انتَهت اللُّعبَة| ٠٤
ما غَفلتُ عن ابتِسامة الفَخر الَّتي علَت ثغرَه حينما نجَحت في حقنِ المَريض دونَ أيَّة مشَاكِل، مرارًا وتكرارًا، رغم أنَّه لم يدلِ بأيَّة كلِمة، شخصِيَّته المُتغطرِسة لن تأذَن له بالانحِناء لي أمَام طاقمِه الَّذي شهِد عليه وهو يوبِّخُني.
تفادِيًا لمواقِف محرِجةٍ معَه حافَظت على مسافةٍ آمِنة بيننا، وارتَضَيت بالعَلاقة الرَّسمِيَّة الَّتي تجمعُنا الآن، كطبيبٍ وممرِّضَة، قانِعةً بأنَّ ذلِك أفضَل من لا شَيء، إن زحَف بصري خارِج المدَى المَسموح فسأتأذَّى بالنِّهاية.
مُنذ اليَوم الَّذي كافأني فيه بقطعةٍ من الحَلوى، لم آكُلها خِشيَة أن تخونَني خَلايا عقلي وتنسُج منها صورًا خَليعة لشفتيه، أبقَيت عليها في غُرفتي، صارَ يُهديني شيئًا ما، كلَّما أديتُ عَملي على أكمَل وجه، مَصحوبًا بابتسامةٍ جانبيَّة ذات مغزًى، عجِزت عن قِراءته. جعَلني متلهِّفةً لخُطوته المواليَة طوال الشَّهر الغابِر، والسُّؤال المَطروح بعَقلي، ما إذا كان يَفعل الأمرَ ذاتَه مع البقيَّة، أم أنا على وجهِ الخُصوص، ما اجتَرأت على المُجاهَرة بحيرتي لزميلتيّ اللَّتين أصبَحتا صديقَتين مقرَّبتين من فُؤادي إضافةً إلى الرَّجُل الطَّفرة، فمَن ذا الَّذي قد يُصدِّق امرأةً أهانت نفسَها مِن أجلِ حبٍّ وهميّ خلال يومِها الأوَّل، سأبدو لهم مهووسَة.
أجلِس إلى إحدَى الطَاوِلات في منتصفِ المَطعم، على يَميني يونهي، علَى يسَاري شيهيون، وبينَهُما يوسانغ؛ هؤلاء هم أفرادُ العصابَة الَّتي كوَّنتها في مكانِ عملي، وجميعُهم مرتَبطونَ عدَاي، عُمر علاقةِ يوسانغ ويونهي أسبوع، وبالطَّبع هِي مَن اعتَرفت أوَّلًا، أمَّا شيهيون فكَشفت لنَا أنَّها تُواعِد تشانيول مُنذ سنة، ما يجعلُني العانِس الوحيدَة هُنا. كان جسَدي موجودٌ بصُحبتهم غيرَ أنَّ عقلي فارقَه مُنذ الأَزل، لقد قدَّمت ملاحظةً وجيهَة غيَّرت مجرى تشخيصِه اليَوم، لكنِّي لم أحظَ بجائزتي ككلِّ مرَّة ما جعل الإحباط يتسلَّل إليَّ، ربَّما اكتَفى من تدليلي، وربَّما كان بانتظار استجابةٍ ما منِّي، وذلك مستبعد، مذ أنَّه رفضَني!
«من الأرض إلى المُشتري، حوِّل!»
انتشلَتني يونهي من حيرَتي، وحينما نظَرت إليها في كامل وعيي سأَلت:
«ما الَّذي يستَحوذ على تفكيرك؟»
«لا شَيء، أفكِّر بالعَمل فقَط، وكَم هو مُتعب أكثَر ممَّا تصَوَّرت وأنَا مُجرَّد طالِبة.»
تغامزَت هي وشيهيون قبل أن تستَلم الأخيرَة دفَّة الحَديث، وعلى أُفقِها شمسٌ تشعُّ بخبث.
