~الفصل الرابع:أقتلوه!~
غُبارٌ أسْوَدٌ كثيفٌ تغلْغَلَ في مجْرى تنفُّسي فعَمِلَ كالمنبِّهِ بجدارَةٍ و أصْحاني مِنْ سُباتي القصير
فتَحْتُ عيْنايَ بِنَشاطٍ و وعْيٍ تامَّيْنِ فلا وقْتَ الآنَ للنَّوْمِ أوْ عدمِ الاسْتيعاب، و عِنْدَها انتبَهْتُ إلى بابِ المَكوكِ المفْتوحِ يدْعوني إلى الخروجِ بطريقَةٍ غيْرِ مُباشِرَة، بيْدَ أنَّ ذلِكَ الغُبارَ الذّي اقْتَحَمَ آلتي شدَّ انْتِباهي إلَيْهِ و أجْبرَني على مُلامَستِهِ بأنامِلِي حذرًا و فضولًا
لوَهْلَةٍ خُيِّلَ إليَّ أنَّهُ بعْضُ السَّديمِ الذِّي تعلَّقَ بِهيْكَلِ المكوكِ ليخلِّدَ الذِّكْرى و يكونَ البُرْهانَ على نجاحِ الرِّحْلَةِ و اتّخاذي الفضاءَ كطريقٍ لي أعْبُرُهُ كما أشاءُ على متْنِ نباهتي و فِطْنَتي، و اسْتَنْتَجْتُ أنَّهُ لربَّما صارَ أسْوَدَ اللَّوْنِ بعْدَ أنْ أضْرمَتْ شدَّةُ السُّرْعَةِ فيه النّيران، لحْظَتَها بدأَ الفَخْرُ يضمُّ قلْبي بلُطْفٍ فلمْ يبخُلْ عليْهِ الأخيرُ و سمحَ لهُ بالإسْتحْواذِ عليْهِ، و قدْ بادلَتْهُما ملامِحُ وجْهي التِّي تلوّنتْ في لحْظةٍ واحِدَةٍ و باحْتمالاتٍ غيْرِ مؤكَّدة بقلَميْ الزّهوِ و الخيّلاء، ناهيكُمْ عنْ تفكيري في جمْعِ حفْنَةٍ منَ السَّديمِ للإحْتِفاظِ بها إلى وقْتٍ لاحقٍ أصْنَعُ مجْدي خلالَه
فتَحْتُ الحِزامَ المُحيطَ بخصْري و أزَلْتُ الخوْذَةَ و الدعَّاماتَ عنْ رأْسي و بقيَّةِ أنْحاءِ جسَدي مُبْتَسِمًا إليْهِمْ بهُدوءٍ شاكِرًا حمايَتَهُمْ لجَسَدي و احتفاظَهُمْ بي بتملُّكٍ بعيدًا عنْ وحْشِ الموْتِ و الأذيَّة، ثمَّ انتَصَبْتُ عنْ مِقْعدي أسيرُ الهوينى نحْوَ البابِ بعْدَ شجارٍ داخليٍّ طويلٍ طرفاهُ الحماسُ و الرّصانَة و الفوْزُ كانَ للأخيرة، لكنَّ انْطِباعي الأوَّلَ عنْ المكانِ لمْ يكُنْ جيِّدًا البتَّة لدرَجَةِ عدَمِ سماحي لرجْليَّ بوَطْئِ المكانِ الذِّي حططتُ عليْهِ
ذلِكَ لمْ يكُنْ سديمًا بلْ كانَ الهواءُ الجوّي، الهواءُ الذِّي نتنفَّسُه شديد التلوُّثِ و الكثافَة، و احْزروا بماذا؟
بالدُّخانِ النَّاجِمِ عنْ حرْقِ البَشَر!
