Part One : Seoul || سيؤول

- نــيــة مـــتـــشـــرد الـــهـــوى غـــفــى فـــي غــــار الأفـــــعـــى.

| وجهة نظر سويونغ |

ليست بداية مشجعة أبدًا..أن أغوص بهذا الشجن مجددًا بينما قد أردمت ترابه منذ سنوات ببرود اِعتقدت أنه صبرٌ.

لم أخطط لأتجرع كل ذلك، أسأعود إلى تلك السعادة؟ عندما كنت أرقص وأختي إيون، في حفلة التخرج من الثانوية بمنزلنا السويسري الدافئ، بين تلك الجبال، أو حينما اِستندت بالأريكة لأغرس ساقاي بمياه المسبح كي أعد نجوم السماء.

جاءت جيون إليّ حينئذ مصطحبة كوبين من الشوكولاته الساخنة، ناولتني أحدهما ثم اِتخذت مجلسا بقربي لتطالع روايتها المفضلة -الكونت مونت كريستو-

كان بيننا والحزن خيط رفيع بتر فجأة! واِندثر بعد ذلك ما كنت أعيش لأجله!

من السخرية أن أتصفح جراحي باِبتسامة، وأشاهد سذاجتي! كم كنت ألعب دور الشقيقة الكبرى بمهارة! تلك الحكيمة التي يلجؤون إليها ليأخذوا النصح.

أعترف أنني جاهلة بتقديم النصيحة لنفسي!

إيون كانت الأشد بيننا تهورًا، عشقت الحفلات والصخب بلوثة، وقد كانت اِجتماعية في حين توأمها جيون اِحتفظت بعالمها الخاص، لا تخرج ما بجوارحها ولا ننتظر أن تبدي بردة فعل، إنها تتجاهل ما يتجاوز حدودها الحمراء وتنغمس في صمتها تماما..

بالتحديد، كانت كذلك!

لن أنكر أن إيون أفرطت في رعونتها، رغم أنّ أسبابها كانت منطقية. كان من المحذور أن نحفر بحثا عن أجوبة لأسئلة محرمة، عن والدها أو حتى عن والدايّ. عمتي جعلت من وجوب البقاء تحت جناحها أن نتغاضى عن كل مشاعرنا في معرفة الماضي.

ذاتًا لم تكن تمنحنا آمالًا، ولم نمتلك سبيلا سواها، بالأحرى هذا ما كنا نعتقده!

بتلك الليلة المشؤومة! أحدهم قام بمراسلة إيون عبر الإيميل، ربما لأنها كانت الأكثر بيننا قابلية لإبتلاع الطعم! فقد نجحت خطته في إستدراجها إلى الجحيم.

لم يكن برسالته الكثير، جملة -إنه قبر والدكِ- وعنوانان أحدهما يخص إحدى المقابر والآخر لشقة بضواحي سيؤول. ذلك قد أجج بفؤادها القهر حتما؛ فلم يكن بين يديها ملاذ للتيقن، ووالدتها لن تعطي ردودًا نافعة.

فتشت بجناحها عن أي دليل قد يؤكد تلك الرسالة دون أن تخبرني عنها، لم يكن الهدوء أحد عاداتها ولقد كنت بئر أسرارها! لكنّ هذا السر قد خاطت سجنه أسفل لسانها ولم تلمح لوجوده.. إلى أن اِرتكبت حماقتها.

كان لعمتي شقة فخمة قرب بناية شركتها، تستغلها أحيانا للمبيت عوضًا عن القدوم إلى منزلنا. كان من الغرابة أن تقترح إيون مفاجأتها بزيارتنا، لكنني تغاضيت عن ذلك؛ فقد اِعتقدت أنها تفتقد وجودها بيننا.

شمل الاتفاق عدم جلب تايهيونغ وهايرين كي لا نثقل كاهلنا بمسؤوليتهما. بعد نومهما واِنتشار الخدم داخل غرفهم، تجهزت وإيون للمغادرة بحذر، كنا نضع جيون ضمن المغامرة لكنها تراجعت عن مرافقتنا باللحظة الأخيرة وفضلت إكمال الفلم الذي قد أنهت نصفه.

