما تلك التفاصيل.

إرتشفَت من كوبِ الشاي لتنعَم ببعض الدفءِ، يديها الباردتين تتمسكَان بزجاجه، قد إزرَّقت بسببِ هذه الليلة و هوائها.

حين تناوَلت العشاء مع العائِلة، رأت الجميعَ ما عدا آليكساندر الذي لم تلمَح ظله منذُ أن لمحَت نزيف فمه.

جوليان قد أعادَ مون لبيتهَا منذ ساعات..

صخبُ إريك و جوليان لم يهدَأ و لا تزال تسمعُ شجارهما كل فينَة حتى من موقعها.

زفرَت ثم إستقامَت للعودة إلَى غرفتها، أرادت بعض الخَلوة تحت ضوءِ النجوم لكن يبدو أن القريبَيْن لهما رأيٌ آخر.

أعادَت أحد خُصلاتها خلف أذنها ثم رفعَت رأسها عن العشب الخفيف أسفَل قدميها ليقع نظرها عليه.

زمَّت شفتيهَا دون وعي منها عند رؤية الجرحِ الصغير بجانب شفتهِ ثم نظرت إلى ملامحِه الساكنة.

يبدُو هادئا للغاية..

لا يبتسمُ تلك الإبتسامة الضَّارة..

و لا يصوِّب أفكاره المظلمَة في فراغ عيناه.

شعرهُ الشادنجيُّ لاعبتهُ نسَيمات متمردة على سلطته و إنبساطِ حضوره في المكان بجسَده الساكن.

لكن محيطَه و كيَانه..

داكن.


_________________________________

_____________________

__________

مسائكم  💜

توقعاتكم؟

إريك و جوليان؟

آليكساندر؟

|

ماني لاقية وش أقول لهيك أودعكم لأجيب العيد

Take care ✨

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top