ليْسَ جميعُهُمْ بل البعْض، لأنّ البقيَّةَ انْقسموا إلى أشْباهِ وسائِلِ النَّقْلِ و مالِكيهِمْ
جاثونَ على رُكَبِهمْ و أيْديهِمْ كالبَهيمَةِ و منْ لمْ يقلُّوا عنْهُمْ افْتِقارًا إلى الإنْسانيَّةِ و ميْلًا إلى الحيوانيّة يمْتطونَهُمْ و يقودونَهُمْ في الطَّريقِ التُّرابيِّ الصَّلْبِ المُصطَبَغِ بِلَوْنِ الفَحْمِ لكثْرَةِ أعْمالِ الحرْقِ و النَّهْبِ على سَطْحِه، الجّميعُ يرْتَدونَ أقْنِعةَ تنفُّسٍ كيْ لا يسْتنشقوا الهواءَ الذِّي لمْ تُمْنَعْ سمِّيَتُهُ من الإضرار بأعْيُنِهِمْ، قاماتِهِمْ، و بشَراتِهِمْ التِّي بدتْ لي من بعيدٍ دونَ المطْلوب
نظَرَ إليَّ أحدُهُمْ!
كلّا لمْ يعُدْ واحِدًا بلْ انْقَلَبَ إلى الكثيرين، جدًّا!
أشارَ لِي بسبّابتِه؟ يرْكُضُ نحْوي الكثيرون؟
لمْ أميِّزْ ما إذا كانوا يخطّطونَ إلى استقبالي بحفاوةٍ أوْ بنصْلِ سكّينٍ ينْحرُني، فقطْ تخيَّلْتُ تحوُّلي إلى عبْدٍ وضيعٍ أو محكومٍ عليْهُ بالإعْدامِ حرْقًا
نَفَسي ضاقَ أكْثَرَ و أكْثر..ليْسَ خوْفًا فقطْ بلْ بسبب شبْهِ خلُوِّ الهواء من الأوكسجين
رائِحَةُ التُّرْبَةِ و بشاعَةُ الصُّوَرِ التّي تمنّيْتُ أنْ تكونَ لوْحَةً زيتيَّةً أوْ حُلْم يقظَة، الصّرخاتُ و آهاتُ الوهنِ و الوَجَعِ أثاروا الجُّزْءَ الإنْتِحاريَّ الذِّي لمْ أتوقَّعْ وجودَهُ بداخلي أبدًا و شجَّعوهُ، بإلْحاحٍ ،على اسْتِباحَةِ جسدي و تحْريرِ روحي الهَلِعَة قبْل أنْ أصيرَ مثْلَهُمْ، بيْدَ أنَّهُ و قبْل أنْ تُحْذَفَ المسافَةُ التِّي تفْصِلُ بيْني و بيْنَهُمْ ظهرَ مجْهولٌ أمامي على بُعْدِ إنْشاتَ قليلَةٍ منِّي
هُوَ ظهَرَ مِنَ العَدَم، جسدُهُ بأكْمَلِهِ مُغطَّى بثِيابٍ و رباطٍ سودٍ لمْ يحجبوا عنِّي عيْنيْهِ و فمه، فسنحتْ لي الفرْصَةُ للتَّحْديقِ بابْتِسامَتِهِ السَّاخِرَةِ و نظْرتِهِ الماكِرَة، رائحَةُ عِطْرِهِ النفّاذةُ داعبَتْ أرْنبَةَ أنْفي فكانتْ شذيَّةً مُخدِّرَةً لجسدي و فُؤادي
هُوَ أراحَني بدلًا من إرْعادي و خَلْقِ تساؤُلاتٍ في نفْسي، فعلى الأقلِّ ابتسامَتُهُ و نظرَتُهُ دلّتا على كوْني الآنَ واقِفًا أمامَ إنْسانٍ لمْ يُبوَّرْ قلْبُهُ منَ المشاعِرِ و لوْ كانَتْ اسْتِفْزازِيَّةً مزْعجَةً منْ منظورِ غيْري
و بغْتَةً عيْنايَ اتَّسعتا عِنْدَما غرَسَ شيْئًا ما بِداخِلي خمَّنْتُ في تزامُنٍ مع حدوثِ الأمْرِ أنَّها حُقْنَة، حقْنَةٌ مخدِّرَةٌ لأنَّ جفْنايَ بدآ بالتمرُّدِ على مالِكِهما كارِهِ الغفواتْ! و آخِرُ ما رَصَدَتْهُ ذاكِرَتي كانَ دفْعهُ لجسَدي إلى داخِلِ المَكوك كيْ أعودَ مِمّا جئْت
أرَدْتُ يوْمًا شيِّقًا لا غيْبوبَةً لا نهايَةَ لها..هذا مخيِّب!
