XXVI
"من لا يرافقك في رحلتك، لن تحتاجه عند بلوغ وجهتك"
تفاعلوا والا هجيلكم في كوابيسكم 😈
🌟 🌟 🌟
خرجت من غرفتها بعد أن تجهزت، فستانها يلامس الأرض، يعانق خصرها ويبدأ في الإتساع -دون مبالغة- حتى نهايته.
المنزل لم يكن كبيرًا، بل يكاد يكون متواضع الحجم كغيره من بيوت هذه المملكة الصغيرة، يتكون من خمس غرف متفاوتة الأحجام، وحجرة جلوس وأخرى لطعام متصلة بالمطبخ.
بلغت حجرة الجلوس فوجدت زوجها يلاعب طفلته، وأصوات ضحكاتهما كانت أجمل موسيقى تستمع إليها طوال سنواتها الاثنين والعشرين التي عاشت معظمها في كآبة لا مثيل لها.
لاحظت والدة زوجها وجودها لتراقب ابتسامتها الشاردة التي توجهها إلى آكين وطفلته، دون أن تبدي اهتمامها بانضمام زوجة ابنها الوحيد.
انضمت توتيل إليهم لتعلن أخيرًا عن حضور أريناس، رفع آكين نظراته السعيدة نحو زوجته التي همست بتحية الصباح و قد ابتسمت باحراج، وهي تُجر من قِبل شقيقته لتجلسها بجانبه فأحاط كتفيها بذراعه اليسرى.
ابتسمت توتيل برضى وهي تجلس بجانب والدتها على الأريكة الأخرى. التقت نظرات آكين المعجبة بخاصة زوجته الخَجِلة، ثم أمال رأسه ليطبع قبلة على جبينها فزاد حياءها لتتسع ابتسامته عندما تحاشت النظر إلى من حولها وكست ملامحها حمرة خفيفة.
تركت تينيرت حضن والدها منتقلة إلى عناق والدتها مسندة رأسها على كتفها وقد أحاطت عُنقها بذراعيها الصغيرتين فبادلتها أريناس العناق بابتسامة مبتهجة دون أن تظهر أسنانها.
نهض آكين واضعًا ابنته بجانب عمتها، ثم قال: سأكون برفقة رينا طوال اليوم، أيمكنك الاعتناء بـتينيرت، يا توتيل؟
اعترضت تينيرت بعبوس باكي: أريد الذهاب معكما.
ركع على ركبتيه أمامه، ثم أمسك بيديها الصغيرتين قائلًا بحنان: أعدكِ أنني سأخذك معي غدًا.
حملتها توتيل فأجلستها على ركبتيها؛ لتواجه ملامحها الحزينة وعينيها المليئة بالدموع، ثم عاتبتها بمزاح لطيف: ألا تريدين قضاء بعض الوقت معي؟ أعدكِ سنستمتع كثيرًا، وسنفعل كل ما نريده دون تدخل من أحد.
- هل نذهب إلى ساحة الألعاب؟
- أي مكان تريد الأميرة زيارته سنذهب إليه.
معرفة أريناس بذهاب ابنتها إلى تجمعات الأطفال وذويهم تسعدها كثيرًا لولا إدراكها أن تقبلهم لوجود هذه الطفلة بينهم ليس أفضل من وجودها هي، إلا أنها تتحمل كل تصرفاتهم الجارحة تجاهها من أجل البقاء مع حب حياتها والعائلة الوحيدة التي حصلت عليها بعدما مات والديها وتركاها عند تلك العائلة التي عاملتها كخادمة أو أسوأ.
قام آكين بسحب أريناس دون أن يترك لها متسع لتّفكير الزائد، والغرق في ماضيها الحزين، ودّعا العائلة ثم خرجا وقد أحاط كتفيها بذراعه؛ ليقربها إليه.
~٠~*~٠~
معركة كارمن وألڤين ضد هيلا لم تكن عادلة على الإطلاق، وكلاهما يعلمان أن بقائهما على قيد الحياة حتى الآن ليس إلا لرغبتها في المماطلة لسبب غير واضح لهما.
كان جسديهما مضرجان بالدماء، ورغم إصابتهما البليغة إلا أنهما لم يستسلما، واستمرا بالدفاع عن نفسيهما دون أن يُترك لهما أي مجال لرد الهجوم.
