7~كِذْبَةُ إِبْرِيلْ
قراءة ممتعة🤎
﴿عِنْدَمَا يَأْتِي إِبْرِيلْ، تَتَفَتَّحُ مَعَهُ زُهُورُ الرَّبِيعْ﴾
- راقتني💫
●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●
بعد مرور ثلاثة أيام...
[الأول من نيسان...الساعة 9:00ص]
Vanessa pov:~
من المتعارف عليه أنّ هذا اليوم هو يوم كذبة إبريل، ولكنه يوم زفافي أيضاً!
لقد كانت مجرد صدفة...
سأعتبر كذبتنا انا وجونغكوك على الجميع هذا العام بمثابة كذبة أبريل...كما لو أنّ رزنامة التاريخ تذكرنا بذلك هي الأخرى!
على كلِّ حال، ستبدأ مراسم الزفاف قريباً، وهانذا برفقة أمي وجدتي في غرفة تبديلي، أنتظر قدوم جين حتى يخلصني من تأنيب الضمير كلما رأيتُ غبطتهما لزواجي...كم أمقتُ نفسي!
- تبدينَ في غاية الجمال صغيرتي.
إمتدحتني أمي بلهجتها الإيطالية، فهي وجدتي على خلافي، كلتاهما لا تتحدثان اللغة الكورية بسلاسة.
كانتا تكفكفان دموع غبطتهما، وانا أبتسم بزيف وأطأطأُ رأسي...ليس لمديحهم، وإنما خجلاً من فعلتي!
وعلى حينِ غرة دخل جين، وكم شكرتُ حظي لقدومه وأخيراً.
- هيا بنا ڤانيسا، لقد حان وقتُ النزول.
همهمتُ، وقد ساعدني على الوقوف هو وأمي...سيكون مرافقي الى المذبح، وذلك بطلبٍ من جدتي بما أنه بمثابة أخي ومقرّبٌ منا جداً.
سبقتانا أمي وجدتي بالفعل، أما نحن...فكنا نقف أمام الدرج الطويل.
- هل أنتِ مستعدة؟
تسائل جين بعد أن ناظرني بجدية.
أخذتُ نفساً عميقاً، ثم همهمت وشدّدتُ على إمساكِ لذراعه.
- أجل، هيا بنا.
بدأنا النزول، ومع كلِّ خطوةٍ أخطوها تزدادُ دقاتُ قلبي إهتياجاً وتوتراً!
الجميع يحدق بي مع بسماتٍ تعلوا وجوههم، وانا إكتفيتُ بخفض بصري، ولكن بعد لحظاتٍ من التفكير قررت رفعه حتى أبدو بمظهر الواثقة القوية كما هو معهودٌ عليّ دوماً.
ولحسن الحظ أنّ الصحافة غير موجودة، وذلك لأن حفل الزفاف سيكون مغلق وهذا بطلبٍ مني بعد ما حدث يومها.
وللتو لاحظتُ مظهر الحديقة التي يكسوها البياض من أزهار وزينة ومقاعد كفستاني تماماً...لقد أُغرِمتُ بذلك فعلاً بما أنه لوني المفضل.
لقد بثّ في داخلي نوعاً من السلام والراحة طارداً بذلك جُلّ توتري.
وحينما أوشكتُ على الوصول لمحت دببتي الخمسة على بعدٍ مني بينما يناظرونني ببسماتٍ هادئة، فكان ذلك سبباً لإمتلاءِ عيناي بالدموع.
أبعدتُ حدقتاي عنهم سريعاً حتى أسيطر على نفسي، فلا يجوز أن أبكي قبل أن تبدأ مراسمُ الزفاف!
وفور أن أدرتُ رأسي لمحت جونغكوك القريب منا...لقد كدتُ أصل.
يرتدي بذلة سوداء فخمة تظهر مدى جاذبية شخصيته، مع شعره المرتب بعناية وعطره الذي إستطعتُ تنشقه من هنا...كان كما لو أنه أميرٌ من قصةٍ خيالية.
لمحتُ بسمته الجانبية الوسيمة عندما وصلت، وقد فسرتها لثلاثِ معانٍ، وهي: إما لأنه لاحظ شروذي المطول بمظهره، او لأنه يمثِّل أمام الجميع كعادته دوماً، وأخيراً قد يكون السبب خلفها هو مظهري الذي إمتدحه الجميع تقريباً، ولكنّي أستبعدُ ذلك وأرجِّحُ الخيار الأول والثاني أكثر بما أنه يمتلك جانباً ساخراً وغريباً رغم نبله.
ناوله جين كفي وربت على كتفه مبتسماً بخفة ثم غادر، فساعدني على الصعود وشابك أناملي بأنامله مبتسماً بعذوبة...لوهلة كدتُ أصدق نفسي لإحترافية تمثيله!
بدأ القس يتلو صلواته ومباركاته لمدة، ثم بدأت المراسم الفعلية التي تطلبت قدوم الشاهِدَيْنِ على زفافنا ألا وهما جينا وتايهيونغ.
وعند إنتهائه، أغمضتُ عيناي بإنتظار تلك اللحظة المصيرية...لحظة إعلانه لزواجنا، وقد شعر جونغكوك بذلك، فشدد على تشابك أناملنا حتى يُهدّئني...وهاهو يتلفظ بها!
- أعلنكما زوجاً وزوجة.
علا تصفيق الحضور وكذلك دقاتُ قلبي المجنونة حينما أضاف:
- يمكنكَ تقبيلُ العروس.
جُحظت عيناي وإزدردتُ ريقي...لقد نسيتُ أمرها كُلّياً!
يا إلهي! هل ستذهبُ قبلتي الأولى هكذا؟!
لطالما إحتفظتُ بها من أجل الرجل الذي يستحقني وأحبه!
وما زاد من إرتباكِ هو هتاف والدته المجنونة التي تحمل كاميرا فيديو وتستعد لتوثيق اللحظة.
- هيا عزيزي، قبّلها!
يالها من أمٍّ هوجاء!..ألا تخجل من الحضور؟!
صرتُ أحدق هنا وهناك، وقد كان الجميع يبتسم بإنتظار هذه اللحظة الحميمية بين أي متزوجان في يوم زفافهما...ولن أستثني أي أحدٍ بحديثي!
فحتى الأورجي كانوا يضحكون ساخرينَ مني...آه تباً لهم أولئك المراهقين المجانين!
تناسيتُ مشكلتي وإلتهيتُ بمراقبة الحضور والتوعد لمن أعرفهم على تشمتهم بي، الى أن حاوط جونغكوك خصري...وقد تداركتُ نفسي وتذكرت الورطة التي حلت على رأسي!
كان قد أحكم محاوطتي وبدأ يدنو نحوي بالفعل، وكم أتلف ذلك أعصابي وجعلني أضطرب، إذ أني أغمضتُ عيناي بقوة وكتمتُ أنفاسي في إنتظار خسارتي لقبلتي الاولى دون فعل أي شيء!
ولكني أزفرتُ ما بِرئتايْ فور أن شعرتُ بنسيج شفتيه يحط على جبيني!..هل لازلتُ أحتفظ بقبلتي الأولى فعلاً؟!
رفرف قلبي فرحاً حينما إستوعب عقلي ما جرى، وكم وددتُ معانقته لإنقاذي من هذا الموقف المحرج.
سمعتُ صوت تذمر والدته، ولكني لم آبه لها، إذ أني ناظرتُ عيناه حينما إبتعد عني قليلاً، وإبتسمتُ بشكر.
إبتسم بدوره، ثم دنى نحوي من جديد وهمس بالقرب من أذني:
- قد أبدو رجلاً ساخراً وغريباً في بعض الأحيان، لكنني لستُ إنتهازياً أبداً.
جيد...جيد جداً ڤانيسا! لا بل ممتاز!
حمداً لله أنه يحترم تلك المسافة الأخلاقية بيننا ولا ينتهزُ أتفه الفرص للتحرشِ بي، وذلك بحجة التمثيل أمام الناس...على الأقل سأجاريه إن كان الأمرُ مقتصراً على المعانقات والملامسات الخفيفة فقط، ومن الجيد أنه لم يتعدى حدوده، فلي ماضٍ حافل مع الرجال ذوي هذه الخصال القذرة، ولا أرغب بأن يكون مثلهم أبداً.
ولوهلة، إستفقتُ من حديثي المطول مع عقلي الباطني، وذلك على صوت عمتي جيون ذو النبرة المتذمرة!
- يالكما من مبتذلان!..هل لازال هناك عريسٌ يقبّل زوجته على جبينها بعد إعلان إرتباطهما روحياً؟!
كتمت ضحكتي بصعوبة على شكلها العابس...هل يُسمح لي نعتها بالمنحرفة او المتصابية؟..لكنها رغم ذلك طيبة وانا أحبها لما هي عليه، تروقني طريقة تفكيرها الغريبة رغم سنها.
