أميرتى ..

- جوزك الاولانى طلقك ليه ؟

رفعت عينها اليه بذهول من بدايه حديثه معها بقسوه هكذا و مع صمتها و الذى قدره هو مضيفا : اظن من حقي اسمع منك , رغم انه كان المفروض اعرف قبل ما اجى مش جوزك المصون اقصد طليقك هو اللي يعرفنى و لما اواجه خالى ماينكرش .

امتلئت عينها بدموعها خزيا لتهمس بأسى ساخر : شادى اللى قالك !

ليعقد حاجبيه بسخريه اكبر : هو اسمه شادي !

و مع سخريته و نظراته القاسيه تساقطت دموعها رغما عنها لا خزيا هذا المره و لكن خوفا ف رق قلبه لها آخذا نفسا عميقا مردفا بهدوء نسبى : اسمعى يا حياه , انا مايخصنيش اللي اتقال لا من سي شادي ده و لا من والدك انا عايز اسمع منك انتِ .

اغمضت عينها لحظات ثم رفعت يدها تزيل دموعها ناظره اليه بتوجس متسائله : هتصدقني و لا هتتهمني زي الكل !

اقترب بمقعده منها لينظر بعمق عينها قائلا بصدق : انا لو هتهم مكنتش سألت , خصوصا بعد ما اكتشفت ان مراتى كانت مطلقه من طليقها مش منها و لا من اهلى .

ارتجفت اصابعها لتهمس برجاء فلا طاقه لها على انهيار ها هنا او ربما ضربا مبرحا من يد اخرى : ممكن لما نوصل بيتك .

اومأ موافقا و هو يتذكر ما حدث اثناء مجيئه لهنا , عندما اوشك على الوصول للمنزل فوجئ بشخص لا يعرفه يقف امام سيارته ليضغط على المكابح بسرعه مهوله كادت تفقده السيطره و قبل ان يترجل ليرى اوقفته والدته ليتعجب منعها له و لكنه اصر و ترجل ليجد مفاجأه تنتظره و حقا كانت اخر ما يتوقع .

كلمات قصيره فى جمله واحده جعلت دماؤه تغلى " ربه الصون و العفاف اللي رايح تتجوزها مُستعمله و مش من جوزها لا دي كانت ملكيه عامه "

كان رده لكمه ليمنعه فارس من الاسترسال و عندما وصل لمنزل خاله علم ببقيه المفاجأه اولا زواجها السابق و الذى لا يعرف عنه شيئا و ثانيا مسأله الخوض فى شرفها .

ثار فارس على والديه لاخفائهم مثل هذا الامر و الذى كان سيعرفه مازن ان آجلا او عاجلا و للعجب كان مازن من هدأه و وافق على اتمام الزواج و قرر تحمل مسئوليه الامر كامله .

لا تعرف كيف مضى الوقت لتجد نفسها معه امام باب منزلهم الجديد ,

صمت شملهم طوال الطريق , ملامحه لا تمنحها اى تخمين لما سيفعله , هدوءه يخيفها و لكنها متيقنه انه لن يسمح لها بالصمت و سيجبرها حتما على الافصاح عن كل شئ فأبسط حقوقه الان هو ان يعرف ماضى تلك التى اصبحت زوجته .

دلفت و مع كل خطوه تتسائل , ما ذنبها لتعيش ما تعيشه الان ؟

ماذا فعلت لتُطعن بمثل ذاك السكين البارد الذى اودعه الجميع بجسدها كلا على حده ؟

تعرف انه سيسألها عن الحقيقه و سينتظرها كامله و هي لن تكذب , و هو لن يرحم , و ان كان لا ذنب لها فلقد صدق الجميع ما قيل فيها فمن هو ليختلف عنهم ؟

رفعت عينها تحدق بالمكان حولها , منزلها الجديد او ربما سجن جديد اخرجها من سجنها القديم بقيد الابوه لقيد الزوج و الذى ربما سيكون اشد قسوه .

اغلقت عينها تتنهد بعمق و عندما افترق جفنيها رأته امامها يطالبها بالجلوس و بمجرد ان اقترب منها خطوه تراجعت هى بعنف تصرخ : و الله معملتش حاجه , انا مليش دعوه و الله معملتش حاجه ..

لتندفع دموعها تباعا على وجهها ليتراجع هو ذهولا بانتفاضتها يتابع حالتها الهائجه و هى تبرر براءتها من امر لا يعرفه قبل ان يتمالك دهشته متمتما بمحاوله لتهدئتها : اهدى يا حياه , انا بس عاوز اسمعك .

لترتجف عينها ناظره اليه بتوجس و هى تضم يديها لصدرها : و بعدها ؟

اشاح مازن وجهه جانبا يتحكم في انفعالاته التى بعثرتها هى فا للمره الاولى يُوضع بمثل هذا الموضع ثم تحدث بهدوء يحاول جذبها لمنطقه الهدوء معه : انا وعدتك اني هسمعك و بعدين ه..

لتقاطعه صارخه و هى تتراجع عنه مجددا : هتضربنى !

اتسعت عين مازن و هم بالتحدث مدافعا عن نفسه فما الذى تهذى به هذه و عن اى ضرب تتحدث لقد جُنت و لكن همسها الخافت بحرقه بعدها اوضح : زيهم .

و تابعت التراجع عنه بتألم و كأنها تتوجع و لقد كانت بالفعل تتذكر كل ضربه تركت اثارها بجسدها من يد والدها عندما سألها بهدوء هو الاخر عما حدث لتنال ما نالته بعد الاجابه .

و لكنه ادركها ممسكا بيدها لتصاب بحاله غير طبيعيه من هيستريا محاوله التهرب مع توسلها ان يتركها مردده : بالله عليك سيبني انا مغلطتش .. هو اللي اذاني .. والله معملتش حاجه و الله .

ضرب , وجع , كدمات او صراخ !

لم تجد ...

لا يوجد سوى دفء , احتواء , همس , احتضان و نبضات قلب .

قلبه !!!

وعت اخيرا انه يضمها مقيدا حركتها بذراعيه بقوه هامسا بكلمات لتهدأتها بحنان جارف شعرت به يحتوى انتفاضتها ,

لحظات و ابعدها عنه بعدما شعر بمقاومتها تنتهى ليدفعها بهدوء يُجلسها مانحا اياها كوب ماء بارد ثم جلس امامها ينظر لوجهها المتوتر قبل ان يميل عليها ممسكا بيدها مبتسما , ناظرا لوجهها الذي يطالع الارض و مازالت دموعها تنساب ثم قال بلين يحاول جعلها تتحكم فى انفعالاتها مدركا ان الامر اكبر مما توقع : انا لو هأذيكِ مكنتش اتجوزتك ... لكن الكلام اللي قاله انا لازم افهم معناه منك ... و اقسم بالله لو ليكِ حق هجيبهولك .. و لو غلطانه فعلا ,

صمت متعمدا لترفع هي وجهها بنظره راجيه فهمس امام عينها بنبره مطمئنه و ابتسامه حنونه و شعوره بواجبه تجاهها يزداد : يبقي غلط و انتهي و هندور ازاى نصلحه سوا .

يكذب ..

هو فقط يستدرجها لتتحدث و ستفعل و لكنها متيقنه من ان حديثها سيؤذى كرامته و لن تجد ذلك الرجل الهادئ امامها الان .

اخذت نفسا عميقا و هى تسرد ما صار معها من بدايه الامر حتى نهايته .

" لما جبت مجموع في ثانوى كنت فرحانه جدا انى هدخل طب زى خالتى نهال بس بابا رفض و قالى دراسه كتير لا حاولت معاه بس كان رفض قاطع , استسلمت لرغبته و قدمت في كليه ألسن بس طلبت من بابا اني ادرس بره الصعيد و لحسن حظى وافق , مع مرور الايام حبيت الكليه و بدأت ارسم مستقبلى , ازاى انجح , ابقي مترجمه مشهوره , اسافر بلاد كتير و اعمل دراسات بره و كنت مصممه اني احقق حلمى , لحد ما صادف في سنه دخل ليا دكتور صغير في السن كنا كلنا تقريبا معجبين بيه و بنستني محاضراته "

صمتت و نظرت اليه لتري ملامحه لعلها تتوقف و لكن لم يكن هناك اي تعبير ضائق او غاضب علي وجهه فقط نظره مطمئنه و مترقبه لما بعد هذا .

