5

نظرت نور إلى مذكرتها الصغيرة، لتتذكر أن اليوم هو الخميس، يوم تنظيف منزل شهاب، هي تسجل كل شيء في مذكرتها، فالنسيان لا يفارقها في الآونة الأخيرة، قامت بتحضير الفطور على الطاولة، و وضعت ملاحظة على الثلاجة تطلب فيها من قريبتها نادية أن تطعمه لأنور بعد استيقاظه. نادية هي الشخص الوحيد الذي تؤمّنه نور على ابنها، فهي لا تثق بالآخرين. و هي صديقتها الوحيدة، هي ما زالت تتذكر أول مرة قابلت فيها نادية، كانت جالسة في المنتزه تستعرض شريط حياتها، و أكثر ما آلمها أنها رغم الألم الشديد الذي في صدرها كانت عاجزة عن البكاء و إفراغه، إن الأقسى هو العجز عن البكاء في أكثر موقف أنت بحاجة لذلك، و في أكثر لحظات حياتها وحدة ظهرت نادية، و جلست لتواسيها، و تستمع إليها، إن الإنسان حين يكتئب لا يحتاج أكثر من شخص واحد يستمع إليه.

بينما كانت نور تنظف ذلك المنزل، سقطت من الأوراق على مكتب شهاب ورقة بها عنوان بخط عريض في المنتصف، عنوان مثير للاهتمام " أضغاث أحلام "، و أسفل الورقة كُتب اسم شهاب بخط واضح، أدركت أنه كان يكتب رواية قبل اختفائه، بحثت بين بقية الأوراق لعلها تجد ما كان يكتبه، لكن لم تكن هنالك سوى الورقة التي تحمل العنوان، لابد أنه أخفى بقية الأوراق في مكان ما، أو أنه قد أخذها معه، إنتابها شعور سيء حيال ذلك، لكنها نفضت الفكرة من رأسها، أعادت الورقة إلى مكانها، ثم تابعت تنظيف المنزل، لتعود في آخر اليوم مرهقة إلى منزلها، و بعد واجباتها المنزلية تستلقي، ليأخذ النوم بيدها سريعا في رحلة طويلة.

لقد كانت نور منذ طفولتها المبكرة تعيش في منامها حياة منفصلة عن واقعها، تعيش حياة مختلفة بشتى تفاصيلها. في منامها مؤخرا هي سعيدة جدا، طباخة ناجحة، زوجة مثالية، و أم رائعة، و علاقتها بعائلتها وطيدة جدا. في منامها وصلت إلى كل ما عجز الواقع عن منحه لها. كل يوم تعيش أحداثا جديدة حين تخلد للنوم، أحيانا تعيش تجارب صعبة، لكنها تتخطاها قبل أن تستيقظ، لقد أخبرها المعالج النفسي بأن عقلها يخلق ذلك كمهرب لها من واقعها القاسي، لكنها لم تصدقه يوما، لم يكن كلامه بالنسبة لها سوى هراء لم تعر له أدنى أهمية.

بعد خلودها للنوم تلك الليلة، رأت شهاب، أول مرة يدخل فيها إلى ذلك العالم الذي بنته مخيلتها، و لكنه لم يدخل كربّ عملها، بل كزبون في مطعمها، زبون مهم، قدمت له الطعام الذي طلبه، ثم تفحصت ملامحه المألوفة، ليبتسم بارتباك حين لاحظ شرودها بالنظر إليه، أفاقها ابتسامه من شرودها، ثم تمنت له شهية طيبة و انسحبت إلى المطبخ، حتى في منامها بدى لها أنه شخص مثير للاهتمام. حين غادر المطعم، جلب لها النادل ورقة ملاحظات تركها شهاب، فتحتها لتجد عبارة : " أضغاث أحلام "، إستيقظت من النوم فزعة، لقد بدأ واقعها يتسلل إلى منامها!

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top