وفي حين أنها لم تكف عن التذمر، قهقه جونغكوك وعاد لمحاوطة خاصرتي.
- يُقال أنّ قبلة الجبين تعبر عن الإحترام والتقدير، وكذلك شعور فاعلها بالمسؤولية تجاه الطرف الآخر ورغبته في حمايته وإحتوائه...حبنا انا وڤانيسا لطالما كان مبنياً على هذه الأساسات، لذا فهذه القبلة مني كانت بمثابة ليلةٍ كاملة من قصائد الغزل لشاعرٍ متيّمٍ حد الهيام.
لما هو بارع في إيجاد الحجج والتملص من المصائب هكذا؟!
أعني أنّ مصداقيّتي به باتت تنعدم تدريجياً فيما يخص أتفه الأسباب التي سنتشاركها في يومياتنا من الآن فصاعداً!
له تلك القدرة العجيبة على التحكم في تعابيره ولغة جسده كما لو أنه يقول الحقيقة، حتى أنه يجيد إنتقاء كلماته دوماً!
أحسده على هذا!..لأني إن حاولتُ الكذب بجدية إما أني سأنفجر ضحكاً، او سأتلعثم وأخجل.
أجل انا أسوء أنسانة في الكذب، ويرجع ذلك لأني صريحةٌ جداً وواضحة في سائر تعاملاتي مع البشر...هذه طبيعة شخصيتي.
كما أني قليلة الصبر وكثيرة التذمر، كمثلاً وابل الشتائم التي سأطلقها على الضيوف والنابعة من شدة ضجري لعدم إنتهائهم من تقديم مباركاتهم وتهانيهم لنا لما يقارب النصف ساعة!
بصدق...لو أني لستُ قلقة على صورة وإسم عائلته التي صرت جزءاً منها أمام الإعلام، لخلعت حذائي الذي تورمت منه قدماي بالفعل ورفعتُ فستاني الذي أمقتُ طوله وحجمه وإستلقيتُ على إحدى الطاولات!
أعني انا معتادة على إرتداء الفساتين القصيرة والمريحة ولا أحبُ التقيد!
End Vanessa pov.
__________________________
تم التعارف بنجاح بين أفراد الحضور من طرف ڤانيسا وجونغكوك...وهي اللحظة المنتظرة للأورجي وسومي على وجه الخصوص!
حيثُ بدت لهم ردة فعل أونوو طبيعية جداً حينما تعرف عليهم، ولم يُظهر أي نوعٍ من التشكيك تجاههم، وهذا ما أراحهم وجعلهم يكملون بقية الحفل بإستمتاع دون تفكيرٍ زائد.
وهاهو ذا سوبين عالقٌ مع طفلة وقعت في غرامه ولم تأبه تركه أبداً، وبقية الرفاق يسخرون منه.
إذ انها تقبله بين الفينة والأخرى وتجبره على حملها في حضنه.
- هل هذا كل ما إستطعت جنيه من حفلة مليئة بالفتيات الحسناوات؟! طفلة بعمر الخامسة؟!
لكنة بومقيو كانت مليئة بالسخرية، والتي أضاف عليها جرعةً من التفاخر حينما قال:
- راقب وتعلم.
إبتسم بجانبية لرؤيته ذاك الحشد الذي يراقبه من الفتيات الواقفات على بعدٍ طفيفٍ منه، وأعاد خصلاته السوداء للوراء مع غمزةٍ ساحرة.
وبالفعل كما توقع...سمع صراخهن المولع بجاذبيته وهمساتهنّ المتغزلة به، فإستدار نحو سوبين وإبتسم بثقة.
- أرأيت؟ هذا ما يسمى بالصيد الموفق!
ولكن سوبين دحرج مقلتاه وإنشغل بتلك الطفلة التي باتت تروقه بما أنه من عشاق الكائنات اللطيفة مثله.
وبالذهاب ليونجون، فوظيفته منذ قدومه هو وجين تناول كافة المقبلات التي يتم تقديمها، وأقرب مثال على ذلك هو هذا:
- هاتها عنك يا صاح، تبدو أوسم من أن تصبح نادلاً، ولكنك لست أوسم مني بالطبع!..على كل حال سأقدم هذا الطبق بدلاً عنك...يمكنك الذهاب.
كان هذا جين الذي سحب طبق المقبلات من النادل المتعجب ودفعه حتى يدخل دون أخذ رأيه او ترك أي مجال له ليتحدث!
وبالطبع ذات الإستراتيجية إتبعها يونجون، من ثم إلتقيا في مكانهما السري خلف إحدى الشجيرات المستديرة ليتقاسما الغنائم.
وبالذهاب لصاحبيْ الزفاف، فهاهي ڤانيسا تعرّف جونغكوك على مديرها في العمل وزملائها أيضاً، إذ أنهم جميعاً حضروا دون إستثناء.
- تشرفتُ بمعرفتك سيد يونغي.
- وأنا أيضاً.
تصافح جونغكوك ويونغي بعد أن تبادلا أطراف أحاديثٍ صغيرة، يلي ذلك هجوم السيدة جيون عليهم، وقد كان نامجون يحاول تهدئة حماسها المفرط أمام الحضور!
- أهلا وسهلا بك سيد مين يونغي، يشرفنا قدومك...هل تذكرتني؟
رفعت حاجباها وإبتسمت بإنتظار جوابه، والذي كان:
- بالطبع تذكرتك، أولستِ السيدة جيون حماة ڤانيسا؟!
همهمت مراراً وصفّقت قبل أن تقهقه بملئ أشداقها.
- أجل إنها أنا، يسعدني أنك تذكرتني.
- وكيف لي أن أنساكِ بعد أن طلبتِ مني منح ڤانيسا إجازة، ورويتي لي تلك القصة الحزينة عن سبب إستعجالكم بإقامة الزفاف، كما أنكِ ذرفتي الدموع أيضاً على زوجك المريض...هل هو بصحة جيدة الآن؟ لم أره ابداً!
تسائل يونغي مدّعياً الإهتمام كنوعٍ من اللباقة، فقهقهت السيدة جيون بإصفرار ما إن لمحت جونغكوك الذي صفع جبينه لما سمع تواً.
- بالطبع، لقد أصبح بصحة جيدة فجأة! أظن أنّ هذا بسبب سعادته لزواج إبنه، وأيضاً لأنك وافقت على منح كنته إجازة تقديراً لظرفه، تعال معي لأعرفك عليه.
سحبته من ذراعه حتى تتملص من نظرات إبنها الخاوية، وفرت هاربة وسط قهقهات ڤانيسا عليها وعلى حديث جونغكوك:
- لا بدّ من إقحام الدراما والمبالغة في كلِّ شيء...هذه بإختصار هي أمي!
لم تكف ڤانيسا عن الضحك، فدفعت كتفه بخفة ومازحته قائلة:
- ولكنها تجد حلولاً لكلِّ شيء، وفي زمنٍ قياسي أيضاً، لذا لا تتذمر فالأمر نافع أحياناً!
قهقه بدوره، وسرعان ما خرس كلاهما فور أن سمعا ضحكة جيمين الساخرة بينما يبروز وجهيهما معاً.
- يالكما من زوجان لطيفان وصادقان ومحترفان في التمويه...أراهن أنكما ستعيشان في السراء والضراء الى الأبد كما قال القس!
قصد ممازحتهما بكلامه، وقد ضحك جونغكوك بينما ضربت ڤانيسا ذراعه.
- أخفض صوتك، فقد يسمعك أحدهم!
- وماذا في ذلك؟! لقد كنتُ أمتدحكما لا أكثر!
قهقه من جديد، وقد بانت عليه رغبة إستفزازهما بشدة حتى يستمتع، وسرعان ما أضاف بينما يبتعد مغادراً نحو الضيوف:
- أما الآن...فسأترك لكما مساحةً شخصية حتى تمطر عزيزتك بغزلك المبتذل جونغكوك.
فرّ ضاحكاً قبل أن يتم شتمه، إلا أنّ المعنيان بكلامه إكتفيا بصفع جبينهما.
وبالذهاب الى حيث وقف جيمين بالقرب من بعض الضيوف والعائلة، نكز أونوو كتفه جاذباً إنتباهه، وما لبث حتى دنى نحوه متسائلاً بهمس:
- هل رأيت هيجين في الجوار؟
- كلا!
أجابه جيمين بلكنةٍ متسائلة، فأزفر الآخرُ قبل أن يعرب عن قلقه:
- جلتُ بناظرَيْ أرجاء الحديقة لكني لم أرها، لقد إختفت فجأة!..ترى أين ذهبت؟!
