الجزء الرابع

بين حبر وورق: الجزء الرابع

تواصلت ريو مع رجال الشرطة وأخبرتهم عن اختفاء أختها لذا بدأت التحقيقات في هذه القضية، وعندما عادت للمنزل جلست على الأريكة وصارت تنظر للمنزل من حولها وكم هو هادئ بغياب مايوكا وبطريقة مخيفة جدا، وبسبب حزنها الشديد استلقت عى الأريكة وبدأت ذرف الدموع التي حبستها ليومين كاملين، كان قلقها يتزايد وخوفها من أن مكروها أصاب أختها يجعلها تشعر بضيق في صدرها، حتى أنها لم تخبر والديها للآن فهي خائفة من ردة فعلهما، لذا تريثت فحسب وانتظرت قليلا لعل التحقيقات تصل شيء.

بينما هي ممددة غارقة في دموعها رن هاتفها فانتفضت من الفزع وركضت لإمساكه ظانة أنها أختها مايوكا، لكن خاب ظنها حين أدركت أنه حبيبها السابق الذي تخاصمت معه والذي كانت تنتظر اتصاله بفارع الصبر، لكنها الآن يائسة بسبب فقدان أختها لذا لم تشعر بأي سعادة.

عادت للاستلقاء على الأريكة بحزن وتجاهلت اتصاله، ومهما واصل الاتصال بها مرارا وتكرارا فهي لم ترد بل اكتفت بوضع الهاتف جانبا والبكاء.

أما مايوكا فقد جلست في الكهف أمام النار تحاول تذكر اللغز الذي تم إعطاؤه لها لتحله، عصرت دماغها بجد لتتذكر الجمل التي قرأتها، الأمر صعب هذه المرة رغم أن ذاكرتها قوية بالعادة وتتذكر الأمور المهمة بسرعة.

-«الساعة الواحدة ليلا؟ مكان منير؟ شيء كهذا، لكن من أين قد يأتي النور في الساعة الواحدة ليلا؟ هل يعني هذا أن أبقى بجانب النار؟ لا أظن ذلك»

ثم واصلت تذكر اللغز بجهد وصعوبة ولكنها لم تتذكر أي شيء فقالت بتذمر وهي تضرب رأسها:

-«أوووه يالها من لعبة غشاشة! كيف يمكنني حل لغز لا يمكنني تذكره؟»

دخل آلان وابنه الكهف مرة أخرى فوجدا مايوكا بقرب النار:

-«هل تريدين الذهاب معنا للشاطئ لنصطاد المحار؟»

التفت نحوه ييرما وقال بنبرة حادة:

-«أبي! لماذا علينا أخذها معنا؟ إنها غير موثوق بها»

-«لا تقل ذلك أمامها فلم أرى منها أي أذية، إنها ضيفتنا وعلينا معاملتها جيدا حتى تغادر»

تضايق ييرما من الأمر وخرج أولا بينما التفت آلان نحو مايوكا:

-«اعذريني على تصرفاته»

خرجا من الكهف فوجدا زعيم القبيلة وطاقمه بانتظارهما وقال الزعيم:

-«آلان، أعتقد أن الوقت حان لنتحدث عن ضيفتك»

-«ما بالها؟»

-«تقول النبوءة أن هذه الضيفة ستسبب الدمار لقريتنا لذا فلتطردها»

-«ما الذي تقوله حضرة الزعيم؟»

-«لقد حذرتك، قم بطردها فورا»

-«مستحيل، أعرف مايوكا جيدا، منذ جاءت لم أرى منها إلا الخير لذا لا تحاول إقناعي»

-«الأمر راجع لك، لو حصل شيء في القرية بسببها فأنت ستتحمل المسؤولية»

-«سأفعل، رغم أنني متأكد أنه لن يحصل شيء، مايوكا تائهة وستبقى عندنا حتى تجد منزلها»