ظهر الملل على ملامح الهايدرا لتتأفف هيلا قائلة: يبدو أنه لا أحد من أصدقاؤكما سيتدخل.
تدخلت إيلا -ذات المقلتين العشبيتين- قائلة بضجر: فلننهي هذه المهزلة، هيلا.
أعطت جملتها الإذن لرفيقتهما فرفعت يدها اليسرى لتظهر منها خيوط زرقاء أحاطت بـكارمن ورفعتها عن الأرض فمنعتها من الحركة.
حاول ألڤين مساعدتها ولكن كرة ملتهبة أصابت جانب جذعه الأيمن فسقط أرضًا يشهق بقوة طلبًا للهواء، صراخ كارمن باسمه ملأ الأجواء، وقد حاولت الإفلات من تلك الخيوط التي تسحب قواها لتفقد القدرة على الحركة تمامًا.
عندما رمت هيلّا كرة أخرى نحو ألڤين، اعترض طريقها جسد ديانا لتتلقى الضربة بدلًا عنه ومما سبب صدمة للجميع أنها لم تتأثر كما حدث مع ألڤين الواقع أرضًا خلفها.
- لن أسمح لكِ بقتلك المزيد ممن أحب.
ضحكت هيلّا بسخرية على حديث ابنتها فردّت: لم تعرفِ هذا الفتى إلا منذ فترة وجيزة!
- إنه فرد من عائلتي، وعلى عكسك، أنا أقدس العائلة ولا أقتل أفرادها.
هرع ويليام ليقف أمام ديانا ومعه منيرفا وأوين أما لوكاس فقد توجه نحو كارمن بعد أن وقعت أرضًا فاقدة الوعي، وآيزاك ساعد أحد الرجال لنقل ألڤين، وقد انضم إليهم مجموعة من السحرة ومصاصي الدماء وهم على أهبة الإستعداد للهجوم.
رسمت هيلّا على شفتيها ابتسامة شيطانية ثم خاطبت ويليام بسخرية: أتظن أنكَ قادر على الوقوف في وجهي، ويلي؟
ضحك بسخرية على اللقب الذي ما زالت تناديه به حتى بعد مرور كل هذه السنوات، ثم قال ببرود: لم أعد أراكِ كصديقة لذلك قتلك سيكون يسيرًا علي.
تمسكت ديانا بذراعه ثم سارت لتقف أمامه قائلة: لا يجب أن ينتهي هذا الأمر بموت أحد، دعينا نجد حلًّ دون قتال.
ضحكت إيلا فتقدمت بضع خطوات، ثم تحدثت بسخرية: لم أخطئ عندما قلت أنكِ النسخة الأنثوية من والتر.
اجتاح قلب ديانا ألم عظيم؛ عند ذكر والدها، تقدم ويليام ليمسك بيدها، فنظرت إليه بعينين دامعتين.
- أرغب في قول أنني مشتاقٌ لكما ولكنني لستُ كذلك.
نال الوافد الجديد انتباه الجميع حين خاطب هيلّا ووالدتها إيلا بنبرة هادئة لا تخلو من السخرية.
وقف ريلاين -أمير مملكة اللارميين- برفقة بعضًا من رجاله، وقد رأتهم ديانا عندما قابلها أمام بوابة مملكة البنيفما.
أوقفت إيلا ابنتها بامساكها لذراعها اليمنى عندما رغبت الأخيرة في التقدم نحوه بنية الهجوم.
حاولت هيلا السيطرة على أعصابها التي أثارها تدخل شقيقها، أشاحت نظرها عنه ونقلته إلى ديانا فقالت بثقة وعزم: قريبًا جدًا ستصبحين بجانبي.
لم تجد ديانا الوقف لرّد على كلماتها، فسرعان ما اختفت هي ورفيقتيها. نظرت إلى ريلاين بعينين دامعتين فخاطبها بهدوء: والدي يطلب مجيئكِ، سأتي لأخذكما غدًا.
أومأ ويليام محيطًا كتفيها بذراعه، وقد شعر بألمها وحزنها الشديدين.