قطب جيمين حاجباه بدوره، وسرعان ما حث إبن عمه على الذهاب موشوشاً:
- سأتكفل أنا بمسايرة الضيوف، وأنت إذهب للبحث عنها، فلربما أصابها مكروه او وقعت من على كرسيها.
ورغم أنّ حفل الزفاف أُقيم في حديقة منزل عائلة جيون الضخمة، إلا أنّ قلق الجميع كان مفرطاً على هيجين نظراً لكونها مقعدة، ناهيك عن أنها قد سبق وتعرضت لعدة حوادث في الحديقة بفضل كرسيها حينما تخرج لوحدها، لذا هرع شقيقها للبحث عنها دون تردد.
فتّش الحديقة شبراً شبراً، لكنه لم يجدها، فقرر الدخول الى المنزل عله يجدها بداخله.
وفي طريقه، لمح كلاً من تايهيون وكاي يقفان في ردهة المنزل الخلفية، واللذانِ كانا في الحديقة قبل دقائق، فذهب إليهما ليسألهما.
- المعذرة، هل رأيتما هيجين؟
- أجل، لقد صعدت لغرفتها قبل قليل.
أجابه كاي، وأضاف تايهيون مع عقدة طفيفة لحاجبيه دلالةً على إحتياره:
- كانت تبكي، ولا نعلم لِمَ!
وفور أن نطق بكلمة 'تبكي' إتسعت عينا أونوو بهلع!
- حقاً! حسنا شكراً لكما.
ربت على كتف كاي وركض سريعاً نحو الطابق الثاني بسيماء تنبض قلقاً على شقيقته!
فلما ستبكي فجأة في يوم زفاف شقيقهما الأكبر؟!
وقبل أن يخمن عقله السبب إلتقى بالسيدة ساندرا كبيرة الخدم وهي تخرج من غرفة هيجين، فإستوقفها وتسائل مقطباً جبينه:
- سيدة ساندرا، ما بها هيجين؟! لما تبكي؟!
كان يلهث إثر ركضه ويلتقط أنفاسه بين كل كلمة ينطقها.
- لم تشأ إخباري، ولكن بحسب ما سمعت أنّ لِيا إبنة السيدة تشوي كانت لها يَدٌ في ذلك.
تجهّمت تعابير وجه أونوو حينما نطقت السيدة ساندرا إسم تلك الفتاة، فهو وأشقّاؤه أكثر من يدركون كم أنها متعجرفة وسيئة الطباع وتحب مضايقة هيجين دوماً.
شكر السيدة ساندرا، ثم تخطاها داخلاً لغرفة شقيقته حيث وجدها هي وكرسيها بالقرب من شرفة الغرفة المغلقة، تكفكف دموعهاً وتكتم شهقاتها بمشقة.
لم يشعر بنفسه حينما هرع نحوها جاثياً على ركبتيه، وكوّب وجهها وراح يتفحصها بنظراته القلقة.
- لما تبكين؟! مالذي حدث؟!
طأطأت هيجين رأسها مخفيةً حزنها، فإنسدل شعرها الأسود كذلك حاجباً عنه ملامحها الباكية.
- لا شيءَ مهم، لا تقلق.
وكانت قد رفعت رأسها حتى تريه إبتسامتها المزيفة، وكل ذلك حتى لا تفسد زفاف شقيقها الأكبر بإفتعال المشاكل، إلا أنّ الجاثي أمامها قد كان مُصراً على فهم كل ما حدث دون تمريره بسهولة.
- أعلم أنّ سبب بكائكِ هي ليا...مالذي فعلته لكِ هذه المرة؟!
لم تكن ترغب بتضخيم الأمر، ولكن طالما أنّ شقيقها مصرٌ على معرفة ما جرى، فلن تخفي عنه أي شيء.
- لقد سخرت مني أمام الضيوف لأني مقعدة ولن أستطيع الرقص كبقية الحضور، كما أنها قالت عني أني أبدو مثيرةً للشفقة حينما لا أجيد دفع كرسيّ بفضل الصخور الصغيرة في العشب، ووصفتني أيضاً بالعالة على المجتمع والعائلة.
لم يكن بمقدورها كتم دموعها أمام ترديدها لكلمات الأخرى الجارحة، فغطّت وجهها بكفيها الصغيرين وأجهشت بالبكاء مجدداً، بينما أظلمت عينا شقيقها وإبيضّت أطراف أنامله لكثرة ضغطه عليهم غيضاً.
وقبل أن يُقدم على فعل أي شيء قالت وسط شهقاتها:
- لم أحتمل البقاء بالأسفل من بعد حديثها الجارح ورغبتي العارمة في البكاء، لذا هربت الى غرفتي حتى لا يراني أحدٌ أبكي وأفسد كل شيء...أرجوك لا تخبر أمي وأبي وجونغكوك، أرجوك!
- ولكن هل تريدينَ مني إلتزام الصمت دون أن أقوم بتأديب تلك الحثالة على كلامها الأدنى من مكانتها!
نطق وسط صرير أسنانه وعيناه المستشيطتانِ غضباً، فأمسكت شقيقته بكفه ونفت مراراً.
- أرجوك أخي، مرر ذلك لأجل جونغكوك، اليوم هو أسعد أيام حياته...فلا تفسده!
ناظرته برجاء، فكتم أنفاسه المغتاظة للحظات، ثم أزفرها مغمضاً عينيه في محاولةٍ فاشلة منه للثم غضبه.
- لن أخبرهم بما جرى، ولكن يجب أن أُحادث تلك النكرة على إنفراد!
لم يترك لها مجالاً لتبدي رأيها على قراره، إذ أنه همّ خارجاً على الفور، ولم يأبه لندائها من خلفه، فكانت لا حول ولا قوة لها بينهم.
وبعد أن يئِست من مناداته، أرخت كتفيها وعادت للبكاء بصمت، إلا أنّ ضيفاً جديداً قد زارها ليرى ضعفها ودموعها اللذان حاولت إخفائهما...ولم يكن سوى هيونينق كاي الذي لحق بأونوو منذ البداية وظل واقفاً قرب الباب.
سمع كل شيء، وكم أشفق عليها وشعر بالعجز بدلاً عنها.
لقد عرفها اليوم فقط، ولكن روحها النقية والمبتهجة رغم كل شيء جعلت من الجميع يحبها ويستلطفها دون جهدٍ منها، وهذا ما دعى عقله للتساؤل عن كيف لتلك الفتاة أن تؤذي أخرى كهيجين!
لم تنتبه له، إذ أنها كانت تغطي وجهها بكفيها وتبكي بصمت حتى لا يسمعها أحدهم، وهو كان يتقدم ببطئ منها مع بعض التردد في خطواته...هو لا يجيد المواساة أبداً، فمالذي سيقوله!
وحينما أبعدت يديها عن وجهها وجدته واقفاً أمامها، ففزعت وناظرته ببعض الريبة، إلا أنها مسحت دموعها سريعاً وحاولت الإبتسام بلطف حينما ميزت وجهه، وقد تداركت موقفها وقالت:
- أوه آسفة على هذا المنظر، ولكني كنتُ أبكي فرحاً لزفاف أخي الأكبر.
لانت نظراته وهو يراقب عيناها الذابلتان حزناً، وكذلك لخجلها من قدومه الغير متوقع ورؤيتها بهذا المنظر.
ولأنه كان طويل القامة، فقد جلس القرفصاء أمامها حتى يتسنى له مخاطبتها بأريحية بدل أن تعلِّق الباكية أمامه نظراتها الى وجهه.
شعرت بالغرابة من صمته، فأشاحت بنظراتها بعيداً عنه، إلا أنها لم تكن تعلم أنّ عقله يحاول إيجاد كلمات مواسية تناسب الموقف!
وسرعان ما تحمحم جاذباً إنتباهها، فقال بصوته الهادئ:
- لا داعي لإخفاء حزنك وسبب تكدُّركِ الحقيقي، فأنا على درايةٍ بما حدث...لا تأبهي لها، فكل ما قالته نابعٌ من غيرتها منكِ.
رمشت مراراً بأهدابها المبتلة، ثم قهقهت بعدم تصديق وقالت منكسرة:
- ولما ستشعر بالغيرة من فتاةٍ مقعدة؟!
وما لبث إنكسارها يدوم حتى رممه بقوله المصحوب ببسمةٍ هادئة:
- المظاهر ليست كل شيء، فأنتِ تمتلكين شيئاً ثميناً لم تستطع هي إمتلاكه...إنه نقاء الروح وصفاء القلب.
لوهلةٍ شعرت بالفرح لكلامه، لكنها سرعان ما إبتسمت ببهوت.