تسللنا من المدخل الخلفي خلسة بعدما وجهت أمامي ما قد أيقظ الصدمة بي! لم أتوقع أنها قد تتجرأ على سرقة رزمة مفاتيح الخالة مارتا وبطاقة الدخول إلى المبنى!

كانت خالتي تزور الشقة لتنظيفها كل نهاية الأسبوع! وبمفردها.

لم أستطع أخذ إحدى سياراتنا كي لا نقود الأنظار إلينا، وقضينا تلك الطريق بسيارة أجرة التي أوصلتنا إلى حيث قد أشعل أول عود ثقاب من محرقة حياتنا.

«إيونَا

همست بإسمها حينما تصلبت إزاء مدخل البناية؛ فتبسمت لي بخفة وعانقت ذراعي. رغم أنني اِستشعرت توترها، لكنني لم أحاول إرغامها على البوح، اِنتظرت أن تفرغ حزنها لقلبي عندما تقرر ذلك.

أشهرتْ البطاقة إزاء الحارس فأذن لنا بالدخول، أدبرنا بعد ذلك إلى الطابق الخامس كما هو مطبوع بها. لم أضع حسبانا لأن نحتاج لكلمة السر كي نفتح بوابة الشقة، لكنّ إيون تمكنت من الحصول عليها بتلك الثانية التي كنا نقف بها هناك.

المجهول قد بعثه بأحد إيميلاته المريبة!

لم أكن أعلم بأمره حينها! ظننت أنها وجدت سبيلا لأخذه من خالتي مارتا.

دخلت قبلي كي تبحث عن شيء ما، تناست أنني برفقتها وأغلقتُ الباب كي أتقصى أعماق الشقة أيضا.

هادئة وباردة كصاحبتها..

حينما اِقتحمت إيون غرفة نومها مسحت أطراف أرجائها وكأن لها هدفًا تبتغي الحصول عليه، نقبت عن خزنة من الفولاذ بخزانة ثيابها الكلاسيكية، كان بها يقين أنها هناك؛ فلقد وجهها ذلك المجهول إلى ما تريده..

إيجاد الإجابة!

أرسل كلمة السر لتستخرج من جوفها وثائق إدارية لأملاكها وجوازات السفر التي تخصنا، كانت بينهنّ شهادة ملكية لمنزل بسيؤول مدرجة تحت إسم بارك رين.

«عمّ تبحثين؟»

سمعت زفرتها المثقلة ثم ردت بنبرة متعبة:

«إنها..، لوالدي.»

صدى خطوات كعب عمتي قد مزق أحبال أعناقنا، لم تكن بمفردها! تجمدت بموطن قدماي بينما هتفت عمتي بنبرة صوتها الحانقة بعد سخريته.

«ليست بتدخلات واهية عزيزتي.»

«لست عزيزتك

توجهت لألتقط نظرة على مسرحيتهما في حين دست إيون جواز سفرها وتلك الورقة بحقيبتها الرياضية السوداء.

كان أوسم رجل قد أبصرته بحياتي! بشرته بضة كالقمر، علوه شامخ وجسده الشديد متناسق داخل قميص أبيض تزينّ بطقم أفحم. خصلاته السوداء كانت متبثة إلى الخلف تاركًا بعضًا من غرته على جبهته.

كنت مفتونة به وقد أشعل فتيل ذهولي بتقربه من عمتي لكنها تراجعت وأشارت إلى الباب بكفها قائلة بإزدراء.

«اِختفي

جعد ثغره بينما رمقها بنظرات ماكرة.

«مادمتِ ترتكبين خطايا لا تغتفر..، سأكون هنا لترويضكِ

«من أنت؟»

لم تتردد إيون في الظهور أمامهما، لكنني اِلتصقت بالحائط حينما أبصرت الفزع الذي خسف بملامح عمتي جي وون.

«كيف دخلتِ؟»

تأتأت لكنّ إيون داهمت ذلك الرجل بشحناء.