" كان حصل بينى و بينه كذا موقف و بدأت احس باهتمامه و كنت مبسوطه بيه جدا , طول السنه و انا بحس ان نظراته عليا بس انا كنت بتجنبه تماما , لحد اخر يوم في السنه وقفنى واعترف ليا بحبه على قد ما كنت فرحانه علي قد ما كنت خايفه .. اقسم لى انه ناوى يتقدم و انه مش بيلعب بس عايز يعرف رأيى علشان يتقدم بقلب جامد , و انا وقتها كنت حاسه انى فرحانه و وافقت و قال انه هيجي يتقدم و انا رجعت بلدنا و استنيته . "

صمتت مجددا و عينها تلمع بالدموع و لعجبها وجدته محافظا على هدوئه لم يبد اى رد فعل او انفعال يخبرها ما الذى ينتظرها منه .

" قبل ما الاجازه تنتهي بابا جه في يوم و قالى فى عريس متقدم ليكِ , طبعا انا فرحت جدا و لانى كنت عارفه هو مين ادلعت زى البنات و قولت بلاش اسأله و اعمل ملهوفه , و قولتله لو حضرتك شايف انه كويس فانا معنديش مانع و حتي قولتله انا موافقه علي قرارك و مرضتش اقابل العريس , بابا حدد معاه ميعاد الخطوبه و يوم خطوبتى اتفاجأت ان العريس مش عادل - الدكتور - لا دا شادى , حسيت وقتها ان دمى اتجمد في عروقى , و بكل شجاعه طلبت من بابا اكلمه علي انفراد الاول , و من غبائى حكيت له كل حاجه و قولتله انه اكيد هيجى يتقدم و كان رده وقتها قلم فوقنى , قلم قالى ان محدش هيصدقك و محدش هيفهمك , و كان كذلك و اول سؤال سأله ليا اذا كنت غلطت معاه ؟؟ "

تحشرج صوتها و دموعها تتساقط بهدوء على وجنتها , هدوء يتنافى تماما مع براكين الالم داخلها , كز اسنانه بضيق محاولا تجاهل كلمتها الاخيره ليحافظ علي جموده , و يمتنع عن تخمين صدمتها بشك والدها بها و الذى لا يدرى كيف جال بخاطره حتى ,

قاطع تفكيره و تحديقه المتمعن بها صوتها الهادئ مجددا و هى تكمل ,

" طبعا بعد سؤاله ده قرر قرار مهم جدا , و هو ان اليوم ده مش هيبقي خطوبتى دا هيبقي كتب كتابي و انا طبعا مكنش ليا حق الاعتراض , و فعلا اتجوزت و سلمت للامر الواقع , اتعاملت مع شادى و حبيته , حبيته جدا و مكنتش ابدا اتخيل ان انا ممكن احب حد بالصوره دى , كان الامان اللى عمرى ما لقيته فى بابا , كان اول حد و بقى اهم حد فى حياتي , و فهمت وقتها ان تعلقي بعادل مكنش حب و فهمت معني انى احب فعلا او دا اللى انا اتوقعته , كنت سعيده جدا و كل يوم اشكر ربنا انه بابا غصبني علي الجواز منه , و بعد ما رجعت الكليه كانت اخر سنه و بستعد بقي لفرحي قابلت دكتور عادل ارتبكت شويه و حاولت اتجاهله لكن هو اصر انه يتكلم معايا , اعتذر مني و قالى ان والدته توفت و مقدرش يجى و حلف انه ناوى يتقدم ليا في الاجازه الجايه بس انا بكل ثقه و فرحه رفعت ايدي له و قولت له انى اتجوزت , سكت ثوانى و بعدين ابتسم بهدوء و قالى جمله واحده - اتمنى من ربنا يسعدك دائما - و مقابلتوش تانى و سمعت بعدها انه سافر بره , خلصت السنه و كنت بجهز اخر ترتيبات الفرح و انا اسعد بنت فى الدنيا و اتجمعت العيله و القرايب عندنا و قبل فرحى ب 3 ايام , كنت مع شادى بنجيب فستان الفرح كان بيعاملنى بأسلوب مختلف و لما سألته قالي مفيش , طلب منى اروح معاه اشوف شقتنا علشان اتأكد انها جاهزه , رفضت .. هو واقفني و معترضش و احنا مروحين ... "

صمتت بملامح منكمشه وهى تتذكر ما فعله , قاله و ما عانته بدايه من ذلك اليوم حتى هذا اليوم بل هذه الساعه و هى تقص ما حدث لزوجها الجديد ,

عقد حاجبيه يتابع ملامحها و تنفسها الغير منتظم و هى تحرك عينيها يمينا و يسارا عده مرات حتى اغلقتها لتتساقط دموعها ببطء على وجنتيها و هى تردف بحسره ,

" و احنا مروحين وقف فى شارع مقطوع و نزلنى من العربيه بعنف لاول مره اشوفه فيه , و حاول يعتدى عليا و انا بكل قوتى بحاول ابعده عنى , بس صدمنى اللى قاله اكتر من اللى بيعمله و هو بيصرخ و يضربنى " ازاى تخونينى " استغربت ليه قال كده ؟! و ليه بيعمل كده ؟! لحد ما ضربته بحجر جنبي و هربت منه , رجعت بيتنا و انا ماسكه هدومي و طبعا بلدنا كلها كانت بتتفرج عليا و لما دخلت البيت قبل ما انطق بحرف لقيت بابا نازل فيا ضرب بدون رحمه .. ماما حاولت تمنعه لكن مقدرتش وهو كان بيقول كمان جمله واحده - جبتيلي العار - انتهي بيا الوضع في المستشفي .. فقدت الوعي ايام و اتمنيت انى مفوقش ابدا .. طبعا شادي طلقني و بابا حابسني في البيت ومنعني اكمل تحقيق حلمى بأنى اشتغل و اسافر , و كل تفكيره اني بعت شرفى و شرفه , و اول واحد جه علي باله هو الدكتور اللي انا كنت عايزاه وهو موافقش علي جوازنا .. علشان كده عجل بجوازي منك و بدون فرح علشان شايف اني فضيحه لازم حد يتستر عليها .. و من يومها لحد النهارده مش مصدقني .. وانا لحد النهارده معرفش ليه ده كله حصل !! "

انهت كلامها و هى تبكى خزيا , خوفا و قهرا على ما تعيشه بلا ذنب منها , و مع حركته ناهضا ليقترب منها اعتدلت تغطى وجهها و تضم جسدها خوفا من بطشه بها كما فعل من قبله و تصرخ بزعر : و الله مغلطتش , و الله محدش قرب منى , و ال....

قاطعها محتويا اياها بذراعيه لتشهق و هى تنتفض قبل ان تبدأ بالارتخاء و هي تشعر بدفء حضنه مجددا و هذه المره بقوه اكبر كأنه يخبرها انه لا حاجه لها ان تخاف ,

هي لم تعرف هذا الدفء من قبل , دفء اشبه بقطرات مطر على ارض شديده الجفاف ,

و رغم انها لم تراه من مده طويله و تعاملهم لم يكن معتاد الا انها لسببا ما لم تكن خجلى ,

ربما لان بعض الاحضان رغم غربتها وطن و هكذ كان حضنه ,

اشبه بوطن للاجئ لا يعرف ارضا له , وطنا لمهاجر شعر بالخزى بوطنه الاصلى , وطنا لقلبها الذى طالما تلوى قهرا بغربه حضن ابيها .

ورغم دموعها المنهمره اتسعت شفتاها بابتسامه احس بها هو فأبعدها محاوطا وجهها بكفه هامسا بنبره ادخلت علي قلبها السكينه مخبره اياها انه ربما يكون الامان الذى طالما بحثت عنه : مش عايزك تشيلى هم حاجه ... انا جنبك و هفضل جنبك ... و اوعدك اني اساعدك تاخدي حقك ,

صمت لحظات يراقب ما ارتسم بعينها من فرط امتنانها ثم ابتسم بهدوء مردفا بثقه و قد عقد النيه على تنفيذ ما ينتويه : و تحققى حلمك .

صدقها و لم يجد بقلبه او عقله ادنى شك بها ,
هو لا يراها كزوجه له و لكنه تيقن انها بحاجه له كوتد يعيد لها حياتها او ربما يساعدها فقط .

جلس ممسكا بيدها ليصرح بما يكنه و كما كانت معه بكامل صدقها سيفعل هو المثل , و ترجم تفكيره بكلمات قليله : طالما بدأنا علاقتنا بالصراحه انا لازم اعرفك حاجه تخصنى ....

اومأت فتنهد لحظه اردف بوضوح بعدها : انا كنت بحب واحده بس اراده ربنا كانت غير ارادتى , صدقينى انا هحاول اقدم ليكِ كل اللى اقدر عليه الا انى اح...