- لكنها لم تخطئ حينما نعتتني بالمثيرة للشفقة وبالعالة على المجتمع وعلى عائلتي، فها أنا أثير المشاكل دوماً وأفسدُ كل شيء، إضافةً الى أنّ الجميع قلقٌ عليا بإستمرار...أتمنى أن لا تخبر أحداً بما حدث، على الأقل حتى يمر هذا اليوم بسلام.
نفذت كلماته المواسية بالفعل، فرمش للحظات وهمهم موافقاً، ثم نطق بما أملاه عليه عقله في جزءٍ من الثانية:
- يجب أن تعلمي أنّ وجودكِ برفقة عائلتكِ وحده يسعدهم بغض النظر عن الظروف...لذا فلتشكري نفسكِ ولتشكريهم على هذه النعمة، فغيركِ يتمناها دوماً.
إلتمست بعض الشجون في هدوءِ نبرته، لكنه لم يمنحها فرصةً لتتسائل حينما ناولها منديلاً ورقياً وأردف برفقته مبتسماً:
- إمسحي دموعكِ ولا تدعيها ترى ضعفك...هيا بنا.
أراحتها بسمته الجالبة للسكينة، وبعد هنيهاتٍ من التفكير همهمت وأخذت المنديل ماسحةً دموعها.
- معك حق، سأتجاهلها فحسب.
منحته بعد جملتها إمالةً خفيفة لشفتيها معبرةً عن إمتنانها، فإستقام وأمسك بمقبضيْ كرسيها المتحرك.
وقبل أن يتحرك بها ربتت على يده وأدارت رأسها نحوه.
- شكراً جزيلاً لك...ولكن المعذرة، لقد نسيتُ إسمك!
قهقهت بإحراج، فجميعهم قد تعارفوا عند بداية الحفل، لكنها ولكثرة الحضور نسِيَت إسمه!
- أدعى كاي...هيونينق كاي.
كان يحاول كسر حاجز إنطوائيته مع أشخاص جيدين كهيجين مثلاً، وسيحاول فعل ذلك مع غيرها من ذات الخصال...فلطالما كان هادئاً، قليل الكلام، خفيف الحضور، وقليل الإختلاط.
_________________________
لم يستطع أونوو كبح غضبه، فراح يبحث عن تلك النكرة كما نعتها في كل مكان حتى يحادثها على إنفراد، وحينما لم يجدها سأل تايهيون الواقف في ذات مكانه عند الردهة:
- تايهيون...هل رأيت فتاةً طويلة القامة ترتدي فستاناً قصيراً أسود اللون؟
- آه تقصد ليا...لقد رأيتها آخر مرة تتجه نحو الحمام.
- شكرا لك.
هبّ الآخر مغادراً، فتبعه تايهيون بمقلتيه وأمال رأسه متعجباً.
- ما باله يبحث عن الجميع هكذا؟!..ثم لما يسألني انا بالذات عنهم؟!
وسرعان ما هز كتفيه وأضاف:
- أظن السبب يعودُ لكوني أمتلك ذاكرةً جيدة ومركزٌ مع الجميع منذ قدومي.
وما كاد ينهي جملته حتى لاحظ نادلاً كان على وشك التعثر بالسجادة المنثنية قرب الباب، فإستعمل قواه سريعاً ليمنع سقوطه ويزيل ذاك الإنثناء دون أن يراهُ أحدهم.
أما عن ذاك النادل، فقد أزفر المسكين براحة حينما لم يقع، ثم ناظر تايهيون الذي شعر به يحدق نحوه بذعر.
تدارك الأخير موقفه، وإبتسم متكلفاً قبل أن يخاطبه بإسمه الذي سمعه من أحد العاملين قبل ربع ساعة:
- كن أكثر حذراً في المرة القادمة يا جونهي!
رمش ذاك النادلُ مراراً، ثم تكلف الإبتسام بدوره وغادر متعجباً من معرفة الآخر لإسمه رغم أنه لم يحادثه حتى!
فصفع تايهيون جبينه وتمتم لنفسه:
- ما كانَ عليّ مناداته بإسمه! سأبدو غريباً في نظره!
لكنه سرعان ما دحرج مقلتيه بعدم إهتمام وعاد لشرب عصيره.
ورغم أنّ مدة إبتعاده عن إكتظاظ الحضور لم تتجاوز النصف ساعة، إلا أنه تمكن خلالها من معرفة أسماء خمسة نادلين، وثلاثين فرداً من الحاضرين، وكل هذا لإلتزامه الصمت وقدرته على التركيز بكل ما حوله دون بذل أي جهد...فهو بومة وعبقري الأورجي!
______________________
ذهب أونوو حيث تقع حمامات الضيوف في منزلهم، وظل ينتظر حتى خرجت المدعوّة بليا.
إذ أنه سحبها من ذراعها نحو الرواق القريب جاعلاً منها ترسم التعجب لفعلته.
وسرعان ما تأوهت بألم حينما نفض ذراعها وناظرها بمقت.
- لما لا تتركينها وشأنها؟!
- من تقصد؟
إدّعت الجهل بما يقول، فتقدم منها بغضبٍ متأجج حتى تراجعت بذعر دون أن تشعر.
- هل تظنين أنّ سخريتكِ منها أمام الجميع يُعدُّ مزاحاً مضحكاً؟! هل تستلذين بجرحها كلما سنحت لكِ الفرصة...ألا تخجلين من نفسك؟
خاطبها بإستصغار، فتطاير الشرر من عينيها ودفعته بعيداً عنها.
ليا لم تكن من ذاك الصنف الذي قد يرغب بإظهار فشله في نزال من النقاش الحاد، حيث إبتسمت ببغض وقالت مستفزةً صبره القليل:
- أرى أنّ إنفعالكَ من أجلها مبالغٌ فيه!
ماذا؟! هل لازال شعور الذنبِ يراودكَ لأنك السبب في كلِّ ما تعانيهِ أختكَ المسكينة؟!
إضطرب تنفسه إهتياجاً، فلم يعد ذاك الشاب الهادئ والصامت، بل تحول لقابض أرواح مرعب مع تعابيره المظلمة.
لكنه إكتفى بالضغط على قبضتيه وإلتزام الصمت، في حين أنّ التواصل البصري لم يُقطع بينهما.
ناظرها بكلِّ كره لضغطها على وتره الحساس، فذاك الأمر يؤثر فيه جداً، وهي كانت أكثر من يدرك ذلك بما أنها إبنة شريك والده في العمل، وتعلم الكثير عنهم نظراً لقرابة العائلتين.
- يالك من مثيرٍ للشفقة!
غادرت وتركته بعد أن بصقت كلماتها اللاذعة، فظلّ يناظر الفراغ للحظات ثم لكم الحائط أمامه وإستدار، ليجد سومي تناظره بتعجب...ومن يلومها!
كانت قد خرجت للتو من الحمام هي الأخرى ووجدته يلكم الحائط بإحتدام، وسرعان ما تلعثمت مشيرةً للجانب الآخر.
- آسفة...لم أقصد التطفل، كنت في الحمام وخرجت صدفة!
تلكّأت بينما تبرر موقفها، إلا أنّ الآخر تنهد بثقل وأغمض عيناه في محاولةٍ يائسة لتهدئة ثورانه.
أحسّت بإضطرابه، فترددت قليلاً قبل أن تتقدم صوبه وتتسائل:
- ولكن...هل أنت بخير؟
قدماها توقفتا على مقربةٍ منه، كما وترددت في ملامسة كتفه وإمالة رأسها حتى ترى وجهه الذي سبق وطأطأه...ولكنها فعلت ذلك بالنهاية.
رفع رأسه للمستها، وحدق بها مع ذبول عينيه الساحر، فإذا به يلمح شيئاً جعله يقطب حاجباه!
وسرعان ما أحكم الأمساك على كتفها الأيسر مستحضراً تعجبها، وبأناملِ يده الأخرى لامس عنقها برقة.
فعلته أفزعتها، وخصوصاً حينما دنى نحوها بعينانِ مرتكزتان على عنقها المكشوف...بدى لها كما لو أنه تحت تأثير شهوته او ما شابه!
فدفعته عنها وإبتعدت مرتعبة، ولولا أنّها لم تكن في حفل زفاف وخصوصاً أنه شقيق العريس وقد تعرفت عليه اليوم، لكانت صفعته لتصرفه المفتقر للحياء!
وهاهو أول إنطباع تأخذه عنه!..شاب منحرف وغريب الأطوار!
- يـ...يجب أن أذهب!
فرت هاربة منه، بيد أنه ظل واقفاً يحدق بطيفها متعجباً، الى أن فهم ما ظنته من فعلته، فصفع جبينه وتذمر بحنق:
- رائع!..لم أتصور يوماً أن يتم وصفي بالمتحرش!
نيته كانت أبعد ما يكون عن ذلك، إلا أنّ تذكره لسبب إقترابه الحقيقي قد جعله يسرح للحظات تحت مسمى التفكير.
