بارت 4
صمت طويل عم الاجواء في السيارة ومن شدة السكون قد يخيل لأي أحد أن المكان خالي من أي وجود ولم يكن سبب هذا سوى أن كل من الشابين غرق بأفكاره
ليو والذي لم تغب تلك النظرة عن مخيلته حتى صار يشعر انه مجرد هارب من القانون وقد تم إلقاء القبض عليه بالجرم المشهود !
اللوم واصابع الاتهام التي توجهت نحوه جعلته يرتعب من فكرة أن صديقه قد يسلب منه تماما فيغدو وحيدا لا يرافقه سوى الوحدة انيساً
استرق النظر لملامح الفين المجاور له والذي اتخذت عيناه الطريق مهرباً وان كانتا لم تبصرا شيء منه فالصورة الوحيدة بعقله هي شريط فيديو يعيد نفسه مراراً وحوار عمه لم يغادر عقله للحظة
أن تظهر له أسرته وتطالبه بالعودة بكل هذا اللطف ، كان الأمر أشبه بمعجزة مريبة بالنسبة له وهو من يدرك موقف أسرته منه
التمعت بعقله صورة أخرى من وقت مضى وتركت تلك الصورة قطرات ماء تسقي روح صاحبها سماً يقتل ببطئ فلم ينتبه لنفسه حين اظلمت ملامحه تماماً
انتبه ليو للأمر لكنه ابتلع قلقه محاولاً عدم الانهيار بعد أن عاد له هو الآخر مقتطفات من ما مضى ولم يكن يملك أي كلمة قد تكون ذات وقع إيجابي فاكتفى الاثنان بالصمت حتى عادا للمنزل فدخل الفين نحو غرفته بعد أن ألقى بكلمة بصوت منخفض يبلغ ليو أنه متوجه للنوم
حدق به ليو بصمت ثم أومأ بصوت منخفض وعيناه تحدقان بالارض
(تصبح على خير )
دخل لغرفته وأغلق الباب ورمى سترته التي قبضت عليها يده على الكرسي وتوجه يرمي جسده على سريره بأهمال ويتبعثر شعره على السرير بفوضوية
وخليتا العسل بعينيه شردتا بالسقف ليعود برحلة أخرى للماضي غير مدرك متى ستنتهي والحيرة قد بلغت أقصاها بما يجب أن يفعله بشأن عمه
ليو بالغرفة الاخرى جلس على كرسيه ليسند ظهره بالمقعد الجلدي ويرمي عليه بعضاً من ثقل قلبه وان كان ذلك كله لم ينفع بل شعر بأنفاسه تخنقه كأنها تلومه على ابقائها
فكرة رحيل الفين لم تكن شيئاً وضعه بالحسبان يوماً بل كان كل تفكيره أنهما سيبقيان معا كأسرة ، شعر بشيء بداخله يتحطم والإحساس بالذنب لم يفارقه فقرر النهوض والمغادرة بعد أن صارت أجواء المنزل خانقة
فور خروجه من غرفته فوجئ بالفين يقف أمام الباب بصمت فنطق ليو بحيرة بعد أن اقترب من الفين ووضع يده على كتفه
(ال ، ماذا تفعل هنا !؟ لما لم تنم بعد ؟)
خرج المعني من شروده على صوت رفيقه ليحدق به بملامح غامضة اشعلت فتيل الخوف مجدداً بقلب ليو لكن من أجاد التمثيل طوال سنوات لن يصعب عليه هذا ليوم واحد وان كان الموضوع الذي يمثل به حالياً هو أكثر شيء لا يرغب بحدوثه!
ابتسم بمرح ممازحاً رفيقه الصامت
(اظنني عرفت بما تفكر ! كيف انك محظوظ بصديق مثلي !)
لم يستطع الفين أن يمنع ابتسامته السعيدة والممتنة لليو بعد أن اخفض راسه قليلاً ثم ارتفعت حدقتاه
لتقع على رفيقه مجدداً ونطق بهدوء
(اريد التحدث إليك !)