انصرف الزعيم ومن معه فنظرت مايوكا نحو آلان وقالت:

-«من هذا؟»

-«زعيم القبيلة، دائما يقول كلاما لا أعلم من أين يأتي به، يقول أن تنبؤاته لا تخطئ، أراها دائما مخطئة وتعقد الأمور»

-«لا يمكن التنبؤ بالمستقبل، إنه دائما يفاجؤنا»

-«أتفق معك في ذلك»

توجه آلان للشاطئ ومعه مايوكا وييرما الذي كان رافضا تماما لفكرة أن تذهب معهم لهذا بقي يراقبها ويضع عينيه عليها طوال الطريق.

بدأ آلان برحلة صيد المحار فنزل في الماء يبحث هو وييرما حتى جمعوا عددا لا بأس به من المحار وصاروا يفتحونه ويفرقون اللحم عن الأصداف، وبينما يفعلون ذلك عثر آلان على لؤلؤة شفافة اللون بعد أن انعكست عليها أشعة الشمس صارت تلمع بطريقة مذهلة، فقالت مايوكا:

-«مذهل! أيمكنني الحصول عليها؟»

-«طبعا، إنها لا تؤكل على كل حال وكنت سأرميها»

أدركت مايوكا أنهم لا يعرفون بعد القيمة المادية لللؤلؤ، فلؤلؤة كتلك لو كانت حاضرة في طوكيو لكان سعرها خياليا.

لم يكتفِ ييرما من جمع المحار فعاد للبحر وسبح مسافة بعيدة فوجد منطقة مليئة بالمحار، وبينما هو منهمك في جمعها قام آلان بفتح الأصداف وبقيت مايوكا تراقب فقط.

عندما التفتت لييرما رأت بالقرب منه شيئا ما يسبح باتجاهه فصرخت:

-«ييرما، هناك قرش بجانبك»

التفت ييرما بسرعة وفي آخر لحظة ابتعد عن طريق القرش وحاول الهرب لكن القرش ظل يطارده خاصة أنه أسرع منه في السباحة.

كان آلان خائفا على ابنه ولم يعرف ما يفعله لذا ظل يصرخ عليه أن يهرب، أما مايوكا فلم تستطع الوقوف مكتوفة الأيدي وصرخت:

-«سأساعده»

حملت الرمح وأسرعت باتجاهه تسبح وحاول آلان الصراخ عليها لتعود ولكن لم يوفق في ذلك فقد سبحت نحو ييرما والقرش وصارت تلفت انتباهه وصرخت:

-«ييرما، القروش لا يمكنها التركيز على هدفين في آن واحد لذل سأحاول إلهاءه وأنت أصبه بالرمح»

رمت له الرمح وحاولت جذب انتباه القرش فاتجه نحوها وفي تلك اللحظة طعنه ييرما بالرمح من الخلف وسالت دماؤه في البحر وأصبح لون الماء مخيفا.

عاد الاثنان للشاطئ وهما يتنفسان بسرعة ومازالت أمارات الخوف والفزع بادية عليهما، فصرخ آلان في وجهيهما:

-«كلاكما متهوران، أنت كيف تسبح في مكان بعيد وأنتِ كيف تعرضين حياتك للخطر؟ على كل حال الحمد لله أنكما بخير»

ثم قال ييرما ببرود:

-«لم أطلب منها المساعدة، إنها تتدخل فيما لا يعنيها وتتظاهر بالذكاء والحنكة»

ردت عليه مايوكا بغضب:

-«العفو»

بعد عودتهم للمنزل قاموا بطبخ القرش وأعطوا قطعة لمايوكا لكنها شعرت بالتقزز منه وقالت:

-«لا شكرا، أعتقد أن القرش من الحيوانات التي لا يجوز أكلها»

نظرت لنهاية الكهف فرأت الفتاة الغريبة تنظر لها مجددا ثم هربت فأردفت:

-«ألا تريد ابنتك حقا الخروج من هناك؟ أشعر بالحزن عليها لأنها لا تخالط العالم الخارجي»

أجابتها مايا:

-«في النهاية هي من تريد ذلك، ولو أرادت الخروج ستخرج بالتأكيد»

رغم ذلك شعرت مايوكا بالقلق من تلك الفتاة وأسباب اختفائها وبقيت تفكر بها لوقت طويل.