قاطعته و على ما يبدو ان كلامه اراحها على عكس ما توقع : انا مش عاوزه حب , انا محتاجه أمان , ثقه , محتاجه احترام و بس يا مازن , ثم ان صراحتك معايا كفايه و صدقنى لو قلبك حب تانى انا متأكده انك تستاهل واحده احسن منى كتير ، واحده تقدر تقدملك الحب .

و مع ردها اطمئن قلبه فابتسم و بدالته هى اياها بابتسامه اوسع ، فربما لا تربطهم الان عاطفه زوج و زوجه , و لكن يربطهما بالتأكيد عاطفه احتياج .

رفض كلا منهما الحب و لكن ربما يكن كلاهما الحياه لقلب الاخر , من يدرى ؟!!

****************

و انتِ يا حيلتى و حياتى و محاولاتى لا استطيع الا ان احبك .

" اقتباس "

ابتسامه صغيره , تركيز تام و حواس موجهه تماما تجاه ما يمنحها اياه هذا الكتاب من احساس , طرقات خفيفه , اخرجتها من شرودها , دخوله , مشاكسته المعتاده , ضحكتها ثم امسك بيدها جاذبا اياها خلفه و هو يقول : عندى ليكِ مفاجأه .

لتتوقف جنه مسرعه و تعتدل لتقابله و عينها تلمع بفرحه طفوليه و هى تتسائل : ايه هى ؟!

و لم يجبها بل اردف بأمر اخر : و فى المقابل هتسيبى نفسك ليا النهارده ؟

عقده حاجب , تحديق للحظات ثم استفسار خالف توقعه بالرفض : اعتبر ان دا شرط ؟؟

و راقه تجاوزها للامر ليقترب منها هامسا ببحه رجوليه لها تأثيرها الخاص علي قلبها : لا , أمر .

لتعض هى باطن وجنتها آخذه نفسا عميقا تهتف بحنق : ماتعرفش تكمل حاجه حلوه للاخر ابدا !

لتتسع ابتسامته غامزا بمكر متسائلا : لو ما بتحبيش كده بلاش منه ,

لتقاطعه متخذه موضعه بالمراوغه و هى تنظر للاعلى تحرك عينها يمينا و يسارا مدعيه التفكير قبل ان تهمهم مضيفه بهمس : لا بحب .

و رغما عنه او ربما برغبته تاه مجددا بابريقها العسلى , تلك الملكه التي تربعت علي عرش قلبه الذي لم يعرف و لن يعرف الحب الي بها و معها !

و مع محاوطتها بحصونه السوداء فقدت كل دفاعها لتتحدث عينها برغم صمتها فأى كلام يُقال الان لتصف احساسها و خاصه به ,

احساس بدأ بخوف ليتملكها بعدها امان لا تعرفه الا معه و ربما هذا ما تخافه ,

احساس بدأ بكرهها له لينتفض قلبها بحب لم تكن تتوقع ان تعرفه يوما و من المحتمل ان هذا ما يصيب قلبها بزعر لا تستطيع التخلى عنه ,

احساس بدأ بشعورها كجاريه له و انتهي بها ملكه متوجه على عرش قلبه و من المؤكد ان هذا ما يبعدها عنه ,

هو كل ما تتمني , بكل ما فيه ، غضبه , حنانه , قسوته , حبه و حتى تجاهله ,

تحبه بل تكاد تجزم انها لا تستطيع العيش بدونه ,
قلبها يريده و عقلها يعاتبها عقد لسانها عن قول ما يرغب بسامعه و ترغب هى بقوله .

تعلم انه يحبها و بجنون و كيف يمكن ان يكون عشق ابن الحصري ان لم يكن جنون !

و لكنها ايضا تعلم ان ما يمنعه عنها ..... هي نفسها ,
ما فعلته في الماضي و ما القته بوجهه من كلمات تغضبه , تعلم تمام العلم انه لم ينساها و لن يفعل ,
و تعلم انها لو ظلت علي صمتها لن يتحدث هو ابدا , و لن يُقبل على الاقتراب مجددا ,
هو بالتأكيد يعشقها و لكن كبريائه يمنعه الاقتراب , الاعتراف , و المطالبه .

و هي من وضعت كبريائه بينهما .

توقف بها امام باب غرفتها قبل ان يفتحها بهدوء لتنظر هى للداخل قبل ان تصرخ بسعاده : داده زهره .

و نال ما رغب به عندما منحته نظره ممتنه و ان لم تتحدث , نظره اخبرتها انه للمره التى لا تذكر عددها اسعدها ليغلق الباب اخيرا تاركا اياها مع والدتها الثانيه .

حديث طويل , اطمئنان , تعبير مطلق على السعاده , قبل ان تترك زهره المرح جانبا لتحاول معرفه كيف تعيش الصغيره فى وضعها الجديد و التى اخبرتها من قبل انه وضع اجبارى لم ترغبه و لم تختاره ,
طال الحديث و طال العتاب لتحاول جنه رؤيه الامور بالمنظور التى دفعتها اليه زهره و لكنها استصعبته ,
و لم يهدئها الحديث بل زادها حيره و تشتت عندما رأت الصوره كامله ,

هو من يفعل , هو من يُقدم , هو من يحاول , فقط هو , اما هي فلا شئ يُذكر !

و لتتمكن زهره من توضيح جُل ما بخاطرها , بدأت بسرد علاقتها بزوجها الراحل , كيف كان يحبها , يسعدها , يغدقها بحنانه و اهتمامه اللامشروط , اما هى فكانت فقط و فقط زوجه , و انهت حديثها بما قاله لها يوم وفاته و هو طريح الفراش " اتمنيت اوصل لقلبك زى ما انتِ ملكتِ قلبى بس للاسف عمرى مش كفايه لقلبك الغالى يا زهرتى , انتِ كنتِ ليا زوجه بس و انا كان كل ما فيا ليكِ "

و صمتت و سريعا ما اتجهت بحوارها بعيدا و لكن ما زالت جنه عالقه هناك و يبدو انها ستظل طويلا ,

انتهى اليوم و حان وقت رحيل زهره و قبل ان تغادر استندت بكفها على كتف عاصم لتهمس باصرار : اللى بيحب الجنه بيعافر علشان يوصلها , قلبها ضعيف و خايف بس انا متأكده انك هتقدر توصله او يمكن قدرت فعلا .

و تركته دون توضيح ليتردد حديثها بأذنه عده مرات قبل ان يعود لطبيعته و جنه تهتف امامه بابتسامه واسعه : موافقه .

ليرفع احدى حاجبيه متسائلا عن مقصدها لتردف ببساطه لا تدرك تأثيرها على قلبه : شبيك لبيك تحت امرك و بين ايدك .

و ضحكه مدلله جعلته يطالعها قليلا قبل ان يطالبها بالتجهز للخروج معا .

و يبدو ان مفاجأته لم تنتهى , انطلق بها فى طريق سفر , لم تدرى وجهتهم و فى الواقع لم تأبه بل كانت فقط تفكر فى كيف تتخلى عن حذرها معه لتمنحه نفسها , عقلها , قلبها و حبها كاملا و هى تدرك تمام الادراك ان فعل هذا مع ابن الحصرى سيكون اصعب ما تواجهه بحياتها .

و اخيرا توقف لتتطلع حولها لتشهق معاوده النظر اليه صارخه : المزرعه !

ثم تراجع حماسها قليلا و هى تخمن ما ينتويه : احنا هنعمل ايه هنا ؟؟

و استشف من صوتها قلقها , و لم يكن بالعصيب عليه ان يخمن ما خمنته هى فابتسم متجاهلا ما انتابه من غضب و هو يرى استمراريه اصرارها على رفضه مترجلا من السياره ليخرج ما احضره من اغراض معه لا تدرى هى متى جهزها كما لو كان متيقن من قبولها عرضه .

دلف و تبعته هى متوجسه خفيه من ان يكون اليوم هو الحد الفاصل لعلاقتهم السابقه المهمشه و التى لم تستطيع منحها اسم يليق بها , و علاقه جديده تجمع ابن الحصرى بحرمه بوضوح و صراحه و غلق تام لدفاتر ماضٍ يؤذيها اكثر مما تتحمل , و صدقا تراقص قلبها شغفا لكونه جعل الامور اسهل بكثير مما كانت تتوقع ,

توقف اامام غرفه و تمتم بابتسامه هادئه تحمل بعض الخبث الذى ميزته فى ابتسامته و ان لم تفهم سببه : غيرى هدومك .

