6~حَقِيقَةْ مُبْهَمَةْ!
قراءة ممتعة💜
﴿الْحَقِيقَةُ الْعَظِيمَةُ تَسْتَحِقُّ أَنْ نَجُوبَ الْعَالَمَ بَحْثاً عَنْهَا﴾
- إسحاق نيوتن.
●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●
حلّ المساء، وڤانيسا ما تزال في بيت عائلة جونغكوك، حيث كانت تجلس رفقة هيجين في غرفتها.
أرتها هيجين الأساور والأشغال اليدوية التي صنعتها بنفسها في أوقات فراغها، وقد نالت جميعها إعجاب ڤانيسا، إذ أنها قالت بإندهاش:
- أنتِ بارعة حقاً!
فإبتسمت هيجين بحياء، وأجابت:
- شكراً على إطرائك.
- أخبريني...مالذي تفعلينه طوال اليوم، فبحسب علمي أنكِ لا تخرجين كثيراً.
أراحت ڤانيسا وجنتها اليمنى على مشط يدها بإنتظار جواب هيجين، والتي فترت ملامحها وإبتسمت بخفة.
- في الصباح أتلقى تعليمي المدرسي، حيث أنّ والداي كانا قد وفرا لي بعضاً من المعلمين ليدرسوني بالمنزل، وبعدها أخرج للحديقة، فأنا من محبي الطبيعة كأخي جونغكوك، أظل هناك حتى وقت الغذاء، وفي الغالب أتناوله رفقة أمي فحسب، فوالدي كان يعمل دوماً بإستثناء مكوثه الآن بالمنزل بعد توعكه، وأونوو يكون بالجامعة في ذاك الوقت، أما جونغكوك فكما تعلمين أنه يقطن بمنزله الخاص، ولا نتشارك هذه الوجبة كعائلة سوى في أيام العطلة، أما في وقت ما بعد الظهيرة، أحياناً أتلقى دروس البيانو إن وُجدت، وأحياناً أقرأ الكتب، أما عند المساء، فمعظم وقتي أقضيه إما برفقة أخي أونوو، أو بصنع الأساور والأشغال اليدوية...ماذا عنكِ؟
إبتسمت ڤانيسا بهدوء، وأفصحت بدورها عن كيفية قضائها لأيامها قبل مجيئها لكوريا:
- عندما كنتُ بإيطاليا، كنتُ في الصباح أعمل في مخبز أمي وجدتي، وأظل هناك حتى وقت الظهيرة، ومن بعد الظهيرة، أذهب لمسرح مهجور وأظل أتدرب على الرقص فيه حتى حلول العصر، ثم أعود الى المنزل وأرتاح قليلاً، وأخيراً عند المساء، أخرج رفقة أصدقائي للسهر وقضاء وقت ممتع بركوب الدراجات او السباحة...صدقيني، إن زرتي مدينتي ومسقط رأسي بوسيتانو، ستحبينها كثيراً.
- حقاً...أتوق بالفعل لزيارتها.
وقبل أن يطول حديثهما، دخل جونغكوك بإبتسامته العابثة.
- كيف حال الجميلتيْن؟
قهقهت هيجين بخفة وأجابت:
- بخير...ماذا؟! هل أتيت لأنك إشتقت لڤانيسا؟
أكمل جونغكوك سيره نحوهما مع يداه المحشورتان في جياب بنطاله، وأجاب مقهقهاً:
- أجل، إني أشتاقها كل ثانية، ولا أستطيع الإبتعاد عنها، إنها بمثابة ظلي...ظلي الفاتن.
راقص حاجباه للجالسة بقصد التمثيل، إلا أنها إدعت الإبتسام ووجهها قد تورّد بالفعل لمغازلته.
ناظرتهما هيجين بهيام، ثم تلفظت بما أملاه عليها قلبها:
- لا أعتقد أني قد سبق ورأيت ثنائي أجمل منكما...أنتما مثاليان معاً.
- شكرا لكِ.
شكرتها ڤانيسا بذات إبتسامتها، ثم ناظرت الواقف على بُعد خطواتٍ قليلة منهما، وطلبت نجدته بعينيها الزرقاوتيْن.
فقد كانت تتوتر كلما إجتمعت مع جونغكوك وسط أحد أفراد أسرته، لأنها لا تجيد التمثيل مطلقاً بخلافه هو!
- حسناً هيجين، أظن أنّ ڤانيسا تشعر بالتعب وترغب بالعودة الى المنزل...أليس كذلك عزيزتي؟
- أجل، كما تعلمين...لدي بعض الأشياء لأجهزها وأبدأ بترتيبها قبل الزفاف، والوقت يداهمني.
ربتت ڤانيسا على كف هيجين بينما تبتسم، فهمهمت الأخرى متفهمة وإحتضنتها.
- أراكِ في وقتٍ لاحق.
إستقامت ڤانيسا من مجلسها ولوحت لهيجين، لتغادر بعد ذلك رفقة جونغكوك.
وقبل أن تطأ قدماهما أرضية الطابق السفلي، علا صوت رنين هاتف جونغكوك.
- ماذا هناك نامجون؟..ماذا؟!..حسنا حسنا أنا قادم، أرسل لي عنوان المستشفى في الحال!
إعترت ڤانيسا الريبة من إضطراب جونغكوك وفزعه، فتسائلت بقلقٍ ظاهر ما إن أغلق الخط:
- ماذا هناك؟!
- دخل أونوو في عراكٍ جسدي حاد مع مجموعة فتيان، وهو في المستشفى الآن.
أجابها بينما يبحث عن السيدة ساندرا كبيرة الخدم بهلع لتُعلِم والداه بذلك.
- ماذا؟!
جحظت ڤانيسا مقلتيها بهلع هي الأخرى، ولحقت بالذي خرج راكضاً نحو سيارته للتو.
وطوال الطريق إلتزمت الصمت حتى لا توتره أكثر، وتدعو في قرارة نفسها أن مكروهاً لم يُصب الآخر.
وفور وصولهما، وجدا جيمين ونامجون وتايهيونغ أمامهما.
- هل هو بخير؟! أين هو؟!
تسائل جونغكوك بقلقٍ ظاهر، ليربت جيمين على كتفه مطمئناً إياه:
- إنه بخير، تلقى بعض الكدمات التي ستسبب له رضوضاً لأيام، بالإضافة الى جروحٍ طفيفة، ونحن الآن بإنتظار الطبيب حتى يرى صور الأشعة الخاصة بظهره، فهو قد إشتكى من تألمه الشديد منه بعد أن إستيقظ.
رفع جونغكوك شعره محاولاً ترتيب أفكاره، حيث تسائل مجدداً:
- ومن أحضره الى المستشفى؟
- لا نعلم، فبحسب ما قاله طاقم التمريض، أنّ ستة شبان هم من أسعفوه الى المستشفى وغادروا.
