9~بِدَايَاتْ مُوَفَّقَةْ


قراءة ممتعة🤍

﴿إِرْمِ أَحْلَامَكَ فِي الْفَضَاءِ كَمَا تَرْمِي طَائِرَةً وَرَقِيَّةْ، فَأَنْتَ لَا تَعْرِفُ مَا الَّذِي سَتَعُودُ بِهِ، حَيَاةٌ جَدِيدَةْ، أَمْ صَدِيقٌ جَدِيدْ، أَمْ حُبٌ جَدِيدْ، أَمْ بَلَدٌ جَدِيدْ﴾

- راقتني💫

●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●

سهولٌ شاسعة وتلالٌ لم يعكّر صفوَّ خضارها عدا الورود بشتى ألوانها.

سماءٌ صافية وشمسٌ ساطعة تعكس أطيافها الدافئة على سطح بحيرة قرية تيرسي النمساوية بمياهها البلورية كعيني الجالسة على ضفافها تماماً.

فهاهي ڤانيسا تنعم بتعقيمٍ بصري لعينيها مع كل هذه المناظر الطبيعية الخلابة، ولكم رغبت بشكر والديْ زوجها على إختيارهم لهذا البلد ليقيما فيه فترة شهر عسلهما، على الأقل وجدت شيئاً آخر يستحق هذه التضحية.

كانت الساعة تشير الى الحادية عشرة تقريباً، وهي تتسكع بالجوار منذ التاسعة صباحاً، وذلك بعد أن هجر النوم جفنيْها بفضل تلك الأريكة المزعجة!

لم تكن تظن أنّ النوم عليها سيرهق ظهرها بهذا الشكل، فمظهرها كان مغرياً ولكنّ التجربة كانت مخادعة!

- تباً لي! لِمَ لمْ أدعه يقنعني ليلة البارحة حتى أنام على السرير!
تذمرت تخاطب ذاتها بينما ترمي بعض الحصى الصغيرة في الماء، ولم يدم صمتها طويلاً إذ قالت من جديد:
- هذا مزعج! بقاؤنا سيطول هنا كثيراً، وانا لن أحتمل النوم عليها مجدداً!

عكفت شفتيْها بعبوس، لكنها سرعان ما عقدت حاجبها لتذكرها أمر جونغكوك!

- هل لا يزالُ نائماً يا ترى؟!
تساءلت بحيرة، فهي الى حين لحظة خروجها كان لايزالُ نائماً.

ورغم أنها قد أصدرت بعض الضجيج حينما دخلت غرفة النوم لتُغير ثيابها، وكذلك حينما ذهبت الى المطبخ لتأكل اي شيء، إلا أنه لم يستيقظ أبداً، فدعاها هذا لتقول ساخرة:
- يبدو أني وجدت شخصاً نومه أثقل مني وأخيراً!

- لا أظن هذا، فلا يوجد شخصٌ يقع من الأريكة ما يقارب العشر مرات أثناء نومه ولا يستيقظ عداكِ أنتِ...لقد أثار ذلك ذهولي حقاً!
كان هذا جونغكوك الذي أتى تواً وجلس بجوارها بينما يقهقه على ملامحها المندهشة.

- أحقاً ما تقول؟!
تساءلت بذات دهشتها، فهمهم مبتسماً بعد أن أخذ القليل من الحصى التي كانت بين يديها، ويهم برميها مراقباً الموجاتِ التي تخلفها إثر سقوطها.

- هكذا إذاً!..علمتُ الآن سبب رضوض جسدي المؤلمة هذا الصباح.
همهمت تخاطب نفسها، فقهقه عليها غرابي الشعر مجدداً بينما لم ينفك عن رمي الحصى بهدوء، ولكنها عقدت حاجبيها بغتة، وناظرته بشك.
- ولكن إن كنت محقاً بالفعل! كيف إستيقظتُ ووجدتُ نفسي فوق الأريكة؟

- لأنني قمتُ بإعادتكِ للنوم فوقها بعد كل مرةٍ تسقطين فيها...لم أستطع النوم بسلام بفضلك!

- لم أطلب منك أن تحملني سيد نبيل، أنت من فعلت ذلك بملئ إرادتك، لذا لا تلقي اللوم علي!
تكتفت تشزره من شفير جفنها، فتوقف الجالس بقربها عن رمي الحصى، ورمش مراراً لحديثها المنزعج.

أدار رأسه للجانب حيث تقبع هي، وإبتسم بعدم تصديق ليقول:
- أنا لم أسهر الليل بطوله لأراقبكِ حتى أعيدكِ للأريكة كلما وقعتي يا آنسة! بل إنّ صوت سقوطك وإرتطامكِ بالأرض في كل مرة كان يفزعني ويوقظني من النوم! ولأنني نسيت تشغيل نظام التدفئة ليلة البارحة، وأيضاً لأني ذو قلبٍ رحيم، ظللتُ أعيدك لمكانكِ خِشية أن تلتقطي البرد من الأرض، ناهيك عن أنكِ لم تكفي عن التحدث طوال الليل كالمجنونة...ورغم كل هذا لم أشتكي!
تذمر عابساً من إلقائها للَّوم عليه وحده رغم أنها المذنبة، فطأطأت هي رأسها محرجة لكلامه...ما حدث ليلة البارحة سيُظهرها بصورة الغجرية ذات عادات النوم المفتقرة للأنوثة، وهي أكثر من يدرك أنها كذلك بالفعل!

ولكن من يهتم؟! هي بحد ذاتها ألقت تلك الأفكار بعيداً ما إن تداركت نفسها، وناظرته بشكلٍ مباشر وبدون أي خجل مما إستحضر ذهوله!

- هذه هي أنا سواءً أعجبك ذلك أم لا!
رفعت أنفها عالياً بعد ذلك، وأدرات رأسها للأمام بسرعة مهفهفةً بشعرها الخاطف للقلوب، والذي داعب وجهه أيضاً!

فغر فاهه وقهقه بعدم تصديق، وقد تأكد للتو من صحة جملتها ليلة البارحة عن كونها متيبسة الرأس وعنيدة!

- أنتِ حقاً طفلة مزعجة ڤانيسا!

جحظت عيناها منزعجة، وقد كانت على صدد الإستدارة نحوه بالفعل لتلقنه درساً على نعته لها بالطفلة، لكنه قاطعها بقوله:
- وشعركِ الجميل هذا يستحضر رغبتي بصنع ضفيرةٍ لكِ.
قابلها بإبتسامته الأرنبية بينما يعبث بأطرافِ شعرها البندقي وعيناه تلمع إعجاباً به، فمن لا يقع بحب شعرها الفاتن؟! ولم يخطئ سكان حيها قبلاً بنعتها بربانزيل المزيفة نظراً لكون الأخرى شقراء الشعر وهي لا!

فترت تعابيرها المنزعجة أمام إبتسامته اللطيفة، وتراجعت عن كل فكرة دموية كانت على صدد تطبيقها عليه...بدى مسالماً للغاية!

- أنظروا من يتحدث؟!..أنت بحد ذاتك تتحول الى طفل بمجرد أن تبتسم يا شبيه القوارض!
ياللخسارة...لقد ضاعت كل تلك الكاريزما الرجولية في لحظة!
قهقهت بقصد إغاظته، لكنه تجاهلها كلياً بسؤاله الخارج من إطار حديثها:
- انا جاد، هل يمكنني صنع ضفيرة لشعرك؟

ناظرته لهنيهات، ثم تنهدت مدحرجةً مقلتيها.
- حسناً.

- سأسمح لكِ بالنوم على السرير الليلة كمقابل لموافقتك.
كان قد جلس خلفها بالفعل، لكنها إستدارت لتزجره بحدة:
- كيف تجرؤ على...

- حسنا حسنا كنتُ أمزح.
ضحك حتى تقوست عيناه، ثم حاوط وجنتيها بكفيْه وأدار رأسها للأمام حتى يباشر عمله، بينما ظلت هي عابسة لمزاحة الثقيل أمام عصبيتها الزائدة.

وبعد هنيهات شعرت به يخلل أنامله بين خصلات شعرها يرتبه، ثم جمعه بين كفيه وباشر بجدله، وقد بدا مستمتعاً بفعل ذلك كثيراً.

أما هي فقد إلتزمت الصمت لفترة، حتى إستأنف هو الحديث رفقتها معلِّقاً بذهول:
- لم أرى بجمال شعركِ قبلاً!

دعتها جملته للقهقهة، إذ أنها علقت ساخرة:
- لستُ أعلم كيف تقول كلاماً كهذا، بينما جميع نساء بلدك لديهن شعرٌ جميلٌ أيضاً، ولربما كان أجمل مني حتى!

- لم تخطئي التعبير، ولكن ما عنيته بكلامي هو أنّ شعركِ يتَّسم بكثافةٍ ملفتة، وكذلك لمعانٍ برَّاق، ولونه أيضاً جميل، وأخيراً طوله الغير مألوف أستهوى ناظريْ.
أوضح لها، فأطلقت 'آه' متفهمة، يلي ذلك عودتها لمؤانسة الصمت، ولم يدم ذلك طويلاً حتى صرخت مستذكرةً أمراً ما، مما أدى لفزعه!

- ما بكِ؟!

- آه يا إلهي كيف نسيتُ أمراً كهذا! اليوم هو أول يوم لأولئك الخمسة وكذلك سومي في الجامعة، لم أتصل بهم أبداً!
إستدارت نحوه تشرح، فأدارها من وجنتيها مجدداً نحو الأمام متذمراً:
- لا تتحركِ كثيراً! ستفسدين ما عانيتُ لتثبيته!

- يا إلهي، لقد تركتُ هاتفي في المنزل، ولن أتمكن من محادثتهم الآن!
بدا عليها الإستياءُ جلياً، وقد لمح جونغكوك ذلك من نبرة صوتها.