«أتُحاولين إخبارَنا أنَّك لستِ تفكِّرين بالدُّكتور بيون بيكهيون؟»
«وهل تعتَقدون أنَّه مِحور حياتي لأفكِّر فيه كلَّما شَردت؟»
لُذت إلى يوسانغ الوَحيد الَّذي أثِق بأنَّه سيقِف بصفِّي، ولكنَّ تعابيرَه الجَامدة خيَّبت أملي، شَعرت بالخِيانَة حينما صفَّ الحقائِق دون مراعاةٍ لي.
«لا تبدينَ وكأنَّك مُتعبة من العَمل، تبدين «...
زمّ شفَتيه كأنَّه يبحث عن تكمِلةٍ مناسبة ثمّ قال:
«سعيدَةً مَهما كان متعبًا.»
اندَفع الكلِم مِن حلقِ يونهي محفوفًا بعلامات الاستِفهام.
«أنتِ تتَصرَّفين بغَرابة مُنذ مدَّة، أحيانًا تسرَحين، حتَّى ونحنُ في خضمِّ حديثٍ شيِّق كقَبل قليل، هل من تطوُّراتٍ بينكما؟»
رسَت أنظارُهم الفضوليَّة على مُحيَّاي تنبش عن الحَقيقَة في برِّي، حقيقةٌ لست مخوُّلة للبوحِ بِها. حاوَلت التملُّص من الإجابَة؛ حيثُ حشَوت فمي بكميَّة كبيرةٍ من الأرزِّ، تفوق قدرتَه على الاستيعَاب، فانتفَخت وجنتاي.
«الطَعام اليوم لذيذٌ جدًّا.»
قَبل أن تتسنَّى لأيٍّ منهم الفُرصة للتَّشكيك في كلامي، حطَّت علبةٌ ورديَّة على الطَّاوِلة، بجوارِ ذراعيَ الأيمَن تحديدًا؛ حليبُ الفَراولة المفضَّل لديّ. لثَّم صمتٌ مريبُ أفواه زُملائي الَّتي يستَحيل أن تشبَع من الثَّرثرة، لاسِيما خلالَ فترَة الغداء. قطَّبت حاجبيَّ باستِغراب، فجميعُ المقرَّبين مِنِّي حولِي الآن، مَن قد يُهديني شرابًا إذًا؟
صعدت عدستايَ لاستِطلاعِ هويَّة المُبادِر، وما إن وجدتُني في حضرةِ سُلطان بالي، حتَّى غصَّت أنفاسي بالطَّعام، لقد غادر بالفِعل، كلّ ما رأيتُه منه هو ظهره، ويداهُ الغائِرتان في جيبَيه، رمَشت عدَّة مرَّات قبلَ أن أُلقِي نظرةً متفحِّصةً على زُملائي.
«أكانَ ذلِك بيون بيكهيون حقًّا؟ أخبِروني أنِّي لستُ واهمة!»
التَفت الثَّلاثة في ذاتِ الاتِّجاه الَّذي سلَكه، حيثُ ردَّت شيهيون بدَهشة.
«إنَّه هو حتمًا.»
يونهي الَّتي حبَست أنفاسَها طوالَ فترةِ تواجده هُنا، لاسيما وأنَّها مَن كانت تجلس في وجهِ المِدفَع، قالَت:
«لا يُمكن أن نَرى ذات الوهم، ألَيس كذلِك؟»
آخر تعليق صَدر عن يوسانغ.
«لا يصدَّق.»
سُرعان ما تحوَّل انتِباهُهم إليّ، أنا الَّتي جثمتُ أحدِّق بعُلبة الحَليب والسُّخونَة تلدَغ خديّ. يوسانغ استَفهم بصيغةٍ متعجِّبة، لا أحَد يصدِّق، مثلي.