أجابه نامجون، ليضيف تايهيونغ قائلاً:
- أما بالنسبةِ لأولئك الفتية الذين تشاجر معهم، فقد كان أونوو يعرفهم جيداً، ولهذا رفعتُ ضدهم دعوة قضائية بعد أن أخذتُ أسمائهم...لقد كانوا خمسة شبان يدرسون معه بذات الجامعة.
- لا داعي لإفتعال مشاكل أكبر، يمكنكَ سحب القضية.
نطق جونغكوك بهدوء بينما يغمض عيناه، فأجاب تايهيونغ:
- لا أرى أنّ فعل ذلك سيكونُ سديداً، فإن سحبنا القضية قد يكرروا ذات فعلتهم ويتعرضوا له من جديد...لا تقلق، فالموضوع ليس بهذا التعقيد، فهي مجرد قضية تنمر، والآن أمامهم إما أن يُسجنوا لفترة قليلة بغرض التأديب، أو يقوم أهاليهم بدفع غرامة مالية كتعويض لما حدث.
همهم جونغكوك وإكتفى بالصمت في إنتظار خروج الطبيب من غرفة شقيقه في هذه المستشفى، وكل ما يشغل باله الآن هو قلق والداه وهيجين بعد سماعهم بما حدث!
- لا بأس، كل شيء سيكونُ على ما يُرام.
ربتت ڤانيسا على كتفه، وذلك بعد أن جاورته في مجلسه، فهمهم لها شاكراً، وظل الصمت سادسهم الى أن خرج الطبيب من غرفة أونوو.
حيث وقف جونغكوك وهرع نحوه.
- كيف حاله أيها الطبيب؟
- إنه بخير، ولكن صور الأشعة الخاصة بظهره تظهر رضوضاً كثيرة وإصاباتٍ بالغة في أماكن عدة، ولكنها لم تتطرق لمرحلة الكسور، لذا عليه بالمحافظة هذه الفترة، وذلك بتجنب ممارسة الرياضة المُجهدة او رفع الأشياء الثقيلة، كما أني قد وصفتُ له مسكناً ومرهماً طبياً لتخفيف الألم.
ناول ذاك الطبيبُ ورقةً لجونغكوك بها ما وصفه له الآن من أدوية، فهمهم جونغكوك وشكره قائلاً:
- شكراً جزيلاً لك أيها الطبيب.
- العفو، فهذا واجبنا.
غادر الطبيب، وقد ناول جونغكوك تلك الورقة لنامجون، وطلب منه إحضار ما تحتويه، اما هو...فقد دخل رفقة الثلاثة الآخرين لغرفة أونوو، حيث وجدوه مستلقياً والهدوء هو ما يغلف وجهه.
شاشٌ طبي ملتف حول جبينه رفقة بعض لاصقات الجروح في مختلف أنحاءِ وجهه، ولن ننسى يده اليُسرى الملفوفة بضماضة هي الأخرى.
- حمداً لله على سلامتك.
ربت جونغكوك على كتف شقيقه ببسمةٍ مطمئنة، فهو لا يود إشعاره بمدى قلقه حتى لا يشغل تفكيره، كما أنه حاول قدر الإمكان عدم الضغط عليه بطرح الأسئلة، وفضَّل تركه ليتحدث بنفسه إن أراد ذلك.
إبتسم أونوو لشقيقه، وكذلك لإبن عمه وڤانيسا وتايهيونغ الذين حيوه بدورهم.
- شكراً لكم.
وبعد لحظات، لمح الجميعُ شروذ أونوو المطول وهدوءه الغريب، وهذا ما دعى جيمين للتساؤل:
- ما بالك شارذ الذهن هكذا؟!
وقبل أن يجيب، أضاف تايهيونغ مطمئناً:
- إن كنت تفكر بعواقب ما جرى، فلا تقلق...لقد سويت الأمر، ولا خيار أمامهم سوى أن يدفعوا غرامةً مالية، او يتم فصلهم من الجامعة، وهذا أقل ما يمكن حدوثه إن لم يتطرق الأمر لزجهم في السجن لفترةٍ بسيطة بغرض التأديب.
ولكن ما لم يعلموه، هو أنّ ما يشغل باله أبعد ما يكون عن تخميناتهم، فعقله بين حالة الوعي واللاوعي بعدما جرى وما رأى.
يذكر أنّ أمراً غريباً قد حدث، وفي ذات الآنِ ينفي ذلك لأنه مخالفٌ للمنطق، ويواسي عقله بأنها مجرد أوهام.
ورغم ذلك، أجابهم شاكراً:
- شكراً جزيلاً على إهتمامكم بي، وآسفٌ أيضاً لإقلاقكم.
طأطأ رأسه متأسفاً، فما حدث معه اليوم لم يحدث من قبل، لذا فالأمرُ غريبٌ بالنسبة له، فلطالما كان المثال الأول للحياد ومقت المشاكل والعراك بأيٍ شكلٍ كان.
- لا بأس، جميعنا قد نتعرض لمثل هذه المواقف، ولكن ما سبب تنمرهم عليك؟!
وأخيراً قرر جونغكوك طرح تساؤلاته بعد أن فُتح له المجال، فأجاب أونوو:
- هم لم يتنمروا عليّ فعلياً، لأنها المرة الأولى التي نتشاجر فيها، كلُّ ما في الأمرِ أنّ سوء تفاهمٍ قد نشب بيننا، وهم لم يكونوا من النوع المتفاهم، وانا لا أحب الجدال كثيراً، لذا أزعجهم كلامي وإحتدّ النقاش بيننا حتى تحول لشجار، وهكذا إنتهى بي الأمر بعد أن حاولتُ مقاومتهم وهم خمسة شبان!
همهم جونغكوك، ثم نطق بلكنةٍ جادة:
- يبدو أنّ صحتك بأفضل حالاتها، لذا سأخبر أمي وأبي وهيجين بالبقاء في المنزل بدلاً من المجيء، لأنك ستغادر الليلة.
- ما كان عليك إخبارهم بذلك!
إنزعج أونوو مقطباً حاجباه، فعلق جونغكوك قائلاً:
- كانوا ليعلموا في كل الأحوال بما حدث ما إن تعود ويروا وجهك المليء بالكدمات!
أزفر أونوو أنفاسه بثقل وأشاح بوجهه للجانب الآخر، وقد أزعجته كثيراً فكرة قلق الجميع عليه، وخصوصاً والده المريض.
إلتزم الصمت بعد ذلك وعاد لشروذه، أما تايهيونغ فقد خرج للممر بعد أن أتته مكالمة هاتفية بخصوص الدعوة القضائية، فبقي جيمين وشقيقه وڤانيسا بجواره.
وما إن لاحظ جونغكوك تعب ڤانيسا البادي على وجهها الذابل، حتى طلب من جيمين قائلاً:
- جيمين، هل يمكنك أخذ ڤانيسا الى المنزل؟
فأنا سأنتظر لوقتٍ أطول هنا ريثما تجهز أوراق الخروج لآخذ أونوو الى المنزل.
- بالطبع، هيا بنا.
إستقام جيمين بعد أن كان يجلس على كرسي بقرب سرير أونوو، ونده للجالسة بجوار جونغكوك، والتي إستقامت بدورها وودعتهم.