«من أنتَ واللعنة

اٍضطررت للبروز أيضا واِحتضنتها من الخلف كي تهدئ، لم تتمكن عمتي من إخفاء ربما صدمتها..لا أدري!

لكنّ ذلك الرجل تعامى عن وجودنا وكأنه لم يبصرنا! اِنسحب؛ فدحرت إيون حضني لتلحق به لكنّ والدتها صرّت بين أسنانها بحدة.

«إياكِ

عادت إيون إلينا وأحدثت حلبة إنفاعلية كنت الخرساء بها.

«لم تكن الشركة ما تشغل رقعة حياتك الكبيرة!..، السيدة تشوي تمتلك عشيقًا حقا!»

«سحقًا

تهكمت عمتي ثم قلصت المسافة بينهما وقلبت ساقايّ الطاولة:

«كيف دخلتما إلى هنا؟»

«أهذا ما يهمك؟ أننا هنا؟..، ألن تسألي عن غايتنا من القدوم؟»

جذبت عمتي ذراع إبنتها وأدخلتها الغرفة بخشونة. إيوني لم تقاوم بطشها وإنني لم أتمكن من التدخل أيضا.

اِستغربت اِستسلامها..لكن الأمر توضح حينئذ، لم تنتفع عمتي من اِستنطاقها لي.

«أردنا مفاجأتك..»

أجبتها بصدق؛ فقاطعت حديثي بحزم:

«كيف علمتم كلمة السر؟»

غمغمت بتردد:

«ربما..، من خالتي مارتا.»

لم تردف عمتي تعليقا، توجهت إلى حيث قد أقفلت على اِبنتها. كانت إيون مرتمية فوق السرير، لوحت بكفها وبثغرها اِبتسامة متلاعبة!

«كيف حالك سيدة تشوي.»

«أعتقد أنكِ قد تجاوزتِ فترة مراهقتك

اِستنكرت عمتي ذلك ببرود؛ فاِنتفضت إيوني وقفزت أمامها قائلة:

«ماذا عنكِ؟..، تتصرفين كالمراهقات دون أن تضعي حسابا لعمركِ..، وأنّ لكِ أولادًا

أخرجت عمتي ضحكة ثم نبست:

«وبناء على فارق السن..، هناك بند الاِحترام وقد اِخترقته..، فلا تجعليني أحدد عقابّا مجحفا في حقكِ

بسطت كفي على كتفها وتضرعت لعفوها عسى أن تنهي الخلاف الذي بدأ يتفاقم.

«رؤيتكما هكذا تؤلمني.»

حلّ بيننا صمت قاتل أفسده رنين هاتف إيونَا وقد كان من المنزل، أجابت معتقدة أنها جيون لكن صوت المتصل كان لرجل!

«هل ماما بجواركِ يا حلوتي؟»

بحته السامة أصابتها بالذعر فهوى جهازها أرضا! اشتغلت خاصية رفع الصوت واِنتشر بعد ذلك رده الماكر.

«وونـي..، وونـي

اِرتدت عمتي إلى الخلف وقد أبصرت الخوف بعينيها!

«دا..، جيرو.»

تعتعت من بين أنفاسها؛ فأصدر تأوهً.

«يـا إلـهـي، كـم أعشـقكِ

«إنـه..، بالمـنزل

فاهت إيون بتقطع، ذلك شلّ صمود عمتي واِنحدرت بركبتيها بينما أكد قولها ببشاشة.

«أجل..، إنني بضيافتكم الآن..، طفلتك الفاتنة قبالتي..، جيون..، أليس كذلك؟»

«سأنحرك إن لمست شعرة منها!»

صاحت عمتي بهيجان أرغمني على النحيب بفك مقفل، لم أستطع كبح دموعي.

«لقد جهزت الأفضل من بين كل ألعابي النارية لهذا اليوم المميز..، ستعجبكِ

زحفت عمتي لتلتقط الهاتف ولأول مرة بحياتي أراها تتوسل لأحدهم!

«مشكلتك معي..، دع أطفالي وشأنهم..، حبًا بالخالق.»

