الفصل السادس عشر : أهلًا بك في الجحيم!

لا تنسوا الدعاء لإخواننا في غزة
اللهم سدد رميهم وانصرهم على أعدائهم يارب
واضحد اليهود وأرنا فيهم يوم يارب

________________________

لا أعلم كم مرّ من الوقت ولكنّي استيقظت لأجد نفسي في مكان غريب بدا كغرفةٍ مُظلمةٍ وخالية، كانت الغرفة مُعتمة سوى من ضوءٍ خفيف تسلّل من أسفل الباب. حاولتُ التحرُّك ولكنّي كنتُ مُقيّدًا بإحكامٍ بالحبال من قدماي ويداي، تأوّهتُ بألمٍ فور مداهمة ذاك الصداع العنيف لرأسي، وحينما تذكّرتُ ما حدث، عاودني الخوف والقلق على براء ثانيةً، وجلستُ أدعو الله وأرجوه أن يحفظه، لم أعلم ما هو التوقيتُ الآن.

ظللتُ أدعو الله لبراء و أستغفر الله وأذكره وقد ازداد إيماني ويقيني بديني الجديد، فلو لم يكن حقًّا، لما حُورب بتلك الطريقة!

سمعتُ وقع خُطواتٍ تقترب من الغرفة ثم فُتح الباب وولج منه القدّيس مكاريوس وبعض الرجال. تبسّم فور ما لمحني وأضاءت أضواء الغرفة بشكلٍ ساطعٍ ومؤذٍ للعين. انكمشت ملامحي وأنا أوحاول حجب الضوء العالي عن عيناي بينما تقدّم منّي أولئك الرّجال يسبقهم مكاريوس حتى وقف أمامي تمامًا ثم انحنى لمستواي وهو يقول بينما ينظر في عيناي :« أرجو أن يكون المكان قد أعجبك! عليك أن تعتاده فهو سيكون مكان إقامتك لفترةٍ طويلة! ستبقى هنا حتى تعود لعقلك ثانيةً»

أقام جذعه والتفت ينظر للرّجال الذين خلفه ثم حادثهم قائلًا :« أرجو أن تُرحّبوا به ترحيبًا يليق به! فهو ابن صديقٍ عزيزٍ عليّ! »

ثم خرج من الغرفة وأغلق الباب وتركني مع ثلاثة أشخاص ضخام البنية ذوو أجسادٍ قويّة يقتربون منّي بأوجهٍ سعيدة. اقترب أحدهم وهمس في أُذني :« مرحبًا بك في الجحيم! هنا... ستُدفن وأنت على قيد الحياة! »

« افعلوا ما شئتم! أنا لن أضلّ طريقي ثانيةً! »

« هكذا إذن؟! لنرَ كم ستصمدُ... خصوصًا... بعدما ترى جُثته! »

ابتلعتُ ريقي بصعوبة وعاد قلبي يخفق بقوّة وقد شعرتُ أنّه على شفا جرفٍ من الانهيار، سرى الخوف في أوصالي وشعرتُ بانقباضٍ مؤلمٍ في صدري. يا إلهي! هل يقصده؟ هل يقصد براء؟!

لا!

لا!

هذا مُستحيل!

لن يتمكّنوا من العثور عليه!

هم فقط يحاولون إخافتي؟!

براء!

أخي!

تشتّت عقلي حينما همس ذاك الحقير في أذني ولم أعي بنفسي إلّا وأنا أتلقى الضّربات والرّكلات واللّكمات من شتّى الأنحاء، أخذتُ أتلوّى من الألم وأنا أحاول حماية رأسي من ضرباتهم، أخذتُ أتأوّهُ ألمًا وهم يتهاوون عليّ بعصيّ غليظة، شعرتُ بالعجز والضّعف يتملّكُان منّي، وفي خضمّ معاناتي أخذتُ أفكّر في براء، وتقاطرت دموعي خوفًا من حقيقة فقدانه، خوفًا من كونه قد غادرني فعلًا. استكان جسدي ولم أعد قادرًا على الحركة بينما استمرّ الأوغاد بضربي. شعرتُ بخيوط الدمّ الدافئة وهي تسيل بهدوء على جبهتي وأحسستُ بالدوار لكأنما تميد بي الأرض. بالكاد كنتُ أفتح عيناي وشعرتُ بتوقُّفهم عن ضربي، سمعتُ قهقهاتهم وهم يبتعدون بينما صاح أحدهم :« لا تستعجل يا عزيزي! هذه البدايةُ
فقط! » ثم أُغلق باب الغُرفة ولم أسمع سوى تردّد صدى صوت إنغلاقه. لم يكن باستطاعتي تحريك جسدي، كنتُ أشعر كأنّ عظامي كلّها تكسّرت بينما لم يكن ذاك الضوء الساطع يُساعدني على الاسترخاء، لقد تعمّدوا ذلك الأذى النّفسي!

« آهٍ يا براء! آهٍ يا صديقي! » أخذتُ أتمتمُ بصوتٍ مُتهدّج صدر من قلبي الموجوع على صاحبي.

« لا... إلـٰه... إلّا الله... مُحمّدٌ... رسـولُ... اللّٰه »

غمغمتُ وأنا أحاول الصمود وقد كنتُ بين الوعي واللّاوعي، انكلّت على شفتاي بسمةٌ باهتة وأنا أستذكر ما قصّه عليّ براء عن الصحابة الذي أوذوا في سبيل الله لأنّه اعتنقوا الإسلام وآمنوا بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم -

بلال بن رباح

آل ياسر

رضي الله عنهم جميعًا، كم أوذوا ! وكم عُذّبوا ! لابدّ أنّهم تألّموا كثيرًا وعانوا، ولكنّهم صبروا حتى نصرهم الله ورضي عنهم.

