بارت 6

طريقه نحو   منزل عمه كان أقصر من ما تخيله بسبب غوصه بأفكاره واتخاذه بعض القرارت خلالها
والأهم شعور فظيع انتابه بسبب تركه لليو !
هو قلق عليه من التهور كما أنه قضى معظم سنوات حياته برفقته ومفارقته الآن أصعب من تقبلها ، ليس بسرعة على الأقل
يدرك أنهما سيلتقيان كثيرا لكن هما لم يفترقا  مطلقاً سابقاً لذا حتى التعيش بمنزل آخر تعني له افتراق من نوع ما !
وصل أمام المنزل فوقف مع حقيبته الصغيرة يحدق به ويحظر نفسه للدخول ربما بعد أن وعد نفسه أنه سيحرص أن لا يتحطم حتى  لو تم خداعه وان كان يدرك باعماقه أن هذا مجرد كلام وأنه دون شك سيتألم بشدة لو حدث لكنها ستكون آخر فرصة يعطيها لأي أحد !

سمع صوت باب المنزل يفتح فخرج من شروده ليرى عمه مقبلاً عليه بابتسامته المعهودة رغم أنها بدت أكثر سعادة من ذي قبل حتى أن الفين كاد يقسم أنه لو كان التحليق من السعادة ممكناً لطار عمه !

اقترب عمه منه ليستقبله بنفسه  فوضع يده على كتف ال
(صغيري ما الذي تفعله بالخارج !؟ لقد تفاجأت من رؤيتك واقفاً هناك ! تفضل للداخل فوراً !)

رغم انه شعر بنفسه يرتبك من كل هذا الاهتمام لكنه وعد نفسه أنه لن يظهره ! وجود عمه زعزع شخصيته التي اعتاد عليها وحان وقت إظهارها
مجددا فإن كان عمه سيتقبله ويحبه حقا اذا ليعرف شخصيته الحقيقة

حمل الحقيبة بيده وتحدث بنبرة هادئة
(شكرا عمي )

تقدما للداخل لتستقبلهما فور دخولهما زوجة  عمه  والتي اقتربت منه وهي ترتدي مأزر   الطبخ وابتسامتها اللطيفة تزين وجهها الطفولي
(الفين صغيري مرحباً بك بيننا !)

حدق بها لثواني ثم ابتسم بهدوء وتحدث بشيء من النبرة الرسمية
( شكراً على استضافتي )

قطبت حاجبيها بأستياء طفولي بنبرة شبه موبخة ربما
(انت فرد من الأسرة الآن ، لا يجوز التعامل الرسمي بين الأسرة !)

سرعان ما ابتسمت مجددا لتردف
(بالطبع خذ وقتك للتعود لكن   فقط أعلم أنت لست ضيف هنا بل انت من أصحاب المنزل )

لم يعلم ماذا يرد فتدخل عمه بالحديث مخاطباً ال والذي التفت نحو عمه فور سماعه يذكر اسمه
( الفين تعال معي لاريك  غرفتك !)

أومأ بصمت وحقيبته بيده ولحق بعمه الذي وضع له غرفته بالطابق الثاني قرب مكتبه بعد أن أخبرته زوجته  أنها أنهت إعداد الطعام وعليهما النزول بعد وقت قصير

تابع طريقه لياخذه لغرفته  والتي تم تحظيرها بعناية مستعيناً بما يتذكره عن ما يفضله ال ومحاولاً وضع ما قد يعجب أي شاب  بعمره

كانت غرفة كبيرة نسبياً تحوي سرير لشخص واحد مفروشة بسجاد أخضر ستائرها سماوية اللون
مكتب للدراسة وضعت عليه بعض الكتب

في الزاوية حوت على خزانة وهناك غرفة حمام متصلة بها

كان الفين مصدوماً من سعتها فتحدث من فوره بعد سماعه صوت عمه ينساب اليه يسأله عن رأيه فيها وان كان هناك شيء لا يعجبه

التفت اليه الفين مخفياً تعجبه وربما مشاعره التي ترتبك من أشياء بسيطة جداً
(شكراً عمي لكن لا داعي لأن تتعب نفسك بكل هذا ! أعني يكفي انك استقبلتني بمنزلك! )

اعترض عمه من فوره ليقول بحاجبين مقطبين ويضع يده على كتف الفين
(لا تقل هذا مجدداً او سأغضب !أنت ابني الفين والمنزل منزلك وطبيعي أن احرص على راحتك !)

ابتسم ليكمل كلامه
(ساخذ تعليقك على أنها نالت رضاك صغيري ، لو ازعجك شيء ستخبرني اتفقنا ؟!)

أومأ ال بعد صمت دام بضع ثواني لتتسع ابتسامة عمه ليسمع الاثنان صوت هاتف الفين والذي بدأ يرن معلناً عن مكالمة

اخرج الفين هاتفه ليتفقد المتصل ظناً أنه ليو ليفاجأ بالمتصل ، تغيرت ملامحه قليلاً فلاحظ  عمه ذلك
(هل من مشكلة بني ؟)

سأله بقلق واضح جعل المعني يخرج من تفاجأه ليتحدث بهدوء بعد أن انزل الهاتف إلى جانب يده
(أجل لا تقلق ، اسمح لي سأرد على المكالمة  )

لاحظ عمه أنه يطلب منه بصورة  غير مباشرة ان يتركه فأومأ بتفهم وطلب اليه عدم التأخر رغم أنه كان يتمنى لو يخبره الفين بهوية المتصل لكنه كبح فضوله وقلقه وأراد إعطاء الفين بعض الخصوصية

الفين والذي بقي بالغرفة رد على الهاتف من فوره
(مرحباً عمي )

(اهلاً بني ، كيف حالك ؟)

لم يتصل بوالد ليو منذ وقت طويل وسماع صوته بعد كل هذه المدة اشعره ببعض السعادة خصوصاً أنه يحترمه بشدة

ابتسم بخفة وجلس على السرير بعد أن ترك حقيبته
(بخير ، شكراً عمي  )

والد ليو والذي كان يقود سيارته خلال تلك المدة شعر بالاطمئنان على من يعتبره ابنه الثاني حين سمع نبرة  صوته والتي لم يبدو فيها أي حزن وهذا أزال بعض قلقه
( هل انتقلت حقاً الفين ؟ أهذا بأرادتك أم اجبرت؟! إذا اجبرك أحد لا تتردد بأخباري !سأتدخل فوراً )

صمت الفين قليلاً يفكر بسؤال والد ليو ثم سرعان ما أجاب على تسائله
( أجل عمي ، لقد طلب مني عمي الانتقال للعيش معه ، لا تقلق لم يجبرني أحد   على شيء ! اعتذر على اقلاقك !)

