الفصل الخامس 🎨

بقلم نهال عبد الواحد

وقفت تتأمّل نفسها أمام المرآة، تتأمّل كلّ إنشٍ فيها... في فستان الزّفاف الأبيض، ومن خلفها كانت تضع لها (الطّرحة) ورغم أنّها كانت باهتة الملامح بها من آثار البكاء، لكنّها ابتسمت بحالميةٍ فجأة واختفت من حولها الأصوات إلّا من صوت زغاريدٍ ودفوف، وانتشرت في الأجواء أغلى الّروائح والبخور وفُرش في دربها أحلى الزّهور...

لا تدري كم مضى من الوقت على هيئتها في هذه الحال والسّيدة صابرين جوارها مبتهجةً لابتهاجها وإدخال السّرور عليها، فربّتت على كتفها قائلةً بتأثّر: ده مكانك يا حبيبتي في أي وقت تعالي وقيسي... عادي يعني، ما بنات كتير بتيجي تقيس وتمشي من غير ما تاخد حاجة، لكن الفرحة اللي على وشك دي تستحق إنّي أشوفها عليك بدل المرّة مرّات.

التفتت لها بُشرى ممتنّة وقد تلألأت عيناها تأثّرًا، لكن حادت بناظرَيها منتبهةً لذلك الواقف يتأمّلها بانبهارٍ، وحين التفتت له تقدّم نحوها بضع خطوات وقد تلألأت ابتسامته هو الآخر، فأشرقت بها ملامحه السّمراء.

بادلته هي الأخرى النّظرات بنفس حالها الحالمي ولا تزال خاضعةً تحت تأثير سحر الفستان الأبيض، فهمس لها مظهرًا طابع الحسن خاصته: انت جميلة أوي!

فابتسمت بسعادةٍ ثمّ فجأة عادت لحالتها وواقعها وقد تلاشت ابتسامتها وصاحت فيه بغضبٍ مفاجئ: وانت مين انت ولا انت مالك؟ وازاي تيجي لحد هنا؟! ولا كنت ماشي ورايا! لا يا بابا أنا مش من البنات دي نهائي! مش عشان أنقذتني من عربية تخبطني هلاقيك ورايا في الرايحة والجاية! لا! انت ما تعرفش قلبتي وأحسن لك تفضل ما تعرفهاش...

فنظرت صابرين بينهما عاقدةً حاجبَيها بتفاجؤ من سرعة تحوّلها، ثمّ تساءلت: في إيه بس حبيبتي؟ انتو تعرفوا بعض ولا ايه؟!

فأسرعت بُشرى صائحةً قبل أن يهمّ ذاك الشّاب بأي كلمة: لا ما اعرفوش طبعا!

ثمّ سألتها: هو حضرتك تعرفيه ولا إيه؟

فأومأت موافقةً: أيوة طبعًا، أمال هي وكالة من غير بوّاب... ده ابن أختي حبيبي.

فنظرت بينهما بُشرى فشكّرتها ثمّ حملت الفستان واتّجهت إلى غرفة القياس أبدلت الفستان وتركت كلّ شيءٍ وغادرت المكان على وجه السّرعة، وقد عادت سريعًا إلى همومها...

بينما نظرت إليه متسائلةً بعد أن عانقته بترحابٍ حار: ممكن أفهم بأه يا سي مصطفى؟ أنا شايفة نظرات رايحة جاية وحسيت إن المكان اتملا قلوب وفراشات فجأة و...

تنهّد دون أن يجيبها فسكتت هُنيهةً ثم أكملت: تكونش هي؟ معقول هي؟!

فأومأ مصطفى متنهّدًا مرّةً أخرى: أيوة يا خالتو هي.

-بس هي ما تعرفكش إزاي؟

-مفيش ولا دكتورة تعرفني في المركز أصلا، السّكرتارية بس اللي يعرفوني ومنبه عليهم ما يجيبوش سيرتي، كلهم عارفين إن أخو الحاج هو صاحب المركز الجديد بداله.

-آه! يعني ما يعرفوش هيئتك ولا سنّك، ولا مدركين إنّك أخ مش شقيق للحاج الله يرحمه!

فأومأ مؤيّدًا كلامها، فسألته بغيظٍ: طب ما لها حق ما تعرفش مين الهايم بيها ورايح جاي يرسم صورها ويبعتها لها! وهتفضل كده لحد امتى يا أزكى أخواتك؟

-والله يا خالتو القصة دي ما كانت مقصودة ولا ف بالي! بس قلت هتابع المركز م الكاميرات الأول وبعد كده أبقى أظهر لهم بعد ما اعرفهم، خصوصًا وهم ما يعرفوش إني غيّرت نظام المراقبة كلّها، واللي حسبته لاقيته، في استعباط واستهبال في الشّغل، وراميين على بُشرى الشّغل كلّه، وهم اللي نكّدوا عليها بالشّكل ده، هتجنن بصراحة، بس عايز أوضبهم بطريقة بروفيشنال ما تبينش إن عيني من بُشرى.

-طب وايه بعد عينك منها! البنت يا روحي متدمرة نفسيًّا بسبب الوزن وحب الأكل وأكيد حواليها من المتنمّرين اللي بيسمّوا بدنها ليل ونهار.

- أنا اتشل فكري انهاردة بعد ما شفتها منهارة بالصورة دي، خايف عليها أوي يا خالتو، تفتكري ممكن تعمل في نفسها حاجة!

-تفاءل يا حبيبي، ربك عنده الخير كله.

-يا رب يا خالتو...

ثمّ تبادلا أطراف الحديث الودي، بينما عادت بُشرى إلى المنزل، وكانت في حالة سيئة، ودون أن تلتفت لأي شيءٍ حولها اتّجهت نحو حجرتها في صمت.

تفاجأ والدَيها من حالتها وقلقا عليها، فتسلّلت أمّها خلفها فوجدتها ساجدةً لربّها وقد امتلأت حجرتها بصوت شهقاتها المكتومة.

خرجت أمّها وبعدها ذهبت تفتح باب الشّقة وكانت ابنتها بسمة، أخت بُشرى الكبرى، وبمجرد دلوفها أسرعت تتساءل بهمس: إيه الأخبار عندك يا ماما؟ بُشرى عاملة إيه؟ عرفت حاجة؟

فأومأت أمّها: شكلها كده، بس الحمد لله نازل عليها بالصلاة، داخلة ساكتة ما كلمتش حد ولا أكلت حاجة، ولاقيتها بتصلي وهي مفلوقة م العياط، ربنا يهونها عليك يا بنتي، ياما نصحناها وقلنا لها ما تتعلقش بحبال دايبة ومفيش فايدة.

-طب هتعملوا إيه؟ هتروحوا الخطوبة ولا إيه!
أنا عادي هقعد معاها وروحي انت وبابا اعملوا الواجب، وكده كده سايبة الولاد لأحمد وهو متفهّم الظرف.

-مش عارفة يا بنتي أنا عمّالة أضرب أخماس في أسداس، مش عارفة أحضر الخطوبة أصلا ولا أخليني جنب بنتي! بس أرجع وأقول أنا أختها الوحيدة وما ينفعش أسيبها بطولها اليوم ده، وف نفس الوقت خايفة على بُشرى...

فقاطعها صوت بُشرى...

تتبع....

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top