*
*
أشْعُرُ بِنَفْسي فوْقَ شيْءٍ صلْبٍ شديدِ البرودَةِ و أعْتَقِدُ أنَهُ معْدَنٌ أجْهَلُ ماهيَّتَهُ و سببَ برودَتِه
ذلِكَ الشَّيْءُ كانَ..نوْعًا ما يرْكُضُ إلى مكانٍ ما حامِلًا جسدي فوْقَه
أرَدْتُ إصْدارَ صوْتٍ أوْ فتْحَ عيْنيَّ ليجولَ طرْفي في الأنْحاءِ للتعرُّفِ على المكانِ بالرَّغْمِ مِنْ خِشْيَتي لِمَا هُوَ مخفيٌّ خلْفَ جفْناي، و لكنَّني كُنْتُ أعْمى أخْرَس مقيَّدًا بلا أيِّ قيودٍ تُذْكَرْ! و أشدُّ ما أزْعَجني كان البرْد القارِس..أكْرَهُ الشُّعورَ بالقَرِّ لأنَّ صوْتَ اصْطِكاكِ الأسْنانِ بعْضُها ببَعْضٍ يذكِّرُني بصَوْتِ تهشُّمِ العظامِ الذِّي لمْ أعْتَدْهُ إلى هذِهِ اللَّحْظة
تفاجَأْتُ عِنْدَما ألْقاني ذَلِكَ الشَّيْءُ على الأرْض، أجْزِمُ أنَّ جلْدي كانَ ليَلْتَصِقَ بسَطْحِهِ لوْ لمْ أكُنْ مُرْتَدِيًا ملابِسي من شدَّةِ البرودَة، صرَخْتُ بألَمٍ و اسْتَعَدْتُ بصَري مُقابِلَ انْكسارِ بعض العظامِ...أعْتَقِدْ!
'العصْرُ الجَّليدي'
تراءَتْ لي تِلْكَ الأَحْرُفُ بالأحْمَرِ القانِي، أمكْتوبَةٌ هي في السَّماءِ أمْ على قرنيَّتيْ؟
أعْتَقِدُ أنَّني أنا هوَ الوحيدُ الذِّي قرأها لأنَّها سرْعانَ ما أخذَتْ تتلاشى كالهباءِ المنْثور
حاوَلْتُ رفْعَ جسدي عنْ الأرْضِ البارِدَةِ مدلِّكًا مؤخِّرَةَ عُنُقي برِفْقٍ مشْفِقًا على مُعاناتِهِ اليوْمَ معَ شخْصٍ مجنونٍ مثْلي و أعْتَرِفُ بأنَّني كذلِك
مهْلًا لحْظة! العصرُ الجَّليديُّ؟ الماضي؟
لِمَ المُسْتَقْبَلُ يُشْبِهُ البدائِيَّةَ و الماضي يشْبِهُ المُسْتَقْبَل؟ لمَ كلُّ شيءٍ معْكوسٌ كتوقُّعاتي؟ أيْنَ أنا الآن؟
طَرَحْتُ هَذِهِ الأسْئِلَةَ في نفْسي و أنا أرْمُقُ منْ هُمْ أمامِي بِنَظْرَةٍ مماثِلةٍ لخاصَّتِهِمْ، مشبَّعَةٌ بالاسْتِغْراب و التَّساؤُلْ
حسنًا من أشكالِهِمْ يبْدونَ بشرًا، غيْرَ أنَّهُ لا يوجَدُ أيُّ واحِدٍ منْهُمْ بأطْرافٍ لمْ تفْقَدْ أحدُها و تُعوَّض بواحدة آليّة، و دعونَا لا ننْسى ذِكْرَ كلْبِهِمْ الوَديع الذّي كانَ يحْمِلُني على ظَهْرِه...أوْ بالأحْرى ذلِكَ الشَّيْءُ الآليُّ الذِّي يُشْبِهُ الكِلابَ
دنى منِّي أحَدُهُمْ فلَمْ أمانِعْ أوْ أهْرُبْ..أهذا هُوَ الإسْتِسْلامُ و الاتِّكالُ على القَدَر؟
بقيتُ أُطالِعُهُ في صمْتٍ لا تشوبُهُ شائِبَةٌ و هوَ يُمَرِّرُ يدَهُ على مُخْتَلَفِ أنْحاءِ نصْفِ جسدي العلوي و يصْنَعُ تواصُلًا بصريًّا بيْنَ أعْيُنِنا لاحَظْتُ خلالَهُ أنَّهُ يضَعُ عدساتٍ لا أعْلَمُ مفادَها
"منْ أنْتَ؟!"