تنهد براحة على سماع ذلك فهو يدرك موقف أسرة الفين وكل ما فكر به انهم يمكن أن يكونوا يجبرونه لغرض شخصي إلا أن نبرة ال الطبيعية جعلته يطمئن  قليلاً فأكمل بنبرة جادة
(لو ازعجك أحدهم احرص على ابلاغي ، سأغضب منك كثيراً لو اخفيت الأمر   عني !)

لطالما تسائل الفين كيف يمكن أن يشعر بالدفئ من شخص يفترض به أن يكون غريباً إلا أن والد ليو أثبت له أن ذلك أكثر من ممكن بل إن ما فعله لم يفعله أقرب الناس إليه وكم يشعر أنه محظوظ بامتلاكه شخصاً كليو وأسرته

(سأفعل عمي شكراً لك )

انتهت المكالمة عند هذه النقطة فرمى الفين  هاتفه على السرير ورمى بجسده عليه ليحدق بالسقف ، شعر بالغربة قليلاً وتمنى لو يكون ليو معه ليمده ببعض القوة ، هو لم يكن يعرف كيف يتعامل بمفرده كما يجب أما فظ جداً أو هادئ جداً أما الحقيقية فهي فقط لليو والذي قضى كل الوقت معه فما عاد الفين يخفي أي شيء أمامه عدى مشاعر الألم لاجل أن لا يقلق صديقه  

اخذ هاتفه مجدداً وفكر بالاتصال بليو ليطمأن عليه ربما رغم أنه لم يمضي أكثر من ساعة على افتراقهما

قبل ان يضغط على الرقم سمع طرق على الباب فاعتدل بجلسته ليمنح الأذن بالدخول فأقبلت ابنة عمه فحدق بها منتظراً ما ستقوله
(الطعام جاهز)