«ما هذا الَّذي حدَث للتوّ؟»
بانفِعالٍ نطَقت يونهي:
«منذ شهرٍ أنَّبك علانيَة، أمَام نِصف المُستشفى، والَّذي نقَل الخبرَ للنِّصف الآخر، حتَّى أنَّهم يلقِّبونَك بعلكَة الدُّكتور بيون...»
دقَّ الخجَل عُنقي؛ لم يسبِق وأن تحدَّث أيٌّ مِن زملائي عَن الألقَاب الّتي أُنعتُ بِها، رغمَ عِلمهم عنها، ورغم علمهم أنِّي أعلم. كانوا يتظاهرون أنَّ لا شيء وقَع.
حينَما تفطَّنت إلى زلَّة لِسانِها، انحَرفت عن الموضوعِ بزاويةٍ لا تمسُّ أوتاري بالأنين.
«على أيَّة حال، كيفَ بإمكانِه القِيام بذلِك وكأنَّه لم يؤذِ مشاعركِ مِن قبل؟»
بنبرةٍ أقلّ سخطًا، وأكثَر رزانَة سألت شيهيون:
«أتَمتلكين أدنَى فكرة عن السَّبب الَّذي قد يجعَلُه يهديك حليبَ الفَراولة في مِثل هذَا المَكانِ المُكتظّ؟»
لطالَما كانَت يونهي امرأةً مُتعصِّبة، تنفعل بسهولة، وترجم الكَلمات بعشوائيّة، يوسانغ هو الرَّجُل شحيحُ الفم، ولكنَّه مستمعٌ جيِّد، أمَّا شيهيون فهي الطَّرف الرَّزين الَّذي يزِن الأمور بعقلانيَّة.
«مَن يشرَب هذه القَذارة على أيَّة حال؟»
«إنَّه حليبي المفضَّل، يونهي.»
«بالطَّبع سيصيرُ المفضَّل، بعدَ أن سلَّمه لكِ حبيب القلبِ بيون بيكهيون، وكَيف لا يصير؟»
زفَرت بنفاد صبر، قبَل أن أعيد صياغَة شرحِي.
«أقصد أنَّه المفضَّل، وهو يعلَم!»
صمتٌ لحظيّ جابَ الأجواء، استَهلكتُه في التَّفكير، ما إذا يتوجَّب عليَّ الإفصاحُ لهم عن تصرُّفاتِه المُريبة أم لا، يوسانغ المشهور بدقَّة ملاحظَته اكتَشف أنِّي أُخفي بسريرَتي سرًّا.
«أظنُّ أنَّ ما لا نعلمُه، وما يجعلك شاردةً بيننا، يمتُّ بصلةٍ لِما حدَث الآن.»
«ودَدت لو أُخبِركم سابقًا، لكنِّي خَشيت أن أدانَ بالإسرافِ في المُسلسَلات الرُّومانسيَّة. «
بقلَّة صبرٍ هتَفت يونهي.
«تحدَّثي.»
أمَلتُ جسدي قدمًا، حريصةً ألَّا تفرَّ أيَّة كلمةٍ خارِج مجلِسنا، وأخبرتُهم كلَّ ما جَرى بيننَا، قَبل وبعد نَجاحي في الوَخز، وما تبِعَه من مكَافآتٍ غريبَة، بِناءً على شخصيَّتِه المُتزمِّتَة. شيهيون الَّتي عمِلت معَه قرابَة السَّنة، كانت أوَّل من يُعدِم السُّكون.
«لم يسبِق وأن كافأني بطريقةٍ كهذه، طوالَ فترةِ عملي معَه، ولا أعتَقد أنَّه من النَّوعِ الَّذي يقدِّم المكافآت!»
جحظَت عينايَ كردَّة فعل، تيَّار جارفٌ من الغبطَة جرى في وديانِ فؤادي، رغمَ الغموضِ المحيط به كالضَّباب!