وافقته و فعلت و بعض ان انتهت من ارتداء ما احضره نظرت لنفسها لتتسع عينها بذهول و هى تنتفض مع طرقاته على باب الغرفه لتهتف بحرج : انا مش هعرف اخرج كده .

و مستندا علي بابها داعب جانب فمه باستمتاع , فهو تعمد اختيار ثوبا يروقه هو لا يناسبها هى و قال بنبره يدري تأثيرها عليها : ليه يا جنتى ؟

و صوتها اكثر ترددا كان الاجابه : كده .

و مع حركه المقبض استندت بكامل جسدها تمنع دخوله صارخه : لا ,

ليصلها صوت ضحكته و هو يدفع الباب الذي تعترضه بجسدها ليفتحه قليلا : اسمعى الكلام بس ,

صرخت مجددا و هي تحاول منعه من دفع الباب بكل ما اوتيت من قوه : لا يا عاصم ,

تعالت ضحكته لتضرب هى جبينها بخجل اشعل وجنتيها , و بقوه نسبيه دفع الباب و مد يده ممسكا يدها ليجذبها للخارج ليطالعها من اعلى لاسفل بنظره متفحصه زادت خجلها قبل ان يتلاعب بسلساله على عنقها متمتما : ما احنا حلوين اهه , مش عاوزه تخرجى ليه بقى !

تركها و دلف للغرفه لحظات ثم عاد و قام بجمع خصلاتها البندقيه رافعا اياها لاعلى ليثبتها بمشبك ليتضح له عنقها بصوره افضل قبل ان يلامس جيدها مجددا متتبعا سلسالها و كم كان يتمنى لو كانت شفتيه محل انامله الان و لكن لا لم يحن الوقت بعد .

و لم تدرى ما اوقفه و لكنه جذبها معه للمطبخ مشيرا على بعض الاعراض التى وضعها اعلى الطاوله الرخاميه و تمتم بعنجهيه تناسب كلماته : انا جعان , و لاول مره في حياتي كلها هتنازل و هقف معاكِ و انتِ بتحضرى الاكل .

لتتسع عينها قليلا مع نظره يملأها الغيظ و هى تهتف بمرح ساخر : جاى على نفسك قوى , دا شرف كبير ليا يا سياده النقيب .

ابتسم بغرور هاتفا بصرامه تليق بابن الحصري : بس اتمني يكون الاكل عند حسن ظنى و الا ..

لتضع يدها بخصرها تميل فى وقفتها قليلا بتحدٍ رافعه احدي حاجبيها مردده خلفه و ابتسامه صغيره تلون جانب شفتيها : و الا ؟؟

نظر اليها قليلا و هو يجد بنظراتها ثقه قله ما يراها ثم مال بجذعه عليها و همس محدقا بابريقها العسلى وثقته تفوق ثقتها كثيرا : هاكلك انتِ .

ارتجفت عينها للرد قبل ان تضحك ضحكه قصيره و هى تبتعد عنه ليقفز هو جالسا على الطاوله الرخاميه , بدأت تعد الطعام , حركه هنا و هناك و هو وظيفته الوحيده مشاغبتها و ربما ...... مراقبتها و الاستمتاع .

ترك الملعقه بعد انتهائه من تناول الطعام و لن ينكر انها كانت عند حسن ظنه و اكثر فوجدها تشير على الطعام و تسائلت و على وجهها ابتسامه ساخطه و كأنها تتعمد اثاره غضبه و استفزازه : اتمنى يكون سمو الملك راضى عن الخدمه ؟

و لم تجد اجابه سوى ضحكات عاليه لتتعالى ضحكتها معه و هى تخفى عينها عنه فنهض ممسكا يدها دافعا اياهاا للغرفه مره اخرى : هتلاقى فستان على السرير , البسيه و تعالى .

و لم يمنحها الفرصه للاعتراض و تركها و خرج , لترتدى ما احضره لها و تخرج ليراقب جمالها قليلا قبل ان يجذبها لصاله المنزل , ليتركها لحظات و يعود و قد ارتفع صوت موسيقى كلاسيكيه فى المكان ليمد يده لها بابتسامه خاطفه لقلبها الذى لا يصدق انها تعيش ما تعيشه الان كما لو كانت تحلم : تسمحي لى بالرقصه دى ؟

حدقت بيده لا تصدق ثم عيناه التى تنتظر موافقتها لتترك كفها براحه بين يده ليجذبها بخفه لصدره معانقا خصرها ,
و كالعاده الصمت يلف كلاهما ,
ما الذى يساويه الكون كله مقابل وجودها بين يديه , ما الذى تتمناه اكثر من اندماج انفاسهم معا , اى كلام يعبر و قلبها قريب من قلبه و اى سعاده تطلب و عينها تراه .

ضحكه ساخره باعماق قلبه , هو يحبها , نقطه و انتهى كل شئ ,
هى صارت معه , له , جزء منه بل هى كله ,
هو مريض بها مرضا لن يُكتب له الشفاء منه ابدا ,
فان كانت كل النساء مياه فوحدها اميرته زمزم و ان كان كل الرجال ظمآي فوحده بحبها - و ان كان ناقصا - المرتوى .

استندت بأنفها على مقدمه كتفه تتسائل بهمس : تعتقد ان ممكن الانسان يلاقى فرحه تقدر تنسيه اى حزن عاشه قبل كده .

لينظر للفراغ قليلا قبل ان يجيبها بثبات و ثقه : لا معتقدش , انا متأكد , لان محدش بيعرف معنى الفرح الا لو عرف معنى الحزن .

و تحاول هى اخباره بما يثقل عليها اردفت و هى تقترب بجسدها منه اكثر : و لو الانسان دا خايف من الفرحه ؟

و ادرك انها تتحدث عن ذاتها و خوفها منه و ربما عدم رغبتها و اسفا ادراكه لم يكن بمحله اغلق عينه و هو يجيبها ببساطه اصابتها بالذهول : يبقي مايستحقش .

لتضغط بيدها لااراديا على عنقه فأردف و قد اخبره قلبه بحاجتها للاطمئنان و ان كان منه : و ممكن يخسر ,

و صمت لحظه و اضاف متنهدا : و ممكن يفوز بفرحه اكبر لو دافع عنها ,

و ابعدها عنه ينظر لعينها مبتسما متجاوزا كل ما يجول بقلبه : ليست المطالب بالتمنى .

طالعت عينه و التى اخبرتها انه بالفعل يرغب منها بالمزيد و لكن حيرته بين قلبه و الذى اعترف منذ زمن بحبه , يعترف كل يوم و سيعترف كل دقيقه ، و بين عقله الذى منعه التقدم , مبادئه التى حالت بينه و بين قلبها , و الاسوء كبريائه الذى يذكره بنفورها منه , بكرهها للمساته , بكلماتها التى قللت من شأنه , كبريائه الذى لن يتنازل عنه حتى من اجل قلبه او قلبها .

ابتسم بتكلف منهيا ساحريه الليله بعدما كان على وشك التقدم عوضا عن الخطوه خطوات : يلا نتحرك الوقت اتأخر و اللى فى البيت هيقلقوا .....

و قد كان .

****************

راهنت عليه بكل ما تملك و اغلى ما تملك , و ربحت .

حذرها الجميع , شقيقها , مازن و اكرم مدعين معرفتهم بزوجها و كم تشاء ان تعود فقط لتخبرهم انهم لم يعرفوه يوما .

ما الذى قد تتمناه المرأه اكثر مما يمنحها اياه معتز .

دلال , اهتمام , احترام , سعاده و حب .

افاقها من شرودها به صوته الخافت يطالبها : يلا نرجع انا بردت .

حدقت به قليلا قبل ان تتسائل و هى ترى الاعياء باديا على ملامحه و كأنه يجاهد ليبقى عينيه مفتوحه : مالك يا معتز ؟

و لم يجب فقط حاول النهوض مستندا عليها ليعودا للشاليه الخاص بالعائله , تسطح على الفراش و جسده يأن ارهاقا , وضعت يدها على جبينه لتصدمها حرارته المرتفعه لتهتف بقلق وضح جليا عليها : انا لازم اتصل بالدكتور .

امسك يدها متمتما : انا كويس هنام و هبقي كويس متقلقيش .

همت بالكلام معترضه و لكنه اغلق عينه مستكينا و هو يهمس : ماتتعبنيش اكتر يا هبه .

حاولت بقدر ما تستطيع اخفاض حرارته بكل السبل المتاحه و التى تعرفها و لكنها فشلت , فلم تجد بد و خرجت تبحث عن حل ربما فى صيدليه مجاوره , اعطته ما نصحها به من دواء و انتظرت بجواره حتى يفيق .. قلقه .