همهم وقد كان بنيته قول شيء ما لكن صوت رجل آخر اِنضم إليه قد أخرسه.

«رحب بالموت أيها الوغد.»

أردف تاوهً ثم تهكم:

«أين ذلك الجرو الذي يركض خلفها دائما؟»

فصل الخط واِستقامت عمتي مترنحة.

«لنذهب.»

نبست وما كان بوسعنا إلا تتبعها، بعدما اِمتطينا سيارتها الرياضية الزرقاء اِنطلقت بسرعة جنونية. حينئذ وجدت إيون سبيلا لتدشن النقاش مجددًا لكنها بدأت تبكي أيضا من الجزع!

«ماذا يحدث بحق السماء!»

عمتي لم تلتزم الصمت كعادتها، قدمت تبريرًا تمنيت لو أنها اِمتنعت عن بوحه.

«ذلك المريض الفاسق يلاحقني منذ سنوات..، لكن..، لا تقلقا..، فلن يصيبهم أي مكروه.»

أخبرتني جيون أنّ ذلك الملثم في السواد كان يحتجزها رهينة، وفارس الجحيم ذاك قام ورفاقه بإخلاء القصر من الجميع قبل أن يقرر توجيه سلاحه صوبهما.

ذلك كان لقاءها الأول بكيم جونـغ إن؛ فارس الجحيم.

لم نكن نعلم حجم الكارثة وأن الألعاب النارية التي جلبها لم تكن سوى قنابل موقوتة!

اِستغل وجود جيون واِحتمى بجسدها في حين كان حول خصره حزام متفجر. لم يستطع جونغ إن المخاطرة بسلامتها؛ فلحق بهما بينما قد سلك ذلك السافل طريق الخروج حيث كانت سيارة رباعية الدفع سوداء باِنتظاره.

أخبرها أن تحذرهم من اللحاق به وإلا سينفي الحي كاملًا!

دفع جسدها ليسقطها على الأرضية الإسمنتية قائلا بجفاء.

«إن تحركتِ من مكانكِ..، سأتأكد من تسليم جثث إخوتك أشلاء

اِنكمشت جيون بجوف بقعتها مطيعة؛ فصعد إلى ملجأ هروبه واِندفعت بعد ذلك سيارات من نوع جيب دهماء جاءت من العدم بينما قد صنع من جسدها حاجزًا لتعترض طريقهم.

حينما تمكنوا من تخطيها تحررت إحدى تلك القنابل بالمنزل الثالث على يسارهم. كان مملوكًا لأحد المهاجرين وبداخله فقط حارس الآمن الذي تجرع جراحّا طفيفة بسبب شدة الانفجار.

بصدق! لم نبتلع تلك الليلة إلى الآن.

عمتي تلقت اِتصالًا بأنّ ذلك المجنون قد فرّ وأنّ الحيّ قد تمّ تطويقه قصد إخلاءه؛ فأدارت العجلة إلى الشارع الآخر.

«سيأتون بهم إلينا.»

«من؟»

تساءلت بقلق فسخرت إيون قائلة:

«تسألين الشخص الخاطئ.»

«كيف تمكنتما من الدخول؟»

دحرجت عمتي الحديث إلى ما كنا به؛ فتلون وجه إيون بالإزدراء.

«حان دوري لأصنع لنفسي أسرارًا مثلكِ..، سيدة تشوي.»

غضت الطرف عن وقاحتها وتلفظت:

«من المحال أن تسرب مارتا ما لا تعلمه..، إنني من أفتح لها الباب كلما تأتي للتنظيف.»

اِهتزّ هاتف إيون بذلك التوقيت المناسب، وقد أقسم أنه كان يتنصت على صراعنا العائلي!

دست عمتي كفها إلى جيب سترتها واِستخرجته، لم يعد بعد ذلك لإبنتها سبيل للتفكير في عذر آخر. ذلك المجهول بعث برسالة أخرى، هذه المرة كانت موجهة لوالدتها.

-اِختارِي..، اِسمًا من لائحتكِ جي وونَـاه..، لأفتتح به ليلة الإعدام.-

«اللعنة.»