لقد بات تائهاً بين المنطق والوهم!
وبالذهابِ للّتي فرّت هاربة، فقد خُطِفَ لونُ وجهها وسارعت بالوقوف قرب بومقيو بما أنه اول من قابلها من بعدِ خروجها.
لكنه لاحظ إضطرابها، فتسائل مكتفاً ذراعيْه:
- ما بالُ وجهكِ مُصْفَرٌّ هكذا؟!
- أنا؟! آه لا شيء!
منحته إبتسامة صفراء كلونِ وجهها، فرفع حاجبه وإكتفى بإلتزام الصمت ومراقبتها، إذ أنها عادت للإرتباك ما إن إلتقت نظراتها بنظرات أونوو الذي خرج لتوه، فجعل ذلك بومقيو يحدق تارةً بها وتارةٍ بإبن جيون الأصغر مع بعض الشك.
وما لبث حتى إستفاق على سؤال سومي التي حاولت خلق أي حوار لتتفادى النظر نحو أونوو:
- أين بقية الرفاق؟
- تايهيون يقف هناك بالردهة منذ مدة ويحتسي عصيره الذي لا أعلم كيف لم ينفذ حتى الآن، وسوبين يفتتح حضانة عند ذاك الركن ويجالس أطفال كافة الحضور...أنظري إليه كم هو مستمتع!
كاي رأيته آخر مرة يساعد هاجون بدفع عربتها...
- هيجين.
صححت له، فدحرج مقلتاه وقال متململاً:
- أيّاً كان...المهم لستُ أعلم متى أصبح إجتماعياً ومرناً بهذا الشكل فجأة، أما بالنسبةِ لشقيقكِ ويونجون فكلاهما يعملانِ على رفع أجر الطباخ الذي يعد المقبلات منذ حضورنا...أراهنُ أنّ عائلة جيون ستصعق حينما يروا سعر الفاتورة!
وأخيراً إبنة عمكِ تستحوذ على تلك الرقعة بالكامل، أظنها تتفلسف أمام محامي عائلة جيون...أنظري، يبدو رجلاً قديراً في القانون، وهي تستعرض مهاراتها أمامه من أجل التسويق لعملها...على الأقل تستعمل دماغها في صنع إعلان عن نفسها لتصبح مشهورة، وليس كشقيقكِ الذي لستُ أعلم كيف تم قبوله في هذا المجال!
همهمت كما لو أنها توافقه الرأي، ثم ناظرت جينا الواقفة بالقربِ من النافورة.
حيث أنّ الأخيرة إلتقت صدفةً بوالد تايهيونغ، والذي يكون محامياً لهذه العائلة منذ زمن، ناهيك عن أسمه المعروف والمرموق بإمتياز.
كان شرفاً لها أن تلتقيه وتحظى بأحاديثٍ معه، فلم تكفّ عن إبهاره بإنجازاتها طوال مسيرتها كإمرأة قانون صاعدة.
- أفتخرُ أنّ شابةً مثلكِ تمثلُ بلدنا في دول الغرب، كما أنه لمن الجيدِ أنكِ تعملين مع إبني تايهيونغ في ذات المبنى، سيساعده ذلك على التعلم والإستفادةِ منكِ.
أعرب السيد كيم عن فخره، وقد كان لذلك وقْعٌ كبير بالنسبةِ لجينا، حيث إعتبرت مديحه كشهادةِ تقديرٍ عُليا.
ولكن كان هناك من لم يوافقهم الرأي ولم يعجبه الكلام، ومن غيره تايهيونغ العابس!
فسريعاً ما شبّت الغيرة في كيانه وراح يحدق بالأخرى متجهماً...يمقتُ فكرة معايرة أبيهِ بها، وأمامها أيضاً!
فبالنسبةِ له كان ذلك يحطُّ من مكانته وكبريائه الأعمى كرجل إعتاد أن يكون محط إهتمام الجميع وملفتاً للإنتباه بالفطرة...خصوصاً من طرف النساء!
- شرفٌ لي أن أتلقى مديحاً وعباراتٍ ثمينة من شخصٍ بمكانتك سيد كيم، شكراً على إطرائك.
إبتسمت برقي بينما تميل رأسها بخفة، فدحرج تايهيونغ مقلتيه وتمتم بخفوت:
- آه يالها من متعجرفة!
ورغم أنها لم تُسئ له منذ أول لقاء بينهما، ولم تكن متعجرفة يوماً، إلا أنّ غيرته الطفولية منها جعلته يراها هكذا!
وما زاد من عبوسه هو إلتقاء عينيه بجيمين الذي إنفجر ضاحكاً على شكله العابس وغيرته الواضحة، فأزفر بحنق وحشر كفاه في جياب بنطال بذلته الرسمية.
- ما كانَ ينقصني سواك!
تمتم لنفسه مجدداً، فتسائل والده بصوته الأجش:
- مالذي تقوله يا ولد؟!
إبتسم تايهيونغ بتهكم ونفى بيديه.
- كلا، لم أقل شيئاً.
- حسنا...آنسة جينا، إن إحتجتِ لأيِّ مساعدة بخصوصِ عملك، فيمكنكِ مقابلتي متى شئتي لأقدم لكِ النصائح، أنتِ أطلبي ذلك من تايهيونغ وهو سيجلبك الى منزل العائلة...حسناً؟
أضاف مربتاً على كتفها، فأومأت الأخرى وأفصحت عن شكرها:
- بالطبع سيد كيم، شكراً جزيلاً لك.
- لا شكر على واجب يا إبنتي.
وبينما يتحدثان كان تايهيونغ يرسم الفراغ على وجهه ويتحلطم في داخله مع عقله الباطني، وسرعان ما عاد للتمتمة:
- ممتاز...لقد تم تحويلي الى سائق أجرة دون أخذ إذني حتى!
وكم تمنى أن تغادر جواره هو وأبيه، ففوق غيرته من تفوقها، غار أيضاً من إستلطافِ أبيهِ لها...شعر بالخطر، وكأنها ستأخذُ مكانه في كلِّ شيء!
___________________________
إلتقطت العائلة صوراً تذكارية بمناسبة هذا الحدث، ولن ننسى أفضل فقرة في كل حفل زفاف، ألا وهي فقرة الرقص!
كان نور الشمس حينها يضمحلُّ شيئاً فشيئاً تاركاً خلفه شفقاً أحمر، فأبيض، فغسقٌ يعلن عن وصول الدجى أعالي السماء.
ألحانٌ دافئة كدفئ الطقس، وأجسادٌ تتمايلُ كأغصانِ شجرٍ تغازلها نسماتٌ رقيقة في ليلةٍ ربيعية...هذا كان حال الأغلبية وليس الجميع.
إذ أنّ هناك من لم تطأ قدماه ساحة الرقص، وكلُّ له سببه، فمنهم من لم يجد رفيقاً، ومنهم من لا يجيد الرقص، وأخيراً من تكويهم نيرانُ الحب على حساب الكبرياء!
فيونغي الذي ظل يتجاهل ايو طوال الحفل، رفض أيضاً عرضها للرقصِ معه حينما لم تجد رفيقاً لفعلِ ذلك، وهذا ما دعاها لتسأله بحيرة، وقد تملكها إنزعاجٌ متراكم من أفعاله لأيام عديدة مضت!
- لما تعاملني بهذا الشكلِ على خلاف الجميع؟!
ظهر التهكمُّ جلياً في لكنتها، لكنه إكتفى بإحتساءِ شرابهِ، وأجابها بعد هنيهات ببرود بينما يراقب ساحة الرقص والحضور:
- ولما أنتِ من بين الجميع يشعر بهذا؟!..أنا طبيعيٌّ جداً!
- أنت حتى لا تنظر لي حينما أكلمك، ونبرتك عند مخاطبتي أبرد من الثلجِ نفسه!
وهنا قد قرر النظر نحوها، رفع حاجباه ورسم تعجباً مزيفاً، ليتسائل:
- حقاً؟! لا أعلم، لم أُلاحظ ذلك!
طفح الكيلُ بها، فهي لم تجادله أكثر من ذلك ونهضت تاركةً إياه لوحده.
أما هو فظل يراقبها بشروذ بينما يفكر...معها حق، ما ذنبدها إن كان يحبها وهي لا تعلمُ بمشاعره!
فبالنهاية هي فتاةٌ مرتبطة برجلٍ آخر تحبه، وليس من حقه محاسبتها على ذلك، أما في الآونة الأخيرة...بات يعاملها بهذا الجفاء بعد أن وصل صبره لأقصاه بحجة محاولة نسيانها، وكم كان يؤذي نفسه بذلك!