«بما أنَّه تجرَّأ على إهدائك الحليبَ المفضَّل لديكِ أمامِي، فهو لا يخشَى أن أخبِرك عمَّا أعرفه عنه!»
فجأةً انحدرَت أبصارُنا نحوَ يوسانغ، باعتباره الشابَّ الوحيدَ بيننا، وربَّما يستَطيع فهم ما يرمي إليه بيكهيون بتصرُّفاته.
«من الواضِح أنَّه يُحاول مصالحتَك.»
انقطَعت أنفاسي عَن الوُفود إلى رئتيَّ، كأنَّ الكَون خلا من الهَواء، بينَما أترقَّب أن يُفرغ يوسانغ ما يختزِنُه غمامه.
«ورجلٌ منغلِقٌ مثلُه لن يُحاول التودُّد إلى أحدٍ مهمَا أخطأ بحقِّه، إن كانَ لا يَعني له.»
آخر ما سمعته قبلَ أن أهيمَ في أفكاري الغبيَّة يونهي وهي تنهرُه باستِنكار:
«قل شيئا قابلًا للتَّصديق.»
ما اقتَدرت على التَّركيز لبقيَّة الدَّوام، لحُسنِ الحظِّ كلُّ ما أُلقِي على عاتِقي عقِبَ الغَداء، كُتلةٌ مِن الأعمالِ الحاسوبيَّة، كتدوينِ المستجدَّات في ملفَّاتِ المَرضى. كلَّما انفصَلت عن الواقعِ نقرت شيهيون كتِفي، كمَا أوصيتُها، خِشيَة أن يمرَّ بيكهيون، ويجِدني شارِدة، لا أريدُ التعرُض للتَّوبيخ، لقد قُمت بعملٍ جيِّدٍ حتَّى الآن، لا يُمكِن أن أسمَح لخَفقاتي الثَّائِرة بأن تهدِم كلَّ شيء، من هو ليبعثِرني متَى ما شاء، وكيفما شاء؟
بسببِ الهَفوات الَّتي كُنت أقَع فيها بينَ الملفِّ والآخر، أهدَرت الكَثير من الوَقت، واضطرِرت لتعويضِه بتَأجيل موعِد مُغادرتي للمستشفى. مكَثت بمُفردي قبالةَ الحَاسوب وضَوءِه المُنعكِس على وجهي، ما أَحيى بذاكِرتي لقَطات من السَّهرة الَّتي بدأَ فيها التَّغيير، ما الّذي يدور في ذهنه يا ترى؟ هُناك الكثيرُ مِن الأسئِلة، آثَرت حملهَا وحدِي رغمَ ثقلها.
كادَت السَّاعة تتَجاوَز مُنتَصف اللَّيل، حينَما اتَّجَهت إلى غُرفة التَّغيير متثائبَة، في لحظاتٍ نَاعسةٍ كهَذه أتيقَّن أنَّ السَّريرَ وحدَه من يستحقُّ الحبّ، لو خُيِّرت بينه وبين بيكهيون، لاختَرته دونَ تردُّد، قد أختارُ بيكهيون في حالةٍ واحِدة، إن كانَ على السَّرير.
خلَعتُ بذلَة المُمرِّضَة الورديَّة، وعلَّقتها بالخزانَة، ثُمَّ غمرتُ ساقيَّ بسِروالٍ مِن الجينز، وبقِي قسمي العُلويّ مُحتلًّا مِن قِبل قميصٍ داخليّ أسود ضيِّق، لا أكمام له. عِندما مددت يدِي لألتقِط كنزَتي، انحسَر طرفُه السفليّ، كاشفًا عن ندبِ العمليَّة، في نهايَة ظَهري. على حين غرَّة، شعَرت بلمسةٍ بارِدة تهبِط عليه. شهقت بفزع، ودَفعت رأسِي باتِّجاه المُعتَدي، إذ شُلَّ جسَدي وأبى الحراك، صُدمتُ لرؤيَتي ببيكهيون يُجوِّل أصابِعَه الرَّفيعَة على تُحفتِه الخاصَّة، ثوانٍ من التَّواصُل البصريِّ كانَت كفيلةً بطمرِ فمِي تحتَ الدَّهشة؛ ما انَضوت مُقلَتاه على مُعجمٍ مِن كلماتٍ لا تُحصى، بل كلمةٌ وحيدَةٌ مِن ألفِ معنَى، كعِقد مِن عدَّة لآلِئ، اختَنقتُ ما إن تقلَّدتُه.