- أتمنى لك الشفاء العاجل أونوو، طابت ليلتكم.
ثم غادرت بصحبة جيمين، والذي لم يكف عن خلق الأحاديث برفقتها طوال الطريق، فلم تشعر أبداً بالتوتر او الريبة برفقته.
- لم أكن أعلمُ بأنكِ راقصة باليه!..هذا رائع!
أفصح جيمين عن دهشته، فقهقهت المعنية بالكلام وقالت:
- غريب، ظننتك تعلم هيئة مهنتي!
- أجل، علِمتُ من تايهيونغ أنكِ مدربة رقص، ولكن لم أتخيل أنكِ راقصة باليه الى جانب الرقص المعاصر!
- بلى أنا كذلك، كما أني أطمح لحصد لقب البجعة البيضاء في بداية العام المقبل.
همهم معجباً بشغفها، فقد رفع إبهامه وشجعها قائلاً:
- حظاً موفقاً إذاً.
وسرعان ما بهتت بسمتها الشغوفة، وطأطأت رأسها بشروذ، وهذا ما دعاه للتساؤل بريبة:
- ما بكِ، لما هذه التعابير فجأة؟!
جوابها قد تلخص في تنهيدة مثقلة كانت قد أزفرتها لتوها، لكنها قررت الإفصاح عن ما يشغلها، فهي قد شعرت بالطمأنينة تجاهه، وراقتها فكرة مشاكاته:
- خائفة من أن يتلاشى حلمي ويُدفن أسفل هذا الزواج المزيف! رغم أنّ العقد ينص على إحتفاظ كل واحدٍ بخصوصياته وممارسة هواياته وأعماله دون تدخل من الطرف الآخر، ولكني قد أُضطر لتركه قسراً، وذلك لبعض الظروف التي ستواجهني...أني أشعر بهذا حقاً، وهذا الشعور يؤلمني!
وكما خمنت تماماً، فبسمته وحدها قد بثت في ترائبها نوعاً من الهدوء والراحة، إذ انه قال:
- لا تقلقِ، جونغكوك لن يُرغمكِ على ترك حلمك مهما كان السبب، فهو شخصٌ يحب الإبداع وسيدعمكِ، صدقيني...إنه رجلٌ بأخلاقٍ نبيلة.
وبالإضافة الى ما سبق، فكلماته زادت من سكينة قلبها وجعلتها تسترخي، لذا رسمت إبتسامة ممتنة وشكرته:
- شكراً جزيلاً لك...كلامك قد أعاد إحياء ما مات من شغفي.
- العفو، فهذا واجب الأصدقاء.
وبالتزامن مع جملته هذه، كان قد ركن سيارته أمام منزل جين بالفعل، فأضاف مبتسماً:
- هاقد وصلنا.
- أعتذر على إتعابك.
- سأنزعجُ إن إعتذرتِ عن أمرٍ كهذا مجدداً!
حذّرها مبتسماً بجانبية، فهمهمت مقهقهة، وسرعان ما قالت:
- حسنا، عمت مساءً.
- وأنتِ أيضاً.
لوحت له قبل مغادرته، ثم باشرت بالبحث عن مفتاحها داخل حقيبتها، لكنها لم تجده!
فتذكرت بأنها قد نسيته في حقيبتها الأخرى ليلة أمس، لذا أُضطرت لقرع الجرس.
إنتظرت للحظات، ثم فتحت لها سومي الباب.
- مساء الخير يا رفا...
خرست مجعدةً حاجبيها، وذلك بعد أن لمحت وجود بعض الجروح على وجوه الأورجي، وجين يقوم بتضميدها ويوبخهم.
- ما بالُ وجوهكم؟!
رمت حقيبتها على الأريكة، وهرعت نحوهم تتفقدهم بقلق، فناظر الخمسةُ بعضهم وكذلك سومي، إلا أنّ جين هو من أجابها ساخراً:
- إنه مجرد مكياج، وانا من وضعته لهم لأننا كنا نمثل فلم أكشن، ونحن الآن نستعد للمشهد التالي!
ضحك بصخب، ولكنه سرعان ما إلتزم الصمت بعد أن رأى نظراتهم الضجرة نحوه، حيث أنه تحمحم وتمتم بخفوت:
- أعتذر.
دحرجت ڤانيسا مقلتيها لمزاحه الثقيل، ثم عادت لتساؤلاتها الجادة:
- مالذي حدث معكم بحق الجحيم؟!
وكان صبرها قد نفذ بالفعل، وذلك لأن القلق قد تملكها عليهم.
عاد الستة لمناظرة بعضهم، وكل واحدٍ يحث الآخر على التحدث الى أن تحمحم كاي وأجابها:
- لقد دخلنا في شجار مع بعض الفتيان.
شهقت ڤانيسا بذعر وأخذت تحضنهم فرداً فرداً بقلقٍ قد طغى على أفعالها.
- يا إلهي، هل أصابكم مكروه؟! هل تأذيتم؟!
- لا بأس ڤاني، إقلقي على أولئك الفتية بعد أن ضربهم بومقيو بقوة!
مطّ سوبين شفتاه بينما يربت على كف ڤانيسا المستقر على وجنته، فوسعت الأخيرة مقلتيها وناظرت المعني بالحديث مفزوعة!
- هل ضربتهم بقوة يا مجنون؟! ماذا إن قتلت أحدهم!
دحرج بومقيو مقلتيه وإبتسم ساخراً.
- ضربتهم بقوة لكني حرصتُ على عدمِ قتلهم...فليتجرعوا ذات الألم الذي أذاقوه لذاك الفتى!
ولوهلة، شرذت ڤانيسا في كلماته، ثم جحظت عيناها وتمتمت سائلةً إياه بصدمة:
- مالذي تقصده بآخر جملة نطقتها؟!
وقبل أن يجيبها المعني بالسؤال، سارع تايهيون وقال:
- على مهلك، سنشرح لكِ القصة بأكملها!
همهمت له بسرعة حاثةً إياه على الإستمرار، فقال:
- كنا في طريقِ عودتنا الى المنزل، وأثناء سيرنا وجدنا شجاراً قائماً في أحد الأزقة، حيث كان هناك خمسة شبان يضربون فتى وبقوة...
- مالذي قلته؟! خـ...خمسة شبان!
صرخت مقاطعةً إياه بعد أن داهم إحتمالٌ ما عقلها، فإنكمش تايهيون مذعوراً من غرابة أطوارها وهمهم.
إستقامت وأعادت شعرها الى الخلف بعدم تصديق، فكلام تايهيونغ قبل نصف ساعة عن الذين ضربوا أونوو قد عاد لعقلها.
- إلهي الرحمة، ولكن هل رأيتم وجه ذاك الفتى؟!
همهمت سومي من خلفها وأجابت:
- تقريباً...كل ما أتذكره انه وسيم الوجه وطويل القامة، وكذلك بدى لي طالباً جامعياً من محتوى حقيبته التي وجدناها مبعثرة بقربه.