~٠~*~٠~
رغم كون مملكة توتيل هادئة للغاية، إلا أن السوق فيها يعج بالضوضاء طيلة النهار، ولطالما أحبت أريناس القدوم إلى هنا برفقة آكين ووالده، ولكنها صارت تتجنب الاختلاط بأهل المملكة فلم يعد أحد يتظاهر بتقبّل وجودها بعد رحيل الملك أغيلاس.
أحاط آكين خصر زوجته بتملّك طوال الطريق دون أن يخبرها عن وجهتهما، ودون أن تفارق الابتسامة وجهها، وقلبها يرفرف كعصفور داخل قفصها الصدري، كعادته عندما يكون آكين قريبًا منها أو حتى بمجرد ذكر اسمه.
توقف آكين عند أحد المَحال التي تبيع البذور بمختلف الأنواع والأشكال داخل صناديق خشبية، وقد دوِّن عليها اسم كل صنف، رحّبت بهما صاحبة المتجر بابتسامة عريضة وهي تنحني باحترام، وقد سيطر الارتباك على نبرة صوتها حين قالت:
- لقد أنار وجود جلالتك متجري المتواضع، كيف يمكنني مساعدتك؟
- أشكرك، أريد بذرة واحدة لزهرة التوسمان.
اختفت ابتسامتها وأخذت مكانها ملامح الصدمة؛ عندما ختم آكين حديثه بالنظر إلى زوجته التي احمرّت خجلًا.
تلعثمت البائعة: هل أنت متأكد، جلالتك؟
عقد حاجبيه محدقًا فيها باستنكار، ولم يَتلفظ بشيء في حين هرعت البائعة لتحضر طلبه وقد أرعبتها نظرته نحوها.
جذبت أريناس يده لتعاتبه بلطف: لم تقل السيدة شيئًا يستحق حنقك.
داعبت أصابعه جانب وجهها مزيحًا إحدى خصلاتها المتسللة من العقدة التي لُفّت خلف رأسها، ثم قال بابتسامة لعوبة: تبدين في غاية الجمال، يا نبضي.
اتسعت عينيها، وتورّدت وجنتيها، فأخفضت رأسها خجلًا حتى لا تزيد نظراته من ارتباكها، ولكن صوت ضحكته بعثرت الجدار الوهمي التي كانت تحاول الاستناد عليه حتى لا تذوب عشقًا في تفاصيل مالك قلبها، الذي يكاد يخرج من موضعه.
خرجا من المتجر بعد أن أعطى للبائعة ثمن ما اشتراه وذلك بعد رفضها قائلة «أن زيارته لمتجرها المتواضع تكفيها» إلا أنه أصر على الدفع.
- أظن أنه يجب أن تنظري إلى الطريق بدلًا من وجهي، يا زوجتي الخجولة.
ابتسم آكين عندما لاحظ تأثير كلماته عليها، واستغرب كونها لم تُشِح بنظراتها بعيدًا وهمست بهيام: أحاول حفظ هذه اللحظات في ذاكرتي؛ حتى أعود إليها عندما ترجع للإنشغال بأعمالك.
تجاهل نبرة الحزن في نهاية حديثها وانحنى ليحملها بين ذراعيه فشهقت وقد أفزعتها حركته المفاجئة، فتداركت الوضع سريعًا محيطة عنقه بذراعيها؛ حتى تثبت نفسها ولا تقع.
- آكا، نحن في السوق، الجميع يحدقون بنا.
لم يرد متجاهلًا نظرات المحيطين بهما وسار حتى خرج من القرية تمامًا وتوقف بعد فترة ليست بقصيرة، ثم وضعها أرضًا فوجدت نفسها تقف على بُعد عدّة خطوات من النهر وقد حدّه من الجانبين أزهار لم ترى مثلها أبدًا وقد كانت تتوهج بألوان مختلفة.
أمسك بيدها ليطبع على ظهرها قبلة جعلت رجفة محببة تسري على طول ذراعها حتى بلغت شغاف قلبها.
ابتعد عنها بضع خطوات ثم نزع رداءه ذي اللون الأحمر القاني كالدم وترك بنطاله، ثم ظهرت خطوط زرقاء على ذراعه بدأً من رسغه إلى كتفه، فعلمت حينها أنه سيتحول لترسم ابتسامة حماسية؛ فقد اشتاقت للحظاتهما الفريدة اللاتي لطالما تشاركانها معًا.