شهقْتُ لا إراديًّا عِنْدَما نطقَ كلِمَتَيْنِ فقطْ بعْدَ أن ظننْتُهُ أبْكَمًا
مهْلا أنا أفْهمُهْ؟!و...لمَ مازال يلْمِسُني؟
"لا أعْلَمْ"
نعمْ أنا غبيٌّ و لكنْ لتلقوا عباراتَ التَّأْنيبِ و لا بأْسَ ببعْضِ الشَّتائِمِ على لِسانِي المُتَمَرِّد لا عليّ
يا الرّاحة! لقدْ أبْعَدَ يدَهُ عنّي، نابِسًا بكلماتٍ قتلتْ نفْسَ تِلْكَ الرَّاحة
"التّحاليلُ تقولُ أنَّهُ يكْذِبْ، لا نبضاتُ قلْبٍ أوْ نسقُ تنفُّسٍ أوْ إفْرازُ هُرْموناتٍ مستقرّينَ داخِلَ هذا الجسم، و درجةُ اتِّساعِ حدقتيْ هذا المُحْتالِ و حركةُ بؤبؤَيْهِ تقولانِ أنَّهُ كاذبٌ هناكَ هدفٌ وراءَ اقْتِحامِهِ لأرْضِنا"
تجمَّعَ هُوَ و منْ معَهُ مُشَكِّلينَ حلْقَةً أشْبَه بخاصَّةِ لاعبي الكُرَةِ قبْلَ بدْءِ مباراتِهِمْ فحاولْتُ اسْتراقَ السَّمْعِ إلى خطَّتِهِمْ، لكنَّها كانت مجرّدَ وشْوشاتٍ موجِعَةٍ لفضولي
جيِّدٌ أنَّهُمْ تفرّقوا الآن و بعْد وقْتٍ قصيرٍ! صبْري بلغ أشدَّهُ و أوشكَ على النّفاذِ لوْ لمْ يُنْعشْهُ نظرُهُمْ إلى شيْءٍ ما خلْفي فحرَّكْتُ عنقي متّبِعًا مسارَ رؤيتهِمْ بلا اسْتِئْذانٍ و لقدْ عوقبْتْ على ذلك، لأنّ بصَري وقَعَ على رِجالٍ آليّينَ تفوحُ منْهُمْ رائِحَةُ 'التَّهْديدِ و القتْل'
"أقتلوه!!"
الْتقطَ مسْمعي أمْرَ البشرِ للآليّينَ قبْلَ أنْ يفعلَ الأخيرونَ ذَلِكَ حتَّى، و بدأْتُ بالضَّحِكِ بهستيرية
لِمَ يرْغَبُ الجّميعُ في قتْلي اليوْم؟ لمَ يتعاونونَ على زعْزعَتي لإيقاعي منْ أعْلى قمَّةِ الإصْرارِ إلى أعْماقِ هوَّةِ الإحْباط؟
~يتبع~
كيْفَ الفصْل جيّد؟؟_تنظر إليكم بتوتّر_
ترى لمَ المسْتقْبل مدمّر حسب آرائكم؟؟
هلْ صحيحٌ أنّهُ الآنَ في الماضي؟؟لوْ نعمْ فلِمَ لا نملكُ آليّينَ ليقْتلوا الأعْداء الآن؟🤔🤔
هل سيموت جين؟
انطباعكم الأوّل عن المكان الأوّل و الثّاني الذّيْن تمت زيارتهما في الفصل؟
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top