- رائع!..والآن لا تخبروني أنكم قد إستعملتم قواكم أمامه!
تسائلت مفزوعة، فتصنم أربعتهم بإستثناء يونجون الذي أجاب فوراً:
- نوعاً ما، أساساً ما كنا لنهزمهم لولا إستعانتنا بقوانا.
تأوه آخر حديثه بفضل لكمة بومقيو له من الخلف حتى يُخرس فمه الثرثار.
لكن ڤانيسا قد صفعت جبينها وصارت تنفي مراراً وتخاطب نفسها كالمجنونة.
- كلا...لا يجب أن يعلم بذلك، كلا!
- المعذرة ڤاني!..مالذي يقلقكِ؟!
سألها سوبين، فزجرته منفعلة:
- مالذي يقلقني؟! كيف لكم أن تكونوا بهذا الإستهتار؟! أتعلمون مالذي سيحلُّ بكم إن إكتشف أحدهم حقيقتكم؟!..ألهذه الدرجة أنتم مستهترون؟!
- ولكن ڤاني، هم لن يتذكروا أي شيء! حتى وإن تحدثوا عنا، فلن يصدقهم أحد!
خاطبها كاي مدافعاً عن نفسه وعن البقية، ثم أضافت سومي من بعده:
- معه حق...وكذلك ذاك الشاب، حينما أتينا كان شبه فاقد للوعي، ولا أظنه سيتذكر أي شيء، وحتى إن تذكر سيظنها مجرد أوهام!
ولكن كل ما سمعوه هو صوت ضحكتها الساخرة، يليها حديثها المؤنب:
- لا يهمني أمر أولئك الفتية، ولكن ذاك الشاب...إنه شقيق جونغكوك الأصغر واللعنة!
رمش السبعة أمامها بصدمة، وما لبث أن فغروا أفواههم حينما أضافت:
- كما أنكم ستدرسون معه في ذات الجامعة وسيكون مقرباً منكم بما أنكم من طرفي!
- أوه...هذا سيء!
إزدرد تايهيون رمقه وحدق بالجالسين قربه، والذين لم يكونوا أفضل حالاً منه، بيد أنّ سومي قهقهت بتوتر ونفت في محاولةٍ منها لطمأنتهم:
- لا داعي للقلقِ يا رفاق!..أنا أول من أسرعت نحوه بعد أن تدخلنا، وقد كان فاقداً للوعي تقريباً!
- نتمنى هذا.
علّقت ڤانيسا بشروذ، فكل ما يشغلُ تفكيرها الآن هو ما رآه أونوو إن كان واعياً حينها، وإن كان كذلك بالفعل فهذا ليس جيداً البتة.
حلّ الصمت من بعد شروذها، فالأورجي وسومي ينتابهم بعضٌ من الخوف وتأنيب الضمير لما حدث، ولكن جين...كان يقرمش بعض الفوشار، وذلك منذ أن بدأ الشجار، حيث ظل يناظرهم طوال الوقت، وسرعان ما إبتسم وتحدث بقصد تلطيف الأجواء المشحونة حولهم:
- رفاق...دعونا ننسى أخطاء الماضي ونبدأ بإرتكاب أخطاء جديدة!
وكل ما تلقاه من إجابة هو خف ڤانيسا المنزلي!
- أحياناً أشكُّ في كونكَ أكبرنا سناً، وفي كفائتك على أداء مهنتك كرجل قانون ناضج!
- بربكِ ڤانيسا! الحياة لن تستمر إذا تعاملنا معها بكل هذه الجدية!..يجب أن نضيف رشةً من الغباء والتفاهة على بعض الأشياء حتى نستمتع!
عاتبها متحسّساً جبينه الذي كان ضحية خفها الطائر، وذلك بينما يشزرها بعبوس.
لكنها سحبت منه صحن الفوشار عنوة، وأخذت تقرمشه متجاهلةً حديثه قبل لحظات.
- يجب أن أفكر بطريقة لأستدرج بها أونوو حتى يفصح لي عن كل ما حدث...من المهم أن أعلم ما إذا كان قد لاحظ شيئاً أم لا!
خاطبت نفسها بشروذ، وسرعان ما أضافت متذمرة، وكل ذلك أمام الذين فضّلوا الإستماع على التحدث:
- ولكن تباً!..أخاف أن يشك في أمري، فهو لا يبدو مغفلاً أبداً...الحنكة والذكاء يشعان من عينيه كالليزر!
بعثرت شعرها منتحبة، فعاد جين لسحب صحن الفوشار خفية من أمامها دون أن تشعر، ثم قال:
- واو، حقاً!
جارها حتى لا تشعر به بينما يقرمش آخر حبات فوشار في الصحن قبل أن تتداركه وتأخذه منه.
- لا بأس، سنراقب ردود أفعاله الأسبوع المقبل في حفل زفافك، فمن المؤكد أن نلتقي به.
نطق تايهيون بعد صمتٍ وجيز، ليُأيده كاي قائلاً:
- أجل، فإن رآنا أثناء الشجار سيميز وجوهنا لا محالة، وإن لم يفعل، فذلك يعني إنتهتاء الأمر بسلام.
همهمت لهم ڤانيسا، وحدقت بهم جميعاً، لكنّ ملامحها قد لانت ما إن حطت مقلتاها على سوبين العابس بهدوء، حيث تذكرت أنها صرخت في وجهه قبل دقائق.
- هل أرنوبي غاضبٌ مني؟!
كوبت وجهه ببسمةٍ هادئة، فتفادى المعني بالسؤال النظر نحوها، وإكتفى بطأطأة رأسه مع عيناه المدمعتان.
هي لم تأبه للبقية بقدره هو، فهي أكثر من يعلم بأنه شاب بقلب طفلٍ صغير.
لا تطيق فكرة جرحه او الصراخ في وجهه، لأنه حساس وهش كالزجاج الرقيق، إن حطمته فلن تستطيع ترميمه!
أخذته في حضنها وربتت على ظهره متمتمةً بعبارات تنم عن أسفها الشديد لما فعلته بحقه في لحظة غضب:
- أعتذر بشدة على صراخي في وجهكم، ولكني فعلتُ ذلك لشدة خوفي عليكم!..أنتم قطعة من قلبي، ولا يمكنني تحمل فقدانها أو رؤيتها تتأذى!
أزفرت أنفاسها المثقلة بعد ذلك، وندهت للبقية بالإقتراب منها حتى تضيفهم الى حضنها الدافئ، حيث إحتضنوها جميعاً بإستثناء جين الذي منعته من فعل ذلك بوضع يدها أمام وجهه!
- لقد رأيتُك حينما سحبت صحن الفوشار مني، لستُ عمياء أو مغفلة لتنطلي عليّ ألاعيبُك الطفولية هذه، ولكني أكسل من أن أجادلك لأني كنتُ متعبة...لذا إذهب وأعدّ لي صحناً جديداً!
- هل تمزحين معي؟!..إن كنتِ قد نسيتِ فهو صحني وانتِ من سرقته مني أولاً، وانا قمتُ بإستعادته ليس إلا!