اكتفت بقول هذا وهو اكتفى بالأيماء بهدوء والنهوض ليتوجه نحو الأسفل معها بينما هي تسترق النظر له في محاولة لمعرفة ما يفكر به

~~~~
في صباح اليوم التالي  وبعد أن نشرت أشعة الشمس خيوطها الرقيقة

وقف الفين مع عمه  يتحدثان بينهما حتى سمع صوت من الخلف ، التفت ببطئ ليفاجأ بليو واقفاً يحدق من بعيد بنظرات منكسرة حزينة ، اشعرته تلك النظرات بقلق شديد فحاول التقدم ليتفقده إلا أن يد عمه امتدت لتمسك به ، التفت يحدق بعمه ثم أعاد بصره لليو والذي اخفض رأسه وبدأ يتراجع للخلف ببطئ ، شعر الفين بقلبه يؤلمه بشدة وأدرك أن هناك شيء خاطئ

حاول التحرر من يد عمه ولكن لا فائدة ومهما حاول مناداة ليو  لم يجب الآخر  بل استمر بالتراجع للخلف راسماً ابتسامة حزينة جعلت ال بالنهاية يبعد يد عمه بالقوة وركض نحو رفيقه وحين أوشك على الوصول رأى ليو يقع بوادِ عميق لا نهاية له امام عينيه  لتتسع عيناه برعب شديد وتجمعت الدموع  بعينيه

استيقظ فزعاً يلهث بشدة ويحاول التقاط انفاسه دقات قلبه كطبول حربية  ومشاعره لم تترك له مجال للراحة بل شعر بخوف شديد خيم على قلبه خشية أن  يكون هذا الحلم إشارة سيئة  خصوصاً مع علمه أن ليو ليس سعيداً بأنتقاله دون شك مثلما هو يشعر بشعور فظيع ورغم أنه خلاف ليو معه أشخاص آخرين بالمنزل ورغم ذلك هذا لم يبعد شعور الوحدة فكيف برفيقه الذي هو وحده ؟!

عند ليو
استيقظ  ليو بأنزعاج على صوت الهاتف  والذي ظل يرن مراراً  منذ الصباح الباكر ،  عاد له   وعيه بعد أن آفاق  من نومه  فأخذ الهاتف بسرعة ظناً أن ال هو المتصل وقبل أن تكتمل فرحته سمع صوت والده والذي لسبب ما يستفزه بدون سبب  !

(هل تعلم كم مرة اتصلت بك ؟ أين كنت ؟ )

قطب حاجبيه بضيق وتنفس بعمق فلم يكفي أن المتصل ليس الفين بل الأسوء أنه والده والذي كل مكالمة له معه تنتهي بأن يغلق الخط لاسكاته

رد ليو من فوره بنبرة باردة بعد أن أعاد جسده للسرير ليستلقي
(طالما لم ارد كان يجب أن تتوقف عن ازعاجي !)

صوته الناعس والذي دل على أنه استيقظ تواً كان واضحاً لوالده والذي تنهد بأستياء فقد توقع أن ابنه سيقضي اليوم متهرباً من ما حدث كيف لا وهو يدرك معزة الفين لديه  وكونه اتصل به مساءا ولم يرد كان كافيا ليؤكد شكوكه

بحث عن أفضل كلمة يمكن أن تصل لابنه ربما إلا أنه يأس من إيجاد شيء مناسب فتحدث معه في محاولة لاخراجه من استيائه
( ليس وكأنه سيتركك للأبد كل ما في الامر انه سينام بمنزل عمه لذا كف عن هذه التصرفات وكفاك كسلاً انت لا تفعل شيء سوى مضرة نفسك !)

شعر ليو بالانزعاج أكثر ربما خصوصاً أنه شعر أن والده لم يتفهم شعوره بل اتخذ الأمر ليوبخه مجدداً إلا أن والده أكمل كلامه قبل انفجار ليو
(لو رأى الفين حالك الآن قد يترك منزل عمه من فوره !)

اتسعت عينا ليو ونهض من فوره بحركة سريعة وهتف معترضاً
(هو لن يعلم بأي شيء جرب أخباره وصدقني لن تراني مجدداً !)

نبرة والده تحولت للتأنيب ليوبخه
(لم اقل اني ساخبره ! الفين معك منذ زمن ولن يصعب عليه  معرفة حالك  من نبرة صوتك وحدها !)

قطب ليو حاجبيه من هذا رغم علمه أن كل ما قاله صحيح تماما لكن كيف  له أن يمنع هذه المشاعر السلبية ؟ لم يكن الأمر بيده وهو بينه وبين نفسه قد وعد نفسه كعادته أن يبذل جهده لإخفاء مشاعره  أمام الفين

(لدي عمل الآن ساتصل بك لاحقاً )

فور سماع ذلك من والده تحدث من فوره بغير مبالاة
(لا داعي لتفعل وداعاً )

اغلق الخط دون انتظار سماع أي شيء آخر ثم نهض من سريره ليحدق بالهاتف بيده

ثواني حتى رن هاتفه مجدداً فعادت اليه اللهفة السابقة  ولم يخطأ هذه المرة فاتسعت ابتسامته ليسمع صوت رفيقه الموبخ بأستياء
(هل تعلم كم مرة حاولت الاتصال بك ؟! )

اعترض ليو من فوره متذمراً من ذلك
( فظيع ال ! أهذا  اول شيء تقوله لي ؟! أين صباح الخير ؟)

الفين والذي كان قد استيقظ بعد نوم مضطرب خصوصاً مع ذلك الكابوس بشأن ليو والذي لم يسبق أن حلم به بكابوس  فكان أول  ما فعله فور نهوضه هو محاولة الاتصال به خصوصاً وأنه يشعر بالغربة   وحده  وبدل ان يريحه هذا زاد قلقه عليه حين لم يرد عليه

وفور أن وصل صوته إلى مسامعه افرغ به تلك المشاعر بتوبيخ إلا أن كلام ليو جعله يدرك انه تصرف بصورة مثيرة للريبة فتدارك الأمر من فوره بنبرة لا مبالية تعمد إظهارها
(من سيتذكر قول هذا وهو قلق انك لم تستيقظ بعد خصوصا وإني اتصل بك منذ وقت طويل  وفقط لا رد )

ازداد استيائه وهو يتذمر بطفولية
(إلا يمكنك أن تثق بشقيقك ؟!انا لست كسولاً كما تتخيل فقط كان ذلك العجوز يتنمر علي ، عليك لومه بدل التذمر مني !)

ضحك بخفة على تعبير ليو "تنمر" ثم اردف بعد أن  كان يكمل استعداده للجامعة خلال هذا
(يبدو أنه كان قلق عليك من بقائك وحدك  فأراد التأكد من سلامتك و.. )

قاطعه ليو من فوره
(ليس كذلك هو يحاول أن يغيضني وحسب !)

تنهد الفين فرفع يده لتتخلل خصلات شعره  الداكنة وهو يتحدث
(حسنا لا مشكلة فقط هل أكملت استعدادك؟ سأنتظر مجيئك )

ارتبك ليو من فوره عند سماع ذلك ليتذكر نظرات عم الفين والتي لا تكاد تغادر عقله حتى  تعود له ، خيم الاكتئاب عليه كما لو انه تذكر الوضع تواً وحين طال صمته  شعر الفين بالقلق مجدداً ليسأل بشيء من الحذر
(ليو ؟ ماذا هناك ؟ )

خرج ليو من أفكاره على صوت الفين ، حاول إخفاء أي شيء مريب بنبرة صوته
(لم اغير ثيابي للان ! والطريق لمنزل عمك نوعاً ما ضيق أخاف على صغيرتي منه ! هل يمكنك الخروج للطريق العام ؟! سنلتقي هناك كل يوم اذا لم يكن ذلك متعباً لك )

بقدر ما بذل جهده لكي لا يبدو الأمر مريباً لكنه فشل تماماً فقد شعر الفين بخطب ما به ، فكر بعمق قبل ان يجيب
(لا مشكلة ، اراك بعد قليل )

فور انتهاء المكالمة كان قد أكمل استعداده تماماً ، جلس على السرير قليلاً قبل ان يقرر الخروج ورؤية أفراد المنزل ، رؤيتهم تتطلب منه الكثير من الجهد والتركيز وهذا ما لم يضطر له مع ليو ، يشعر بنفسه غير مرتاح هنا ويتمنى لو فقط يعود لمنزل رفيقه فهو يعلم ودون أن يخبره ليو بذلك أن كلاهما يحتاجان لتواجد بعضهما معاً

نفض هذه الأفكار من رأسه  حين سمع صوت زوجة عمه تناديه من الأسفل فنهض بعد أن أخذ نفساً عميقاً بينما يحمل بعض محاضراته

