(18)

بقلم :نهال عبد الواحد

عادا إلى المنزل بيدين متشابكتين ولازال وليد مدندنًا فوجدا هالة تقابلهما بوجهٍ مختلف يشوبه الغضب والقلق.

هتف وليد بقلق: في إيه يا ماما! إحنا كنا ف مشوار.

فلم ترد بل التفتت بعينيها فتابعها هو وشفق بعينيهما لحيث تنظر هالة حتى توقفوا جميعًا عند نفس المشهد.

صاح وليد باستياء: إنتِ!

كانت تجلس امرأة جميلة قمحية البشرة تعبث بشعرها الطويل المموج وبه بعض الخصل الملونة ووجها تكثر به مساحيق التجميل.

كانت هيئتها عمومًا مبتذلة خاصةً هذه الثياب الملتصقة بها، جلست تنفخ في دخان سيجارتها وما أن رأته حتى وقفت تنظر إليه وإلى شفق ولتلك الأيدي المتشابكة، فتحدثت: إيه يا وليد أنا مستنياك من بدري!

صاح وليد بحدة: خير يا مدام سها!

- ممكن كلمتين على إنفراد.

قالتها وهي تنظر ناحية شفق تتفحصها أما عن شفق فقد علمت من تكون، لكنها شعرت بوليد وبدقات قلبه المتضاربة تلك فلا تعلم إن كانت من أثر المفاجأة أم ماذا؟!

في تلك الأثناء نزلت شفق الطفلة مسرعة من غرفتها لتستقبل وليد وشفق وصاحت بسعادة: بابي! مامي!

فالتفت نحوها الجميع وانحنت شفق نحوها تحتضنها وتقبلها وفعل مثلها وليد لكن الجو كان مشبعًا بالتوتر والقلق.

نظرت الطفلة بينهما بعدم فهم ثم قالت: ينفع كده تسبيني وتمشي يا مامي!
فالتفت نحوها بوليد بفجأة فوجدها تنظر لشفق فتنفس بعمق وراحة.

أجابت شفق: معلش يا قلبي كنت ف مشوار مع بابي.

- كنت بحسبكم بتتفسحوا من غيري.

- يا خبر! هو ينفع نتفسح من غيرك برضو! تعالي يلا قوليلي عملتي إيه.

قالتها شفق ثم جذبتها وصعدتا معًا بينما دخل وليد لغرفة المكتب وتبعته سها بمشيتها المتغنجة بينما جلست هالة مكانها في ترقبٍ وقلق.

وداخل غرفة المكتب.
صاح وليد بجمود: خير!

فاقتربت سها ولفت بذراعيها حول رقبته وقالت بدلال: بأه دي مقابلتك لي يا ديدو بعد الغيبة دي كلها!

فنزع يديها بقوة وقال بجدية: من فضلك! ياريت تنجزي.

- مش كفاية روحت واتجوزت عليّ!

- إيه! اتجوزت على مين؟! إنتِ مصدقة نفسك! إنتِ طليقتي ومن سنين! ياترى إيه اللي فكرك بينا؟!

- مالك بأه دمك تقيل كده ليه؟

- ياريت تقولي عايزة إيه!

- إده! شكلك لسه زعلان مني!

صاح وليد بتأفف: اللهم طولك يا روح! على أساس إنك دوستِ على صباعي وإنتِ معدية! إنتِ نسيتِ عمايلك ولا إيه؟ نسيتِ عملتِ فيّ إيه! ف أمي! ف بنتك اللي استهتارك كان سبب مرضها! وختمتيها بخيانة! إحمدي ربنا إنك لسه عايشة وما سيحتش دمك وما كنتش هاخد فيكِ ساعة واحدة سجن.

فقالت وهي تحاول الإقتراب بدلال: ده إنت قلبك إسود أوي!

صاح وليد رافعًا يده محذرًا: إيدك من فضلك! وياريت تقولي جاية ليه م الآخر! وإيه شُنطك اللي جيباها معاكِ دي! وياريت بسرعة عشان صبري له حدود.

