إرشادٌ نافع

مساءٌ مرصعٌ بالنجوم، وغيومٌ بيضاء تتسلل بسلاسة وسط السماء، بينما القمر يوضح لونها القطني بعيدًا عن عتمة الليل المتفشية.

وفي جُنحِ الظلام جلستُ خارجًا أسمع حفيف الأوراق، وانسياب ماء البِرك، فالأمس كان ماطرًا بشدة، والغيوم لم تتوقف عن ذرف بقاياها.

أرى تحسنًا جليًّا وواضحًا في خواطركم، وحتى معلوماتكم، أنا واثقٌ من هذا، لذا سأخبركم اليوم عن صفات الخاطرة، وبعض النصائح، لكن دعوني أتمتع بصوتِ الرياح وخرير الماء للحظات قبل أن يُفسد صوتي البشع رقة هذه الموسيقا المتدفقة.

للخاطرةِ صفاتٌ عدة، من أهمها، أن تكون الخاطرةُ متوسطة الحجم، فالاعتدال هو الأجمل، والخاطرة القصيرة غالبًا تكون أشبه بالحكمة أو الاقتباس، وتحمل العديد من المعاني حيث تكثر فيها التورية وتتعدد فيها الاستعارات، فتكون بليغةً لكن جميلةً، أمّا الطويلة، ولطولها أحيانًا قد يشعرُ القارئ بالملل -هذا أنا- وكثيرًا ما يفشل العديد في كتابةِ خاطرةٍ طويلة؛ سببًا لعدم احتواء الخاطرة على مواضيع فرعية مع الفكرة الأساسية، فتغدو الفكرة وحيدة وبالتالي يغلب طابع التكرار على الخاطرة؛ وتقل الأساليب البلاغية، فيعجها الضجر والملل؛ وكما نقول فخير الأمور أوسطها.

والخاطرة المتوسطة كما قلنا هي الأفضل، وذلك لأنها تكون سلسلةً مرنة، وبها العديد من الأساليب البلاغية، وإن وجد تكرار فسيكون بسيطًا نادرًا.

أفهمتم؟ لا أريد رؤية خاطرة تتألف من ألفين كلمة، ومكتظة بتشبيهات متماثلة كتماثل تفكيركم وأسئلتكم!

كذلك فإنّ الخاطرة تروي مشاعرَ شخص تُجاه موقفٍ ما، لذا فهي لا تحتاجُ لإعداد مُسبق، هل فهمتم؟ أيّ عندما تكتب خاطرةً، قد تضع دفترًا أمامك تكون قد دونت فيه بعض الرموز والدلالات، وبعض المفردات التي أعجبتك وتُسهل عليك إضافة محسنات بديعية من سجع وجناس... إلى آخره، لكن في الحقيقة أنت لن تحتاج أبدًا لمسودة وتخطيط ما ما دامت لديك الفكرة، وكذلك المشاعر والأحاسيس تُجاه فكرتك تلك.

فالخاطرةُ النابعةُ من القلب هي من تؤثر بالآخرين وتجعلهم يخضعون لعواطفها، وتحرك أحاسيسهم. فدومًا اجعلوا خواطركم تعبّر عمّا في دواخلكم.

آه فقط، ما رأيكم بتمرين صغير؟ سأضرب بالعصا من لا يؤديه، فالعصا لمن عصى!

التمرين أن تكتبوا ما يختلج مشاعركم، لا أريد رؤية بلاغةٍ ولغة قوية، فقط أريد كتاباتٍ وليدةَ اللحظة تصف أحاسيسكم مهما كانت!

وحتى لا أكسر هدوء المكان همهمتُ بصوتٍ خفيض، فالهدوء مُقدسٌ عندي فلا تقربوه، عندما أنهي حديثي تكلموا، حينها فقط!

حسنًا لنتابع الدرس، جميعنا عندما نكتب نرى أنفسنا مميزين، تشعرون أنكم فريدون بمَ تكتبون، لكن الحقيقة هي أن العديد من الأفكار مُكررة ومملة؛ لأن غالبية الكُتاب يميلون للتقليد، لذا عندما تكتبون حاولُوا قدر الإمكان ابتكار شخصيتكم الخاصة، وتعمقوا في وصف شعوركم الخاص، ضعوا تشبيهاتٍ واستعاراتٍ جديدة، ولا داعٍ لتكرار مشهد الغروب الدموي، أو القمر المضيء في عتمة الليل، نحنُ نسمع ونقرأ هذا دائمًا، بُتُ أغلق الكتاب الذي أقرأه لو رأيت تلك الكلمات فيه! لأنها تقليد ممل ولا ابتكار فيها، قريبًا سأوافيكم بكتاب (عادات وتقاليد كتّاب الواتباد الحمقى).