غفت علي كتفه و لكن هذيانه الخفيض ايقظها فتحت عينها بسرعه وهي تحاول فهم كلماته المبعثره و لم تستطع تبين سوى كلمه واحده او بالاحرى اسم واحد : سالى .

عقدت حاجبيها باستغراب يصاحبه ضيق خفى و غيرة تنهش قلبها و عقلها يتوه في تساؤلاته .

من هذه ليهذي باسمها اثناء مرضه ؟ , ربما احدى مغامراته القديمه ؟ , و اذ ربما كانت حب حياته ؟ , و رغم كثره التساؤلات فالاجابه واضحه فعلى ابسط و اقل تقدير هى فتاه من ماضيه التى ظنت للحظه انها استطاعت محوه ...

نفضت رأسها بقوه علها تخمد تساؤلاته التي باتت تؤرقها و تجعل قلبها يأن وجعا ... و للاسف خوفا .

خوفا من انتهاء هذا الحلم بواقع مرير , خوفا من ان يكون تعلقه بها مجرد غطاء لوجع حب قديم , و هذا ما لن تتحمله ابدا .

رضيت هي بنصف حب و نصف احساس , لكنها ابدا لن ترضى بنصف قلب .

اما ان يكون لها و اما لا , لكن ان تشاركها غيرها فى قلبه لن تتقبل هذا مهما حدث .

مرت الساعات عليها ينهشها عقلها تفكيرا و قلبها ألما و لكنها تناست كل هذا بمجرد ان بدأ بالاستيقاظ و قد انخفضت حرارته قليلا , ليجدها تشابك يدها بيده فى حنان افتقدته حد اللاحدود ليشرق وجهه بابتسامه و هى تهتف باهتمام : حبيبى عامل ايه , احسن دلوقتى ؟؟

ثم تمتمت بقلق حقيقى : كنت هموت من قلقى عليك .

نهض جالسا رافعا يدها مقبلا اياها بابتسامه خفيفه مجيبا اياها و قد قدر لها حقا اهتمامها : حقك عليا , انا تمام و زى الفل جدا , متقلقيش .

نهضت لتحضر له بعض ما يستطيع تناوله حتى انتهى مستمتعا بما تفعله من اجله و الذى لن يبالغ ان قال انه لم يشعر به من سنوات ، حتى وجدها تنظر لساعه الغرفه لتقول و هى تنهض عنه تعبث بعده اغراض لتعود جالسه بجواره لتهتف بصرامه : و دلوقت جه وقت الدواء .

عقد حاجبيه متحدثا بتساؤل : دواء ايه ؟ و جبتيه منين ؟

تعجبت حده نبرته و لكنها اجابت ببساطه : من الصيدليه .

اعتدل اكثر دافعا الطعام من امامه و قد علت نبرته قليلا و هو يهتف و قد اخبرتها نبرته انها على وشك محاداه معه : احنا رجعنا تقريبا بعد نص الليل , عاوزه تقولى لى انك خرجتِ , قرب الفجر , لوحدك , فى مكان متعرفيهوش , علشان تدورى على صيدليه و اللى مؤكد هيبقى فيها راجل فى الوقت ده علشان تجيبى دواء ؟؟

و مازالت تجيبه ببساطه اشعلت غضبه من لامبالاتها : اه عملت كده , و جبت الدواء و جيت .

و اردفت و قد لاحظت ان عقده حاجبيه تزداد : عملت كمادات و حاجه دافئه تشربها و حاولت اعمل كل اللى اعرفه بس حرارتك منزلتش و كان لازم اتصرف , ثم انى مش فاه....

قاطعها و هو يصرخ بها : مكنتش هموت لو استنيت للصبح , لكن واضح انك كنتِ عاوزه تخرجى نص الليل و ما صدقتِ بقى .

احتدت عينها هى الاخرى و هى تجيبه على وقاحته فى الحديث معها كما تراها : اولا صوتك ميعلاش عليا كده تانى ابدا , ثاينا لازم تاخد بالك انت بتكلمنى ازاى و شغل التلميحات و القرف ده مش معايا انا يا معتز ... فاهمنى !

و تركته و غابت عن نظره ربما لتتجنب عراك اطول معه و هى التى تشتعل غضبا و غيره ممن هلوس باسمها فى مرضه و ها هو المعتوه يغار عليها من طبيب قصدته لقلقها عليه او هكذا اعتقدت .

بينما استند هو على الفراش و هو يزفر بعنف و قد ظهرت عروقه من فرط عصبيته , و لكن سرعان ما تهدل كتفيه و عقد حاجبيه يحاول فهم ما حدث ,
غضب , عصبيه غير مبرره , انزعاج و صوت عالى و ما السبب حقا حقا لا يدرى .

ربما هو يقلق لاجلها و لكن شعوره يشمل امرا اقوى و اغرب و هو شعوره بغيرة !!

عند هذا الخاطر عبث بخصلاته يتسائل أيغار عليها ؟

يقولون دائما ان الغيرة محبه , فضحك بسخريه و هو ينفى الامر بداخله .

هو احب مره واحده و مازال يحبها و لكنه كان اضعف من الفوز بها , ما زال يشتاقها , يذكرها , يميل ليوم كان فيه امامه , لعينها , لحديثها , لما عاشه معها , فما شأنه الان بالحب ..... هراء !

هبه بالنسبه اليه غيوم يُخفى خلفها الشمس التى طالما انارت قلبه و مازالت .

و رغم ذلك لن ينكر انه يقدرها , يحترمها , ينبهر بقوتها و ضعفها بين يديه , يحتاج اليها , و لكنه ابدا لا يحبها و خاصه انه يصدق انه غير قادر على الشعور بمثل تلك المشاعر مجددا .

استند برأسه على حافه الفراش مغلقا عينه و تلقائيا وجد نفسه يتذكر اليوم الاول الذى رأى فيه زوجته الحبيبه , يليها اول شعور برغبته بها , و اول قرار يتخذه بشأنها و كل لحظه كانت بها .

و ما يميزها بقلبه انها ام برداء زوجه , انها صوره رائعه من الجمال , الحنان و الانوثه ضغت علي كل معاني الجمال لديه .

تعبها لاجله , اهتمامها به , سعادتها بمشاكسته , خجلها بين ذراعيها , قوتها التي يغلفها حب تصرخ به عينها , قدرتها الغريبه علي ازاله قلقه و خوفه و الاهم مكانتها و التى شملت جزء لا يستطيع التغاضى عنه ابدا فى حياته و ربما لهذا يغار لانها ملكه , تخصه و لن يسمح لها بالابتعاد لانه يريدها و حسب بدون ذكر سببا لذلك .

و مع تعهده لنفسه انه ابدا لن يتركها كانت هى تخشى لاول مره بحياتها , فما ظنته سهلا اصبح اكثر مما يمكنها تحمله ,

امرأه باستقلالها , وضوحها , صراحتها و قوه عقلها و تفكيرها لن تتحمل مزيدا من انتهاك قلبها و لن ترضى ابدا باستنزاف افكارها و خاصه انها للمره الاولى تخشى ان تخسر بل المره الاولى التى تضع بطريقها احتمال الفشل و لا تدرى لماذا و لكنها تشعر به وشيكا و تحديدا بعد ان شتت ذلك الهذيان تفكيرها , و لن تهدأ حتى تعرف من هى " سالى " و لكنها تدرك انها لن تخاطر بسؤاله ربما لانها بالفعل تخشى الاجابه .

****************

- قولت مليون مره بلاش تمشى من الطريق ده بالليل يا سلمى .

صرخت بها ليلى و هى تهاتف سلمى اثناء عودتها من الشركه لتضحك سلمى بالمقابل و هى تسخر هاتفه : مش هيطلع لى عفريت يا ماما , المهم اعدى عليكِ نروح سوا و لا اسبقك على البيت ؟

طرقات خافته ثم استئذان بالدخول , جلس امجد بانتظار ليلى لانهاء مكالمتها بينما اردفت ليلى لتلك العنيده : لا روحى انتِ , انا لسه قدامى شويه .

انقطاع الصوت , شهقه حاده و صوت توقف السياره و الذى جعل ليلى تصرخ بفزع : سلمى انتِ كويسه .... الو الو

اعتدلت سلمى لتنظر لتلك السياره التى توقفت امامها مباشره و اجابت بتوتر : كويسه , بس فى ...