رغم ما انتابه من قلق ورغبة بعدم سماع التالي إلا أنه أجبر نفسه كعادته واومأ على الفور ليتجه الاثنان لغرفة الجلوس ليكون ليو أول من يكسر الصمت بعد أن رأى تردد الفين والذي كان يكثر من الشرود وكأنه يحاول مناقشة الأمر مراراً في نفسه
(ما الأمر ال ؟ )
رفع الفين رأسه لينطق بشيء من التردد
( اليوم ، عمي جاء الي للعمل )
لم يعلق ليو بشيء بل استمر بملامحه الهادئة رغم أنه يحترق من الداخل واستمع لما يريد رفيقه
(طلب مني العيش معه وقال إنه يريد أن يعوضني ويريد الاطمئنان علي لذا يريدني بمنزله )
احتفظ ليو بهدوئه وهو لا يعلم كيف فعلها بل كان يقسم أنه فخور بنفسه وأنها معجزة ما أنه استطاع عدم الاعتراض
(وما رأيك ال ؟ أنا أرى أن تذهب اليه ، أعني هو لطيف معك وسيكون لطيف أن تتواصل مع فرد من أسرتك خصوصاً أنه طيب معك ! )
حدق به الفين بتردد ثم نطق بشيء من الشك
(ولكن هل حقاً لا بأس بهذا ؟! أشعر اني لست مستعداً بعد ثم لا أريد لك ان تبقى بمفردك !)
تحدث ليو بأستياء طفولي
(وهل أنا طفل لتقلق ؟! ثم ليس وكاننا سنفترق أو ما شابه ! فقط ستنام بمنزله وغرفتك تنتظرك متى قررت العودة !)
عاد الفين ليخفض رأسه ويحدق بيديه المعقودتين أمامه ليردف ليو بمرح
(لا تتردد هكذا ال ! جرب وحسب ولو ازعجك سأتكفل بقتله لاجلك !)
ابتسم الفين بخفة نهض ليو ليتحرك بخطوات متباطئة نحو المطبخ بينما يخبر رفيقه
(سأعد شيء لكلينا )
ارجع الفين جسده ليرمي بثقله على الأريكة تماماً لتحتظن جسده مجيباً رفيقه بسخرية
(تعد ماذا! ؟ انت لا تعرف صنع أي نوع من الطعام ! لا انوي الذهاب للمشفى !)
رد عليه ليو بأستياء مبدياً اعتراضه
(فظيع ! هذا بدل شكري على جهودي التي اقدمها !؟ حقاً أحيانا أظن انك لا تستحق صديق مثلي !)
ضحك الفين بمرح لينهض ويتحرك بأثر رفيقه
(لنعد كوب من الشوكلا وحسب ونذهب للنوم لدينا غداً جامعة وعمل !)
رد رفيقه لم يتأخر والذي كان متوقعاً من قبل الفين الذي فور سماعه رفيقه يرد
(فظيع !هذا ممل ! لا أريد الذهاب للجامعة هذا إجرام !)