- لا يهم، فقط أعدّ المزيد منه الآن...مزاجي بحاجة لمشاهدة فيلم ساخر مع بعض الفوشار.
لم يكن أمامه سوى إرخاءِ كتفيه، والذهاب الى المطبخ وفعل ما طلبته منه.
وما كاد يصل حتى صرخت من خلفه مذكرةً إياه:
- إحرص على وضع الكثير من الملح كما أحب.
- حسنا حسنا.
أجابها ممتعضاً، فقهقهت وأرسلت له قبلة طائرة كعربونِ شكر، لكنه تمتم لنفسه بتهكم:
- ليس وكأني سأعده بملئ إرادتي حتى ترسل لي قبلة طائرة!
وبالعودةِ لها، فهي قد إستقامت وتخصرت، ثم قالت ببعضٍ من الحماس:
- جهزوا مكان جلوسنا وإبحثوا عن فيلم مناسب ريثما أغيِّر ثيابي وأعود.
- عُلِمْ!
هتف الأورجي وسومي وضربوا لها التحية بمزاح، فقهقهت عليهم وسارعت بالصعود لغرفتها حتى لا تضيّعَ المزيد من الوقت.
____________________________
بينما كان يونغي يعمل كعادته دوماً، ويكرس جلّ تركيزه لِما بين يديه، دخلت ايو مكتبه مع دفتر بني اللون.
- لقد أنهيتُ كتابتها، يمكنك الإطّلاعُ عليها.
ناولته ذاك الدفتر، والذي يحوي كلمات إحدى أغاني ألبومها الجديد، فأخذه يونغي منها، وخاطبها ببرودٍ لم تعلم سببه منذ الصباح:
- حالياً أنا مشغول، وقد أتأخر قليلاً، لذا أتركيه معي وسأقرأها في وقتٍ لاحق، من ثم سنناقش الأمر عند الغد...يمكنكِ المغادرة.
ناظرته بحيرة، فأسلوبه في الحديث لا يكون بهذا البرود عادةً، لكنها رغم ذلك لم تشأ التدخل، فلربما كان بسبب ضغط العمل أو ما شابه.
- حسناً...عمت مساءً.
- وأنتِ أيضاً...أغلقي الباب ورائكِ.
أجابها دون النظر نحوها حتى، فهمهمت له وغادرت...شعرت كما لو أنه طردها بشكلٍ غير مباشر!
- لِما يعاملني بهذا الجفاء فجأة؟! غريبٌ أمره!
تمتمت في حيرةٍ من أمرها بينما تغادر الوكالة بأكملها، ولكن هوسوك الذي كان على وشك الخروج هو أيضاً سمعها من دونِ قصد، فرسم الإستياء على محياه، وناظرها بينما تغادر برفقة حبيبها.
- يؤسفني حاله بقدر جهلكِ لمشاعره البائسة تجاهك!
أزفر تنهيدةً مثقلة، لكنه سرعان ما إبتهج حينما حاوطته حبيبته في عناقٍ خلفي مفاجئ!
- عزيزتي يوجو!..لِما أتعبتِ نفسكِ بالمجيء الى هنا؟!
كنت سآتي لأُقلّكِ من المخبز!
إبتسمت حبيبته المدعوة بيوجو، ثم عدلت له قبعة رأسه ورفعت كيساً ورقياً أمام وجهه.
- لا بأس...أعددتُ لك بعضاً من المعجنات بالكريمة رفقة مخفوق الفراولة.
لم يستطع إخفاء بسمته الواسعة لإعتنائها به دوماً، فشد وجنتيها وتمتم بلطف:
- أنتِ حتماً تعرفين ما أحب.
- أجل أعلم...فأنت تحبني أنا.
رمشت بلطفٍ بالغ، فإنتحب هوسوك لبرائة تعابيرها التي لم يكن بمقدوره مقاومتها!
- آه يا إلهي! تبدينَ كقطةٍ صغيرة!
قرص أرنبة أنفها بعد ذلك وشابك أناملها الرفيعة بحب.
- هيا فلنذهب، لدي برنامج هزلي لمتابعته بينما نتناول فطائركِ الشهية...سنستمتع.
- هيا بنا.
سارت برفقته بينما تسند رأسها على كتفه وتمازحه، وهو لم يكف عن الضحك حتى غادرا الى منزله بسيارته الصغيرة اللطيفة.
كانت هذه يوميات هوسوك برفقة حبيبته دائمة الإبتهاج والتفاؤل...لطالما إمتدح الجميع توافقهما الظريف في كل شيء، وذلك بفضل شخصيتيْهما المشرقة.
وبالرغم من أنه مجرد مدرب رقص في شركة صاعدة، وهي فتاةٌ بسيطة تمتلك مخبزاً صغيراً تقضي معظم يومها به، إلا أنهما كانا سعيديْن بما لديهما، فحبهما اللطيف لم يُقيّد يوماً بالماديات او الإستغلال، بل كان نقياً وصادقاً.
___________________________
إنجلى الليل وحل الصباح...
وهاهي ڤانيسا تتحدث عبر الهاتف بينما تتناول إفطارها سريعاً، وكل هذا لأنها ستذهب لتسوي أمراً ما.
- أعتذر بشدة عمتي جيون، ولكنني مشغولةٌ جداً هذا الصباح!..لا أعلم...حسنا...سآتي إن وجدتُ فرصة...بالطبع...وداعاً.
كانت تهاتف السيدة جيون، او كما يقول جين حماتها حتى يغيظها، وكانت قد طلبت منها المجيء حتى اليوم الى منزل العائلة، إلا أنّ الأخرى إعتذرت لأنها ستذهب الى الوكالة حيث عملها لتتأكد من أمرٍ ما.
تناولت آخر قضمة من خبزها المحمص، ثم أخذت حقيبتها ولوّحت للجالسين حول الطاولة قبل أن تغادر مسرعة.
ومن بعد خروجها نزل تايهيون من الطابق العلوي بينما ينادي عليها، وحينما لم يجدها تسائل بحيرة:
- أين ذهبت ڤاني؟!
فأجابه يونجون بثغره الممتلئ بينما يشير نحو الباب:
- لقد غادرت لتواها، قالت أنّ لديها الكثير من الأشغال اليوم.
- حقاَ! كنت أريد أن أريها هذا.
أراهم الخبر المكتوب في هاتفه، فغصّت سومي بالطعام ثم نطقت بدهشة:
- هل أعلنت عائلته عن خطوبته حقاً؟!
___________________________
- عدلتُ لكِ بعض المقاطع، ولكنّ الأغنية بالمجمل ممتازة، لا يزال أمامنا سوى تلحينها.
أدلى يونغي برأيه لأيو عن الأغنية التي كتبتها، فظهر الإجتذال على محياها جلياً.
- حقاً!
- أجل، إنها بداية جيدة.
أجابها بذاتِ برود الأمس، إذ أنّ أقصى غاياتهِ الآن باتت نسيانها والمُضيِّ قُدُماً، ولهذا يعاملها بهذا الشكل.
