الجزء الثالث

بين حبر وورق: الجزء الثالث

استيقظت ريو أخت مايوكا من نومها فشعرت بالهدوء الشديد في البيت، في العادة أختها تعد الفطور الآن أو تتابع شيئا على التلفاز فهو يوم عطلة.

نهضت وتوجهت للمطبخ فوجدته فارغا، حتى أن كوب أختها لم يتوسخ وهذا يعني أنها لم تستخدمه، حينها خاطبت نفسها قائلة:

-«أيعقل أنها لم تستيقظ للآن؟! مستحيل! ليس من عاداتها، كما أنني نمت بالأمس باكرا ولا أذكر في أي ساعة عادت»

توجهت لغرفتها فوجدتها فارغة والسرير مرتب تماما، حتى كل أغراضها بقيت كما هي منذ الأمس.

-«هل نامت خارج المنزل؟!»

حملت هاتفها بعد صراع دام لدقائق فالعلاقة بينهما جد متوترة واتصلت بأختها ولسوء الحظ وجدت هاتفها مغلقا.

-«أيعقل أنها غضبت مني لذا تركت المنزل؟ لكنني لم أقصد جرحها بكلامي وهي تعرف ذلك، لقد كنت غاضبة فحسب»

في ذلك الوقت سارت مايوكا عبر ممر ضيق خلف ييرما ليوصلها لقمة الجبل، كان سريعا جدا مما أزعجها فهي خائفة أن تفقده، حينها قالت بتذمر:

-«ألا يمكنك أن تبطئ قليلا؟ قدماي تؤلمانني»

تجاهل تذمرها وزاد من سرعة خطواته أكثر، وصلا لسفح الجبل وبدآ بالصعود من طريق سهلة تؤدي للأعلى وبمجرد أن سارت مايوكا عدة عشرات أمتار تعبت وأردفت:

-«رجاءً...لنتوقف...أشعر بالتعب»

-«مدللة»

رمى كلماته الباردة تلك وأكمل سيره فهمست بتذمر:

-«ياله من قليل ذوق»

واصلا السير إلى أن وصلا لقمة الجبل أخيرا فشعرت مايوكا بالسعادة، وحينما ألقت نظرة على المنطقة بالأعلى لم تجد سوى الجبال العالية والمساحات الغابية الواسعة، لا أثر لطوكيو على الإطلاق ولا لأي عمران أو حضارة، حينها قالت بقلق وخوف:

-«مستحيل! ما الذي يجري وكيف وصلت هنا؟!»

بدأت تتذكر أمر اللغز مجددا وتلك الكلمات الغريبة التي قرأتها في الكتاب، ما حصل بالفعل لم يكن حلما بل هو واقع مرعب وعليها حل اللغز وإلا ستعلق هناك للأبد، بعد أن طافت في مكانها بتوتر لفترة فإذا بييرما يوجه رمحه في وجهها فتجمدت من الخوف، حينها أردف الأخير بنبرة حادة مليئة بالحقد:

-«نحن وحدنا الآن، لِمَ لا نحظى بنقاش جاد؟»

-«هل تحاول قتلي؟»

-«يمكنني ذلك، لكن لو قلتِ كل ما أريد سماعه فسأتركك تذهبين»

-«حسنا، وما الذي تريد سماعه؟»

-«هل أنتِ من الهاجانغ؟ ولماذا أتيتِ؟»

-«لا لست منهم»

قرب الرمح من رقبتها أكثر ليضغط عليها وقال:

-«لا أصدقك»

-«هل هناك أي شيء يثبت أنني منهم؟»

-«لا، ولا شيء يبرؤك أيضا، يمكنني قتلك ورميك هنا لتأكلك الحيوانات المفترسة والعودة للمنزل وإخبار أهلي أنكِ عدتِ لديارك، لذا الصراحة أفضل لك»

-«أعرف، وأنا أقول الصراحة، لا أعرف الذين تتحدث عنهم ولا علاقة لي بهم لا من قريب ولا بعيد»

-«يبدو أنك مصرة على التظاهر بالبراءة، ودعي حياتك»

جهز نفسه ليطعنها بالرمح ولكنه سمع صوتا خلفه فالتفت بسرعة فرأى خنزيرا بريا يركض باتجاهه، أسرعت مايوكا بالابتعاد ثم صرخت على ييرما:

-«إنه يسير باتجاه مستقيم ولا يستطيع الالتفات لذا حاول الهروب في خطوط متعرجة»

رغم أن كلامها صحيح لكنه تجاهلها وقام بالركض في اتجاه مستقيم وقاد الخنزير نحو المنحدر ثم رمى نفسه بعيدا وتركه يسقط من الأعلى.

تخلصا الآن من الخنزير لذا ابتسم ييرما بخبث وقال:

-«الهرب للجبناء، علينا التخلص منه لأنه لن يتوقف عن مطاردتنا أيتها الفهيمة»

-«لا بأس بخطتك أيضا»

فجأة هجم عليه طائر عملاق فانبطحت مايوكا لكن ييرما لم يجد الوقت الكافي لذا تراجع للخلف وسقط من على المنحدر لكن في آخر لحظة تمسك بالحافة.