إكتست الحيرة وجهه، ولم يمنع فضوله الذي رافقه لأيام حول علاقتها بهم من سؤالها:
- لو لم أميز كونهم آسيويينَ من مظهرهم، لكنتُ ظننتهم إخوتكِ الصغار او على الأقل أقربائكِ!
فتعلقكِ الشديد وعلاقتكِ الوطيدة بهم إستحضرت حيرتي حقاً!..أعتذر على تطفلي، ولكن من يكونونَ بالنسبةِ لكِ؟

خُطف لون وجهها لسؤاله، ومن الجيد أنه لم يرها بهذا المنظر نظراً لكونه خلفها، وإلا لكان الشك سيعتريهِ حولها!

تحمحمت ترتب أفكارها، ثم أجابت بلكنةٍ هادئة عكس دواخلها:
- إنهم أقرباءُ جين، كانوا يقطنون في إيطاليا مع أهاليهم منذ زمن، وبما أنّ علاقتنا وطيدة بعائلة جين، فمن البديهي أن أعرفهم، وقد أتوا معنا لكوريا من أجل الدراسة والإستقرار هنا بمسقطِ رأسهم.

صمتت للحظات تناظر ساقيها العاريتينِ بشروذ، ثم أضافت:
- أما بالنسبةِ لطبيعة علاقتي بهم، فأنا أعرفهم منذ نعومة أظافرهم، وكنتُ دوماً أعتني بهم بما أننا جميعاً نقطن بذات الحي...هم يرونني كأُختٍ كبرى لهم، وانا أقدر مكانتي في أنفسهم وأبادلهم ذات الشعور، لطالما شعرتُ بالمسؤولية تجاههم.

ذُهلت من نفسها كيف تمكنت من الكذب عليه دون أن تتلعثم أو تنفجر ضاحكة على الأقل، فهذه عادتها دوماً!

أما هو فقد همهم متفهماً، وسرعان ما علّق قائلاً:
- علاقتكم لطيفة...ولكن هل يا ترى ستعتنينَ بي كما تفعلين معهم؟
ضحك ممازحاً إياها، فشاطرته قهقهاته الثخينة وقالت:
- أنظر، أنت لازلت تثبتُ لي أنك مجرد طفل بجسد رجلٍ ضخم!

- ولكنني صديقكِ أيضاً! ألا يحق لي الحصول على بعض الإهتمام...إن لم تفعلي فأظنني سأشعر بالغيرةِ منهم!
أكمل مزاحه وضحكاته التي تخللت كل كلمةٍ قام بنطقها، ولم يتلقى سوى صفعةٍ خفيفة على ساقه العاري الممدود بجانبها!
- بربك يا رجل! أنت في الخامسة والعشرين من عمرك، وهم لازالوا في التاسعة عشر!

- ولكنني زوجكِ ومن حقي الحصول على الإهتمام!
أكمل ضحكاته ذات الصوت الرجولي الجذاب بينما يربط طرف ضفيرتها بسواره المطاطي مستمتعاً بممازحته لها.

- حقاً! يبدو أنك تعايشت مع الدور كثيراً! ولكن مع كل هذا سأعتني بك إن فعلت أنت ذلك أيضاً، فأنا فتاةٌ تحب الإهتمام على كل حال.
كانت تغلغل قدميْها الحافيتينِ في العشب أسفلها، مستمتعةً بملمسه الناعم، أما هو فقد أخذ يزين ضفيرتها بشتى أنواع الزهور التي حوله.
- لكِ هذا، فأنا بطبيعتي أهتم بكل ما هو تحت وصايتي...أنتِ أمانةٌ في عهدتي ڤانيسا قبل أن تكوني زوجتي المزيفة أمام الملأ، ومن واجبي حمايتكِ ما دمتي تحملين إسم عائلتي في القانون.

أعجبها كلامه الدال على رجاحة عقله ونضجة، فهي كما قالت له قبل قليل، أنها فتاةٌ تعشق الإهتمام كثيراً، وكلماته السابقة حققت لها هذا الشعور، لذا إبتسمت بخفة مظهرةً غمازتيها الجميلتين كعلامة رضا.

ولكنها لن تكف عن مجاكرته، فقط لتتسلى، إذ أنها قالت:
- من يسمع حديثك سيظنك رجلاً أربعينياً، ولكنك في الواقع طفل بالعاشرة من عمره!
أمالت شفتيها جانبياً منتظرةً رد فعله المنزعج، والذي لم تفلح بإستحضاره لأنه قهقه متسائلاً:
- ومالذي يجعلكِ ترينني هكذا؟!

- أفعالك!

- صدق من قال كلٌّ يرى بعين طبعه!
أمال شفتيهِ جانبياً، فهو على درايةٍ تامة بأن القابعة أمامه يسهل إستفزازها!

وقد ألفت أذناه قهقهتها الخفيفة دلالةً على تفاجؤها، يلي ذلك قولها:
- هل أعتبرها هجمةً مرتدّة؟!

- كلا، إعتبريها قاسماً مشتركاً فيما بيننا، أوليس من اللطيفِ أن تجدي شخصاً له ذات عمركِ العقلي ليشارككِ يومياتك؟

- بلى، ولكنّ أسلوبك كان عدوانياً بعض الشيء!
رفعت حاجباها متأملةً أوراق الشجر التي تسبح بنعومة فوق سطح البحيرة اللامع، ليوافيها هو برفع حاجبيه أيضاً!
- لم يكن كذلك على الإطلاق!..أنتِ من رآه هكذا لأنك شخصٌ لا يحب الخسارة في أيِّ مشادةٍ كلامية!

- لا أذكر أني هزمتك في الحديث ولو لمرة منذ أول لقاء...أنت مراوغ وسريع البديهة حقاً!
عبست مبوّزةً شفتيها.

- شكرا على إطرائك، أما الآن فلا تتحركِ، إبقي مكانكِ ريثما أعود.
شعرت به ينهض من خلفها، فتملكها التعجب مستفهمةً عن سبب طلبه الغريب:
- لما؟! أين ستذهب؟!

- سأجلب كاميرا التصوير لأوثّق تحفتي الفنية التي صنعتها.

أطلقت ڤانيسا 'آه' متفهمة، لتمتثل لأمره بالبقاءِ ساكنة، وبينما ظلت تنتظره أخذت تتأمل السماء تارةً، وتارةً البحيرة أمامها.

مضت دقائق لم تشعر بها لشدة شروذها بجمال الطبيعة، حتى إستشعرت أذناها صوت إلتقاط آلة التصوير للصورة.

- كوك هل هذا أنت؟
تسائلت دون أن تستدير، فلن تفعل قبل أن تأخذ الإذن منه إن كان قد أتمّ ما يريد بالفعل.

- أجل، لقد إنتهيت يمكنكِ النهوض.
مدّ لها يده اليسرى بعد أن وقف بجوارها، وبيده الأخرى كان يمسك آلة تصويره ويتفقد الصورة.

تشبثت هي بذراعه لتنهض وتنفض فستانها الأبيض القصير، ثم إقتربت منه لترى الصورة.
- أرني.

أراها الصورة، وقد كانت جميلة بالفعل، والأجمل منها كان ضفيرتها المزينة بأزهار ديزي الناعمة.

أبدت إعجابها عن طريق بسمتها الواسعة، وكذلك محاوطتها لعنقه بذراعها اليمنى مقبلةً وجنته بخفة.
- الضفيرة جميلة للغاية...شكرا لك.

أزفر من أنفه ضحكةً خفيفة لفعلتها وربت على رأسها بلطف.
- العفو...يا جميلة.
غمز لها مبتسماً، فقهقهت هي ولكمت كتفه متذمرة:
- كُفّ عن إظهار جانبك اللعوب يا هذا! فأنت تبدو كالكازانوفا حينما تتقمصه، وهذا لا يريحني البتة!

- لِمَ؟! هل أنتِ خجلة؟
دنى لمستواها بيد أنه لم يكف عن الإبتسام بإستفزاز، فنقرت جبينه وأجابت بثبات:
- أولم أقل لك أنّ هذه الكلمة لم تكن يوماً ضمن قاموسي...يمكنني إثباتُ ذلك إن أردت!

إبتسم بجانبية لثقتها، ثم تكتف وهمس قائلاً:
- أرني ما بجعبتكِ!

أحبّ قوة شخصيتها، فأراد رؤية الى أيّ مدى قد تصل جرأتها، وهي لم تقصر بجعله يُذهل!

إذ أنها دفعته بخفة حتى لامس ظهره جذع الشجرةِ المائل خلفه، ودنت نحوه مريحةً إحدى ركبتيها بين ساقيه.

إختتمت فعلتها الجريئة بوضعها لشفتيها فوق أذنه، وهمسها مع أنفاسها الدافئة التي تذيب كبرياء أي رجل:
- هل لا زلتَ تراني خجولة؟

بالرغم من نجاحها في بعثرته كأي رجلٍ في مثل موقفه، إلا أنه حافظ على ثباته أمامها وكذلك إبتسامته الجانبية.

- بل أنتِ الجرأةُ بأمِّ عينها!
أبعدها برفق عن جسده، وحشر كفاه بجياب سرواله القطني القصير بعد أن علّق آلة تصويره حول عنقه، أما هي فإبتسمت بإتساع حتى ظهرت أسنانها، معربةً بذلك عن رضاها التام.

حاوطت بعد ذلك ذراعه وسحبته خلفها من دون مقدمات، ليتحمحم هو مخللاً أنامله في خصلات شعره السوداء.
- انا جائع ولم أتناول أي شيء، فلنعد الى المنزل الآن.

- كلا، الجو جميل ويجب أن نستمتع بوقتنا، كما أنّه يمكنك تناول بعضاً من حلوى الأبفيلستروديل من مخبز تلك الجدة.