انكمشت ملامحي بألمٍ وأنا أمسك برأسي التي كنت أشعر فيها بنبضات قلبي التي تدقُّ على أوتادها برعونة، وكأنّها ستنفجر في أيّ وقت.

« آه ! آه ! يا الله ! أعنّي ! »

كان صوتي بالكاد يخرج ولكنّي ظللتُ أستغفر وأدعو الله وجلُّ تفكيري كان في براء! ولم أستطع كبح دموعي عن الانهمار حُزنًا عليه! إذا فعلوا ذلك بي.. فما الذي فعلوه بك يا أخي؟!

لا أعلم متى استطعتُ إغماض أجفاني ولكنّي استيقظتُ بعد مُدّة مفزوعًا بعد أن أفرغ أحدُهم دلو ماءٍ مُثلّج عليّ فانتفضتُ بهلع وأنا أشهق بقوة وأتنفّسُ بسرعةٍ كبيرة، وجّهتُ نظري لمكاريوس ذاك ووجدتُه يحمل الدلو الفارغ وهو يُقهقه بسعادةٍ بالغة.

« لم يحن موعد النوم بعدُ يا مينا ! »

ظللتُ أحدّق به ولازالت معالمُ الصدمة على وجهي.

« أُشفق عليك يا مينا! لقد كنتُ أحبّك! فقط عُد ! عُد كما كنت ! ما الفائدة ممّا تفعله على أيّ حال؟! »

لم أُجبه وما هي إلّا ثوانٍ حتى بدأتُ أشعر بآلامي وجروحي كلّها تلتهب وتهتاج لكأنّما قد أُضرمت بها نيرانٌ تستعر فيها.

سُحقًا! لم تكن تلك مُجرّد مياهٍ عادية!

أخذتُ أتأوّهُ وأنا أنظرُ له بحقدٍ والغضب يتطاير من عينيّ وأنا أصيح به :« أيُّها الحقير! لمَ تفعل ذلك؟! ما الذي يُغيظكم في الإسلام لهذا الحدّ؟! »

اقترب منّي وألصق الصاعق في جسدي ما سبّب لي ألمًا فظيعًا وشللًا مؤقتًا عن الحركة وألفيتُه يقترب منّي وشرع يحلُّ قيدي وهو يتحدّث بصوتٍ بالكاد وصل لمسمعي حيث شعرت أنّه كان بعيدًا جدًّا.

« لقد روّضت الكثير من الكلاب الضّالة هنا قبلك، ولن تكون أصعب منهم! »

أخذتُ أرمش بهدوء عدّة مرّات وأنا أُطالعه بتيهٍ وللأسف كنتُ عاجزًا عن فعل أيّ شيء. تركني دون تقييد واستقام مبتعدًا عنّي حتى سمعتُ صوت إغلاق الباب. بعد عدّة ساعات اعتدلتُ جالسًا بصعوبة أتسنّد على الحائط وأحجب بذراعي ذاك الضوء المُتوهّج العالي الذي يُفقد الأعصاب. ناهيك عن الأرض الصّلبة التي قسمت ظهري لنصفين!

جُلت ببصري في المكان واستطعتُ رؤية مغسلة صغيرة وبجانبها مرحاض في الزاوية. غير ذلك كانت الغرفة خالية تمامًا من أيّ شيء. أوّل ما خطر ببالي هي الصّلاة، فحاولتُ النهوض على قدماي ولكنّي ما استطعتُ ذلك. استجمعتُ قواي ثانيةً واستندتُ على الحائط بكلّ ثقلي وبدأتُ أعرج نحو المغسلة وشرعت أتوضّأ بهدوء، وحينها تذكّرتُه... براء! تذكّرتُ كيف علّمني الوضوء مع الشيخ خبّاب لأوّل مرّة وتخيّلته بجانبي يقف مُبتسمًا، ولكن حينما التفتُّ لم أجد سوى الفراغ..... انهمرت دموعي خوفًا عليه وأنا أتمتم بشتّى الدعوات أن يكون بخير وفي فؤادي أملٌ ضئيلٌ قد قارب وهجهُ على الانطفاء.

أنهيتُ الوضوء وسقطتُ بعدها على الأرض غير قادرٍ على الوقوف، لم أستطع تحديد القبلة كما لم أستطع النُّهوض بتاتًا، فصلّيتُ على وضعي وأنا أتّكئُ على الجدار، فقد علمتُ من الشيخ خبّاب جواز ذلك عند عدم المقدرة. أخذت أتنفّس بصعوبة وشعرتُ أنّي سأنهار في أيّ لحظةٍ. حينما سجدتُ بكيت وبكيت لله أن يكون براء بخير وأن يُنجيني ممّا أنا فيه.

لم أستطع تحديد التوقيت مُطلقًا ولكنّي صلّيتُ ما استطعت عليه وبعدها استلقيتُ بإرهاقٍ شديد وتراخت جفوني على عيناي وسقطتُ في ذاك العالم الغريب الذي يفصلني عن كلّ ما يُحيط بي.....

يتبع.....

فصل سريع وسط الأسبوع... كيف كان؟ أعجبكم؟🍃🥀

رأيكم في الأحداث حتى الآن؟

توقعاتكم؟ ✨

آرائكم؟

وإلى أن نلتقي ثانية دمتم في أمان الله وحفظه ❄️🌨️🌌

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top