أسرعت مايوكا لتتفقده فوجدته يجاهد ليرفع نفسه لأعلى لكن دون جدوي، حينها مدت يدها له وصرخت بذعر:

-«تمسك بيدي»

-«لا أريد، يمكنني فعلها بنفسي»

وضع رجله على الجبل وحاول التسلق لكن المكان الذي لامسه انهار وسقط وانزلق معه وكاد يذهب للهاوية.

صرخت مايوكا:

-«توقف عن الكبرياء وهات يدك»

بدأت ذراعه تتعب فاستسلم للأمر الواقع وأعطاها  يده وبصعوبة رفعته، لكن شعر بألم شديد في ذراعه بسبب تشبثه لفترة، حينها قال وهو مطأطئ الرأس:

-«لماذا أنقذتِ حياتي؟ أليس هدفك من الأساس إبادة قبيلتنا؟»

-«أنت مضحك»

-«لست أمزح هنا»

-«ولا أنا، يمكنك قتلي لو أردت، لكن الحقيقة تبقى واحدة، وهي أنني لا أعرف شيئا عن الهاجانغ»

حدق بعيونها بنظرة مرعبة وبادلته النظرة هي أيضا، وحين أدرك أنها جادة حمل رمحه ومضى في طريقه عائدا للمنزل، لم تسغرق هي وقتا طويلا حتى لحقت به فلا مكان لديها لتذهب إليه.

في منزل مايوكا كانت أختها ريو تطوف ذهابا وإيابا وتردد جملة واحدة:

-«هل أخبر والداي؟ هل أبلغ الشرطة؟ لا ليس بعد، علي السؤال أولا»

حملت هاتفها واتصلت بأصدقاء مايوكا الذين تعرفهم لكن جميعهم قالوا أنه لا أثر لها ولم يروها
وهذا ما زادها قلقا:

-«أتمنى أن تعود بسرعة وإلا سأفقد صوابي»

أما بالنسبة لمايوكا فقد عادت لمنزل العائلة البدائية وسمحوا لها بالبقاء لبعض الوقت، لكن الوحيد الذي لم يرتح لوجودها هو ييرما.

بينما الأم مايا تقوم بنتف ريش الطائر الذي اصطاده زوجها حديثا كانت تواجه صعوبة في ذلك بينما تراقبها مايوكا، وبعد أن راقبت لبعض الوقت قررت التدخل:

-«سيدتي، أعتقد أن عليك استخدام الماء المغلي وسيزول الريش بسرعة»

توجهت نحو النار وأحضرت إيناء الماء المغلي ثم سكبته على الطائر فاصبح الريش يزول بسهولة، حينها ابتسمت مايا:

-«مذهل! يالها من حيلة ذكية!»

وبينما الوالد يقوم بسقي أزهار في إناء فخاري لاحظت عليه مايوكا الحيرة فتوجهت نحوه ووجدته يحدق بالأزهار وهي ذابلة فقال لها:

-«ما بال الأزهار؟ أحاول جاهدا جعلها تنمو لكنها تموت منذ أول ثلاث أيام لها، أريد تزيين الكهف لكن لا جدوى مما أفعله»

-«النباتات بحاجة للشمس من أجل القيام بعملية التركيب الضوئي واليخضور»

-«ماذا؟!»

-«أعني الشمس هامة لجعل النباتات تبقى على قيد الحياة، لا تضعها هنا، أخرجها للشمس»

-«وهل ستنجح الحيلة؟»

-«متأكدة أنها ستنجح»

أخرج آلان النباتات للخارج فابتسمت مايوكا، بعدها نظرت للخلف فرأت الفتاة في نهاية الكهف تحدق بها ثم هربت، أرادت أن تذهل إليها بشدة لكن الجميع موجودون من حولها لذا خافت من اقتحام خصوصيتها.

من الخلف كان ييرما يقف متكئا على جدار الكهف بطريقة جادة دون النظر في وجه مايوكا أو الالتفات لها ثم رمى كلماته الباردة من بعيد:

-«تحبين التدخل في كل شيء والتظاهر أنكِ ذكية»

-«لا ألومك، الجميع يظنون ذلك في طوكيو أيضا»

-«هل تحبين المساعدة أم تتظاهرين كذلك لجذب الانتباه وثقة الناس من حولك؟»

-«طبعا أحب المساعدة»

-«مازلت لا أصدقك»

-«ولماذا لم تقتلني حين سنحت لك الفرصة؟»

رمقها بنظرة حادة ثم حمل رمحه وغادر الكهف راكضا، حينها تنهدت وشعرت بحزن عميق وفكرت في أختها ريو التي كانت تتشاجر معها طول الوقت ولا بد أنها قلقة عليها للغاية.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top