خلال ثوانٍ قليلة أُستبدل جسده ذي السُّمرة الخفيفة بجواد أبيض، بعينين زرقاويتين مشعتين كلون حوافره وقد طال أرجُله كأنه نيران مشتعلة.
دنت منه ثم رفعت يدها لتداعب عنقه فصدر عنه صوت يدل على استمتاعه بلمستها، ولم يكن صعبًا عليها أن تفهم رغبته في صعودها على ظهره، ففعلت والحماس يسيطر عليها، وفي اللحظة التي تأكد من ثباتها انطلق راكضًا حتى بلغ وجهته.
نزلت عن ظهره فعاد إلى طبيعته، وعينيه لم تتحرك من عليها وقد ملأهما ولهٌ عظيم لا قدرة للكلمات على وصفه.
راقب ملامح الإعجاب التي تجلت على وجهها عندما رأت المشهد أمامها، كانا يقفان أمام مدخل كهف أسفل الجبل، في الجانب الآخر من المدخل الذي يؤدي إلى منبع النهر.
شبك كفه بخاصتها، ثم سحبها برفق ليدلفا إلى الكهف الذي ملأت جدرانها الحجرية أعداد لا تُحصى من الأحجار الملونة، والمتوهجة لتضفي على الأجواء طابعًا مبهجًا، ومليئًا بالحياة.
نقشت أشكال غريبة على الأرض داخل الكهف، فقال آكين عندما لاحظ نظرتها المتسائلة: هذه لغة قومي الأصلية، نقشت أبجديتها هنا حتى لا تُنسى مع مرور الزمن.
- ماذا نفعل هنا، يا آكين؟
كانت تعلم ما هذا المكان، وقد أرعبها ظنها بشأن السبب وراء جلبه لها إلى هنا، وقد دعت في داخلها أن يكون قد جاء بها إلى هنا فقط ليريها المكان بصفتها زوجته.
عانق كفّيه جانبَي وجهها، ثم قال -بشغف داعب قلبها- متجاهلًا سؤالها: خُيّل إلي طوال حياتي أنني مكتمل، حتى عثرت على الروح التي تُكمل خاصتي، فأدركت وقتها كم كنت ناقصًا.
حديثه أكّد لها شكوكها فقالت بابتسامة حزينة: رغم توقي لربط روحينا معًا إلا أنني لا استطيع التفكير بأنانية، والسماح لك بفعل ما تفكر فيه.
أسند جبينه على خاصتها ثم رد بنبرة حنونة: مضت أكثر من ثلاث سنوات على زواجنا، ولا يجب أن يتأخر هذا الأمر أكثر من ذلك.
سحبت جسدها بعيدًا عنه، ثم قالت بحزن وقلق: أكا، أنا بشرية وإذا أصابني سوء فحتمًا لن أرغب في أن تنال منه شيئًا.
دنا منها ليأخذ بيدها وسحبها معه ليكملا طريقهما إلى جوف الكهف، وقد اتسعت عينيها بإنبهار عندما نظرت إلى السقف فرأت رسمًا لطائرًا هائل الحجم، بألوان متعددة وقد فرد جناحيه فازدادت هيبته.
- هذا طائر الأفيزاباتشي، أعظم كائن في عالمي.
أخبرها بابتسامة لطيفة عندما لاحظ نظراتها المتعجبة، ثم أردف: دعينا ننهي ما جئنا من أجله، وإياكِ أن تفكيري في الاعتراض؛ لأنني لن أتحمل التواجد في هذه الحياة إذا رحلتِ عنها.
- ماذا عن تينيرت؟ إن مات كلانا ماذا سيحدث لها؟
- ستكون أعظم أميرة، وستعتني بها توتيل.
عقدت حاجبيها، وحدقت به بضيق ثم قالت: ألهذا ترفض زواج توتيل من ستيف؟ حتى لا تتأذى هي؟
- ستيفان لن يتردد لحظة واحدة في الإنضمام إلى جانب شقيقته في هذه الحرب، ولا يمكنني ضمان سلامته وبالتالي أي مكروه يصيبه سيصيبها، وأنا لا أريد ذلك.