- بصراحة حصلتلي مشاكل كتير واضطريت أبيع الشقة والعربية وكل حاجتي وبآيت لوحدي وزي ماانت عارف مامي عايشة برة ولسه ماردتش عليّ.

- يعني عايزة إيه!

- أفضل هنا لحد ما ترد عليّ وتبعتلي، أنا ماليش حد تاني وكل صحابي ومعارفي اتخلوا عني، وبعدين هو مش من حقي أشوف بنتي!

- تشوفي مين؟ بنتك!  بنتك اللي كتبتِ على نفسك تنازل عنها مقابل شوية ملاليم! بنتك اللي أذتيها وكان الود ودك ماتشوفش الدنيا لأن سيادتك مش عايزة دور الأم اللي هيعطل معاليكِ عن خروجاتك وسهرك و صحابك! ده إنتِ حتى لما جت أدامك دلوقتي عينك ما اطرفتش ناحيتها! أمومة إيه بأه!

- يعني هتحرمني منها!

- قانونًا أقدر لكن إنسانيًا هسمحلك تشوفيها لكن مش لوحدك طبعًا، أنا أخاف على بنتي من أمثالك، غلطة عمري إني خليت أمها واحدة زيك، بس الحمد لله ربنا عوضني وعوضها بالخير كله.

- بس ذوقك بأه ف النازل أوي، بأه بعد ما تتجوزني أنا وتعيش معايا أنا تروح وتتجوز دي!

- إياك تنطقي إسمها على لسانك! واسمعي!  إنتِ هنا مجرد ضيفة، يعني مالكيش لا دور ولا كلمة ولا أي حاجة، وإياكِ تحاولي تتعرضي لماما ولا للشفق ولا لشفق بنتي، أظن الكلام مفهوم!

فضحكت باستفزاز وقالت: إده! ده إنتوا واخدين توكيل الإسم بأه! تلاقي مامتك اختارتهالك مخصوص عشان إسمها على اسم المرحومة بنتها، بأه وليد عوني يتجوز دي!

- قُلت إنك ضيفة والضيف لا بيقول ولا بيعيد ولا له رأي أصلًا، تقدري تروحي الأوضة اللي جنب السلم عشان تقعدي فيها.

فذهبت على مضض وحملت حقائبه، مرت من أمام هالة نظرت إليها ثم صعدت وتابعتها هالة بنظرها في غضبٍ شديد حتى خرج إليها وليد.

فصاحت هالة: إنت إزاي تسيب الحية دي هنا؟!

- عندها مشكلة ومحتاجة مساعدتي.

- يا حنين!  إنت إيه! نسيت عمايلها بالبساطة دي!

- أنا قُلت هتقعد ضيفة ما قولتش هردها.

- وانت بأه خال عليك الحركات دي! ما تحطش البنزين جنب النار!

- من فضلك يا ماما ما تكبريش الفكرة ف دماغي!

- والله! شكلك مش هتجيبها البر، بس أحب أقولك إنك لو ضيعت مراتك منك عمرك ما هتلاقي ضفرها.

- أنا مش فاهم إيه لازمة الكلام ده! عل إذنك أنا طالع أغير هدومي، خليهم يجهزوا الغدا.

انصرف وليد وترك أمه في همها وقلقها.

أما سها عقب دخول غرفتها وقفت أمام المرآة تتطلع إلى نفسها وهيئتها ثم ابتسمت وتحدثت بسخرية: بأه دي اللي روحت تتجوزها يا وليد!
ضحكت بسخرية وأكملت بتعالي: دي ولا حاجة جنبي، والله لفكرك بكل ليلة معايا وأخليك تلف حوالين نفسك وتتمنى ترجع ولو للحظة معايا! وساعتها بأه هوريك...
ثم ضحكت مجددًا وتابعت: والله ما هاتاخدوا ف إيدي غلوتين خصوصًا أم خيمة اللي جايبها دي!
وأكملت ضحكها...

دخل وليد غرفته فوجد شفق جالسة على حافة السرير شاردة ولم تبدل ملابسها بعد.