ضحك بخفة ليشاركه ليو الابتسامة رغم ما يختلج داخله من مشاعر تحاول اقتلاع أي ذرة إيجابية متبقية بقلبه كما لو كانت إعصار مدمر وهو يناضل للصمود بوجهها
فوضى عارمة أحدثاها بالمكان كما لو كانا طفلين صغيرين يلعبان بالطين ، المطبخ امتلئ بالحليب الذي ملئ الأرضية بسبب عبث ليو والذي لم يتردد الفين برده في محاولة من الاثنين لجعل الأمور تبدو طبيعية وان كان كل منهما يشعر بالقلق من نتائج ذلك القرار ، شرب الاثنان كوب الشوكلا الساخن مع تشغيل بعض الموسيقى الهادئة ليخلد كل منهما للنوم أو هذا ما قالاه بينما اتخذ كل منهما من جدران غرفته وسيلة لإخفاء مشاعره القلقة خلفها وقضى الاثنان الليل يفكران بالمجهول
إشراقة الشمس هي بداية يوم جديد بعضهم من يكون يتوق له والبعض الاخر يتمنى لو ان بينه وبين ذلك اليوم الف سنة أو أكثر
استيقظ ليو بعد أن قضى معضم الليل بالقلق والتفكير وبعضه الآخر كوابيس فكان مزاجه مذهلاً كفاية ليكون أول ما يرغب به منذ الصباح هو قتل أحدهم
الفين لم تغمض له عين وهو يفكر بالاحتمالات ولم يشعر إلا وقد بدأت أشعة الشمس تشرق على غرفته لترافقه في رحلة الذكريات وعلى خلاف المعتاد كان ليو هذه المرة من جاء لايقاظ رفيقه والذي ما اعتاد التأخر يوماً إلا أن ما يشغله باله جعله لا يدرك ما حوله
صوت رفيقه المرح أنساب إلى اذنه لينتشله من تلك الأفكار فنهض من فوره ليحدق به محاولاً التظاهر أنه استيقظ تواً لكن عيناه التي ارهقها السهر فأحيل لونها محمراً كشفت الأمر سريعاً خصوصاً وليو كان يشك بهذا منذ البداية ، صمت قليلاً محدقاً برفيقه والذي تدارك الموقف مغيراً الموضوع
(يالها من معجزة ! ليو يأتي لايقاظي ؟!سأسجل هذا اليوم بالتاريخ !)
تماشى الآخر معه ليرد عليه مستاءاً
( لا تبالغ ! انا استيقظ باكراً بسبب التعاسة المسماة جامعة كل يوم أليس كذلك ؟! )
نهض الفين من سريره ليتجه نحو خزانة ملابسه وراداً على رفيقه
(أجل بعد أن اضيع على الأقل عشر دقائق لايقاظك! إذهب الان لتغير ثيابك أم ستبقى تحاول إثبات انك لست كسولاً )
عبس المعني فتحرك من فوره بينما يتمتم
(انت فظيع !)
خرج الاثنان بالسيارة كعادتهما إلا أن الفين رفض تناول الفطور ولم يلح ليو فلا رغبة له هو الآخر بتناول أي شيء ليتوجه الاثنان بصمت نحو الجامعة ، توجه ليو نحو موقف السيارات بينما نزل الفين متوجهاً لحديقة الجامعة حيث لم يكن لديه محاظرة صباحية ، جلس بالحديقة عيناه تعلقتا بالبحيرة أمامه بينما ترك لنفسه حرية الغوص بافكاره مجدداً رغم أنه بدأ يصاب بصداع من شدة التفكير لكن هذا لم يمنعه من الاستمرار
رغبته بعدم ترك ليو لم تكن السبب الوحيد لكنه أثر الصمت عن مخاوفه الاخرى خشية غضب رفيقه ولم يكشف له عن ما حدث وجعله يقلق من الثقة بعمه
مخاوفه من ما قد يحدث نتيجة هذا القرار لم تترك له المجال للراحة ،" ماذا لو " ظلت هذه الكلمة تتردد بعقله كل مرة باحتمال جديد متخوفاً من ما سيحدث
وان كان قراره هذا سيودي به لالم بسبب تسرعه
خلال هذه الأثناء توجه ليو نحو المحاظرة على مضض فهو بمزاج سيء ولا رغبة له بأي شيء واحتمال رؤية ذلك الشاب الذي ازعجه تجعله يرغب بمغادرة الجامعة كلها فهو لن يتردد بالانقضاض
عليه مع مزاجه الحالي
دخل المحاظرة رغم كل شيء وذهب لمكانه المعتادة واتخذ رأسه من المدرج أمامه وسادة يريح بها رأسه الذي اثقلته الأفكار