- حلوى ماذا؟!
تعجب لإسمها الغريب بينما تجره الأخرى رغماً عن أنفه خلفها.

- الأبفيلستروديل.
أعادت نطق إسمها مجدداً بينما تتقدم بخطاها نحو ذاك المخبز الذي يبعد عنهما قرابة الستة أمتار.

توقف جونغكوك فجأة، فكادت تقع كونها كانت تسير بسرعة وتسحبه خلفها، لذا إستدارت نحوه بسيماء منزعجة، لكنها لم تنطق بحرف، بل حاولت سحبه من جديد ولكنه لم يتزحزح من مكانه!

زاد إنزعاجها لطفوليته الغير مفسرة، في حين أنه ظل يراقبها مبتسماً بنصر لإثارة غضبها، لكنّ كيلها قد طفح لتزجره بحدة:
- ما مناسبة هذه الحركات فجأة يا سيد؟!

حاول كتم ضحكته لمظهرها وهي ترفع رأسها لأعلى بينما تخاصمه، فبالرغم من كونها طويلة القامة بالفعل، إلا أنه كان أطول منها بحوالي الثلاثةَ عشر سنتيمتراً.

تحمحم مغمضاً عينيه، ثم عاد لفتحهما ليرى تعابيرها المكفهرة، فباغتته ضحكته عنوة.
- ظللتي تقودينني خلفكِ نحو ذاك المخبز دون أخذ إذني حتى!..ماذا إن كانت تلك الحلوى سيئة المذاق؟!
هل أظلُّ جائعاً حينها؟!

- أولاً هي لذيذة بالفعل وستحبها، ثانياً إن حدث ولم تعجبك فأنا لن أعود للمنزل...إذهب لوحدك!
أعادت ذات حركتها السابقة برفعها لأنفها وإدارتها لوجهها حيث الجانب الآخر، إلا أنه إفتقد هفهفتها لشعرها الذي كان ليداعب وجهه مجدداً لولا جدله لها على شكل ضفيرة!

لم تفارق البسمةُ محياه بعد، ولم تتخلى كلماته المزعجة عن التدحرج فوق لسانه والهروب الى مسامعها:
- ومالذي يؤكد لكِ بأنها لذيذة؟
رفع حاجبه وكتّف يداه من جديد، في حين أنها إستدارت فوراً نحوه لتأتيه بالحجة القاطعة:
- لقد أكلتُ منها بالفعل قبل مجيئك.

إبتسمت مدّعيةً البراءة، لكن سرعان ما تلاشت تعابيرها تلك تدريجياً لسؤاله:
- ومن أين لكِ بالمال؟!

رمشت مراراً تحلل سؤاله، ثم تحمحمت وأجابته ببساطة:
- من بطاقتك المصرفية...أعتذر ولكني كنتُ جائعة ومظهر هذه الحلوى قد أغراني، لذا عدت الى المنزل وإستعرت بطاقتك.

ناظرها لهنيهات، ثم قهقه بصوته الثخين مربتاً على رأسها، وقد شعرت بأن هذه العادة تلازمه كثيراً!

- لا بأس في ذلك يا مغفلة، كما أنّ والدي قد خصص لكِ بطاقةً بإسمكِ فعلاً، ذكريني أن أعطيكِ أياها فور عودتنا.
تخطاها يكمل سيره نحو المخبز، في حينِ ظلت هي مكانها شارذة، وسرعان ما تمتمت لنفسها:
- كلما رأيتُ معاملة عائلته الحسنة لي، أفكر بإغتصابه لأورطه بطفلٍ بيننا حتى نظل معاً، فأنا أُفضّل البقاء متزوجةً به على أن أكسر بخاطر هؤلاء الناس الطيبين...آه كم أكره نفسي!
مسحت دموعها المزيفة بدرامية ليكتمل مشهدها التعبيري عن مدى شكرها لوالديْه، ثم وسعت عيناها بغتة وإستدارت نحو الذي أوشك على الوصول الى المخبز.
- مهلاً لحظة! هل تغلبتُ عليهِ للتو في مشادةٍ كلامية!

أمالت رأسها تبتسم بإتساع قبل أن تركض كالدجاجةِ نحوه وتقفز فوق ظهره مسببةً فزعه وتألمه!

وقبل أن يتذمر، سبقته هي وصرخت بإجتذال، حتى شعر بطبلةِ أذنه تُثقب:
- فلتتذكر هذا اليوم جيداً، إنه الثالث من أبريل، وفي هذا اليوم المجيد تمكنت الجميلةُ ڤانيسا من إخراس القبيح جونغكوك والتغلب عليه...آه لا يوجد أجمل من لذة النصر!

هي لم تترك ظهره بعد، وهو صفع جبينه بقلة حيلة.

- هل ترينني قبيحاً حقاً؟! لستُ أعلم ما فائدة عيناكِ الكبيرتانِ إذاً...أنتِ بحاجة لنظاراتٍ طبية حتى يتم تصحيح نظركِ يا كفيفة!
صفع ساقها اليمنى يحثها على النزول، وهي ضحكت بملئ أشداقها عليه.
- ما خطبك! كنتُ أمزح يا رجل!..أنت وسيم وهذا يعجبني حقاً!

أزفر قهقهةً خافتة من أنفه بينما يطأطأ رأسه ويفتح باب المخبز لكليهما، ليتسائل:
- أفهم من ذلك أنك تحبين الرجال الوسيمين!

- ومن لا يفعل؟!
رسمت تعابيراً متسائلة بينما تجره من ذراعه نحو تلك الحلوى، فعاد للضحك عليها...يعجبه كونها واضحة وشفافة.

_______________________

وبالعودة الى كوريا الجنوبية، حيث من أُسْتُحضِرت سيرتهم على لسان الزوجان المزيفان، هاهم داخل جامعة سيول في أول يومٍ لهم.

سوبين وسومي بدى عليهم التوتر قليلاً، أما البقية فكانوا كما لو أنهم ذاهبون للتنزه وقضاء وقتٍ ممتع.

لم يتم توجيههم بعد الى أقسامهم، إذ أنهم حديثوا الوصول، ومن أوصلهم بالفعل كان جين.

هو لم يتركهم حتى هذه اللحظة ليتأكد من دخولهم بسلام، وإلا ستقتله ڤانيسا بطريقةٍ وحشية.

- تلك المخبولة تظنهم أطفالاً سيدخلون الروضة!
تذمر يناظر ساعة رسغه كل ثانيتين خوفاً من تأخره عن العمل، ولم يكد يضيف جملةً أخرى إلا وبجينا تتقدم نحوهم بينما تلوح بإبتسامة واسعة.

- صباح الخير يا رفاق.
حيتهم مبتسمة، فردوا لها التحية جميعاً.

أتت الى الجامعة هي الأخرى حتى تراهم وتشعرهم بإهتمامها، وكعادتها دوماً أنها تضيف الحماس لمحيطهم كلما حضرت، بيد أنها هتفت لهم بتشجيع:
- فلنهتف عالياً لأوسم شبان وأجمل فتاةٍ في هذه الجامعة!

هتف ستتهم وسط ضحكاتهم، وهي أخذت تصفق لهم وتمطرهم بالعبارات التشجيعية.

وعلى حين غرّة لمح جين أونوو الذي دخل لتوه الجامعة، فصرخ يناديه بأعلى صوته:
- هااي أونوو، يا شقيق صهرنا!

تشكلت عقدة بين حاجبي الآخر، وراح يبحث عن مصدر الصوت، ليجده من جين الذي ينده له بالمجيء.

رمش مراراً مستذكراً ذاك اللقب الذي تمت مناداته به تواً، ليلعن تحت أنفاسه بفضل نظرات الطلاب الغريبة نحوه.
- تباً! هذا ما كان ينقصني!

أطلق تنهيدةً مثقلة قبل أن يعدل حقيبة ظهره على كتفه الأيمن ويأخذ بخطواته حيث يقف البقية.

- صباح الخير، هل لديك محاضرات لهذا اليوم؟
تسائل جين مُدّعياً اللباقة، فشخر بومقيو ساخراً وقال:
- إذاً لما أتى الى الجامعة برأيك؟!

- إخرس أنت!
شزره جين بسخط حتى يصمت، لكنّ الآخر دحرج مقلتيه بضجر.

طأطأ أونوو رأسه مبتسماً بسخرية للتي أغلقت أول زرين من قميصها حينما لمحت قدومه...لا زالت تلك الفكرة اللعينة التي أخذتها عنه برأسها، وهذا قد أزعجه جداً!

- من بعد إذنك، إن كنت متفرغاً بعض الشي، فهل يمكنك البقاء معهم لتريهم أقسامهم وترافقهم، فأنا قد تأخرتُ عن عملي حقاً.
إبتسم جين بتكلف بينما يناظر ساعته، فصمت المعني بالطلب لبرهة، ثم همهم موافقاً، فليس من الجيد أن يرفض طلباً لأحد معارف ڤانيسا ويظهر لهم بصورة الفتى الغير مهذب من أول مرة.

وفور أن أبدى موافقته صرخ جين بسعادة وربت على كتفه بأعيُن لامعة.
- لن أنسى معروفك هذا أبداً.

ثم فرّ هارباً وسط تحديقات أونوو المتعجبة لأفعاله، لكنه لم يستغرب ذلك حينما تذكر أنّ التي لم تكف عن شزره بعدم إرتياح شقيقته!

- حسناً يا رفاق، حظاً موفقاً.
لوحت لهم جينا بدورها ولحقت بإبن عمها الذي خرج بالفعل، ولربما حتى صعد سيارته، ليبقى أولئك السبعة يتبادلون النظرات رفقة الصمت.

تحمحم أونوو بعد أن أخذ نظرةً خاطفة لساعة رسغه، وخاطبهم قائلاً:
- إنها التاسعة بالفعل، وقد حان موعد ذهابكم الى أقسامكم.