- حسنا، هل آخذها الآن الى سويون؟
- أجل، سألحق بكِ حالما أنهي عملي.
وختاماً لجوابه طُرِق الباب وأطلّت ڤانيسا برأسها من خلفه.
- صباح الخير.
حيّتهما مبتسمة، فبادلها يونغي بالمثل ودعاها للدخول، وذلك وسط نظرات ايو المتعجبة، فقد أدركت الآن أنّ معاملته الفظة تلك كان يستعملها معها هي فحسب!
- كيف حالكِ؟
ورغم ذلك ردت لها ايو تحيتها بإبتسامة هادئة، فبالنهاية لا شأن لها بما حدث.
- بخير.
- أين كنتِ؟! لم أركِ في الوكالة بالأمس!
تسائلت ايو بحيرة، فأجابتها الأخرى بنوعٍ من الخجل لعدم إخبارها بالسبب مسبقاً:
- في الواقع...أخذتُ إجازة لأنّ حفل زفافي بعد ثلاثة أيام.
دُهِشت ايو بشدة، وقد بدا ذلك جلياً من فغرها لفاهها!
- حقاً! ولكن متى حدث هذا؟!
مطّت ڤانيسا شفتيها، إذ أنّ الخجل لم يفارقها بعد لهذا الموقف المحرج أمام زميلتها في العمل.
- أنا مرتبطة بشاب كوري منذ فترةٍ لا بأس بها، وقد كان أحد أسباب قدومي للإستوطان في كوريا...ظننتُ أنّ هوسوك قد أخبركِ!
- كلا لم يفعل!
- أعتذر بشدة لعدم إخبارك، فقد إنشغلتُ كثيراً الفترة الماضية وتناسيتُ الأمر تماماً، أعتذر.
طأطأت ڤانيسا رأسها لشدة حرجها، ولكن محاوطة ايو لكتفها وإبتسامتها اللطيفة قد جعلتها ترتاحُ قليلاً.
- لا بأس...سأتغاضى عن الأمر إن قمتِ بدعوتي.
قهقهت الأخيرة بمزاح، فهمهمت ڤانيسا سريعاً وقالت:
- بالطبع، جميعُ زملائي مدعوُّن، وذلك من دون أن أخبرهم حتى!
إبتسمت ايو بلطف، ثم عانقت الأخرى وربتت على ظهرها.
- مباركٌ لكِ على كلِّ حال.
همهمت لها ڤانيسا مبتسمة كردٍّ على مباركتها، ومن بعدها غادرت ايو تاركةً إياها برفقة يونغي الذي كان قد شاهد كلّ ما جرى.
- يوجد ممثلون في وكالتنا بالفعل، إن كنتِ تريدين أن أُرسِّمكِ كممثلة فلن أتوانى عن فعل ذلك لأنكِ بارعة!
خاطبها ببسمةٍ عابثة، فعقدت حاجبيها وتسائلت:
- مالذي تعنيه؟!
أخذ نفساً عميقاً وأراح جذعه للخلف، ثم أجابها مقهقهاً:
- هنيئاً لكِ على تمثيلكِ المحترف، أنا بحدِّ ذاتي كدتُ أصدقكِ!
ولكن جوابه لم يكن كافياً لسد تساؤلاتها، إذ أنها زادت من عقدة حاجبيها وإرتسم القلق على محياها لتوقعها شيئاً ما، فأثبته لها بقوله موضحاً:
- عَنَيْتُ زواجكِ المزيف بكلامي.
شهقت ڤانيسا بتفاجؤ، ووسعت عيناها الزمرديتان بهلع!
- ولكن! كيف علِمتَ بهذا؟!
- أولاً لأنكِ لم تخبريني بهذا الأمرِ عندما أتيتِ لتوقعي عقدكِ معي، فمن الطبيعي أن أعلم بأمرٍ كهذا، خصوصاً وأنكِ سترتقين الى مستوى راقصة باليه في وكالتي بالإضافة الى تدريب الرقص، وما زاد من توثيقِ ظنوني هو قدومُ محاميتكِ وإخبارها لي بكل شيء، وذلك لأني مديرُ وكالتكِ ويجبُ أن أوافق على زواجك نظراً لما ينصه العقد من شروط، وبما أني صديقكِ ومحاميتكِ تعلم بهذا من هوسوك، فهي قد كانت واثقة بأني لن أفشيَ بسركِ لأي أحد وأخبرتني، على كل حال...مباركٌ لكِ.
- تباً لكِ جينا!
تمتمت شاتمةً الأخرى، وسرعان ما إبتسمت ليونغي مخفيةً إنزعاجها، فعلى كل حال ليس لديها ما تخافُ منه بما أنه صديق، وصديق جيد بالفعل رغم أنّ مدة تعارفهما لم تتجاوز الأسبوعيْن!
- أجل تذكرت، أتيتُ لأسألك عن سيدة أربعينية كانت قد زارتك صباح الأمس وطلبت منك أن تمنحني إجازة!
- حماتكِ السيدة جيون؟
رمش متسائلاً، فقهقهت لتذكرها جين الذي يردد لها ذات الجملةِ دوماً.
- أجل...مالذي قالته لك بالضبط؟
- أخبرتني أنّ حفل زفافكِ بعد أيامٍ قليلة، وأنّ موعده كان مستعجلاً لأن والد زوجك مريض ويريد...
- آه تلك القصة الدرامية التي إختلقوها ليقيموا الزفاف في أقرب فرصة...إني أعلمها بالفعل!
كانت قد أرخت كتفيها ورسمت الإمتعاض على محياها، فكتم يونغي ضحكته وأضاف:
- على كلِّ حال طلبت مني أن أمنحكِ إجازة الى ما بعد شهر عسلك، وانا وافقتُ بما أنكِ جديدة في العمل وصديقتي أيضاً.
وكم شعرت ڤانيسا بقلبها يرفرف لكلمة صديقتي، وهذا ما زاد من سكينة قلبها تجاه كتمه لسر زواجها المزيف، بالإضافة الى تواضعه معها رغم أنها أجنبية وهو مديرها في العمل.
إبتسمت بإتساع حتى إختفت عيناها الجميلتان، ثم قالت:
- شكراً جزيلاً لك.
- العفو.
فتحت حقيبتها بعد ذلك، وأخرجت منها دعوة وناولتها له.
- أردتُ أن أقدمها لك بنفسي، أتمنى أن تأتِ.
وقد كانت دعوة لحضور زفافها، فإبتسم يونغي وهمهم لها.
- بالطبع.
إستقامت من مجلسها بعد ذلك، وتسائلت قبل مغادرتها:
- أين هوسوك؟ ألم يأتي بعد؟!
- كلا، ولكنه على وشك الوصول.
ناولته كيساً ورقياً بعد جوابه، حيث أرفقته بقولها:
- كنتُ سأطلبُ منه توزيع بطاقات الدعوة على بقية زملائنا بما أني على عجلةٍ من أمري، ولكن بما أنه لم يأتي بعد، فأتمنى أن تعطيه أياها وتخبره بفعل ذلك.