تسربت من فم عمتي ولم يبدو عليها الغضب، بل إنها توهجت اِرتياعًا.

«حتما تعلمين هويته.»

وجهت عمتي مقلتيها نحو اِبنتها ولم تقدم ردًا؛ بل زادت من سرعتها؛ فقررت التحدث لأخرج ما في قلبي!

«نحن لم نعد صغارًا..، نحتاج أجوبة..»

بُترت كلماتي بسيارة اِخترقت حاجز الشارع واِنعطفت لتصطدم بنا! اِنتفضت بفزع وكأن الأمر حدث قبل لحظات!

لملمت أنفاسي في حين قد دلفت تزويو إلى الحمام وأخذت فرشاة أسنانها ثم وقفت قربي أمام المرآة.

«تمّ رصد جريمة أخرى بالمصنع القديم.»

نَبَسَتْ بنغمة تعبق بالتعب؛ فصنعت تنهيدة ثم أومأت.

هذه القضية كلما نغوص بها تزداد تعقيدًا، الدلائل التي بحوزتهم تقود إلى لا شيء. ليس هناك بصمات أو حتى رابط بين الضحايا؛ فقط يمكن ترجيح أننا أمام قاتل متسلسل يختار فريسته بطريقة عشوائية مما سيصعب عليهم توقع الضحية الموالية.

حينما لم أجد خيالًا لجيون بالمنزل، قصدت خزانتي لأستتر بزيّ العمل. يبدو أنها قد فضلت البقاء لتكمل كتابة التقرير. تجاهلت صياح معدتي؛ فلم يكن بمقدرتي اِبتلاع أي شيء ثم قدت ساقاي إلى بوابة شقة لوهان المجاورة لمسكننا.

ضغطت زرها مرة واحدة وإذَا به فتح لي بينما كان يتحدث إلى أحدهم عبر هاتفه.

اِنتظرته حتى جاء ثم قال بخفة:

«كيف كانت ليلتكِ؟»

حركت حاجباي بملل وأجبته.

«جيدة.»

لقد كذبت؛ فلم يكن بجوفي مقدرة حتى أنشر تصريحًا، إنني لم أستطع النوم بسبب حياتي الماضية وأن قلبي مازال يتلوى آلمًا. تركته يتحدث عن تفاصيل تلك الجثة حسب ما قد تم تبليغه؛ فتكهنت أننا سنذهب إلى مسرح الجريمة، لكنه شق مسار سيارته صوب المركز.

ما إن بلغنا أسوار المرآب، ترجلت قبله ثم عدلت قبعتي. آتى مسرعًا خلفي ثم سحب ذراعي ليعيق مسيري وكأننا بسباق؛ فقد مضى بخطوات مبعثرة فقط لكي يفوز عليّ في مباراته الوهمية ضدي. تأففت بتبرم ثم أكملت طريقي؛ فإنني أدرك وجهته. كان كالنحلة حول جيون في حين قد رمقته بنظرتها الحادة تلك..

سحقًا! لم تمكن من لجم ثغري عن التبسم!

فور ما قد لمحت وجودي اِرتفعت من مقعدها وداهمتني بما اِكتشفته بعد دراستها لملفات القضية الجديدة. أعي أنها تتحدث عنها، لكنني لم أكن أستوعب أي جملة تلفظت بها.

رجت كتفاي فتلقفت أنفاسًا قد نسيتها.

«ماذا هناك؟»

لم أشاء أن أسبب لها قلقًا؛ فأرغمتُني على تزييف سكينتي.

«كنت أحلل تفاصيل الجريمة.»

شقت فكها بجانبية ثم همست بأذني برنة متهكمة:

«هل أبدو بهذا الغباء؟»

أخرجت قهقهة ساخرة وقلت:

«تشبهين والدتكِ

أدارت بؤبؤيها ثم تشدقت:

«أخبريني..، ماذا يزعجكِ..»