أراهم جميعاً مكان زملائهم وأقسامهم بعد أن أخبروه عن تخصصاتهم، وحينما أتى دور سومي أشار لها قائلاً:
- وأنتِ إتبعيني.

ومن دون وعيٍ منها صرخت مذعورة:
- الى أين ستأخذني؟! مالذي ستفعله؟!

إحتضنت جسدها وتراجعت قليلاً، فناظرها بفراغ، ثم إبتسم بتكلف مخفياً إنزعاجه لأفعالها.
- سآخذكِ الى قسمكِ، أوليس هذا ما طلبه شقيقكِ؟

رمشت مراراً، ولكنّ الشك لم يفارقها حياله بعد، فتحمحمت مرتديةً قناع الواثقة القوية.
- يمكنني الذهاب بمفردي!

رفعت أنفها عالياً متمسكةً بحقيبة ظهرها، وسارت مبتعدةً عنه، لكنها توقفت وإعتراها الإحراج حينما قال مستوقفاً إياها:
- أولم تقولي أنكِ من طلاب قسم الطب، إذاً لما تسيرين بإتجاه قسم الإقتصاد؟!

رفع حاجباه مظهراً بروده، وهي لم تجرؤ على النظر إليه، فإكتفت بالقهقهة وتسائلت:
- حقا!..إذاً أين هو مكان قسمي؟

- على يسارك.
أجابها ولم يبرح مكانه بعد، بل ظل يراقبها وهي تسير من ذاك الإتجاه بينما تسرّع من وتيرة مشيها حتى تحول الى ركض!

- يالها من حمقاء!
تمتم بضجر قبل أن يذهب هو الآخر.

_________________________

إجتمعن فتياتُ قسم الفنون معاً على إحدى الطاولات، ورحنَ يتأملنَ كاي بهيام، ولم يكفنّ عن إبداء إعجابهن به ولو للحظة، فهو كان وسيم الوجه، طويل القامة، وضخم البنية، وهدوءه لم يزده سوى جاذبيةً في أنظارهن.

وعلى خلافهن، فشبان القسم لم يرقهم أنه قد خطف الأضواء منهم، بعضهم من شعر بالغيرة، وبعضهم صار يلفت الإنتباه حتى يشعر بالرضى.

أما هو، فقد كان غائصاً في عالمه الخاص، يجلس عند الزاوية وحيداً، ويضع سماعات رأسه يستمع لموسيقى الروك الصاخبة، ولم يكن يعلم أنه قد أثار ضجةً كهذه بين زملائه!

غير أنه فضلّ عدم الإختلاط بأي أحد قبل أن يقرر عقله ذلك، فهو يميلُ الى العزلة، ويجد راحته في الهدوء والإستقلالية، وهذا ما جعلهم يرونه كمغرورٍ وسيم، وهو أبعد ما يكون عن الصفةِ الأولى!

فرق جفناه بعد حين، وراح يحدق بمن حوله بهدوء، ليلمح فجأة فتاةً من بين ذاك الحشد ذكرته بهيجين.

كانت تشبهها، إلا أنّ هيجين كانت ألطف وأجمل بكثير، شرذ يفكر بما حلّ بها بعد ذاك اليوم، فمشاعرها قد جُرحت كثيراً، وهذا ليس بالأمر البسيط.

تمنى فقط لو يختفي أمثال ليا من هذه الحياة، فوجودهم يؤذي أُناساً لطفاء كتلك المسكينة، وإستمرارهم بإتخاذ نقاط ضعف غيرهم كسلاح يُعدُّ مرآةً تعكس سواد أرواحهم وحقدها.

ظلّ دقائق على ذات الحال، ثم تنهد يزفر أنفاسه وكذلك أفكاره المضطربة، ليعود لإغماض عينيه والإستماع الى الموسيقى، إلا أنّ أحدهم قد فسّر نظراته الغير مقصودة الى شيءٍ آخر، وها هنّ الفتيات ينتحبن لحظ تلك الفتاة فقط لأنه ناظرها وشرذ بها، فظننها أعجبته او لفتت إنتباهه...لهذا السبب هو يحب البقاء بعيداً عن الناس، فبنظره أنّ معظمهم ذوي عقولٍ فارغة!

وبعيداً عن قسم الفنون، حيث يجلس بومقيو بكل شموخ وسط زملائه في قسم الفيزياء.

بدى لهم بمظهر الفتى السيء، فطريقة لباسه وتسريحة شعره وكذلك أقراط أذنيه منحته هذه الهالة.

الفتياتُ يتهافتن عليه إعجاباً بمظهره، والفتيان يحاولون التقرب منه ليصبحوا أصدقائه، بينما يجلس هو على الكرسي بشكلٍ مقلوب، ويتجرع مشروب الطاقة بضجر.

لم يلقي بالاً لأحدهم كونه لا يعرفهم، بل فضّل البقاء على ذات وضعه والإكتفاء بمراقبة ما يحدث حوله مع إمالة ساخرة لشفتيه كلما سمع حديثاً تافهاً من أحدهم.

وعلى حين غرة، إسترعت إنتباهه ضجة عند باب قسمهم، فراح يحدق بها في هدوء الى أن جحظ عيناه لِما رأى!

كان مجموعة من فتيان قسمه يضايقون سوبين الذي رآه وميزه على الفور نظراً لطول قامته، ولم يعلم مالذي أحضره.

إستقام من كرسيه سريعاً، وتجرع آخر قطراتٍ من علبة مشروبه قبل أن يحولها الى كتلة عجين ويرميها نحو سلة المهملات.

خطواته كانت طويلة بينما يحشر كفاه في جياب بنطاله، وصراخ الفتيات يعلو من خلفه...هو لم يتعمد لفت الإنتباه، بل هو ملفت بطبعه وهذه تصرفاته الطبيعية بعيداً عن التصنع.

- مالذي أحضرك لقسمنا يا لطيف؟
كان ذلك أحد الفتيان، والذي لمحه بومقيو يدفع كتف سوبين بعدوانية ظناً منه أنّ ما يفعله شيءٌ يستحق الثناء او التفاخر به!

لذا أخرج بومقيو أحد كفّيْه من جيب بنطاله، وأزاح به ذاك الفتى عن طريقه دون أن يعيره أدنى أهتمام.

- مالذي أتى بك؟
سأل سوبين المرتبك بهدوء، وتجاهل نظرات ذاك الأرعن نحوه.

وقبل أن يجيبه الآخر، دفعه ذاك الفتى محاولاً إستفزازه كما فعل به، ولم يكن ليعلم بأنّ فكرته لم تكن سديدة مطلقاً!

طأطأ بومقيو رأسه مخفياً عيناه المظلمتان أسفل غرته المنسدلة على جيبنه، وظلّ ساكناً للحظات وسط تحديقات سوبين القلقة مما يجري.

- هل أنت أيضاً ضعيف الشخصية كصديقك؟ لن أستغرب ذلك!
قهقه ذاك الشاب بينما يتبادل صفع الكفوف مع رفاقه، وحينما لمح هدوء الآخر وسكونه، قرر زيادة جرعة إستفزازه علّه يلفت إنتباهاً أكثر ويفرض شخصيته العدوانية على زملائه.

ولكن يده وما إن حطت على كتف بومقيو، حتى تأوه بألم...لا بل صرخ متوجعاً!

كان ذو العينان المظلمة قد لوى له ذراعه حتى كاد يكسرها، مما إستحضر دهشة الآخر لقوته الرهيبة مقارنةً بجسده الهزيل!

ومن دون أن يفلت ذراعه، همس له على مقربةٍ من أذنه ليُأكد له خطأه الذريع بالإقتراب منه:
- ضعيف الشخصيةِ هذا سيقطع يدك دون تردد إن حاولت التعرض له أو لأحد أصدقائه مرةً أخرى!

دبّ الخوف في أوصال الآخر، فقوة هذا الهزيل ونبرته العميقة قد بثّتا فيه نوعاً من الذعر.

أفلته بعد ذلك دافعاً إياه بعيداً، وقد إرتمى على أصدقائه لقوة الدفعة بينما لم يكف عن تمسيد ذراعه ورسم الألم.

أما عن الفاعل، فقد سار بروية نحو صديقه المذعور، وسأله بينما يبعد شعره عن جبينه كما لو أنّ شيئاً لم يكن:
- مالذي أحضرك؟

نظرات سوبين تناوبت بين وجه ذاك الفتى ووجه بومقيو البارد، ثم رمش مراراً وراح يبحث في جيب الهودي خاصته.

- لقد نسيت هاتفك بحوزتي، لذا أتيتُ لأعطيكَ إياه.

ناوله هاتفه الذي كان قد نسيه معه منذ الصباح، ثم إبتسم له إبتسامته البريئة تلك مع نبسه بصوتٍ هادئ:
- شكراً لك بوم.

أمال بومقيو زاوية شفتيه بخفة لإختصار إسمه الذي لطالما ناداه به سوبين، ثم ربت على كتف الطويل أمامه.

- العفو...وتذكر، إن ضايقك أحدهم فقط ألكمه في وسط وجهه دون تردد!
شزر ذاك الشاب بحنق آخر حديثه، فهمهم سوبين ولوّح له مغادراً.

وما كاد بومقيو يريح مؤخرته على كرسيه السابق حتى حاوطه مجموعة شبان بأعيُن تبرق إعجاباً.

تعجب لفعلتهم، فراح يحدق بهم مستنكراً، ثم رفع حاجباه المقطبان.

- ماذا؟!

- أنت مذهل يا صاح! لم يتجرأ أي أحدٍ من قبل على ضرب جوتشان!

فهم من كلامهم أنّهم على معرفةٍ مسبقة بذاك المتنمر، فلربما كانوا زملائه في الثانوية او شيءٌ من هذا القبيل!

لكنه أجابهم بملل:
- وإذاً؟!