والوحيدانِ اللذان كانا على درايةٍ تامة بكل ما يحدث حتى ولو عن بعد هما هوسوك ويوجو.
فطوال الوقت كانا يحملانِ ثقل كاهل يونغي ويناظرانه بشفقة وحزن، حتى وهما يرقصان يسترقانِ النظر نحوه ويتحاورانِ بشأنه.
- أتمنى أن يجد إمرأةً أخرى تنسيهِ هذا الحب العقيم!
تمتمت يوجو بيأس قبل أن تحاوط خصر هوسوك في حضنٍ دافئ أثناء رقصهما الهادئ، فتنهد الأخير بثقل وأجاب:
- الأمر ليس بتلك السهولة، يونغي لا يقع في الحب بسهولة، وإن وقع فيه فمن الصعب أن يخرج منه...هذا ما يجعله مستمراً في الأمرِ رغم أنه حبٌ فاشل، مشاعره صعبة الإرضاءِ حقاً!
أسند هوسوك ذقنه على رأس يوجو، كما وحاوطها بدوره بينما يراقب شروذ الآخر المطوّل...سعادته لا تكتمل في مناسباتٍ كهذه كلما رأى صديقه مكسوراً ووحيداً من بين الجميع!
وعلى بُعدٍ ليس بكبير، كان صاحبا الحفلِ يتمايلانِ بهدوء مع ألحان الموسيقى الكلاسيكية.
من يراهما سيظنّ أنهما يتبادلان كلماتِ الغزل والشوق نظراً لعدم توقفهما عن الهمس لبعضهما والضحكِ بين كلِّ حينٍ وآخر، ولكنهما في الواقع كانا يسخرانِ من عدة أشياء ويقهقهانِ عليها، كهذه مثلاً:
- إسمعي ڤانيسا، أريحي رأسكِ على كتفي وأغمضي عيناكِ بسرعة!
همس لها جونغكوك بعد أن تحمحم، بيد أنه يجابه لكتم ضحكته بمشقة، فعقدت المعنية بالطلب حاجبيها بصحبة قهقهتها، وسرعان ما تسائلت:
- لما؟! ماذا هناك؟
- أمي تصورنا بكاميرا الفيديو من بعيد وتظننا لا نعلم بذلك...هي دائماً ما توّثق مثل هذه اللحظات لأنها ثمينة في نظرها، لذا لا تلتفتي نحوها حتى لا تكشف أمرنا وإفعلي ما طلبته منكِ.
همهمت ڤانيسا بينما تضحك، وفعلت ما طلبه منها عريض المنكبين، حيث أراحت رأسها على كتفه الأيسر وأسدلت جفناها على حدقتيها الفاتنتيْن بزرقتهما اللامعة.
وسرعان ما إبتسمت لأنّ رائحةَ عطره راقتها، فالإيطاليون بطبعهم يحبون المظهر الأنيق والروائح الزكية.
- عطركَ هذا رائجٌ بين رجالِ أيطاليا، فكثيراً ما أشمه عليهم.
- وهل في إيطاليا تشمونَ بعضكم البعض؟!
تسائل ممازحاً إياها، فقهقهت بينما لا تزالُ على ذاتِ وضعها، ثم أجابت:
- المظهرُ الأنيق والروائحُ العطرة من الأشياءِ المهمة في ثقافة بلدنا، لذا من البديهي أن نركز على أمورٍ كهذه حينما نكون في الشارع...الأمرُ ليس كما تظن يا بطل السخرية!
عاد للضحك على نعتها له بذاك اللقب، بيد أنه لم يتوقف عن ذلك منذ بدئِهما الرقص، وهي كذلك.
- ليكن في علمك...أنا لستُ ساخراً الى هذا الحد! فقد ترينَ مني أفعالاً ستحيركِ!
علّق على جملتها السابقة، ففتحت عيناها وقابلت وجهه هذه المرة مع نظرةٍ يملؤها التحدي:
- أرى هذا بالفعل، أنت رجلٌ يصعبُ فهمه حقاً!
وانا إمرأةٌ مزاجية، لا يمكنني التنبؤ بتقلبات شخصيتي من هنا حتى خمسِ دقائق أخرى، لذا لا تتعجب أنت أيضاً حينما تراني أتحول فجأة من الأميرة ديانا الى هتلر!
- يبدو هذا مشوقاً!..على الأقل سأرى جانبكِ السفاح ولو لمرة قبل مماتي، فهذا الوجهُ الوديع لا يمكنُ الإستخفافُ به مطلقاً!
جاراها بنظراته التى أظهرت لها أصل التحدي وموطنه، ولن ننسى رفعه لحاجباه اللذانِ أظهرا ثقته العارمة لها...لا يبدو سهلاً أبداً بالرغم من أنه رجل ذو شخصية ناعمة على حسب معرفتها المبدئيةِ به.
- لن أُخيّب ظنك صدقني!
إختتمت جملتها بإمالة طفيفة لشفتيها المكتنزتين في إبتسامة واثقة.
_________________________
إنتهى وقت الرقص الهادئ، وجاء وقت الرقص على الطريقة الإيطالية!
حيث الجميع يرقص بإستمتاع رقصة السالتاريلو سهلة الإيقاع، وذلك لتلبية رغبة جدة ووالدة ڤانيسا اللتانِ طلبتا رقصها بما أنها رقصة حفلات الزفاف التقليدية لديهم.
لم تكن خطواتُ رقصها صعبة، وبما أنها تعتمد على الرقص الجماعي، فلم يتوانى أي أحد من الحضور عن التمايل بإيقاعها...كانت لفتة ممتعة ومشاركة مرحة لتقاليد الشعوب المختلفة.
وأول من بادر برقصها هو جين الذي يجيدها والسيدة ميلانا والدة ڤانيسا، ثم إنضمّت لهم جدتها وسومي، ثم الأورجي الخمسة وهوسوك ويوجو، وأخيراً عددٌ كبير من الحضور والعائلة فيما بعد.
ولولا أنّ فستان ڤانيسا كان ضخماً ولن يناسب الرقصة لكانت من يترأسهم الآن، لذا ظلت تناظرهم بعيونٍ لامعة وشفاهٍ مقوسة، وهذا ما دعى جونغكوك للضحك عليها.
- هل مزاجكِ الآن هو الأميرة ديانا؟
مازحها بقصدِ إغاظتها، فناظرته من شفير جفنها وأجابت:
- كان كذلك، ولكنه أصبح هتلر الآن!
كانت ستمزح في أي شيء عدا الرقص، لأنه أكثر ما يستهويها، وقد بدى له ذلك جلياً من ملامحها المستائة لعدم قدرتها على المشاركة.
- يمكنكِ الرقص في المنتصف إن أردتِ...سأطلب منهم إفساح المكان لأجلك.
خاطبها مقترحاً، فلمعت عيناها كالبحر وهمهمت دون تردد.
- أجل أرجوك، فلطالما تمنيتُ أن أرقصها في زفافي.
إبتسم جونغكوك وهز رأسه مهمهاً، وطبّق ما قاله لها، لتسرع بالوقوفِ في المنتصف مع إبتسامة تكادُ تشقُّ وجهها، ولكن سرعان ما تبددت وقالت:
- ولكن لن أستطيع رقصها لوحدي، يجب أن يكون هناكَ شريك!..أرجوك أرقص معي!
أمسكت ذراعه وناظرته بعيون جراء لامعة لطيفة، فقهقه وطأطأ رأسه لتعابيرها البريئة، ثم عاد لرفعه وهمهم موافقاً.
- حسناً، ولكنكِ ستعلميني إياها أولاً.
- حسناً إنها سهلة.
بدآ الرقص كحال البقية، وعلا صوت ضحكهما أرجاء المكان لعدمِ إتقانِ جونغكوك للحركات سريعاً، ولكن رغم ذلك إستمرا في الرقص.
وبما أنها رقصةٌ تبادلية، فمن في الأطراف كسومي مثلاً تعرضت لإحراجٍ شديد حينما تبادلت دور الرقصِ مع تايهيون الى أونوو الذي ظهر في وجهها فجأة، وهو لم يكن أقل خجلاً منها بعد الذي حدث.
وكذلك جينا التي رقصت مع جيمين وبومقيو وكذلك تايهيونغ الذي دحرج مقلتاه بضجر حينما أتى دورها، فهمست له مستمتعة بينما ترقص:
- من كان ليظن أننا سنرقص رقصةٍ كهذه في حفل زفاف أساسه عقد!..ولكنّ الأمر ممتع!
- ومن كان ليظن أنّ شريكتي في صنع هذا العقد ستكون أنتِ...سأحاول التصالح مع هذه الفكرة على المدى البعيد.