اقترب منتصف الليل ومايوكا تتقلب في فراشها وتفكر باللغز وهذه المرة تذكرت شيئا جديدا:

-«شجرة ذات رائحة جميلة؟! هذا يعني أن علي البحث عن شجرة عطرة الرائحة وهي مفتاح من مفاتيح اللغز»

نهضت من مكانها لتغادر الكهف فرأت في نهايته الفتاة الغريبة تحدق بها، لكنها هذه المرة لم تشأ تركها تضيع منها لذا توجهت نحوها وتأكدت أن الكل نائم.

ركضت الفتاة لنهاية الكهف فتبعتها مايوكا وحاصرتها لكنها غطت رأسها بيديها وقالت بصوت مرتجف هادئ:

-«رجاءً ابتعدي، رجاءً»

-«آسفة لإخافتك لكن لا تقلقي، لا أريد إيذاءك بل أن أكون صديقتك، أنا مايوكا وأنتِ؟»

-«لا أريد مصادقة أحد، دعيني وشأني»

-«أتفهم ذلك، لكن أيمكنني رؤية وجهك على الأقل؟ لماذا تخفينه؟»

-«هذا أمر لا يخصك»

اقتربت منها أكثر فصارت ترتجف ظنا منها أنها ستؤذيها، لكنها اكتفت بتمرير يديها على خصلات شعرها لتشعرها بالأمان وقالت:

-«خصلات شعرك جميلة، ولا بد أن وجهك جميل أيضا، لا تخافي مني»

-«وجهي ليس جميلا...»

أبعدت يديها عن وجهها أخيرا فتمكنت مايوكا من رؤيته أخيرا ويال الأمر المحزن أنها اكتشفت أن الفتاة مشوهة خَلقيا في أنفها.

-«ألهذا السبب لا تحبين الخروج؟»

ردت عليها بحشرجة:

-«وجهي قبيح ولا أستطيع أن أريه لأحد، أنا وحش، أتمنى الموت حقا، أما أنتِ فجميلة جدا وليس لديك أي عيوب»

-«لماذا تقارنين نفسك بالناس؟ هذا أمر يحطم المعنويات»

-«معك حق، لا وجه للمقارنة بين بشري ووحش»

أنزلت رأسها وضمت ركبتيها بحزن فشعرت مايوكا بالشفقة عليها وقالت:

-«هل لديك حلم ما؟»

-«أريد أن أشرف عائلتي وأصبح من الطبقة المخملية في القرية والتابعة للزعيم، وأريد الزواج من ابن الزعيم»

-«ولماذا لا تفعلين؟»

-«لأنه لن يطيق رؤية وجهي كل يوم، أنا بارعة في الصيد والأعمال المنزلية والحرف اليدوية والقتال ولكنني قبيحة ولا أعتقد أنه سيلتفت لواحدة مثلي»

-«لا أرى فتاة قبيحة، كل ما أراه فتاة مليئة بالأمل والطموح، لكن كنصيحة مني، لا تحتاجين لتكوني زوجة ابن القبيلة لتثبتي أنكِ موهوبة وقوية، أثبتي هذا لنفسك فقط، ولا ترمي نفسك على أحد فمن أرادك سيتقبلك بعيوبك كلها ويطلب يدك، كوني متأكدة من ذلك»

رغم أن الفتاة ليست راضية عن كلام مايوكا مئة بالمئة لكنها ابتسمت في النهاية.

-«إذًا ما اسمك؟»

-«اسمي إينو»

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top