«ما الَّذي تَفعلُه هنا؟»
غيَّرتُ قِبلَتي، لكنَّ يدَه لم تنفصِل عنِّي، بل انتَقلت مِن نِهايةِ ظهري إلى خَصري.
«رأيتُكِ في الرِّواق تمشين وكأنَّك ستغفين في أيَّة لحظَة، ولحِقت بكِ إلى هُنا.»
نبرتُه العَذبة، ونظراته المُظلمة الَّتي تستَّرت عمَّا يُدبِّره لي، ذبذَبت أثيري.
«ألا تظنُّ أنَّ اقتِحام غُرفَة تغيير النِّساء فعلٌ شائِن؟ ألم تضَع في الحُسبان أنِّي قد أكون عارِيَة؟»
«ربَّما اقتَحمتها طمعًا في رؤيةِ مشهدٍ كذاك!»
كلِّي يغدر بي، مُشتهِيًا أن يطيعَ لمساتِه الآثمة على خَصري، عدا لِساني الَّذي ما فتِئ من قومي، يُعربُ عمَّا أفكِّر فيه، الأصحّ جزءٌ مِنه.
«هل تحرَّشت بي للتوّ؟»
انفَجرت في ثغرِه ضِحكة.
«للتوّ؟»
سهيتُ إليه، رغمَ يقيني أنَّه ما ضحِك إلَّا سُخريةً مِنِّي، أجهَل ما الخطأ الَّذي وقعتُ فيه، لينظُر إليَّ بمثلِ هذِه الملامِح المُستمتِعَة. ما لبِث وأن دسَّ رأسه بعنقي، وانحلَّت أنفاسُه على أديمي العاري، في نفسِ الوقتِ تحلَّلت أنفاسِي قبل أن تصبُوَ رئتيّ.
«ألا يعدُّ اللَّمس تحرُّشًا في دستورك؟»
تهاوَيت إلى القاعِ بدفعةٍ مِن غَبائي، وما طلَعت منه أبدًا؛ في حينِ حادَت أنامِله ثانِيةً، تعبَث بندبي، وترسِل موجاتٍ يعجِز الأثيرُ عن ترجمتِها إلى ألفاظٍ مفهومة، في عمودي الفقريّ. انتهزَ خُضوعي ليلحَمني بالخزانَة، وينصِب يدَه الطَّليقَة على بابِها، متكتِّمًا عن نواياه. ما لبثت مقلتاه وأن عالَجتا فضولي، ولمَّحَتا لي عمَّا يجول بصدرِه.
«مَن سمَح لك بالظُّهور فجأةً وتحطيم كلَّ ما بذلتُه سابقًا، لنزعِك من رأسي؟»
انتَظرت أن يملأَ الفَراغ المعرفيَّ في عَقلي، وما بخَل عليَّ بالمَزيد من الاعتِرافَات الحُلوة، واللَّمسات الموتِّرة الَّتي كانت مِن نصيب خدِّي.
«كنتِ مفضَّلتي آنذاك، ورغمَ أنَّنا ننتَمي إلى فِئتين عُمريَّتين بعيدَتين عن بعضهِما، استَبحت تجاوز الخطِّ المسموحِ به، بين طبيبٍ ومريضته، مقتُّ الطَّريقة الَّتِي رأيتُك بها، بدوتُ بنظري مُعتلًّا!»