فور أن خطى اول  خطوة للخارج رأى ابنة عمه أمامه والتي كانت متوجهه للأسفل ايضاً

صمت يحدق لثواني قبل ان تقرر هي أن تبدأ بإلقاء التحية بعد أن رأت أنه لا ينوي المبادرة
(صباح الخير)

كانت نبرة صوتها هادئة تماماً حرصت على أن لا تظهر فيها حماس مفرط أو انزعاج مفرط من ردود افعاله فرد عليها بنبرة مماثلة ومر سابقاً إياها للأسفل
(صباح النور )

همست بينها وبين نفسها بغيض
(ما مشكلته حقاً ؟!)

تصرفاته والتي كانت تراها بمنظورها تبدو كما لو انه يحاول إنهاء أي حديث جعلتها تتسائل أن كان لديه مشكلة معها ، قررت نسيان ذلك والذهاب للأسفل
لتجد اسرتها قد تجمعت والفين كان قد انظم   لهم بالفعل

ابتسمت حين رأت  والديها لتتحدث بحيوية انعكست بصوتها
(صباح الخير )

التفت اليها والداها ليبادلاها   الابتسامة ترحيباً بصغيرتهما أما الفين اكتفى برفع رأسه ثم عاد ليكمل طبقه رغم أنه كان يشعر بعدم الرغبة بأكل أي شيء إلا أن إصرارهم اجبره على القبول فكان أول ما فكر فيه حين بدأ يتناول الطعام
"هل تناول ليو فطوره ؟! لا أظنه سيفعل وحده !"

الاجواء كانت سعيدة ودافئة ، أجواء أسرية ذكرته بأيامه  مع أسرة ليو إلا أن هذه المرة كانت مع أفراد تربطه معهم صلة الدم ، خرج من شروده على صوت زوجة عمه والتي سألته في محاولة لاخراجه من صمته
(كيف الطعام  الفين ؟)

رفع  راسه من فوره ليجيب بهدوء وابتسامة صغيرة مجاملة زينت شفتيه
(لذيذ ، شكراً لكِ)

انفرجت اسارير وجهها لتقول بسعادة
(بالهناء والشفاء تناول قدر ما تريد )

عاد ليحدق بطبقه مجدداً ليكون عمه من وجه له الحديث هذه المرة
(بني سأوصلك  للجامعة مع ابنتي )

نظر بعينيه العسلية نحو عمه ليقول من فوره متجاهلاً خجله من لطف عمه هذه المرة فليس مستعداً  ليترك ليو لوقت أطول وحده فهو يدرك أكثر من أي أحد اخر أن البقاء بمفرده سيعيد اليه ذكرياته السيئة  وهو لن يخبر الفين قطعاً
(شكرا لك عمي لكني سأذهب مع ليو ، نحن معتادان على  الذهاب معاً وقد اتفقنا بالفعل فلا تقلق بشأني )

لم يرى الفين وجه عمه حين قالها فقد تحاشى النظر لردة فعله حتى لا يثنيه شيء عن قراره فلم يرى ملامح عمه التي انقلبت حين سمع اسم ليو ، ثواني حتى عاد عمه ليقول معترضاً بلطف
(أليس هذا متعب له ؟ طالما نحن سنذهب سيكون أسهل له ولك لو اوصلتك انا )

لم يتأخر الفين بالرد هذه المرة فقد أراد إغلاق باب النقاش بأسرع وقت
(لا تقلق عمي هو لا يمانع ،شكرا لك مجدداً )

حمل اغراضه ليستأذن
(سأذهب الآن فقد اتفقت أن التقيه  بالخارج أخشى اني تأخرت عليه )
أومأ عمه بتفهم ثم قال قبل ان ينصرف الفين
(لو احتجت إلى أي شيء اخبرني دون تردد بني )

التفت الفين له ليؤمأ مع كلمة "سأفعل" وغادر من فوره بسرعة حتى خرج اخيراً

سار بخطوات مستعجلة نحو المكان المتفق عليه بعد أن شعر ببعض الراحة كمن يأخذ استراحة بين شوطين أخيراً ، وصل للشارع ليجد سيارة سوداء واقفة هناك فعرفها من فوره فتحرك باتجاهها ليحدق بالجالس بالداخل من النافذة

لاحظ أن ليو كان شارداً يحدق بالخارج بملامح جادة ليدرك أن مخاوفه تحققت حقاً وان الماضي وجد طريقه له حين صار وحده ، اخفض راسه بشيء من الحزن وهو يشعر بالذنب لتركه حتى سمع صوت ليو   والذي فور أن انتبه له فتح الباب سريعاً وهو يتسائل بقلق
(ال ؟! لما انت واقف هناك ؟! متى وصلت ؟ هل حصل شيء ؟!)

خرج من شروده واومأ سلباً ليدخل للسيارة وجلس  بالمقعد ليحدق به ليو بقلق واضح وهو يحاول جعله يتكلم بعد أن رأى تلك الملامح الحزينة على وجهه

(ماذا حدث ال !؟ لا تبدو لي بخير )

( لا شيء ، انا بخير حقاً ، فقط اخبرني هل تناولت الفطور ؟)

حرك ليو المقود بينما يجيبه بحيرة
(الفطور ؟! ما علاقة هذا بحديثنا الآن ؟ بأي حال لا لم أفعل )

تنهد الفين  وقرر أن يجبر نفسه على تناول الفطور مع ليو رغم أنه قد شبع بالفعل لكن يدرك أن رفيقه أعند من أن يوافق على أن يأكل وحده
( اذا لنذهب ونتناوله بمكان ما قبل الجامعة )

لم يمضي وقت طويل حتى وصلا ليتناول الاثنان  الطعام بعد أن حاول الفين قدر الإمكان تناول الطعام 

عادا للسيارة لاحقا ليتوجها للجامعة وفي طريقهما
تسائل ليو بشيء من الاستنكار بعد أن خطرت على باله فكرة سيئة 
(ال هل هم يعاملونك جيداً حقاً ؟!)

التفت الفين اليه يستفسر عن سبب السؤال
(أجل ، لما تظن غير هذا ؟!)

نطق بأستياء ظهر واضحاً على ملامحه  وصوته 
(أي معاملة هي هذه وهم لم يكلفوا  أنفسهم عناء صنع الفطور!)

اشاح الفين بوجهه ليقول بشيء من الامبالاة  التي رغب بواسطتها أن يسكت ليو عن الاعتراض
(لقد فعلوا ! لكني لم أشعر  بالراحة كثيراً لذا لم أكل سوى القليل !)

عاد ليو ليسأل مجدداً بقلق مفتضحاً بذلك كم هو قلق على رفيقه ويحاول إخفاء ذلك
(لما لست مرتاحاً!؟ هل قالوا لك أي شيء مزعج ؟!)

قرر الفين أخباره بما أراد رغم علمه أن ليو لن يصمت بعد سماع ذلك ولن يكف عن مدح نفسه ربما لكنه فقط أراد التأكد من تغير مزاجه والذي حاول إخفاءه فور رؤيته له  فقال بنبرة دلت  على الانزعاج قصد بها إخفاء  مشاعره الحقيقة
( لأن العيش مع عمي وأسرته والذين لم أرهم منذ سنوات ليست كالعيش مع اخ أحمق قضى معي كل طفولتي ويمكنني إظهار انفعالاتي أمامه !)

لم يخطأ حدس الفين ففور سماع ذلك  ابتسم ليو بسعادة ليبدأ سلسلة المديح بفخر وحماس
(اخيراً أخي يعترف اني الأفضل ! يوم واحد من دوني كان كافياً لتدرك كم اني  أخ وصديق رائع !)

سرعان ما قطب حاجبيه بأستياء ليردف
(لكن ما قصة أحمق ؟! ألا يمكنك قول شيء كامل دون افساده ال  ؟! )

ابتسم الفين بسخرية ليجيب بدون أي تردد
( اخبرك الحقيقة فقط ! والآن أوقف السيارة  فقد وصلنا لا أريد التأخر أكثر ! سانتظرك بعد المحاضرات )

عبس ليو بطفولية  أثناء قيامه بركن السيارة وهو يتمتم
(انت حقاً لا تعرف روعتي !)

ثم اردف بعدها
(انتظرني وإياك والذهاب من دوني كما بقيت بالامس وحدك  مفهوم ؟!)

ابتسم له الفين بعد أن أخذ اغراضه وقبل إغلاق الباب
(سأفعل ، اراك لاحقاً )

فور إغلاق الباب والمغادرة وحين غاب عن أنظار ليو تنهد ليو وارجع جسده للخلف ، اغمض عينيه وتغيرت ملامحه  فاخيراً قد غادر الفين ويمكنه إظهار استياءه الشديد ، أمسك بخصلات شعره