بدى مزاجه متقلباً، لكنهم أقسموا على أن لا يتركوه وشأنه، إذ أنّ البدين منهم شابك أنامله وتوسله بعينان لامعتان:
- أرجوك دعنا نصبح أصدقائك، أنت القائد ونحن أتباعك، وسنفعل كل ما تأمرنا به!

فغر فاهه للذي جثى أرضاً...ألهذا الحد هم مُستَضعَفون!

بدى أنهم طيبون، وقد كانوا خمسة شبان، أحدهم طويل القامة ونحيل، والثاني نحيلٌ أيضاً ولكنه قصيرٌ للغاية، الثالث يرتدي نظاراتٍ طبية مستديرة، والرابع تسريحته غريبة او ما يطلق عليها لقب كاسكو!

وأخيراً ذاك البدين ذو الخدود الممتلِئة.

كان بومقيو لايزال يفغر فاهه، وقد رفع بصره ليجد أنّ كافة زملائه يحدقون به ينتظرون رده، وهذا ما جعله يخجل من فعلة الجاثي أمامه!

لذا إبتسم بتكلف وتمتم منحنياً نحوه يحاول جعله يقف:
- قف أرجوك، الجميع ينظر إلينا بغرابة!

- كلا، سأفعل حينما توافق على طلبنا!
إمتنع ذاك البدين عن الوقوف، وهذا ما جعل بومقيو يغمض عيناه ويأخذ شهيقاً ليهدِّأ من روعه، ثم تمتم بخفوتٍ لنفسه:
- هذا ما كان ينقصني!

دلّك جبينه يفكر، فخمستهم يبدون كالعلكة الدبقة، وإن لم يوافق لن يتركوه وشأنه، وإن وافق أيضاً سيجلبون له المتاعب وهو في غناً عنها!

وحينما لم يتوصل لقرار خصوصاً مع تجمع الطلبة من حوله ليشاهدوا ما يجري، أزفر متململاً وقال:
- سأفكر في ذلك، فقط قف أرجوك!

مطّ شفتيه بتهكم من صراخهم بعد رده رغم أنه لم يوافق بعد، ولكنهم أحدثوا جلبة لا حاجةً لها في نظره، وكم لعن سوبين كونه سبب كل ما يحدث!

- نحن تحت إمرتك متى ما أردتنا!
هتف خمستهم يضربون له التحية العسكرية، فصفع جبينه وغطَّى وجهه بإحراج من أفعالهم...هو لا يرى نفسه ملكاً ليعاملوه بهذا الشكل!

وكم لعن حظه العاثر الذي دوماً ما يوقعه في مواقف غبية كهذه!

________________________

Sumi pov:~

تم منحنا قمصاناً زرقاء بعد دخولنا القسم كعلامة تميزنا عن بقية الأقسام الذين خُصِّص لكلٍّ منهم لونٌ يميزه مثلنا.

كان الطلاب يجهزون المشروبات والبيتزا إستعداداً للإحتفال بأولِ يوم، والذي سيبدأ بعد أن يحضُر أساتذتنا الجامعيُّون ليعرفوا عن أنفسهم وعن تخصصنا كمقدمة.

وبينما كنتُ أساعد بحمل صناديق المشروبات، لمحتهم يدخلون برفقة طلاب يرتدون ذات قمصاننا، لذا تركت ما بيدي كحال البقية وهرعت أجلس بمكاني.

لن أنكر أنّ التجربة باتت ممتعة نوعاً ما في نظري، فزملائي ودودونَ نوعاً ما ومتعاونون، كما أنّهم إجتماعيون، فلم يصعب عليّ التعرف عليهم.

أوليْتُ جُلّ إهتمامي لأولئك الأساتذة الذين عرَّفوا عن أنفسهم، وراحوا يشجعوننا ويرفعون معنوياتنا بما أنه أول يومٍ لنا في الجامعة وهي تجربةٌ جديدة لم نخضها من قبل.

- هؤلاء هم زملاؤكم الأكبر سناً، لقد إخترنا النخبةَ منهم حتى تستعينوا بهم إن إحتجتم لأي شيء.
أشار رئيس قسمنا ذو الشعر الأشيب نحو أولئك الطلاب الذين سبق وقلت بأنهم قد أتوا مع الأساتذة.

بعضهم فتيات وبعضهم فتياناً، وقد بدا تفوقهم الدراسي جلياً من هندامهم وأسلوب حديثهم.

وعلى حينِ غرّة...فُتح باب القسم مظهراً جسد أحدهم وهو يلهث، وقد إستدار الجميع نحو الزائر ومن بينهم أنا، ولم ألبث حتى وسّعت مقلتاي بتعجب!

مالذي يفعله هذا هنا؟!

أبالصدفةِ هو يتبعني؟!

- أعتذر على تأخري.
إنحنى معتذراً بينما يغلق باب القسم خلفه...ولكن مهلاً لحظة!

لما يقفل الباب خلفه؟!

هل سيبقى هنا؟! وبصفته من؟!

- أعرِّفكم بزميلكم الطالب الأول والمميز جيون أونوو، أنه من الدفعة الثالثة لطلاب الطب، وأكثرهم تفوقاً أيضاً.

علمتُ الآن بصفته من، وعلمتُ أيضاً أني أنا وحظي نسيرُ في إتجاهيْن متوازييْن بحيث لا نلتقي أبدا!

رائع سومي، هذا المتحرش المتفوق يدرس نفس تخصصكِ ويكبركِ بعاميْن وستلتقينه كثيراً!

وبينما أشتمه وأشتم حظي في دواخلي، سمعت همسات زميلاتي التي كان محورها هو!

إتفقن جميعاً على أنه وسيم للغاية، وخاطفٌ للأنفاس، ولكن أنا الوحيدة التي تراه خبيثاً وسيئاً رغم أنه وسيم بالفعل ولن أنكر ذلك.

ولوهلة إلتقت عينانا، أنا ومن دون وعي جحظتهما، وهو لم يتخلى عن بروده الذي يستفزني حقاً!

إذ أنه جلس مقابلاً لي بينما يكتف ذراعاه ويحدجني بنظراتٍ ثاقبة رافعاً أحد حاجبيه...هل أنا الوحيدة التي تشعر بأنّ تحديقه قد طال فوق اللزوم!

مهلاً يا إلهي، هل قميصي..!

هرعت أتفقد عنق قميصي، فوجدته مغلقاً بإحكام لذا أزفرت براحة وعدت لمناظرته، وقد لمحته يدحرج مقلتاه ويتكلف إبتسامة ساخرة...سأضيف على وصفي له سابقاً كلمة متعجرف.

من يحسبُ نفسه!

ولشدة إنزعاجي إنتظرته حتى عاد لمناظرتي، وقمتُ بدحرجة مقلتاي له أنا الأخرى...لست أفضل مني يا متعجرف!

أعترفُ أنّ مجيئه قد عكّر مزاجي كلياً، وما زاد الطين بلة هو نكز زميلاتي لذراعي وتمتماتهنّ المنتحبة التي جعلتني أضيّق عيناي بإشمئزاز لتفكيرهم!

- يالكِ من محظوظة!

- هو لم يكف عن التحديقِ بكِ منذ قدومه!

- أتمنى لو كنتُ مكانكِ!

كانت تلك تعليقاهن التي إستحضرت رغبتي في التقيُؤ، أعني لو دقّقنَ النظر أكثر لوجدن أنّ تحديقاته بي لا تحمل معنى عداً عن الخبث والغطرسة!

وحتى لا يتضخم الأمر أكثر وتنتشر الشائعات، أوضحتُ لهن صلتي به التي إتخذتها كمبررٍ لصالحي:
- لا تفهمنَ الأمر بشكلٍ خاطئ، أنا أعرفه بالفعل، فهو شقيق زوج أختي.

اجل...ڤاني بمثابة أختي الكبرى، لهذا قلت ذلك، غير أنني لا أمتلك أي نيةٍ لشرح علاقتي بها كونها أجنبية والأمر معقد.

لمحتُ تنفسهنّ المستريح، فبظنهنّ أنّ المجال صار مفتوحاً أمامهن...ومن سيهتم، أنا لا أحب الشبان أمثاله على كل حال!

وعلى ذِكر الشبان...ترى ما أخبار الأورجي؟

End sumi pov.

_________________________

بعد أن عاد سوبين من قسم الفيزياء، أخذ يجّهز المكان مع زملائه كما هو الحال مع أغلب الأقسام.

وبينما خرج ليلقي بصناديق الطعام في حاوية القمامة رفقة زملائه، لمح قطةً تقف أسفل الشجرة أمامه.

تهلهلت أساريره وأخرجت عيناهُ قلوباً تنمُّ عن غبطته للمحه كائناً لطيفاً مثلها.

إذ أنه جلس القرفصاء مكانه، وراح ينده لها بالتقدم، وهي لم تتردد مطلقاً، فلطالما عكست روحه اللطيفة والهشة أطيافها على وجهه جاذبةً كائناتٍ كهذه إليه، كما أنّ عشقه للطبيعةِ أنشأ رابطاً بينه وبينها.

علا مواء القطة اللطيف وهي تبحث عن الطعام بحوزته، فإبتسم بهدوء وفتح إحدى العلب مناولاً إياها بقايا طعامهم.

ولكم أحبّ تأملها وهي تأكل سادةً جوعها، بيد أنّ قلبه آلمه لرؤية جسدها النحيل والهزيل.

سبقه رفاقه بالفعل وعادوا، بينما ظلّ هو مكانه يتأمل القطة ويمسّد على وبرها بلطف.

- يالكِ من مسكينة، جسدكِ نحيلٌ للغاية!
قوّس شفتاه مبدياً حزنه رفقة تنهيدة كان قد أزفرها بثقل.

لطالما تمنى أن يُنشِئ جمعيةً خيرية لمساعدة القطط والكلاب الضالة، ولكن ما باليدِ حيلة.