لم يكلف نفسه عناء رفع راسه طوال المحاظرات وحتى لو حاول ولو قليلا عقله كان يغادر من فوره ليعود لشروده وشعور بعدم الراحة
الفين والذي لأول مرة تجاهل محاظرته الأولى بسبب قلقه وسرعان ما شعر بنفسه وقد مرت ساعة بالفعل
فنهض من فوره مفزوعاً وحمل اغراضه مسرعاً نحو القاعة
وصل بعد مدة ليجد الأستاذ قد حظر بالفعل وتوجهت الانظار نحو الشاب المتأخر ، شعر ببعض الاحراج لكنه لم يظهر أي تعبير بل توجه مسرعاً نحو مقعده ومن حسن حظه لم يتم توبيخه كونه لم يكن طالباً مهملاً فأول ما سيخطر على بالي أي أحد أن هناك سبباً مهم اخره على خلاف العادة
(لا تتأخر مجدداً الفين )
حدق الشاب بأستاذه وسرعان ما اومأ بصمت وذهب للجلوس بمكانه
حظوره من عدمه كان سواء فعلى رغم كل محاولاته ابى عقله أن ينصاع لصاحبه ويتركه يركز بأي شيء بل أصر على جعله سجين أفكاره ومخاوفه ليدخل بحرب جديدة بمحاولة لابعادها
انتهت محاظرات الاثنين ليلتقيا بالمكان المتفق والاثنان اخفيا كل ملامح القلق حين حان وقت لقائهما متظاهرين أن كل شيء بخير
بعد أن انطلقت السيارة تنقلهما للمكان المقصود شرع ليو بالسؤال
( كيف كانت محاظراتك ؟)
التفت الفين والذي كان يحدق بالخارج
(بخير )
انتهى الحديث قبل ان يبدأ ليعود الصمت مسيطراً حتى وصل الفين لمكان عمله ، خرج من شروده على صوت ليو الذي يخبره بأنهما وصلا
رفع راسه ليحدق بالمكان بقلق واضح رغم أن قلقه موجه لمن صار يعرف المكان وليس المكان بنفسه
شعر ليو برغبة بأن يخبر الفين بترك العمل وعمه وحسب بدل كل هذا القلق لكليهما لكنه ما كان ليقولها حقا مهما تمنى ذلك بل على النقيض خرجت كلماته المشجعة تحثه على الذهاب
(ال ، اذهب وحسب ! لا تقلق قلت لك اذا ازعجك بشيء سأتدخل ! )
صمت لوهلة ثم سرعان ما أصدر زفيراً عميقاً لينزل من السيارة وقبل إغلاق الباب تحدث بهدوء
(اراك لاحقاً !)
توجه نحو المطعم بخطوات بطيئة نسبياً بينما قرر ليو الذهاب قبل مجيء عمه لتمر تلك النظرة على باله مجدداً ، ظهر الاستياء عليه لينطق متمتماً
( يتركه كل تلك السنوات وحده والآن .....)
ازداد ضغطه على المقود وانطلق نحو مكان عمله دون أي تأخير
~~~~~
وجد الفين نفسه أمام المطعم فوقف هناك بتردد والتفت لينظر نحو مكان وقوف ليو السابق فوجد السيارة قد غادرت بالفعل ، تنهد وهو يشعر أنه لا مفر من الدخول فتحركت قدماه كما لو أن كل واحدة منهما تدفع الاخرى للتقدم قبلها في محاولة يائسة للهرب ، دخل ليحدق بالمكان حوله بحذر فلم يجد عمه فاطلق تنهيدة دلت على ارتياحه وربما خيبة أمل طفيفة لم يدرك كيف يحدد مشاعره التي تتضارب كما أمواج البحر
توجه لعمله دون تاخير في محاولة لإزالة كل تلك المشاعر ، مر وقت عمله بسرعة وظن أن الأمر انتهى وحسب حتى قاطع عمله صوت عمه الحاني وهو يناديه باسمه كما لو كان قلقاً أن كل ما حدث من إيجاد صغيره مجرد حلم
(الفين )
تجمد جسده لثواني حتى استجمع شجاعته والتفت الفين بارتباك وهو يشعر أن قلبه على وشك الخروج من مكانه ، اخفض راسه حين وقف عمه أمامه
(كيف حالك بني ؟)
رد عليه بصوت قريب للهمس رغم أنه لم يقصد أن يكون منخفضاً
(بخير ، )
ابتسم عمه له وهو يرى أنه يتجاوب معه نسبياً فكان أول ما عزم على فعله هو إشعار ابن أخيه بأنه مرحب به لتشجيعه على العودة ربما !