تنهد وليد قائلًا: إيه القاعدة دي!

استعادت شرودها قائلة: هه! لا عادي، كانت عايزة إيه طليقتك؟

- لا أبدًا، عندها شوية ظروف فهتقعد هنا لحد ما ربنا يفرجها.

- ولو ما فرجهاش!

فصاح بغضب: هو إنتوا إيه حكايتكم إنهاردة معايا!

- طب الحمد لله مش لوحدي يعني.

- باقولك ايه! أنا ما بحبش الطريقة دي والسكة دي ما بتمشيش معايا وعمر دراعي ما بيتلوي، تمام! حصليني بأه عشان الغدا.

فبدل ملابسه وانصرف ثم بدأت في البكاء، تصادف نزول وليد نزول سها في نفس الوقت بهيئة أكثر ابتذالًا، فهبطا معًا يحكيان وبدأ صوت ضحكاتهما يعلو.

ذهبت هالة إلى شفق في غرفتها فوجدت آثار البكاء في عينيها، زفرت هالة قائلة:حلو أوي ده! قاعدة بتعيطي حضرتك!

- مش قادرة ياماما! من ساعة ما شوفتها وأنا بتحرق من جوة، وكمان وافق تقعد هنا!

- بأه بتتحرقي لما شوفتيها وبس! أمال لو شوفتيهم دلوقتي و هم منسجمين مع بعض وهاتك يا ضحك ولا لبسها اللي مش لبساه!  كنتِ عملتِ إيه! ولعتي ف نفسك بأه!  إنتِ شايفة إن الحل إنك تغضبي وتعيطي وتنكدي على نفسك وتفضلي قاعدة هنا!

- أمال أعمل إيه يعني!

- يا خايبة! إنتِ كده بتقدمهولها على طبق من دهب، دي حية وهتفضل تتدحلب لحد ما تنول غرضها ووليد عنيد وممكن يتصرف أي تصرف غبي عشان يعند وبس.

- إنتِ كده بتخوفيني أكتر، بس بس وليد بيحبني.

- فعلًا وليد بيحبك، وبيحبك أوي كمان، عمري ما شوفت إبني ف حالته دي أبدًا ولا حتى أيام ما كان متجوزها، بس ما ينفعش تبعدي كده لازم تفضلي ف النص بينهم عشان ما ينساش وجودك مش تقفلي على نفسك وهاتك ياعياط! عمره ما هيجي بالضغط وهيعمل العكس عندًا فيكِ لو حس إنك بتقيديه ولا بتلوي دراعه، لازم تبقي واثقة ف نفسك، ده مفيش أي وجه مقارنة بينكم ده إنتِ تمسحيها مسح.

- يعني وليد ممكن ينسي كل حبنا ده ويرجعلها من تاني؟!

- ظهورها ده بصرف النظر وراه إيه أكيد صحّا ف وليد ذكريات معينة ممكن كان نساها فعلًا، ماهو برضو أكيد كان في حياتهم أوقات سعيدة! وهو ده اللي هتلعب عليه وما ينفعش تسبيها تلعب لوحدها لازم تفضلي معاه عشان ما يعرفش يحن تاني، ونصيحة من أم مفيش واحدة تآمن لراجل مية ف المية أبدًا، بس لازم تعرفي تلعبيها صح وإنتِ كده كده ف قلبه وقلبي وقلب بنته يعني تكسبي، فكري بعقلك وهدي الغيرة شوية عشان مش وقتها، هحاول أعطل الغدا واتمنى ألاقيكِ معانا.

قبلتها وتركتها.
ظلت شفق في حيرة وتردد هل يمكن لوليد العودة لطليقته مرة أخرى؟! هل كان حبه لها أقوى من كل المشاكل التي حدثت فسيحن ويعود إليها؟! أم أن حبه لها هو الأقوى والأعمق وسيلجم وليد؟
تكاثرت الأفكار ولازالت تفكر في ماذا  تفعل!

NoonaAbdElWahed

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top