لم تتمم قولها حتى تسرب المعنى إلى جوفها، اِصفرار بشرتها واِشتداد قبضتيها حول ذراعاي جعلني أتيقن أنها كانت تتجاهل ذلك الشعور أيضًا.

«إنها صدفة فحسب.»

التعليق الذي قدمته لم يكن كافيا؛ فإنها قد صنعت تنهيدة منكسرة وتدفقنا داخل علبة الصمت حينما حشر لوهان أنفه.

«نحن بورطة أخرى..، هناك جثة بضفة نهر هان.»

وجه حديثه إليها قائلًا:

«بدون قلب.»

لقد بدلت مشقة الأنفس حتى يصدق أنها واقعة في غرام جونغ إن، إلا أنه لم يشهر رايته البيضاء وما فتئ عند بوابة حلم مواعدتها. كم تمتهن براعة اِستفزازه، لقد تجاهلت سخريته ومنحتني قبلة على وجنتي!

«لن أتأخر..، سأستحم بسرعة

هَتَفَتْ وقد اِكتسحني ذلك الخوف مجددّا، مغادرتها بمفردها بينما إن صدقت تكهناتي بأن ذلك السفاح ما هو إلا داجيرو، سأفضل الموت قبل أن تتأذى.

لن أكرر خطيئتي، حظيت بكفايتي بعد خسارتنا لإيون!

كنت أخطط لحثها على البقاء معي لكنّ مينسوك قد اِقترح توصيلها.

تصلبت أوصالي ولم أسترجع واقعي حتى نزع ذلك اللعوب قبعتي وقذف بها إلى المثبت، اِلتصقت به متأرجحة على الجدار وكأنها جرس ساعة جدارية.

«أيهما تفضلين؟»

فحّ بتلاعب فسددت حدقتيّ نحوه، رفع من علو غطرفة جرأته وأخذت أصابعه طريقها إلى خصلاتي. قام بترتيب غرتي في حين قد مرر مقلتيه بكل ركن من وجهي.

«ستذهبين بمفردكِ..، أم لنعمل كفريق ممتاز كما..، كـنا؟»

الوغد يريد التسلل للهو في ملعب آخر، من المؤكد الآن أنه قد بدأ بالاِعتقاد أنني تلك العدوة السامة التي أقنعت جيون برفض تودده؛ فإن كبرياءه اِمتعض لعدم ركوعها لخداعه.

إنّ جيوني فقط تقبلت بنود قوانين ألفنا عليها؛ فالحب ما هو إلا معادلة نتائجها مجموعة فارغة؛ لذَا لن تقامر في مراهنة لن تكون بنهايتها فوق عتبة رتبة الفائز.

«ماذا عن بقاءِها..، معي؟»

كان جونغ إن مستندًا بإطار الباب؛ فصوب لوهان باِتجاهه نظرات لم يكن من السهل إيجاد معانيها، لكنّ رئيس فريقنَا فرقع بأصابعه وهدر مخاطبًا إياي بحزم.

«أنتظركِ

حينما أدبر حركت مقلتاي إلى زميلي الذي بت أتحسس من وجوده بقربي، ثم بسطت فمي باِتساع.

«أتمنى لكَ يومًا سعيدًا

جعد ثغره باِبتسامة خبيثة وإنني أرى حقا المكر بحدقتيه العسليتين. الخالق وهبه وجهً يعبق باللطف لكنّ أفعاله تحكي حقيقته الذنيئة.

كنت أنعطف برحيلي فجذب رسغي وأدارني إليه ثم أثوى جذعه ليقبل منتصف خذي. دفعت كتفه ومسحت وجهي بظهر كفي مشمئزة لكنه لم يكترث.

«نسيتِ قبلتِي

هل أعميت بصري عن وقاحته حتى صرت منبعًا للعبته؟ اِشتهيت صفعه وكظمت حنقي؛ فإننا بمكان له منزلته.

لم أفتتح الحرب التي يبتغي تدشينها، غادرت ببرود إلى مكتب القائد. كان بمقعده قبل أن أنضمّ إلى خلوته؛ فاِرتفع ليضمّ جسدي إلى صدره.

