8
الفصل الثاني :
وقف فهد أمام نافذة غرفته ينظر إلى المارة بشرود، كان مستعدا لدفع أي ثمن لإعادة حياته السابقة، لما قبل الطلاق، ليصحح أخطاءه، و يعيش بسعادة مع المرأة الوحيدة التي أحب، لكن الحياة معقدة، و ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، دخلت زوجته إلى غرفته بعد أن أذن لها بذلك، حاملة صينية الغذاء المليئة بأطباقه المفضلة، لكنه أخبرها أنه ليس جائعا، فانصرفت بهدوء بعد أن تركت الصينية على مكتبه. نظر إلى الصينية ثم التفت مجددا نحو النافذة، ذهنه يقارن بين طليقته و زوجته، لم يسبق له أن فكر في هذا من قبل، ربما لأنه لم يقابل إيناس منذ طلاقهما، أو لأن الزمن مضى بسرعة لدرجة أنه لم يملك الوقت للتفكير في ما فقده. قادته أفكاره المشتتة إلى الدرج القريب من سريره، فتحه ليخرج علبة صغيرة، فتح الأخيرة ليخرج زوج أحذية جديدة بحجم كف يده، أحذية زرقاء، كان قد أهداها له صديقه حين علم بحمل زوجته، لكنه لم يفكر بطفله الذي لم يولد بعد و هو ينظر إلى تلك الأحذية الصغيرة، بل في الطفل الذي فقده، لابد أنه في مكان اخر مع عائلة أفضل، لابد أنه خطى خطوته الأولى و نطق بكلمته الأولى، ربما يشبهه، أو أنه يشبه إيناس. وضع يديه على مقدمة رأسه، يحاول إيقاف أفكاره، ضغط بقوة على رأسه، و شعر بوهن لم يشعر به من قبل.
و في مكان اخر كانت إيناس في غرفة تبديل الملابس بالمستشفى، ارتدت بذلتها الزرقاء السماوية، بذلة بيضاء فوقها و أحذية طبية، إن كان هنالك قرار لن تندم عليه فهو قرارها بأن تصبح ممرضة، أن تكون الأقرب لمن أضعفهم المرض، أن ترافق الناس في اللحظات الأخيرة من حياتهم، أن تكون بجانب من لا أحد بجانبهم، أن تخفف ألمهم، ترفع من معنوياتهم، تبتسم في وجوههم، تعقم جراحهم، تضمدها، تسهر على راحتهم. حين تتنقل بين المرضى تنسى كل ما تشعر به، كل المعارك التي يخوضها ذهنها، تنسى جراحها و لا تفكر سوى في جراح الاخرين، كانت قد سمعت كلاما معبرا عن ذلك في المسلسل التلفزي
Nurses
ما ترجمته :
قيل لنا ألا نجلب شؤون عملنا للمنزل معنا
و لا أن نجلب عالمنا للعمل معنا
قيل لنا أننا يجب أن نضع .. عالمنا المضطرب بعيدا عن يومنا
نضعه على الرف و يكون بحوزته كل مخاوفنا و قلقنا
و نلتقطه من على الرف بين الأتربة و نحن في طريقنا للعودة للمنزل
بعد مناوبة طويلة
قيل لنا أن حياتنا الخاصة
لا يجب أن تؤثر على مستوى الرعاية التي نعطيها
من أين أتينا
هكذا نهتم بهم ..
اللغز المستحيل هو رعاية الاخرين
عندما لا يكون باستطاعتنا حتى أن ..
نهتم بأنفسنا
إرهاقها في العمل و تفكيرها في الاخرين تشغلها عن التفكير في نفسها. حقنت إبرة أنسولين لعجوز مصابة بمرض السكري، فابتسمت هذه الأخيرة في وجه إيناس و قالت لها بحنان " أرجو أن يرزقك الله بكل ما تتمنينه "، أجابت إيناس ب" امين "، إلا أنها لم تعد تتمنى شيئا، لربما كان فهد محقا، و ابنها في مكان أفضل، إستأذنت من المريضة بعد أن لاحظت شرودها. غسلت وجهها ثم عادت إلى عملها.
و عند فهد فقد دخل مساعده إلى مكتبه، و قال له بنبرة عملية:
" سيد فهد، لدي معلومات جديدة عن الطفل الذي طلبت مني البحث عنه، هناك كاميرات مراقبة أمام المكان الذي قلت أنه تم وضعه فيه، شاهدت كل تسجيلات التاريخ الذي ذكرته، و أعتقد أنني وجدت شيئا مفيدا "
قاطعه فهد بعد نفاذ صبره :
" ادخل صلب الموضوع "
ليجيب :
" الطفل قد أخذه رجل بعد حوالي ساعتين من وضع السيدة له "
زفر فهد بحده، و مسح وجهه بقلة حيلة، ليتابع مساعده حديثه، و هو يعرف أن كل جملة يضيفها تزيد من حنق سيده
" الرجل معلم، متزوج، و أب لطفلين، سجله نظيف، و يعيش في بلدة شمال البلاد، جيرانه يمدحون أخلاقه و يبدو أن لا أحد يعرف أن الطفل الثالث متبنى "
قال فهد بشرود
" عائلة مثالية سعيدة "
إنصرف مساعده بعد أن استأذن منه و ترك ملاحظات ما وجده على مكتبه، تساءل فهد إن كانت إيناس لم تفكر حقا في تفقد كاميرات المراقبة، بالطبع امرأة ذكية كإناس لن تغفل عن ذلك، عقلها الباطني يقنعها بأن تفقد الأمل، و أن تدع ذلك الطفل و شأنه، لن تستطيع الاعتناء به و هي تعلم أنه ابن الرجل الذي أخذ بيدها من الجنة إلى الجحيم، و لا يحق لها تعذيب طفل بأن لا تمنحه الحب الذي يستحقه. لكن ماذا لو أن إيناس لم تتفقد حقا كاميرات المراقبة ؟
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top