(الفين ، سأطلب منك امراً وارجو ان لا ترفض طلبي )
رفع الفين رأسه بتردد وهو يشعر بالقلق من القادم
(ما هو ؟)
اختصر كل شيء بكلمتين حتى لا ينطق بما لا يجب نطقه ليجيبه عمه بابتسامة حانية وهو يضع يده على كتف الفين
(أريدك أن تنظم الي وإلى اسرتي اليوم على العشاء ، زوجتي بالفعل تنتظرك وقد حظرت الكثير لاجل استقبالك ، أرغب بأن أعرفك إلى ابنتي ايضاً ! لذا لا ترفض طلبي )
أسلوب عمه ما ترك له مجال للرفض فوجد نفسه دون شعور يخبره بموافقته بهدوء واختصار شديدين
(حسناً ، سأتي )
ورغم كل الاختصار وجد عمه تتسع ابتسامته كما لو كان قد بشر بخبر عظيم
(جيد ، إذا سانتظرك لتكمل عملك وساخذك معي !)
أومأ الفين بهدوء وعاد لمحاولة التركيز على عمله والذي من حسن الحظ كان على وشك الانتهاء فأخرج هاتفه ليرسل برسالة لرفيقه والذي كان مشغول البال طوال وقت عمله
أصدر هاتفه صوتاً منبهاً لاستلامه رسالة فأخرج هاتفه مسرعاً فليس وكانه سينتظر رسالة من أحد غير الفين وسرعاً ما تحول ذلك الحماس لخيبة أمل وحزن فظيع حين قرأ تلك الكلمات
(لا تأتي لأخذي اليوم سأذهب مع عمي )
حدق بها لعدة دقائق مع ملامح حزينة كما لو كان طفلاً أخذت لعبته ويحاول كبح دموعه ، شعور بالوحدة بدأ يتسلل لقلبه وهو يرى شقيقه الوحيد يؤخذ منه
أراد أن يقول له لا تذهب اليه هو تخلى عنك سابقاً وانا أسرتك الوحيدة لكن أليست هذه قمة الأنانية ؟! ما كان ليسمح لنفسه أن يفسد شيء قد يسعد من يعتبره أخاه الوحيد فترك الحزن يغلف قلبه دون أن ينطق بكلمة
سمع صوت وقع أقدام صاحب المحل تتوجه نحوه بينما هو لا يزال يمسك بالهاتف وعيناه لم تفارقه
فتقدم منه العجوز ليساله بقلق
(ما بك تجمدت بمكانك؟! انتهى وقت عملك يمكنك الراحة )
لم يدرك ليو كيف خرجت تلك الكلمات من جوفه رغماً عنه وبذلك الصوت الذي عكس حزنه بكامله
(اذا كان لديك أخ لديه فرصة الصلح مع أشخاص يهمونه لكن ذلك على حساب تركك ماذا ستفعل ؟!)
حدق به صاحب المحل ليساله مستفسراً
(عن ماذا تتحدث ؟!)
انتبه لنفسه فأخرج المفتاح من جيب بنطاله وقدمه لصاحب المحل والذي كان ينتظر منه تفسيراً لكلامه لكن كل ما تلقاه من ليو هو مغادرته للمحل بصمت بعد أن كتب رسالة لال بكلمة واحدة
(استمتع)
توجه نحو سيارته ليركبها وقد قرر عدم العودة للمنزل اليوم إلى حين عودة الفين
~~~~~
ركب الفين في سيارة عمه غير مدرك كيف أن يمكن للمرء أن يشعر بكل هذا الارتباك ! لم يعتد التعامل مع الغرباء أو أي شخص ولطالما كان ليو هو من يقضي معضم الوقت معه فلم يكن بحاجة للشعور بأي ارتباك وكلاهما يعرفان بعضهما جيداً إلا أن الفين لم يكن جيداً في التعامل مع من هو أكبر منه وخصوصاً اذا كان شخص لطيف معه وفوق ذلك عمه !