عندما لم أتشبث بعناقه تحننت يده على فروتي ثم اِنسحب بدفءه قائلًا:

«ألا تفكرين في أخذ إجازة؟»

أشار إلى الكرسي لكنني فضلت الوقوف وأجبته:

«لا تحاول إبعادي عن تلك القضية.»

تبسم وكان بصدد قول أعذاره لكنني لم آتي لسماع نصحه، إنني لن أختبئ خلف جدار ضعفي فقط لأنّ جرائم هذا السافل تطابق أسلوب داجيرو.

«حمايتكم مسؤوليتي.»

فاه بنبرة لينة وإن بظنونه قد أذعن لمحبته، إنني بالفعل أهتم لأمره..إنه أخي! حتى قبل أن يتزوج إيون، أخذ عادة الإنبعاث من الدجى لينتشلنا من اللظى.

بهاتين السنتين قد سار بمسلك مقاومته لذلك الشيطان الذي بداخله، إنّني لا أخفي سعادتي بعودة القليل من مهجته.

منذ مقتل إيونَا.. إنها ست سنوات وأستطيع عدّ أيامهنّ الموجعة! لا أحد منا قد تمكن من اِستعادة ما قد تم هدمه بأعماقنا وبيننا..كعائلة!

ذلك الوحش اِختطفها بليلة زفافها، فضل هلاك نفسه الفاسدة واِندثر من هذا العالم تاركًا قلوبنا تحترق بلوعة فقدانها. لم نعثر إلى الآن على جثتها، ولم تحصل على جنازة تليق بها. إيجادها وإنها ما تزال تنبض بات مستحيلًا، لكنني غدوت بهذا المستقبل بين الشرطة لأجد قطعًا رغبنا في إنهاءها، عسى أن ترتاح روحها، سنحقق غاية مجيئها إلى كوريا.

«جونغ إن.»

فزت باِنتباهه وقلت:

«لم أعد تلك المراهقة السويسرية..، إنني أحد ضباطكَ الآن..، سأكون بخير.»

لحمّ شفتيه ثم بسط فراشهما.

«الأمر ليس بيدي.»

قطبت ما بين حاجبايّ؛ فنغمة صوته لم تكن بصفي.

«شكوكِكِ ليست من ينبوع جاف.»

رمشت بجفناي محاولة اِستيعاب مقصده، ولم تمضي مراوغته طويلًا؛ فقد قرر تسريب ذلك!

«أعتقد أنه هو.»

جحظتا مقلتاي ثم اِستقمت وصدمتي لكنه حاول تهدئتِي، لوح بكفه كي أجلس ثم قال:

«لا يمكننا تجاهل أن ذلك الانفجار كان عنيفـا..، ربما نجا بطريقة ما..، أو أنّ وغدًا آخر يريد إحياء ذكراه

«إذن..، جيون..، سيستهدفها

هتفت بذعر؛ فقلص المسافة بيننا كي يطوق كتفاي بقبضتيه.

«سويو..، أُنظري إلي.»

أنفاسي تاهت عن معبرها، واِنتابتني نوبة هلع جعلته يتلتل جسدي.

«إنها تحت المراقبة..، تقييد حريتها لن يفيدنا..، لا أريد أن تتبع عنادها مجددًا.»

«لن أستطيع تحمل ذلك.»

أردفت بنبرة متقطعة؛ فاصطحبني إلى حضنه، كنت أبتغي الغوص هناك بعيدًا عن الألم، لكنّ ذلك المزعج لوهان بعثر اِجتماعنا! اِنزحت خطوتين في حين نطق بتهكم.

«هل أفسدت شيءً مهمًا؟»

أصدر جونغ إن تنهيدة ثم زمجر بحدة:

«متى منحتكَ الإذن؟»

هزّ كتفيه بلا مبالاة وأردف بهزؤ:

«أعتذر.»

«سأرافقك

نظرة جونغ إن جاءت كتحذير لكنني وجهت ظهري إزاءها، حتى أن لوهان قد اِستغرب قبولي عرض الإنضمام إليه. مرر عدستيه بيننا ثم إنكفأ ليدع لي المجال للمرور.