لتصمت مترقبه ذلك الرجل الذى ترجل مقتربا منها , طرقات على زجاج السياره , و عندما حاولت التحدث لوالدتها التى ظلت تصرخ باسمها صرخه عاليه منعتها و هو يكسر الزجاج , لتنحنى سلمى محاوله الابتعاد ليصلها صوت امجد هذا المره لتهتف قبل ان يسقط الهاتف منها : الحقنى يا امجد ,

اقترب الرجل ممسكا اياها من حجابها مقربا وجنتها لاحدى قطع الزجاج العالقه لتصرخ بألم و هو يهمس بصوت قوى : دكتور امجد , هتفركشى معاه و الجوازه مش هتم , ايه السبب ؟ انى مش هسمح لك تعيشى حياتك , و ايه السبب برده ؟ مايشغلكيش انا عبد المأمور , المره دى هكتفى بتحذير المره الجايه ... الله اعلم .

استمع امجد لما قيل , فأخذ نفسا عميقا ناظره لليلى متسائلا عن مكان سلمى لتخبره ليخرج من المشفى محاولا الوصول اليها بأسرع ما يمكنه و بيده هاتف ليلى يسمع كل ما يقال و يقتله صوت صراخها , بكائها و توسلها لتركها .

قرب وجهها من الزجاج اكثر لتسيل الدماء على زجاج سيارتها مع انقطاع انفاسها من شده صراخها و توترها و هو يردف بضحكه ساخره : عندى فضول اعرف السبب ليه عائلتك بالذات اللى عليهم توصيه جامده كده , محبوبين قوى , بس للاسف مش هعرف , يلا مش مهم .

ضغط وجهها اكثر مضيفا : انسى فكره الجواز و اقعدى فى بيتكم لو لسه باقيه على روحك , وجود راجل فى حياتك هيقرفنى , فاهمه ؟؟

و ضغط اقوى ثم دفع برأسها للداخل راحلا لسيارته و لحظات و لم تراه امامها , درات عينها يمينا و يسارا بارتجافه و لم تدرى ما حدث بعد ذلك .

فتحت عينها بهدوء , لترى ليلى امامها تبكى خوفا , نهضت جالسه لتضع يدها على وجنتها تشعر بخدر لا تعلم سببه , ومضات اضاءت لها ما واجهته مأخرا لتبدأ دموعها بالانهمار رغما عنها لتحتضنها ليلى محاوله تهدأتها فيما بالخارج جلس كلا من عز و عاصم و امجد يحاولون فهم ما حدث و ما سببه و من يجرأ على فعل هذا و لم الان و ما الهدف و خاصه بعد ان استمع الجميع للمكالمه التى سُجلت على هاتف ليلى .

تهديد صريح و واضح للعائله بأكملها , و هذا ما سبب لعز نوعا من القلق على ابنتيه و زوجته خاصه .

تحفز امجد و هو يرى قلق عز مقررا مشاركته به : انا مش هتخلى عن سلمى مهما حصل .

ابتسم عز و قد ادرك لاول مره ان طفلتيه حقا نقاط ضعفه , مقدرا لامجد موقفه و لكنه تمتم : انا مقدر جدا اهتمامك يا امجد بس الموضوع له ابعاد تانيه اه دى اول مره بس من الواضح انها مش هتبقى الاخيره و علشان كده انت من حقك ..

قاطعه امجد هاتفا بحسم و ثقه : انا اسف على المقاطعه بس انا مش هبعد عن الانسانه اللى اخترتها شريكه لحياتى لمجرد تهديد عبيط , ثم انه قال ان وجود راجل فى حياتها هيقرفه معنى كده ان وجودى نوعا ما حمايه ليها .

هم عاصم بالانفعال فلقد طال صمته و هذا ليس من طباعه اطلاقا : دا على اساس انى مش هقدر احمى اختى مثلا !!

التفت اليه امجد مردفا بهدوء يميزه دائما : لا انا و لا انت قدرنا نحميها النهارده يا عاصم بس اللى انا عاوز اوصله ان من يوم ما اخترت سلمى و دخلت البيت ده و قولت انا عاوز الانسانه دى تبقى مراتى و تشاركنى حياتى انا اخدت عهد على نفسى انى ابقى جنبها مهما حصل و انى هكون سندها و حمايتها لو تطلب الامر , مش بقلل منك او من والدها لكن انا حاسس انى مسئول عنها و من واجبى انى ابقى معاها .

و بغير العاده الرد اعجبه بل و رأى فيه نفسه عندما احس سابقا بمسئوليته تجاه جنه رغم انها كانت بنظره مجرد خادمه لشقيقته , وللعجب صمت منتظرا رد والده .

تابع عز الحوار و عاود حديثه : احنا مانعرفش مين اللى بيعمل كده و لا ايه السبب , هل اعداء لعاصم علشان شغله و لا ليا علشان الشركه بس من الواضح انه قاصد اللى بيقوله كويس , خد وقتك فى التفكير و قرارك كلنا هنحترمه .

ليحدق امجد بعينه بقوه مردفا : انا مش محتاج افكر , الاحساس اللى حسيته لما شوفت سلمى فى الوضع ده مش هتحمله تانى , و اى كان الشخص ده انا هقف جنب خطيبتى و مش هتنازل عن ده ابدا .

ثم صمت قليلا مضيفا : و لو تسمح لينا , انا بتمنى توافقنى اننا نكتب الكتاب انا عارف انه بدرى قوى على طلب زى ده بس حضرتك عارف انى مش هقدر ابقى جنبها فعلا غير كده واتمنى كمان الفرح يبقى مع فرح اختها لو مش هيعترضوا طبعا .

ضحك عز من انفعاله الواضح جليا على وجهه , لحظات صمت , تفكير قاسى , ثم قرار مؤقت : مبدأيا انا معنديش مشكله , انا واثق فيك و بثق فى رأى ليلى و حكمها على الناس جدا و علشان كده انا هعرض الموضوع على سلمى و ابلغك بقرارنا الاخير .

****************

و كان اقناعها اشبه بمحاوله انتحار و لكنها وافقت و ها هى الان تجلس بجواره بعد ان تم عقد قرانهم لتجده يهمس بأذنها يقطع شرودها : مبروك عليا انتِ .

نظرت اليه ليقرأ هو عينها ببساطه فما تلقته من تهديد جعلها ترتعد و لكن ما وجوده بحياتها ان لم يطمئنها !

مد يده ممسكا يدها باحتواء جعلها تنظر اليه تاركه خوفها يشمل نظراتها تماما لتهمس : ليه بتعرض لنفسك لحاجه انت في غني عنها ؟

تطلع لعينها قليلا مرسلا اليها امواج عاليه من مكنونات قلبه و استقبلت هي بحر عينه الهائج بها بتعجب فأكد هو تعجبها بتعجبه المماثل : انا مقضتش معاكِ وقت كافى يخلينى اقول انى بحبك بس تقدرى تقولي تعلق , تمسك , احساس قوى بانك جزء مني و شعور اقوى انى مستعد لاى حاجه غير انى ابعد عنك ... مش عارف بالظبط !

ضغط كفها بكفه يزيدها اطمئنانا و اردف بثقه اثارت اعجابها بتمسكه بها : انا عمري ما كنت هعجل جوازنا لو مش متأكد انك انتِ اللي بدور عليها , انا مش صغير يا سلمى و مش لسه طايش و بختار بعشوائيه , و خطوه الجواز انا مدرك تماما انها مش سهله و مش كلمتين حلوين و شويه ورد , بس كمان مدرك كويس جدا انا محتاج ايه فى شريكه حياتى و دا انا لقيته فيكِ , ازاى و امتى ماعرفش كل اللى اعرفه و شاكر ليه جدا ان الظروف جت في صفى .

و مازال الحوار من طرف واحد و لكنها كانت فى اسعد لحظات حياتها و هى ترى مدى رغبته , تمسكه , و اصراره عليها و كأنها اول و اخر من اراد .

و لكن رغما عنها تخاف .... جدا .

ان اصابه اى شئ بسببها لن تكون قادره على مسامحه نفسها اطلاقا .

اخذت نفس عميق ثم ابتلعت ريقها ببطء و اردفت بتساؤل خافت : مش هيجى يوم و تلومنى و تقول يا ريت ؟

ابتسم باشراقه لم تُخفي عنها و همس امام عينها مباشره : انا اتعودت من صغرى اتحمل نتيجه قرارتى علشان كده عمري ما ندمت علي حاجه عملتها حتى لو غلط , القرار انا اخدته و الاختيار كان ب ايدى و الفعل انا اللى عملته ف هندم ليه ؟ , و لو نفترض حصل و لومتك , عايزك بكل قوتك تقفي و تقولى لي هو كان حد ضربك علي ايدك .

انطلقت ضحكتها ليخفق قلبه بشعور طالما انتظره و انتظره و ها هو يتملكه الان .