سمع صوت عمه ينساب لاذنيه وهو يتسائل
(الفين ، اخبرني كيف أحوالك؟ هل تدرس حالياً ؟ وأين تعيش ؟)
تفاجأ المعني وحول بصره من عمه إلى الطريق أمامه ليجيب بهدوء
( انا ادرس بالجامعة ، واعيش مع صديقي ليو حالياً )
ظهر الانزعاج جلياً على ملامح عمه والتي لم يتمكن الفين من رؤيتها بسبب تحديقه بالشارع وتجنب عمه التعليق على الموضوع لحين آخر بينما غير دفة الحديث
(هل تذكر ابنتي انجيلا ؟ هي بنفس عمرك ، هي اخبرتني أنها رأت شخصاً يشبهك قبل يومين ولهذا اردت المجيء والتأكد !)
اردف بنبرة امتزج بها الحزن والسعادة وهو يردف
(لا تعلم كم بحثت عنك ! لم اترك مكاناً إلا وسألت فيه ولم أتلقى أي خبر ! لم يخطر لي البحث عنك مع ذلك الشخص )
لم يعلق الفين فلم يعرف كيف يفترض أن يرد فتابع عمه بعد ان تحولت نبرته إلى سعادة
( والآن اخيراً بعد أن وجدتك يبدو الأمر أشبه بحلم !)
توقفت لسيارة فجأءة فحدق فالتفت الفين ينظر حوله ليقع بصره على منزل متوسط الحجم فتحدث عمه ليخرجه من حيرته
(هذا منزلي ، هيا بنا عزيزي المنزل منزلك !)
تحرك الفين بينما عيناه ما تزالان معلقتين على ذلك المنزل ليسير قرب عمه والذي كان على وشك التحليق من السعادة ليفتح الباب الداخلي فظهرت أمامه زوجته ذات الشعر الاسود والذي ربطته للأعلى بعينيها الخضراء التي شابهت لون شجرة مخضرة بالربيع مع ابتسامتها الودودة والتي استقبلتهما بها وتقدمت لتستقبل ضيفها والذي ظل زوجها يخبرها عنه وعن ضرورة اقناعه بالبقاء ولم تخالفه هي بالرأي فحرصت على ترتيب كل شيء كما يجب ليشعر أنه بمنزله
تقدمت من الفين لتخبره بابتسامة واسعة
(مرحباً بك يا بني انرت منزلك !)
ابتسامتها ذكرته بتلك الابتسامة التي كانت تسعد قلبه يوماً إضافة لما اشعره ذلك بخجل من كلامها اللطيف فكان كل ما استطاع أن يقوله
(شكراً سيدتي !)
ردت عليه بينما تمسح على شعره
( لسنا غرباء الفين انت ستعيش معنا صحيح ؟! لا داعي لكل هذه الرسمية معي !)
ختمت كلامها بابتسامة دافئة فتقدم زوجها منهما
(هيا بنا لندخل ،أين هي انجيلا؟)
ردت عليه زوجته بينما تسحب الفين معها من يده نحو مكان الطعام
(هي كانت ترتب المائدة معي ، هي تنتظرنا !)
شعر الفين بنفسه كدمية فقدت قدرتها على التعبير فلم يكن منها سوى الانصياع والذهاب معها
دخل لغرفة الطعام ليجد فتاة شابة بشعر داكن وعينان بلون البنفسج تضع الصحون وهي مرتدية مأزر الطبخ ، فور رؤية والدها اتسعت ابتسامتها وتوجهت نحوه بسعادة تحتظنه بقوة متناسية أمر الضيف
إلى أن انتبهت له وهو يراقب بشيء من التفاجأ فقد تذكر ملامح الفتاة والتي طبعت بعقله بعد تحديقها المطول به والآن انكشف الستار مظهراً الحقيقة وفهم سبب ذلك !
لم تكن سوى ابنة عمه التي أخبره عمه عنها !