فمشروعٌ كهذا حتى وإن كان بسيطاً سيتطلب يداً للعون وكذلك مصدر دخلٍ لتوفير الطعام والمأوى.

وعلى حين غرة إستشعر جسد شخصٍ يجاوره جلسة القرفصاء، ولم تكن سوى الأستاذة الشابة بومي.

كان قد ميّز هويتها نظراً لكونها أحد أساتذته الجامعيين مستقبلاً، والتي سبق وعرّفت عن نفسها لطلابها.

- أرى أنك حزينٌ لرؤية قطةٍ ضالة بهذا الحال.
تساءلت ببسمةٍ هادئة زيّنت ثغرها، وقد كانت لطيفة الملامح، سلسلةً في التعامل، وذات قلبٍ حنون.

إذ بدى ذلك جلياً لطلابها من أول يوم!

كانت ترتدي نظاراتٍ طبية مستديرة، وترفع شعرها متوسط الطول على شكل ذيل حصان، كما أنها تبدو أصغر من عمرها الذي يناهز الرابعة والثلاثين عاماً بالفعل.

- أجل، تبدو جائعة للغاية.
أجابها سوبين بعينان ذابلة لم تفارق جسد القطةِ مطلقاً.

لمحت الأستاذة بومي ذلك، وقد أخذت تمسد بدورها على وبر تلك القطة.
- كم أشعر بالسعادة حينما أجد شخصاً له قلبٌ رحيم بالحيوانات في زمننا القاسي هذا.

علّقت على حزنه لحال القطة، فمنحها سوبين إهتمامه هذه المرة، لتضيف:
- دوماً ما كنت أرى معاملة البشر القاسية للحيوانات وأتألم، فمنهم من يقتلها لمكاسب مادية، ومنهم من يقوم بتعنيفها لغرض التسلية، وتتعددُ الأسباب بما لا يمكن إحصاؤه!

- البشر وحوشٌ حقاً!
تمتم سوبين شارذاً، وما أفاقه من شروذه هو إستقامة تلك الأستاذة نافضةً ثيابها، ومدها لكفها حتى تساعده على النهوض.

حدق بها لوهلة، ثم ناظر القطة لآخر مرة قبل أن يعطيها كفه ويستقيم بدوره.

ناولته كرتاً صغيراً بعد ذلك، وقالت مربتةً على كتفه بإبتسامتها المعهودة:
- أنا أدير جمعيةً خيرية ناشئة لمساعدة الحيوانات ومحاربة تلوث البيئة بكافة أشكاله، إن كنت مهتماً بذلك أدخل على إسم الموقع المدوّن في هذا الكرت، وإملأ بياناتك الشخصية لتصبح عضواً منا.

لم يكد عقله يصدق ما قالت، فأخذ يرمش مراراً بنظراتٍ تتناوب بين ذاك الكرت وبين وجهها الباسم.

وسرعان ما تهلهلت أساريره وإبتسم بدوره حتى إختفت عيناه...حلمه يتحقق وأخيراً!

- سأنضمُّ لكم بكل تأكيد أستاذتي!
إحتضن ذاك الكرت وإنحنى لها شاكراً.

رد فعله بدا لطيفاً لها، وقد علمت أنه يستحق شغر مكانٍ له بين أعضاء جمعيتها المتواضعة.

- إذاً نحن نرحب بك سوبين.
ربتت على كتفه للمرةِ الثانية، ثم سبقته للقسم.

أما هو فقد ظل يبتسم لوحده كالأبله...قلبه الرقيق يكاد يطير فرحاً لفكرة أنه سيساعد الحيوانات وسيحميها، كانت تلك أقصى أحلامهِ دوماً، وهاهي ذي تتحقق الآن.

ولشدة غبطته أخذ هاتفه ودخل على مجموعة الدردشة التي تجمعه ببقية الأورجي وسومي ليخبرهم بذلك.

_______________________

في الجانب الشرقي من مبنى الجامعة، حيث يقبع قسم علم الآثار والتاريخ.

كان تايهيون ينعم برونقٍ لطالما كان الأمثل لجوارحه، إذ أنّ قسمهم مملوءٌ بالكتب والمذكرات التاريخية، وهو لم يكف عن التجوال والإطلاع على كلِّ كتابٍ يلفت إنتباهه.

قاطع هدوءه وهدوء قسمه تلقيه لإشعارٍ ما، فأخرج هاتفه بيده الحرة ليجد أنّها رسالةٌ من مجموعة الدردشة، وصاحبها هو سوبين.

قرأ مضمونها، وإبتسم بخفة لغبطة الآخر التي ومن دون شك ستكون قد عانقت السحاب، ثم وضع الكتب التي كانت بيده الثانية على الطاولة حتى يتسنى له الكتابة.

" هذا رائع سوبين...حظاً موفقاً ^^"
أرسل كلماته المشجعة، والتي إندرجت أسفل رسائل كل الرفاق بإستثناء يونجون المختفي عن الأنظار!

أغلق هاتفه بعد ذلك، وجلس قرب إحدى النوافذ مرتدياً نظارته قبل أن يشرع بقرائة ما إقتناه من كتبٍ كحال بقية زملائه من حوله.

وبالذهاب لمن كان مختفياً ولم يشاركهم الدردشة...

هاهوَذا يتوسط زملائه، بينما يقيمونَ تحدياً عن من يتجرع أكبر قدر من الكولا دفعةً واحدة، وبالطبع كان هو الرابح.

علا هتاف زملائه وتصفيقهم من حوله، وهو أخذ يبتسم بنصر بينما يمسح ثغره بكم قميصه.

شعر بالدوار لكثرة ما شرب، كما أنّ معدته باتت ثقيلة، وقد وضع إحتمال زيارته للحمام بعد قليل.

- أنت مذهل يا صاح! كيف يمكنك تجرع كل هذا الكم من الكولا دفعةً واحدة!
لكم أحد الشبان على كتفه بمزاح، فقهقه يونجون ممسكاً بطنه المنتفخ:
- لم ترى شيئاً بعد!
غمز له، ثم أخذ منديلاً ناولته إياه إحدى زميلاته ليمسح جبينه المتعرق.

وكالعادة، هو يحصد شهرةً لا مثيل لها أينما ذهب، كما أنه يكتسب محبة الجميع سريعاً، وهذا ما جعله محطّ إهتمام زملائه مبدئياً.

نهض بعد مدة ليلبي نداء الطبيعة، فكمية الكولا التي شربها ليست بمزحة!

وفي طريقه، لاحظ جسد شخصٍ مألوف يتقدمه بأربعة أمتار تقريباً.

شخصٌ طويل القامة وعريض المنكبيْن، يميل لأن يكون بنفس هيئة سوبين...ولم يكن سوى أونوو.

كان يونجون على صدد الإسراع نحوه لإلقاء التحية، ولكنه توقف فجأة وغيّر مساره مختبأً خلف أحد الأعمدة، وذلك بعد لمحه لأولئك الشبان الذين تشاجروا معهم قبل أسبوع...نسي أمرهم كلياً!

كيف لم يضع إحتمال أنهم طلابٌ في هذه الجامعة بما أنهم يعرفون أونوو رغم شجارهم معه، كما أنّ ڤانيسا قد سبق وأخبرتهم بأنهم يدرسون معه.

لقد تغفّل هو والبقية عن هذا الإحتمال، وسيدفعون ثمن إستهتارهم غالياً.

وبالذهاب الى أونوو، فالتعجب تلبسه من رأسه حتى أخمصِ قدميه بعد أن رآهم يلقون عليه التحية بإحترام ويفرون من جواره.

ولن ننسى أنه قد لمح إختباء يونجون بذعر فور رؤيته لهم، وهذا ما دعاه للحيرةِ والضياع.

فإن صحّت توقعاته الشبه مستحيلة، سيكون لرد فعل يونجون علاقةٌ بذلك.

ورغم كل ما جرى، إحتفظ بعقدة حاجبيه الشارذة، وأكمل طريقه كما لو أنّ شيئاً لم يكن.

أما يونجون، فهو لم يبرح مخبأه حتى تأكد من خُلُوِّ المكان حوله.

أزفر أنفاسه بإرتياح، وأخذ يراسل رفاقه في غرفة الدردشة ويخبرهم بما جرى حتى يتوخوا الحذر...ولكن الى متى؟!

___________________________

Taehyung pov:~

إنتهى دوامي، وهانذا في طريق عودتي الى منزلي.

التعب ينهش كل خليةٍ من جسدي رغم أني لا أتزحزحُ عن كرسي مكتبي طوال اليوم.

إن إستمررتُ على هذا المنوال، فسأخسر لياقتي وسأحصل على كرشٍ قبيح، ولهذا سأستيقظ غداً عند الفجر حتى أهرول قليلاً بما أني لن أتمكن من زيارة الصالة الرياضية حتى نهاية الأسبوع.

أما الآن...

أضع موسيقى جاز هادئة وأشغل نظام التكييف في سيارتي حتى أنعم برونقٍ يريح أعصابي ويجعلني أسترخي...هذا ما أفعله دوماً.

أقود بتريث فأنا من أعداء السرعة، وأتمتم بكلمات الأغنية التي أضعها بين كلِّ حينٍ وحين الى أن دخلت الشارع الذي يقبع بآخره منزلي.

وكما جرت العادة أني ألتفت لكل منزلٍ أمر به...إنها مجرد عادةٍ لطالما لازمتني.

وحينما بلغت منزل آل جونغ سابقاً، إلتفتتُ له هو الآخر رغم علمي بأنه فارغ، لكني وسرعان ما قطبتُ حاجبايَ في حيرةٍ من أمري بعد لمحي لشاحنة نقل مركونة أمامه...هل أتى جيراني الجدد بالفعل!