بحقكم! تكرهون عادات وتقاليد المجتمع، بينما أنتم ابتكرتم عادات وتقاليد للكتابة!

لنذهب لنقطةٍ أخرى قبل أن أرتكب جريمةً تحت ستار الليل، كثيرٌ هم الذين أراهم يسألون عن مفردات يزينون بها خواطرهم، وحقيقة أن تزين خاطرتك بألفاظ منتقاة، جميلة وسهلة، هو أمرٌ جد مميز، بل والأفضل حتى!

لكن صبرًا لأخرج الورقة التي بها خاطرةٌ يتمنى أغلبكم لو يكتب مثلها لكنها في الواقع بشعة.

«أيا صردي الهميسع أوما عدت تدرك لون الجريال؟ أوخطك الشيب... وأعدمك الهنع؟ أم وجس أصاب عقلك في أليل الليال؟ أم أنه تقدم السنع...وبداية الصن، أنساك الوسن والحسن والعسن وأعمى بصيرتك عن سحر اللمال؟ لم أعهد قطة تهمز لصردها بالبريد... يا قومس الحب الشجاع الصنديد أي البرنساء أنت؟ أهذا من كنت أسميه برغيس البراغيس سيد الرجال! هل جمعت الحقائب وشددت الرحال؟ عازم على الرحيل! بعد أن ترشفت آخر قطرات الرحيق!»

بعد قراءتها للمرة المليون راودني شعورٌ أن الكاتب ابتكر بعض الكلمات فيها، أو ضغط على لوحة المفاتيح عشوائيًّا لينتج كلماتٍ من بدعه.

أعجبكم النص بالأعلى؟ وصلتكم أي مشاعر منه؟ لا إذًا لا أريد سماع جملة: «كتاباتي تفتقر للمفردات» مرةً أخرى!

نقطةٌ أخرى أودّ الحديث عنها، وهي ذاتها سببُ وجود شيبٍ في لحيتي!
عندما تقومون بالكتابة فحاولوا إبعاد الغموض عن النص، بمعنى عندما تختار موضوعًا عن روح الطفولة، فلمّح عدة مرات له، بدءًا من عنوان ينتمي للخاطرة ويعبر عن محتواها، ثم وضح أنك تتكلم عن روح الطفولة، لا تجعل خاطرتك مُبهمة المعنى لا يُفهم منها هدف!

من أكثرِ الأشياء التي تعتبر من عاداتكم وتقاليدكم التي لا أتحملها -عدا عند المفضل عندي منكم وأعزائي- هي أنكم لا تقومون بتنقيح كتاباتكم، فتكون مليئةً بالأخطاء ومنفّرةً بشدة، بماذا قصّرت كُتب فرسان اللغة معكم؟ سأخبرهم ليقوموا بتجاهلكم.

تحدثنا عن إضافة بعض الرموز التي تقوي من معنى الخاطرة، فوجودها يكون ملتحمًا مع النص، ويدعمه، لكن لا أقول لك أن تضع رمزًا غير متناسق مع السياق، وإنّما يكون متلاحمًا معه، وهذا دليلٌ على مهارة الكتاب، أمّا الخلل فيكون بصب مجموعة من الرموز داخل النص تُعطي دلالةً معينة، لكن لا تُفهم.
لمَ تفعلون هذا يا أعزائي الصغار؟! بالطبع أنتم صغار! فلا أحد منكم وصل لسن التسعين بعد ورأى أحفاد أحفاده، ألّا وهم أنتم وخاب أمله فيهم مثلي!

نعود لحديثنا الأساسي، كي نفهم النص يجب أن نعرف الرمز والدلالة، إن كان الرمز صعب الفهم ويبعد القارئ عن السياق فيمكن تبسيطه عبر حذف الرمز وإسقاط الدالة بمكانه، وهنا سوف يكون المعنى غاية في الوضوح، ويمكن إضافة تورية أو أي محسنات بديعية تحل محل الرمز.

وفي الختام قد انتصف الليل فعلًا، لذا يجب عليّ الذهاب لفراشي، أأذهب أم أكمل تأملي للنجوم؟! أشعرُ كأنكم لم تفهموا السابق، وهذا الشعور يدعوني لأترككم بدون إكمال. اسألوا أسئلتكم ليجيبكم أحد صغاري النقاد في وقت لاحق وإن خيّب ظنكم بإجابته فأخبروني!

صبرًا! لقد اكتشفتُ أنني انتهيتُ فعلًا، ظلت نقطةٌ واحدة! لكنّي سأخبركم بها في يومٍ آخر مع ألحان الموسيقا.

دمتم بودّ أحفادي 🖤، تمنوا لجدكم ليلةً هانئة.

الفصل من كتابة العضو جود.
المصادر: بحث جامعي حول الخاطرة.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top