بقيت ملامحه هادئة بينما راقبته هي الآخرى بصمت ثم سرعان ما تقدمت لترحب به ومدت يدها للمصافحة
(مرحباً انا انجيلا )
تردد للحظات لكنه مد يده بأي حال ليبادله ونطق بهدوء
(الفين)
~~~~
بذلك الوقت كان ليو يسير بدون وجهه محددة بسيارته يتحرك بالطرقات ببال شارد ويسير بسرعة نسبياً مستغلاً خلو الطريق
شعر كما لو أن الوقت توقف عن التحرك ليغيضه فقد ضلت عيناه تراقبان الساعة راغباً بأن يحل منتصف الليل لكي يعود للمنزل ويجد رفيقه هناك إلا أن عقارب الساعة أبت الرضوخ والحراك والدقائق بدت ساعات فاستمر هو الآخر بالتجول لاضاعة الوقت في محاولة لإبعاد تلك المشاعر عنه
~~~~~~~~
جلس ذلك الشاب بتلك الشقة وهو يمسك بيده كتاباً ما ويحدق به بصمت بعينيه البحريتين التي اختبئت خلف خصله الثلجية مع ملامح هادئة
اقبل خلال ذلك فتى طابقه بالمظهر رغم اختلاف ملامح وجهه التي أظهرت ابتسامة ودودة وهو يقبل بكوبين من الشوكلا بين يديه ليجلس قرب شقيقه والذي ترك ما بيده جانباً والتفت لينظر نحو شقيقه مبادلاً له الابتسامة بواحدة هادئة ليستقبل الكوب من يد شقيقه ليتحدث الأكبر
(ماذا كنت تقرأ ؟)
اجابه هاري بعد ان ارتشف القليل من كوبه
( انه بشأن امتحان الغد ، أحاول مراجعته لآخر مرة ، الا تنوي أن تفعل ذلك ايضاً؟! )
ارجع هنري جسده للخلف واحكم قبضته على الكوب بيديه
(لا ، أرغب باخذ قسط من الراحة سأكون بخير دون مراجعة )
سمع صوت الهاتف يهتز فتغيرت ملامح الاثنين حيث أصاب احدهما قلق شديد بينما الآخر ظهر الانزعاج على وجهه ، وضع كوبه على الطاولة ليخرج هاتفه ويتفحص الرسالة التي وصلته ، سمع صوت شقيقه هاري الذي انخفض بفعل قلقه
(ماذا حدث ؟!)
نبرة شقيقه غيرت ملامحه تماماً ليبتسم هنري وتمتد يده لتبعثر خصلات شقيقه الناعمة ثم ابعد يده ونهض مغادراً بينما يجيب
(لا تقلق أخي ، لا شيء مهم ، أكمل دراستك واخلد للنوم )
رحل ليترك شقيقه وقد خيم الحزن عليه بعد ما حصل وفقد رغبته بكل شيء فلم يكن له خيار غير النهوض للنوم في محاولة الهرب من الواقع !
~~~~~~~~~
يجلس ذلك الشاب بمكتبه وهو يقلب القلم بيده ويحدق بالفراغ بعينيه الحادتين رامياً بثقل جسده على ظهر الكرسي ،صوت طرق على الباب انساب لاذنيه فلم يغير من حركته واكتفى بالرد بصوت حاد
(ادخل )
دخل اليه رجل يبدو بعقده الثالث ووقف أمامه بأحترام لينطق بحذر
(سيدي ، لقد تلقينا خبر عودتهما للبلاد وتم تحديد مكانهما !)
وجه عيناه الحادتين نحو ذلك الرجل ليسأله
(عودتهما ؟ هل ما يزالان معا ؟!)
ابتسم بعدها بشر واردف
(أعتقد هذا متوقع ! ابدأ بمراقبتهما وابلغني بكل تحركاتهما)
أومأ المعني ثم انصرف تاركاً الرجل الذي صارت ملامحه تبدو كشيطان وجد ظالته مع ابتسامة خبيثة تربعت على شفتيه ليهمس
(سأحرص على ضيافتكما جيداً !سيبدأ المرح من جديد !)
يتبع
ارجو ان يعجبكم ❤
الفصل من كتابتي
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top