أذكرُ أنّ السيد جونغ قد قال بأنه حصل على مستأجر وسيسلمه المنزل بعد رحيله، ويبدو أنّ هذا المستأجر يستعد للإقامةِ به.

لم أُوقف سيارتي كذاك اليوم، بل أكملتُ مسيري نحو مرآب منزلي...فعلى كلِّ حال أنا متعب ولا أعرف من يكونون لأقدم لهم يد العون.

قد يرى البعض أنّ تصرفي لئيم، ولكني لا أحبذ حشر نفسي بينهم منذ البداية، فهناك من لا يريد الإختلاط ويجب عليّ إحترام ذلك...آمل فقط أن يكونا زوجيْن مسنيْن حتى لا يسببا لي الضجيج والإزعاج.

وريثما أستحم وأغير ثيابي، سأنتظر قدوم جيمين...إتفقنا أن نسهر سوياً الليلة لنشاهد مباراة كرة القدم ونتناول الدجاج المقلي رفقة السوجو.

End taehyung pov.

__________________________

Jungkook pov:~

رأسي يكادُ ينفجر!

تلك المجنونة لم تكف عن التحدث والضحك بصوتٍ عالٍ طيلة مكالمتها لجين وشقيقته وأولئك الخمسة، وانا تعرضتُ لضربة شمس ظهيرة هذا اليوم بفضل إجبارها لي على ركوب زورقٍ صغير في البحيرة والتجديفِ بها، كما أنها لم تدعني آخذ قيلولة بحجة أنها تريد ترتيب ثيابها في الخزانة...وياليتها فعلت!

هي لم تفعل! بل ظلت تشاهد التلفاز حتى وقت الغروب، وانا من رتبت ثيابي ونظفت المنزل من تلك الشموع والورود التي سبق وإنتشرت في كل أرجائه.

وأخيراً طلبنا العشاء من الخارج، وحمداً لله انها ساعدتني في غسل الصحون...كلُّ ما في الأمر أني وبشكلٍ مبالغ لا أطيق الفوضى، وهي تحب الإستمتاع بوقتها دون أن تشغل بالها بتلك التفاصيل الصغيرة!

على كلِّ حال، دخلت بعد ذلك وأخذت حماماً منعشاً، وهانذا أجلس على مقربةٍ منها فوق الأريكة بينما أراجع شروط العقد لنضع ما نريده بعد أن تنهي مكالمة الفيديو خاصتها.

أدركتُ بالفعل أنّ لأولئك الخمسة مكانةٌ خاصة في قلبها نظراً لغبطتها الجلية وهي تحادثهم وتسألهم عن أول يومٍ جامعي لهم...تبدو كوالدتهم تماماً.

وقد أدركت أيضاً أنهم خفيفوا الظل كوني أستمع لدردشتهم رفقتها منذ البداية، إنهم ممتعون للغاية.

أما هي...مظهرها القوي قد يمنحك عنها طابع المغرورة الجادة، ولكنها على خلافِ ذلك تماماً.

فما إن سنحت لي الفرصة لإكتشافها، حتى تبين لي أنها مرحة بشخصية مغامرة، شجاعة ولا تهابُ شيئاً، كما أنها عنيدة ولا تحب الخسارة مطلقاً، وهذا ما يجعلها تبدو طفولية بعض الأحيان.

شعرتُ أيضاً بتأقلمها السريع معي رغم أنه أول يومٍ لنا سوياً في منزلٍ واحد، وهذا ما يريحني، فأنا بدوري حاولت أن أُشعرها بالأمان رفقتي كونها مغتربة عن وطنها، وكذلك بذلتُ قُصار جهدي لأمنحها طابعاً حسناً عني وعن الرجل الكوري بوجهٍ عام.

وبعد حين...

وضعتُ أوراق العقدِ جانباً، وأرحتُ فكي على مشط يدي أتأمل شعرها الذي إستهواني من دون نقاش!

إذ أنها كانت توليني بظهرها، وظفيرتها تلك قد بدأت تنفك وترتخي بالفعل نظراً لنعومة شعرها وكثرة ركضها منذ الصباح...لديها روحٌ جامحة بحق.

لم أشعر بالوقت وانا أتأمل لمعانه الساحر، فأنا بطبيعة شخصيتي رجلاً يحب الجمال، وهواياتي لخيرُ برهانٍ على ذلك.

إنتظرتها حتى أنهت مكالمتها، ثم أردفت ببسمةٍ خافتة:
- هل إطمئنّ قلبكِ عليهم الآن؟

وسؤالي هرب من فاهي بعد رؤيتها مبتهجة.

- أجل.
هزت رأسها تبتسم بإتساع، فأزفرتُ ضحكة خفيفة من أنفي تزامناً مع إعتدالي في جلوسي.

أعدتُ سحب أوراق العقد من الطاولة أمامي، وأرحتُ ساقاً على ساق، أما هي فقد مدّت ساقيها العاريتين على طول الأريكة، وقد وضعت نهاية قدميها على فخذي الأيمن.

- ساقاي متعبتان للغاية، لذا لا تشتكي من وضعيتي!
وقبل أن أُعلِّق تحدثت هي تحذرني، وانا إكتفيت بهز رأسي للجانبين والضحك على تسلطها...لم أتذمر بالفعل، فوضعيتها لم تضايقني في جلوسي.

- بما أننا متفرغان الآن، فدعينا نتفق على شروط العقد الجانبية.
تحدثتُ أتفحص الأوراق في بادئ الأمر، ثم وجّهتُ بصري نحوها، وقد كانت ترمي بذراعيها لأعلى كما لو أنها جثة...يبدو أنّ مخزون وقودها قد شارف على الإنتهاء.

همهمت لي، وسرعان ما أضفت:
- سبق ودوّنتُ بعضاً من شروطي، وسأقرأها لكِ الآن.

همهمت للمرة الثانية، وانا تحمحمتُ قبل أن أستأنف حديثي:
- أول شرط هو عدم دخولكِ في أيِّ علاقةٍ عاطفية مع رجلٍ آخر ما دام العقدُ قائماً بيننا، وذلك لتجنب حديث الإعلام والفضائح، ثانياً لا يمكنكِ التصريح عن أي شيء يخص علاقتنا للصحافة إن كنتُ غير موجودٍ معكِ وذلك لتجنب تضارب الأقاويل...دعي أمر التصريحات لي، حسنا؟

همهمت لي للمرة الثالثة دون النبسِ ببنتِ شفة...بدأتُ أشك إن كانت تسمعني بالفعل أم أنها شارذة!

- ثالثاً...والدي قد منحكِ بطاقةً مصرفية بإسم عائلتنا ويمكنكِ فعل ما تشائين بها وانا لن أكترث لذلك بالفعل، كما أنني سأوفر لكِ سائقاً خاصاً ليوصلكِ الى عملك وأينما تودين الذهاب، وكل هذا مقابل أن تغضِّي البصر عن أيِّ ملامساتٍ جسدية قد أفتعلها بحقك لغرض التمثيل، مع العلم أني سأراعي عدم المبالغة في الأمر...لا تقلقِ.

منحتني إمالة ساخرة لشفتيها رفقة عينيْها الناعستين اللتانِ حجبتهما فيما بعد بذراعها، ثم قالت:
- إن كنتُ سأحاسبك على ذلك لفعلتُ منذ صباح الأمس، ولكنني لا أكترث للأمر يا عزيزي ما دمتَ لن تبالغ كثيراً.

- أخبرتكِ فيما سبق أنني قد أحمل أي صفة لا تتوقعينها ما عدا الإنتهازية...فأنا أبعد ما يكون عن هذا التفكير الدنيئ!
رفعتُ حاجباي وناظرتُ عينيْها بشكلٍ مباشر بعد أن أبعدت ذراعها عنهما، إلا أني قد تذكرتُ بأنها ليست من النوع الخجول لتبعد نظراتها عني، فهي لم تقطع التواصل البصري بيننا، ولم ترمش حتى!

- ولهذا السبب أنت تعجبني.
غمزت لي وقهقهت بملئ أشداقها، وأنا طأطأتُ رأسي أضحك على جُرئتها، ثم عدتُ لرفعه وغمزتُ لها بدوري.
- ولأنكِ جريئة وواضحة سأدعكِ تنامين الليلة على السرير بجواري.

ركلت فخذي بالفعل بينما تتذمر، وانا لم أكف عن الضحك فقط لأني نجحتُ في إزعاجها، إذ أنها تحلطمت قائلة:
- أولم نتفق على أن ننام بالتناوب فوق السرير؟!
الليلة الماضية تركته لك، أما الليلة فهو من حقي!

إعتدلت في جلوسها وأبعدت ساقيها عني، بينما انا لم أكف عن الضحك لمظهرها المنزعج.

أخذت مني أوراق العقد وقلم الحبر، وباشرت بتدوين شروطها في صمت.

تملكني الفضول لأرى ما تكتب، لذا إقتربتُ منها، لكنني تلقيتُ وسادةً على وجهي يليه توبيخها لي:
- لا ترى ما أكتب حتى أنتهي!

ورغم أنّ تصرفي قد يبدو عادياً، إلا أني تجاهلتها وإكتفيتُ بالضحك لعلمي بأنها تمر بأحد تقلباتها المزاجية نظراً لنعاسها...فسبق ورأيتها بذات الحال أمس عندما كنا في الطائرة!

تركتها تكتب وتفكر، وأخذتُ هاتفي أتفقده، وجدتُ صوراً في غرفة الدردشة كان قد أرسلها لي جيمين وأخبرني فيها أنه يشاهد مباراة كرة قدم رفقة تايهيونغ بينما يقضيان وقتاً ممتعاً.

شعرتُ بخيبة أمل لعدم تواجدي رفقتهما، كما أني إشتقتُ لهما كثيراً، ولم يسعني سوى أن أرسل لهما رسالةً صوتية كان مضمونها:
- تباً لكما يا خائنان! ستعوضاني عن كل ما فاتني بعد عودتي!

