البارت التاسع
استغربوا جميعهم من فعلته تلك، فيبدوا أنه أيضا أحد المقربين للظل الأسود كالمدعو سام، مادام لم يطرق الباب قبل اقتحامه للمنزل بتلك الطريقة، فتح كاي الباب على مصراعيه ليتيح لهم مجالا للدخول.
ترددوا في البداية، لكن سرعان ما توغلوا للداخل، ما إن دخلوا غرفة المعيشة الواسعة و المترفة بالأثات و الزينة المنزلية الثمينة، حتى لمحوا سام و هو يحمل في يده كتابا يقرأ منه، رفع رأسه عن الكتاب فور أن شعر بدخولهم، ليحدق بهم بهدوء غريب، قبل أن يعدل نظارته و يتنهد بينما يقف من على الأريكة، ليقول بصوت شبه مرتفع مناديا من بالداخل:
سليستيا.. لديك ضيوف...
ظهرت معالم الإستغراب جلية على الحضور، فمن هي سليستيا..؟ تساءل جميعهم و كل احتفظ باستفساراته لنفسه، فالإجابة قادمة لا محالة، دقائق من الإنتظار بضيق صبر، لتدخل الغرفة فتاة في العشرين من العمر بشعر أبيض ثلجي و عيون رمادية تميل إلى الفضي، و لن ننسى الندبة التي تمر عبر منتصف عينها اليمنى.
كانت تدخل من مدخل الغرفة ذات النوافذ الكبيرة المفتوحة، و قد جعلت تلك الرياح تداعب خصلات شعرها و فستانها الأسود ذا النقوش الفضية، فور أن لمحوها وقفوا جميعا في ذهول، لتتقدم منها هيلين كعادتها بتهور قائلة ببهجة:
مرحبا.. لابد أنك سليستيا.. في الحقيقة...
قاطعتها سليستيا أو الملقبة بالظل الأسود، لتردف بنبرة هادئة تخلوا من أي تعابير قائلة و هي تتجه صوب أؤيكة كخملية من الجلد:
نادني بالزعيم.. أو الظل الأسود.. أو أيا يكن...
أنهت جملتها تزامنا مع جلوسها على الأريكة بفخامة، ليقف سام على جانبها الأيمن بينما كاي بالجانب الأيسر، و كأنهما حارسان لمن تقبع بالمنتصف، انتابتهم الحيرة كون الظل الأسود صاحب القوة المهيبة و الذي داع صيطه منذ عقود، ما هو إلا فتاة في بداية العشرينات، بل و تبدوا ملامحها مسالمة أكثر مما هي جدية.
لطالما أشيع عنها أسلوب الصرامة و الخبرة.. عديم الرحمة.. شخص غامض متوارن.. و البعض قال أنه ليس بشريا حتى، لكن من يدري ما قد يحدث في المستقبل، و ما يخفيه هذا الذي ينعت نفسه بالزعيم.
جلست بلامبالات، لتتكئ على يدها بملل، بينما رفع سام كتابه ليكمل قراءته، أما كاي فقد اكتفى بالتحديق في صمت، في حين أن شعورا من الغرابة انتاب هيلين، لتقوم بالتخاطر مع روي قائلة داخل عقله فجأة:
"أيها القائد.. أهذا هو الظل الأسود حقا...؟"
أجابها هو الآخر داخليا و لا زالت عيناه موصدتان على تلك الفتاة القابعة أمامه كأنها أميرة محاطة بفرسانها، قائلا بعد أن عقد حاجبيه بشك:
" لا أدري يا هيل.. لست واثقا من ذلك بعد... "
فجأة توسعت عيني سليستيا بخفة من تفاجئها، لترفع رأسها الذي كانت تلقي بثقله على دراعها، ثم ابتسمت، ابتسامة مريبة قبل أن تتحدث بنبرة ساخرة موجهة كلامها لقائدهم روي:
ليس هناك حاجة للقلق في وجودي.. حضرة القائد...
فور أن نطقت صدم روي من ردة فعلها، فيبدوا له أنه جعل وجهه معبرا عما يجول بخاطره أكثر مما يجب، و قد طغى عليه الإرتباك قبل أن يتدارك نفسه و يحاول التبرير قائلا:
ل.. ليس الأمر كذلك.. أنا.. أعني نحن...
قاطعه صوت ضحك سليستيا المتداخل، و هذا ليس بفعل يبدر من الزعيم بحد ذاته، و حالما انتهت، نهضت من الكرسي حتى دخل زين و كل من رين و ميرا تمسكانه بإحكام، بينما تجرانه و تدخلان دون استئذان، مع ذلك لم تحرك الزعيم ساكنة من مكانها، إنما اكتفت بإلقاء نظرة خاطفة نحو جناح زين المتضرر، قبل أن تبعثر شعرها الأبيض بخفة، ثم تردف بتنهيدة ميؤوسة:
ألا يمكنك أن تنجز مهمة واحدة دون خسائر فادحة...؟
حينما سمعها زين تغير لون وجهه للشاحب، و أشاح بوجهه عنها كي لا ينظر مباشرة إلى عينيها الرمادية، التي تحدق به بعدم رضى، هنا تدخلت رين قائلة باحترام لسليستيا:
يا زعيم.. هذا الأهوج قد خرق القوانين مجددا.. أرجوك عاقبه...
لتتدخل ميرا مؤيدة لها بعزم، بينما زين يدعوا في داخله أن يمر اليوم بسلام، بيد أن الأماني تبقى أحلاما تطوف داخل عقل الإنسان وحسب ما لم يلم بتحقيقها، في حين أظلم وجه سليستيا عندما خفضت رأسها قليلا لتغطي خصلات شعرها المتمردة بقية ملامحها، لكن سرعان ما تقدمت نحوه، لتقف أمامه مباشرة و زين يكاد يسقط من الخوف.
رفعت قبصتها بخفة لتهوي بها بقوة على رأس زين، مما جعله يسقط مباشرة معانقا الأرض، لينهض بصعوبة و يتربع مكانه و هو يفرك رأسه مكان الضربة بتألم شديد، لتردف هي بغضب مكبوت كما لو أن أما تعاتب ابنها الصغير الذي ارتكب ذنبا ما:
انضج يا ولد.. أصعب عليك لهذه الدرجة أن تتبع القواعب بدقة..؟ هذه المرة جناحك.. و المرة القادمة ربما حياتك.. أتحاول إصابتي بسكتة قلبية أم ماذا...؟
انبطحت بدورها لتتفقد جناحه غير آبهة للعيون المتربصة من حولها بين من هو مستغرب، و من هو مرتبك، و من هو خائف أجفل من فعلتها لضربها له.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top