دقَّ قلبي بصخب، مِثل طبولٍ خاويةٍ تُقرَع مُعلنةً عن حربٍ قادِمة، هِي حربُ المَشاعِر الَّتي شبَّت في فُؤادي، وأبادَت مملكةَ وعيي بأسرِها كأنَّها ما وُجِدت قطّ. جميعُ حواسي ركَعت له، وأشتاتِي ندَّدت بِه، ورغمَ أنِّي ما أزالُ أعانِي مِن مُشكلةٍ في فهمِه.
«لماذا تجَاهلتني إذًا، ودفعتَني عنكَ، وأحرَجتني أمَام الجَميع حينَما عُدت؟»
ببساطةٍ قال:
«كنت أعاقِبك.»
أوشَكت على مُعاتبتِه، لأنَّ العِقاب الَّذي يتحدَّث عنه كما لو أنَّه لدغةُ إبرة، أشبَه بطعنةِ خنجر، جعَلتني أغرقُ في نزيفي، وأبكيني بصمت، أنَّى له أن يختَصر مُبرِّراتِه في كلِمتين لا غير؟ الأضرارُ الَّتي ألحَقها بي بحاجةٍ إلى أكثَر مِن ذلِك.
قبلَ أن أستَسلِم لماضٍ بائِس داسَ ماضِيًا فِردوسيًّا، أنامَ جبينَه على جبيني، وحفرَ بعمقٍ في عينيّ، كأنَّه يُفتِّش عن جِراحي ليُعقِّمَها بنظراتِه السَّاحِرة.
«لأنَّك لم تحومي في مداري قطّ!»
بسحنةٍ غائِمةٍ أضاف.
«لستُ من يُتلاعب به!»
ما امتَنعت عن مُقابَلته إلَّا لأنِّي أردتُ أن أصقُلَني، حتَّى أليقَ بِمقامِه لا غير، فهُو طبيبٌ مشهور، كُنت لأصيرَ وصمةً عارٍ في حياتِه. حمحَمت بإحراج، بعدَ أن انفَلتت مِنِّي شهقةٌ مخنوقَة، كشَفت له أنَّ قُربه مِنِّي يُنسيني كيفيَّة التنفُّس، أحيانًا أتشرَّد بينَ تقاسيمِه، وأغفَل عن إطعامِ رئتيّ إلى أن تشتَكِيا. حاوَلت الفِرار مِن أسرِه، لكنَّه ما أذِن لي بالنُّزوحِ ولو خطوة واحِدة.
«حيلة الخاتَم مُبتذلة، كادَت تنطلي عليّ!»
أبنتُ الثِّقَة في مَقالي، رغمَ أنَّ علامات الاستِفهام شقَّقت بنيانَه، أكانَ مُجرَّد حيلة حقًّا؟
«هل تَكرهين بيكهيون أيضًا، صغيرَتي؟»
صغيرَتي حطَّمت كُلَّ مقاوَمتي، مِثل صاروخٍ لا يرحَم، كِلانا متيقِّنٌ أنِّي لا أكرَهه، أنَّى أكرهُه وقد قطَعت سنَتين شاقَّتين للوصولِ إليه؟ مَن تخلَّت عن قِطعةٍ مِن عُمرها لن تستصعِب التخلِّيَ عن قطعةٍ مِن كبريائِها، فقط لتعقِد هُدنةً مع الرّجُل الَّذي تهواه!
وبينَما عينايَ تسبحانِ في مجرَّتِه المُميتَة، ردَم المضيقَ الوحيدَ بينَ وجهينا، واختَلى بشفتيّ، إذ غابَ المنطق في الوقت ذاتِه، أنزَلت كفِّي على خدِّه، وشاركته المخطَّطات الشهوانيَّة الّتي نفّذها عليهما، حينما فخَّخ قاعهما بقبلاتٍ فتكت بكلينا.
-
بخصوص المشهد الأخير، هو اول مشهد خطر ببالي قبل ما ابدا كتابة القصة 😂😂
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top