أغلقتُ هاتفي، ولمحت ڤانيسا تناظرني بتعجب، لذا قلت موضحاً لها:
- إنهما الوغدان جيمين وتايهيونغ، كلاهما يقضيانِ وقتاً ممتعاً من دوني، وفوق كل هذا يرسلانِ لي صوراً لسهريتهما حتى يغيظانني!

ضحكت علي، وقد كانت تشمت بي بالفعل!..يالها من شريرة!

ولم تمر سوى هنيهاتٍ أخرى حتى رفعت رأسها لي وقالت مبتسمة:
- إنتهيت.

يالها من غريبة أطوار!..تبتسم الآن وقبل قليل كانت منزعجة وتتذمر!

إعتدلتُ في جلوسي ووضعت قدماي هذه المرة على الطاولة بينما أناظرها بتعالٍ...تروقني فكرة إزعاجها كثيراً!

- هاتِ ما عندكِ!
خاطبتها بنبرةٍ ثخينة، ثم فتحتُ قنينة الماء أتجرع منها، فتحمحمت هي تجلس بنفس طريقتي حتى تتحداني...لقد حفظتُ طريقة تفكيرها عن ظهرِ قلب خلال يومين فقط!

- أولاً...بما أنك منعتني من الدخول في أيِّ علاقةٍ عاطفية طيلة فترة صلاحية العقد، فأنا أيضاً سأشترط عليك بأن لا ترتبط بأي إمرأة، أو أن تعاشر العاهرات بقصد المتعة وإفراغ الشهوات!

بصقت الماء من ثغري وكدتُ أختنق!

ألا تخجل من محادثتي بهذا الشكل؟!

صدقاً...لم أرى فتاةً بهذا الشكلِ من قبل! فبقية النساء إن كنّ لا يخجلن على الأقل سيصطنعن ذلك حتى يظهرن أنوثتهن وحيائهن لنا نحنُ الرجال، ولكن هي لا!

سمعت صوت ضحكها الصاخب على رد فعلي، فأدرتُ وجهي نحوها أحدق بها بعدم تصديق!

كتمت ضحكتها إثر نظراتي، ثم تحمحمت وقالت:
- أعلم بأن الأمر صعبٌ عليك، ولكنّ العينُ بالعين والسن بالسن والبادئُ أظلم!

مهلاً لحظة!

هل تظنني بصقتُ الماء لأنها ستمنعني من معاشرة النساء او الإرتباط بهن؟!

آه الرحمة! كل ما في الأمر أني لم أتوقع شرطها وكذلك طريقة حديثها الصريحة بشأنه!

- على رسلكِ يا آنسة! يبدو أنكِ قد فهمتِ الأمر بشكلٍ خاطئ!
وجّهت لها سبابتي بحاجبيْنِ معقوديْن، لكنها هزّت كتفيها بعدم إكتراث وقالت:
- لا يهمني ذلك، فحديثي واقعيٌ للغاية، خصوصاً أنك رجلٌ ناضج وبحاجة الى ليالٍ عابرة كتلك، لكنني سأحرمك منها!
أطلقت ضحكة شريرة بينما لازلتُ أجحظ عيناي...إنها متحررة جداً!

- لا بأس عزيزي، يجب أن تعتاد على شفافيتي في قول الحقائق، أما الآن...فدعني أُملي عليكَ بقيةَ شروطي.
أظهرت لي أسنانها في إبتسامة واسعة كادت تشقُّ وجهها، وكم أزعجني ذلك...إنها مستفزة!

- الشرط الثاني يقول أنك لن تضع لي أي حواجز في طريقي لتحقيق حلمي.

- سبق وأن قلتُ بأني لن أفعل ذلك بالفعل!
قاطعتها أرفع حاجبي الأيسر، لكنها قالت:
- أذكر ذلك جيداً، ولكن ما من ضيرٍ في إرفاقه ضمن الشروط تحت أي ظرفٍ كان.

همهمتُ متفهماً موقفها، فإن كنتُ مكانها لفعلتُ المثل أيضاً.

- وبالنسبةِ للشرط الثالث فهو متعلقٌ بأصدقائي...كما تعلم أنا مرتبطة بهم كثيراً، وعلاقتي بهم وطيدة للغاية، لذا سأشترط عليك بأن لا تمنعني من التسكع معهم بين الحينِ والآخر او مرافقتهم للأماكن العامة.

- لا بأس، فأنا لستُ مستبداً الى هذا الحد!

- أعلم...أنت لطيفٌ للغاية ووسيم.
بعثرت لي شعري ببسمةٍ قد أخفت عينيها الواسعتين، وانا قطبتُ جبيني في حيرةٍ من غرابة أطوارها!

وقبل أن أعلّق بأيِّ شيء سبقتني وقالت:
- هذه هي شروطي الجانبية مبدئياً.

وقد فهمت من كلامها أنها تود سماع جوابي بشأن ما كتبت، وأنا لم أتردد في سحب قلم الحبر من بين أناملها ومنحها ما كانت ترغب بسماعه.
- أنا موافقٌ على شروطك وسأوقع.

- وانا أيضاً.

ناولتها قلم الحبر لتوقع، ثم وضعت الأوراق جانباً وتصافحنا دلالةً على إتفاقنا برضاً من كِلا الطرفيْن.

ولم نلبث طويلاً حتى إنفجرنا بالضحك سوياً!

- تبدو مضحكاً حينما تدّعي الجدية!
علّقت هي بعد أن إرتمت للخلف تضحك حتى سالت دموعها، وأنا لم أكن أفضل حالاً منها!

- وأنتِ أيضاً!

وبعد جولةٍ لا بأس بها من الضحك بدون سببٍ يذكر، إعتدلت هي في جلوسها من جديد ونطقت بينما تنظم أنفاسها:
- يالنا من مبتذلان!..هيا هيا، أشعر بالنعاس وأرغب بالنوم!

هي متعبة وترغب بالنوم، لكنني لن أدعها تذهب قبل أن أعبث معها قليلاً كما فعلت معي!

إذ أني إبتسمتُ مظهراً خباثة تفكيري، ثم رفعتُ حاجباي مراراً بينما أقترب منها.

- لِمَ تحثينني على النهوض والذهابِ معكِ بينما سبق وإتفقنا بأنكِ ستنامينَ على السرير وانا على الأريكة؟!

أطلقت 'تشه' ساخرة من بين شفتيها الممتلِئتين، ودحرجت عيناها بضجر.
- لا تفسر كلامي كما يحلوا لـ..!

قاطعتها بحملي لها ككيسِ الدقيق بينما أضحك، وهي لم تكف عن ركلي والصراخِ بي حتى أنزلها...يالها من غبية، انا سأوصلها للغرفةِ لا أكثر!

كما أنها ثقيلة الوزن نسبياً، وهذا ما منحني فرصةً أخرى لأسخر منها وأغيظها أكثر!

End Jungkook pov.

_________________________

في منزل تايهيونغ، حيث العتمة تغطي أرجاء غرفة نومه، ولا ينيرُ بعضها سوى ضوء شاشة التلفاز الضخمة.

قنيناتٌ فارغة من السوجو، وعلبٌ من الكرتون تحوي الدجاج المقلي، بالإضافة الى بعض المسليات الأخرى.

ولن ننسى تربع جسدين أمام تلك الشاشة بعينانِ لم ترمشا منذ مدة لشدة إنتباههما وإندماجهما مع المباراة.

تارةً يصرخان إن سدّد فريقهما هدفاً، وتارةً أخرى يتذمرانِ إن فشلوا...هذا كان حالهم منذ ساعةٍ تقريباً.

وبعد أن أتى وقت الإستراحة الفاصل بين الشوطين، تفقد جيمين هاتفه ليجد رسالة جونغكوك الصوتية.

وكم ضحك هو وتايهيونغ على شتمه لهما، وكم عبّرا عن إفتقادهما له وسط هذه الأجواء، فلطالما كان يجلس برفقتهما كلما رغبوا بمشاهدة مباراة كرة قدم.

- ياله من مسكين! سيقتله الملل لوحده هناك!
علّق تايهيونغ بينما يستقيم ليغلق ستائر النافذة بعد لمحه لكونها كانت مفتوحة، في حينِ أنّ جيمين أخذ يسكب أكواباً أخرى لهما من السوجو.

- لا أظنُّ ذلك، فڤانيسا شخصٌ مرح ولن يشعر بالمللِ رفقتها، إنها ممتعة حقاً.
إبتسم جيمين بلطف حينما تذكرها، لكنه سرعان ما قطب حاجبيْه عندما لم يتلقى جواباً من تايهيونغ!

إذ أنّ الآخر كان يفغر فاهه ويدعكُ عيناه بعدم تصديق لما رآه من النافذة المقابلة لنافذة غرفته في منزل السيد جونغ سابقاً!

●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●

#يتبع...

- رأيكم بالبارت؟

- توقعاتكم؟

- نسبة حماسكم؟

- رأيكم بفكرة الروية وبصراحة؟

- كيف بتشوفو شخصية كوك، اوصفولي ياها؟

كيفني وانا ناشرتلكم اطول فصل بالرواية لحد هلا🙂

طبعا رح برجع للدراسة من جديد بالجامعة، واظن يمكن فيه شوي اشياء بتتغير بنظام الرواية، بس ما رح قرر شي من هلا، لشوف اول شي شو بيصير بعدين بقرر واحكيلكم.

وعم فكر انزل بارت لقاء مع الشخصيات لتسألوهم مثل ما سويت بسقوط الاقنعة، بس خايفة تسحبو عليه🥲

لهيك شو رأيكم؟

رح بحطلكم صورة لينو ولد سكيز بس، وباقي رفقاته لا.





أشوفكم على خير يا قمرات🌚💜

See you next part...

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top