هلاوس
كلما تبسمت لي الحياة قليلًا، لا تنتظر طويلُا حتى تصفعني، وكلما حاولت الوصول إلى القمة دفعتني، أصبحت على يقين أنِّي لا يجدر بي العيش، ذاك القلب النقي يود الموت، وهذا العقل المسكين أوشك على الجنون.
__________________________________
أمسكت حوراء هاتفها، وبدأت بقراءة إحدى الروايات حتى وجدت تنبيه مِن تطبيق الواتس، فإذا برقم غير مسجل أرسل لها:
مرحبًا حوراء، أنا ياسمينا، وهذا رقمي.
فردت عليها حوراء:
أهلًا ياسمينا، لقد سجلت الرقم.
شعرت حوراء بالكسل، ولم تسجل رقم ياسمينا، تعلم أنها كاذبة، وتتمنى أن تتخلص مِن هذه العادة الغريبة التي اعتادت على فعلها.
ثواني وجائتها رسالة مِن ياسمينا:
علمت أنكِ بدأتي العمل اليوم، هل كان يومكِ جيدًا؟
فأجابت حوراء:
كان اليوم لطيفًا، أحببت التفاعل مع الأطفال.
فرَّدت ياسمينا بسرعة:
أنا أحسدكِ، وأشعر بالغيرة؛ لأنكِ تخرجتي، ما زال أمامي الكثير في تلك الكلية اللعينة، كلما تذكرت أنِّي أردت دخولها وددت أن أضرب نفسي، أتمنى أن أتخرج منها بسرعة.
فسألتها حوراء:
في أي كلية أنتِ؟
فأجابتها:
كلية الطب البشري.
فسألتها حوراء مجددًا:
في أي قسم تنوين التخصص؟
فردت عليها:
أنوي التخصص في الطب النفسي، أحب سماع مشاكل الآخرين وإيجاد الحلول، كما أنني قرأت العديد مِن الكتب، وبحثت عن الأمراض النفسية، وأحببت هذه المهنة.
ظلا كلتاهما يتحدثان في عدة أمور كالروايات، والألوان والطعام المفضل لوقت طويل دون ملل، ولأول مرة تسعد حوراء بالتعرف على شخص بالغ جديد، فأغلقت هاتفها بعدما أخبرت ياسمينا انها ستذهب إلى النوم؛ لأنها ستتيقظ باكرًا.
تركت حوراء هاتفها أسفل وسادتها بعدما قامت بضبط المنبه على الساعة السادسة صباحًا، ثمَّ غفت بسرعة والسعادة تملىء كل ذرة في جسدها.
وفجأة وجدت نفسها في مكان مظلم حالك السواد، الديجور يحيط بها مِن كل اتجاه، ظلت تتطلع حولها حتى وجدت ثعبان يزحف على الأرض يقترب منها، فبدأت بالركض بعيدًا دون أن تدري إلى أين تتجه.
ظلت تركض و تركض حتى كادت أنفاسها أن تنقطع، فوضعت يدها على قلبها تستشعر ضرباته السريعة كأنه طبول الحرب، وبينما هي تقف محاولة أن تستريح مِن عناء الركض، فإذا بها تشعر بالإختناق الشديد، شيء ما يلتف حول عنقها كالحبال، ولكن ملمسه أنعم!
وقد كان الثعبان هو مَن يلتف حول عنقها بشدَّة، سقطت حوراء أرضًا، تكاد أن تفقد وعيها، ثمَّ استيقظت فجأة على ظلام شديد، وشخص فوقها! يداه تلتف حول عنقها، وتحيط به بشدة، ويضغط بأنامله بقوة على عنقها.
شعرت حوراء بالخوف والهلع الشديد، دائمًا ما أرادت الموت سابقًا، ولكنه الآن حينما اقترب منها شعرت بالخوف والقلق، رغبة شديدة في البكاء تجتاحها، وهذه عينيها تذرف الدموع بشدَّة.
حاولت حوراء أن تتخلص مِن ذاك الشخص، ولكن لم تستطع، شعرت بعجز وضعف غريب، على الرغم مِن أنَّ حجمها أضعاف حجمه، ولكنها عجزت على أن تحركه ولو قليلًا، فرفعت قدمها بصعوبة، وضربته في بطنه، فإذا به يبتعد قليلًا.
أخرجت حوراء هاتفها مِن أسفل الوسادة، ثمَّ وجدت ذاك الشخص يقترب منها مجددًا، فأمسكت بالمزهرية القريبة منها وألقتها عليه، ولكنه تجنبها، لتسقط المزهرية أرضًا وتنكسر.
حاولت حوراء الركض إلى الباب، وحينما اقتربت منه، أمسكها ذلك الشخص، فبدأت تبتعد عن الباب قليلًا، فقامت بالضغط على مفتاح المصابيح القريبة مٍن الباب، ولكنَّ الأنوار لم تشتعل!
شعرت بالخوف أكثر، فقامت بإضاءة هاتفها، ولكن ذلك الشخص ضربها في يدها ليسقط الهاتف منها أرضًا، وظلَّ يجذبها نحوه محاولًا أن يبعدها عن الباب حتى فقط السيطرة عليها، فإذا بها تسقط بجسدها كله فوق جسده.