و سبحان من جعله يراها انثى بكل النساء , بعنفوانها , حبها للحياه , اشراقتها , و عنادها .

وواثق انها ستكون مميزه فى عشقها و احتلالها لقلبه سيكون اسوء و اجمل احتلال .

في جانب القاعه تقف نجلاء التي بمجرد ان علمت عن اتمام الزيجه حتي اتت مهروله , هاتفت ذلك الاحمق الذي اكتفي بمجرد جرح بوجنتها , لماذا لم يجعله بعنقها , بل لماذا لم ينهي حياتها !

و الان تكاد هى تموت غضبا لسعادتها
ولكن لهنا و كفى عبثا , لن تسمح بأن تضيع كل خططتها ,

ابنتها البكماء تبدو السعاده واضحه علي وجهها , و ابنها المصون اخذ زوجته لتقضي بالخارج شهر عسلها , كلٌ يعيش بسعاده و هذا ما لن تتحمله .

و الان ستمحي الحب و السعاده التى غلفت قلوب الجميع , مهما كلفها الامر ... و حقا تعنى كل ما تحمله الكلمه من معنى .

كفي انتظارا و كفي تمهلا , من الان ستفعل كل ما بوسعها لتمحي الحاضر كما محت الماضي و كما ستمحي المستقبل , و كما لم يُكتب عليها ان تعيش بسعاده في ظل حبها , لن تدع احدهم يفعل ,
ابتسامه جانبيه , توعد بأن تنهي كل هذا , و لن تتوقف الا بعد ان تخسر كل سندريلا اميرها ,
ف بيدها الان ستكسر ذلك الحذاء الذى من شأنه جمعهم .

*****************

كما يأتى الحزن على حين غفله , احيانا يفاجئنا القدر بفرحه ربنا ظللنا طوال العمر ننتظرها ,

فرحه توقعنا يوميا اننا لا نستحقها او ربما لسنا بمحظوظين كفايه لننالها ,

و شئنا ام آبينا , كلاهما قدر و سنعيشه .

و ربما لم تكن تدرك ان اليوم هو يوم فرحتها , انهت عملها بالمكتب , استعدت للرحيل , خرجت و بمجرد ان تجاوزت عتبه غرفتها و جدت محمود يقف فى منتصف الممر بيده ورده و على وجهه ابتسامه جعلتها تحملق به باستنكار و دهشه قبل ان تبتسم ببلاهه و هى تراه يقترب منها .

وقف امامها و اتسعت ابتسامته و هى يعاتبها بنبره مراوغه : كل ده شغل بقالى ساعه واقف هنا مستنيكِ .

تراجعت مها عنه خطوه و هى توضح بعينها استغرابها و الذى بدأ يتخذ مجرى القلق قليلاا , و لكن سرعان ما شهقت بصدمه و هى تراه ينخفض على ركبتيه و رفع يديه بالورده امامها متمتما بنبره داعب وتر احساسها و انوثتها لينتشى قلبها فرحا : مش عارف امتى و ازاى و ليه حصل , بس من يوم ما شوفتك و انا مش عارف ايه حصل , ليا , بستنى اشوفك , بتشاركينى احلامى , عرفتينى يعنى ايه حب , باختصار خطفتِ قلبى يا مها .

ابتلعت مها ريقها لا تستوعب ما يقوله و بأكثر الوجوه اشراقا و اكثر العيون نطقا بالاعجاب همس بشجن مس قلبها : مها انا بحبك , و نفسى تبقى جنبى طول العمر .... تقبلى تتجوزينى ؟

و الرد صمت , تعجب , و نبضات قلب تتراقص فرحا , قلقا و خوفا من مستقبل معا او ربما فشل هذا المستقبل .

و رغم انها رأت ما فعله مراهقه دراميه ، الا انه ادهاشها ، اسعدها و ايقظ ثقتها بأنوثتها .

و مع عجزها عن التحدث عبرت عينها عن الحزن لذلك , التقى هو مباشره ما يؤرقها فهتف في حزم : بدون كلام كتير انا عارف كل حاجه عنك , و راضي بيها و بحبها كمان ,
ثم اضاف بمرح : و بعدين اذا كان اكثر حاجه بتكرها الرجاله فى الستات مش عندك يبقي انتِ تستاهلي الحب و بس .

و رغم قوله اياها بنبره مرحه الا انها لا تدرى لما اصابت قلبها بغصه مؤلمه .

فهو بصنعه لطافه يخبرها انها ناقصه , راضيه هى بقضاء ربها و لكنها تخشي ان يأتي يوما و يندم علي قراره و ندمه هذا سيذبحها ذبحا .

_ ايه اللي بيحصل هنا ؟

انتفضت مها و هى ترى اكرم يتقدم منهم بخطوات شبه غاضبه مع سؤاله الحاد لتنتبه اخيرا ان الرواق فارغا الا منهما , لتسقط نظراتها ارضا خجلا .

بينما نهض محمود مبتسما بارتباك قائلا بسذاجه محاولا تفادى الامر بهدوء : غرضى شريف و الله يا بشمهندس .

نقل اكرم نظره بينهم حتى استقرت على مها و التى ارتبكت رافعه رأسها اليه لتتفاجئ بالغضب البادى بوضوح على وجهه لتتحرك مسرعه مغادره المكان , فيما التفت اكرم لمحمود هاتفا بحده : اعتقد لو حابب تتقدم لها يبقي تدخل بيت اهلها و الاولى انك تطلبها من ولى امرها .

تنحنح محمود قائلا بحرج و قد ضايقه تدخل اكرم الذى يفترض لا يعنيه الامر : انا كنت حابب اعرف رأيها الاول .

لتشتد حده اكرم و هو يرى فى الامر اساءه لمها و عائلتها : يبقي تعرفه في بيتها مش في ممر فاضي من الموظفين في ساعه نهايه الشغل يا سياده المحامى , و احمد ربنا ان انا بس اللى شفت الكلام ده و الا كانت بقت سيرتها على كل لسان فى الشركه .

اطرق محمود برأسه و ها هو يتعجب تصيد اكرم لاخطائه و التى يفعلها حقا دون قصد سابقا لهبه و الان لمها و تمتم و قد شعر ببعض الندم : انا اسف مكنتش اقصد كل ده .

و مازالت حدته لم تهدأ و رفع سبابته محذرا بحزم : مكان الشغل للشغل و بس , غير كده يبقى في بيتها قدام اهلها , بكرامتك و بكرامتها , بلاش شغل مراهقين .

و هم بالرحيل و لكنه استدار لمحمود مجددا متسائلا و قد تذكر حديث سابق له مع جنه : هي مش مها اكبر منك ؟؟

نظر اليه محمود بدهشه لحظات ثم هتف بعدم استيعاب : اكبر منى ! ازاي يعنى ؟

عقد اكرم حاجبيه مردفا : اعتقد جنه كانت قالت مره ان مها فى سن عاصم و طبيعى بما انها اخت معتز الكبيره .

بدهشه اكبر ردد : اخته الكبيره ؟

مال اكرم عليه واضعا يده علي كتفه و قد ادرك للتو ان محمود اهتم برأيها و لكنه غفل عن معرفه كل ما يخصها اولا : اتأكد من الموضوع ده لانه لو كده هيقابلك مشاكل كتير يا بطل .

*****************

السلطه , النفوذ , المال .... امور اشبه بالممنوعات لخطوره ادمانها .

و هذا ما كانت تعانيه كوثر الان بعد ان هدم عاصم بنفوذه كل ما بنت و كل ما ارادت ان تبنيه .

تعيش حاله من الغضب الاعمى و الرغبه فى الانتقام و استرجاع ما خسرته بسببه .

لم تعد حالتها الماديه تكفيها فاضطرت لارسال طفلتيها لابيهما بعد ان كانت تكره مجرد التفكير فى ذلك , لم تعد حالتها الاجتماعيه تسمح بأن تعمل و تتعامل , و لم تعد حالتها النفسيه تمنحها الامان و الاطمئنان و التى طالما عاشت بهما .

و الان كل ما يعنيها هو العوده لسابق عهدها , قوتها , جبروتها , سلطتها و مالها .

اى كان الثمن و اى كان المقابل .

فلن تسمح ان تكون النهايه فوز تلك الفتاه بكل شئ , وخسارتها هي بالمقابل كل شئ .

و طالما تلك الضعيفه فى عرين الاسد , ان حاولت هي الاقتراب لن تسلم من هجومه القاتل عليها .

رفعت يدها تتلمس جانب شفتها التي احتفظت بندبه اثر صفعته القاسية , لن تنسي له ما دامت حيه صفعته علي وجهها , و ستردها اضعاف .