«يسعدني ذلك.»

نبس ليستفز جونغ إن لكنّ القائد لم يبدي بردة فعل، اِتخذ مجلسا فوق طاولة مكتبه ثم قال لي:

«أثق بكِ.»

اِبتسامتي أخذت طريقها وحركت رأسي بالإيجاب، أما ذلك التافه لم يبتدئ بحماقته حتى اِنفرد بي داخل حجرة مكتبينا. نقر فوق حاسوبي كي أوجه نظري إليه لكنني تغاضيت عن ذلك.

«آنسة تشوي.»

هسهس؛ فوجهت التقرير أمام وجهه.

«الضحيتين الأخيرتين..، هناك اِختلاف بطريقة تقطيع الساقين.»

سحب الملف واِنغمس بتلك الصور بينما تنهد ثم أجاب بهدوء.

«أجل..، فالأولى تبدو كأسلوب مجازر الحيوانات..، الثانية بها بعض من العنف والفوضوية

«لا أفهم ما الذي قمتم باِتبعاه حتى اِنتهيتم بأن هناك مجرم واحد.»

بلل لسانه فوق شفته السفلى ثم غمغم مشيرًا إلى جبل الملفات التي على مكتبه.

«إنه تقرير الضحية العاشرة..، من المرجح أنّ هناك من يرغب في تقليده..»

صمت للحظة ثم أضاف:

«إنها جميلة.»

اِرتفع حاجباي في حين أشار إلى صورتها.

«ذلك ليس الاختلاف الوحيد..، حسب ما اِستنتجته..، أرى أنه قد أنشأ مصعدًا لنفسه..، يتدرج..، بداية بالأبشع وسيختتم بالأجمل

الدهشة قد صبغت تعابيري لكنني طنزت:

«أهذه نواياكَ الإجرامية؟»

تأفف ثم تذمر بسبب سخريتي:

«علينا التفكير في جميع الإحتمالات

«إننا نتحدث عن متعة قاتل وليس عن أسلوبكِ في اِختيار الفتيات..، أم أنكَ هو؟»

رمقني بسخط ثم شق فكه متمتمًا:

«اِتباعًا لذلك..، ستكونين الإسم الأول على قائمتي

«هل أعتبر ذلك تهديدًا؟»

«إنني لن أستنزف وقتي الثمين في اصطيادِ البشعات.»

لففت مقبض الحديث لأعيده إلى القضية.

«ربما تكون اِمرأة..، لم يعثروا على أي حمض نووي لذكر فوق الجثة..»

«ليكن رهانّا بيننا..، أتوقع أنهن لم يؤججوا شهوته لذلك..، لذا اِكتفى بقتلهنّ فقط.»

قاطع حديثي؛ فنهضت ودحرت كتفه لأجد سبيلا للمرور إلى الملفات الأخرى. قلت بينما أتفحص تقرير القضية الأولى.

«ومهمتنا القبض عليه.»

سمعت خطواته خلفي وأدركت أنه توجه إلى آلة القهوة، حينما اِستدرت عائدة إلى مكتبي مد كوبه المفضل نحوي. كنت سأتجاوزه لكنه فصل مسيري بجسده.

«هل اِتخذت مسألة قتلي بجدية؟»

ضحك وأرقد حافة الفنجان إلى شفتيه.

«كنت لأفعل عندما قدمتِ إلى شقتي صباحًا

-
-
-

إنتهى الفصل.

كيم تاي هي بدور: تشوي جي وون.

°°°

تشوي سويونغ في الماضي (18 سنة) ✓ الحاضر (26 سنة)!

°°°°

بارك إيون..

°°°°

بارك جيون بين الماضي (18 سنة) ✓ الحاضر (26 سنة):

°°°°

كيم جونغ إن بين الماضي (25 سنة) ✓ الحاضر (33 سنة).

°°°°

هل من توقعات؟

{كان أوسم رجل قد أبصرته بحياتي!}

تشوي سويونغ - قبل 8 سنوات.

See U✒

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top