وحينما تلامست أجسادهم تبينت أن ذلك الشخص أنثى، وليس ذكرًا كما أعتقدت، فحاولت الوقوف بسرعة، وبدأت تركض مجددًا، ولكن دخل الزجاج في قدمها، ليخرج منها الدماء.
بدأت حوراء بالصراخ الشديد بصوت عالٍ، وصاحب صراختها صوت بكاؤها، حاولت أن تركض، ولكن قدمها المجروحة والمرتعشة لم تساعدها، تكاد أن تسقط، ولكنها تحاول أن تتماسك.
كانت تسير ببطىء بعض الشيء مِن الخوف، فإذا بتلك الغريبة التي تود قتلها تمسكها من قدمها، وأوقعتها أرضًا، ثمَّ أمسكت الوسادة ووضعتها فوق وجهها محاولةً أن تكتم أنفاسها، حاولت حوراء أن تدفعها، ولكنها لم تستطع، فإذا بها تشعر بأن كل شيء يدور حولها.
وقبل أن تتوقف أنفاسها إلى الأبد، سمعت دقات قوية على الباب، فإذا بذلك الشخص يبتعد عنها بسرعة، وينطلق حيث لا تدري.
أرادت حوراء الوقوف، وفتح الباب، ولكنها لم تستطع أن تحمل جسدها، فظلت جالسة على الأرض لعدة دقائق حتى وصل الهواء إليها جيدًا، وبدأت تستعيد وعيها رويدًا رويدًا.
وقفت حوراء، وذهبت نحو الباب، لتجد ياسمينا ووالدتها مَن تقف أمامها، وحينما تطلعت ياسمينا إلى شعرها المبعثر، وعيتيها التي ملئتها الدموع، وخديها المحمران المبتلان مِن أثر البكاء، صُعقت مٍن مظهرها، فأخذتها في عناقها، وأخذت تربط عليها، والاستغراب والصدمة هو ما يعلوا وجهها الفاتن.
ثواني حتى وجدت ياسمينا الأنوار تشتعل، وإذا بالظلام يندثر، وصوت حور القلق يظهر وهي تنادي حوراء:
حوراء، أين أنتِ، مَن هنا؟
وأخذت تتسائل عدة مرات: مَن هنا حتى وجدت حوراء تقف أمام الباب، وحينما اقتربت أكثر وجدتها مُلقاة في عناق ياسمينا، فألقت السكينة التي في يدها، واقتربت منها بسرعة، ولكن انتفض جسد حوراء بشدة، وابتعدت عنها، وبدأت بالصراخ، فاقتربت منها ياسمينا مجددًا وعانقتها، وأخذت تتسائل:
ماذا حدث؟
فأجابت حور بقلق شديد:
كنت نائمة حتى استمعت إلى صرخات حوراء، فخبأت ابنتي لين، ثمَّ ذهبت بسرعة إلى المطبخ بحثًا عن سكين، لست أدري ماذا حدث.
ظلت ياسمينا تربط على كتف حوراء التي تبكي حتى بدأت بالصراخ مجددًا حينما اقتربت منها حور وقالت:
ابتعدي عني، لقد حاولتي قتلي.
فسألتها ياسمينا وقالت لها:
ماذا حدث لتقولين هذا!
مسحت حوراء دموعها، وقالت:
كنت نائمة حتى شعرت بمن يلف يده حول عنقي ويحاول قتلي، حاولت إضاءة النور، ولكن لم تضيء، هي الوحيدة من بالمنزل، كما أنها تغيرت كثيرًا، هي ليست حور، ليست أختي، إنها مجرد شبيهة لها.
تنهدت حور بضيق، ثمَّ تنفست بعمق وقالت:
كيف عجزتي عن إضاءة المصابيح؟لقد أضئتها منذ قليل!
دخلوا جميعًا إلى الغرفة، وظلت ياسمينا تتطلع إلى الغرفة، فانتبهت إلى السرير المبعثر، والهاتف الملقى على الأرض، وشظايا المزهرية المتناثرة بشكل عشوائي على الأرض، وقطرات الدماء وقالت:
لِمَ تقولين أن حور السبب؟
فرَّدت عليها حور قائلة:
إنَّ حالة أختي النفسية غير متزنة، رجاءً لا تأخذي حديثها بجدية، ربما كان هذا كابوسًا ليس أكثر، هي فقط تحتاج أن تهدأ قليلًا وتفكر، أنا أثق أنها ستتغلب على محنتها.
شعرت حوراء أنَّ الجميع ضدها، وأنَّ لن يصدقها أحد، فقالت بصوت هادىء:
اخرجوا جميعًا مِن غرفتي.
لم يتحرك منهم أحد حتى صرخت عليهم وقالت:
أخبرتكم أن تخرجوا، هل تحتاجون لتوضيح؟!
وقبل أن تخرج ياسمينا تحدثت بصوت دافىء:
إن احتاجتي إلى الحديث مع شخص ما، فأنا دائمًا موجودة.
جلست حور على الأريكة في الصالة، ووضعت يدها حول رأسها وقالت وهي تبكي:
إنها ليست بخير، الأمر يزداد سوءًا، في البداية تتحدث مع دميتها، ومنذ عدة أيام تحادث نفسها، ولا أدري أكانت بوعيها أم لا، والآن أصبحت أنا أود قتلها! ليتني لم أتزوج، وبقيت بجوارها.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top