الزرقاء  لتتخلل بين انامله ، أطلق تنهيدة عميقة

حمل اغراضه بشيء من العنف وكانه يفرغ انزعاجه بها ونزل بعد أن اغلق باب سيارته ببطئ حتى لا تتأذى وغادر المكان ليذهب لقاعة المحاضرات

فور دخوله إلى هناك سمع صوت ذلك الشخص والذي كان أول ما فكر به ليو  حين سمعه
"سيكون اليوم مذهلاً على ما يبدو !"

أكمل طريقه بملامح منزعجة نحو المقعد المعزول إلا أن الحظ لم يكن حليفه فقد انتبه له  ذلك الشاب ليبتسم بمكر رغم انشغاله برفاقه من  حوله إلا أن مجيء الأستاذ أفسد الأمر عليه فاشاح بوجهه بأنزعاج بينما كان يسترق النظر مستمتعاً برؤية ليو متجهماً فقد كان واضحاً مدى انزعاجه ولم يكن لديه شيء أكثر من هذا قد يسعده

ليو والذي بقي بملامحه المقطبة تلك لم يستمع لأي كلمة قيلت فلديه ما يكفي وآخر ما كان ينقصه هو رؤية ذلك الشاب فلم يكن يعلم أن كان قادر حقاً على كبح نفسه وعدم قتل من سيزعجه هذه الأيام !

انتهت المحاضرة سريعاً فلم يتمكن الشاب من الانتظار أكثر فنهض من فوره عن مقعده وتوجه نحو ليو الذي كان يجمع اغراضه استعداداً للمغادرة وقف أمامه بكل غرور وهو يضع يديه بجيبه ويبتسم باستفزاز
(مرحباً ليو ، كيف حالك اليوم ؟ )

لم يتلقى رداً ولكنه لم يصمت بل اردف بابتسامة أكثر اتساعاً
(تبدو لي منزعجاً هل تحتاج لأي مساعدة ؟  )

لم يرد مجدداً فجاء رفاق الشاب ليروا ليو الذي يتجاهله فنطق أحدهم بسخط
(لنذهب وحسب ، لا يستحق إضاعة الوقت معه !)

رد عليه الآخر مؤكداً على رأي رفيقه
(أجل هذا المغرور لا يستحق أي اهتمام يجب تجاهله!)

ليو والذي لم يعر كلامهم أي اهتمام أراد الخروج والتحرك إلا أن الشاب اوقفه حين همس ببضع كلمات
(يفضل أن تجيب حين أسألك بدل أن تفسد سمعتك أكثر من ما هي سيئة أيها ........)

قبل ان يكمل آخر كلمة كان ليو قد  دفعه للخلف بقوة وعيناه تزداد حدة وحقد كل دقيقة   ولو كانت النظرات تقتل لكان الشاب ميتاً  الان ،ليو والذي شعر برغبة شديدة بضربه بكل ما لديه حتى يرتاح ابتعد بصعوبة لكي لا ينقض  عليه ويقتله هنا  والآن

فور وصوله للخارج أسرع بخطواته لكي يذهب لصغيرته وملامحه المخيفة لم تغادر مطلقاً بل كان واضحاً أنه على وشك ارتكاب جريمة ما والشرر يتطاير من عينيه ، يداه تضغطان على ما بيده بقوة شديدة كما لو كانت هي المذنبة  والأرض لم تسلم هي الآخرى فوقع قدميه كان أشبه بزلزال يحاول تحطيم الأرض تحته

عند الفين والذي كان قد حظر المحاضرة وبفضل ذلك  الكابوس  الذي ازعجه لم تكن ليلته مريحة فكان لديه صداع فظيع رافقه طوال الوقت فلم يتمكن من سماع ولا  حتى كلمة واحدة فحمل اغراضه  وخرج بعد نهاية اول محاضرة وقد قرر أن يبقى قرب السيارة حتى عودة ليو

خلال فترة انتظاره رأى من بعيد ليو والذي اقبل بتلك الملامح ، شك بالبداية بهويته فلا يفترض به أن يأتي إلا بعد ساعتين !

نهض  وابعد السماعة عن أذنيه وترك المحاضرات من يده وبقي يحدق بليو الذي اقبل دون أن ينتبه لالفين  الذي فور رؤية ملامح رفيقه تملكه قلق فظيع فهو يعرف رفيقه وحين يكون  غاضباً هكذا فهذا بالتأكيد يعني كارثة !

تقدم ببطئ نحو ليو ليتفقده فلم ينتبه ليو للأمر مطلقاً حتى سحب ال يده محاولاً إيقافه ، وبفضل مزاجه وغضبه كان أول ما قام به ليو كردة فعل هو سحب يده بقوة والالتفات لينظر بحقد لمن قاطع اعاصير   أفكاره إلا أن نظرة واحدة لرفيقه جعلت كل شيء يتبخر خصوصا  حين رأى تلك النظرة القلقة على ملامحه فتبدل الغضب ارتباكاً بمحاولة يائسة ليعود لدور المرح

للأسف لم يسعفه الوقت فقد نطق ال بحزم وقطب حاجبيه حين رأى  ليو مرتبكاً هكذا
(لا تتعب نفسك وتقول لا شيء حدث ! ماذا جرى ؟!)

اشاح ليو بوجهه وهو يقول بصوت خافت
(لا شيء حقاً فقط مزاجي سيء )

ثم نظر نحو ال مجدداً ليسأل بقلق
(لما تركت محاضراتك؟!أنت لا تفعلها ابدا ! ماذا جرى ؟!)

لم يقتنع الفين بجوابه لكنه قرر ما سيفعله بالفعل فهو يدرك أنه ما لم يعلم بنفسه لن يخبره ليو مطلقاً

تنهد قائلاً بأستياء مبطن بنبرته
( لا شيء مهم )

قطب ليو حاجبيه بسرعة وهو يستنكر جوابه
(لا شيء لا يمكنها أن تجعل ال الذي هو معروف بأجتهاده يترك محاضراته)

رد عليه الفين بحاجب مرفوع
(وهل لا شيء خاصتك تجعلك تبدو كمن هو على وشك قتل شخص ؟!)

اسكت هذا ليو الذي شعر بالقلق أكثر فهل هذا يعني أن شيء حصل ورفيقه يرفض أخباره ؟!خرج من شروده على صوت الفين الذي تسائل
(هل يمكنك اخذ إجازة من العمل ؟)

فور سماع ذلك تملكته حيرة واضحة  انعكست على ملامحه وسأل بريبة
(أجل لكن لماذا ؟! هل تعاني من شيء ؟!)

ابتسم الفين بثقة فور سماع جوابه وأخرج هاتفه هو الآخر ليتصل تحت أنظار ليو القلقة بمديره  ويأخذ إجازة هو الآخر وفور انتهاءه نطق ليو بنفاذ صبر من شدة القلق
(ماذا تفعل ال ؟ هل ستشرح لي أم ماذا ؟!)

حدق به الفين وقال بصيغة آمرة
(ستأخذني لمكان ما ، لهذا احتاجك )

قطب ليو حاجبيه أكثر وقبل أن يتحدث تحرك الفين ليتجه للسيارة تاركاً ليو بقلقه والذي  لحق به من فوره

طوال الطريق كان الفين يشير للطريق الذي يجب سلوكه دون قول اي شيء عن الوجهه بينما ليو يعيد طرح السؤال بين حين وآخر ولا رد

وصلا بعد وقت قصير لمكان ما ليعطي الفين إشارة لليو بالتوقف ، حدق ليو بكل ما حوله بفضول محاولاً أن يحزر المكان المقصود ولم يجد ضالته

ثواني حتى نزل الفين ليتبعه ليو بفضول ، وقف ليو بقربه يراقب ماينظر  اليه الفين ولم يكن سوى
متنزه "كوتسلو مدبارك"

نظر ليو نحو الفين حين نطق المعني
(سنقضي اليوم هنا )

(ها؟ماذا يجري ؟)
لم يعلم كيف خرجت الكلمات منه والحيرة تغلفها
فهو لا يفهم للان ما يجري تماما حتى نطق ال وهو يشيح بوجهه
(الاجواء خانقة هذه الأيام ولا نفعل شيء سوى جامعة عمل جامعة عمل لذا ربما قضاء بعض الوقت معاً في مكان كهذا سيقلل التوتر على كلينا)

استوعب ليو الأمر ليبتسم حينها بسعادة بالغة فال  لم يفعل كل ذلك إلا لرؤيته ملامح ليو القلقة فكان ذلك كفيلاً بجعله ينسى كم كان اليوم تعيساً ووعد نفسه بالاستمتاع باليوم بأي ثمن

سمع صوت الفين والذي تقدم للإمام ينادي عليه لكي يدخلا فتحرك بخطوات  متسارعة ليصير قرب الفين
( يجب ان نشتري شيء لاكله )

زل لسان الفين حين نطق بشيء من الانزعاج