جديته أثناء حديثه، ونظراته الحانقة، دفعاها للانصياع إلى رغبته في ربط روحيهما؛ فلن يبقى أحدهما حيًّا إذا مات الآخر.
سحب الكيس القماشي الصغير من جيبه، وأخرج منه البذرة الصغيرة ذات اللون البنفسجي المتوهج، ثم توجه إلى منتصف الكهف، تحديدًا أسفل رأس الأفيزاباتشي حيث وجِدت تربة سوداء تحيطها أحجار ملونة أكبر من قبضة اليد بقليل، فجعلت منه حوضًا مناسبًا لغرس النباتات الفريدة، والنادرة وخصوصًا زهرة التوسمان.
كان في الحوض زهرتان فقط، مما دفع أريناس لتسأل بفضول، بعد جلوسها بقربه: لمن هاتين الزهرتين؟
كان الحزن واضحًا في نبرته حين قال: الملكة وابنتها.
انحنى لينبش حفرة صغيرة بيده ثم وضع البذرة وغطّاها بالتراب ذي اللون الأسود، حين استفسرت قائلة: هل والدتك ربطت روحها بخاصة توتيل؟
- لم أكن أقصد والدتي، بل الملكة الأصلية، التي أنقذت حياتنا جميعًا عندما نقلتنا من عالم التايتينيا إلى هنا، كما نُقل آخرون إلى عوالم أخرى، ولكنها لم تتمكن من ترك عالمنا لتنقذ ابنتها، ولكن الطفلة كانت قد توفيت بالفعل، فجاءت أفيانا إلى هنا محطمة تمامًا، وقد جابت هذا الكوكب بأكمله دون وجهة معينة، وأثناء تِجوالها وجدت هذا النوع من الزهور، وأطلقت عليه اسم توسمان تيمنًا باسم طفلتها.
زاد حديثه من استغرابها؛ فما شأن هذه الزهرة بربط الأرواح! فسألت:
- وكيف يمكن لهذه الزهرة أن تربط روحين معًا؟
ابتسم نحوها بلطف فقال محركًا رأسه للجانبين، ثم أجابها:
- ليست الزهرة بل روح الأفيزاباتشي التي تسكن الكهف. قامت أفيانا بإلقاء تعويذة سحرية على الكهف، وعندما يأتي شخصان ويزرعا هذه الزهرة هنا في هذه التربة التي نقلتها الملكة من أرض الوطن برفقة شعب هذه المملكة، تُربط روحَيهما بواسطة روح الأفيزاباتشي التي نقلتها الملكة من جسدها لتسكن الكهف.
- وأين هي الملكة الآن؟
سألت ومخيلتها تستحضر بعضًا من الأفكار بشأن مصير تلك الملكة، وما حدث معها، وأين هي الآن بعد كل هذه السنوات.
- فرارنا إلى هنا لم يكن يعني أننا في أمان، والملكة ضحّت بحياتها لتحافظ على حيوات الآخرين.
تجلى الحزن على ملامحها البريئة، فرفع آكين يده ليجذبها نحوه في عناق يملؤه الأمان.
بعد فترة من الصمت اللذيذ، أبعدت رأسها لتنظر إلى وجهه، ثم سألت:
- كيف نعلم إذا ما رُبطت روحينا معًا؟
- ستنمو البذرة سريعًا لتصبح زهرة مضيئة، ثم تتفتح بتلاتها لتكشف عن جوهرة لامعة، وسنقوم نحن بوضعها على الجدار.
- إن كانت الملكة وابنتها قد توفيتا، فمن غرس هاتين الزهرتين؟ ولماذا لما تتحولا إلى جوهرتين كما حدث مع الباقي؟
ابتسم بأسى، ثم تنهد قائلًا: زرعهما والدي بعد وفاة الملكة.
أحاطت وجه بكفّيها فدنت منه حتى اختلطت أنفاسهما، ثم همست والأمل يملأ نظراتها العاشقة: أنا متأكدة أنه بخير وسيعود قريبًا.
تنهد محاولًا التخفيف من الثقل الجاثم على فؤاده الجريح، ثم اسند جبينه على كتفها الأيسر فقبّلت هي رأسه، محيطة إياه بذراعيها فبادلها العناق، ولم يقاطعهما سوى توهج غريب كان مصدره إحدى الزهرتين.