- حسناً.
- أراك لاحقاً.
لوحت له ثم خرجت، وما إن وطأت قدماها الرصيف أمام الوكالة، حتى إجتمع حشدٌ من الصحفيين حولها!
- آنسة ڤانيسا، هل حقا أنتِ على علاقة بوريث شركة خطوط آي سي الجوية جيون جونغكوك؟
- هل يمكنكِ إمدادنا ببعض المعلومات حول تفاصيل علاقتكما؟
- هناك مصادر تدّعي أنكما مرتبطان منذ فترةٍ طويلة، فهل هذا صحيح؟
- هل صحيحٌ أنّ زفافكما سيُقام بعد عدة أيام؟
والعديدُ والعديد من الأسئلة التي جعلت من عقلها يتوقف!
كانت محاصرة بينهم، لم تعرف كيف تهرب او الى أين، كما أنّ الموقف جعلها تتوتر وتنسى طريقة النطق الصحيحة!
آلمتها عيناها لكثرة أضواء كاميرات التصوير، فحجبته بيديها وشعرت بإضطراب قلبها خوفاً من تدافعهم نحوها.
لوهلةٍ تملكها الذعر لتزاحمهم حولها ومحاصرتهم لها وهي مجرد فتاة أجنبية لا قدرةَ لها على حماية نفسها في بلدٍ غريب تقوده أحاديث الإعلام!
أحست بالضياع!
ولكنها وعلى حين غرة، شعرت بشيءٍ يحجب عنها تلك الأضواء المزعجة ويحتويها باثاً الأمان في ترائبها، ولم يكن سوى جونغكوك الذي دخل وسط هذا الزحام ووضع سترته على رأسها وحاوط كتفيها مغادراً المكان برفقتها.
ميزت وجهه بعد أن رفعت رأسها، فإبتسمت له بإمتنان وتشبثت بثيابه أكثر.
لم يسلم هو الآخر من أسئلة الصحفيين المزعجة، لكنه إستطاع تفاديها بركوبه لسيارته رفقة ڤانيسا ومغادرته للمكان برمّته!
حلّ الصمت بينهما، وسرعان ما بترته زرقاء العينينِ بقولها:
- شكراً جزيلاً لك، لم أكن أعلم ما سيحدث إن لم تأتي وتنقذني في الوقت المناسب!
- العفو...ولكن هل آذوْكِ؟!
تسائل بقلق، فنفت مبتسمة بينما تطوي سترته التي إحتوتها بعطرها الآسر:
- كلا، ولكنهم ظلوا يسألونني عن زواجنا وعلاقتنا وما الى ذلك، وهذا ما إستحضر حيرتي!..كيف علِموا يا ترى؟!
وقبل أن يجيبها، أعاد خصلاته الطويلة الى الوراء ورسم الإمتعاض!
- بحقك!..أولم تري الأخبار هذا الصباح؟!
- كلا!
تمتمت بخفوت، فعاد هو للتحدث:
- والدي أعلن عن خطبتنا صباح هذا اليوم، كما انه شارك تفاصيل الزفاف مع الإعلام، وكل هذا من دون علمنا حتى!
رمشت ڤانيسا بعقلٍ شارذ، وقبل أن تنطق بأي حرف قاطعها مضيفاً:
- كنتُ مسترخياً في المنزل الى أن رأيتُ الأخبار، إتصلتُ بكِ لكنكِ لم تجيبي، فعلمتُ بأنكِ ذاهبة الى مكان عملك لمقابلة المدير، كنتُ على دراية مسبقة بأن الصحافة ستلاحقكِ، لذا هرعتُ بسرعة إليكِ...أعتذر بالنيابة عن والدي لما حدث.
- لا بأس.
- على كلِّ حال، هل تريدين الذهاب الى مكانٍ معين أم أوصلكِ الى منزلك؟
سائلها بينما يقود بتركيز، فأجابت بعد لحظاتٍ من التفكير:
- خذني الى منزل عائلتك، لقد وعدتُ والدتك هذا الصباح بأني سآتي إن وجدتُ فرصة، كما يجب علينا الإطمئنان على صحة أونوو اليوم.
لكنها سرعان ما أقطبت حاجبيها لسماعها قهقهةً مكتومة من طرفه، فتسائلت بحيرة:
- ماذا؟!
- أشك بأن أمي هي التي ستتزوجكِ لكثرة تعلقها بكِ وحماسها لحصولها على كنة!
لكنها دفعت كتفه وقهقت بمزاح.
- كفاكَ سخرية وركز على القيادة!
- أمرك سيدي.
عاد للضحك من جديد، ولكن هذه المرة لأنها لكمته على كتفه بعد أن أردف بجملته السابقة، إذ أنها تذمرت قائلة:
- أنا لستُ سيداً يا هذا! أنا أدعى آنسة!
- ولكنّ هذا اللقب لن يصبح ذا جدوى بعد ثلاثة أيام، فالجميع سينادونكِ بسيدة جيون!
تحاذق رافعاً حاجباه، فرمشت مراراً مع إحمرارٍ طفيف لنسبه لها من ناحية الكنية.
ولكن على من تكذب؟!..فكلامه صحيح، هي ستصبح زوجته أمام الناس بغضّ النظر عن العقد القائم بينهما، لذا همهمت وإلتزمت الصمت.
شعر هو بصمتها الغريب، فناظرها من طرف عينيه وفهم السبب بالفعل، ألا وهو خجلها الذي لم تستطع إخفاءه بفضل وجنتيها المتوردتين.
لكنه فضّل الصمت على أن يضايقها، فهو بدوره خجل لفكرة انها ستصبح زوجته وستُنسب إليه، وأكمل قيادته بعد أن تحمحم.
__________________________
عند عصر ذات اليوم، وفي منزل جين...
حيث يجلس الأورجي الخمسة وسومي بملل أمام التلفاز، وذلك بعد أن تم منعهم من الخروج لما حدث بالأمس كعقاب.
تأففت سومي بضجر، وأخرجت مبرد أظافرها من جيبها، وباشرت ببرد أظافرها، ولكنها سرعان ما تلقت وسادة طائرة من طرف بومقيو!
- كفي عن فعل هذا!..الصوت مقزز ويصيبني بالتشنج!
كان يغلق أذناه بكفّيْ يديه، فكشرت له الأخرى عن أنيابها وقد كانت على وشك ضربه، ولكنّ وقوف تايهيون المفاجئ جعلهم يحدقون نحوه بتعجب!
حيث كان يوسع عيناه ويحدق بالفراغِ شارذاً، ثم تمتمت بخفوت:
- لدى الثعالب حاسة سمع قوية جداً، ولهذا السبب يكرهون الضوضاء والأصوات الحادة!
وختاماً لتمتمته ناظر بومقيو بدهشة وأضاف:
- لقد أصبحتَ أكثر حساسية تجاه الأصوات الحادة، وأقرب مثال هو إنزعاجك من صوت إحتكاك المبرد بأظافر سومي، وهذا يعني أنّ روح الڤولبي بداخلك قد بدأ يطغى ويستحوذ عليك!