(لا اظنني ساحتمل تناول شيء حاليا تناولت الطعام مرتين بالفعل !)

نظر اليه ليو ليسأل بحيرة
(مرتين ؟)

انتبه الفين للأمر فقال بسرعة ليغير الموضوع
(فقط لنؤجل تناوله حاليا ونستمتع بالوقت قليلاً !)

شعر ليو بالريبة وأراد السؤال إلا أن الفين تحرك ليقطع الموضوع نهائياً  ويشغل ليو حتى ينسى

لم يمضي وقت طويل حتى توجه الاثنان لما قرره ال والذي كان لعبة البحث عن الكنز ؛ حدق ليو به لثواني  وكانه يتسائل بسخرية
(هل حقا ال المجتهد سيلعب هذا ؟ )

اشاح بوجهه وهو يتذمر بشيء من الطفولية النادرة الظهور
(وما المانع ؟!هي لعبة يمكن لأي أحد أن يلعبها !)

ضحك ليو بخفة فتحرك الفين مدعياً الغضب
(سأذهب وحدي  أبقى هنا أيها الاحمق !)

توقف ليو عن الضحك ليعقد حاجبيه  متذمراً
(فظيع ال ! لست أحمق )

الفين والذي تجاهله وأكمل سيره للداخل جعل ليو  يلحق به من فوره ليصير بجانبه مجدداً بينما ينطق بتذمر
(لا تتركني  بالخلف سأتي معك !)

وصلا لمكان يشبه شاطئ البحر إلا أنه مصغر منه وحسب بقربه بحيرة صغيرة  تحيطها الرمال من كل جانب والأدوات موزعة على الأرض ، بعض الحيوانات البحرية كسرطان البحر وبعض الإصداف التي تحوي لؤلؤ مزيف وأدوات حفر ودلو إضافة لصخور وأشجار صناعية

أشار ال نحو اليمين
(ليو انا سأذهب إلى هناك انت إذهب لليسار وابحث عن أي شيء قد يدلنا )

أومأ ليو من فوره ليتوجه نحو المكان المقصود ، أول وجهه له كانت سرطان البحر المزيف امسكه بيده وهو يحدق به بفضول ، قلبه بيده إلى أن قرر إعادته للأرض وقبل أن تصل يده للأرض تحرك السرطان البحري بيده ليفزع ليو بشدة ويرميه بقوة شديدة ارضاً تراجع للخلف فالتفت اليه الفين بقلق واقترب منه ليسأل
( ما بك ؟! هل حصل شيء ؟!)

حدق ليو بالسرطان بحقد شديد وهو يشير إليه
(هذا الشيء المقرف تحرك !)

حدق به الفين لوقت قصير ثم ضحك بخفة بينما يحاول كتم ضحكه فاشاح ليو بوجهه بأستياء
(لا تضحك ال ! يفترض بك قتل ذلك الشيء لمضايقتي !)

وضع الفين يده على كتف ليو وهو يقول بسخرية
(هو مجرد روبوت لذا لا تفكر بكسره حقاً ! وعد لإكمال البحث بدل إضاعة الوقت )

تنهد ليو بأستياء وهو يرى الفين يعود لمكانه  وظل يتذمر بهمس  بينما توجه نحو الدلو المعدني
(هذا مريع حقاً أكره هذه اللعبة !)

استمر الاثنان يقلبان بالأدوات  حتى هتف ليو بحماس
(ال ! وجدت شيئاً !)

ترك ال ما بيده ليتوجه نحو ليو الذي كان جالساً بين أعشاب اصطناعية ودنى منه  لينظر لتلك الورقة بيده والتي حوت على لغز يدلهم على  المكان التالي
(أمنح الدفء  ، لا ترتاح إلا معي  ،ستجدني حيث الضوء   )

حدق الاثنان ببعضهما لينظرا نحو الخارطة بيدهما ،
أشار ليو نحو غرفة ما على الخارطة
(من ماذا يتكون هذا المكان ؟)

حدق به الفين لوقت قصير ثم نطق وعيناه تجول على الخارطة
(يوجد مكان أشبه بمتحف هنا ، غرفة ما أشبه بشقة أظن و حديقة ونفق ما )

فكر ليو بعمق بينما تحدث الفين بشيء من التركيز
(لو فكرنا بما قيل فأكثر مكان ملائم هو الغرفة والحديقة أظن )

ليو رد عليه بينما يضع يده اسفل ذقنه
( أليس المتحف أيضا ضمن التوقعات ؟ الضوء إلا يعني الشهرة ؟ )

نظر اليه الفين وأجاب من فوره
(ربما لكن لنضعه آخر احتمال )

أيده ليو من فوره ليقول
(اتفق معك من يرغب بزيارة مكان ممل يعلقون به صور لا اجد بها أي مغزى!)

وصلا بعد وقت قصير للغرفة ليجدا كل شيء مبعثر فيه  الأريكة مليئة بملابس  والأرض تحوي مكعبات ملونة  السرير تبعثر الغطاء فوقه مع بعض الأوراق والمدخنة منطفئة ومملوءة  بالحطب
حدق الاثنان بما حولهما  في محاولة للتوصل لما عناه اللغز ، توجه ليو نحو السرير ليبحث
( يفترض أن يكون هذا ! هو المكان المريح والذي يمنح الدفئ )

اعترض الفين ليقول بحيرة
(لكن ما علاقة الضوء ؟لا علاقة للأمر حقاً )

ضم ليو ذراعيه لصدره وبدأ يفكر بعمق بتفسير لهذا بينما الفين ظل  يحدق بما حوله من مصادر الضوء ،
تفقدها بسرعة ولم يجد أي دليل حتى انتبه للمدخنة

توجه نحوها ليدنو منها ويبحث بين قطع الخشب ولم تمضي سوى دقائق  حتى ابتسم
(ليو ، وجدته )

اقترب ليو منه ووقف بقربه ليرى الورقة بيده
(ماذا تقول الورقة ؟)

قرأ الفين بهدوء بينما يفكر بالمكتوب
( انا مقبرة عميقة  بمنتصف الظلام )

وضع الفين يده اسفل ذقنه بينما يحلل ما قراءه بصوت مرتفع
(اذا ما فكرنا بمقبرة وظلام ستكون  مكان مظلم وعميق أليس هذا ما قد يخطر على البال؟)

أومأ ليو بينما اكمل كلام رفيقه
(وذاك النفق الذي ذكرته يتناسب مع الوصف )

أومأ الفين ووضع الورقة بجيبه بينما يهم بالخروج
(لنذهب اذا ، علينا إكمال هذا بسرعة )

وصلا بعد مدة للنفق والذي كان مظلم تماماً يخلو من أي مصدر للضوء عدا بعض المشاعل المعلقة والتي يتحرك لهبها    بفعل الرياح

ليو قال بينما ينظر حوله بشيء من عدم الراحة
(لا يعجبني المكان )

نظر الفين حوله بالمكان ليقول بهدوء
(هو يبدو أشبه بنفق الرعب الذي يستخدم بألعاب الشجاعة )

عبس ليو ليقول بأستياء
(الم يجدوا غير مكان مزعج كهذا ؟! هي لعبة كنز مملة  لا لعبة رعب سخيفة !)

تنهد الفين وتحرك للإمام
(لا حل غير الاكمال أكره ترك شيء ناقص سنكملها ونخرج )

تنهد ليو وركض خلفه ليسير الاثنان به وهما ينظران حولهما للتماثيل الدموية الموزعة  وبعض الأشرطة التي تنزل فجأءة على وجههما ، لم يكن الأمر مخيفاً لاي منهما إلى أن وصلا أمام صندوق غريب

وقف الاثنان أمامه وقبل أن تصل يد الفين له انفتح الصندوق ليخرج منه مهرج بزينة تمزج البنفسجي بالأسود وبعض الأحمر الدموي بشعر برتقالي مبعثر وملابس سوداء وحمراء
 
فزع الاثنان ليتراجعا للخلف بسبب المفاجئة وضحكته الغريبة تلك

ليو تراجع بسرعة ليقف خلف الفين والذي ظل يحدق بما أمامه بارتباك من شكله الغريب  بينما ليو يؤشر بيده نحو المهرج وهو يتذمر بأستياء من خلف الفين بشيء من الغضب الذي يخفي خوفه خلفه
(لما وضع هذا الشيء ألتعيس بلعبة اطفال ؟!من الغبي الذي يضع أشياء تصبغ وجهها بألوان مرعبة بلعبة البحث عن الكنز !)

الفين خرج من ارتباكه حين رأى ردة فعل ليو ليكتم ضحكته بصعوبة ليزداد عبوس ليو والذي لم يغادر من خلف الفين بينما المهرج مد يده ليقدم ورقة ما لالفين ، ليو تراجع للخلف أكثر ولا يزال متمسك بقميص الفين