ابتعد آكين لينظر إلى الزهرة بصدمة واستغراب، فسألته أريناس بقلق: ماذا يحدث؟
- لا أعلم، من المفترض أن تنبت بذرتنا لا أن تتفتح هذه الزهرة.
أجابها ونظراته معلقة بالزهرة التي بدأت في التّفتح لتكشف عن جوهرة بيضاء متوهجة.
- ماذا سنفعل إذًا؟
سألت عاقدة حاجبيها بحيرة، في حين نهض فأمسك الجوهرة ليقلبها بين أصابعه، ثم أجابها: سنثبتها على الجدار.
~٠~*~٠~
وضع كفّيه على خصرها النحيل؛ ليحمل جسدها الضئيل ويُجلسها على طرف المكتب، ورغم ذلك مازال فرق الطول بينها شاسعًا.
-أريني جُرحكِ.
تحدث ويليام بجزع والقلق يكسو ملامحه الوسيمة.
احتضنت يده اليمنى بكفيّها وعينيها تعانق خاصته وابتسامة لطيفة تلوح على شفتيها، ثم قالت:
- وِيل، أقسم أنني بخير، هذا الجُرح لا يستحق كل هذا الفزع.
- ديانا، لا تحاولي، أنا مُصِر على رؤيته.
أصر بنبرة حازمة، ولم ينتظر ردًّا منها ليخلع عنها معطفها ثم فك أزرار الصديري ذي اللون البنفسجي الباهت وبعده القميص الأبيض ليخلعهما معاً وبقيت بـفانيلا بحمّالات عريضة بنفس لون القميص.
كانت بقع الدماء قد انتشرت في أنحاء كثيرة من ملابسها ولكن أكبرها وأكثرها سوءًا هي تلك التي عند الكتف وجانب خصرها، وعندما رفع ويليام يده ليزيح طرف الفانيلا الذي يخفي أسفلها جرحها، وقد كان يتخيل أسوء الاصابات، ولكن ما وجدها مجرد جرح بسيط يكاد يلتئم.
قهقهت ديانا عندما رأت ملامح وجهه المصدومة، وقد كان متأكدً من أن إصابتها كانت شديدة الخطورة.
وضعت كفّها الأيمن الدافئ على خدّه المُلتحي، والابتسامة اللطيفة التي تُزين ثغرها زادت ملامحها الفاتنة وداعة، حافظت على ابتسامتها وهي تقول بنبرة حنونة كأم تُطمْئِن طفلها: ويل، هل نسيت أنني مستذئبة الآن؟ جروحي تطيب في وقت قصير جدًا.
أسند جبينه بخاصتها، مغمض العينين لتصدر عنه تنهيدة راحة بعد أن زال رُعبه وخوفه الشديدين اللذين شعر بهما إثر إصابتها.
- لا يمكنني وصف الخوف والجزع اللذين أحسست بهما.
تحدث بنبرة خافتة دون أن يفتح عيناه، بينما أبقت بصرها على وجهه تراقب ملامحه القريبة.
- أنا بخير الآن.
همست بنبرة تفيض حنانًا بعد أن وضعت كَفها الأيسر على خدّه الآخر لتحيط وجهه بيديها، ونظراتها التي تشع عشقًا لم تُزح من عليه.
- أنا متيمٌ بكِ، آنا.
داعبت نبرته الهادئة ذات البحّة المميزة قلبها، الذي يكاد يخرج من موضعه بين أضلعها، وقد طالت أطرافها رجفة أنستها العالم أجمع.
- أيجب أن أتعرض للأذى لأسمع منكَ اعترافًا كهذا؟
غمر العبث كُلًّ من نظراتها، ونبرة صوتها الخافته، ففتح عينيه دون أن يبعد جبينه عن خاصتها، وقد طال العبث ابتسامته جانبية التي زادته وسامة.
- وهل تعجز أفعالي عن التعبير عن مشاعري نحوك؟
أظهرت ملامحها رفضها لحديثه، ولكن صوت الباب الذي فُتح على مصراعيه ألجمها، وجعل ويليام يرفع رأسه نحو القادم الجديد بنظرات زاجرة غاضبة.