جاراها بنظراتٍ ملؤها التحدي، كما لو أنه وجونغكوك على حدٍّ سواء، فأقطبت حاجباها بخفة، وقبل أن تستفسر عن معنى جملته تبادلا الأدوار لتجد أنّ شريكها هذه المرة هو يونجون...ستتجاهله فحسب لأنه مجرد غريب أطوار في نظرها.
وعلى بُعدِ خمس خطوات حيثُ كاي يدفع عربة هيجين التي ترقص بيديها، وكل ذلك حتى لا تشعر بالضجر كونها مقعدة، فمجردُّ فعلٍ إنساني كهذا جعله يستمتع.
وعلى ذكر الإستمتاع قرر يونغي ترك البؤس قليلاً، وذلك بعد إقناع يوجو وهوسوك له ليشارك في الرقص، وقد أعجبه الأمر كثيراً...حتى نامجون الرزين شارك بالرقص معهم.
وأخيراً...سوبين ومجموعة الأطفال الذين يصنعونَ حلقة بمفردهم ويتعلمون الرقصةَ منه.
كانت تلك أسعد لحظاته برفقة الأطفال، حيث أنّ الإبتسامة لم تفارق شفتيه اللطيفتين إلا حينما لمح إختفاء أحدهم!
فتوقف مكانه وصار يعدهم، وقد كان ينقصهم واحد بالفعل!
- أين إختفى سونوو المشاغب؟!
تخصّر بينما يجول بناظريه أرجاء الحديقة بحثاً عنه، وسرعان ما جُحِظت عيناه حينما رآه بقرب صندوق التحكم الخاص بنظام رَيْ الحديقة.
- كلا يا صغير لا تفعل!
صرخ سوبين مذعوراً، ولكنّ ذاك الطفل إبتسم بشر وضغط على الزر الأخضر!
وبالعودة الى يونجون المتحمس أثناء الرقص، فهاهو يتبادل الرقص مجدداً لتكون شريكته هذه المرة ليا البغيضة!
أُعجبت بوسامته وصخبه، فمنحته إبتسامة عابثة وبادرت بالتحدث:
- إسمك يونحون صحيح؟
- أجل.
- تعجبني طريقةُ رقصك السلسة.
- حقاً...شكراً على إطرائك.
إبتسم بإتساع، فسرحت الأخرى بملامحه وكانت تنوي الإقتراب أكثر، لكنه سبقها وشدها نحوه.
لجزءٍ من الثانية ظنته فهم مقصدها وكم أعجبها ذلك، ولكن صراخه فيما بعد وشعورها بماءٍ بارد يغطي وجهها جعلها تفزع!
أجل...لقد سحبها ليحتمي بها حينما لمح الماء يتطاير من المِرش!
تبللت المسكينة من رأسها حتى أخمصِ قدميها، وكم شعرت بالإهانة والإحراج آنذاك!
ولم يكد الجميع يتدارك الأمر حتى صرخت السيدة جيون بكل قوتها:
- إحموا العروسانِ من البلل!
وأول من لبّى النداء كانا يوجو وهوسوك اللذان وقفا أمام ڤانيسا وجونغكوك سريعاً ليتلقيا موجة ماء بللتهما هما أيضاً!
تعالا صراخ الحضور فيما بعد، وقد إبتلّ معظمهم وحدثت شوشرة ضخمة جعلت من صاحبا الزفاف يفزعا، فقد كانا مندمجان في الرقص الى أن حدث ما حدث فجأة!
حدقا ببعضهما أولاً، ثم باللذان قاما بحمايتهما من البلل!
- لا بأس.
إبتسم هوسوك مطمئناً إياهما، لتضيف يوجو بهتافٍ مرح:
- لقد كان شعوراً منعشاً!
وعلى إثر هتافها كفّ الحضور عن الصراخ وناظروا بعضهم للحظات قبل أن ينفجروا ضحكاً، فتعبيرها كان بمحله فعلاً.
ولكن ولسوء الحظ أغلق جيمين النظام سريعاً، وذهبت كلُّ المتعةِ وظلّ فقط البلل.
هيجين ردت الصاع صاعيْن بضحكها على ليا علانية رغم أنها إبتلّت هي أيضاً، وتايهيونغ لم يكن أقل إستمتاعاً، وكل ذلك لأنّ وجه جينا تلطخ بالوحل والماء!
وعلى العكس، كان يونغي وتايهيون وبومقيو منزعجين لأنهم يكرهون التبلل بالماء بهذه الطريقة.
وكذلك جين كانت له نفس النظرية في البداية، ولكنه حينما رأى أنه يبدو اكثر وسامة وهو مبلل غيّر رأيه وذهب الى المِرش ليبلل نفسه أكثر.
سوبين ظل يضحك على لطافة الأطفال وهم مبللون، وسومي ظلت تتلبد خلف جسد إبنة عمها بإحراج، وذلك لأن فستانها أصبح يظهر أكثر مما يخفي بعد تبللها.
لاحظ أونوو ذلك، وقد كان على وشك تقديم عمل نبيل حتى يصحح لها فكرتها السيئة عنه، ولكن كاي سبقه بفعل ذلك.
وأخيراً، يظل العروسان ويونجون الأشخاص الوحيدين اللذين نجوا من البلل في الحفل بأسره!
يونجون لم يسلم من نظرات ليا الحارقة نحوه، ولكنه لم يأبه وظل يضحك على أشكالهم المبعثرة.
- يا إلهي، لقد تم إفسادُ حفل زفاف إبني الأسطوري بنجاح!
صرخت السيدة جيون بقهر، فربت جونغكوك على كتفها وتمتم مصححاً:
- أمي، لم يكن حفلاً أسطورياً!..لقد طلبتُ أن يكونَ بسيطاً، وقد كان كذلك بالفعل!
- ولكنّ كافة الحضور تبللوا وسيسمع الجميع بذلك وسيسخرنَ مني زميلاتي الثريات في نادي القراءة وسأبدو مثيرةً للشفقة!
إدّعت إحتضان جونغكوك من بعيد لأنها مبللة بينما تنتحب وتتذمر.
ولكنّ الحضورَ كما قالت، خالفوا كافة ظنونها بآرائهم التي توالت عليها دفعةً واحدة!
- كلا، لقد كان حفلاً ممتعاً بحق!
- لم أستمتع بحضور حفل زفاف كهذا من قبل!
- أساساً أفضل جزء كان تبللنا بالماء جميعاً...كنا كما لو أننا في حفل زفاف هندي او ما شابه!
- أعجبتني رقصة السالتاريلو...هذا مذهل!
ولن ننسى هتاف الأطفال السعيد، فبنظرهم أنّ ما حدث كان لعبةً ممتعة.
لانت ملامح السيدة جيون حين سماعها لآراء الحضور، وشيئاً فشيئاً حتى شقت الإبتسامة وجهها.
- جيميناه...شغل الموسيقى!
هتفت لجيمين بحماس، فإنفجر الآخر ضحكاً وإمتثل لأمرها.
لقد تحول حفل زفاف جونغكوك وڤانيسا البسيط كما أراداه الى ديسكو صاخب!
ولكنّ الأمر أضفى لمسةً جنونية وغريبة عن المألوف، وهذا ما نال إستحسانهما بحق...سيظلُّ ذكرى لطيفة في ذهنيْهما حتى بعد الإنفصال.
__________________________
إنتهى حفل الزفاف عند العاشرة مساءً، وكان العروسان قد عادا الى منزل جونغكوك.
خلدت ڤانيسا الى النوم مباشرةً لشدة تعبها، ناهيك عن أنّ رحلةً جوية تنتظرهما غداً الى النمسا حيث سيقضيانِ شهر عسلهما بها.
كانت الرحلة بكافة تكاليفها وموقعها هديةً من السيد جيون لإبنهِ وكنتهِ الجديدة، أما السيدة جيون فقد تكفلت بتجهيز المنزل وغطّته بالورود والشموع حتى يكتسب طابعاً رومانسياً لهذه الليلة، والمشكلة تكمن في أنّ كل مجهوداتها ذهبت سُداً...لأنهما وببساطة زوجان مزيفان!
Vanessa pov:~
كان يوماً شاقاً للغاية، ولكنه ممتعٌ أيضاً.
لم أتصور يوماً أنّ حفل زفافي سيكون بهذا الشكل!
أعنى كل شيءٍ كان أكبر من أحلامي البسيطة، إبتداءً من فسان زفافي باهظ الثمن والفخم، ووصولاً لتنسيق الحفل ونظامه، ولكن ما حدث فيما بعد أضاف رونقاً جنونياً كما أحبُ تماماً.
فلم أتوقع أن نرقص رقصة بلدي التقليدية، ولم أتوقع أيضاً أن يتبلل كافة الحضور كما لو أنهم في حديقة مائية!..الأمرُ كان جنونياً بحق!