رمش الخمسة أمامه للحظات، ثم هتف يونجون بحماس مخاطباً بومقيو:
- هذا مذهل! ستصبح أقوى!
- سيصبح أقوى بالفعل، ولكن لا يجب أن ننسى بأنّ نمو الأنيمادنّاتا يُعدُّ مؤشراً سيئاً!
نطق كاي بهدوء، فناظروه بقلق، خصوصاً المعني بالنقاش.
_________________________
إستطاعت ڤانيسا الهرب من السيدة جيون، وذلك بعد أن كانتا تريان فستان الزفاف الذي وصل بالفعل الى منزل العائلة، وقد كان كفساتين الأميرات تماما.
وبعد مغادرتها جوار الأخرى قررت تنفيذ خطتها بإستدراج أنوو للتحدث عما حدث معه بالأمس، إذ أنها ذهبت لغرفته التي لم يخرج منها من بعد وجبة الغذاء.
طرقت الباب، فأذِن لها بالدخول، لذا دخلت بعد أن أطلت له برأسها مبتسمة.
- تبدو بحالٍ أفضل.
- أجل.
أجابها بينما يعتدل في جلوسه، وذلك بعد أن كان مستلقياً ويقرأُ كتاباً، فجلست على الكرسي المجاور لسريره وأضافت:
- هل لازال ظهرك يؤلمك؟
- أجل...قليلاً فقط.
- آه، وماذا حدث بشأن أولئك الفتية الذين ضربوك؟
كانت تمهد الطريق لنفسها رويداً رويداً.
- لقد دفع أولياءُ أمورهم غراماتٍ مالية، مع التعهد بعدم تعرضهم لي مجدداً.
همهمت برأسها، ثم طأطأته لاعنةً حظها، لأنه وببساطة قليل الكلام!
يجيب على قدر السؤال ويصمت، وهذا ما لا تريده!
- حمداً لله أنّ هناك من ساعدك في آخر لحظة.
ناظرته بترقب، لكنه إكتفى بقول:
- أجل.
أرخت كتفاها وتحمحمت، ثم تسائلت من جديد، وكم شعرت بأنها تستجوبه لا تدردش معه!..وهي بالفعل أتت لتستجوبه!
- هل عرفتم هويتهم؟
- كلا، كل ما علمناه من طاقم التمريض هو أنهم كانوا خمسة شبان وفتاة.
- غريب، ألم ترى وجوههم حينما هرعوا لإنقاذك؟!
وسعت عيناها بترقب، وقد بدأت إبتسامتها تتسعُ تدريجياً.
- كلا، كنت شبه فاقد للوعي ولا أذكر أي شيء.
وفور أن أنهى كلامه قفزت عليه تحتضنه بينما تصرخ بسعادة:
- حمداً لله...على سلامتك طبعاً! آه هذا مريح.
ناظرها بتعجب وبعضٍ من الدهشة، ثم إبتسم بتكلف وربت على ظهرها...بات يدرك تمام الإدراك أنها غريبةُ أطوار مجنونة!
__________________________
Vanessa pov:~
آه أشعرُ براحةٍ عارمة بعد أن تأكدتُ من عدم رؤية أونوو لأيِّ شي.
الآن يمكنني النوم بسلام...
ولكن كلا!
لن أستطيع!
آه الرحمة! زفافي بعد ثلاثة أيام وأشعر بالتوتر رغم انه مزيف!
أعني ماذا إن شكت عائلتي في ذلك؟!
كلا ڤانيسا!..تذكري حصص اليوغا وجرعات الطاقة الإيجابية التي دعمني بها سوبين منذ اسبوع، يجب أن أسترخي وأتعامل مع الأمر بأريحية.
حتى جونغكوك حاول مساعدتي على تخطي توتري، وأخبرني بأنّ لا أحد يشك في الأمر فعلاً، لذا عليّ الإطمئنان والتصرف بطبيعية أمامهم.
على كل حال تم تجهيزُ كلّ شيء في زمن قياسي بفضل عمتي جيون...لم أرى إمرأة غريبة أطوار مثلها من قبل!
تجد حلولاً لكل شيء وفي وقتٍ قصير أيضاً، كما أنها دائمة الإبتهاج وطيبة القلب حد السذاجة!
أرتني فستان الزفاف الذي كانت قد طلبته بتصميمٍ خاص منذ خمس سنوات، والذي عاهدت نفسها على أن يكون لأول كنةٍ لها.
كم أشعر بالذنب حيال هذا، أعني جميعهم يظنونني سأتزوج إبنهم عن حب وانا مجردُّ كاذبة!
بتُّ أمقتُ نفسي كلما رأيت ما يفعلونه من أجلي...لن أسامح جونغكوك إن إكتشفوا كذبتنا هذه، وكذلك لن أسامح نفسي أبداً!
ولكن لا بأس، طالما أنّ الأمر سيظل طي الكتمان، وانه سيقودني لتحقيقِ حُلُمي وحماية دببتي وإنقاذهم...سأفعل المستحيلَ لأجلهم.
أما الآن، فيجِبُ أن أنام وأحظى بقسطٍ وافرٍ من الراحة حتى أبدوا جميلة يوم زفافي.
تبقتْ ثلاثة أيام فقط...
End Vanessa pov.
●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●
يتبع...
- رأيكم بالبارت؟
- توقعاتكم للقادم؟
- أي سؤال؟
كلمة "ڤولبي" تعني ثعلب.
وكلمة "أنيمادنّاتا" سأخبركم بمعناها في الوقت المناسب.
اذا بدكم تكتبو هاي المصطلحات بمذكرة عشان ترجعولهم وتتذكروهم أثناء قرائتكم للفصول القادمة، فبكون ممتنة لكم عشان هالشي رح بيساعدكم تركزو اكثر بأحداث الرواية الغامضة شوي.
والحين يلا نرحب بحبيبة هوسوك المارشميلو يوجو بنت جيفرند🎉
طبعا قررت ألغي فقرة المقتطفات التشويقية، وما في تراجع عن هاد القرار أبدا.
وشي ثاني حابة أتكلم عنه، وهو التفاعل...
التفاعل صاير كتير راكد ومو عاجبني أبدا، وهالشي ما بيحفزني أكتب وأضغط ع حالي منشانكم، لأني مثلي مثل أي انسانة طبيعية عندي دراسة ومشاغل كتير لأهتم فيها، وتعليقاتكم اللطيفة بين الفقرات وآرائكم وتفاعلكم هو يلي بيحفزني أستمر بالكتابة وما أتكاسل بتقديم أفضل ما عندي، لهيك أتمنى تتفاعلو منيح بالفصول القادمة لأني محتاجة آرائكم حول الأحداث.
وإذا ما عم تتفاعلوا لان الرواية مو عاجبتكم فيكم تخبروني هون وانا رح وقف نشر بكل رحابة صدر...وشكرا🤍
أشوفكم على خير بالفصل القادم💞
See you next part...
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top