البارت الثامن
ليظهر مجسمان لفتاتين تبدوا إحداهما في الخامسة و العشرين بشعر أسود حريري و عيون بنية، بينما الأخرى كانت تشبه زين لحد كبير فهي توأمه الأصغر، و كلتاهما ترتديان نفس الفستان البرتقالي الطويل و الذي تنتهي أطرافه بالأصفر الفاتح.
حاول زين أن يطير كي ينفذ بجلده، لكنه نسي أمر جناحه المصاب مما جعله يتأوه ألما عندما حاول أن يرفرف، و قد تجمد مكانه بعد أن أدركه كونه ميتا حرفيا، لكن ما صدمه أن كلتا الفتاتين انهالتا عليه بالعناق، لتقول توأمه و الدموع تتسابق على خديها كالشلال:
أيها الأحمق كيف تذهب هكذا دون أن تخبرنا.. لقد كاد قلبي ينفطر بعد غيابك الطويل...
أراد زين أن يصحح موقفه قائلا بمحاولة ألا يورط نفسه أكثر:
أنت تبالغين يا رين.. ما هي إلا بضعة أسابيع.. ثم إن الزعيم هو من اختارني من بين الجميع هنا.. و إنه لشرف لي أن يرسلني في مهمة سرية...
بمعنى أنه يثق به، فمعظم من في القرية يتسابقون لنيل رضى الظل الأسود و ثقته، على الرغم من أنها تعاملهم بسواسية و عدل، بينما تدخلت هذه المرة الفتاة الأخرى و هي تدفعه بخفة قائلة بصوت مرتفع طغى عليه البكاء و الغضب:
أصمت أيها الأحمق.. أتسمي خرق القوانين.. و كسر أوامر الزعيم مدعاة للفخر..؟ هو طلب إليك المراقبة فحسب لكنك دخلت في العديد من الإشتباكات...
وقفت ما إن لاحظت جناحه، بينما هو لم يجد كلمات يرد بها، فاكتفى بنطق اسمها بصوت متقطع فائلا:
م.. ميرا...
فهو بالفعل لم يتبع الأوامر كما يجب و قد أوقع نفسه في ورطة جديدة بالفعل، بينما كان الخمسة الجدد في الخلف بكتفون بمشاهدة هذه الدراما، و قد أبدت هيلين و ميان استمتاعهما بالمشهد، خاصة و أن ميرا و رين ما تزلان تؤنبان زين على طيشه.
لكن سرعان ما تدخل قائدهم روي، و الذي بدى عليه بعض الإنزعاج، ليقول و هو يضم بديه نحو صدره و يقف بتغطرس:
هلا تأخذنا إلى زعيمك الآن.. إذا ما انتهت هذه المهزلة بالطبع...
لكن نظرات رين و ميرا أخرسته، حين رفعتا رأسهما نحوه، شعر و كأن خناجر وهمية تنطلق نحوه لتغرس في وجهه، فتراجع ليستجمع رباطة جأشه، لتنهض ميرا، و تمر بجانب روي، و هي تتجاهله لكنها اتجهت نحو هيلين و كايت، لتسأل بعد أن رفعت أحد حاجبيها باستفسار قائلة:
لماذا تريدون رؤية الزعيم...؟
أجابت هيلين بمرح و نشاط قائلة :
في الحقيقة نحن نحتاجه بخصوص شيء ما.. و الآن هلا تعرفين عن نفسك...
بادلتها ميرا نفس الإبتسامة المرحة، لتردف بعد أن مدت يدها لتصافح هيلين قائلة:
أنا أدعى ميرا.. زوجة هذا الأخرق.. "تشير لزين بغيض" .. و هذه رين.. توأمه اللطيفة و الجميلة...
قالت جملتها الأخيرة بفخر، و هي تنظر باتجاه رين، في حين أن زين اعتدل بوقفته ليتحدث بنوع من الهمس و كأنه يخاطب نفسه، مع أن صوته كان مسموعا للموجودين، و قد كان كلامه عبارة عن تعليق على كلام زوجته:
و أين الجمال و اللطف في هاتين المتوحشتان...؟
ما إن التفت إليهما حتى وجدهما تحدقان به بشكل مرعب، ليطلق العنان لقدميه و هو يتعمق داخل القرية بينما فردت رين جناحيها، لتحيط دراعيها حول معدة ميرا، و تنطلق محلقة و هي تحملها، في اتجاه زين قبل أن تضيعاه منهما.
و قد كان الجميع في صدمة فقد اتضح أن زين هذا متزوج و له توأم بأجنحة سوداء على خلاف أجنحته، و الأهم أنه تركهم في مدخل القرية و غادر، ترأسهم روي ليسير أمامهم و هو يشق طريقه داخل القرية، تبعه جميعهم، و قد لفتوا الإنتباه بالفعل بسبب الرداء الذي يخفون به ملامحهم.
وصلوا إلى مكان مكتظ قليلا الناس، و ما أثار انتباههم هو غلبة الغرباء في هذه القرية و هم يستخدمون البريق دون خوف، إضافة إلى أنهم لم يلمحوا أيا من أولئك الحراس الهمجيين التابعين لمراكز العلاج.
توقف أمامهم فجأة فتى يبدوا في السابعة يرتدي ملابس أنيقة تليق بالنبلاء، أجل إنه كاي و قد كان يحمل مذكرة صغيرة في يده و قلم معلق بطرفها، ظل ينظر لهم واحدا تلو الآخر، ليميل برأسه في النهاية بنوع من الإستفسار، و حين لم يفهمه أي منهم، أخذ يدون على مذكرته بضع كلمات بخط جميل و منظم و قد كان محتوى ما دونه:
" لا يسمح للمتطفلين بالتجول في القرية.. إذن من تكونون...؟ "
عندما تأكد أنهم انتهوا من قراءة الملاحظة، أشاح بالمذكرة عنهم، ينتظر ردا من أحدهم، ليتحدث روي بالنيابة عن الجميع قائلا:
أيها الصغير.. أتستطيع أن تدلنا على مكان الظل الأسود...؟
أومأ كاي بهدوء، ليشير لهم كي يتبعوه، و قد انصاعوا له، بعد دقائق معدودة توقف كاي أمام منزل فخم ذو بوابة حديدية ضخمة، نقش على مقدمتها لقب "الظل الأسود" بلون ذهبي لافت، لم يأبه كاي لنظرات هؤلاء الخمسة المنبهرة، بل أكمل مسيره، ليدفع الباب الذي لم يكن مقفلا، ثم هم بالدخول دون استئذان.
استغربوا جميعهم من فعلته تلك، فيبدوا أنه أيضا أحد المقربين للظل الأسود كالمدعو سام، مادام لم يطرق الباب قبل اقتحامه للمنزل بتلك الطريقة، فتح كاي الباب على مصراعيه ليتيح لهم مجالا للدخول.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top