( خذها منه ولنغادر هذا المكان الاحمق الفين ! لا أريد التواجد بنفس المكان مع هذا الشيء الملون !)

الفين اخذ الورقة والتي لم تكن سوى خريطة لإكمال الطريق  ليشعر بيد رفيقه تمتد لسحبه بسرعة بدأ كما لو كان يحاول الركض للهرب وجر الفين معه

وصل   الاثنان  للخارج ، الفين ابتسم بسخرية ممازحاً رفيقه بينما كانا يحاولان التقاط انفاسهما من سرعة السير التي كانت متعبة 
(لعبة اطفال صحيح ؟ من الذي كاد يموت رعباً قبل قليل ولو كان بيده لطار لمجرة أخرى ؟! ؟)

عبس بقوة بينما يدافع عن نفسه بأستياء طفولي
(لا تسخر  يا اخي ! هم وضعوا ذلك الشيء الاحمق هناك !من يضع مهرج بلعبة البحث عن الكنز بحق الله ؟!فقط تباً ! لما دخلنا هذه اللعبة الغبية مجدداً ! أكرهها !)

ضحك الفين بخفة وقال بغير اهتمام
(حسنا حسنا فهمت انك تكرهها فقط لننهها اذا ونخرج فقد بدأت أشعر بالتعب )

لم يزل عبوس ليو من ملامحه المتجهمة  إلا أنه لحق بألفين حتى وصلا للمكان المرسوم على الخريطة ولم يكن سوى محل وجبات سريعة ،دخل ليو والفين اليه لتستقبلهما العاملة وتقول بنبرة ودودة
(مرحبا بكما ،لقد ربحتما معا الكنز !وجبة مجانية من اختياركما)

ليو نظر نحو الفين ليعترض من فوره
(أهذا هو الكنز ؟! تباً فقط لما اضعت وقتي ورأيت ذاك الشيء ؟! هذا ليس عدلاً )

قالت الفتاة مجدداً بنفس نبرتها السابقة
(ارجو منكما الاختيار )

نظر الفين نحو ليو ليقول بهدوء
(اختر ما يعجبك  انا ساتناول أي شيء )

لم يحتج لوقت للتفكير ، طلب من فوره الطلب المتوقع
(بيتزا دون شك )

اومأت العاملة لتذهب وتوصل الطلب بينما توجه الاثنان للجلوس على طاولة

تذكر ليو امراً فنطق من فوره بحيرة
(ال، ماذا قصدت سابقاً حين قلت تناولت الطعام مرتين ؟)

تفاجأ الفين من السؤال ليرده بسؤال
(لما تذكرت هذا الآن ؟ انسى الأمر هو لا شيء )

قطب ليو حاجبيه ليقول بتذمر
(لم انسى فقط انشغلنا بالكثير والآن أريد الجواب )

تردد الفين بالرد إلا أنه سرعان ما نطق بثقة بعد أن ارجع جسده للخلف وضم يديه لصدره
(فقط تناولت وجبة طعام أخرى بينما انتظرك رغبة في تمضية الوقت لكن فقط تسببت لي بألم بالمعدة لاني لم أكن   جائعاً هذا فقط !)

لم يقتنع ليو بالجواب بل شعر ببعض الريبة إلا أنه حين لاحظ عناد الفين قرر الصمت فلم يكن لديه حل سوى هذا

وصلت البيتزا بعد مدى ليبدأ الاثنان بتناول الطعام
وبعد الانتهاء خرجا للتجول بالمكان دون وجهه محددة
وصلا بعد وقت قصير لمنتصف المنتزه ، نظر الفين نحو مكان ما
أشار بيده نحو بحيرة ما تجمع الناس حولها لاطعام البط
(انظر هل نذهب إلى هناك ؟)

نظر ليو اليها ليقول بحماس
(أجل لنفعل )

اقتربا من  البحيرة حيث كان أنواع من البط والاوز تسبح بالإرجاء وتقترب من   السياح لكي تأكل
نهض الفين ليشتري بعض الطعام لها وعاد مجدداً ليقترب ويجلس قرب ليو ويعطيه بعض من الطعام

تقدم الاثنان كل واحد من بدا بمنح الطعام لإحدى البطات
بينما كان ليو يطعم البطة التي لديه اذا بها تغادر وتتركه لتذهب للسباحة ، هتف بأستياء طفولي
(فظيع ! ألا تعرف الأخلاق ؟! كيف تتجاهل شخص مثلي!الحق علي اني اطعمتها !)

ضحك الفين بخفة ليقول من بين ضحكاته ساخراً
(هل تتوقع من بطة امتلاك أخلاق أو حتى أن تفهم  أن السيد ليو بذاته يطعمها)
تحركت مقلتيه من فورها نحو ال ليسأل معترضاً
(لما استشعر سخرية مبطنة ال ؟! )

نهض الفين بعد أن أنهى الطعام بيده ليتحرك مبتعداً
(لنغادر ليو لا يزال أمامنا الكثير لفعله هنا !)

رمى ليو آخر ما تبقى بيده دفعة واحدة وغادر لاحقاً بألفين

وصلا عند خارطة وضحت معالم المكان ليحدق الاثنان بها في محاولة لتقرير ما سيفعلانه اليوم

تسائل الفين بهدوء
(اهناك مكان معين ترغب بالذهاب اليه ؟)

وضع ليو يده اسفل  ذقنه بينما يجيب بنبرة حائرة
(همم..أظن ربما الذهاب بالقطار وركوب قارب )

التفت ليو اليه
(هل ننطلق ؟)

أومأ الفين ايجاباً ليتحركا باتجاه القارب والذي كان يتخذ مساره خلال بحيرة كبيرة وبفضل حبهما للماء كان ذلك أفضل مكان قد يفكران فيه ، ركب الاثنان ليتوجها للوقوف على الحافة ليراقبا الماء والرياح تداعب وجهيهما وتحفز خصلات شعرهما على التمرد

تأمل الإثنان تلك الأمواج ، اغمض ليو عينيه ليستمع لصوت الأمواج وقال من فوره 
(ال ، اغمض عينيك وجرب أن تشعر بالماء من صوت امواجه  ، هو شعور لا يوصف )

اغمض الفين عسليتيه هو الآخر لتنساب أصوات الأمواج إلى اذنه وتلك النسمات الهادئة جعلته يشعر أنه يحلق بالهواء ،

شعور بالحرية ذكره بالعديد من الأمور

رفع راسه للأعلى كما لو كان ينظر للفضاء رغم أن خليتي  العسل بمقلتيه كانت قد اختبئتا اسفل جفنه ، يداه امسكتا بحافة السفينة  وملامح وجهه مرتخية لكنها سرعان ما ظهر  عليها ملامح الحزن والضيق  ولم يخرج من أفكاره إلا على صوت ليو الذي ظل ينادي عليه حين لاحظ صمته وشروده مع تلك الملامح

حرك كتفه قليلاً ليفتح الفين عينيه ويحدق بليو القلق ، ابتسم لطمانته
(هيا بنا ، لا يزال أمامنا الكثير )

سار بخطوات متباطئة سابقاً ليو الذي ظل يحدق باثره بشيء من القلق ، تسائل بنفسه عن سبب تغير ملامح الفين بهذا الشكل وان كان ذلك اعاد له ذكرى ما ولم يتذكر اي شيء يذكر
حاول مراقبة ملامح ال لكنه لاحظ عودتها لطبيعتها فقرر أن يراقبه بشكل أكبر للتأكد أن كان بخير أم لا

وصلا بعد مدة للقطار حيث ركباه  وبدأ الاثنان بالتعليق على كل ما يريانه كطفلين ربما  وقد فكر الفين بداخله متسائلاً
" كم مضى على آخر مرة ذهبت للاستمتاع بشيء حقا !"

وصلت الرحلة لنهايتها حين حل المساء بالفعل ، توجه الفين وليو نحو السيارة وهم يتبادلان الحديث عن ما شاهداه هنا

ليو كان قد لاحظ بالفعل أن تصرفات الفين اليوم كانت خارجة عن المألوف قليلاً فهو ليس من النوع الذي يقضى وقته بالقيام بشيء كلعبة الكنز أو الذهاب بنزهه إلا أن قضاء الوقت هنا جعله يدرك أن الفين بذل جهده حقاً ليستمتع لاجله ولأجل ليو نفسه  وهذا جعل ابتسامة متمردة ممتنة ترتسم على  وجهه وشيء من الاطمئنان عاد له 
~~~~~
عم الفين والذي كان قد أنهى عمله قرر التوجه لاخذه من المطعم لكي يمنع ليو من الاختلاط به لوقت طويل