تجاهل آيزاك غضب أخيه ليقول بنبرة ضاحكة عابثة: يبدو أنني جئت في الوقت المناسب.
دلف إلى حجرة المكتب ليردف بخبث رافعًا حاجبه الأيسر:
- هذه الرومانسية لا يجب أن تتواجد في مكان للعمل، وإدارة شؤون مملكة بأسرها.
- لن يعلمنِ صعلوك مثلك ما يجب أن أفعل، وأين أفعله.
ردّ عليه ويليام وقد استقام واقفًا ليعقد ذراعيه ببرود، ثم وجّه حديثه إلى ديانا أمرًا بحزم: إرتدي ملابسك حالًا.
كانت وجه ديانا في هذه الأثناء يعكس خجلها العظيم وقد كسته حُمرة شديدة زادت من جمالها في عيني زوجها رغم الارتباك والتوتر الذين يكسوان ملامحها، وتصرفاتها ليطال أناملها وهي تحاول جاهدة ارتداء قميصها، ومعطفها دون الصديري.
كان آيزاك يقف مستمتعًا بما سببه لأخيه من إزعاج، وقد تجاهل الأخير وجوده، وبقي يراقب زوجته حتى أنهت ارتداء ملابسها ليساعدها على النزول من على المكتب.
أعلنت ديانا بنبرة خافتة يشوبها الخجل والارتباك:
- سأبقى خارجًا حتى تنهي عملك.
- قد يتأخر عملي لبعض الوقت، لذلك ستبقين على الأريكة هنا.
خاطبها ليسحب المقعد خلف مكتبه ويجلس. استرخت ديانا حيث أشار، لتمدد ساقيها على الطاولة الزجاجية الصغيرة أمامها، بينما اتخذت من خصلات شعرها وسيلة بسيطة للعبث بدلًا من الاستسلام للملل.
كانت مبتسمة وهي تقوم بتضفير أطراف شعرها الطويل وتعيد فكّها، لم تشعر بنظرات ويليام الشارد بها متسائلًا، ما هو الشيء الجيد الذي فعله في حياته ليحصل على امرأة مثلها؟
~٠~*~٠~
صوت صراخها ملأ المكان، كان الألم يفتت كل خلية داخل جسمها، شعرت وكأن هناك يد تخنقها، تلوّى جسدها وكأن نارًا تصليها.
احتضنها ويليام بقوة هامسًا: صغيرتي، استيقضي، إنه مجرد كابوس.
مضت عدة دقائق حتى هدأ صراخها وقد امتلأت عينيها بالدموع، فسألها بقلق بالغ: ماذا هناك؟ هل يؤلمكِ شيء ما؟
ابتلعت غصتها واستغرقت وقتًا طويلًا حتى همست بألم: قبل فترة ذهبت برفقة كاسترو إلى عرّاف يدعى هايجِن، وفي طريق العودة اعترض طريقنا مافرو ومع ذئبين آخرَين، كنت -حتى تلك اللحظة- أتذكر كل شيء حدث أثناء لقائي به، ولكن عندما استيقضت بعد فقداني للوعي لم أعد أتذكر أي شيء.
صمتت لثوانٍ قامت خلالها بمسح دموعها دون فائدة؛ فقد استمرت بالهطول، ثم تابعت : تذكرت كل شيء الآن، لقد قال أن هناك روح أخرى تسكن جسدي.
شعر ويليام وكأن الوقت توقف أثناء انتظاره لتكمل حديثها، ولكن غصتها أخّرت ذلك فسأل متوجسًا: روح من؟
تشبثت بقميصه وهي تدفن رأسها في صدره، بينما حاولت جاهدة أن تتوقف عن البكاء للحظة، ثم همست بقهر: روح الهايدرا.
🌟 🌟 🌟
أخيييييييرا 💃
17 يوم نصهم كنت مريضة والنص الثاني مش قادرة اكتب بسبب الحر 😂💔
نهاية البارت حماس صح 😇
وكدا أحد أكبر الأسرار اتكشف 😎👌
الرواية باقي 29 يوم وتكمل السنة 😭❤
عايزة نحتفل في اليوم دا بس مش عارفه هنعمل ايه 😂💔 اقترحوا عليا افكار يلا 🙄
في أمان الله ❤
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top