فقط ستنتظر متي يضعف , كيف , و ما الذي قد يضعفه !

******************

اخذ الامر منه الكثير من الوقت ليراضيها , يعتذر و يحملها على مسامحته و بالطبع نجح فهى فلته .

استيقظ ليعتدل ناظرا اليها نائمه بجواره , يداعب وجنتها بعبث و على وجهه ابتسامه انتشاء .

لن يستطيع انكار انه اكثر من محظوظ لدخولها حياته , و كم يتمني ان تظل جواره لا تفارقه يوما , ان يظل حبها له يموج بعينها , و ان يظل قلبها ملكيه خاصه له .

امرأه بقوتها ... و حنانها ,
امرأه بشجاعتها ... و خوفها ,
امرأه برقى عقلها ... و رحمه قلبها ,
بمعني ادق و اشمل هي امرأه فريده من نوعها .

امرأه يدرك تماما انها تستطيع ان تطرده من حياتها كما ادخلته بها .

و لكنه يعلم انها بأي ظرف كان لن تفعل ,
فهي تعشقه عشق لا يطمس , تحبه حب لامشروط , تحيى به و تموت فيه ,
فكيف لمن يحمل قلبها كل هذا الحب ان تفرط به يوما ؟

هو متيقن تماما انه امتلك قلبها , عقلها و كل ما بها , و مدرك تماما انها لن تتركه ابدا الا بانتهاء حياتها .

اتسعت ابتسامته و هى تتملص من اصابعه التى ارقت نومها لتنهض ضاحكه مبتعده عن مرمى يده , و كعادته , مشاكسه , عبث و كلمات ملتويه و ضحكات عاليه بدأت يومها .

اتكأت على كتفه و هى تهمس باطمئنان : النهارده احسن ؟

اومأ موافقا و هو يقبل رأسها لتعتدل هى مبعثره خصلاته دافعه اياه عن الفراش هاتفه : قوم خد شاور و فوق كده على ما احضر الفطار .

زمجر بطفوليه محببه اليها : انتِ عارفه اني بحب احضر الفطار معاكِ ,
ثم قربها اليه بمكر و هو يردف و فمه ينهل منها : بحب المطبخ , و اللى بتقف فى المطبخ و اللى بعمله معاها فى المطبخ .

صدعت ضحكتها تملأ الغرفه و هى تتملص من بين يديه هاربه ليبتعد بضحكه و هو يقول : 3 دقايق و هتلاقيني جنبك , استنينى .

ابتسمت بسخريه و هي تراه يركض ليأخذ ملابسه : معتز و 3 دقايق بس ... دا انا بحس اوقات انك بتنام جوه .

قهقه عاليا صارخا و هو يتجه للمرحاض ركضا : انا و الدُش بينا قصه عشق متفهميهاش انتِ .

اغلق الباب بينما صرخت هي خلفه : لو اتأخرت هعمل الاكل و هاكل من غيرك كمان .

ثم استدارت ترتب الغرفه لحين خروجه , فهذا الرجل بكل ما يحمله من نواقص هو اكمل الرجال بعينها .

ارتفع رنين هاتفه لتنظر اليه لترى اسم والدته ينير الشاشه فابتسمت و فتحت الخط و بمجرد ان تحدثت هتفت نجلاء بحده : انتِ بتردى على تليفون معتز ليه , هو فين ؟

تمالكت هبه غيظها و اجابتها : معتز مش جنبى دلوقت تحبى اقوله حاجه ؟

زفره ضيق سرعان ما تحولت لضحكه خبيثه و قد جال بخاطرها فكره رائعه ستجعل فرحه عروس ابنها المبجله اسوء كوابيسها : ماشى يا عروسه لما يبقى جنبك خليه يكلمنى .

و اغلقت الخط بوجهها مما جعل هبه تزفر في غضب فحقا لم تعد تتحمل تلك المرأه , لقد طفح الكيل .

القت الهاتف على الفراش و همت بالخروج من الغرفه و لكن تفاجئت باتصال اخر و هذه المره من رقم غير مسجل , فتحت الخط وصلها صوت انثوى جعلها تعجز عن اخراج صوتها : ميزو .. انت فين يا راجل مش ظاهر كده ؟

تشنجت عضلات وجهها و وضعت يدها علي قلبها كأنها تمنع ألم او ربما غضب , فعاد الصوت الانثوي يردد : ايه مش بترد ليه ؟! اوعي تكون نسيت صوتى ؟

جمعت هبه كل قوتها مستمعه لنداء عقلها لتعرف من هذه لتجد امامها الان فرصه لمعرفه مدي علاقاته و لا تدري لسوء ام لحسن حظها انها اتت اليها علي طبق من فضه !

و متجاهله تماما نداء قلبها باغلاق الهاتف حتي لا تسمع ما يُوجعها , هاتفه بحده : انتِ مين ؟

تعجب و استنكار من الصوت المقابل : اوووه .. انتِ اللي مين !! و تليفون معتز بيعمل ايه معاكِ ؟

همت هبه بالصراخ في وجهها فتلك الشمطاء تسألها عن زوجها , و لكن هتاف الفتاه الخبيث اوقف كلامها بل و اوقف دقات قلبها ايضا و هى تهتف بفجر اصاب هبه بالجمود : اااه فهمت , انتِ الجو الجديد اللى شاغله عننا , بس غريبه مكنش بيفضل جنب واحده للصبح , واضح انك مميزه , عموما good luck و ابقى وصلى له سلامى .

اضطربت نبضاتها بقسوه و قلبها يترنح كذبيح بين ضلوعها .

لم يكن يظل للصباح اي ان سهراته كانت مساءً , و لا حاجه للتخيل عن ماذا كانت !

ابعدت الهاتف عن اذنها قاذفه اياه ارضا و رفعت يدها لتعتصر قلبها بألم طغي علي كل ملامح وجهها .

لم تكن اول من يلمسها , لم تكن اول من يشاكسها , لم تكن اول ما غازلها بكلماته , و الان ادركت انها لم تكن الاولى بأى شئ كان .

وضعت يدها علي رأسها تمنع استرسال عقلها في افكاره المهلكه و لكنه آبى .

ما كان فيه لم يكن استهتارا فقط , بل فُجر ومجون ,

هو لم يكن ضائعا , بل القي نفسه طواعيه بالضياع ,

هو لم يحتوي نفسه , بل جعل من احضان النساء له بيوتا ,

هي لا ينقصها قلبه فقط , بل كل ما فيه ,

هى لا تحارب ضعفه فقط , بل تحاربه هو ,

اختناق اصابها و قلبها يؤلمها , مع تساقط دموعها دون ان تتغير ملامحها المصدومه , و عقلها يلقيها على حافه الجنون .

هل كل مره كانت بين ذراعيه يرميها بكلمات غزل كان يكرر صور من الماضى !

هل كل مره احتضنته , قبلته و اخبرته بحبها كان يتذكر انه فعلها مع غيرها !

ابتسمت بسخريه لاذعه و دموعها تزداد انهمارا و هى تتخيل ان يأتى يوما لتقف امامها احداهن لتخبرها عما كان يفعله زوجها بل عمن يكون .

و عند هذا الخاطر أنت وجعا , و اى وجع !

فما تشعر به الان اصعب بكثير ما ان تصفه كلمات ,
قهر , وجع , الم , خيانه , حقاره , نفور , كره , تشتت , ضياع و اخرها تماما اصرارا و قوه .

قاطع افكارها صوته المرح يهتف و هو يقترب منها : متأخرتش اهه يا فلتى .

رفعت رأسها اليه ليتعجب دموعها و فورا لاحظ هاتفه المُلقي علي الارض فانخفض و امسكه يقلبه بيده باستغراب قبل ان يسألها مترقبا : مالك يا هبه ؟

كانت تنظر اليه بنظرات ثاقبه غامضه , تتخيله يمرغ وجهه فى عنق امرأه ما , تتخيل علامات احمر شفاه علي جسده هنا و هناك , تتخيل امرأه ماجنه تتحرك بين يديه دلالاً و هو يغمرها بقبلاته , تتخيل ابتسامته المنتشيه وهو يراقب جسد احداهن .

تعجب نظراتها المتفحصه و ما زاده تعجبا نظراتها النافره المشمئزه قبل ان تنطلق منها الكلمات كسياط حاده لا ادرى على من منهما كانت اكثر صدمه و وجعا : كام واحده نامت في حضنك قبلى يا معتز ؟

*******************

انتهى البارت

بحبكم فى الله 💜

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top

Tags: #shimaa