وصل للمطعم لينزل من سيارته ويتوجه نحو الداخل ، نظر حوله باحثاً عن ضالته ولا أثر ، فكر باحتمال أن  يكون الفين قد أنهى عمله فقرر التوجه للمدير ليساله
(مرحبا ، هل الفين هنا ؟)

نظر اليه المدير ليجيب بعد وقت قصير
(لم يأتي اليوم ، لقد اخذ إجازة )

تسلل القلق لقلبه لينعكس على ملامحه وهو يتسائل
(هل حصل معه شيء ؟!)

رد عليه المدير من فوره بهدوء بينما يضع يده اسفل ذقنه
(قال لي أن لديه عمل مهم مع صديق له لذا لم يأتي )

فور سماع ذلك  شعر بأنزعاج شديد فكلما حاول ابعاده اكثر وجده مقرب اليه أكثر من ما كان يتصور

شكر المدير بهدوء وغادر وهو يغلي من الداخل وهو يفكر أن ليو ربما يتعمد فعل ذلك ويستدرج ال اليه

قاد سيارته للمنزل والتجهم واضح على وجهه حتى وصل ليدخل من فوره لتستقبله زوجته كالمعتاد ، فور رؤية ملامح وجهه سالت بقلق
(ماذا هناك عزيزي ؟هل حصل شيء ؟!)

يتبع

ارجو ان يعجبكم ❤

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top