أمي وجدتي أيضاً أُعجبتا بجونغكوك وعائلته، على الأقل ستشعرانِ بالإطمئنانِ علي وانا بعيدةٌ عنهم.
ولكن بالرغم من كل هذا سأفتقدهما جداً، فلستُ معتادةٌ على مفارقتهما او التقيد بشيء كالزواج.
على كلِّ حال مرّ اليوم بسلام، وهانذا زوجة جيون جونغكوك رسمياً أمام العلن...الأمر يبدو غريباً بعض الشيء!..أعني هل سيناديني الناس من الآن فصاعداً بسيدة جيون بدلاً من آنسة جيوڤاني؟!
لا أعلم...ربما أقولُ هذا لأني لازلتُ أحاول تقبل أمر زواجي المزيف من رجل غريب حتى أحصل على الجنسية وأحقق حلمي وأنقذ الأورجي...أنا مختلة بإمتياز!
لا يهم، المهم الآن هو أني أقدمتُ على إنجاز خطوةٍ كبيرة من خطتي الجهنمية والتي لا أعلم لما أسميتها هكذا!
ولكن لدي تعليق...تعليق بخصوص منزل جونغكوك.
منزله يعتبر كبيراً مقارنةً بعيشيه فيه لوحده، ولكنه هادئ ومريح للغاية...هذا الرجل غريب حقاً!
تصميمه بسيط وحديث، وألوانه تجلب الراحة للعين...بالمختصر راقني كثيراً.
وبالطبع علمتُ بكل هذا لأني أخذتُ جولةً سريعة به قبل أن أنام، وذلك بناءً على فضولي القاتل.
أخبرني جونغكوك أنّ هناك غرفة نوم إضافية بالفعل من اجلي، ولكنها مغلقة بما أنه كان يعيش بمفرده، كما قال أنه لم يستطع أن يطلب من الخادمة تنظيفها، لأن ذلك سيجلب الشك لوالدته.
ولهذا أضطررتُ للمبيتِ في غرفته، وهو أخبرني بأنه سينامُ على الأريكة في الطابق السفلي، وبما أني كنتُ مرهقة جداً، سافرتُ الى عالم الأحلامِ سريعاً.
وبينما كنتُ أغطُ في نومٍ عميق، تداخل لحنٌ عذب الى حلمي، وشيئاً فشيئاً حتى بات الصوت قريباً جداً...كما لو أنني أستيقظ!
فرقتُ جفناي، وبالفعل كان لحناً من أرض الواقع!
جلست على طرف السرير وظللتُ أرمش للحظات حتى أفسر ما تسمعه أذناي، فلمن الغريب أن أسمع صوت موسيقى والساعة تشير الى الثانية بعد منتصف الليل!
كان عزفاً، كان عزف بيانو بالمعنى الأصح، تملكت الحيرة عقلي، فساقتني قدماي بحثاً عن مصدر الصوت.
كان صادراً من الطابق السفلي، فدنوتُ من حافة الدرابزين الزجاجي لأرى، وقد لمحتُ جسد جونغكوك من خلف البيانو الأسود الذي كان يتوسط المنزل...إذاً هو من يقومُ بالعزف!
أُطرِبَت أُذناي بالألحان التي تصنعها أنامله، فشرذتُ دون أن أشعر، وذلك كان كفيلاً بشرح مدى براعة عزفه وإنسجامي.
علمت الآن من أين تعلمت هيجين العزف على البيانو ومن كان يدعمها...إنه بارعٌ بحق!
ورغم أني لازلتُ أشعر بالنعاس، إلا أنّ ضميري لم يسمح لي بالذهاب دون أن أكمل سماع مقطوعته الجميلة، فجلستُ القرفصاء عند ذاتِ مكاني، وأغمضتُ عيناي لأتعايش مع عذوبة اللحن أكثر.
لم أشعر بمرور الوقت او بأي شيء إلا حينما إنتهت معزوفته، ففرقتُ جفناي تلقائياً...تمنيتُ لو لم يتوقف، فقد كانت ألحانها مريحةً للسمع وجالبةً للهدوء.
غريب...لم يخبرني من قبل أنه يجيد العزف!
إنه يدهشني كل يوم بجوانب جديدة من شخصيته الفريدة.
فحينما وصلنا قبل ساعات رأيتُ البيانو بالفعل، ولكن لم يخطر على بالي أنه يعزف عليه، بل ظننته مجرد قطعة كلاسيكية تضيف مظهراً جميلاً للبيت كبقية الأثاث.
على كل حال لمحته يكتب شيئاً ما في دفتر صغير، ثم قام بوضعه على حافة البيانو وإستقام مغادراً الى الحديقة الخلفية...ألم أقل انه غريب الأطوار!
لما سيخرج في هذا الوقت من الليل الى الحديقة؟!
وبما أنّ فضولي لعين، نزلت على أطراف أصابعي حتى لا أصدر ضجيجاً، ووقفت عند باب الشرفة الزجاجي لأرى أين ذهب، ولكن لا أثر له!
ترى أين ذهب؟!
أزفرت بضجر حينما لم ألحظه، ولكن جمال الحديقة الخلفية لفت إنتباهي.
بها مسبح وشرفة جميلة، ناهيك عن إمتلائها بشتى أنواع الورود...أراهن أنّ مظهرها في النهار سيكون خاطفاً للأنفاس أكثر من الآن!
وبعد مدة من التحديق بجمال الطبيعة من خلف الزجاج، قررت العودة الى غرفتي، ولكن قبل أن أبرح مكاني وقع بصري على ذاك الدفتر!
وبما أني سبق وقلت أنّ فضولي لعين قمتُ بفتحه، لقد كان فارغاً عدا عن الصفحة الأولى.
وكل ما كُتِبَ فيها هو:
- 'زهرة الأوركيد...Tonight'
مالذي يهذي به هذا المخلوق؟!
أعني ما شأن زهرة الأوركيد بجملة 'هذه الليلة'؟!
هززتُ رأسي للجانبين، وأغلقتُ الدفتر وأعدته لمكانه، وحينما حطت قدمي اليمنى على الدرج الأخير من السُلَّم، سمعتُ صوت باب الشرفة يُفتح مجدداً...حمداً لله أني وصلت قبل أن يأتي.
وكما خرجت عدت الى غرفته بهدوء، ودخلتُ أسفل اللحاف...من الجيد أني رأيتُ ما بدفتره قبل أن أنام، حتى وإن كان من دون جدوى، لأنني إن لم أفعل لحرمني فضولي من النوم بسلام...والآن، أحلاماً سعيدة يا انا.
End Vanessa pov.
___________________________
في صباح اليوم التالي، وبينما ينعم جونغكوك بنومٍ هنيئ، رنّ هاتفه فإستفاق متذمراً نظراً لعدم أخذه القسط الكافي من الراحة.
ومن دون أن يرى إسم المتصل أجاب بينما يشتمه في داخله...ولم يكن سوى جيمين.
ولم يلبث ذو الشعر المبعثر والعينان المغمضتان على حاله، حتى فرّق جفنيه بإتساع وإستقام من مضجعه مفزوعاً.
- حسنا حسنا!
وضع هاتفه في جيب بنطاله القطني، وحمل وسادته ولحافه وكل شيء، ثم ركض سريعاً نحو الطابق العلوي!
●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●
#يتبع...
- رأيكم بالبارت؟
- وصف لشخصية جونغكوك من منظوركم؟
- وصف لشخصية ڤانيسا من منظوركم؟
- توقعاتكم للقادم؟
- نسبة حماسكم؟
بدي ياكم من هلا ورايح تركزولي ع الجمل يلي بحط تحتها خط، وبيكون أفضل لو دونتوهم عندكم بورقة او أي شي لحتى يساعدكم على ربط التلميحات وفهم القصة، وبعدين بتكتبولي توقعاتكم وشو فهمتو من هالتلميحات💕
بالنسبة لأسماء الأماكن والمواقع يلي بيتم ذكرها في الرواية، فكلها حقيقية وموجودة بكوريا.
وكمان رح يتم ذكر مواقع ثانية بأماكن أخرى، وكلها كمان حقيقية.
بفضّل أحط أسماء اماكن موجودة بالواقع عشان تكون القصة اكثر منطقية وواقعية، وكمان عشان يقدر القارئ يبحث عنها بقوقل ويتأملها اكثر، وهالشي بيساعده على تخيل الوصف تبعي بشكل ثلاثي الابعاد.
وكمان رقصة السالتاريلو رقصة حقيقية تقليدية في إيطاليا، وفيكم تشوفوها على يوتيوب.
وهلا، مين فيكم كان بيتوقع انو كوك يكون عازف بيانو😂
يلا ما علينا، ترا الجاي فيه كثير مفاجآت رح تعجبكم.
والحين، اشوفكم على خير💜
See you next part...
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top